المراقبة الإلكترونية كإجراء لاستخلاص الدليل الإلكتروني"بين الحق في الخصوصية ومشروعية الدليل الإلكتروني" بقلم د. بن بادة عبد الحليم

الصفحة الرئيسية

المراقبة الإلكترونية كإجراء لاستخلاص الدليل الإلكتروني"بين الحق في الخصوصية ومشروعية الدليل الإلكتروني" بقلم د. بن بادة عبد الحليم

المراقبة الإلكترونية كإجراء لاستخلاص الدليل الإلكتروني"بين الحق في الخصوصية ومشروعية الدليل الإلكتروني" بقلم د. بن بادة عبد الحليم

الملخص:

إذا كانت الثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم المعاصر اليوم قد ساهمت سلباً من ناحية نوعيّة الجرائم المرتكبة التي صاحبتها وذلك من خلال ظهور أنماط مستحدثة أصطلح عليها بالجرائم المعلوماتية، فهي من ناحية أخرى قد أثرت كذلك على الدليل المستخلص الذي يمكن من خلاله ملاحقة مرتكبي ذلك النوع من الجرائم ومعاقبتهم.
حيث أثبتت الإجراءات التقليدية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائيّة قصورها في كشف مرتكبي الجرائم المعلوماتيّة ممّا اضطرّ المشرع الجزائري إلى استحداث جملة من التدابير الإجرائية الاستثنائية الكفيلة بضمان مكافحة فعّالة لهذا النوع الإجرامي المستجد، ولعلّ من أبرز الإجراءات الحديثة التي استعان بها المشرع الجزائري لمكافحة الجرائم المعلوماتيّة هو إجراء المراقبة الإلكترونية المنصوص عليها في المادّة 56 مكرر 05 من قانون الإجراءات الجزائية والمادّة 04 من القانون رقم 09-04 المتعلق بالقواعد الخاصّة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها.
الكلمات المفتاحية:
الجرائم المعلوماتية، المراقبة الالكترونية، المراسلات الالكترونية، التنصّت، الخصوصيّة، اعتراض المراسلات
Electronic Surveillance as an Electronic Evidence Procedure
«Between the Right of Confidentiality and the Right of Electronic Evidence»

Summary:

If the informatics revolution has been known in the modern world has contributed negatively to the type of crime committed, through different innovative models called "cybercrime", it has also affected the evidence found that leads to the judicial prosecution of criminals of this type of crime.
The traditional procedures set out in the Code of Criminal Procedure have confirmed its "inability" to identify the perpetrators of cybercrime, which obliges the Algerian legislator to renew a series of exceptional procedural measures in order to ensure an effective fight against this new type of crime. Thus, among the main measures used by the Algerian legislator to combat cybercrime is the establishment of electronic surveillance provided for in article 65 bis 05 of the Code of Criminal Procedure and article 04 of Code number 09-04 concerning special rules for the protection and fight against crimes related to information and communication technology.
Keywords:
Cybercrime, electronic surveillance ,electronic communication ,wiretapping , confidentiality ,interception of correspondence.
Surveillance et preuve électronique :
Entre droit à la confidentialité et légalité procedural

Résumé  

La cybercriminalité a affecté les moyens traditionnels de preuve. C’est un crime dont la preuve revêt un caractère spécial en ce que, les voies traditionnelles, ne suffisent à elles seules, d’établir les faits avec exactitude. C’est pourquoi, le législateur algérien a consacré quelques mesures procédurales exceptionnelles permettant de garantir une lutte efficace de la cybercriminalité. La surveillance et le contrôle des délinquants est l’une des mesures prises en vertu du décret n° 09-04 portant règles de prévention et de lutte contre les crimes inhérents aux technologies de l’information et de communication. Cette mesure pose toutefois, la problématique de conciliation entre droit à la confidentialité et la  légalité de la procédure de récupération de la prevue.
Mots clés:
Infraction informatique, surveillance électronique, communications électroniques, mise sur écoute, confidentialité, interception des correspondances.

