بحث حول البطلان الإجرائي

بحث حول البطلان الإجرائي

بحث حول البطلان الإجرائي
من إعداد الطالب: ضيف الله عبد النور

المقدمة

القاعدة القانونية سواء كانت جنائية أو مدنية أو إدارية أو إجرائية تعتبر بجانب كونها قاعدة عامة ومجردة، قاعدة ملزمة أي واجبة الاحترام من قبل المخاطبين بها، فلا يجوز مخالفتها أو التحلل منها، فهي ليست مجرد نصيحة أو رجاء موجه للأفراد، إن شاءوا عملوا بها وان شاءوا تركوها، وإنما هي تكليف يتعين الانصياع له، فتنفيذ القانون يعد ضرورة اجتماعية تحتمها ظروف الجماعة والحياة الهادئة في المجتمع. إن تنفيذ القانون يتطلب التدخل القضائي والذي هو مرهون بوجود منازعة يترتب عليها إعاقة التطبيق التلقائي للقانون. ولكي يكون التدخل القانوني مجديا، فلا بد أن يعمل الجهاز القضائي وفقا لقواعد تنظم حركته. فالقواعد الإجرائية هي قواعد تنظم الإجراءات التي يجب إتباعها أمام المحاكم في الدعاوى وكيفية السير والتحقيق فيها، وما يصدر فيها من أحكام، وكذا الإجراءات التبني يجب إتباعها لتنفيذ هذه الأحكام. فالمشرع من جانبه ولضمان حسن سير القضاء يقرر الإجراءات والمواعيد التي يجب على القضاة والخصوم مراعاتها، ولهذا كان من الضروري أن تقترن هذه القاعدة بجزاء، فالجزاء هو الذي يضمن عدم مخالفة هذه القواعد الإجرائية.و البطلان هو اخطر جزاء رتبه المشرع جراء مخالفة القواعد والأعمال الإجرائية بل هو أكثر الجزاءات الإجرائية خطورة على الإطلاق، إذ انه يهاجم العناصر التي تستند إليها الدعوى و يمكن أن يؤدي إلى انهيارها أو عدم صحتها. وعليه فان الأمر لا يتعلق بمجرد إهدار إجراء باطل وإنما يصل في بعض الأحيان إلى إهدار الخصومة كلها وفي أحيان أخرى إلى ضياع الحق المدعى به، لذلك عمدت مختلف التشريعات إلى تنظيم البطلان الإجرائي ومنها المشرع الجزائري الذي تبنى نظاما  ، مسايرا في ذلك ما وصلت إليه نظرية البطلان من تطور وذلك بموجب قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد 09/08 رافعا الكثير من اللبس والغموض الذي كان يشوب هذا الجزاء بموجب قانون الإجراءات المدنية الملغى
ومن هذا نطرح الإشكالية التالية:
فـيما يتمثل النظام القانـوني للـبطلان الإجرائي؟ وما هي الآثار المترتبة عليه؟
خــــطــــــة الـــــبــــحــــث
المبحث الأول: النظام القانوني (أحكام) للبطلان الإجرائي
المطلب الأول: الطبيعة القانونية للبطلان الإجرائي
المطلب الثاني: قواعد التمسك بالبطلان الإجرائي
المبحث الثاني: البطلان الإجرائي بين الآثار وكيفية الحد منه
المطلب الأول: الآثار المترتبة على الحكم بالبطلان الإجرائي
المطلب الثاني: كيفية الحد من البطلان الإجرائي (تصحيح الإجراء الباطل)

المبحث الأول: النظام القانوني (أحكام) للبطلان الإجرائي

تم تقسيم المبحث إلى مطلبين: نتطرق في المطلب الأول إلى الطبيعة القانونية للبطلان الإجرائي و نتناول في المطلب الثاني قواعد التمسك بالبطلان الإجرائي.

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للبطلان الإجرائي

البطلان الإجرائي يقصد به إذا ما قرر القانون أن عملا معينا يجب أن يتم وفوق شكل محدد تحت طائلة البطلان فإن صدوره بشكل مخالف يجعل منه عملا باطلا.

