عقد التأمين

عقد التأمين

عقد التأمين

ينظر فقهاء القانون إلى عملية التأمين من خلال الأداة القانونية التي يستطيع بها الأفراد الاستفادة من نظام التأمين، والتي عن طريقها أيضا تضع شركات التأمين تلك الفكرة موضع التطبيق، وتتمثل هذه الأداة في عقد التأمين وتكتسب دراسة عقد التامين أهمية كبيرة في رسم القواعد العامة التي تقوم عليها العلاقة التأمينية وما تتميز به من خصائص، وما ترتبه على أطرافها من التزامات.

ولذلك سنتناول دراسة عقد التأمين دراسة قانونية يرجع فيها إلى الأحكام العامة للعقود من خلال بيان ما يلي:

  • الفرع الأول: أركان عقد التأمين
  • الفرع الثاني: الالتزامات الناشئة عن عقد التأمين
  • الفرع الثالث: انقضاء عقد التأمين

الفرع الأول: أركان عقد التأمين

إن عقد التأمين كسائر العقود يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة التي يتطلبها القانون في العقد  كالتراضي والمحل والسبب ورغم أن هذه الشروط تخضع للأحكام العامة في نظرية العقد، إلا أن ذاتية عقد التأمين تتطلب دراسة الرضاء والمحل لبيان عناصره المختلفة.

ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال المباحث الآتية:

أولا: التراضي في عقد التأمين

إن الرضاء هو قوام العقد ومصدر وجوده، ومن ثم فإنه يجب أن يكون التراضي موجوداً بتطابق الإيجاب والقبول وأن يكون صحيحاً بأن يكون لدى المتعاقدين أهلية إبرامه وأن تكون إرادة كل منهما خالية من عيوب الإرادة (كالغلط والتدليس والإكراه).

فإذا توافر لعقد التأمين ذلك فأصبح موجوداً من الناحية القانونية.

أما من الناحية العملية فإن عقد التأمين يبرم على نحو خاص ومن عدة مراحل متوالية ونعرض لدراسة هذا الموضوع من خلال الآتي:

أ- التراضي وجوده وصحته

نعلم أن التراضي هو قوام العقد فلا وجود للأخير إلا إذا وجد الأول والتراضي، باعتباره تعبيراً عن الإرادة، فلابد أن يكون موجوداً وصحيحاً أي سليماً من العيوب.

ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:

1-  وجود الرضا: عقد التأمين من العقود الرضائية التي تنعقد بمجرد توافق إرادتين على إحداث أثر يرتبه القانون، وأن استلزام الكتابة للإثبات وليس للانعقاد. وبناء على ذلك فإنه يجب أن يكون التراضي موجوداً بأن يعبر القابل (المؤمن) عن إرادته على نحو يتوافق مع التعبير الصادر من طالب التأمين ويتطابق معه. ومتى تطابق القبول مع الإيجاب فإن عقد التأمين ينعقد دون الحاجة إلى أي إجراء آخر وفقاً لما تقضى به أحكام التقنين المدني.

غير أن ذاتية التأمين وتنوع شروط عقده وبياناته تجعل طرفيه، في أغلب الأحيان، يعلقان تمامه على التوقيع على وثيقة التأمين من  كليهما (المؤمن والمؤمن له)، وقد يشترطان عدم انعقاد العقد إلا إذا دفع المؤمن له القسط الأول من أقساط التأمين، وبناء على ذلك فإن العقد لا ينعقد إلا إذا تم التوقيع على تلك الوثيقة ودفع هذا القسط.

2- صحة التراضي: نعلم أنه لا وجود للتراضي إلا بالتعبير عن الإرادة – إيجاباً وقبولاً – فإذا تم هذا التعبير فقد تحقق ذاك الوجود، إلا أنه قد يأتي غير صحيح بأن يكون التعبير قد صدر عن غير ذي أهلية لإبرام العقد أو يكون قد  لحق بالإرادة التي تم التعبير عنها عيباً كغلط أو تدليس أو إكراه.

* الأهلية: لا شك  أنه لا يثور الحديث عن الأهلية إلا إذا كنا بصدد تصرفاً قانونياً (عقد أو إرادة منفردة)، حيث أن إبرام مثل هذا التصرف يتطلب دراجة من الأهلية تتناسب مع نوع المحل فيه، فإذا كان من أعمال التصرف وجب أن يكون مبرمه كامل الأهلية أو أن يكون عمل الإدارة يقتضيه، أما إذا كان محله من أعمال الإدارة فإنه يجوز للقاصر والمحجور عليه المأذون له في إدارة أمواله إبرامه.

ونعرض للحديث عن الأهلية بالنسبة لطرفي عقد التأمين – المؤمن والمؤمن له – على النحو التالي:

- أهلية المؤمن: المؤمن، باعتباره شركة مساهمة أو جمعية تأمين تبادلية، فلا محل للكلام عن الأهلية بالنسبة له متى كان قد اكتسب الشخصية القانونية وطالما أن الشخص الذي قام بإبرام عقد التأمين مع المؤمن له هو الممثل القانوني للشخص المعنوي. وينصرف ذلك إلى الذين يخولهم المؤمن بكل أو بعض السلطات اللازمة للتعاقد.

- أهلية المؤمن له: إن عقد التأمين يعد من أعمال الإدارة، ومن ثم فإنه يجوز للبالغ الرشيد أن يبرمه، كما يجوز للقاصر أو المحجور عليه إذا كان  مأذون له في إدارة أمواله إبرام عقد التأمين.

أما القاصر أو المحجور عليه غير المأذون له في الإدارة، فليس له إبرامه وإذا أبرمه كان قابلاً للإبطال لمصلحته، إلا إذا أجازه وليه أو أجازه هو عند بلوغه سن الرشد أو بعد الإذن له في إدارة أمواله.

ويجوز أيضاً  للولي والوصي والوكيل وكالة عامة أن يبرم هذا العقد، لأن هؤلاء له مباشرة أعمال الإدارة نيابة عن الأصيل.

* عيوب الرضا: قد يوجد التراضي من الشخص الذي له أهلية إبرام عقد التأمين، إلا أن رضاءه يأتي معيباً بأحد عيوب الإرادة، ومن ثم يسرى في شأنه أحكام النظرية العامة للعقد.

فإذا وقع العاقد في غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، فإنه – طبقا للقواعد العامة – يكون له الحق في التمسك بطلب إبطال عقد التأمين. غير أن ذاتية التأمين اقتضت استقلاله بأحكام خاصة تلقى على المؤمن له بالتزامات يجب عليه الوفاء بها وإلا تعرض للجزاء القانوني المترتب على الإخلال به، كالالتزام بالإدلاء بجميع البيانات والظروف التي من شأنها إعطاء المؤمن فكرة حقيقية وكاملة عن الخطر المؤمن منه.

ب- مراحل إبرام عقد التأمين: الأصل أن العقد ينعقد بمجرد اقتران القبول بالإيجاب على نحو يحدث أثراً قانونياً فى المعقود عليه. إلا أن ذاتية التأمين التي تقتضى إجراء حسابات دقيقة حول الخطر المؤمن منه واشتمال وثيقة التأمين على شروط وبيانات متنوعة، اقتضت أن يجرى في الواقع العملي أن يمر إبرام عقد التأمين بمراحل متتالية.

* طلب التأمين: نوهنا سابقا إلى أن التأمين يعرض ولا يطلب، ولذلك فإن المؤمن يسعى بواسطة وسطاء التأمين إلى الناس ليعرض عليهم فوائد التأمين ومزاياه، فإذا اقتنع شخص بما عرض عليه قدم الوسيط إليه  نموذجاً مطبوعاً مدون فيه بعض الاستفسارات عن الخطر المراد التأمين ضده التي يجب على هذا الشخص تحرى الصدق والأمانة في الإجابة عنها. بالإضافة إلى بيانات أخرى تتعلق بمقدار قسط وتاريخ الوفاء به ومبلغ التأمين الذي يتعهد دفعه المؤمن في حالة تحقق الخطر المؤمن منه، متى كان هذا الخطر محدداً فى ذاك النموذج، كما يجرى عليه العمل في سوق التأمين بالنسبة لتأمين على الحياة. عندئذ يقوم طالب التأمين باستيفاء بيانات هذا الطلب والتوقيع عليه وتسليمه للوسيط أو إرساله إلى المؤمن.

- القوة الإلزامية لطلب التأمين: هذا الطلب، بالرغم من أنه يتضمن البيانات التي يبرم على أساسها عقد التأمين، إلا أنه ليس له قوة إلزامية فهو لا يكون ملزماً لطالب التأمين، مع أنه موقعاً منه، ولا للمؤمن.

فبالنسبة إلى المؤمن، لا يمكن القول بأن النموذج المطبوع الذي قدمه وسيطه إلى الراغب في التأمين ملزماً له. فهذا النموذج لا يعد من قبيل الإيجاب، حتى يقال أن توقيع طالب التأمين عليه يعد قبولاً له. إنما يعد من قبيل المفاوضات التي تسبق الجزم بالإيجاب الذي يصدر من طالب التأمين.

وبناء على ذلك فإنه يكون للمؤمن قبول طلب التأمين أو رفضه دون أدنى إلزام عليه ببيان أسباب هذا الرفض، أو بإعلان طالب التأمين به.

وبالنسبة لطالب التأمين فإن تقديم طلب التأمين مع الاستعلام عن مقدار القسط أو أي بيانات أخرى لا يعد من قبيل الإيجاب البات، وحتى لو كان إيجاباً باتاً لا يكون ملزماً له. لأن العمل جرى في سوق التأمين على أن تقديم طلب التأمين لا يعد من قبيل الإيجاب الملزم.

وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن له إبرام العقد مع المؤمن، كما يجوز له الرجوع عن إيجابه متى تم ذلك قبل صدور القبول من الأخير. أما إذا كان هذا القبول قد صدر، فلا يجوز الرجوع في الإيجاب، لأن عقد التأمين يكون قد انعقد متى جاء الأول مطابقاً للثاني.

وإن كان ما سبق ذكره يتعارض مع القاعدة العامة التي تقضى بإلزامية الإيجاب متى حدد ميعاداً للقبول أو استخلص هذا الميعاد من ظروف الحال أو طبيعة المعاملة، إلا أن هذا التعارض تقتضيه ذاتية التأمين ولا سيما ما جرى عليه العمل في سوق التأمين من تعليق تمام العقد على التوقيع على وثيقة التأمين من طرفيه، فبالرغم من رضائية عقد التأمين إلا أنه لا يكفى لانعقاده  –في هذه الحالة-  الإيجاب والقبول، بل يجب التوقيع على العقد.

وفى تقديرنا أنه لا يجب البحث في القواعد العامة لتحديد طبيعة طلب التأمين ما إذا كان يعد إيجاباً أو قبولاً  ملزماً أو غير ملزم، سواء أكان تضمن العناصر الأساسية للعقد أم كان من عدمه، بل يجب البحث عن ذلك فى الأحكام الخاصة بعقد التأمين وما جرى العرف التأميني عليه في الواقع العملي.

* مذكرة التغطية المؤقتة: اشرنا سابقا إلى أن طلب التأمين قد يعد منذ البداية إيجاباً باتاً من الشخص طالب التأمين. وقد يتحول من طلب إيضاح بعض المعلومات من المؤمن ويصل إلى مرحل الإيجاب البات. فإذا وصل هذا الطلب إلى هذه المرحلة، بأن كان مشتملاً عن العناصر الجوهرية في عقد التأمين كتحديد مقدار القسط ومبلغ التأمين ومدته، كان حرى بالمؤمن أن ينظر فيه ويتخذ في شأنه قراراً بالقبول أو بالرفض.

ولما كان إعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها من الأطراف يستغرق بعض الوقت، أو كان المؤمن يحتاج لبعض الوقت للبت بشكل قاطع في قبوله لطلب التأمين أو رفضه. ففي الحالين يكون طالب التأمين (الموجب) بدون تغطية من الخطر الذي يهدده خلال هذه الفترة. لذلك جرى العمل على إمكانية الاتفاق بين طالب التأمين والمؤمن على توفير التغطية في الفترة السابقة على إبرام عقد التأمين بشكل نهائي عن طريق مذكرة التغطية المؤقتة.

فهذه المذكرة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائي يلزم كل طرف بما يجب عليه قبل الآخر مع الاحتفاظ بحق الإقالة إذا لم تسلم وثيقته قبل انقضاء الأجل المضروب.

- حالتان لمذكرة التغطية المؤقتة: اعتبرنا – آنفاً – أن هذه المذكرة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائي يرتب التزامات على عاتق طرفيه، ومع ذلك فإنها لا تخرج عن الحالتين الآتيين:

الأولى: قبول المؤمن لطلب التأمين: ففي هذه الحالة يقبل المؤمن طلب التامين من طالبه. إلا أنه يكون في حاجة إلى بعض الوقت لدارسة الأمر وإعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها من الأطراف، فيقدم لطالب التأمين تغطية تأمينية خلال فترة إعداد التعاقد النهائي على التأمين وذلك عن طريق تقديم مذكرة التغطية المؤقتة.