مقدمة

لقد دخلت البشرية منذ مطلع الألفية الثالثة مرحلة جديدة من مراحل التطوّر العلمي والتكنولوجي في شتى مناحي الحياة، ولعلّ من أبرز مظاهر ذلك التطوّر التكنولوجي هو ظهور ما يسمّى بشبكة الانترنت، هذه الشبكة العنكبوتية التي ساهمت في جعل العالم قرية صغيرة وذلك من خلال اختصار الوقت وتقليل المسافات بين مستعملي تلك الشبكة في التواصل فيما بينهم، فمن كان يتصوّر قبل عقدين من الزمن أن يستطيع الإنسان إجراء محادثة بالصوت والصورة من شرق الأرض إلى غربها أو من كان يتصوّر بالأحرى قدرة الإنسان على التواصل مع أخيه الإنسان وكتابة الرسائل له التي لن يستغرق وقت وصولها للطرف الأخر بضع ثوان فقط بينما كانت المراسلات التقليدية تستغرق أياما وشهورا عديدة لكي تصل إلى مقصدها.
تلك الثورة المعلوماتية بقدر ما كانت مفيدة للبشرية من حيث توفير الجهد والوقت وحتى المال وجعل حياة الإنسان أكثر سهولة ويسر، فهي كذلك قد انعكست بصورة سلبية على البشريّة من خلال ظهور أنماط جديدة من الجرائم لم يكن متعارفاً عليها من قبل وهي الجرائم المعلوماتية.
تلك الجرائم المعلوماتيّة قد خرجت عن المألوف في الجرائم التقليدية، كون أنّ مسرح ارتكابها ليس كبقيّة مسارح ارتكاب الجرائم التقليدية فهو مسرح غير ملموس غامض يحتاج لمعرفة كبيرة بواقعه، بالإضافة إلى أنّ مرتكبي الجرائم المعلوماتية ليسوا كغيرهم من المجرمين أو لنقل لا يحملون نفس المواصفات التي تتبادر لأذهاننا عند سماعنا لكلمة مجرم، فهم أشخاص متميّزين متفوّقين ذوو مستوى علمي وثقافي مرموق في الغالب يمتلكون تكويناً عالياً ولا ربّما شهادات جامعيّة مميّزة فهم نخبة المجتمع، وهو ما جعل المهتمّين بهذا النوع من الجرائم يقولون بأنّ مجرمي المعلوماتيّة يتشابهون في السمات مع المجرمين ذوي "الياقات البيضاء"، زد على ذلك أنّ الإجرام المعلوماتي لا تحدّه حدود ولا تأثر عليه شساعة المساحة ولا بعد المسافات، حيث يمكن أن يكون المجرم في روسيا والجريمة ترتكب في الولايات المتحدة في غضون دقائق معدودة.
تلك الجرائم الخطيرة والمعقّدة جعلت من الإجراءات التقليدية للبحث والتحرّي عاجزة عن اكتشاف ذلك النوع من الجرائم وملاحقة مرتكبيها في حالة اكتشافها، فهي إجراءات لا تتوافق مع مسرح الجريمة الالكترونية ولا مع دهاء وفطنة مرتكبها، هذا الأمر جعل من مختلف المشرعين ومن بينهم المشرع الجزائري يستحدثون إجراءات استثنائية للبحث والتحرّي تتوافق مع خصوصية الجريمة المعلوماتية كالتسرّب الإلكتروني والتفتيش الإلكتروني وكذا المراقبة الإلكترونية.
ولعلّ تلك الوسائل المستحدثة وعلى رأسها إجراء المراقبة الالكترونية قد ساهمت بشكل معتبر في ملاحقة مجرمي المعلوماتية وكشف جرائمهم إلاّ أنّها قد أبرزت جانباً خطيرا أخر وهو الاعتداء على حرمة الحياة الخاصّة وسريّة الاتصالات والمراسلات باعتبار أن المراقبة الالكترونية تقوم على التجسس والتصنت والمراقبة السريّة بدون علم أو رضا المعني ليثور الإشكال من خلال كل ذلك الإشكال التالي: إلى أي مدى استطاع المشرع الجزائري من خلال إجراء المراقبة الالكترونية التوفيق بين الحق في الخصوصية ومشروعية استخلاص الدليل لمكافحة الجرائم المعلوماتية ؟.
من أجل الإجابة على هذه الإشكاليّة قسمنا هذه الدراسة إلى مبحثين تناولنا في الأول مفهوم إجراء المراقبة الإلكترونيّة، لنتطرّق في الثاني لضوابط اللجوء إلى إجراء المراقبة الالكترونيّة ومدى شرعيّة الدليل المستخلص منها.

المبحث الأول: مفهوم المراقبة الالكترونية

لقد تبنى المشرع الجزائري مصطلح المراقبة الالكترونية كغيره من التشريعات المقارنة الذي استمدته من نص الاتفاقية المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والتي سنتها منظمة الأمم المتحدة في إطار مكافحة الجريمة المنظمة، حيث نصّت المادة 20 من تلك الاتفاقية على: "تقوم كل دولة طرف ضمن حدود إمكانيتها ووفقاً للشروط المنصوص عليها في قانونها الداخلي، إذا كانت المبادئ الأساسية لنظامها القانوني الداخلي تسمح بذلك، باتخاذ ما يلزم من تدابير لإتاحة الاستخدام المناسب لأسلوب التسليم المراقب، وكذلك ما تراه مناسباً من استخدام أساليب تحري خاصة أخرى، مثل المراقبة الالكترونية أو غيرها من أشكال المراقبة".

