المحاضرة الأولى تعريف القانون وخصائص القاعدة القانونية

المحاضرة الأولى: تعريف القانون وخصائص القاعدة القانونية

تعريف القانون وخصائص القاعدة القانونية
من إعداد : د. دموش حكيمة

مقدمة

 برزت حاجة الإنسان للعيش في جماعة منذ العصور وذلك للمحافظة على كيانه ضد الأخطار الخارجية ولإشباع حاجياته التي لا يستطيع تحقيقها بجهده الفردي. غير أن العيش في الجماعات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، في صورة عائلة أو في صورة دولة يجب أن يكون بأسلوب منظم يتم بتوفيق مصالح الأفراد المتضاربة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتخلي الفرد عن جزء من حريته المطلقة على نحو يؤمن للفرد الطمأنينة في حياته وفي عمله.
ومن أجل تحقيق هذا النظام، يتوجب بالضرورة وجود قواعد سلوك ترشد الأفراد في تصرفاتهم وسلوكهم، بحيث يشعر كل فرد بوجوب احترامها وعدم الخروج عن أحكامها.  وإلا تعرض لجزاء تفرضه عليه سلطة عامة تمثل المجتمع ككل.
الواقع أن غالبية الأفراد يحترمون قواعد السلوك المقررة إيمانا منهم بضرورتها لاستقرار الحياة بين الجماعة، إلا أن قلة من الأفراد قد تخرج عن هذه القواعد، مما يستدعي من السلطة العامة إعادتها إلى سواء السبيل وفرض الجزاء على من لم يتبع تلك القواعد.
إن مجموعة القواعد التي تحكم النظام في الجماعة تدعى " قانون"، فهو منظم للسلوك والروابط في المجتمع، وتقوم السلطة العامة بحمل الأفراد على إحترامه ولو عن طريق القوة حين الضرورة، من هنا تعتبر القواعد القانونية حجز الزاوية في دارسة مقياس المدخل للعلوم القانونية.

الفصل الأول: ماهية القانون

يعتبر القانون مجموعة من الأسس والقواعد التي تحكم المجتمع وتعمل على توجيهه وتنظيمه، حيث لا يمكن للأفراد الذين يكونون جماعات كبيرة كانت أو صغيرة العيش بنجاح، إذا كان أفراده لا يخضعون لقوانين تحكمهم وتوضح لهم الحدود التي يجب التقيد بها، ولا يتسنى ذلك إلا بتحديد حقوق وواجبات كل فرد في المجتمع مع وضع الجزاء المناسب في حالة مخالفة تلك القواعد، هذا القانون الذي له جذور تاريخية عبر الأزمنة تتميز قواعده بخصائص مهمة (المبحث الأول) مع الإشارة أنه إلى جانب هذه القواعد القانونية هناك قواعد أخرى هدفها تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع (المبحث الثاني).

المبحث الأول: تعريف القانون وخصائص القاعدة القانونية

للتعرف أكثر على القواعد القانونية، وجب الوقوف أولا على الأصول التاريخية لكلمة قانون، ومختلف معانيها واستعمالاتها (المطلب الأول) كذا مجموعة الخصائص التي تميزها والتي تشترك فيها كل أنواع القواعد(المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف القانون

تعتبر كلمة قانون مصطلح شائع بين عامة الناس، وليس فقط رجال القانون فما أصل هذا المصطلح (الفرع الأول) وما هي أهم استعمالاته سواء من الناحية القانونية أو في باقي العلوم الأخرى(الفرع الثاني).

