التنفيذ بطريق التعويض

التنفيذ بطريق التعويض (م: 176 إلى 187 مدني)

التنفيذ بطريق التعويض

تمهيد:

الأصل أن ينفذ الالتزام عينا متى كان ذلك ممكنا، أما إن صار التنفيذ العيني مستحيلا، فإنه يجب أن نفرق بين أن تكون الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي وبالتالي لا مسؤولية على المدين، وبين أن تكون الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين وهنا لا مفر من التعويض، وتتصور الاستحالة في جميع أنواع الالتزامات، أي في الالتزام بنقل ملكية شيء أو أي حق عيني آخر (كأن يباع ذات الشيء إلى مشتريين اثنين لكن يتملكه أحدهما فقط) وفي الالتزام بالقيام بعمل (خاصة إذا تطلب تدخل المدين وامتنع عن ذلك) أو في الامتناع عن عمل (كعدم إفشاء سر، وأفشاه المدين)، والتنفيذ بطريق التعويض يتصور في الالتزامات العقدية وغير العقدية، ولئن كان الأصل أن يكون التعويض قضائيا، فإنه لا مانع مع ذلك أن يتم الاتفاق عليه، تحت ما يعرف بالشرط الجزائي.

المبحث الأول: التعويض القضائي

المطلب الأول: شروطه

يشترط لاستحقاق التعويض أن تجتمع شروط المسؤولية المدنية سواء كانت عقدية أو غير عقدية، أي ثبوت خطأ في جانب المسؤول – ما لم يعف الدائن من إثباته - ، وضرر أصاب الدائن، والضرر يجب أن يكون مباشرا وهذا سواء كان متوقعا (وهو ما يسأل عنه في إطار المسؤولية العقدية) أو غير متوقع (وهو ما يسأل عنه المدين في إطار المسؤولية التقصيرية) بالإضافة إلى ثبوت العلاقة السببية بينهما.
هذا مع الأخذ في اعتبار أنه لا يستحق أي تعويض إلا بعد إعذار المدين بتنفيذ التزامه أولا وهذا بنص (م : 179 مدني).

المطلب الثاني: أحكـــامه

بالنظر إلى (م: 176 مدني) فإن التعويض القضائي قد يتقرر إما لعدم تنفيذ المدين لالتزامه، أو لتأخره في تنفيذ التزامه فقط، وفي كل الأحوال يراعي القاضي في التعويض عنصر الخسارة التي لحقت المضرور وعنصر الكسب الذي فاته بسبب عدم التنفيذ أو التأخر فيه، باعتبار أن ذلك يمثل حقيقة الضرر الذي أصاب الدائن (أي المضرور).والتعويض قد يكون في صورة نقدية، وهو الغالب، وقد يكون في صورة عينية، وهذا كإزالة ما أتاه المسؤول إخلالا بالالتزام الواقع عليه (كهدم جدار، أو سد النافذة التي أقامها المسؤول، أو ردم بئر ...)، أو إلتزام المسؤول بإصلاح ما أتلفه بخطأه، والتعويض النقدي قد يدفع جملة واحدة أو على أقساط، أو في شكل إيراد مرتب مدى حياة الدائن مثلا، أو إلى بلوغه سن الرشد كأن يكون المتضرر قاصرا.

المبحث الثاني: التعويض الاتفاقي (أو الشرط الجزئي) (م183 إلى 185 مدني)