المطلب الأول: تعريف المراقبة الالكترونية

المشرع الجزائري لم يتصدّ لضبط تعريف المراقبة الالكترونية لا في مواد قانون الإجراءات الجزائيّة ولا في مواد القانون رقم 09-04 المتعلق بالقواعد الخاصّة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، وإنما ترك ذلك للفقه الذي اختلف هو الأخر في ضبط تعريف دقيق وموحّد لإجراء المراقبة الالكترونية، حيث عرّفها بعض الفقه بأنّها إجراء يتعمّد فيه الإنصات والتسجيل ومحلها المحادثات الخاصّة سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة أي سواء كانت ممّا يتبادله الناس في مواجهة بعضهم البعض أو عن طريق وسائل الاتصال السلكيّة واللاسلكية.
أمّا البعض الأخر فقد عرّفها بأنّها: "إجراء تحقيق يباشر خلسة وينتهك سرية الأحاديث الخاصة، تأمر به السلطة القضائية في الشكل المحدد قانوناً بهدف الحصول على دليل غير مادي لجريمة تحقق وقوعها ويتضمن من ناحية استراق السمع ومن ناحية أخرى حفاظه على الأشرطة عن طريق أجهزة مخصصة لهذا الغرض".
كما تعرّف كذلك بأنها مراقبة شبكة الاتصالات أو هو العمل الذي يقوم به المراقب باستخدام التقنية الإلكترونية لجمع المعطيات والمعلومات عن المشتبه فيه سواء كان شخصاً أو مكاناً أو شيئاً حسب طبيعته، مرتبط بالزمن لتحقيق غرض أمني أو لأي غرض أخر.
كما نشير في هذا المقام إلى تصدّي بعض التشريعات لتعريف إجراء المراقبة الالكترونية مثل التشريع الأمريكي الذي عرّفها في المادة 2510-04 من قانون الاتصالات الفدرالي الأمريكي لسنة 1968 بأنّها: "عملية الاستماع لمحتويات أسلاك أو أي اتصالات شفوية عن طريق استخدام جهاز إلكتروني أو أي جهاز أخر"، وطبقاً لقانون الاتصالات الالكترونية الأمريكي لسنة 1986 أصبح التعريف المذكور يشمل الاتصالات الالكترونية الأخرى.
كما قامت لجنة خبراء البرلمان الأوروبي بمناسبة اجتماعها المنعقد بستراسبورغ في 06 أكتوبر 2006، لدراسة أساليب التحرّي التقنية وعلاقتها بالأفعال الإرهابية، بتعريف إجراء المراقبة الالكترونية بأنها: "عملية مراقبة سرية المراسلات السلكية واللاسلكية وذلك في إطار البحث والتحري عن الجريمة وجمع الأدلة والمعلومات حول الأشخاص المشتبه فيهم في ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب جريمة".
من خلال التعريفات السابقة يتضح لنا أنّ مفهوم المراقبة الإلكترونية يعني التنصّت ومن ناحية أخرى التسجيل، بالإضافة إلى إشارة تلك التعريفات إلى محل المراقبة الإلكترونية وهي الأحاديث الشخصية والمحادثات السلكية واللاسلكية فضلاً عن تبيان التعريفات السابقة ضرورة حصول التنصّت أو التسجيل خلسة دون علم صاحب الحديث وبواسطة إحدى الوسائل أو الأدوات العلمية الحديثة. كما أكّدت أغلب التعريفات على ضرورة أن تتم عمليّة المراقبة الإلكترونية من طرف جهات مختصّة وبإذن من الجهات القضائيّة ذات الصلة.
المراقبة الإلكترونية في الغالب تنصب على المراسلات الالكترونية مهما كان نوعها أو البرنامج الذي تمّت بواسطته، حيث يهتم القائمون بعمليّة المراقبة بإخضاع كل المراسلات الإلكترونية لعمليّة الاعتراض والمراقبة، فالمراسلات تعتبر مصدرا غنياً لتحصيل أدلة إثبات الجريمة المعلوماتيّة ومن بين أنواع المراسلات التي يتم مراقبتها في الوقت الحالي هي تلك التي تتم عبر البريد الالكتروني وعبر برنامج الفيسبوك أو برنامج الماسنجر أو الفايبر والسكايب وغيرها العديد من برامج التواصل الالكتروني، كون تلك البرامج من أكثر الوسائل الحديثة استخداماً للاتصال عبر الانترنت وتعتبر مجالاً خصباً للربط بين الأشخاص في مختلف أنحاء العالم بسرعة فائقة وبدون حواجز.
كما أنّ اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية المنعقدة في باليرمو الايطالية قد جاء فيها الدعوة إلى ممارسة المراقبة الالكترونية بمختلف أنواعها باستثناء التسليم المراقب وعمليّات التسرّب وبالتالي فإن لفظ (مراقبة) يتضمّن الأساليب الجديدة للشرطة القضائية في التحقيقات باستخدام وسائل التكنولوجيا المعاصرة وهي: التنصت على البريد الالكتروني الذي يحتوي الرسائل النصيّة وغيرها من البرامج الالكترونية كأجهزة الاستماع وتحديد الأماكن وأجهزة الفيديو وتمدّد المراقبة لتشمل الاتصالات والتنقّلات أو أي تصرّف أخر مشبوه.
كما يمكن للمُراقِب الالكتروني القيام بعمليّة المراقبة من خلال برنامج الفيديو وفتح كاميرا جهاز المُراقَب دون علمه عندما لا يمكن استعمال الأساليب التقليديّة لذلك بسبب خصائص المكان الذي يوجد فيه الشخص المشتبه فيه وخاصّة عندما ينشط هذا الأخير في مناطق تشهد نسبة عاليّة من الإجرام.
كما أنّ أغلب أنظمة التواصل الالكتروني حالياً والتي تكون محلاً للمراقبة الالكترونية تعتمد نظام للتراسل باستخدام شبكات الحاسب والذي يستخدم كمستودع لحفظ المستندات والأوراق والمراسلات التي تتم معالجتها رقمياً في صندوق خاص وشخصي للمستخدم  ولا يمكن الدخول إليه إلاّ عن طريق كلمة مرور،  كما تأخذ المراسلات الالكترونيّة شكل محادثات فوريّة وهي نوع من المحادثات يتم عبر شبكة الانترنت وتبعاً لذلك تأخذ الاتصالات الالكترونية شكل مراسلات مكتوبة أو محادثات شفويّة.
وبسبب التطوّر التكنولوجي الهائل الذي تشهده البشريّة اليوم، فمن المتوقّع ظهور وسائل وأساليب جديدة لتبادل المراسلات وربط الاتصال بين الأفراد.