الفرع الأول: أصل كلمة قانون

كلمة قانون معربة يرجع أصلها إلى اللغة اليونانية، مأخوذة من كلمة KANUN ومعناها العصا المستقيمة وتستعمل مجازا للدلالة على الاستقامة في القواعد والمبادئ القانونية، وقد انتقلت إلى عدة لغات مثلا: الفرنسية Droit، الإيطالية  Dirittoوالألمانية Recht...الخ تستخدم لقياس مدى احترام الفرد لما نصت عليه القاعدة القانونية.
كما يمكن أن تحتمل معنى القاعدة أو المبدأ أو النظام، بمعنى تكرار أمر معين على وتيرة واحدة بحيث يعتبر خاضعا لنظام ثابت، فكلمة قانون تعتبر إذن عن نوع من النظام الثابت يتمثل في ارتباط حتمي يقوم بين ظاهرتين توجد إحداهما في طرف عصا مستقيمة وتقابلها الأخرى في نهاية العصا دون أي انحراف.
فكلمة قانون التي تحمل معنى الاستقامة، تستخدم في المجال القانوني كمعيار لقياس مدى احترام الفرد لما تأمره به القاعدة القانونية أو تنهاه عنه، فإذا سار وفقا لمقتضاها كان سلوكه مستقيما كالعصا، وإن هو تمرد على حكمها كان سلوكه منحنيا غير مستقيم.

الفرع الثاني: الاستعمالات المختلفة لكلمة قانون

يستعمل مصطلح قانون للتعبير عن مجموعة من المعاني، فقد يستعمل للإشارة إلى القواعد التي تحكم سلوك الأفراد وتنظم علاقاتهم في المجتمع (أولا) كما يستعمل في مجال العلوم الطبيعية والاجتماعية (ثانيا).

أولا- استئثار علم القانون لمصطلح قانون:

يتخذ كل علم قوانينه الخاصة به المعبرة عن الارتباط القائم بين ظواهره، بالمقابل استأثر علم القانون بكلمة قانون واتخذ منها اسما له، هنا مصطلح قانون يستعمل للدلالة إلى القواعد التي يجب على الأفراد احترامها، يمكن أن يكون هذا الاستعمال عاما(أ) أو خاصا (ب).
أ‌- المعنى العام لمصطلح قانون: يستعمل هذا المصطلح استعمالا عاما للدلالة على مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الأفراد وتنظم علاقاتهم في المجتمع على نحو ملزم، بغض النظر عن مصدرها من جهة، أو كونها مكتوبة أم لا من جهة أخرى.
ب‌- المعنى الخاص لمصطلح قانون: يستعمل أيضا مصطلح قانون للدلالة على معاني أخرى منها :
ب-1 استعمال مصطلح قانون في معنى التشريع : يقصد بالتشريع مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية في صورة مكتوبة، دون غيرها من القواعد التي تنشأ من المصادر الأخرى، وبالرغم من الاختلاف الواضح بين المصطلحين، يلاحظ استخدام لفظ قانون لمعنى التشريع، فيقال مثلا قانون العمل، قانون الخدمة الوطنية، قانون المحاماة...الخ مع أن الأصوب والأدق أن يستعمل مصطلح التشريع، وبالمقارنة مع اللغة الفرنسية نلاحظ أنها أفردت مصطلحا مميزا لكل منهما، فاستعملت لفظ Droit لمعنى قانون ولفظ Loi لمعنى التشريع.
ب-2 استعمال مصطلح قانون في معنى التقنين:
 يستخدم مصطلح قانون للتعبير عن التشريع الذي يعتبر القواعد القانونية التي تصدر من السلطة التشريعية، كما يستخدم للدلالة على التقنين، فهو مجموعة من قواعد التي تنظم نوعا من الروابط في فرع من فروع القانون مثلا: القانون المدني، القانون التجاري، هنا يستعمل للدلالة عن كلمة تقنين Code الذي معناه مجموعة من قواعد قانونية مجمعة في كتاب، هنا يلاحظ أيضا أن معظم التشريعات العربية تخلط في استعمال المصطلح فكثيرا ما تستعمل مصطلح قانون للدلالة على التقنين أو العكس، أما في اللغة الفرنسية فقد أحسن استعمال اللفظ فهو يطلق عليها عبارة Code مثلا Code pénal.