الفرع الأول: عناصر فكرة البطلان

1/عيب يصيب الشكل: وهو وجود عيب يؤدي إلى عدم تطابق الإجراء مع نموذجه القانوني وعدم إنتاج أثاره القانونية، فالعلة من تقرير بطلان الإجراء المعيب حسب ما سبق توضيحه هي أن الإجراء الذي اشترط فيه المشرع أن يكون وفق نموذج معين وهذا استنطاقا لقاعدة أن القاعدة القانونية قاعدة ملزمة للمخاطبين بأحكامها ولا يجوز مخالفتها فإن وقوع ذلك يؤدي لزوما إلى توقيع جزاء على ذلك وهو بطلان الإجراء ومنعه من ترتيب أثاره التي يرتبها القانون لو كان العمل القانوني صحيح ووفق نموذجه القانوني ولهذا قيل بأن هذا الجزاء يؤدي إلى عدم فعالية العمل القانوني وافتقاده لقيمته القانونية المفترضة في صحته.
غير أن هذا العنصر لا يمكن أن يؤخذ على عمومه كون أن العيب الذي يصيب الإجراء لا يرتب في جميع الأحوال البطلان فبعض الحالات قد يكون الإجراء معيبا ومع ذلك يرتب كل أثاره كما لو كان سليما، كحضور المدعى عليه لجلسة المحاكمة رغم عدم تبليغه عن طريق المحضر وفقا لما هو مقرر في نص المادة 32 من ق.إ.م.إ.
2/عجز الإجراء المعيب عن ترتيب أثاره القانونية: لابد لتوقيع البطلان على الإجراء المعيب أن يعجز هذا الأخير عن ترتيب أثاره القانونية التي كان لابد أن يرتبها إن كان سليما وبالتالي عدم تحقق الغاية التي أقرها المشرع من الإجراء وبالتالي إفقاده القيمة القانونية المفترضة في صحته.[1]

الفرع الثاني: المعيار القانوني لتقرير البطلان في القانون الجزائري

بعدما كان الجزاء كفكرة جامدة أصبح في القانون الفرنسي يرتكز على فكرة الضرر في تخلف العمل الإجرائي بالنسبة للمتمسك به، أما في القانون المصري فقد أخذ بفكرة الغاية من الإجراء وبالتالي ففكرة البطلان في هذا النظام تتوقف حول تحقق الغاية من عدمه.
وفيما يخص القانون الجزائري في القانون الملغى التزم المشرع الصمت إلا أن الممارسة القضائية كانت تتجه نحو فكرة الضرر في البطلان، أما بصدور قانون 08/09 وبالرجوع إلى المادة 60 منه التي تنص على أن "لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه..."
يمكن استخلاص أن المشرع الجزائري اعتنق نظرية الضرر التي أخد بها النظام الفرنسي والتي تقوم على مبدأين أساسيين هما:
مبدأ لا بطلان بغير نص.
مبدأ تحقق الضرر بالنسبة للمتمسك به.
وما يعاب على المشرع الجزائري عند نقله لمضمون المادة 114 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي وتبناها في المادة 60 أنه قد أسقط منها الفقرة الثانية والتي هي استثناء على الأصل في نظرية البطلان المبنية على وجوب التنصيص والضرر بحيث استثنى المشرع الفرنسي المسائل الجوهرية أو المعلقة بالنظام العام، وهذا ما لم يرد في المادة 60 من التشريع الجزائري وهذا ما كان سائدا عليه التشريع الفرنسي قبل تعديل 1975.[2]

المطلب الثاني: قواعد التمسك بالبطلان

الفرع الأول: الدفع ببطلان الإجراءات الشكلية

لقد تناول المشرع الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الشكلية في المواد من 60 إلى 63 محددا بذلك شروط التمسك بهذا الدفع وكذا الإجراءات الواجب اتخاذها حين التمسك به وهذا ما نتطرق له فيما ما يلي:

1/ شروط التمسك بالدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الشكلية

الشرط الأول: لا بطلان بغير نص: نظم المشرع الدفع بالأعمال الإجرائية الشكلية بموجب المواد من 63-62-61-60 من ق إ م إ وجاء في نص م 60 "لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه" ويظهر من خلال المادة 60 ق إ م إ.إنه لا يمكن التمسك بالبطلان لعيب شكلي أي متعلق بأعمال إجرائية شكلية إلا إذا نص عليه القانون صراحة ومن أمثلة النصوص المتعلقة بالبطلان المواد :08 ،95 ،152 ،156 ،275 ،407 ،629 ،643 ،659 ،701 ،.703
لقد عمد المشرع تحديد حالات البطلان لعيب شكلي بنفسه وهذا بالنص عليه صراحة، ومنه عدم جواز الدفع ببطلان أي إجراء شكلي لم يرد في القانون، وقد يبدو هذا طبيعيا مادام المشرع هو الذي يرسم الإجراءات للمتقاضين، وهو أدرى بما يقصد أن يحققه من ضمانات أساسية في كل الأحوال. يلاحظ هنا أن المشرع الجزائري قد اكتفى بالبطلان الذي يحدده هو بنفسه و بذلك أخذ بنظرية البطلان بدون نص ولم يشر إلى اكتشاف حالات بطلان أخرى عجز عن تحديدها وهي تلك المتعلقة بمخالفة إجراءات جوهرية أو مخالفة النظام العام مثلما هو الحال بالنسبة للقانون الفرنسي الذي أضاف إلى وجوب النص صراحة على البطلان حالة مخالفة إجراء جوهري أو حالة تتعلق بالنظام العام وهذا ما نصت عليه م 114 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي.
الشرط الثاني: لا بطلان بغير ضرر: لا يكفي حسب نص المادة 60 ق إ م إ وجوب النص على البطلان للتمسك به بل يجب على من يتمسك بالدفع ببطلان أي عمل إجرائي شكلي إثبات الضرر الذي لحق به، وما هذا إلا تكريس لموقف المحكمة العليا ومجلس الدولة سابقا في ظل قانون الإجراءات المدنية الملغى الذي لم يكن فيه موقف محدد للمشرع الجزائري منها، و لا يحق للقاضي أن يقضي بالبطلان بناء على ضرر لم يتم إثارته من الخصومة، كما أن الخصم الذي لم يثبت الضرر الذي لحقه جراء عيب شكلي لا يمكنه مؤاخذة المحكمة على الحكم له بالبطلان.
وفي حالة إثبات الضرر فعلى القاضي فحص الدليل المقدم له والبحث فيما إذا كانت المخالفة الإجرائية قد سببت فعال ضررا للمدعي بها، وسلطة القاضي التقديرية في ذلك هي سيدة ولا تخضع لرقابة المحكمة العليا، و فيما يتعلق بطبيعة الضرر الذي يجب على المدعي به إثباته، فان القضاء في فرنسا يراعي في ذلك جسامة هذا الضرر ومدى مساسه بحقوق الدفاع، ومدى تأثير البطلان على الحضور لجلسة المحكمة، مدى تأثيرها على ممارسة حق الطعن. إن اشتراط إثبات الضرر للدفع بأي بطلان متعلق بعمل إجرائي شكلي هو مستمد من مبدأ البطلان بغير ضرر الذي تقوم عليه نظرية البطلان الإجرائي.
الشرط الثالث: يجب أن يثار البطلان ممن تقرر لصالحه: لا يكفي أن يكون الدفع ببطلان أي عمل إجرائي لعيب في الشكل منصوص عليه قانونا، ولا يكفي إثبات الضرر الذي لحق من تمسك به للحكم له بالبطلان وإنما يجب أن يثار هذا الدفع إلا ممن تقرر البطلان لصالحه، وهذا ما جاءت به المادة 63 ق إ م إ بنصها: "لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا لمن تقرر البطلان لصالحه لصالحه."إن شرط إثارة الدفع من طرف من تقرر لصالحه المنصوص عليه بموجب م 63 ق إ م إ هو شرط بديهي لأن الدفوع بشكل عام شرعت لمن له مصلحة في إبدائها بل ولا يفترض دائما توفر المصلحة لدى من يدفع من الخصوم بدفع شكلي.ذلك لأن مثل هذا الدفع إنما يأتي كنتيجة إخلال الخصم الآخر بالإجراءات الشكلية والأوضاع القضائية، التي وضعها المشرع، سواء تعلقت باختصاص المحكمة أو باستدعاء الخصوم للحضور أمامها. إن المشرع في وضعه لهذه النظم و لتلك الإجراءات قد قصد إلى تحقيق مصلحة عامة، وهذه المصلحة العامة تضار من غير شك باخلال بهذه القواعد، ومن هنا كان الضرر و المصلحة مفترضين في جانب من يتقدم بمثل هذه الدفوع ويلاحظ انه لا يوجد لمثل هذا النص في القانون المصري ولا في القانون الفرنسي.