المطلب الثاني: خصائص إجراء المراقبة الإلكترونية

يتميّز إجراء المراقبة الالكترونية بعدّة خصائص يمكن استنتاجها من خلال التعاريف المختلفة له، حيث تتمثل تلك الخصائص فيما يلي:

الفرع الأول: إجراء المراقبة الإلكترونية يتم بصورة سرية

أي أنّ هذا الإجراء يتم خلسة أي في الخفاء دون رضا أو علم صاحب الشأن وعلة ذلك المحافظة على خصوصيّة الأحاديث والمراسلات وسرّيتها وبالتالي يمكن معه تطبيق كل الضوابط وضمانات المراقبة والحماية المقرّرة قانوناً لحماية حق الفرد في سريّة مراسلاته واتصالاته.
ومن أجل الموازنة بين مطرقة تنفيذ القانون وسندان حماية الحريات خاصّة إذا ما علمنا أنّ إجراء المراقبة الإلكترونيّة يتم بصورة سريّة، فقد تمّ وضع جملة من الشروط والضوابط التي من خلالها يكتسب إجراء المراقبة الالكترونية صفة المشروعيّة وهي:
- يجب أن يتضمّن إذن المراقبة الأحاديث والمراسلات التي يجب مراقبتها وتحديد هويّة الأشخاص الذين هم محل للمراقبة.
- تحديد ساعات المراقبة في إذن المراقبة لأنّ إطالة مدّة المراقبة المفتوحة فيها كشف لأسرار المواطنين دون مبرر وهو ما حدّده المشرّع الجزائري بستة أشهر قابلة للتجديد في المادة 4 من القانون رقم 09-04 في فقرتها السادسة.
- يجب على القائم بالمراقبة القيام بتسجيل ما يرخّص له في إذن المراقبة فقط وما ضبط فوق ذلك يمنع تسجيله ومراقبته.
- لا بد من ختم الشرائط التي تمّ تسجيلها عند تنفيذ أمر المراقبة لمنع تغييرها أو التلاعب بها.

الفرع الثاني: مساس إجراء المراقبة الالكترونية بحق الشخص في سرية المراسلات والاتصالات الإلكترونية

من شأن هذه الخاصيّة أن تكشف عن خطورة المراقبة الالكترونيّة، فالتنصّت على الأحاديث الخاصّة للإنسان يتيح للمسترق اختراق ذاته واقتحام عقله والتلصص بأفكاره ونواياه والوقوف على مشاعره وأحاسيسه وعليه فلا تعدّ من قبيل المراقبة ضبط الرسائل والكتابات وشهادة الشهود والاستجواب إلى غير ذلك من الإجراءات.

الفرع الثالث: هدف المراقبة الالكترونية الحصول على دليل غير مادي إلكتروني

إنّ الغاية من اللجوء إلى مراقبة الاتصالات الالكترونيّة هو الحصول على دليل من شأنه أن يساهم في كشف الحقيقة وتأكيد أدلة الاتهام لأنّ إسناد الجريمة لشخص معيّن يقتضي معه إقامة دليل على صلته بها.
فلا يجوز اللجوء إلى مراقبة الأحاديث الخاصّة للبحث عن الأدلة وإنما يكون ذلك عندما تتوافر أدلة أخرى جادّة وتحتاج إلى تدعيمها بنتائج هذا المراقبة.

الفرع الرابع: الاعتماد في مراقبة الاتصالات الإلكترونية على الأجهزة المخصصة لذلك

إنّ التطوّر التكنولوجي ساهم إلى حد كبير في ظهور أجهزة للمراقبة الالكترونية حديثة ومتطوّرة وهي التي سهّلت إلى حد كبير عمليّة مراقبة المراسلات، الأمر الذي حتم على الفقهاء القول بأنّنا لن نكون بصدد مراقبة الاتصالات الإلكترونية إلاّ إذا تمّ التنصّت بواسطة جهاز من الأجهزة المخصّصة لذلك.
المشرع الجزائري من خلال القانون رقم 09-04 المتعّلق بالقواعد الخاصّة بمكافحة جرائم الإعلام والاتصال والوقاية منها وباستقراء نص المادة 04 المتعّلقة بمراقبة الاتصالات الإلكترونية فإنّه لم يشترط استخدام أي جهاز لتحقق المراقبة ليحذو بذلك حذو الموقف الذي استقر عليه كل من الفقه والقضاء في مصر.

المطلب الثالث: أطراف المراقبة الإلكترونية

لعبت الثورة التكنولوجية الحديثة في عصرنا الحالي، دورا بارزا في مراقبة المراسلات الالكترونيّة بوسائل تكنولوجيا الإعلام والاتصال المتطوّرة التي تتميّز بدقّة متناهية ومقدرة فائقة على مسافات بعيدة وبالتالي فهي تتطلب أطراف فيها كما يلي:

الفرع الأول: المُراقِب الالكتروني

هو ضابط الشرطة القضائيّة المكلف بمهمّة الذي يتتبّع المشتبه فيه بواسطة التقنية الإلكترونيّة على شبكة الانترنت، وتسند هذه المهمّة عادة إلى كل شخص يحسن الاستخدام الأمثل للحاسوب الآلي الرقمي ونظمه وبرامجه ووسائل الاتصال الإلكترونيّة الرقمية، وأن يكون الشخص المكلف بالمهمّة ملماً بالمهارات الالكترونية والتقنية لشبكة الانترنت، وهذا العمل يتطّلب مصدرا ماليا مخصصا للفرد أو لفريق المراقبة لتغطية التقنية المستخدمة، كالهاتف المحمول المرتبط بالانترنت وأجهزة المراقبة الالكترونية، لكن هذه المهمّة في حد ذاتها تتطلب من الضابط المكلف بالعمليّة أن تتوافر فيه قدرات عالية ومواصفات معيّنة  مثل طاقة الاستيعاب نظًار للكم الهائل من المعلومات والمعرفة المتزايدة على الشبكة العنكبوتيّة في كل لحظة وثانية حيث ينبغي عليه أن يتمتع بقراءة سريعة وفي أقل وقت ممكن مثل قراءة حوالي 1000 كلمة في الدقيقة الواحدة واستيعاب للمقروء بمعدّل يصل إلى 60% تقريبا والاحتفاظ بالمعلومات لمدّة أسبوع على شبكة الانترنت.
كما يجب أن يتمتع الضابط المُراقِب بقدرة القراءة التصويرية التي يقصد بها وصول معدّل الشخص في القراءة للكلمات المقروءة إلى 2500 كلمة في الدقيقة مع ارتفاع نسبة الفهم والاستيعاب لأكثر من 70% والاحتفاظ بالمعلومات، بالإضافة إلى تمتع ذلك الضابط بالذكاء الالكتروني الرقمي وهو القدرة على التفكير وفهم العلاقات التي توجد بين العناصر المكوّنة لموقف من المواقف والتكيّف معه لتحقيق الهدف المراد تحقيقه من جراء عمليّة المراقبة الكترونيّة.

الفرع الثاني: المُراقَب الالكتروني

هو المشتبه فيه على الشبكة المتمثل في بعض المواقع من الانترنت والبريد الالكتروني وصفحات الفيسبوك وغيرها المخالفة للقانون بالإضافة لبعض الأشخاص المشتبه فيهم، أو أيّة جهة توضع تحت المراقبة ولا يمكن القيام بهذا الإجراء إلاّ بعد الحصول على إذن مكتوب ومسبّب ومحدّد المدّة بصرف النظر عن جنسيّة الهدف طالما أنّ عمل المشتبه فيه يضر بأمن البلاد ومصالحها.

المبحث الثاني: ضوابط اللجوء إلى إجراء المراقبة الالكترونية ومشروعيتها

يعتبر إجراء المراقبة الالكترونية إجراء خطيرا جداً باعتباره ينتهك أهم الحقوق المكفولة دستورياً وهي سريّة المراسلات والاتصالات، حيث أحاطها المشرّع الجزائري بجملة من الاعتبارات والضوابط التي تسمح القيام به والحدود التي يمكن أن نقف عندها حتى لا نصطدم بمسألة حقوق الإنسان وحرّياته.

المطلب الأول: حالات اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونية

نصّت المادة 04 من القانون رقم 09-04 إلى الحالات التي إذا توّفرت يمكن فيها اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونية وهي كالتالي:
أ- الوقاية من الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب أو التخريب أو الجرائم الماسّة بأمن الدّولة، فهنا طبّق المشرع الجزائري مستوى من مستويات السياسة الجنائيّة وهو المستوى الوقائي على غرار المستويين التجريمي والعقابي.
ب – في حالة توفّر معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتيّة على نحو يهدّد النظام العام أو الدفاع الوطني أو مؤسسات الدّولة أو الاقتصاد الوطني.
‌ج- لمقتضيات التحرّي والتحقيقات القضائيّة عندما يكون من الصعب الوصول إلى نتيجة تهم الأبحاث الجارية دون اللجوء إلى المراقبة الالكترونية.
‌د- في إطار تنفيذ طلبات المساعدة القضائيّة الدوليّة المتبادلة.
باستقراء الحالات المذكورة في المادّة رقم 04 من القانون رقم 09-04، يتبيّن لنا أنّ المشرع حصر  الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى عمليّة المراقبة الالكترونيّة مثل اقتصارها على الجرائم التي تمس بالأمن الوطني وذلك لأنّه عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإرهابيّة التي تطال المدنيين لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان وعن حق الشخص في الخصوصية لأنّ المصلحة العامّة في خطر بالإضافة كذلك إلى حالات المساعدة القضائيّة، إلاّ أنّ إضافة الحالة الواردة في الفقرة "ج" من المادّة الرابعة سالفة الذكر والمتعلقة بإمكانية اللجوء في كل قضيّة مستعصية إلى المراقبة الإلكترونيّة صغيرة كانت أو كبيرة يؤدّي إلى تعميم استخدام الآلية دون حد.