 ثانيا- استعمال مصطلح قانون في مجال العلوم الطبيعية والاقتصادية:

 يحكم العلوم الطبيعية والاقتصادية مجموعة من القواعد التي يتوصل  إليها الباحثون وتهدف هذه القواعد إلى تفسير الظواهر الطبيعية المختلفة التي تتم دراستها على حدى، ويتم تفسير تلك الظواهر على أساس مبدأ جوهري هو مبدأ السبب، لهذا تستعمل مصطلح قانون، مثلا قانون الجاذبية الأرضية، قانون العرض والطلب...الخ.

المطلب الثاني: خصائص القاعدة القانونية

نشير هنا إلى أنه مهما يكن نوع القواعد القانونية، ومهما يكن القسم الذي تنتمي إليه فكلها تشترك في مجموعة من الخصائص المتمثلة في:

الفرع الأول: القاعدة القانونية قاعدة تنظم سلوك الفرد داخل المجتمع

أولا- المقصود بالسلوك:  يشترط في السلوك المقصود هنا أن يكون ظاهرا معلنا وليس خفيا، لأن القانون لا يهتم بما يدور في نفوس الأفراد من نوايا ومشاعر إلا في حدود ضيقة، بل يتكفل فقط بما يظهر على شكل أفعال مادية.
ثانيا- القانون والجماعة: القانون والجماعة لفظان متلازمان، فالقانون ثمرة المجتمع ينشأ تلقائيا من معيشة الناس بعضهم مع بعض، فحيث توجد جماعة يوجد القانون.
ثالثا- القانون ضرورة اجتماعية: يعتبر القانون ضروري لحفظ أمن واستقرار المجتمع  وبعث الطمأنينة بين أفراده، ولكي يؤدي الفرد وظيفته في المجتمع ينبغي أن يوجه له خطاب لتنظيم سلوكه بما أتت به القاعدة القانونية.
 إذن القاعدة القانونية بمعنى آخر تحدد ما للشخص من حقوق وما عليه من واجبات، وبذلك تقضي على مبدأ الذاتية الذي يؤدي إلى الفوضى في المجتمع، أين كل فرد يسعى إلى تحقيق حاجياته ولو على حساب أشخاص آخرين.

الفرع الثاني: القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة

أولا- معنى التجريد والعمومية:

 التجريد معناه أن القاعدة القانونية لا تتعلق  ولا تخاطب شخصا معينا بالذات(أي لا يذكر اسمه)، ولا واقعة محددة بذاتها، بل تتعلق بالشروط اللازم توفرها في الواقعة التي تنطبق عليها، والأوصاف الواجب أن تتوفر في الشخص المخاطب بها. 
أما العمومية فهي نتيجة لتجريد تلك القاعدة القانونية، فهي تطبق على كل الأشخاص الذين تتوفر فيهم الصفة أو الشروط، فالقاعدة القانونية مجردة عند نشأتها وعامة عند تطبيقها.

ثانيا- الحكمة من عمومية القاعدة القانونية وتجريدها:

تحقق هذه الخصوصية المساواة بين الناس أمام القانون وتمنع التحيز لمصلحة شخص معين من جهة،  كما تعتبر ضمانة لحريات المواطنين وصيانتها من استبداد الحكام من جهة أخرى.

الفرع الثالث : القاعدة القانونية قاعدة ملزمة مقترنة بجزاء

تعد خاصية الإلزام إحدى الخصائص الأساسية للقاعدة القانونية، وحتى تكون القاعدة القانونية أداة لتقويم الفرد داخل المجتمع، يجب أن تكون هذه القاعدة ملزمة مقترنة بجزاء.