المطلب الأول: مفهوم الشرط الجزئي وطبيعته القانونية

الشرط الجزائي عبارة عن تعويض يتفق على تحديده أطراف العقد، إما في العقد ذاته أو في وثيقة لاحقة يتولى المدين أداؤه إلى الدائن إما في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو في حالة التأخر في ذلك فقط، فالتعويض هنا مقدر اتفاقا لا قضاءا، ومثال ذلك أن يتعهد مقاول في البناء بدفع تعويض نقدي إن هو تأخر في إتمام البناء في تاريخ محدد، ولئن كان الغالب أن يكون الشرط الجزائي، في صورة مبلغ نقدي، إلا أنه لا مانع من أي يكون في صور أخرى: كسقوط آجال دفع مبالغ مالية كانت ستدفع على أقساط، أو تشديد شروط استعمال حق معين وهذا كاشتراط ترخيص معين ...
مما سبق تظهر مزايا الشرط الجزائي:
- فهو تقدير مسبق للتعويض، مما يجنب الدائن مشقة إثبات الضرر وكذا تقديره.
- كما يمثل نوعا من التهديد المالي للطرف الذي تسول له نفسه الإخلال بالتزامه، وبهذا يضمن كل طرف لنفسه أنه سيحصل على التنفيذ العيني للالتزام من الطرف المقابل.
أما عن طبيعة الشرط الجزائي القانونية، فهو كما يتبين التزام تبعي لالتزام أصلي، أي أن الأصل أن ينفذ المدين الالتزام الواقع عليه، فإن هو أخل بذلك، وجب عليه تنفيذ الالتزام التبعي وهو الشرط الجزائي، ويترتب علي ما قيل أن بطلان الالتزام الأصلي ينجر عنه بالضرورة بطلان الالتزام التبعي، إذ الفرع يتبع الأصل، بينما بطلان الشرط الجزائي – لمخالفة النظام العام مثلا – لا يترتب عليه بطلان الالتزام الأصلي.

المطلب الثاني: أحكام الشرط الجزائي

باعتبار الشرط الجزائي تعويضا، فإنه تسري عليه أحكام هذا الأخير، فلا يستحق بالتالي الشرط الجزائي إلا بحصول إعذار للمدين من طرف الدائن، وأن يتوافر خطأ عقدي يتمثل في عدم التنفيذ أو التأخر فيه أو غيره، أما الضرر فقد افتراضه.
المشرع وقع على المدين إثبات انعدام الضرر، وكذلك إثبات علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومتى تحقق عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو تأخره فيه، فإن الدائن يستحق الشرط الجزائي كاملا، بحيث يلتزم القاضي بأن يحكم به كما هو وارد في الاتفاق، على أن المشرع أورد مع ذلك استثناءات لهذا الأصل، بحيث أجاز للقاضي تعديل الشرط الجزائي بالإلغاء أو بالإنقاص أو بالزيادة:
- فالقاضي لا يقضي بالشرط الجزائي أصلا، وهذا متى أثبت المدين أن الدائن لم يصب بأي ضرر.
- وللقاضي أن ينقص أو يخفض من مقدار الشرط الجزائي، إذ ما نفذ المدين جزاء من التزامه خاصة إذا كان الشرط الجزائي قد نص عليه لعدم التنفيذ، مما يجوز معه الاستخلاص أن التنفيذ الجزئي لا يؤدي إلى استحقاق الشرط الجزائي كليا، كما يجوز التخفيض أيضا، إن ثبت أن تقدير الشرط الجزائي كان مبالغا فيه إلى حد الإفراط، مما يجب معه رد التعويض الاتفاقي إلى حدوده المعقولة ولو زاد عن الضرر الفعلي لكن دون أن يبلغ حد الإفراط.
- كما للقاضي الزيادة في مقدار الشرط الجزائي، إن أثبت الدائن أن الضرر الذي أصابه أكبر من التعويض المقدر وأن المدين ارتكب غشا أو خطأ جسيما، ويجب أن يصل القاضي بتلك الزيادة إلى مقدار الضرر الحاصل فحسب، هذا والاستثناءات السابقة من النظام العام، فلا يجوز بالتالي الاتفاق على ما يخالفها.

المرجع:


  1. أ. دربال عبد الرزاق، الوجيز في أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، من ص 14 إلى ص 18.
google-playkhamsatmostaqltradent