المطلب الثاني: ضوابط القيام بإجراء المراقبة الالكترونية

نظرا لخطورة إجراءات المراقبة الالكترونية على حقوق وحريّات الأفراد فقد أورد المشرع العديد من الضمانات والإجراءات التي تعتبر بمثابة قيود ترد على السلطة التي تأمر بإجراء المراقبة وتحول دون تعسّفها سواء كانت هي أو السلطات التي تتولى تنفيذها، وبقدر ما تكون هذه الأحكام القانونيّة محدّدة وواضحة بقدر ما تكون مباشرة المراقبة مقيّدة وفقاً للهدف منها، وعلى العكس من ذلك فإنّ عدم تحديد هذه الأحكام أو قصورها يفسح المجال لوجود سلطة تقديريّة واسعة في اللجوء إلى المراقبة تختلف ممارستها من سلطة إلى أخرى ممّا يمثّل خطراً كبيراً على حرمة الحياة الخاصّة.
الغاية من تقرير تلك الأحكام القانونيّة هو خلق نوع من التوازن بين حق المجتمع في إقامة العدالة وكشف غموض الجرائم وضبط الجناة وبين حق الأشخاص في حرمة حياتهم الخاصّة فلا تستباح الحرمات ولا تهدر الحريّات.
كما قيّد القانون اللجوء إلى عمليّة المراقبة الإلكترونية بشرط الحصول المسبق على إذن مكتوب ومسبب من الجهات القضائيّة المختصّة المتمثّلة في النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، حيث يعتبر هو المختص بمنح الإذن لإجراء عمليّة المراقبة في الجرائم الماسّة بأحكام القانون رقم 09-04،  بينما في الأحكام العامّة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري فإنّ الإذن الذي يمنح لإجراء المراقبة الإلكترونيّة يكون من طرف وكيل الجمهوريّة أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي أو قاضي التحقيق في مرحلة التحقيق القضائي وإلا كان الإجراء باطلاً وهو ما نصّت عليه المادة 65 مكرّر 05 من القانون رقم 66-155 من قانون الإجراءات الجزائيّة.
حتى الفقرة رقم 05 من المادّة رقم 04 الواردة في القانون رقم 09-04 المتضمّن القواعد الخاصّة للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتهما، فقد نصّت على أنه: "لا يجوز إجراء عمليات المراقبة في الحالات المذكورة أعلاه إلا  بإذن مكتوب من السلطة القضائية المختصة "، وبالتالي فهي تكون قد أحالت بطريقة غير مباشرة إلى القواعد العامّة التي جاء بها قانون الإجراءات الجزائيّة فيما يتعلق بمنح الإذن لممارسة إجراء الرقابة الالكترونيّة على عكس الفقرة رقم 06 0 من المادّة رقم 04 التي قيّدت الحصول على إذن إجراء المراقبة الإلكترونيّة فيما يخص الوقاية من الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب أو التخريب أو الجرائم الماسّة بأمن الدّولة من طرف النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر كما أسلفنا سابقا.ً
هذا وقد حدّد المشرع الجزائري مدّة الإذن الممنوح لضابط الشرطة القضائيّة بستة (29) أشهر قابلة للتجديد. وتركها على مطلقها ولم يقيّدها بوقت محدّد أو بعدد المرات التي يجوز فيها تجديد المراقبة بها.
الملاحظ بين الأحكام التي جاءت بها المادّة رقم 04 في فقرتها 06 من القانون رقم 09-04 والمادّة 65 مكرّر 07 في فقرتها الثانية، هو الاختلاف بينهما في مدّة الإذن، فالقانون رقم 09-04 جاء فيه أنّ مدّة الإذن تكون ستة أشهر بينما في قانون الإجراءات الجزائيّة جاء فيه أنّ مدّة الإذن أربعة أشهر، فهل يتم الأخذ بالمدّة الأولى أو الثانية ؟
من خلال استقراء أحكام الفقرة السادسة من المادّة رقم 04 من القانون رقم 09-04، يظهر لنا جلياً أنّ مدّة ستة أشهر خاصّة فقط بالفقرة "أ" من المادة رقم 04 والمتعلقة بالجرائم الإرهابية أو التخريب أو تلك الماسّة بأمن الدّولة بينما في بقيّة الحالات يتم الرجوع إلى أحكام المادّة 65 مكرّر 07 من قانون الإجراءات الجزائيّة، ومع كل ذلك وجب على المشرع الجزائري أن يضبط بدقّة حجم مدّة الإذن التي تمنح لضباط الشرطة القضائيّة من أجل ممارسة إجراء المراقبة الإلكترونيّة، فالمشرع الفرنسي مثلاً والذي يُعتبر المشرع الجزائري متأثرا به كثيرا قد نصّ في المادّة 05 من القانون رقم 91-646 المؤرخ في 10 جويلية 1991 المتعلق بسريّة المخابرات الجارية بواسطة وسائل الاتصال الإلكترونيّة، على أنّ إجراء المراقبة الإلكترونيّة منحصر في مدّة أربعة أشهر وخوّل فقط لرئيس الوزراء تحديد عدد حالات المراقبة المسموح بها سنوياً وإبلاغها للجنة المكلفة بمراقبة التنصّت الأمني على المحادثات بهذا العدد.
كذلك اشترط المشرع الجزائري في منح الإذن لضباط الشرطة القضائيّة لممارسة إجراء الرقابة الالكترونية أن يكونوا منتمين لتشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال ومكافحتها من أجل السماح له القيام بعملية المراقبة الإلكترونيّة بموجب إذن مكتوب صادر عن النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر.
كما تكون الترتيبات التقنيّة الموضوعة والمنصوص عليها وفقاً لما أوردته بالذكر الفقرة "أ" من المادّة رقم 04 من القانون رقم 09-04، موجّهة حصرياً لتجميع وتسجيل معطيات ذات الصلة بالأفعال الإرهابيّة والتخريبيّة والاعتداءات على أمن الدّولة وبالوقاية منها ومكافحتها فقط دون غيرها من الحالات الأخرى التي أردتها المادّة 04 من نفس القانون المذكور.
المشرع الجزائري من خلال الفقرة 07 من المادّة 04 من القانون رقم 09-04 خصّ المعطيات والمعلومات المتنصّت عليها عن طريق عمليّات مراقبة الاتصالات الإلكترونيّة المنصوص عليها في الفقرة "أ" لحماية موضوعيّة خاصّة وذلك يجعل عقوبتها نفس عقوبة جنحة المساس بالحياة الخاصّة للأشخاص وهو الفعل المنصوص عليه بموجب المادّة  303 من القانون رقم 66-156 المتضمّن قانون العقوبات الجزائري المعدّل والمتمّم.

