جرائم الإهمال العائلي

جرائم الإهمال العائلي

جرائم الإهمال العائلي

تمهيد:

تعتبر الأسرة الخلية الأـساسية للمجتمع وتعتمد الأسرة في حياتها على الترابط والتكافل وحسن المعاشرة والتربية الحسنة وحسن الخلق ونبذ الآفات الاجتماعية وعلى هذا ولضمان استمرار الأسرة فإن المشرع الجزائري عاقب كل من يتخلى عن إلتزماته العائلية ويترك منزل الزوجية دون سبب جدي أو يهمل في التزماته الأدبية والمالية  في جرائم الإهمال العائلي
تشترك جرائم الإهمال العائلي أيا كانت صورتها أي سواء وقعت بترك الأسرة أو إهمال الزوجة الحامل أو بالتخلي عن الإلتزامات العائلية سواء منها المالية أو الأدبية في العديد من الأركان وهي:
1 محل الجريمة
2 الركن المادي
3 الركن المعنوي
4 شرط الشكوى
محل الجريمة: لا تقع الجريمة إلا من زوج على زوجته ومن ثم فهو يفترض وجود رابطة زوجية رسمية أي عقد زواج شرعي وقانوني صحيح وتكون الزوجية قائمة بين الزوجين فلا يرتكب اهمالا عائليا في حالة الزواج العرفي أو العلاقة غير الشرعية أو الغير رسمية أو مطلقين لاستحالة الجريمة استحالة مطلقة بالنظر إلى انعدام موضوعها.
وعلى هذا يعتبر ترك الأسرة جريمة يعاقب عليها طبقا للمادة 330 من قانون العقوبات
الركن المادي: أن جنح الإهمال العائلي المذكورة في المواد 330 و 331 تتكون من أحد الأفعال المذكورة في المادتين وهي:
  • ترك إحدى الوالدين لمقر أسرته، لمدة تجاوز شهرين
  • أو ترك الزوج زوجته وهي حامل
  • أو سوء معاملة أحد الوالدين لأولاده
  • أو الامتناع عمدا ولمدة تجاوز شهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته أو عن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه وذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.

الركن المعنوي أو القصد الجنائي: جرائم الإهمال العائلي جرائم يجب إثبات العمدية فيها فالمشرع حدد في المادة 330 شرط ترك الأسرة بدون سبب جدي مع التخلي عن الالتزامات المالية والأدبية وهي الالتزامات الشرعية والقانونية التي أوجبها قانون الأسرة ضمن تنظيمه لحقوق وواجبات الزوجين تجاه بعضهما و تجاه أطفالهما، وتلك الالتزامات التي أوجبها الأخلاق الإسلامية والأعراف والتقاليد الاجتماعية المتداولة فلا يعتبر ترك الأسرة للسفر للعمل أو التكوين أو زيارة الأهل ويفترض أن عدم دفع النفقة عمدي ما لم يثبت العكس، ولا يعتبر الإعسار الناتج عن الاعتياد على سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال.

المطلب الأول: جريمة ترك الأسرة

الفرع الأول: نص التجريم

تنص المادة 330 على " يعاقب بالحبس من شهرين (2) إلى سنة (1) وبغرامة من 25.000 دج إلى 100.00 دج :
أحد الوالدين الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين (2) ويتخلى عن كافة التزماته الأدبية أو المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية، وذاك بغير سبب جدي، ولا تنقطع مدة الشهرين (2) إلا بالعودة إلى مقر الأسرة على وضع ينبئ عن الرغبة في استئناف الحياة العائلية بصفة نهائية.
الزوج الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين (2) عن زوجته مع علمه بأنها حامل وذلك لغير سبب جدي.
أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو واحد أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم بأن يسئ معاملتهم أو يكون مثلا سيئا لهم للاعتياد على السكر أو سوء السلوك، أو بأن يهمل رعايتهم، أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم، وذلك سواء كان قد قضى بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها.
وفي الحالتين 1 و 2 من هذه المادة لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناء على شكوى الزوج المتروك.
ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية."

الفرع الثاني: شرط الشكوى

إذا كانت القاعدة العامة هي أن النيابة العامة وحدها تملك صلاحية تحريك الدعوى و رفع الدعوى الجزائية فان المشرع قد خرج على تلك القاعدة بأن أورد قيود تحد من حرية النيابة العامة في هذا الصدد و مؤدى هذه القيود أن النيابة العامة لا تملك مباشرة سلطتها ذلك أن المشرع قدر في حالات معينة على سبيل الحصر أن يترك لأشخاص أو جهات محددة أمر تقدير عدم تحريك أو رفع الدعوى الجزائية واستلزم لكي تسترد النيابة العامة مكانتها الممنوحة لها قانونا صدور إجراء معين من الجهات التي حددها ومن ضمن هذه القيود وجود شكوى من المجني عليه والشكوى هي لإجراء الذي يباشر المجني عليه أو وكيله الخاص يطلب فيه تحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة حددها القانون وعلى سبيل الحصر لإثبات المسئولية الجزائية و توقيع العقوبة على شخص أخر هو المشكو في حقه
ملاحظة:
1- تعتبر جرائم الإهمال العائلي من جرائم الشكوى فإذا باشرت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى تكون هذه المتابعة باطلة بطلانا نسبيا لا يجوز لغير المتهم إثارته على أن يثيره أمام محكمة أول درجة وقبل أي دفاع في الموضوع.
2- المحكمة المختصة بالجنح المشار إليها في هذه المادة هي محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.

المطلب الثاني: جريمة إهمال المرأة الحامل

تعتبر هذه الجريمة الثانية من جرائم الإهمال العائلي وهي ترك الزوج لزوجته وإهمالها عمدا أثناء مدة حملها.