الثانية: عدم البت في طلب التأمين من قبل المؤمن: في هذه الحالة لا يكون المؤمن قد وصل إلى قرار بالقبول أو بالرفض لطلب التأمين، وأن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى فترة زمنية لدراسة الخطر المؤمن منه ومدى إمكانية التأمين عليه بشكل نهائي. ولما كان كثرة عدد المؤمن لهم لدى المؤمن تحقق له فائدة كبرى، وأن التسرع في قبول طلبات التأمين بدون دراسة متأنية تعرضه لخسارة فادحة، لذلك فإن المؤمن يعطى لنفسه مهلة للدراسة على أن يقدم لطالب التأمين تغطية خلال هذه الفترة فإذا انقضت دون تسليم وثيقة التأمين إلى طالبه يقيل كل منهما الآخر من التزاماته.

- شكل مذكرة التغطية المؤقتة: نعلم أن الأصل في عقد التأمين – طبقاً لأحكام القانون المدني - أنه رضائي، إلا أن ذلك لا يحول دون أن ينص تشريع أو يتفق الأطراف على صبه في قالب شكلي معين. وهذا أيضاً ينصرف إلى هذه المذكرة التي يجرى العمل على أنه تكون مكتوبة وموقعة من المؤمن بما يفيد رضاءه بالتغطية المؤقتة. أما رضاء طالب التأمين فقد أفصح عنه في الإيجاب الصادر منه في شكل طلب التأمين الذي وقع عليه وقدمه إلى المؤمن.

بيد أنه لا يوجد شكل خاص للمذكرة المؤقتة، فأية ورقة مكتوبة وموقعة من المؤمن تتم به هذه المذكرة ولو كان خطاب عادى مرسل إلى طالب التأمين يفيد قبول المؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه مؤقتاً. ويبدأ سريان هذه التغطية من التاريخ المدون على هذه المذكرة أو من التاريخ المحدد بها لسريانه. وإذا تحقق الخطر المؤمن منه بعد هذا التاريخ وقبل نهاية مدة التغطية يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد.

وفى ضوء ذلك يتبين صدق ما ذهبنا إليه من أن مذكرة التغطية المؤقتة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائي يحتفظ فيه طرفيه بحق الإقالة في حالة عدم تسليم طالب التأمين الوثيقة التي تفيد التعاقد بشكل نهائي على تأمين المؤمن له من الخطر المؤمن منه. ولذلك يجب أن تتضمن هذه المذكرة البيانات الأساسية التي يتطلبها عقد التأمين ولا سيما نوعية الخطر ومبلغ التأمين ومقدار القسط.

* وثيقة التأمين: لا جرم أنه إذا بت المؤمن في الإيجاب البات الموجه إليه من طالب التأمين بالقبول، فإنه يجب عليه إعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها وإرسالها إلى المؤمن له، وبناء على ذلك يتحول عقد التأمين الابتدائي الذي تضمنته مذكرة التغطية المؤقتة إلى تعاقد نهائي جرى العمل على أن يأتي في صورة وثيقة.

ولا جناح أن توقيع المؤمن له على الوثيقة ليس أمراً ضرورياً، إلا إذا كان ذلك من شروط التعاقد النهائي، لأن توقيعه سبق وضعه على طلب التأمين الذي يمثل إيجابه البات الموجه إلى المؤمن.

بيد أنه يجب أن تتضمن الوثيقة بيانات أساسية تتعلق بالأطراف كالاسم والموطن ونوعية الخطر المؤمن منه وتحديد مبلغ التأمين ومقدار القسط.

- مهمة وثيقة التأمين: الوثيقة باعتبارها المظهر الخارجي لعقد التأمين بعد تجريده من ثوبه المؤقت المتمثل في مذكرة التغطية المؤقتة، فما هي مهمتها بالنسبة للتأمين ؟.

سبق القول أن عقد التأمين في أحكام القانون المدني، عقد رضائي ومن ثم فإن اشتراط الكتابة في وثيقة التأمين يكون للإثبات وليس للانعقاد. ومع أن المشروع التمهيدي لهذا القانون. كان يشترط لتمام العقد أن يتم التوقيع على وثيقة التأمين من أطرافه (المؤمن والمؤمن له). وبديهياً أن اشتراط ذلك يستلزم أن تكون هذه الوثيقة مكتوبة، لأن التوقيع (بالإمضاء أو بصمة الإصبع أو الختم) لا يكون إلا على مكتوب. وجرى العمل في سوق التأمين على وجوب الكتابة لانعقاد عقد التأمين سواء أكان في صورة مذكرة تغطية مؤقتة (الابتدائي) أو في شكل وثيقة تأمين (النهائي). وعندئذ تصبح الكتابة لازمة للانعقاد وليس لمجرد الإثبات فقط، ولما كانت الوثيقة هي الشكل الذي يصب فيه عقد التأمين فإن كتابتها يكون ضرورية لانعقاد هذا العقد وليس لإثباته فقط.

وبالرغم من اشتراط الكتابة في وثيقة التأمين، إلا أنه لا يشترط شكلاً خاصاً، فأية وسيلة تتحقق بها الكتابة يتوافر بها ذلك، فيجوز أن تكون مطبوعة أو مكتوبة على الآلة الكاتبة أو بخط اليد… الخ.

- بدئ سريان التأمين: كما أسلفنا فإن مذكرة التأمين تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائي وأن الوثيقة هي التعاقد النهائي للتأمين، وبناء على ذلك فإن سريان التأمين يبدأ من تاريخ هذه المذكرة، أو من تاريخ الوثيقة في حالة عدم الاتفاق على تغطية مؤقتة، ما لم يحدد المتعاقدان وقت آخر لذلك. فمن  تاريخ سريان التأمين يلتزم كل طرف بما وجب عليه قبل الآخر فطالب التأمين يوفى بالأقساط والمؤمن يتحمل تبعة الخطر المؤمن منه.

- تفسير وثيقة التأمين: عرفنا أن وثيقة التأمين تعد عقد التأمين المكتوب، وبذلك فهي تخضع للمبادئ العامة في تفسير العقود، ولما كان هذا العقد من عقود الإذعان فإنه يجوز لقاضى الموضوع أن يعدل من شروطه أو أن يعفى الطرف المذعن (المؤمن له) المادة (110) مدني، ولا يجوز له أن يفسر العبارات الغامضة فيه على نحو ضار بهذا الطرف سواء أكان دائناً أم كان مديناً المادة (112/2) مدني.

* ملحق وثيقة التأمين: عرفنا أن المؤمن قد يكون في حاجة لفترة زمنية لدراسة طلب التأمين (إيجاب طالب التأمين البات) وقد يقدم لطالب التأمين تغطية مؤقتة خلال هذه الفترة، فإذا ما قرر المؤمن قبول التأمين فإنه يجب عليه إعداد وثيقته وتسليمها إلى المؤمن له. غير أن الواقع العملي قد يكشف عن الحاجة إلى إجراء تعديل في هذه الوثيقة، فيجرياه العاقدان بواسطة اتفاق يطلق عليه ملحق وثيقة التأمين.

فهذا الملحق يمكن تعريفه بأنه "اتفاق العاقدان (المؤمن والمؤمن له) على تعديل وثيقة التأمين الأصلية (عقد التأمين) ويلحق بها".

* الشروط الواجب توافرها في ملحق الوثيقة

في ضوء هذا التعريف يتبين أنه يشترط في ملحق وثيقة التأمين الشروط الآتية:

1- أن تكون وثيقة التأمين الأصلية موجودة وقائمة: فإذا لم يكن هناك وثيقة أصلاً أو كانت موجودة لكنها انقضت قبل الاتفاق على تعديلها  فلا نكون بصدد ملحقاً لوثيقة التأمين، بل نكون بصدد اتفاق على التأمين يجرى في شأنه ما سبق ذكره من أحكام. غير أنه لا يشترط أن تكون الوثيقة الأصلية نافذة، فيجوز الاتفاق على إضافة ملحق لوثيقة موقوفة ويأخذ حكمها فيكون موقوفاً مثلها.

2- أن يتضمن الملحق الإضافي تعديلاً في الوثيقة الأصلية: كالاتفاق على زيادة مبلغ التأمين أو مقدار القسط أو امتداد فترة التأمين أو سريان الوثيقة بعد أن كانت موقوفة… الخ.

3- أن يكون من مقتضيات إجراءه اتفاق الطرفين: أما إذا كان تعديل بعض شروط الوثيقة الأصلية تنفيذاً لحكم القانون وبناء على إرادة المؤمن له المنفردة دون الحاجة إلى قبول المؤمن لذلك فلا نكون بصدد ملحق لها. فمثلاً لو كانت الوثيقة موقوفة بسبب تأخر المؤمن له في دفع قسط التأمين، فإن هذه الوثيقة تعود لسريان بمجرد دفع القسط المتأخر بحكم القانون دون الحاجة إلى قبول من المؤمن.

- آثار ملحق الوثيقة الأصلية

علمنا أن القصد من إضافة ملحق لوثيقة التأمين هو إجراء تعديل لبعض بنودها بالإضافة أو الحذف، وعندئذ فإن أثرها يكون مقصوراً على هذه البنود دون أن يتعدى إلى غيرها. ويبدأ سريان هذا التعديل من تاريخه ما لم يتفق على تاريخ لذلك. وإذا وقع تعارض بين الشروط التي جاءت بالمحلق وبين شروط الوثيقة الأصلية رجحت الأولى لأن اللاحق ينسخ من السابق ما يتعارض معه.

غير أنه يجب ملاحظة أن الملحق الذي تتوافر فيه الشروط – آنفة البيان – يصبح جزءً من الوثيقة الأصلية ويكونا معاً وحدة عضوية واحدة هو عقد التأمين.

ثانيا: المحل

ويقصد به الشيء الذي يلزم المدين القيام به، أي أن يكون للعقد محلا يضاف إليه، بمعنى أن هناك موضوعا للعقد، كأن يكون موضوع العقد مالا متقوما أو عينا أو منفعة أو أي حق مالي آخر. كما يصح أن يكون موضوع العقد عملا يقوم به احد المتعاقدين أو امتناعا عن عمل.

وتتحدد عناصر المحل في عقد التأمين على أساس وجود مصلحة مشروعة للمؤمن له تتمثل بعدم تحمل الآثار المالية المترتبة على وقوع خطر معين، نظير دفع قسط معين للمؤمن، وعلى ذلك فإن محل عقد التأمين بالنسبة للمؤمن له يتمثل في الأقساط التي يلتزم بدفعها للمؤمن. وبالنسبة للمؤمن فيتمثل بدفع مبلغ التأمين في حالة وقوع الخطر المؤمن منه، ويتبين من ذلك أن لمحل عقد التأمين عناصر متعددة تمثل ذلك المحل، وهي الخطر وأداء المؤمن له (القسط) وأداء المؤمن (التعويض)، والمصلحة التأمينية وسنتناولها على النحو الآتي:

2- الخطر (سبق تناوله في المحور السابع) رابط المحاضرة (إضغط هنا)

1- القسط (سبق تناوله في المحور السابع)

3- مبلغ التأمين (سبق تناوله في المحور السابع)

4- المصلحة التأمينية: (هي الفائدة التي تعود على المؤمن له من عدم تحقق الخطر)، ويشترط في المصلحة أن تكون جدية ومشروعة، أي غير مخالفة للنظام العام، فإذا كانت المصلحة المؤمن عليها غير مشروعة، وقع التأمين باطلا، كما ينبغي أن تتوافر المصلحة وقت انعقاد التأمين. فالمصلحة ركن من أركان عقد التأمين بوصفها المحل الذي يرد عليها وتخلفها يعني البطلان المطلق للعقد، ولا يكفي توافر المصلحة وقت إبرام العقد فحسب بل يلزم استمرار توافرها طوال مدة سريانه حتى تحقق الخطر المؤمن منه ويترتب على زوال المصلحة بعد إبرام عقد التأمين إنهاء العقد من لحظة تخلفها وبناء عليه يسقط التزام المؤمن له بدفع الأقساط ، ويحتفظ المؤمن بما تقاضاه من أقساط لأنها مقابل التزامه بتغطية الخطر خلال مدة سريان العقد السابقة.

ثالثا: السبب

يعتبر السبب احد أركان عقد التأمين، وهو الغرض أو الهدف المباشر من إبرام العقد ويتمثل السبب بالنسبة للمؤمن بجمع أكبر قدر من الأقساط التأمينية باعتبارها شركة تبحث عن تحقيق الربح وأما بالنسبة للمؤمن له فيعد سبب العقد، تجنب الآثار المادية المترتبة على تحقق خطر معين يتهدد مصلحته. وليقوم عقد التأمين صحيحا يشترط أن يكون السبب أو الباعث من التأمين مشروعا لكل من المؤمن أو المؤمن له.