المطلب الثالث: مشروعية إجراء المراقبة الإلكترونية

التعديل الدستوري لسنة 2016 كرّس مبدأ الحماية المطلقة فيما يخص الحياة الخاصّة للأفراد ومن بينها سرّية اتصالاتهم ومراسلاتهم وهو الأمر الذي تضمّنته بالذكر المادّة 46 منه والتي جاء فيها: "لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة، وحرمة شرفه، ويحميها القانون.
سرية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة.
لا يجوز بأي شكل المساس بهذه الحقوق دون أمر معلل من السلطة القضائية.
ويعاقب القانون على انتهاك هذا الحكم.
حماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي حق أساسي يضمنه القانون ويعاقب على انتهاكه".
هذه المادّة تدلّ على أنّ المشرع الجزائري سعى لحماية الحياة الخاصّة للمواطن في كل جوانبها ومنها حرمة مراسلاته واتصالاته ومحادثاته السريّة والخاصّة سواء الشفوية أو الهاتفيّة أي كانت طبيعتها أو الوسيلة أو التقنية التي تمّت بها، كما جرّم المشرع كل تعدّ على تلك الحقوق بنصوص قانونيّة أوردها بالذكر في قانون العقوبات الجزائري في نص المادّة 303 وما يليها منه.
من أجل ضمان موازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، ومن أجل ضمان عدم المساس وانتهاك الحقوق الدستوريّة للأفراد وضماناً لمشروعيّة إجراء المراقبة الالكترونيّة فقد حصر المشرع الجزائري ذلك في أربعة حالات جاءت بها المادّة 04 من القانون رقم 09-04 بالإضافة إلى قيام المشرع الجزائري بمنح إذن محدّد بمدّة زمنيّة معيّنة ولم يتركها مفتوحة، إلاّ أن ما يعاب على المشرع الجزائري هو عدم تحديده لمرات التجديد وفقط، كما قام المشرع الجزائري بمنح إذن إجراء المراقبة الالكترونيّة تحت سلطة الجهة القضائيّة المختصّة وتحت رقابتها من أجل منع التعسّف في استعماله هذا في ما يخص القانون رقم 09-04.
أمّا قانون الإجراءات الجزائيّة الجزائري فقد جاء هو الأخر أشدّ صرامة في تقييد اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة وحصره في سبعة (07) جرائم واردة على سبيل الحصر في المادّة 65 مكرّر  05 المضافة بموجب القانون رقم 06-22 المعدّل والمتمّم لقانون الإجراءات الجزائيّة، بالإضافة إلى اشتراط المشرع الجزائري اقتضاء اللجوء لإجراء المراقبة الإلكترونية أي أن يكون الهدف من إجراءات المرااقبة المتخذة ضد المتهمين أو المشتبه فيهم الذين توجد ضدّهم دلائل كافية بأنّهم متورّطون في ارتكاب جريمة من جرائم المعلوماتيّة، هو الكشف عن خطورة إجراميّة معيّنة أو اتجاه معيّن نحو ارتكاب الجريمة أو إماطة اللثام عن غموض الجريمة أو عن جناتها.
وبالتالي لا تعدّ هذه المراقبة مشروعة إذا استهدفت مجرّد التلصص على المتهم أو التشهير به أو الانتقام منه، كما لا يصح اللجوء إليها إلاّ في حالة عجز الوسائل التقليديّة في الكشف عن الجريمة بل يجب أن تقتضي ضرورة التحرّي أو التحقيق ذلك بأن يكون الإذن بإجراء المراقبة الإلكترونيّة له فائدة في إظهار الحقيقة.
إلاّ أنّ بعض الأصوات قد تعالت بالتشكيك في صحّة الدليل المستمد من المراقبة الالكترونية بقولهم أنها وسيلة غير مضمونة ولا تعكس دائما الحقيقة نظرا لإمكانية تغيير أو حذف أي مقاطع أو صور عن بعضها البعض أو على العكس من ذلك تركيبها بشكل يغيّر الحقيقة وينطبق هذا الأمر على الصوت والصورة المستمدة من المراقبة الالكترونيّة.
كما صرح المشكّكون في مشروعيّة الدليل المستمد من إجراء المراقبة الإلكترونيّة بأنّ المراقبة الإلكترونية تعتبر خرقاً وانتهاكاً للحقوق والحرّيات التي تحميها مختلف المواثيق الدولية والدساتير المقارنة والقوانين الداخليّة، وبالتالي فإنّ المشرع الجزائري لم يوازن بين حماية الصالح العام وحق الأفراد في احترام حياتهم الخاصّة وهذا ما جسّدته السلطات الواسعة الممنوحة لضباط الشرطة القضائيّة تحت غطاء مقتضيات التحرّي والتحقيق التي تتضمّن مساساً صارخاً لحقوق الأفراد،  فالمشرع تكفل بكافّة الأعمال والإجراءات التي تضمن القيام بالمهمّة على أكمل وجه، لكّنه لم يفكّر في الإنسان المهدورة حقوقه بعد أن تتضح براءته فكان يجدر به أن ينص على رد اعتبار وتعويض يتناسب وحجم الأضرار التي لحقت به إذا ثبتت براءته مع العلم أنّ أيّ  تعويض مادي يقدّم له لن ينصفه حقّه المعنوي المنتهك.
إلاّ أنّ المؤّيدين لاعتماد إجراء المراقبة الإلكترونية قاموا بالرد على الاتجاه المعارض بقولهم أنّ الفائدة العلمية والعمليّة لذلك الإجراء جعل الكثير من التشريعات تعتمد عليه في سبيل الكشف عن الجريمة والبحث عن المجرمين واستخلاص الدليل، بل اعتمدت على ذلك الإجراء حتى أكثر الدول التي ترفع شعارات حماية حقوق الإنسان ونادت بضرورة استخدامها مختلف الاتفاقيّات الدولية في ظل التطوّرات الخطيرة التي يشهدها الإجرام المنظّم وعلى أرسه الجريمة المعلوماتيّة، وليس هناك من بد في مواكبة حركيّة وتطوّر الإجرام خاصّة مع قصور الإجراءات التقليديّة للبحث والتحرّي عن الجريمة في ضمان مكافحة فعّالة للجريمة المعلوماتية، ثمّ إنّ الطبيعة الخاصّة لتلك الجريمة هي التي حتمت الاستعانة بإجراء المراقبة الإلكترونية كون ميدان الجريمة المعلوماتية هو الوسائل الإلكترونية وترتكب بواسطتها وبالتي يجب أن تكون وسيلة المكافحة من جنس أداة ارتكاب الجريمة.
لهذا كان لابدّ من تأطير إجراء المراقبة الالكترونية ووضع الآليات اللازمة لتطبيقه مع إعطاء ضمانات كافية بغية احترام الحرّيات الفرديّة وحقوق الإنسان، مع جعلها تتم تحت إشراف القضاء وسلطته مع تضييق مجال تطبيقه.

