محاضرة في القصد الجنائي وعناصره

القصد الجنائي وعناصره

القصد الجنائي وعناصره

تقديم:

لا يكفي الركن المادي وحده لقيام الجريمة، سواء كان هذا الركن سلوكا مجردا أو سلوكا أفضى إلى نتيجة إجرامية، وإنما تكتمل الجريمة حين يقترن هذا الركن بركن آخر يطلق عليه إسم الركن المعنوي.
فالركن المعنوي هو الجانب النفسي للجريمة، فلا تقوم الجريمة بمجرد قيام الواقعة المادية التي تخضع لنص التجريم، وإنما يلزم أن تكون هناك رابطة بين ماديات الجريمة ونفسية فاعلها، فالقاعدة أن لا جريمة دون ركن معنوي.
و للركن المعنوي أهمية أساسية في النظرية العامة للجريمة، لأنه سبيل المشرع إلى تحديد المسؤول عن الجريمة إذ لا يسأل شخص عن جريمة ما لم تقم علاقة بين مادياتها ونفسيته، وهذا الركن في النهاية ضمان للعدالة وشرط لتحقيق العقوبة أغراضها الاجتماعية إذ لا تقبل العدالة أن توقع عقوبة على شخص لم تكن له بماديات الجريمة صلة نفسية، ثم أن هذه العقوبة لن تحقق للمجتمع غرضا لأن هذا الشخص في غير حاجة إلى الردع والإصلاح الذين تسعى إليهما.

صور الركن المعنوي:

يمكن القول وأن الركن المعنوي يتمثل في العناصر النفسية لماديات الجريمة، وتعتبر الإرادة أهم هذه العناصر، ولهذا قيل بأن الإرادة هي جوهر الركن المعنوي، إلا أن دور الإرادة ليس واحدا بالنسبة لماديات الجريمة، فهي أحيانا تتواجد مع الفعل تستمر إلى غاية تحقيق نتائجه، بحيث يريد الجاني الفعل ويريد نتائجه،وفي هذه الحالة يتخذ الركن المعنوي صورة القصد الجنائي أو صورة العمد، وأحيانا أخرى تتواجد الإرادة مع الفعل فقط ، دون أن تستمر إلى غاية تحقيق نتائجه، بحيث أن الجاني يريد الفعل فقط أما النتيجة فهو لا يريدها، وفي هذه الحالة يتخذ الركن المعنوي صورة الخطأ غير المقصود أي غير العمدي.
وسوف نكتفي في هذه المحاضرة بدراسة القصد الجنائي وعناصره ونترك الخطأ غيرالعمدي للمحاضرة اللاحقة.

أولا: تعريف القصد الجنائي

القصد الجنائي أو العمد هو الصورة النموذجية للإرادة الآثمة، ففي هذه الصورة يبرز بجلاء وجه التحدي من جانب الجاني لأوامر المشرع ونواهيه، والجريمة في جوهرها ليست إلا خروجا على أمر المشرع أو نهيه، ولهذا كان العمد هو الأصل في الجرائم، أما الخطأ غير العمدي فيعتبر اسثتناء، ولما كان الأصل لا يحتاج إلى نص يقرره أو يؤكده فإن التشريعات المقارنة قلما تصرح بالعمد في نصوصه، والفقه والقضاء متفقان على أنه إذا أغفل المشرع بيان صورة الركن المعنوي في جريمة ما فإن هذه الجريمة تكون عمدية.
و المشرع الجزائري بدوره لم يعرف القصد الجنائي، واكتفى بالنص في الجرائم على العمد فقط مثل القتل العمدي في نص المادة 254 من قانون العقوبات "القتل هو إزهاق روح إنسان عمدا "و مثل الضرب و الجرح المنصوص عليه بالمادة 264 "كل من أحدث عمدا جروحا للغير أو ضربه .."
وهكذا توجد أمثلة كثيرة عن إشارة المشرع عن العمد دون أن يعرفه صراحة.
أما الفقه قد اجتهد في تعريف القصد الجنائي بالقول هو "العلم بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها" ومنه نستخلص و أن للقصد الجنائي عنصرين "العلم والإرادة" فإذا انتفى أحدهما أو كلاهما انتفى القصد الجنائي.

ثانيا: عناصر القصد الجنائي

يقوم القصد الجنائي على عنصرين العلم والإرادة،

1/ عنصر العلم في القصد الجنائي:

القاعدة أنه لكي يتوافر العلم الذي يقوم به القصد الجنائي إلى جانب الإرادة، يتعين أن يحيط الجاني علما بجميع العناصر القانونية للجريمة أي بأركانها كما حددها نص التجريم، فإذا انتفى العلم بأحد هذه العناصر انتفى القصد بدوره.
والعلم هو "حالة ذهنية أو قدر من الوعي يسبق تحقق الإرادة ويعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع".
وإذا كان العلم شرطا لتوافر القصد الجنائي فإن الجهل أو الغلط في الواقعة يؤدي إلى انتفائه، فالجهل يعني انتفاء العلم، والغلط يعني العلم على نحو يخالف الحقيقة، وفي كلتا الحالتين ينتفي العلم بحقيقة الواقعة وينتفي معهما القصد الجنائي.
ونحاول أن نبين الوقائع التي يجب أن يعلمها الجاني و الوقائع التي لا يتطلب القانون ضرورة العلم بها.

