التطبيق القضائي لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

التطبيق القضائي لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية 

التطبيق القضائي لآلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية

إن الاحتجاج بالحق من قبل أطراف العلاقة القانونية المبنية على آلية نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية لا سيما من قبل الطرف الضعيف في هذا الإطار، لا يكون له صدى ما لم يحظى بالحماية القانونية اللازمة، وهاته الأخيرة تترجم في شكل دعوى قضائية تنقل الحق ومركز صاحبه إلى القضاء لكي يتصدى له بسلطته.

إن ولوج باب القضاء في هذا السياق يعني بعبارة أخرى طرح منازعة تتعلق بقضية واقعية تخص مرحلة من مراحل نزع الملكية واجراء من إجراءاتها، وذلك دون الخروج على الحدود الموضوعية والإجرائية التي رسمها القانون في هذا السياق، بحيث تكون المصلحة قائمة أو محتملة على الأقل، ومن هنا فإن التطبيق القضائي لآلية نزع الملكية، يظهر في شكل مجموعة دعاوى منها ما تثار ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية ومنها ما تكون ضد قرار قابلية التنازل والقرار النهائي لنزع الملكية، وهو ما سيتم بيانه في ثلاث مباحث متتالية.

المبحث الأول: الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية

تختلف الدعاوى القضائية التي ترفع ضد القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية باختلاف الحق المدعى به وملابسات مصلحة صاحبه، ومن هنا يكون من الحصيف بيان طبيعة الدعوى المرفوعة ضد هذا القرار، ثم التطرق إلى المقتضيات التي ينبغي أن تحاط بها الدعوى القضائية وتسير في ظلها حتى تكون منتجة، وذلك في مطلبين على التوالي.

المطلب الأول: طبيعة الدعوى القضائية المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية

إن للدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية جانبين أولهما يفصح على الطابع الموضوعي لها ،وثانيهما على الطابع الشكلي لها، وذلك ما سيتم توضيحه في فرعين يخصص أولهما للطابع الموضوعي للدعاوى وثانيهما للطابع الشكلي لها.

الفرع الأول: الطابع الموضوعي للدعوى المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية

المقصود بذلك طبيعة الدعوى التي يمكن من خلالها مخاصمة القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية والتي ينبغي أن تكون مؤسسة موضوعيا على حالات مرتبطة مباشرة بالقرار ،وهي عديدة، فهناك دعوى التفسير ودعوى فحص المشروعية ودعوى الإلغاء، وهاته الأخيرة تعد أبرز دعوى قضائية في باب مخاصمة القرار الإداري والتي لها مناط في مقام الحال.

أولا- مفهوم دعوى الإلغاء:

ليس هناك تعريف قانوني تقني مباشر ولا غير مباشر لدعوى الإلغاء، إذ اكتفى القانون بتسميتها على حالها وجعلها وسيلة لتأسيس الخصومة الإدارية، غير أن هناك من الفقه من اعتبرها طريق طعن قضائي يرفع من صاحب المصلحة إلى القضاء المختص قصد حماية حقوقه من تعسف الإدارة مختصما عبرها قرار إداري طالبا إلغاؤه، وعليه فإن ما يطفوا إلى السطح في شأن هاته الدعوى جانبان يختلفان باختلاف المنظار القانوني الذي يوجه لها، فإذا نظر لها كوسيلة شكلية بمظهر عام، فتعرَّف بأنها تلك الآلية المتاحة لذوي الصفة لمخاصمة قرار إداري يلحق الأذى بمركز قانوني سابق لهم.

أما إذا نظر لها كأداة موضوعية بمظهر خاص دقيق يوجه سلاحه نحو النتائج التي أحدثها القرار الإداري، فتعرَّف بأنها أسلوب فني يتم اعتماده بمنهج سليم يستنبط وجها يقدم دفعا ليدحض سببا أنتج أثرا مس مركزا سابقا للمدعي حقا، وعلى كل حال يرتبط المنظار المعتمد بطبيعة المرتكز الذي يعتمد عليه في تحريك الدعوى.

من ناحية أخرى فإن لهاته الدعوى مرتكزات تستند عليها، ومقصود ذلك العيب الذي يلحق القرار الإداري، إذ أن القانون يشترط جملة شروط وضوابط تحتكم إليها الإدارة في اتخاذ قراراتها حتى تكون عقلانية ورشيدة، بمعنى أن للقرار الإداري سلالة قانونية ينبني عليها، أعمدتها أركانه، شكلية كانت أو موضوعية، الاختصاص كأساس عريض يتيح للسلطة صاحبة الشأن المخولة قانونا إصدار القرار الإداري وتخلف ذلك يجعل القرار معيبا بعيب عدم الإختصاص، والسبب باعتباره الدافع أو الحاجة التي أدت لإصدار القرار والتي قد تكون طبيعية تفصح على مقتضيات عادية للتسيير الإداري، أو ضرورية تقتضيها المصلحة العامة، واذا تخلف شيء من ذلك يكون القرار معيبا بعيب مخالفة القانون.