أولا- معنى الإلزام والجزاء: 

تبين القاعدة القانونية للأشخاص الحدود والقيود الواجب الالتزام بها، بمعنى آخر تبين لهم الحقوق التي يتمتعون بها والواجبات التي تقع عليهم بالمقابل، وفرض احترامها لا يكون إلا بطابع الإلزام الذي تتصف به هذه القاعدة، فيعتبر الإلزام محركا للقاعدة القانونية، فبدونه تصبح القاعدة القانونية مجرد نصيحة.
نقصد بالإلزام إذن هنا جبر الأفراد وإكراههم على احترام القاعدة القانونية تحت طائلة فرض الجزاء عليهم عند مخالفتها.
 ونعني بالجزاء الأثر الذي يترتب وفقا للقانون على مخالفة القاعدة القانونية، استعمال القوة المادية التي تمتلكها الدولة لقمع المخالفين للقانون أو لجبرهم على إصلاح الضرر وأداء التعويض عند الاقتضاء.

ثانيا- خصائص الجزاء:

يشترك الجزاء في كل القواعد القانونية في مجموعة من الخصائص، مهما يكن نوعها أو الفرع الذي تنتمي إليها وتتمثل في :
أ- الجزاء حال: معناه أن الشخص عند مخالفته للقاعدة القانونية وعدم الامتثال لها، تطبق عليه العقوبة وهو على قيد الحياة أي دنيوي.
ب - الجزاء ذو طابع مادي: معناه أن هذا الجزاء يمس الشخص المخالف إما في جسمه أو ماله.
ت- الجزاء تختص بوضعه وتوقيعه السلطة العامة : إذ لا يجوز للأفراد العاديين ممارسة الجزاء وإلا كنا أمام شريعة الغاب.

ثالثا - أنواع الجزاء:

يأخذ الجزاء في القاعدة القانونية صورا مختلفة حسب نوع تلك القاعدة نذكر منها :
أ- الجزاء الجنائي : يترتب الجزاء الجنائي عند ارتكاب جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات، ويختلف الجزاء في القاعدة الجنائية حسب نوع ودرجة الفعل، فهذه الأخيرة قسمها المشرع إلى مخالفات جنح وجنايات، بذلك تترتب العقوبة حسب هذا التقسيم من أقلها وهي الغرامات إلى أقصى عقوبة يمكن توقيعها وهي الإعدام أو السجن المؤبد.
هذا فيما يخص درجة العقوبة، كما يمكن تقسيم هذه العقوبات إلى عقوبات أصلية تبعية وأخرى تكميلية  الأصلية نقصد بها تلك العقوبة المقررة للجريمة مثلا السجن المؤبد ،أما التبعية فهي تلك العقوبات التي يلحقها القانون بالمحكوم عليه وتضاف إلى العقوبة الأصلية مثلا الحجر القانوني، أما العقوبات التكميلية فهي لا تلحق بالمحكوم عليه إلا إذا قضى القاضي بتوقيعها عليه مثلا تحديد الإقامة.
ب-الجزاء المدني : يتمثل في الأثر المترتب على مخالفة قاعدة من قواعد القانون المدني، ومن الجزاءات المدنية نذكر مثلا : 
- التعويض الذي يكون بإلزام المسؤول عن الضرر بدفع ثمن نقدي يعادل قيمة ضرره. 
– إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل حدوث المخالفة أو رد الشيء إلى أصله ولهذا الجزاء صور منها: البطلان الذي يمكن أن يكون مطلق أو نسبي، فسخ التصرف القانوني وهو نتيجة لعدم تنفيذ أحد طرفي الالتزام الملزم لجانبين لواجباته، الإزالة المادية للمخالفة مثل سد المطلات.
ت- الجزاء الإداري: يكون نتيجة قاعدة من قواعد القانون الإداري، يختلف حسب الفعل فقد يكون في مجال العقود الإدارية بالفسخ أو البطلان، في مجال القرارات الإدارية بإلغاء القرار ،كما يمكن أن يكون أيضا في مجال الوظيفة العامة أين يوقع حسب درجة الفعل من أقلها وهو الإنذار إلى أشدها وهو الفصل عن العمل...إلخ.