أ/ الوقائع التي يجب العلم بها:

يجب على الجاني أن يعلم الوقائع التالية:
- العلم بموضوع الحق المعتدى عليه، ففي جنحة السرقة مثلا يجب أن يعلم الجاني بأن المال موضوع السرقة مملوك للغير.
- العلم بزمان أو مكان ارتكاب الجريمة، ففي بعض الجرائم يشترط القانون مكان محدد مثل جريمة التجمهر التي لا تكون إلا في مكان عام طبقا لنص المادة 97 من قانون العقوبات، أما الزمان فمثل جناية الخيانة في زمن الحرب طبقا المادة 62 من قانون العقوبات
- العلم ببعض الصفات في الجاني أو المجني عليه، مثل جنحة الإجهاض التي لا تكون إلا في إمرأة حامل أو جريمة اختلاس أموال عمومية التي لا تكون إلا طرف الموظف.
- العلم بالظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة، لأن هذا الظرف بمثابة ركن للجريمة مثل السرقة الموصوفة التي تختلف عن السرقة البسيطة، وجريمة ضرب الأصول التي تختلف عن الضرب بالنسبة لشخص غريب.

ب/ الوقائع التي لا يتطلب القانون ضرورة العلم بها:

توجد بعض الوقائع لها علاقة بالجريمة ولكنها ليست ركنا فيها وبالتالي لا يشترط العلم بها وهي كما يلي:
- لا يمكن للجاني أن يتعذر بأن الأهلية الجنائية لديه لم تكتمل كأن يعتقد الجاني وأنه لم يكمل 18 سنة بتاريخ الوقائع.
- لا يمكن للجاني أن يتعذر بعدم علمه بالظروف المشددة المتعلقة بجسامة النتيجة كأن يريد الضرب ولكن حدثت الوفاة (الضرب المفضي إلى الوفاة المادة 264 الفقرة الأخيرة من قانون العقوبات).
- لا يمكن للجاني أن يتعذر بعدم علمه بالظروف المشددة التي لا تغير من الوصف الجنائي مثل العود، ولا يمكنه أن يدفع بأنه نسى بأنه قد ارتكب جريمة سابقة.

2/ عنصر الإرادة في القصد الجنائي:

وهي العنصر الثاني للقصد الجنائي، وهي "عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسي يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع".
أو هو نشاط نفسي يصدر عن وعي وإدراك يهدف إلى بلوغ هدف معين فإذا توجهت هذه الإرادة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية بسيطرتها على السلوك المادي للجريمة وتوجيهه نحو تحقق النتيجة، قام القصد الجنائي في الجرائم المادية، في حين يكون توافر الإرادة كافيا لقيام القصد الجنائي إذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض مثل جنحة حمل سلاح محظور.

ثالثا: أنواع القصد الجرمي

للقصد الجنائي عدة صور ، فقد يكون قصدا عاما أو قصدا خاصا، وقد يكون قصدا مباشرا أو قصدا احتماليا، كما قد يكون قصدا محدودا أو قصدا غير محدود

1/ القصد العام والقصد الخاص:

ويقد بالقصد العام انصرف إرادة الجاني نحو القيام بفعل وهو يعلم أن القانون ينهى عنه، وهذا القصد موجود في جميع الجرائم العمدية، مثل القصد العام في جريمة السرقة هو الاستيلاء على مال الغير.
بينما في القصد الخاص نجد أن القانون يشترط بالإضافة إلى القصد العام توافر الغاية التي دفعت الجاني إلى ارتكاب الجريمة والتي يقصد بها الهدف الذي يبتغيه من الجريمة، فقد يقتل الجاني شخصا بهدف التخلص منه لكونه منافس له.
وتجدر الإشارة أن المشرع الجزائري لا يعتد بالباعث أو الغاية أو الدافع إلى ارتكاب الجريمة، فحتى ولو كان الباعث على ارتكاب الجريمة نبيلا أو شريفا فإن القانون لا يأخذ به، رغم أنه قد يشكل عذرا مخففا، مثل الزوج الذي يقتل زوجته لحظة اكتشافها متلبسة بجريمة الزنا وهذا وارد بنص المادة 279 من قانون العقوبات.

2/ القصد المباشر القصد الاحتمالي:

يكون القصد مباشرا عندما تتوجه إرادة الجاني لارتكاب الجريمة التي أرادها بكل عناصرها ويرغب في حدوث النتيجة كما تصورها، فمن يطلق النار على خصمه بهدف قتله فإنه يتوقع هذه النتيجة وهي إزهاق روح المجني عليه.
أما القصد الاحتمالي فيقوم عندما يرتكب الجاني الفعل الإجرامي وتتحقق نتيجة أشد من تلك رسمها مثل الضرب المفضي إلى الوفاة.

3/ القصد المحدد والقصد غير المحدد:

فالقصد المحدد هو الذي تتجه فيه الإرادة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية في موضوع محدد، مثل إطلاق الجاني النار على شخص معين بالذات يريد إزهاق روحه،فالقصد فيه محدد.أما القصد غير المحدد فهو القصد الذي تتجه فيه الّإرادة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية دون تحديد لموضوعها، أي يستوي لدى الجاني تحققها في أي موضوع، ومثاله من يطلق الرصاص على جمع من الناس أو يلقي قنبلة بينهم يريد أن يصيب لأي عدد منهم دون تحديد لأحد منهم، فيكون القصد لديه غير محدد.

المرجع:


  1. عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 149 إلى ص 155.
google-playkhamsatmostaqltradent