الفرع الثاني: آثار عقد التأمين

أسلفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين ، ومن ثم فإنه يلقى بالتزامات متقابلة ومتبادلة على عاتق طرفيه – المؤمن له والمؤمن – فما هي هذه الالتزامات؟.

نتناول الإجابة على هذا التساؤل خلال الآتي:

أولا: آثار التأمين بالنسبة للمـؤمـن لـه

عقد التأمين ينشئ في ذمة المؤمن له عدة التزامات من أهمها: الإدلاء بالبيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه ودفع قسط التأمين.

أ- الإدلاء ببيانات الخطر

إن التأمين وإن  كان يعتمد على الدراسات الإحصائية، إلا أن هذه الدراسات ترتكز بالدرجة الأولى على البيانات التي يدلى بها طالب التأمين عن الخطر المراد التأمين عليه، لأنه محل عقد التأمين.

غير أن التزام طالب التأمين بالإدلاء ببيان الخطر لا ينقضي بمجرد إتمام العقد، بل يستمر طيلة مدة التأمين، بحيث يجب على المؤمن له إبلاغ المؤمن عن ما يطرأ من بيانات خلال تنفيذ العقد.

ونتناول دراسة ذلك من خلال الأفرع التالية:

1- إعلام المؤمن بالخطر: أشرنا إلى أن الخطر المؤمن منه هو محل العقد ولذلك يجب أن يتوافر للمؤمن العلم الكافي بكل تفصيلاته على نحو يمكنه من معرفة الخطر الذي يتحمل تبعة تحققه. فبناء على المعلومات التي يقدمها طالب التأمين للمؤمن عن هذا الخطر تجعله على بينة تمكنه من تقدير حجم الالتزامات التي يلقي بها عقد التأمين على عاتقه في مواجهة المؤمن له.

وعليه فإن طالب التأمين يلتزم بتقديم كافة البيانات عن الخطر المؤمن منه عند التعاقد، أي في وقت إبرام عقد التأمين. لأن هذه البيانات تحقق للمؤمن أمرين هما:

الأول- تقدير أمر قبول أو رفض التأمين على هذا الخطر

الثاني - تحديد قيمة قسط التأمين الذي هو يلتزم المؤمن له بالوفاء به له نظير تحمله تبعة الخطر المؤمن منه.

- الشروط الواجب توافرها في البيانات

يشترط في البيانات التي يدلى بها طالب التأمين للمؤمن عند التعاقد الشرطين التاليين:

الشرط الأول – أن تكون هذه البيانات محل اهتمام من المؤمن: يجب أن يكون لهذه البيانات تأثير على تحديد حجم التزامات المؤمن بالنسبة للمخاطر التي يتحمل تبعتها وتساهم في تحديد مقدار قسط التأمين الذي يلتزم به المؤمن له.

الشرط الثاني – أن تكون هذه البيانات معلومة للمؤمن له: يلزم فوق كون البيانات محل اهتمام المؤمن، أن تكون هذه البيانات معلومة لطالب التأمين عند التعاقد، أي ألا تكونه مجهولة بالنسبة له. ويلجأ المؤمن – عادة – إلى توجيه أسئلة محددة ومكتوبة لكي يجيب عليها طالب التأمين – قبل التعاقد – والإجابة عن هذه الأسئلة توفر للمؤمن قدر لا بأس به من البيانات.

إلا أن ذلك لا يعف طالب التأمين من الإدلاء بالبيانات الأخرى، التي لم تكن محل أسئلة متى رأى أنها هامة بالنسبة للمؤمن.

- نوعا البيانات

إن البيانات التي يجب على طالب التأمين الإدلاء بها متنوعة تبعاً لمحلها وهى نوعين:

النوع الأول – البيانات الموضوعية: هذا النوع من البيانات هي التي تتعلق بالخطر المؤمن منه، وهى عبارة عن معلومات ضرورية عنه، كصفاته والظروف المختلفة التي تحيط به والملابسات التي يكون من شأنها تحديده تحديداً دقيقاً لا لبس فيه. فمثل هذه البيانات هي التي تمكن المؤمن من تقدير قيمة القسط الذي يلتزم المؤمن له بدفعه.

النوع الثاني – البيانات الشخصية: وهى البيانات التي تتعلق بشخص طالب التأمين، كاسمه وموطنه وأخلاقه الشخصية ومقدار يساره ودرجة عنايته بشئونه…الخ.

فهذا النوع من البيانات، وإن كانت لا تتعلق بذات الخطر، إلا أنها تؤثر في إقدام المؤمن أو إحجامه عن قبول التأمين على هذا الخطر.

2- إعلان المؤمن بتفاقم الخطر: عرفنا أن طالب التأمين يلتزم بالإدلاء -عند التعاقد– بالبيانات التي تهم المؤمن سواء أكانت تتعلق بالخطر المؤمن منه ذاته أم كانت خاصة بشخص طالب التأمين.

غير أن التزام المؤمن له –بذلك- لا ينقض بمجرد تمام العقد. بل يظل هذا الالتزام قائماً ويثقل كاهله خلال سريان التأمين، لأن هذا العقد من العقود المستمرة. ولذلك يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بكل ما يطـرأ على الخطر المؤمن منه ويكون من شأنه أن يؤدى إلى تفاقمه، سواء أكان بزيادة فرص وقوعه أم كان بزيادة جسامة حجم الأضرار الناشئة تحققه. فمثلاً في التأمين ضد الحريق يعد من قبيل تفاقم الخطر نقل الشئ المؤمن عليه إلى منطقة تزداد فيه نسبة احتمالات تحقق الخطر، أو تغيير وجه استعماله بما يؤدى إلى ذلك كاستعمال العقار المؤمن عليه في تخزين المواد القابلة للاشتعال أو تأجير جزء منه لهذا الغرض. وفى التأمين على الأشخاص من الإصابات يعد من قبيل تفاقم الخطر تغيير مهنة المؤمن عليه من عادية إلى مهنة أشد خطراً كالعمل في مجال الأشعة التشخيصية أو العلاجية في دور العلاج، وكالتعامل مع المواد الكيماوية والمبيدات الحشرية…الخ.

غير أن تفاقم الخطر في الصور السابقة يختلف تماماً عن زيادة القيمة المالية للأشياء المؤمن عليها، كارتفاع قيمة الشيء المؤمن عليه بسبب تغير الق وة الشرائية للنقود أو بسبب ظروف طارئة أدت إلى هذا الارتفاع. فهذه الوضعية وإن كانت تؤدى إلى زيادة مبلغ التأمين (قيمة الخطر) الذي يتحمل المؤمن عبئه، إلا أن ذلك لا يعد من قبيل تفاقم الخطر الذي يلتزم المؤمن له بإخطار المؤمن به.

بيد أنه يجب ملاحظة أن عقد التأمين لا يلق على عاتق المؤمن له التزاماً بعدم زيادة المخاطر التي من المحتمل أن يتعرض لها المؤمن عليه (الشئ أو الشخص). فالتأمين لا يحجر على المؤمن له في مباشرة كافة حقوقه على المؤمن عليه، فمثلاً في التأمين على منزل ضد الحريق لا يحول دون قيامه بتعلية المبنى أو تغيير الغرض المخصص له. وكذلك في التأمين على الحياة لا يحجر على المؤمن عليه من الخضوع لفحوص طبية وإجراءات عمليات جراحية حتى لو كانت نسب نجاحها ضئيلة.

وبالإضافة إلى ما سبق فإن طبيعة المخاطر المؤمن منها ذات خاصية احتمالية فقد تتفاقم عما كانت عليه في وقت التعاقد وقد تتضآل. إنما يقع على عاتقه إعلان المؤمن بما يزيد من فرص تحقق الخطر المؤمن منه أو يزيد من جسامة الأضرار الناشئة عنه.

بيد أن تفاقم الخطر المؤمن منه لا يخول المؤمن تلقائياً المطالبة بفسخ العقد. لأن تفاقم الخطر حتى لو كان بفعل المؤمن له، متى أعلن المؤمن بذلك، لا يعد من قبيل الإخلال بالالتزامات العقدية التي تخول الفسخ ولا يعد خطأ يستوجب المسئولية.

غير أنه يجوز للمؤمن المطالبة بفسخ عقد التأمين بسبب تفاقم الخطر متى توافرت إحدى حالتين هما:

الحالة الأولى – تفاقم الخطر وصل إلى درجة من الجسامة بحيث كان لو علم بها عند التعاقد ما أقدم عليه.

الحالة الثانية - رفض المؤمن له طلب المؤمن في زيادة مقدار القسط بنسبة تتناسب مع حجم التفاقم.

وفى ضوء ما سبق فما هي الشروط الواجب توافرها لقيام التزام المؤمن له بالإعلان عن تفاقم الخطر ؟

* شروط قيام التزام المؤمن له بالإعلان عن تفاقم الخطر

يشترط لكلى يقوم التزام على عاتق المؤمن له بواجب الإعلان عن تفاقم الخطر، الشروط الآتية:

الشرط الأول – أن تطرأ ظروف بعد إبرام العقد: يشترط، لقيام الالتزام بالإعلان، أن تكون هناك ظروف قد طرأت بعد إبرام عقد التأمين وقبل انقضائه. لأن الظروف الخاص بالخطر المؤمن منه إذا كانت سابقة على إبرام التعاقد، فإن عدم علم المؤمن بها يمثل إخلالاً من طالب التأمين بالتزامه بالإدلاء بالبيانات الخاصة بالخطر المؤمن منه. أما إذا كانت لاحقة لزوال العقد لتوافر سبب ذلك فإنه لا أثر له ولا يعتد به.

الشرط الثاني – أن يكون – من شأن – الظروف الطارئة تفاقم الخطر: يلزم، فوق كون الظروف طارئة بعد التعاقد، أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الخطر المؤمن منه، كزيادة فرص تحققه أو زيادة درجة جسامة الأضرار الناجمة عنه، فإذا كان الظروف الطارئة ليس لها تأثير على الخطر، أي لا تؤدى إلى تفاقمه، فلا عبرة بها ولا تلزم المؤمن له بإعلان المؤمن بها على الرغم من حدوثها.

الشرط الثالث – أن تكون الظروف الطارئة معلومة للمؤمن له: يجب، فوق كون الظروف طارئة ومن شأنها تفاقم الخطر، أن تكون هذه الظروف معلومة للمؤمن له. وهذا شرط بديهي لأن من غير المعقول أن يلتزم المؤمن له بالإعلان عن تفاقم خطر بسبب ظروف غير معلومة له حتى لو كانت طارئة ومؤثرة فى الخطر المؤمن منه. فمتى توافرت هذه الشروط فإنه يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بتفاقم الخطر، وفى هذا الصدد نفرق بين فرضين هما:

فرض أول – للمؤمن له يد في تفاقم الخطر: إذا كانت الظروف التي أدت إلى تفاقم الخطر المؤمن منه بفعل المؤمن له، بأن قام بتغيير الغرض المخصص له الشئ كتحويل سيارته الخاصة إلى سيارة أجرة، فإنه يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بهذه الظروف قبل حدوثها بخطاب موصى عليه، ما لم يتفق الطرفان على وسيلة للإعلان كخطاب عادى أو إنذار على يد محضر.

فرض ثاني – ليس للمؤمن له يد في تفاقم الخطر: إذا كان ليس للمؤمن له يد في حدوث الظروف التي أدت إلى تفاقم الخطر المؤمن منه، كأن أنشأ إلى جوار المنزل المؤمن عليه ضد الحريق مخزن لمواد قابلة للالتهاب. ففي هذه الحالة لا يكون ملزما بالإعلان متى كان ذلك غير معلوم له، أما إذا علم به فإنه يجب عليه إعلان المؤمن بها خلال مدة معقولة بخطاب موصى عليه، ما لم يتفق الطرفان على وسيلة أخرى.

- الأثر المترتب على الإعلان بتفاقم الخطر

متى توافرت الشروط – آنفة البيان – في الظروف الطارئة ووفى المؤمن له بالتزامه بإعلان المؤمن بتفاقم الخطر، التزم المؤمن بتغطية الخطر مؤقتة خلال الفترة التي يستغرقها لتحديد موقفه في ظل هذه الظروف وله في ذلك ثلاثة خيارات هي:

الخيار الأول – تغطية الخطر مع زيادة قسط التأمين: قد يجد المؤمن أن من مصلحته الاستمرار في تغطية الخطر المؤمن منه في ظل الظروف الطارئة التي أدت إلى تفاقمه مع مطالبة المؤمن له بزيادة قيمة قسط التأمين، ويستوي في ذلك أن يبتدئ هو بهذه المطالبة أو يعرضها عليه المؤمن له مع الإعلان عن تفاقم الخطر المؤمن له.