خاتمة

في ختام هذه الدراسة يمكن القول أنّ هناك عدّة إشكاليّات إجرائيّة أثارتها الجرائم المعلوماتيّة، الأمر الذي كشف قصورا وارتباكاً في التشريع الجزائري في مواجهة هذا النوع الجديد من الإجرام لم تألفه المنظومة الجزائريّة من قبل، ذلك الارتباك والقصور التشريعي بدأ يتلاشى شيئا فشيئا من خلال قيام المشرع بتبني إجراءات مستحدثة واستثنائية لمكافحة الجرائم المعلوماتية من خلال القيام بتعديل قانون الإجراءات الجزائيّة في سنة 2006 من خلال القانون رقم 06-22 والذي قام فيه المشرع باعتماد أسلوب الترصّد الإلكتروني كإجراء لمكافحة الجرائم الخطيرة ومن ضمنها الجرائم المعلوماتيّة.
وصولاً إلى سنة 2009 أين أفرد المشرع قانوناً خاصّا يتضمّن القواعد المتعلقة بالوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيّات الإعلام والاتصال، حيث جاء ذلك القانون بعدّة أحكام مهمّة لمكافحة الإجرام المعلوماتي من بينها ما نصّت عليه المادّة في ما يتعلق بمراقبة الاتصالات الالكترونية.
كل تلك الإجراءات الجديدة اعتبرت خطوة جريئة من طرف المشرع الجزائري ونقلة نوعية في سياسته المنتهجة لمكافحة الجريمة خاصّة إذا ما علمنا أنّ الإجراءات الجديدة قد أثارت الكثير من الجدل كونها تعتبر مساسا وانتهاكاً لخصوصية الحياة الشخصيّة وسرية المراسلات والاتصالات الالكترونية.
في ختام هذه الدراسة لا يسعنا إلاّ أن نقوم بصياغة بعض التوصيات المتمثّلة في ما يلي:
1- ضرورة قيام المشرع الجزائري بكشف بعض الغموض الذي يحيط بتطبيق أحكام المادة 04 من القانون 09-04. خاصّة فيما يتعلق بالمدّة اللازمة لإجراء المراقبة الالكترونية والجهة التي تقوم بمنح الإذن لضابط الشرطة القضائيّة لممارسة الإجراء هل هي خاصّة فقط بالجرائم الموصوفة بأنّها إرهابية أو جرائم أمن الدولة أو الجرائم الإرهابية أم هي مفتوحة لتشمل مختلف الجرائم المعلوماتية الأخرى، أم تطبّق القواعد العامّة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائيّة عليها
2- نثمّن قيام المشرع الجزائري بقصر اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة على حالات محدّدة حصرا، إلاّ أنّنا لمسنا غياب أيّ  إشارة إلى تفريغ ضباط الشرطة القضائيّة المكلفين بإجراء المراقبة الالكترونية لمختلف المعلومات المتوصّل إليها و الإجراءات المتبعة في محاضر، باعتبار أنّ المحاضر الصادرة من طرف ضبّاط الشرطة القضائيّة مهمّة جداً في الاستدلال.
3- ندعو المشرع الجزائري لإعادة ضبط حالات اللجوء إلى إجراء المراقبة الإلكترونيّة بشكل يضمن عدم استعماله المفرط باعتباره يشكّل انتهاكاً صارخاً للحريّات الأساسية للأفراد المكفولة دستورياً، بالإضافة إلى تحديد مرات تجديد اللجوء إجراء المراقبة الالكترونية وعدم تركها مفتوحة إلاّ في حالات محدّدة حصرا يجب النص عليها صراحة.

المرجع

  1. بن بادة عبد الحليم، "المراقبة الإلكترونية كإجراء لاستخلاص الدليل الإلكتروني" بين الحق في الخصوصية ومشروعية الدليل الإلكتروني، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني، المجلد 10، العدد 03-2019، ص 387-403.
google-playkhamsatmostaqltradent