المبحث الثاني: نطاق القانون

إذا كانت القواعد القانونية قواعد اجتماعية تنظم مظاهر الحياة للأفراد في المجتمع، وتوقع الجزاء على من يخالف هذا التنظيم وهذا هو الهدف الذي وضعت من أجله، فهناك قواعد أخرى تتولى كذلك هذه المهمة وتساهم بقسط وافر إلى جانب قواعد القانون في تحقيق ما يسمى بالانضباط الاجتماعي، لذا وجب تبيان العلاقة الموجودة بينها وتبيان مدى إمكانية التكامل بينها، تتمثل هذه القواعد في قواعد الدين(المطلب الأول)، قواعد الأخلاق (المطلب الثاني) كذا العادات والتقاليد (المطلب الثالث).

المطلب الأول: علاقة القواعد القانونية بقواعد الدين

أثبتت دراسات تاريخ القانون أن القواعد الدينية لعبت على مدى حضارات كثيرة وفترات طويلة من الزمن دورا أساسيا في ضبط العلاقات فيما بين الأفراد، اعتبارا من أن المجتمعات القديمة كانت مجتمعات دينية، فما معنى القاعدة الدينية (الفرع الأول) وما يميزها عن القاعدة القانونية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تعريف قواعد الدين

تتمثل القواعد الدينية في تلك القواعد، الأحكام، الأوامر والنواهي التي أقرتها الشرائع السماوية والتي أنزلها الله عز وجل على أنبياءه ورسله لتبليغها للناس، ودعوتهم إلى إتباعها وإلا تعرضوا إلى عقاب الله وغضبه، وهي ملزمة لمعتنقيها رغبة منهم في رضا الله وجلب الثواب.

الفرع الثاني: التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الدينية

تتضمن كلا من القواعد الدينية والقواعد القانونية أحكاما وأوامر موجهة للأشخاص، هدفها ضبط سلوكهم وتنظيم علاقاتهم ومعاملاتهم، ويعتبر الإلزام صفة ملازمة لهذه القواعد سواء الدينية أو القانونية، لكن تختلف فيما بينها من عدة نواحي كالمضمون(أولا) الغاية(ثانيا) والجزاء(ثالثا).

أولا- تمييز القواعد القانونية عن القواعد الدينية من حيث المضمون:

قواعد الدين أوسع نطاقا من القواعد القانونية، فهذه الأخيرة تشمل علاقة الإنسان بغيره وهي المعاملات أما القواعد الدينية فهي تشمل ثلاثة أنواع من العلاقات علاقة الإنسان بالله التي تمثل قواعد العبادات ويدخل ضمنها الصلاة والزكاة...الخ، علاقة الإنسان بنفسه وتتمثل في قواعد الأخلاق التي تحكم سلوك الإنسان وتحدد واجباته نحو نفسه ونحو غيره فتبين الرذائل والفضائل مثل الاحترام، الرحمة والإحسان...الخ، وأخيرا علاقة الإنسان بغيره ويقصد بها قواعد المعاملات وهي القواعد التي تنظم سلوك الفرد وعلاقاته في المجتمع، وهو المجال الذي تلتقي فيه بالقواعد القانونية.
 تشترك إذن القواعد الدينية مع القواعد القانونية في هذه النقطة الثالثة فيما يخص المعاملات، وكثيرا ما يستمد المشرع قواعده من الدين على شكل قواعد قانونية ملزمة (مثلا فيما يخص الشريعة الإسلامية ،استمد المشرع الجزائري كثيرا من القواعد القانونية منها ،مثل أحكام الزواج، الطلاق، المواريث...الخ).
تتناول القواعد الدينية أحكام الحياة الدنيا والآخرة معا، أما القواعد القانونية فتختص فقط بالأحكام الدنيوية مثل البيوع، الإيجارات...الخ.
قواعد الدين تكون غير محصورة التطبيق من حيث الزمان والمكان، فهي صالحة لكل زمان ومكان، أما القواعد القانونية فهي محصورة بمكان وزمان تطبيقها، كما يمكن أن تعدل، تلغى وتعوض بقواعد أخرى.