الخيار الثاني – تغطية الخطر بدون زيادة قسط التأمين: لا جناح أن المؤمن يقوم، في ظل تفاقم الخطر المؤمن منه مع رفض المؤمن له زيادة القسط، بالموازنة بين الاستمرار في تغطية الخطر دون زيادة في قيمة القسط وبين عدم الاستمرار في ذلك وإنهاء عقد التأمين، وقد يجد من مصلحته الاستمرار في تغطية الخطر مع تفاقمه دون هذه الزيادة إما لكون التفاقم لم يؤثر على حساباته المتعلقة بالخطر وإما لكون عملية التأمين وشخص المؤمن له من الأهمية بمكان في سوق التأمين بحيث يترتب على إنهاء التأمين خسارة مالية أو فقدانه كعميل كبير لديه.

الخيار الثالث– فسخ عقد التأمين: وأخيراً، قد يجد المؤمن أن مصلحته تقتضى عدم الاستمرار في تغطية الخطر المؤمن منه بعد تفاقمه وفسخ العقد، ويلجأ المؤمن إلى ذلك في إحدى حالتين هما:

الأولى – جسامة الخطر: إذا كان تفاقم الخطر على درجة من الجسامة لو علم بها المؤمن عند التعاقد ما أقدم عليه.

الثانية – رفض زيادة القسط : إذا كان الاستمرار في تغطية الخطر المتفاقم يقتضى زيادة القسط إلا أن المؤمن له رفض الزيادة بيد أنه لا يجوز للمؤمن التذرع بتفاقم الخطر وطلب فسخ العقد متى كان قد أبدى رغبته في الاستمرار في تغطية هذا الخطر في ظل الظروف الطارئة. وقد يكون إبداء هذه الرغبة صريحا وقد يستفاد ضمنياً من الاستمرار في تحصيل الأقساط أو دفع مبلغ التأمين بعد تحقق الخطر المؤمن منه.

ولا جرم أن فسخ عقد التأمين ليس له أثر رجعى، لأنه من العقود الزمنية التي يستحيل إعمال هذا الأثر فيها، بل أثره مباشر من وقت وقوعه.

- حالتان يمتنع فيهما إعمال الأثر المترتب على الإعلان عن تفاقم الخطر

الأولى – تفاقم الخطر ناجم عن عمل قصد منه حماية المؤمن: إذا كان الذي أدى إلى تفاقم الخطر هي قيام المؤمن له بأعمال قصد منها حماية المؤمن، كإجراء عملية جراحية لزرع قلب أو كلى للمؤمن على حياته كان من آثارها السلبية زيادة احتمالية الوفاة المبكرة، فإن إعلان المؤمن بذلك لا يكون له أى أثر على الالتزامات العقدية.

الثانية – تفاقم الخطر ناجم عن القيام بواجب إنساني أو خدمة لمصلحة عامة: إذا كانت زيادة الخطر بسبب قيام المؤمن له بواجب إنساني، إنقاذ حياة غريق نجم عنه تعرضه لأضرار،   أو إتلاف بعض الأشياء المؤمن عليها لإطفاء حريق أضرم في أموال الجار. وكذلك الأمر إذا كان تفاقم الخطر بسبب أداء خدمة عامة كمساعدة رجال السلطة العامة في ضبط مجرم خطر أو القضاء على حيوان متوحش أو المساهمة في الدفاع عن الوطن… الخ.

3- جزاء الإخلال بالتزام الإعلام والإعلان: عرفنا أنه يجب على المؤمن له إعلام المؤمن بكافة بيانات الخطر المؤمن منه عند التعاقد وأنه يلتزم – خلال مدة التأمين –بإعلان المؤمن بالظروف الطارئة التي تؤدى إلى تفاقم هذا الخطر. وقد حدد مشرعنا الجزاء الذي يترتب على الإخلال بهذا الالتزام، إلا ما يتعلق بالإعلان عن تغيير الخطر أو تفاقمه أو الإعلان عن تحقق الخطر.

ويفرق في ذلك بين سوء نيته وحسنها وفى الحالة الأخير يفرق بين انكشاف الحقيقة قبل تحقق الخطر المؤمن منه وانكشافه بعد تحققه.ونستعرض بيان ذلك من خلال النقاط التالية:

الفرض الأول – سوء نية المؤمن له: نعلم أن التزام المؤمن له بالإدلاء ببيانات عن الخطر المؤمن منه يتفرع إلى الالتزام بالإعلام عند التعاقد والالتزام بالإعلان خلال مدة التأمين. فإذا أخل المؤمن له بأيهما سواء أكان بكتمان بيان أم كان بالإدلاء ببيان كاذباً، ترتب على ذلك طلب الإبطال لوقوع المؤمن في غلط أو تدليس.

وعليه يقع على عاتق المؤمن عبء إثبات سوء نية المؤمن له لأن الأصل يشفع له – وهو افتراض حسنة النية – وعلى من يدعى خلاف هذا الأصل إقامة الدليل على دعواه.

وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن أن يطلب إبطال عقد التأمين، متى أقام الدليل على سوء نية المؤمن له ،لكي يتحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه في حالة تحققه. فمتى تقرر البطلان سقط حق المؤمن له في مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر حتى لو كان تحققه كان سابقاً على تقرير البطلان. وسقط  – كذلك – حقه في مطالبة المؤمن بمجموع الأقساط التي وفى بها.

الفرض الثاني – حسن نية المؤمن له: علمنا أن عبء إثبات سوء نية المؤمن له، في تنفيذ الالتزام بالإعلام أو الإعلام، يقع على عاتق المؤمن، والفشل في هذا الإثبات يقود إلى الأصل وهو حسن نية المؤمن له.

ويقتضى المنطق عدم المساواة بين حسن النية وسوءها في الحكم ولذلك قرر العرف التأميني جزاءً أخف مع اتخاذ تحقق الخطر المؤمن منه معياراً للتفرقة بين حالتي اكتشاف الحقيقة التي يجهلها المؤمن عن هذا الخطر.

ونستعرض بيان ذلك من خلال النقاط التالية:

الحالة الأولى – علم المؤمن بحقيقة الخطر قبل تحققه: قد يكتشف المؤمن ما لم يكن يعلمه عن الخطر المؤمن منه قبل تحققه، سواء أكانت جهالة الأمر تتعلق بما كان يجب على المؤمن له إعلامه للمؤمن عند التعاقد أم كان يتعلق بما يجب عليه إعلانه خلال مدة العقد. المشرع يخول المؤمن عدة خيارات هي:

- الاستمرار في تغطية الخطر بحالته المكتشفة مع زيادة قسط التأمين.

- الامتناع عن تغطية الخطر بهذه الحالة وطلب فسخ العقد.

وقد جرى العمل - في سوق التأمين – على أن يرسل المؤمن خطاباً مسجلاً إلى المؤمن له يعلمه فيه برغبته في إنهاء العلاقة القانونية فيما بينهما. إلا أن الفسخ لا يقع من تاريخ هذا الخطاب بل بعد مرور عشرة أيام من هذا التاريخ حتى يعطى للمؤمن له إيجاد مؤمن آخر يقبل التأمين على الخطر بحالته الجديدة.

الحالة الثانية ـ علم المؤمن بحقيقة الخطر بعد تحققه: قد يعلم المؤمن ما كان يجهله عن الخطر المؤمن منه بعد تحققه، ففي هذه الحالة لا يجوز للمؤمن طلب فسخ العقد. حيث رتب المشرع الجزاء المتمثل في تقاضى المؤمن له تعويضاً مخفضاً أي أقل من مبلغ التأمين المتفق عليه أو من مقدار الضرر الذي نجم عن تحقق هذا الخطر. مع تعديل العقد في المستقبل. 

بيد أن مقدار التخفيض يحتسب على أساس نسبة القسط المحدد في العقد إلى مقدار القسط الذي كان يجب على المؤمن له أداءه للمؤمن لو علم بحقيقة الخطر. فمثلاً لو كان المؤمن يلتزم، عند تحقق الخطر المؤمن منه، بدفع مبلغ التأمين وقدره (200000 دج) أو كان هذا المبلغ هو قيمة تعويض الضرر الناجم عن تحقق الخطر، وكانت قيمة القسط المحدد في العقد (400دج)، وكانت قيمة القسط الواجب دفعه في حالة علم المؤمن بحقيقة الخطر (500دج). ولتوضيح ذلك نضع هذا المثال في مسألة حسابية كالتالي:

قيمة التعويض المخفض = مبلغ التأمين المتفق عليه أو مقدار التعويض عن الضرر الناجم عن تحقق الخطر × قيمة القسط المحدد في العقد ÷ قيمة القسط الذي كان يجب دفعه:

 الحل: 200000× 400 ÷ 500 = 160000 دج بدلاً عن200000 دج

ب- دفع قسط التأمين

إن الالتزام بدفع قسط التأمين هو أهم الالتزامات التي يلقى بها عقد التأمين على عاتق المؤمن له. فالقسط هو المقابل المالي لتحمل المؤمن تبعة الخطر المؤمن منه (بث الآمان) والوفاء بمبلغ التأمين عند تحققه.

بيد أنه إذا كان محل التزام كل طرف –في العقد- هو سبب التزام الآخر. فالقسط يمثل محل التزام المؤمن له وسبب التزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه.

إلا أنه يجب ملاحظة أن لفظة القسط سوف تطلق على الجعل (المبلغ المالي) الذي يدفعه المؤمن له إلى المؤمن سواء أكان شركة مساهمة أو كان جمعية تأمين تبادلي. وأن سائر الأحكام التي نعرض لها تسرى على التأمين أياً كان نوعه بما في ذلك التأمين على الحياة الذي يسمح فيه القانون للمؤمن له التحلل من التزامه من دفع القسط. ويعزى هذا السماح إلى الطبيعة الادخارية لهذا النوع من التأمين والرغبة في تشجيع الناس على إبرام عقود التأمين على الحياة.

* أحكام الالتزام  بدفع القسط

لقد نوهنا إلى أن الالتزام بدفع قسط التأمين يعد من أهم الالتزامات التي يلقى بها عقد التأمين على عاتق المؤمن له. وبناء على ذلك فإن هذه الوضعية تتطلب تحديد المدين بالوفاء به، ومكان وزمان الوفاء، وكيفية إثبات الوفاء به.

نتناول بيان ذلك من خلال النقاط التالية:

1- المدين بالوفاء بالقسط: لا شك في أن الالتزام بدفع قيمة القسط يقع على عاتق الطرف المقابل للمؤمن في عقد التأمين أياً كانت الصفة التي ينعت بها هذا الطرف سواء أكان طالباً للتأمين أم كان مؤمناً له. ولقد سبق القول بأن هناك ثلاث صفات قد يتصف بها أكثر من شخص وقد تجتمع في شخص واحد (طالب التأمين والمؤمن له والمستفيد)، فإذا تفرقت الصفات على أكثر من شخص كان طالب التأمين هو الملتزم بدفع قسط التأمين دون غيره لأنه هو الطرف الذي تنصرف إليه آثار عقد التأمين.

ويجب ملاحظة أن الصفة التي ستستخدم في الدراسة هي المؤمن له، أياً كانت صفة الطرف الآخر في العقد مع المؤمن، لأن هي الأكثر استعمالاً في  كتب الفقه.

وعليه يتصف بصفة الطرف في العقد (المؤمن له) الآتي:

- الأصيل في التعاقد عن طريق النيابة (القانونية أو الاتفاقية (الوكالة)).

- رب العمل في التعاقد بواسطة الفضالة.

- الخلف (عام أو خاص) متى كان إبرام السلف للعقد سابقاً على انتقال الحق إلى الخلف مع توافر علمه به.

فالنائب أو الوكيل أو الفضولي أو السلف يعد عاقداً وليس طرفاً في عقد التأمين لأن ما يجريانه من تصرفات قانونية تنصرف آثارها مباشرة إلى الأصيل أو رب العمل أو الخلف.

وتبرأ ذمة المدين من الالتزام بدفع القسط بمجرد قيامه بنفسه أو بواسطة نائبه بتسليمه إلى المؤمن أو لأحد من وسطائه أو من يتمتع بوكالة ظاهرة عن المؤمـن. ويصح طبقاً للقواعد العامة، الوفاء بقسط التأمين من الغير الذي له مصلحة في سريان التأمين أو ممن ليست له مصلحة فيه ولو كان دون علم المدين أو رغم إرادته.

2- المدين بقيمة القسط : نعلم أن الالتزام والحق وجهان لعملة واحدة، فإذا كان المؤمن له هو الملتزم بدفع قيمة القسط كان المؤمن هو الدائن به لأن  كليهما طرفا عقد التأمين وتنصرف إليهما آثاره.