2/ إجراءات الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الشكلية

يجب إثارة الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الشكلية خلال القيام بها و قبل إبداء أي دفع في الموضوع و هذا إسنادا للمادة 61 من ق إ م إ و التي جاء فيها :«يمكن إثارة الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا خلال القيام بها، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لا حقا للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته" إن ما جاء في المادة 61 من ق إ م إ ما هو إلا تأكيد لمبدأ سبق للمشرع الأخذ به يتعلق بالدفوع الشكلية بموجب المادة 50 من ق إ م إ والتي جاء فيها "يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل أي دفاع أو دفع بعدم القبول، وذلك تحت طائلة عدم القبول. في الموضوع أو دفع بعدم القبول وذلك تحت طائلة عدم القبول" وبمقارنة بسيطة بين المادة 61 والمادة 50 من ق.إ.م. فانه يظهر سقوط إبداء الدفع بعدم القبول من نص المادة 61 من ق إ م إ، إذ أوجبت إبداء البطلان المتعلق بالأعمال الإجرائية الشكلية قبل إثارة أي دفع في الموضوع، دون الإشارة إلى الدفع بعدم القبول، ويثور التساؤل هنا حول ما إذا كان الأمر قد تعمده المشرع الجزائري أو انه مجرد سهو ورد في نص المادة 61.[3]

الفرع الثاني: الدفع ببطلان الإجراءات الموضوعية

لقد نظم المشرع الجزائري الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الموضوعية بموجب المواد 66/65/64 من ق إ م إ وحصر حالات بطالان بموجب المادة 64 من ق إ م إ في بطلان العقود غير القضائية فيما يلي:
إنعدام الأهلية للخصوم
إنعدام الأهلية أو التفويض الممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.

1/ شروط التمسك بالدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الموضوعية

بالرجوع إلى نص المادة 64 من ق إ م  المذكورة أعلاه المستمدة من نص المادة 119 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي
ومن خلال استقراء نص المادتين المذكورتين أعلاه يلاحظ أن المشرع الجزائري لم ينص على وجوب إثبات الضرر في حالات البطلان لعيب موضوعي علما انه ورد في القانون الفرنسي النص صراحة على إعفاء من تمسك ببطلان أي عمل إجرائي موضوعي من إثبات الضرر اللاحق به.

2/ إجراءات الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية الموضوعية

لقد حددت المادة 64 ق إ م إ حالات البطلان لمخالفة الأعمال الإجرائية الموضوعية في حالتين في سبيل الحصر وجعلت المادة 65 ق.إ.م.إ هذا البطلان من النظام العام إذ أوجبت إثارته تلقائيا من طرف القاضي في حالة تعلقه بعدم أهلية الخصوم أو من يمثلهم وأجازت له إثارة هذا الدفع في حالة تخلق تمثيل الشخص الطبيعي والمعنوي.
ويمكن إثارة هذا الدفع في أية مرحلة كانت عليها الدعوى بخلاف البطلان لعيب شكلي الذي يجب أن يثار قبل الخوض في الموضوع.

المبحث الثاني: البطلان الإجرائي بين الآثار وكيفية الحد منه

تم تقسيم المبحث إلى مطلبين: نتطرق في المطلب الأول إلى الآثار المترتبة على الحكم بالبطلان الإجرائي
و نتناول في المطلب الثاني كيفية الحد من البطلان الإجرائي.