كما أنه إذا استلزم القانون شكلا معينا للقرار الإداري واجراءات يحتكم إليها لإصداره وتنفيذه، فينبغي استيفاؤها والا عد معيبا بعيب الشكل والإجراءات، والركن الآخر للقرار هو الغاية، باعتبارها الهدف المراد تحقيقه من وراء القرار الإداري والذي ينبغي أن يسبغ بعنصر الحاجة العامة كمركب طبيعي للمرفق العام أو مقتضى المصلحة العامة كهدف نهائي له، واذا تخلف شيء من ذلك يكون القرار معيبا بعدم المشروعية.

إن أي عيب من العيوب التي يمكن أن تشوب القرار الإداري ذات طابع شكلي أو موضوعي كانت، لن يكون لها أثر في باب المنازعة القضائية الإدارية ما لم تستند على أحكام قانونية تعتبر مناطا يدار عليه الحكم الأولي بقبول وجه الدعوى من عدمه.

ثانيا- تأسيس دعوى الإلغاء:

يمكن تأسيس دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية على عيب الشكل والإجراءات ، الذي يتحقق في حالة عدم مراعاة الإدارة للقواعد الفنية والإجرائية اللازمة لإصدار القرارات والمحددة في القوانين واللوائح سواء كان ذلك بإهمال للقواعد الكلية أو الجزئية، ومن يثار هذا العيب في حالة عدم التقيد بالمقتضيات القانونية اللازمة لنفاذ القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية والمتمثلة في كل من مقتضى النشر والتبليغ والتعليق، الثابتة بموجب المادة 11 من القانون رقم 91-11 وكذا المرسوم التنفيذي رقم 93-186.

لقد كشف التطبيق القضائي في واقع الممارسة على رفع مثل هاته الدعاوى المؤسسة على الوجه المذكور، وفي هذا الإطار جاء في أحد قرارات مجلس الدولة: «إن شرعية قرار التصريح بالمنفعة العمومية تخضع إلى استيفاء شرط تبليغه تحت طائلة البطلان طبقا لمقتضيات القانون 91-11 المتضمن قواعد نزع الملكية من أجل المنفعة العامة...، حيث أن والي ولاية الجزائر قام بنشر قرار التصريح بالمنفعة العامة بجريدة الشروق المؤرخة في 13-01-2004 إلا أنه لم يقم بإبلاغ المستأنف عليه بالقرار محل الطعن كما تقتضيه المادة 11 من القانون 91-11....حيث وبالتالي فإن المستأنف أخل بأحكام المادة 11 من القانون رقم 91-11، الأمر الذي يجعل القرار محل الطعن الصادر في 29/12/2003 تحت رقم 1908 باطلا،

حيث أن قضاة الدرجة الأولى قدّروا الوقائع أحسن تقدير لذلك يتعين تأييد القرار المستأنف الصادر بتاريخ 04/04/2005 عن الغرفة الإدارية لدى مجلس قضاء الجزائر».

كما يمكن تأسيس الدعوى على عيب مخالفة القانون، بحيث يبرز ويكون معه القرار الإداري غير مشروع؛ إذا كان اعتداء الإدارة على أحكام القانون واضحا ويثور ذلك خصوصا إذا كان محل المخالفة، أملاكا خاصة للأفراّد، تماما في حالة ما إذا خرج  قرار التصريح بالمنفعة العمومية على الأحكام القانونية، بأن يخرج على مقصد إثبات طابع المنفعة العمومية للمشروع ،الأمر الذي يجعله عرضة للإلغاء، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي: «المبدأ: من المقرر قانونا أن نزع الملكية لا يكون ممكنا إلا إذا جاء تنفيذا لتعليمات ناتجة عن تطبيق إجراءات نظامية مثل التعمير والتهيئة العمرانية والتخطيط وتتعلق بإنشاء تجهيزات جماعية ومنشآت وأعمال كبرى ذات منفعة عمومية، ولما كان ثابتا في قضية الحال أن القطعة الأرضية محل نزع الملكية التي منحت للبلدية قد جزئت للخواص وسمحت لهم ببناء مساكن فرّدية مخالفة لأحكام المادة 02 فقرة 02 من القانون رقم 91-11، ومتى كان كذلك استوجب إلغاء القرار المستأنف».  