ويكون المؤمن قد اقتضى حقه بمجرد حصوله على قيمة القسط بنفسه أو بواسطة أحد وسطاءه المفوض في ذلك.

3- محل التزام المدين: نوهنا -سابقا– إلى أن المدين بدفع القسط هو المؤمن له، وأن الدائن بقبضه هو المؤمن. وعندئذ يكون القسط هو محل الالتزام الذي يكون –عادة - مبلغاً من النقود ويجب على الأول الوفاء به للثاني الذي لا يجبر على قبول شيء آخر ولو كان مساوياً له في القيمة أو كانت قيمته أعلى.

وفى الغالب أن قيمة القسط، المتفق عليها في عقد التأمين، ثابتة لا تتغير. ولما كانت هذه القيمة تقدر تبعاً للخطر المؤمن منه، فإن تغير ظروف الثاني يترتب عليه أن يصبح الأول قابلاً للزيادة والنقص تبعاً لطبيعة هذا التغير، فإذا كانت الظروف المتغيرة، من شأنها، أن تؤدى إلى تفاقم الخطر المؤمن منه أو زيادة في التزامات المؤمن فإن هذا يعطيه الحق في مطالبة المؤمن له بزيادة قيمة القسط. أما إذا أدت إلى زوال بعض الاعتبارات التي أخذ في الحسبان عند تحديد هذا الخطر، فإنه يصبح من حق المؤمن له مطالبة المؤمن بتخفيض القسط لتحقيق التناسـب بينه وبين الخطر المؤمن منه في ظل الظروف الجديدة.

4- زمان ومكان الوفاء بالقسط: إن زمان ومكان الوفاء بالقسط يحدده الطرفان في عقد التأمين فما هو زمان هذا الوفاء ومكانه الذي يجرى عليه العرف التأميني؟ نتناول الإجابة على هذا السؤال فما هو آت من نقاط.

* زمان الوفاء بقسط التأمين

تقضى القواعد العامة بأنه، إذا لم يكن الالتزام مضافاً إلى أجل واقف أو معلقاً على شرط واقف، يجب على المدين الوفاء به بمجرد نشوئه وإلا كان للدائن الحق في اقتضاء حقه جبراً عنه. وبناء على ذلك فإن القسط يكون واجب الأداء فور انعقاد التأمين -كقاعدة عامة- ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.

ويستحق القسط بحلول الأجل المتفق عليه في عقد التأمين، فقد يكون الوفاء به كل شهر أو ربع سنوي أو نصف سنوي أو سنة أو أكثر من ذلك. ويجب عدم الخلط بين أجل الوفاء بالقسط ومدة سريان التأمين على النحو التالي:

- أجل الوفاء: يحدد الوقت الذي يجب على المؤمن له تنفيذ التزامه العقدي بأداء قيمة قسط التأمين للمؤمن.

- مدة السريان: تحدد فترة التغطية التأمينية التي ينقضي عقد التأمين بانقضائها.

ويجرى العمل – في سوق التأمين – على اشتراط وفاء المؤمن له بالقسط مقدماً في بداية مدة التأمين للمؤمن، حتى يتسنى للأخير من التعرف على جدية المؤمن له وضبط حساباته والاستعداد لتغطية الخطر الم ؤمن منه من - مجموع الأقساط - عند تحققه.

* مكان الوفاء بقسط التأمين

الأصل أن مكان دفع القسط هو موطن المدين به أي موطن المؤمن له – أي أن الدين يطلب ولا يحمل. 

غير أن العرف التأميني جرى – على عكس ذلك – فيما يتعلق بدفع القسط الأول واستلزم أن يكون الوفاء به في موطن المؤمن أو مركز أعماله – أي أن هذا القسط يحمل ولا يطلب – أما دفع الأقساط التالية يكون في موطن المؤمن له أو مركز إدارة أعماله إذا كان التأمين متعلقاً بهذه الأعمال. ما لم يكن المؤمن له قد تأخر في الوفاء بأحدها، فإذا تأخر في ذلك وأعذره المؤمن بالوفاء فإن مكان الوفاء بهذا القسط يكون في مركز أعمال المؤمن.

وموطن المؤمن له هو الموطن الذي ذكره في وثيقة التأمين أو أي موطن آخر يعلن به المؤمن بعد ذلك.

5- كيفية دفع قسط التأمين وإثباته: يدفع المؤمن له أو نائبه إلى المؤمن أو من يفوضه في ذلك قيمة القسط نقداً أو بموجب شيك مقبول الدفع عند الإطلاع، على أن يسلم الثاني أو من يمثله إلى الأول أو نائبه مخالصة دالة على الوفاء بهذه القيمة.

ويقع عبء إثبات دفع قسط التأمين على المؤمن له، ويجوز له إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات متى كانت قيمته لم تجاوز مائة جنية (نصاب الإثبات بالبينة) أو كانت قيمته تجاوز هذا النصاب إلا أن المؤمن في العملية التأمينية يقوم بأعمال تجارية كشركات التأمين مثلاً. أما إذا كانت قيمته تجاوز هذا النصاب -في غير العمل التجاري- فلا يجوز إثبات الوفاء بالقسط إلا بالكتابة ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك.

ويتحقق الوفاء بقيمة القسط بالمقاصة، متى تحقق الخطر المؤمن منه قبل هذا الوفاء فتجرى المقاصة بين مبلغ التأمين الذي يجب على المؤمن أداءه للمؤمن له وبين قيمة القسط المستحق.

6- جزاء الإخلال بالتزام الوفاء بالقسط: عرفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين ولذلك فإنه يخضع إلى القواعد العامة في الالتزامات التبادلية في حالة إخلال أحد الأطراف بالتزاماته. وبناء ذلك فإن هذه القواعد تخول المؤمن في حالة تقاعسه عن الوفاء بالقسط أو تأخر فيه، بعد إعذاره ،المطالبة بالتنفيذ العيني أو بفسخ العقد ولما كان عقد التأمين من العقود الزمنية فإن الحكم بالفسخ ذا أثر فوري لا رجعى بمعنى أن المؤمن لا يتحلل من التزامه بتحمل تبعة تحقق الخطر المؤمن منه إلا من وقت الحكم بالفسخ.

وفى ضوء ما سبق يتبين أن تطبيق القواعد العامة على إخلال المؤمن له بالتزامه بالوفاء بالقسط يترتب عليه إجحاف بالمؤمن لأنه يكون ملتزما بضمان الخطر المؤمن منه في الوقت الذي يكون المؤمن له مخلاً بالتزامه بهذا الوفاء. لذلك جرى العرف التأميني على التخفيف من ذلك بواسطة أحكام خاصة تتناسب مع ذاتية التأمين.

ونعرض لدراسة الإعذار ووقف سريان التأمين فيما هو آت من نقاط :

أ- اعذرا المؤمن له

- إذا تأخر المؤمن له في الوفاء بقسط التأمين، وجب على المؤمن أن يبدأ بإعذار المؤمن له بضرورة الوفاء وتذكيره بالنتائج المترتبة على إخلاله بالتزامه بهذا الوفاء.

ويكون هذا الإعذار بكتاب موصى عليه يرسل إلى المؤمن له فى موطنه المعلن عنه.

ويترتب على الإعذار النتائج التالية:

‌أ- محل الوفاء بقيمة القسط يصبح في موطن المؤمن أو مركز أعماله حتى لو كان من الأقساط التي يتم الوفاء بها في موطن المؤمن له –عادة – أي يصبح محمولاً بعد أن كان -في الأصل- مطلوباً.

‌ب- قطع تقادم دعوى المطالبة بالقسط، على الخلاف القواعد العامة التي تقضى بأن قطع مدة التقادم لا يكون إلا بالمطالبة القضائية أو ما يقوم مقامها.

‌ج- بدء حساب مهلة الوفاء بالقسط (30 يوماً) والتي يبدأ بانقضائها وقف سريان التأمين.

ب- وقف سريان التأمين 

إذا أعذر المؤمن له بالوفاء وانقضت المهلة المحددة لذلك (30 يوماً)، والتي يبدأ حسابها من اليوم التالي لإرسال الكتاب الموصى عليه إليه، جاز للمؤمن وقف سريان التأمين على الخطر المؤمن منه. فما هي ماهية هذا الوقف ؟ وما هي شروطه ؟ وما هو الأثر المترتب عليه ؟.

نتناول الإجابة على هذه الأسئلة فيما هو آت من نقاط:

* ماهية وقف سريان التأمين

يمكن تعريف هذا الوقف بأنه "هو وقف مؤقت لالتزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه كجزاء لإخلال المؤمن له بالتزامه بدفع القسط المستحق مع استمرار تحمل الأخير بكل التزاماته".

* شروط وقف سريان التأمين

في ضوء التعريف – آنف الذكر– يتبين أن يجب أن يتوافر لوقف سريان التأمين الشروط الآتية:

الشرط الأول – إخلال المؤمن له بالتزامه بدفع قسط التأمين: بأن يكون قد تأخر المؤمن له في دفع القسط  أو امتنع عن الوفاء به. أما إذا كان عدم الوفاء راجعاً لسبب أجنبي عن المؤمن له كقوة قاهرة أو بفعل من المؤمن حيث لم يطلب القسط الذي يجب الوفاء به في موطن المؤمن له فلا يعد ذلك من قبيل الإخلال بالالتزام المبرر لوقف التأمين.

الشرط الثاني – إعذار المؤمن له بضرورة دفع القسط المستحق: وهذا الأعذار يتم بموجب كتاب موصى عليه مرسل إلى المؤمن له ينبه عليه بضرورة دفع القسط ومذكراً له بالنتائج المترتبة على عدم الوفاء.

الشرط الثالث – انقضاء مهلة الوفاء (30يوماً): لم يعط العرف التأميني الحق للمؤمن في وقف سريان التزامه بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه بمجرد إعذار المؤمن له والتنبيه عليه بدفع القسط المستحق. بل أعطى مهلة للأخير للوفاء بهذا القسط وتدارك الأثر المترتب على هذا الوقف، وقدر هذه المهلة بثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالي لإرسال الكتاب الموصى عليه.

* الأثر المترتب على وقف سريان التأمين

إذا توافرت الشروط – آنفة البيان – اللازمة لإعمال المؤمن لجزاء وقف سريان التأمين، ترتب عليه الآثار الآتية:

- وقف التزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه ،أي أن المؤمن لا يكون ملتزماً بدفع مبلغ التامين إلى المستفيد من التأمين إذا تحقق الخطر المؤمن منه خلال الوقف. وذلك حتى يقوم المؤمن له بالوفاء بما هو مستحق من أقساط مع المصاريف إن وجدت أو ينزل المؤمن - صراحة أو ضمنياً - عن حقه في الوقف.

- استمرار التزام المؤمن له بكافة التزاماته الناشئة عن عقد التأمين، لأن وقف سريان التأمين يتعلق فقط بوقف التزام المؤمن بتحمل تبعة تحقق الخطر المؤمن منه. أما التزامات المؤمن له تظل قائمة فيجب عليه بداءة الوفاء بالأقساط المستحقة وإعلام المؤمن بتفاقم الخطر المؤمن منه وأخطاره بتحقق الخطر المؤمن منه.

* زوال وقف سريان التأمين

الوقف يدور مع سببه وجوداً وعدماً، وبناء على ذلك فإن هذا الوقف يزول بزوال سببه وهو الوفاء بقيمة  القسط المستحق مع ما تكبده المؤمن من مصروفات بسبب التأخر في الدفع. ويستوي حدوث هذا الوفاء من المؤمن له أم من الغير سواء أكان له مصلحة في سريان التأمين أم لم يكن له مصلحة في ذلك.

ويزول الوقف – كذلك – بنزول المؤمن عنه – صراحة أو ضمنياً – لأن وقف سريان التأمين حق له فيجوز التمسك به أو النزول عـنه.

ولا غرو أن يكون لزوال الوقف أثر فورياً لا رجعياً، أي أن التأمين يعود للسريان اعتباراً من تاريخ الزوال ويقع على عاتق المؤمن تبعة تحقق الخطر المؤمن منه، ما لم يكن قد حكم بفسخ عقد التأمين بناء على طلب المؤمن بعد مضى مدة (30 أيام) من تاريخ الوقف.

ج- التنفيذ العيني أو الفسخ

يجوز للمؤمن، متى انقضت مدة (30 أيام) من تاريخ الوقف أي بانقضاء أربعون يوماً كاملة من تاريخ الإعذار، المطالبة القضائية بالتنفيذ العيني ويستصدر حكم بإلزام المؤمن له بدفع قسط التأمين والمصروفات والتعويض إن كان له مقتضى.   

ويجوز للمؤمن – كذلك – أن يطلب فسخ العقد متى انقضت تلك المدة. ويترتب على الفسخ زوال عقد التأمين بالكلية من تاريخ إرسال كتاب موصى عليه إلى المؤمن له على آخر موطن معلن عنه أو رفع دعوى قضائية بالفسخ.