المطلب الأول: الآثار المترتبة على الحكم بالبطلان الإجرائي

لا يقع البطلان بقوة القانون، وإنما يجب أن تحكم به المحكمة سواء تعلق البطلان بالأعمال الإجرائية الشكلية أو بالأعمال الإجرائية الموضوعية، وسواء كان البطلان وجوبيا على المحكمة أو جوازيا لها، فان الجزاء المعيب يبقى منتجا لآثاره إلى أن يحكم ببطلانه، فإذا حكم ببطلانه اعتبر كأن لم يكن و زالت جميع آثاره، على أن يترتب عليه بطلان الإجراءات السابقة عليه، أما بالنسبة للإجراءات اللاحقة فالأصل إنها تبطل  كأثر لبطلان الإجراء السابق عليها شرط أن يوجد ارتباط قانوني بين العمليتين بحيث يعتبر العمل السابق الذي يظل شرط لصحة العمل اللاحق به واذا ما تم التمسك بالبطلان وصدر حكم بالبطلان فان هناك عدة أثار تترتب في هذه الحالة من أهمها:
1/ اعتبار الإجراء كأن لم يكن: يترتب على الحكم ببطلان الإجراء اعتباره كأن لم يكن، وزوال كل آثاره و لذا فان الحكم ببطلان المطالبة القضائية يؤدي إلى زوال الخصومة، وكذلك زوال كافة آثارها الموضوعية غبر أن ذلك لا يؤثر على حق الدعوى أو الحق الموضوعي للمدعي، ولذا يجوز تجديد الإجراء على نحو صحيح للتمسك بالبطلان بذات الدعوى.
2/ بطلان الإجراءات اللاحقة المبنية عليه: الحكم ببطلان الإجراءات لا يترتب عليه زواله وحده وإنما تزول كافة الإجراءات اللاحقة له و المبنية عليه، وهذا الأثر يعد مظهر لوحدة الخصومة أما الإجراءات السابقة على الإجراء الباطل فلا تتأثر بهذا البطلان طالما تمت الإجراءات السابقة في ذاتها صحيحة.[4]

المطلب الثاني: كيفية الحد من البطلان الإجرائي (تصحيح الإجراء الباطل)

للحد من البطلان و منعا للمبالغة في التمسك بالشكل يحاول المشرع ضمانا لسير الخصومة النهائية تفادى البطلان بوسائل عديدة، فإذا توافرت حالة من حالات البطلان و توافرت شروطه، فانه يحاول الحد من آثاره عن طريق تصحيح الإجراء الباطل، أي أن العمل المعيب القابل للإبطال يصبح غير قابل له، و تعمد التشريعات المختلفة إلى الإكثار من حالات التصحيح حتى تستمر الخصومة و تحقق غايتها المرجوة والمنشودة، ومنها المشرع الجزائري بنصه على طريقتين لتصحيح البطلان هما:

أولا: التصحيح بالنزول عن التمسك بالبطلان

من أهم الوسائل التي جاء بها المشرع للحد من البطلان، إمكانية التنازل عنه ممن شرع لمصلحته صراحة أو ضمنا وهذا ما عبر عنه المشرع ضمنيا في نص المادة 61 من ق.إ.م.إ فللخصم الذي من حقه التمسك بالبطلان أن يتنازل عن هذا الحق وهذا بالنزول الصريح أو الضمني، أما النزول الصريح فهو إعلان الخصم إرادته الصريحة بالنزول عن حقه في التمسك بالبطلان ولا يشترط في هذا الإعلان أي شكل خاص فيمكن أن يتم شفاهة في الجلسة في مواجهة الخصم الأخر كما يمكن أن يتم كتابة.
أما النزول الضمني فهو سلوك من الخصم يدل على ضرورة على إرادة من قام به في النزول على التمسك بالبطلان ويبحث القاضي في الكشف على الإرادة، فيما إذا كان العمل الذي يراد اعتباره تزوال يمكن أن يتفق في ذهن من قام به مع إرادة التمسك ويمكن للمحكمة أن تستنج هذا التنازل الضمني من سلوك الخصم في الدعوى كما إذا رد على الإجراء بما يدل على أنه اعتبره صحيحا أو قام بعمل أو إجراء آخر باعتباره كذلك، ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في ذلك لا تخضع لرقابة المحكمة العليا عليه بشرط إن يبني استنتاجه على أسباب سائغة و معقولة، ويترتب عن النزول على التمسك بالبطلان اعتبار العمل صحيحا ومنتجا لأثاره من وقت للقيام به.
لقد نص المشرع الجزائري على النزول عن التمسك بالبطلان عن طريق القبول بالطلبات وهو الإجراء الذي نصت عليه المادة 237 ق إ م إ بنصها القبول هو"تخلي احد الخصوم عن حقه في الاحتجاج على طلب خصمه، أو على حكم سبق صدوره...كما تنص المادة 238 "القبول بطلب الخصم يعد اعترافا بصحة ادعاءاته أو تخليا من المدعى عليه"