ثانيا- تمييز القواعد القانونية عن القواعد الدينية من حيث الغاية:

يهدف كل من القانون والدين لإصلاح سلوك الفرد داخل المجتمع، لكن غاية الدين مثالية تتمثل في الإيمان بالله وعبادته، كما أن الدين يهتم بالنوايا كاهتمامه بالسلوك الظاهر للإنسان، فيحاسب الإنسان عما يدور في رأسه من أفكار ولو لم يعبر عنها بأعمال مادية.
نجد بالمقابل أن غاية القانون نفعية لأن قواعده تهدف إلى تنظيم سلوك الفرد في المجتمع وتحقيق المصالح الجديرة بالحماية، والمحققة للأمن والمساواة بين أفراد المجتمع.
لهذا فهي قواعد لا تهتم بخبايا الأنفس ومكنونات الضمائر إلا إذا خرجت إلى حيز الوجود.

ثالثا- تمييز القواعد القانونية عن القواعد الدينية من حيث الجزاء:

يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بالخصائص الثلاث السابقة ذكرها في خصائص القاعدة القانونية، حيث أنه جزاء حال، مادي وتوقعه السلطة العامة، عكس الجزاء في القاعدة الدينية الذي يكون دنيوي وأخروي أي جزاءات عاجلة وأخرى آجلة، كما أن الجزاء الديني يقبل فكرة الثواب والعقاب أي إيجابا وسلبا، أما الجزاء في القاعدة القانونية فهو سلبي يحمل غالبا فكرة الزجر والردع.

المطلب الثاني: علاقة القواعد القانونية بقواعد الأخلاق

تساهم قواعد الأخلاق إلى جانب القواعد القانونية في تنظيم سلوك الفرد داخل المجتمع، حيث يعتبرها الأشخاص مثل القواعد القانونية من حيث خاصية الإلزامية.

الفرع الأول: تعريف قواعد الأخلاق

تعرف قواعد الأخلاق على أنها مجموعة القواعد التي تحض على الخصال السليمة والمثل العليا التي يرى الناس فيها ما ينبغي إتباعه، كالالتزام بالصدق واجتناب الكذب ومساعدة الضعيف وإيثار الغير عن النفس، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر.

الفرع الثاني: التمييز بين القواعد القانونية والقواعد الأخلاقية

تربط القواعد القانونية بالقواعد الأخلاقية صلة وثيقة جدا، فبالرغم من كون هدفهما هو تنظيم سلوك الفرد داخل المجتمع، إلا أنهما يختلفان في بعض النقاط كالمضمون (أولا)ـ الغاية (ثانيا) وأخيرا الجزاء (ثالثا).

أولا- تمييز القواعد القانونية عن القواعد الأخلاقية من حيث المضمون:

تعتبر قواعد الأخلاق أوسع نطاقا من القواعد القانونية، فهي تنظم نوعين من الواجبات، واجبات الفرد مع غيره المتمثلة في الأخلاق الاجتماعية وواجباته مع نفسه ونعني بها الأخلاق الفردية، وتشترك القواعد القانونية مع قواعد الأخلاق في النوع الأول من الواجبات (أي الاجتماعية)، مع الإشارة أن القانون ينفرد في تنظيم بعض المسائل دون قواعد الأخلاق مثل قانون المرور ...الخ.
كما أن الواجبات الأخلاقية لا يقابلها حقوق، عكس الواجبات القانونية فكل واجب يعتبر حقا للطرف الثاني، ومعظم القواعد القانونية هي قواعد أخلاقية والعكس غير صحيح. 