1- الإخطار بتحقق الخطر المؤمن منه

القواعد العامة تقضى بأن العقد لا يقتصر على إلزام العاقد بما ورد فيه، بل يتناول كل ما يعد من قبيل مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة وبحسب طبيعة الالتزام، ولقد أورد العرف التأميني تطبيقاً خاصاً لذلك بإلزام المؤمن له بإخطـار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن مـنه، لأن التزام الأخير الجوهري هو تحمل تبعة ذلك، والوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض.

ونعرض لبعض أحكام الالتزام بالإخطار عن تحقق الخطر المؤمن منه والجزاء المترتب على الإخلال به، من خلال النقاط التالية:

* أحكام الالتزام بالإعلان عن تحقق الخطر

نوهنا إلى أنه يقع على عاتق المؤمن له الالتزام بالإخطار عن وقوع الحادثة المؤمن منه، كالوفاة في التأمين من الحياة لحال الممات، واحتراق الأشياء المؤمن عليها في التأمين ضد الحريق، وقيام مسئولية المؤمن له عن تعويض المضرور في التأمين من المسئولية… الخ.

* شروط  وجوب الإخطار

يجب، لقيام واجب الإخطار على عاتق المؤمن له، أن تتوافر الشروط التالية:

الشرط الأول–  تحقق الخطر المؤمن منه: يشترط لقيام واجب الإخطار أن تكون الحادثة التى وقعت تمثل بمثابة الخطر المؤمن منه المدرج فى وثيقة التأمين.

الشرط الثاني – علم المؤمن له بمسئولية المؤمن عن هذا الخطر: يجب، فوق وقوع الكارثة، أن يتوافر لدى المؤمن له العلم بأن هذه الكارثة تمثل الخطر المؤمن منه الذى يسأل عنه المؤمن وتلقى على عاتقه الوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض.

* وجوب الإخطار عن تحقق الخطر

متى توافرت الشروط – آنفة البيان – وجب على المؤمن له إخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه.  كما يتحقق الإخطار من المؤمن له يتحقق بصدوره من خلفه العام أو الخاص أو من المستفيد.

* شكل الإخطار بتحقق الخطر وميعاده

ليس للإخطار شكل خاص، فيجوز أن يكون بكتاب موصى عليه أو بأي وسيلة اتصال أخرى (كالخطاب العادي أو البرقية أو التلكس أو الفاكس أو الهاتف… الخ)، ولما كان الإخطار واجباً على المؤمن له فإن عبء الإثبات يقع على عاتقه، ولذلك عليه تخير وسيلة تخفف عنه هذا العبء.

لم يرد بتقنينا المدني نص يحدد ميعاداً معيناً للإخطار، على نحو يوحى بأن المشرع ترك هذا الأمر للإرادة المشركة للإطراف. ومع ذلك فإنه يجب أن يكون الإخطار خلال مدة معقولة، وقاضى الموضوع هو الذى يحدد معقولية المدة عند المنازعة. وإذا تأخر المؤمن له عن الإخطار خلال المدة المحددة اتفاقاُ فى العقد أو المدة المعقولة دون مبرر وترتب على ذلك إلحاق ضرراً بالمؤمن، أضحى له الحق فى مطالبة المؤمن له المخطئ بالتعويض عن هذا الضرر.

* جزاء الإخلال بالالتزام بالإعلان عن الخطر

لا شك أن المشرع الجزائري لم يضمن جزاء على إخلال المؤمن له بالتزامه بالإعلان عن تحقق الخطر. ولما كان الإخطار عن تحقق الخطر المؤمن منه التزاماً يلقيه عقد التأمين على عاتق المؤمن له، فإن الإخلال به يرتب مسئوليته العقدية – طبقاً للقواعد العامة ومع ذلك فإن العرف التأميني قد أورد نوعين من الجزاء هما:

الأول – خفض قيمة التعويض المستحق – عن تحقق الخطر –  بمقدار ما أصاب المؤمن من ضرر نتيجة التأخير في الإخطار.

الثاني – سقوط الحق في التعويض المستحق – عن تحقق الضرر – متى أقام المؤمن الدليل على سوء نية المؤمن له في عدم الإخطار.

بيد أن الأمر متروك للإرادة المشتركة للإطراف والاتفاق على جزاء معين للإخلال المؤمن له بواجب إخطار المؤمن بتحقق الخطر منه، سواء أكان هذا الجزاء في صورة سقوط الحق في مبلغ التأمين أم كان في شكل تخفيض لهذا المبلغ.

ثانيا: آثار التأمين بالنسبة للمؤمن

أسلفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين، وأنه كما ألقى بالتزامات على عاتق المؤمن له (الإعلام ببيانات الخطر والإعلان عن تفاقمه ودفع القسط والإخطار عن تحقق الخطر)، فإنه يلقى على عاتق المؤمن بالتزام مقابل هو تحمل تبعة الخطر المؤمن منه ودفع مبلغ التأمين أو التعويض إلى المؤمن له أو المستفيد عند تحقق الخطر أو حلول أجل العقد.

بيد أنه قد يتسبب الغير بفعله في تحقق الخطر المؤمن منه الذي يترتب عليه تنفيذ المؤمن لالتزامه بالوفاء بمبلغ التأمين لصاحب الحق فيه، فهل هذا يخول المؤمن الحق في الرجوع على الغير بقيمة هذا الوفاء ؟.

ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الآتي:

أ- التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين

ألفينا أن المؤمن له يلتزم بإخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن له الذي يلزمه بدفع مبلغ التأمين أو مقدار التعويض.

ونتناول دراسة هذا الالتزام فيما هو آت من نقاط :

1- محل الالتزام: متى قام المؤمن له بتنفيذ التزامه بأخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه – خلال المدة المتفق عليها أو مدة معقولة – أضحى المؤمن ملتزماً بدفع مبلغ التأمين أو قيمة التعويض لصاحب الحق فيه (الدائن).

ويمكن تعريف مبلغ التأمين الذي هو محل التزام المؤمن بأنه "هو مبلغ من المال (مقدراً أو قابل للتقدير يلتزم المؤمن بدفعه للمؤمن له) أو من يحل محله وفاءً لالتزامه بتحمله تبعة تحقق الخطر المؤمن منه".

ثالثا: الدائن بمبلغ التأمين

في ضوء التعريف السابق يتبين لنا أن المدين بالوفاء بمبلغ التأمين هو المؤمن والدائن به هو المؤمن له. وقد ينتقل حق المؤمن له إلى خلفه الخاص أو العام أو الشخص المعين في عقد التأمين أو بنص القانون مستفيداً، كالشخص الذي يؤمن على حياته مع تعين ابنه في العقد مستفيداً أو كالمضرور من حوادث السيارات الذي يعينه القانون مستفيداً.

ويقع على عاتق صاحب الحق في مبلغ التأمين إثبات تحقق الخطر المؤمن منه وإخطار المؤمن به لكي يلزمه بالوفاء التزامه.

1- ميعاد حلول أجل الالتزام بالوفاء بمبلغ التأمين: عرفنا أنه يجب على المؤمن له أو من يحل محله إخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه، فمتى تحقق هذا الخطر وتم الإخطار به أمسى المؤمن ملزماً بالوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض من وقت تحققه، فمثلاً في التأمين على الحياة لحال الوفاة يحل أجل العقد بوفاة المؤمن عليه وفى الوقت نفسه يحل أجل التزام المؤمن (المدين) بالوفاء بمبلغ التأمين.

وعلى العموم يجب على المؤمن (المدين) الوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض خلال مدة معقولة ويخضع تقدير معقولية هذه المدة للسلطة التقديرية لقاضى الموضوع عند المنازعة.

ب- حق المؤمن في الرجوع على الغير

عرفنا – آنفاً – أنه يجب على المؤمن تنفيذ التزامه بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو من يحل محله عند تحقق الخطر المؤمن منه. غير أنه قد يتسبب الغير بفعله في تحقق هذا الخطر وتنفيذ المؤمن لالتزامه، فهل هذا يخوله حق الرجوع على الفاعل بمبلغ التأمين الذي وفى به للمؤمن له ؟.

بيد أن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب التفرقة بين نوعى التأمين (الأشخاص والأضرار)

1- التأمين على الأشخاص : نعلم أن هذا النوع من التأمين هو الذي يكون المؤمن عليه فيه هو الإنسان، وأنه ليس ذا صفة تعويضية. بمعنى أن المؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين لصاحب الحق فيه عند تحقق الخطر المؤمن منه بغض الطرف عن تحقق ضرر أم عدم تحققه أو أن مبلغ التأمين يتعادل مع الضرر الذي لحق المؤمن له أم ينقص عنه  أو يتجاوزه، فكل ذلك لاعتبار له في هذا النوع من التأمين.

ومن ثم فإنه يجوز للمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن بسبب تحقق الخطر المؤمن منه - طبقا لأحكام عقد التأمين- وبين التعويض من الغير فاعل الضرر الناجم عن تحقق الخطر المؤمن منه – طبقاً لأحكام المسئولية التقصيرية -. فمثلاً لو أن شخص أمن على حياته لحال الوفاة وتسبب الغير بفعله في وفاته، فإن المستفيد من هذا التأمين يستحق من المؤمن مبلغ التأمين - بموجب عقد التأمين – وله كذلك الحق في مطالبة المتسبب في الوفاة (فاعل الضرر) بالتعويض متى كان قد لحقه ضرر من ذلك.

وبناء على ذلك فإن هذا النوع من التأمين لا يخول المؤمن الحق في الرجوع على الغير فاعل الضرر، الذي تسبب بفعله فى تحقق الخطر المؤمن منه، لمطالبته بمبلغ التأمين الذي وفى به إلى المؤمن له تنفيذاً لالتزامه الناشئ عن عقد.

2- التأمين من الأضرار: نعلم أن هذا النوع من التأمين، على خلاف التأمين من الأشخاص، هو الذي يكون الخطر المؤمن منه أمراً يتعلق بمال المؤمن له لا بشخصه. وأن لهذا النوع صفة تعويضية، بمعنى أن قيمة التعويض تقدر بقدر الضرر شريطة ألا يتجاوز مبلغ التأمين المحدد في عقد التأمين (أي بأقل القيمتين مبلغ التأمين أو مقدار الضرر).

ومن ثم فإنه لا يجوز للمؤمن له الجمع بين التعويض الذي يحصل عليه من المؤمن بسبب تحقق الخطر المؤمن منه – طبقاً لأحكام عقد التأمين - وبين مطالبة الغير بالتعويض لتسبب فعله في الضرر الذي لحقه من تحقق هذا الخطر – وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، لتعارض ذلك مع الصفة التعويضية التي يتصف بها هذا النوع من التأمين. فمثلاً لو أن شخص أمن على منزله ضد الحريق وتسبب الغير في حريقه، فإذا حصل على تعويض الضرر من المؤمن لا يجوز له مطالبة الغير بتعويض عن ذات الضرر الذي عوضه عنه المؤمن.

وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن في ظل هذا النوع من التأمين - وعلى عكس التأمين على الأشخاص – الرجوع على الغير، الذي تسبب بفعله الخاطئ فى تحقق الخطر المؤمن منه وتنفيذ التزامه بدفع التعويض للمؤمن له، ومطالبته بقيمة التعويض الذي وفى به للمؤمن له جبراً للضرر الذي لحق به من جراء تحقق هذا الخطر.

* الطبيعة القانونية لحق المؤمن في الرجوع على الغير مسبب الضرر

لا غرو أن يحدث خلاف فقهي حول تحديد الطبيعة القانونية لحق المؤمن في الرجوع على المتسبب بفعله الخطأ في تحقق الخطر المؤمن منه.

ونستعرض فيما هو آت من نقاط الآراء الفقهية حول طبيعة حق المؤمن فى الرجوع على الغير فاعل الضرر.

- الضرر هو أساس حق المؤمن في الرجوع على الغير: ذهب رأى إلى أن طبيعة هذا الحق تكمن في الضرر الذي لحق بالمؤمن من تنفيذ التزامه بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له بسبب الفعل الخاطئ من الغير، ويتم الرجوع على الغير بموجب أحكام المسئولية التقصيرية.

غير أن هذا الرأي لم يصل إلى الهدف الذي صوب عليه، لأن المؤمن يوفى بمبلغ التأمين وفاءً منه لالتزامه الناشئ عن عقد التأمين، ومن غير المقبول اعتبار أن الوفاء بالالتزام نوعاً من الضرر الموجب للتعويض.

- دعوى الحلول هي أساس حق المؤمن في الرجوع على الغير: ذهب رأى آخر إلى أن المؤمن يرجع على الغير فاعل الضرر بموجب دعوى الحلول – طبقاً للقواعد العامة. لأن وفاء الأول بمبلغ التأمين للمؤمن له يعد بمثابة وفاءً بدين في ذمة الغير (المسئول).