ثانيا: تصحيح البطلان بالتكملة

يعني تصحيح الإجراء المعيب أو الناقص عن طريق تكملته بان يضاف إلى العمل ما ينقصه، وذلك بإضافة المقتضى المعيب، ويستوي أن يكون العيب أو النقص في مقتضى موضوعي كعيب الأهلية أو التمثيل القانوني أو في مقتضى شكلي.و التصحيح بالتكملة جائز و لو بعد التمسك بالبطلان، و بذلك غلب المشرع رغبته في تصحيح الإجراء الباطل على قاعدة أن حقوق الخصم إذا قدم طلبا أو دفعا يتحدد بوقت تقديم الطلب أو الدفع
وليس بموجب الحكم فيه. لقد ميز المشرع الجزائري بين تصحيح البطلان بالتكملة المتعلق بمخالفة الأعمال الإجرائية الشكلية وبين التصحيح الذي ينصب على الأعمال الإجرائية الموضوعية.
* بالنسبة لتصحيح البطلان المتعلق بالأعمال الإجرائية الشكلية لقد أجاز المشرع الجزائري تصحيح البطلان الذي يمس الأعمال الإجرائية الشكلية وهذا بتمكين الخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان بشرط عدم بقاء أي ضرر بعد التصحيح وهذا ما نصت عليه المادة 62 من ق إ م إ التي جاء فيها "يجوز للقاضي أن يمنح أجال للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح. يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان».
* أما بالنسبة لتصحيح البطلان المتعلق بالأعمال الإجرائية الموضوعية فقد أجاز المشرع أيضا تصحيح البطلان المتعلق بها دون أن يشترط عدم بقاء أي ضرر بعد التصحيح، وهذا ما يفهم من نص المادة 66 ق إ م إ التي جاء فيها : "لا يقضي ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء الحق أثناء سير الخصومة "، ويبدو أن عدم اشتراط الضرر في هذه الحالة الأمر منطقي وهذا لأنه لم يسبق للمشرع اشتراط الضرر في التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية الموضوعية خالفا لما هو الحال بالنسبة للأعمال الإجرائية الشكلية.[5]

ثالثا: سلطة القاضي في تصحيح الإجراء المعيب

وتظهر سلطته فما يلي:
• منح الأجل للخصوم لتمكينهم من تصحيح الإجراء المشوب.
• تفسير شرط الضرر بحثا عن غاية المشرع في تقرير البطلان وما إن كانت الغاية تحققت من عدمها.
• تقدير عدم بقاء أي ضرر بعد التصحيح.
• تقدير زوال سبب البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة.
تجدر الإشارة إلى أن الأمر بتصحيح الإجراء الباطل ومنح الأجل من طرف القاضي يعتبر من بين أعمال الإدارة التي يقوم بها القضاة ومن ثمة لا يجوز الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن.[6]