الفرع الأول: الركن المادي

 يقتضي توافر ثلاثة عناصر جاءت بها المادة 330/2 من قانون العقوبات وتتمثل في:
1- قيام العلاقة الزوجية
2- حمل الزوجة
3- ترك المحل الزوجية لمدة لأكثر من شهرين
1- قيام العلاقة الزوجية: تستوجب هذه الجريمة قيام عقد صحيح و رسمي مقيد في سجلات الحالة المدنية وعليه لا تقوم الجريمة في حالة الزواج العرفي.
2- حمل الزوجة: يجب أن تكون الزوجة المتخلى عنها حاملا وبذلك وجب على الزوجة الشاكية أن تقدم ما يثبت وجود الحمل وعلم الزوج بذلك وإثبات قيام الحمل يكون بكل الوسائل كالشهادة الطبية لمعاينة الحمل ، إلا أنه خلافا لجنحة ترك مقر الأسرة لا يشترط المشرع في هذه الجنحة عدم الوفاء بالإلتزامات العائلية.
3- ترك محل الزوجية: ويكون ذلك بمغادرة الزوج لمحل الزوجية ويترك زوجته وحدها مع علمه أنها حامل ويجب أن يستمر التخلي عن الزوجة الحامل لمدة أكثر من شهرين.

الفرع الثاني: الركن المعنوي

جريمة إهمال الزوجة الحامل جريمة عمدية تتطلب لقيامها توافر قصد جنائي وهو العلم بأن الزوجة الحامل والتخلي عنها عمدا قصد الإضرار بها.

المطلب الثالث: جريمة عدم دفع النفقة

الفرع الأول: نص التجريم

تنص المادة 331 على " يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاث (3) سنوات وبغرامة 50.000 دج إلى 300.000 دج كل من امتنع عمدا، ولمدة تتجاوز الشهرين (2) عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته، وعن أداء كامل قيمة النفقة المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه، وذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.
ويفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس، ولا يعتبر الإعسار الناتج عن الإعتياد على سوء السلوك أو الكسل أو السكر عذرا مقبولا من المدين في أية حالة من الأحوال.
دون الإخلال بتطبيق أحكام المواد 37 و 40 و 329 من قانون الإجراءات الجزائية، تختص أيضا بالحكم في الجنح المذكورة في هذه المادة، محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.
ويضع الضحية بعد دفع المبالغ المستحقة حدا للمتابعة الجزائية"
المادة 332 : ويجوز الحكم علاوة على ذلك على كل من قضي عليه بإحدى الجنح المنصوص عليها في المادتين 330 و 331 بالحرمان من الحقوق الواردة في المادة 14 من هذا القانون من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر".

الفرع الثاني: النفقة

تجب نفقة الزوجة على زوجها بالدخول بها أو دعوتها إليه ببينة، وهي تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج، والسكن أو أجرته، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة.
وجريمة عدم دفع النفقة من الجرائم العمدية و هي تتكون من الأركان التالية:
1- الركن المادي
2- وجود حكم قضائي يقضي بدفع النفقة المقررة
3- الركن المعنوي.

أولا: الركن المادي

 ويتكون الركن المادي بالإضافة لعدم دفع النفقة الشهرية كما هي موضحة في المادة 78 من قانون الأسرة لمدة شهرين أن الحكم هذا قد تم تبليغه للمتهم ولا يشترط وجود حكم بالطلاق أو الحضانة

ثانيا: حكم قضائي

يجب صدور حكم قضائي يقضي بأداء نفقة غذائية، وفي هذا الصدد يجب أخذ عبارة "حكم" بمفهومها الواسع الذي يتسع ليشمل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية والقرارات الصادرة عن المجلس و الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة ، كما قد يكون الحكم صادرا عن جهة قضائية أجنبية و ممهورا بالصيغة التنفيذية لا يشترط القانون أن يكون حكم نهائي بل يكفي أمر استعجالي ولقد أكدت على ذلك المحكمة العليا حيث قضت "ومتى ثبت صدور أمر قضائي – استعجالي – يلزم المتهم بدفع النفقة فإن قضاة المجلس قد خرقوا القانون عندما قضوا بالبراءة لصالحه بدعوى أنه لا يوجد حكم أو قرار نهائي في النزاع مما يتعين نقض وإبطال قرارهم"
ولقد حدد المشرع نقطتان أساسيتان في تحريك الدعوى العمومية في جرائم الإهمال العائلي
أن يصدر هذا الحكم من محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة أن يتقدم طالب النفقة بشكوى حيث ولقد قيد المشرع حركة النيابة العامة في العديد من الجرائم نظرا لما في هذه الجرائم من مساس بأجهزة و مؤسسات أخرى أو تقطيع للعلاقات العائلية وصلة القرابة.
وجريمة عدم دفع النفقة من الجرائم المستمرة فه تتكرر كلما تكرر موقف عدم دفع النفقة وبذا قضت المحكمة العليا " إن جرم الإهمال العائلي جنحة مستمرة وعليه أن المتهم تماطل عن دفع النفقة المحكوم بها عليه لصالح زوجته وأولاده لهذا فإن التهمة تبقى مستمرة عليه إلى التخلص التام من دفع المبالغ التي عليه.
لهذا فإن أحكام المادتين 6 و 8 من ق. ا.ج لا تطبق على القضية الراهنة لأن المتهم تماطل عن دفع ما في ذمته من نفقة وبقى هكذا في رباط التهمة.

المرجع:

  1. نبيل صقر، الوسيط في جرائم الأشخاص، شرح 50 جريمة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2009، ص 239 إلى ص 246.
google-playkhamsatmostaqltradent