غير أن هذا الرأي لم يصب كبد الحقيقة لأن المؤمن يوفى بالتزامه الناجم عن عقد التأمين لا يوف بالتزام غيره حتى يخول الحق فى الحلول محل الدائن (المؤمن له) فى مطالبة المدين (المسئول) بقيمة الوفاء.

- حوالة الحق هي أساس حق المؤمن في الرجوع على الغير: ذهب رأى إلى أن الحق في الرجوع هو بمثابة حوالة الحق. إلا أن ذلك يتطلب قيام المؤمن له (الدائن) بحوالة حقه إلى المؤمن، سواء أكان ذلك في عقد التأمين أم كان باتفاق لاحق. وهذا الحوالة لا تكون نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين (المسئول) أو أعلن بها.

- الحلول القانوني هي أساس حق المؤمن في الرجوع على الغير: إن المشرع قد حسم الخلاف الفقهي – حول طبيعة حق المؤمن في الرجوع - بالنسبة للتأمين ضد الحريق حيث أنه خول المؤمن الحق في الحلول القانوني محل المؤمن له (الدائن) في مطالبة المسئول (المدين) بقيمة التعويض الذي وفى به تنفيذاً لالتزامه الناشئ عن عقد التأمين. شريطة ألا يكون فاعل الضرر صهراً أو قريباً للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة أو يكون شخصاً يسأل عنه المؤمن له، فهؤلاء لم يخوله القانون الحق في الرجوع عليهم  ومطالبتهم بقيمة التعويض الذي وفى به للمؤمن له. 

الفرع الثالث: انقضاء عقد التأمين

عرفنا أن عقد التأمين من العقود الزمنية التي يشكل الزمن عنصراً جوهرياً فيها، لأن حجم التزامات أطرافها يتحدد بموجبه. وبناء على ذلك فانتهاء المدة هو الطريق الطبيعي لانقضاء التأمين. ومع ذلك قد ينتهي عقد التأمين قبل حلول أجله بالفسخ للإخلال بالتزاماته والانفساخ لهلاك الشئ المؤمن عليه وزوال العقد بعد مدة معينة بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه. ولتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين أثر على تنفيذ التزاماته.

ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الحديث عن انقضاء مدة التأمين وتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، ونحيل أمر دراسة أحكام الفسخ والانفساخ إلى القواعد العامة، وذلك من خلال ما يلي:

أولا: أحكام انقضاء مدة التأمين

لا شك أن مدة التأمين من المسائل الجوهرية في عقد التأمين التي يجب أن تكون محل تراضى من أطرافه وأن تكون من البيانات الجوهرية التي تشتمل عليها وثيقة التأمين وأن تكون مكتوبة بشكل ظاهر وواضح.

وبناء على ذلك فإنه يجوز لأطراف العقد أن يحددوا مدة التأمين التي ينقضي العقد بانتهائها، ولا يحد من حريتهم فى ذلك إلا ما جرى عليه العرف التأميني من أنه إذا زادت المدة التي حددت في العقد عن خمس سنوات، جاز لكل من طرفي العقد إنهاءه بانقضاء خمس سنوات. وما نص عليه القانون - فى شأن التأمين على الحياة – من جواز تحلل المؤمن له من التزاماته في أي وقت بأخطار  كتابي يرسله إلى المؤمن.      

فينقضي العقد بانتهاء مدة التأمين المحددة في وثيقته أو التي حددها العرف التأميني.

غير أن عقد التأمين على الحياة يستقل بحكم خاص وهو جواز تحلل المؤمن له من التزاماته بإرادته المنفرة شريطة أن يخطر المؤمن بذلك بكتاب.

غير أن عقد التأمين قد ينقضي قبل انتهاء مدته وقد يمتد بعد انتهاء هذه المدة. ونتناول بيان ذلك من خلال المطالب التالية:

أ- فسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة

نوهنا – آنفاً – إلى أن عقد التأمين ينقضي بانتهاء مدته المنصوص عليها في وثيقته. ومع ذلك فقد درج العرف التأميني على جواز استقلال إرادة أحد الطرفين بفسخ العقد، فيما عدا التأمين على الحياة، قبل انتهاء هذه المدة بمضي خمس سنوات متى كانت مدته المتفق عليها تجاوز خمس سنوات.

* شروط فسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة

إذا كان العرف التأميني قد أطرد على تخويل كل طرف في عقد التأمين بفسخه بإرادته المنفردة، إلا أن هذا الحكم ليس على إطلاقه بل يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية:

الشرط الأول – أن تكون مدة التأمين أكثر من خمس سنوات: يشترط، لإنهاء عقد التأمين بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه، أن تكون مدة التأمين المنصوص عليها فى الوثيقة تجاوز الخمس سنوات.

الشرط الثاني – ألا يكون التأمين تأميناً على الحياة أو لتكوين الأموال: يلزم، فوق كون المدة الاتفاقية تجاوز الخمس سنوات، ألا يكون عقد التأمين من قبيل التأمين على الحياة أو لتكوين الأموال، لأن مدة التأمين بطبيعتها في الحالين طويلة ويغلب أن تزيد على خمس سنوات فضلاً عن أن المؤمن له في التأمين على الحياة يستطيع التحلل من التزاماته في أي وقت شاء. فما عدا ذلك يجوز لأي طرف أن ينهى عقد التأمين بإرادته المنفردة.

الشرط الثالث – إخطار الطرف الآخر بكتاب موصى عليه بعلم وصول: يجب فوق تجاوز المدة خمس سنوات وألا يكون تأميناً على الحياة أو لتكوين الأموال، أن يقوم الطرف، الذى يرغب فى إنهاء عقد التأمين بإرادته المنفردة، بإخطار الطرف الآخر بعزمه على ذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول.

الشرط الرابع – ألا يقع الفسخ قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الإخطار: وأخيراً يجب ألا يقع الفسخ قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الإخطار بالكتاب الموصى عليه والمصحوب بعلم وصول.

* الأثر المترتب على فسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة

متى توافر في الفسخ بالإرادة المنفردة الشروط – آنفة البيان – فقد ترتب عليه أثره بفسخ عقد التأمين وتحلل كل طرف يجب عليه للطرف الآخر بانقضاء ستة أشهر من تاريخ إخطار الطرف الآخر برغبته في فسخ العقد. فمثلاً لو كان تاريخ الإخطار هو الأول من شهر يناير فإن الفسخ لا يقع إلا اعتباراً من الأول من شهر يوليو.

ب- امتداد عقد التأمين بعد انقضاء مدته

لا غرو أن يكون عقد التأمين قابلاً للتمديد لأنه من العقود الزمنية التي يجرى في شأنها التمديد والتجديد الضمني لارتباطها بالزمن الذي يعد عنصراً جوهرياً فيها. وإن كانت الغاية من التمديد والتجديد واحدة إلا أنه يوجد فارق بينهما على النحو التالي:

- التمديد: يجب النص عليه صراحة في العقد ولا يتم إلا بموجب هذا النص. وهذا ما يجرى بالنسبة لعقد التأمين من الأضرار.

 - التجديد: يتم دون الحاجة للنص الصريح بل يتم بمجرد استمرار الأطراف في الوفاء بالتزاماتهم الناشئة عن العقد بعد انقضاء الأجل المحدد اتفاقاً في العقـد. وهذا الذي يجرى عليه العمل في شأن عقد الإيجار.

ولقد اطرد العرف – في سوق التأمين – على أنه يجوز بموجب شرط مدون في وثيقة التأمين بشكل ظاهر الاتفاق على امتداد العقد من تلقاء نفسه سنة فسنة.

* شروط امتداد عقد التأمين بعد انقضاء  مدته 

يجب لامتداد عقد التأمين بعد انتهاء مدته، أن تتوافر فيه الشروط الآتية:

الشرط الأول – أن يكون العقد تأميناً من الأضرار: يشترط، لامتداد العقد من تلقاء نفسه، أن يكون محله التأمين من الأضرار أي أن يكون المؤمن عليه يتعلق بمال المؤمن له وليس بشخصه. أما إذا كان محل العقد تأمين على الأشخاص، ولا سيما التأمين على الحياة، فلا يسرى في شأنه مثل هذا التمديد لأن انقضاءه مرتبط بتحقق الخطر المؤمن منه أكثر من ارتباطه بمدة معينة، فإذا تحقق هذا الخطر فلا يكون هناك حاجة لتمديده.

الشرط الثاني – أن يدرج التمديد الحولي في الوثيقة في شكل شرط اتفاقي صريح وظاهر: يجب، فوق كون محل العقد التأمين من الأضرار، أن يكون النص على التمديد الحولي للعقد بعد انقضاء مدته قد ورد في وثيقة التأمين في شكل شرط اتفاقي صريح وظاهر. أما إذ لم يكن الشرط قد ورد صريحاً وظاهراً في هذه الوثيقة أو تحفظ عليه أحد الأطراف، فإن العقد لا يمتد به.

ولقد ورد في المادة التاسعة من مشروع الحكومة النص على بطلان كل اتفاق على تمديد العقد لمدة تزيد على سنة. وإن كان هذا المشروع لم ير النور في صورة قانون حتى تاريخه، إلا أن ذلك لا يحول دون النظر فيما يقرره حيث أن واضع هذا النص قد بالغ فيه عندما قضى ببطلان كل اتفاق على زيادة التمديد عن مدة سنة في حين أنه كان الأولى به أن ينص على بطلان الزيادة لا بطلان الاتفاق بأكمله.  

الشرط الثالث – انقضاء المدة الأصلية المحددة في العقد: يلزم، إلى جانب الشرطين السابقين، أن يكون العقد – في الأصل - محدد المدة وأن تكون هذه المدة قد انقضت لأن لا تمديد لعقد غير محدد المدة ولا لعقد لم تنقضي مدته الأصلية.

الشرط الرابع – ألا يعلن المؤمن له معارضته للتمديد قبل انقضاء المدة الأصلية بثلاثين يوماً: أخيراً، يلزم لتمديد العقد سنة فسنة، ألا يخطر المؤمن له المؤمن بعدم رغبته فى التمديد قبل انقضاء المدة الأصلية المحددة فى وثيقة التأمين بثلاثين يوماً. أما إذا أعلن المؤمن له عن معارضته لذلك فى الوقت المحدد له، فلا يتم تمديد العقد.

ولقد درج العرف في سوق التأمين على أن يكون إخطار معارضة التمديد فى شكل كتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول.

* الأثر المترتب على امتداد عقد التأمين بعد انقضاء مدته

متى توافرت في التمديد الشروط – آنفة البيان – فإن الأثر المترتب على ذلك هو امتداد عقد التأمين الأصلي الذي انقضت مدته إلى مدة سنة تالية. بمعنى أن يعد بمثابة استمراراً لهذا العقد بشروطه المتفق عليها لا إبراماً لعقد جديد.

ثانيا: تقادم الدعاوى الناشئة عن التأمين

التقادم – في معناه العام – هو بمثابة مضى فترة زمنية يحددها القانون على أمر ما يترتب عليه فقدان صاحب الحق الحماية القانونية لحقه، وتوفر هذه الحماية للحقوق يتم بواسطة مباشرة الدعاوى القضائية.

ولقد حدد القانون أجل التقادم للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين في حكم المادة 27 من قانون التأمينات الذي قضى بتقادمها بمضي ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة.

ونتناول ذكر الدعاوى التي تعد ناشئة عن عقد التأمين والدعاوى التي لا تعد كذلك وذلك من خلال المطالب التالية:

أ- الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين

بادئ ذي بدء نشير إلى أن التقادم الثلاثي (ثلاث سنوات من تاريخ حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى) يسرى على الدعاوى أياً كان المؤمن سواء أكان شركة أم كان جمعية تبادلية. ويشمل الدعاوى المتعلقة بالمؤمن أو بالمؤمن له.

1-  دعاوى المؤمن الناشئة عن عقد التأمين: نعلم أن عقد التأمين تتعلق به أحكام ويرتب التزامات على عاتق طرفيه وأي إخلال بهذه الالتزامات أو بتلك الأحكام من جانب المؤمن له يخول المؤمن مباشرة الدعوى القضائية في مواجهته. ومن هذه الدعاوى ما يأتي:

- دعاوى المطالبة بالأقساط المستحقة على المؤمن له.

- دعاوى البطلان، إذا أورث خللاً في أحد أركانه، أو الإبطال لتوافر أحد عيوب الإرادة.

- دعاوى الفسخ لإخلال المؤمن له بأحد التزاماته الناشئة عن العقد أو لعقد التأمين التي تزيد مدته عن خمس سنوات.