الخاتمة

من خلال عرضنا لنظام البطلان الإجرائي على ضوء قانون الإجراءات المدنية والإدارية  نخلص إلى القول أن المشرع الجزائري بحث عن نقطة التوازن المرجوة من تقرر البطلان على غرار معظم التشريعات الإجرائية التي ذهبت نحو إضفاء الصرامة في القواعد الإجرائية رعاية للمصلحة العامة من جهة والليونة اللازمة لحماية حقوق الأفراد وفقا لما يبتغونه من جهة أخرى وما يلاحظ أيضا أن المشرع الجزائري يسير نحو مراعاة السياسة التشريعية الحديثة في مجال الإجراءات والتي مقامها فكرتين أساسيتين، وهما فكرة الجزاء المرتبط بالقاعدة القانونية حتى تكون مكفولة الاحترام، وفكرة مراعاة حقوق الأفراد بحيث أن ترتيب الجزاء بصفة شكلية قد يؤدي إلى إهدار الكثير من الحقوق وهذا حتى لا تصبح إجراءات التقاضي غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة لفض النزاعات.
نستخلص في الأخير إلى أن المشرع حين يقرر في سبيل حسن سير القضاء إجراءات و مواعيد محددة يجب على الخصوم وعلى القضاة إتباعها، فانه من البديهي أن يرتب على مخالفة تلك الإجراءات والمواعيد جزاءات معينة ليضمن احترامها وبما أن البطلان هو اخطر جزاء يمكن أن يقع على مخالفة هذه الإجراءات والمواعيد، فان المشرع الجزائري تبنى نظاما قانونيا قائما بذاته تولى فيه بنفسه تحديد حالات البطلان متبنيا في ذلك "البطلان بغير نص" مع اشتراط إثبات الضرر في حالة البطلان
المتعلق بالأعمال الإجرائية الشكلية وبذلك اخذ بمبدأ آخر من المبادئ التي تقوم عليها نظرية البطلان وهو مبدأ البطلان بغير ضرر"، ولقد ساير المشرع التطور الذي عرفته هذه النظرية حيث ميز بين البطلان الذي يمس الأعمال الإجرائية الشكلية وذلك الذي يطال الأعمال الإجرائية الموضوعية، وخصص لكل منهما أحكاما خاصة ضمن وسائل الدفاع وبالتحديد في الفصل المتعلق بالدفوع الشكلية وبذلك اعتبر الدفع بالبطلان صورة من الصور الشكلية.
لقد ميز المشرع بين البطلان المتعلق بالنظام العام و سمح للقاضي أن يثيره من تلقاء نفسه وهذا عندما يتعلق الأمر بمصلحة عامة كما هو الأمر بالنسبة للبطلان الذي يطال الأحكام القضائية والبطلان بسبب انعدام أهلية الخصوم و بين البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة والذي قيده بشروط كما هو الحال بالنسبة لبطلان محاضر التبليغ مثال، وبذلك حافظ المشرع على الأسس التي بنيت عليها نظرية البطلان وعلى تلك التي بنيت عليها نظرية الإجراء القضائي.
حدد المشرع حالات البطلان لمخالفة العقود غير القضائية والإجراءات في حالتين فقط وعلى سبيل الحصر بموجب المادة 64 من ق إ م إ و هما انعدام أهلية الخصوم وانعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي وبذلك ساير ما وصل إليه الفقه الفرنسي وتجنب كلا لمأخذ والانتقادات التي طالت المادة 117 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الذي استلهم منه المشرع الجزائري نظام البطلان الإجرائي في شكله الحالي.
لقد حرص المشرع الجزائري على استمرار الخصومة القضائية والوصول بها إلى نهايتها أي صدور حكم قضائي بشأنها، وهذا عن طريق الحد من حالات البطلان إما عن طريق التنازل عنه وإما عن طريق تصحيحه خلال سير الخصومة، وبذلك يكون قد وفق إلى حد بعيد في فرض احترام القانون ونواهيه من النواحي الإجرائية بفرض جزاء البطلان في حال مخالفتها، مع ترتيب الجزاء عن كل مخالفة إجرائية مهما قلت حتى لا تهدر وتضيع حقوق المتقاضين.

قائمة المراجع


  1. 1- د. بوسماحة الشيخ والأستاذة بوجلال فاطمة الزهراء ,البطلان في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية – مجلة البحوث في الحقوق والعلوم السياسية،جامعة ابن خلدون تيارت-الجزائر، العدد 06 , سنة 2017.
  2. 2- أ.لبيض ليلى والأستاذة علي خوجة ليلى–النظام القانوني للبطلان في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري 08/09 -, مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية,المجلد11,العدد01, أفريل 2018.
  3. 3- قانون الإجراءات المدنية والإدارية  الجزائري الجديد 09/08.
  4. 4 - قانون الإجراءات المدنية الجزائري الملغى.
  5. 5- قانون الإجراءات المدنية الفرنسي.


[1]  د. بوسماحة الشيخ والأستاذة بوجلال فاطمة الزهراء, البطلان في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية – مجلة البحوث في الحقوق والعلوم السياسية،جامعة ابن خلدون تيارت- الجزائر، العدد 06, سنة 2017 ص 2.
[2]  د.بوسماحة الشيخ والأستاذة بوجلال فاطمة الزهراء, المرجع السابق، ص 5 – 6.
[3] أ لبيض ليلى والاستاذة علي خوجة ليلى – النظام القانوني للبطلان في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري 08/09، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، المجلد 11، العدد1، أفريل 2018، ص545 إلى 549.
[4] لبيض ليلى والأستاذة علي خوجة ليلى، المرجع السابق، ص 550
[5] لبيض ليلى والأستاذة علي خوجة ليلى، المرجع السابق، ص551.
[6] د. بوسماحة الشيخ و أ بوجلال فاطمة الزهراء، المرجع  السابق، ص10.
google-playkhamsatmostaqltradent