ثانيا-  تمييز القواعد القانونية عن القواعد الأخلاقية من حيث الغاية:

 غاية الأخلاق مثالية، تتمثل في تربية الإنسان، حيث تأمره بالخبر وتنهاه عن الشر فقواعد الأخلاق تعبر عن ما ينبغي أن يكون وليس على ما هو كائن.
 أما غاية القواعد القانونية فهي عملية واقعية، تمثل في النضال من أجل الحفاظ على استقرار الأوضاع في المجتمع والحفاظ على المصلحة العامة.

ثالثا- تمييز القواعد القانونية عن القواعد الأخلاقية من حيث الجزاء:

تختلف القاعدة القانونية عن القاعدة الأخلاقية من حيث الجزاء، فالجزاء في القاعدة الأخلاقية هو تأنيب الضمير واستنكار أفراد المجتمع ونفورهم من مخالف تلك القاعدة، فهي إذن عقوبة معنوية عكس القاعدة القانونية هي عقوبة مادية. 

المطلب الثالث: علاقة القواعد القانونية بالعادات والتقاليد

وجدت هذه العادات والتقاليد قبل وجود القانون وما زالت إلى يومنا هذا، فهي تؤدي دورا هاما في المجتمع، خاصة في تنظيم سلوك الأفراد فيه، فكل مجتمع تسوده مجموعة من هذه القواعد.

الفرع الأول: معنى العادات والتقاليد

تعتبر العادات والتقاليد وكذا المجاملات عادات سلوكية يراعيها الأشخاص في علاقاتهم داخل المجتمع، مارسوها لفترات حتى أصبحوا يشعرون بإلزاميتها، ووجوب احترامها كالتحية عند اللقاء، تبادل الهدايا في الأفراح والمناسبات، تبادل الزيارات، زيارة المرضى، المواساة في الأحزان ...الخ. 

الفرع الثاني: التمييز بين القواعد القانونية والعادات والتقاليد

 تتفق قواعد العادات والتقاليد مع القاعدة القانونية من حيث كونها قواعد سلوكية اجتماعية، لكن بمقارنتها نجد أنها تتميز عنها في عدة نقاط من حيث المصدر (أولا) الغاية (ثانيا)والجزاء(ثالثا).

أولا- تمييز القواعد القانونية عن العادات والتقاليد من حيث المصدر:

تستمد العادات والتقاليد قوتها من ممارسة الأفراد لها  وشعورهم بإلزاميتها، ويكون مصدرها الأشخاص، عكس القاعدة القانونية التي تستمد قوتها من المشرع. 

ثانيا- تمييز القواعد القانونية عن العادات والتقاليد من حيث الغاية: 

غاية القواعد القانونية تحقيق المصلحة العامة والحفاظ على الكيان والاستقرار في المجتمع، أما غاية المجاملات والعادات والتقاليد فهي جانبية لا يؤدي عدم القيام بها إلى الانتقاص من المصلحة العامة أو الاضطراب في نظام المجتمع.

ثالثا- تمييز القواعد القانونية عن العادات والتقاليد من حيث الجزاء:

يختلف الجزاء في القاعدة القانونية عن الجزاء في العادات والتقاليد، فالجزاء في هذه الأخيرة يكون معنوي كاستنكار المجتمع، سخطهم ومعاملة الفاعل بالمثل مما يشعره بالعزلة، عكس الجزاء في القاعدة القانونية فهو جزاء مادي ملموس.

المرجع:

د. دموش حكيمة، محاضرات في المدخل للعلوم القانونية، جامعة عبد الرحمان ميرة- بجاية ، الجزائر،مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى للتعليم الأساسي حقوق، السنة الجامعية 2017-2018، ص2 إلى ص20.
google-playkhamsatmostaqltradent