2-  دعاوى المؤمن له الناشئة عن عقد التأمين: لا شك أن للمؤمن له الحق في مباشرة دعوى قضائية في مواجهة المؤمن، إذا وقع خلل بأحكام العقد أو أخل الأخير بأي التزام ناشئ عن عقد التأمين، ومن أهم هذه الدعاوى ما يأتي:

- دعاوى المطالبة بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض عن الضرر الذي لحق به من تحقق الخطر المؤمن منه.

- دعاوى البطلان، إذا أورث خللاً في أحد أركانه، أو الإبطال لنقص الأهلية أو توافر أحد عيوب الإرادة.

- دعاوى الفسخ لإخلال المؤمن بأحد التزاماته الناشئة عن العقد أو لعقد التأمين التي تزيد مدته عن خمس سنوات.

ب- الدعاوى التي لا تنشأ عن عقد التأمين

قد تنشأ دعاوى تتعلق بالتأمين، لكن لا يسرى في شأنها التقادم الثلاثي إلا إذا كانت صادرة من طرف في عقد التأمين ضد الآخر. أما إذا كانت الدعاوى صادرة من الغير على أحد الأطراف أو من أحد الأطراف ضد الغير، فإن مثل هذه الدعاوى يسرى في شأنها القواعد العامة في التقادم وليس التقادم الثلاثي الخاص بعقد التأمين، ومن هذه الدعاوى ما يأتي:

- دعوى المسئولية التي ي رفعها المضرور للمطالبة بالتعويض سواء أكانت دعوى مباشرة ضد المسئول (المؤمن له) الذي أمن من هذه المسئولية، أم كانت دعوى غير مباشرة ضد المؤمن التي يستعمل فيها الدائن (المضرور) حقوق مدينه (المسئول).

- الدعوى المباشرة التي يرفعها المضرور ضد المؤمن لمطالبة بالتعويض لتحقق مسئولية المؤمن له التي أمن منها (التأمين من المسئولية)، سواء أكان يستند فيها إلى القانون مباشرة كالتأمين من حوادث السيارات أم كان يستند إلى تعينه في عقد التأمين مستفيداً (الاشتراط لمصلحة الغير).

- دعوى المؤمن له ضد المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه - في التأمين على الأشخاص -  فمثلاً لو أمن شخص ضد الإصابات الجسدية وتسبب آخر في حدوث هذه الإصابات، فيصبح من حق هذا الشخص (المؤمن له) مباشرة دعوى المسئولية ضد الآخر (المسئول) لمطالبته بالتعويض.

- دعوى الحلول القانوني للمؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه - في التأمين على الأشياء – (مادة 38 من قانون التأمينات)

- دعوى صاحب التأمين العيني ضد المؤمن بما له من حق على مبلغ التأمين، لأن مبلغ التأمين يحل محل الشيء الذي يرد عليه حق الرهن أو حق الامتياز… الخ.(مادة 36 من قانون التأمينات)

ج- بطلان الاتفاق على تعديل أجل التقادم لمصلحة المؤمن

الأصل أنه لا يجوز الاتفاق على النزول عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه ولا على مدة تختلف عن التي عينها القانون، إلا أنه يجوز النزول عنه بعد ثبوت الحق فيه.(مادة 322 مدني)

غير أن أحكام التقادم الخاص بالتأمين بعد أن أقرت ذاك الأصل أوردت استثناءً مفاده جواز الاتفاق على تعديل هذه الأحكام متى كان ذلك يحقق مصلحة المؤمن له أو المستفيد. بمعنى أن الاتفاق على ما يخالف تلك الأحكام يقع باطلاً إذا كان لمصلحة المؤمن، ويصح إذا كان لمصلحة المؤمن له أو المستفيد.(مادة 625 مدني).

ففي تقديرنا أن النص الأول يمثل حكماً عاماً والنص الثاني يمثل حكماً خاصاً والقاعدة تقضى بأن الخاص يقيد العام فيما تعارض معه، بالإضافة إلى أن مصدر النصان هو المشرع الذي له المغايرة بين الأحكام وفقاً لمقتضيات المصلحة المراد حمايتهـا.

د- بدء سريان تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين

يسرى التقادم الثلاثي للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين اعتباراً من الوقت التي حدثت فيه الواقعة التي تولدت عنها الدعوى، فمثلاً دعوى مطالبة المؤمن له للمؤمن بمبلغ التأمين، لتحقق الخطر المؤمن منه، تتقادم بثلاث سنوات تبدأ من وقت تحقق هذا الخطر. ودعوى مطالبة المؤمن للمؤمن له بالقسط المستحق تتقادم بثلاث سنوات من وقت حلول أجل الوفاء بالقسط.

غير أنه توجد حالات يبدأ فيهما سريان التقادم في وقت غير وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى، وهي:

الأولى – وقت علم المؤمن بحقيقة ما أخفاه طالب التأمين من بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه أو ما قدمه من بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر. فيبدأ سريان التقادم الثلاثي من هذا الوقت وليس من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى.

الثانية – وقت علم المعنيين بوقوع الخطر المؤمن منه. فالتقادم يبدأ من هذا الوقت وليس من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى.

الثالثة – وقت رفع الغير دعواه إلى المحكمة ضد المؤمن له أو من يوم الحصول على التعويض منه. فالتقادم الثلاثي يبدأ من هذا الوقت وليس من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى.

ثالثا: الاختصاص القضائي في مجال المنازعات الناشئة عن عقد التأمين

يختص القضاء ابتدائيا ونهائيا حسب مختلف درجاته بالنظر في دعاوى التأمين سواء تلك الناشئة عن العقـد. أو غير الناشئة عنه وينبغي التمييز وفقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية والأمر المتعلق بالتأمينات بين الاختصاص النوعي والاختصاص المحلي أو الإقليمي.

أ- الاختصاص النوعي لدعاوى التأمين

إن الأمر المتعلق بالتأمينات لم يضع قواعد تتعلق بالاختصاص النوعي لذا يتعين الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بمقتضى المواد من 32 و 33 منه، وهذا لتحديد الجهة المختصة للنظر في النزاعات المتعلقة بعقد التأمين ويتحدد الاختصاص النوعي بالنسبة لدعاوى التأمين إما على أساس الطبيعة القانونية للعقد في حد ذاته أو على أساس طبيعة الفعل المتسبب في الضرر

وتخضع العقود حسب طبيعتها للقضاء العادي إما القسم المدني بالمحكمة والغرفة المدنية بالمجالس القضائية إذا كان العقد ذو طبيعة مدنية، وإما القسم التجاري بالمحكمة والغرفة التجارية بالمجالس القضائية إذا كانت طبيعة العقد تجارية، ومثاله إذا اتخذت شركة التأمين شكل شركة ذات أسهم كانت شركة تجارية وكان عقد التأمين بالنسبة إليها عقدا تجاريا، أما إذا كانت شركة التأمين شركة ذات شكل تعاضدي أو كانت شركة تعاضدية اعتبرت شركة مدنية وكان عقد التأمين بالنسبة إليها عقدا مدنيا.

أما بالنسبة لمكتتب التأمين وهو الطرف الثاني في العقد فيمكن أن يكون شخصا طبيعيا كما يمكن أن يكون شخصا معنويا، وفي كلا الحالتين يمكن أن يكون مدنيا فيكون العقد بالنسبة إليه عقدا مدنيا ويمكن أن يكون تاجرا فيكون العقد بالنسبة إليه تجاريا وتبعا لذلك إذا كان عقد التأمين مدنيا بالنسبة لطرفيه في حالة ما إذا أبرم بين شخص طبيعي مدني وشركة تأمين ذات الشكـل التعاضدي كانت المحكمة المدنية هي المختصة بالنظر في الدعوى، وإذا كان عقد التأمين تجاريا بالنسبة لطرفيه كما لو أبرم بـين تاجر وشركة تأمين اتخذت شكل شركة المساهمة كانت المحكمة التجارية هي المختصة بنظر الدعوى، أما إذا كان عقد التأمين مدنيا بالنسبة لأحد طرفيه وتجاريا بالنسبة للطرف الآخر كما لو أبرم العقد بين شركة تأمين تجارية وشخص مدني فإن المحكمة المختصة تتحدد بحسب صفة المدعى عليه فإذا كان هذا الأخير تاجرا كانت المحكمة المختصة هي المحكمة التجارية، كما لو كان المدعى عليه شركة مساهمة رفع عليها المؤمن له وهو مدني دعوى بدفع مبلغ التأمين أمام الفرع التجاري بالمحكمة أو كما لو كان المدعى عليه مؤمنا له تاجرا ورفعت عليه شركة التأمين ذات الشكل التعاضدي دعوى لدفع الاشتراكات، وإذا كان المدعى عليه مدنيا كانت المحكمة المختصة هي المحكمة المدنية ومثاله لو كان المؤمن شركة تأمين تعاضدية يرجع عليها المؤمن له التاجر بدفع التعويض عند حدوث الخطر المؤمن عليه، أو كان المدعى عليه شخصا مدنيا فترجع عليه شركة التأمين التجارية (شركة مساهمة) بدفع الأقساط، وتطبق نفس هذه الأحكام لو كان المدعي أو المدعى عليه مستفيدا في عقد التأمين. 

كذلك الحال إذا تعلق الأمر بمنازعة متعلقة بطلب تعويض الأضرار الناتجة عن مركبة تابعة للدولة أو الولاية أو البلدية، أو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري، فيؤول الاختصاص إلى المحاكم العادية وهو ما جاء في نص المادة 802 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهو ما يشكل استثناء المبدأ الذي أوردته المادة 800 و 801 من نفس القانون - والذي يقضي المحاكم الإدارية في الفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام جالس الدولة - في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها ويمثلها في هذه الدعاوى الوكالة القضائية للخزينة.

ب- الاختصاص الإقليمي لدعاوى التأمين

لم تنظم الأحكام الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المواد من 37 إلى 40 منه الاختصاص الإقليمي لدعاوى التأمين  الا أن المادة 26 من الأمر 95-07 المتعلق بالتأمينات الاختصاص الإقليمي في مجال التأمين وضعت الأحكام الخاصة به وهذا على النحو التالي:

1- المبدأ: هو اختصاص المحكمة الكائنة بموطن المؤمن له إذ نصت: "في حالة نزاع يتعلق بتحديد التعويضات المستحقة ودفعها يتابع المدعى عليه مؤمنا كان أو مؤمنا له أمام المحكمة الكائنة بمقر سكن المؤمن له وذلك مهما كان التأمين المكتتب… "، وما يتخلص من نص المادة هو أن مطالبة المؤمن له للمؤمن بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر يكون في المحكمة الكائـن بدائرتها موطن المؤمن له وهذا سواء تعلق الأمر بتأمين على الأضرار أو بتأمين على الأشخاص ويطبق نفس الحكم بالنسبة لمطالبة المؤمن للمؤمن له بدفع الأقساط.

2-  الاستثناءات: لقد تضمنت المادة 26 السالف ذكرها على مجموعة من الاستثناءات حيث نصت عليها بالقول: "… غير أنه في مجال:

- العقارات يتابع المدعى عليه أمام المحكمة التابعة لموقع العقار المؤمن عليه.

- المنقولات بطبيعتها، يمكن للمؤمن له أن يتابع المؤمن أمام المحكمة التابعة لموقع الأشياء المؤمن عليها

- التأمين من الحوادث بكل أنواعها يمكن المؤمن له أن يتابع المؤمن أمام المحكمة التابعة للمكان الذي وقع فيه الفعل الضار "وما يفهم من نص المادة هو استثناؤها للحالات التالية كما يلي:

1- الدعاوى المتعلقة بالتأمين على العقارات يعود الاختصاص فيها إلى المحكمة التابعة لموقع العقار.      

2- الدعاوى المتعلقة بالتأمين على المنقول يرجع الاختصاص إلى المحكمة التابع لها موقع الأشياء المؤمن عليها، وقد أوردت المادة السافلة الذكر الاستثناءين لتسهيل إجراءات المعاينة والخبرة على الشيء سواء أكان عقارا أو منقولا.

3- الدعاوى المتعلقة بالتأمين من الحوادث بجميع أنواعها يكون الاختصاص فيها للمحكمة التابعة للمكان الذي وقع فيه الفعل الضار ولا تهم طبيعة الحادث فيستوي أن يكون حادث مرور أو حادث من نوع آخر كسقوط جسم على شخص، كما يستوي أن يصيب الحادث الشخص في جسمه أو أن يصيب أشياء مملوكة له.

هذا ونشير إلى أنه قد جرى العمل قبل صدور الأمر 95-07 المتعلق بالتأمينات على أن ترفع هذه الدعاوى وفقا لما حددته المادة 08 في فقرتيها الأولى والخامسة  من قانون الإجراءات المدنية الملغى.

المرجع:

  1. د. سوالم سفيان، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، جامعة محمد الشريف مساعدية – سوق أهراس-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الموسم الجامعي 2014-2015، ص61 إلى ص87. 
google-playkhamsatmostaqltradent