الفرع الثاني: الطابع الشكلي للدعوى المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية:

المقصود بذلك طبيعة أطراف الدعوى القضائية الرامية لإلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، وكذا شكليات تثبيت صفتهم في عريضة افتتاح الدعوى بمعنى طبيعة البيانات المتعلقة بهم، وهو ما سيتم توضيحه في نقطتين أولا وثانيا.

أولا- طبيعة أطارف الدعوى:

بالنسبة للمدعي هو الشخص المطالب بحق من الحقوق المعترف بها قانونا، أو هو صاحب المصلحة المباشرة في أصل الدعوى القضائية، وقد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا عاما أو خاصا، ويتمثل في مقام الحال في شخص طبيعي، إذ ترفع دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، من قبل الشخص المراد نزع الملكية المفرزة منه أو الأشخاص المراد نزع الملكية الشائعة منهم، المثبتة بسند معترف به قانونا بمعنى ذا حجية في باب إثبات الملكية العقارية.

كما يمكن أن ترفع دعوى إلغاء قرار التصريح بالمنفعة العمومية من قبل شخص أو أشخاص أصحاب حق من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن حق الملكية أو التبعية الناتجة عن علاقة دائنية، ويسوغ لهم ذلك طالما أن القانون أجاز نزع حقوقهم. 

أما المدعى عليه فهو الشخص المرفوعة ضده الدعوى أو الموجه ضده الطلب والمتاح له الدفع القضائي أوليا، كما أنه قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا عاما أو خاصا، ويتمثل في مقام الحال في الشخص المعنوي العام كأصل، أو جهة تتمتع بامتيازات السلطة العامة دون أن تتمتع بالشخصية المعنوية بمعناها الفني التقني المباشر في باب الخصومة القضائية.

من هنا فإن الطرف المدعى عليه يختلف باختلاف السلطة المصدرة للقرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، فإما أن يكون الوالي أو القطاعات الوزارية المشتركة بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية والجماعات المحلية ووزير المالية، واما الوزير الأول الذي يثبت التصريح بموجب مرسوم تنفيذي. 

ثانيا- طبيعة البيانات المثبتة لصفة أطارف الدعوى:

من الناحية التقنية القانونية ينبغي ذكر البيانات المتعلقة بالمدعي في دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، من حيث اسمه ولقبه وموطنه، هذا الأخير يجسد في شكل عنوان مقر سكناه ما لم يكون له موطن مختار، مع لزومية ذكر اسم ولقب المحامي القائم في حقه ومقر مكتبه، باعتبار القضية ذات طابع إداري بحت، كل هذا عملا بما ورد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وفقا لما يلي: «يجب أن تتضمن عريضة افتتاح الدعوى تحت طائلة عدم قبولها شكلا البيانات الآتية:...3- اسم ولقب المدعي وموطنه»، «مع مراعاة أحكام المادة 827 أدناه، ترفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية بعريضة موقعة من محام».   

نفس ما ينطبق على المدعي من بيانات يسري على المدعى عليه، من حيث الاسم واللقب والموطن، أما التمثيل بمحامي فشرط متذبذب في دعوى الحال، وذلك ما يتضح من خلال مقاربة أحكام ما ورد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية: «تعفى الدولة والأشخاص المعنوية المذكورة في المادة 800 أعلاه، من التمثيل الوجوبي بمحام في الإدعاء أو الدفاع أو التدخل، ترفع العرائض ومذكرات الدفاع المقدمة باسم الدولة أو باسم الأشخاص المشار إليهم أعلاه من طرف الممثل القانوني».    

من هنا فإن بيانات المدعى عليه في دعوى إلغاء قرار التصريح بالمنفعة العمومية تختلف باختلاف الجهة التي أصدرته، فإما ترفع الدعوى ضد الولاية ممثلة بالسيد الوالي، واما ضد كل من وزارة الداخلية والجماعات المحلية ممثلة بوزيرها ووازرة المالية ممثلة بوزيرها، وأخيرا ضد وزير القطاع المعني الذي سبق وأن طلب تحريك إجراءات نزع الملكية، إذ يعد تقرير يرفعه للوزير الأول الذي يصرح بالمنفعة العمومية بموجب مرسوم تنفيذي، مثل: وزير الأشغال العمومية في مشروع إنجاز الطريق السريع شرق غرب، إذ تم التصريح بمنفعته العمومية بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05-271 المخرف في 25/07/2005 المعدل والمتمم.

أو وزير النقل في المشروع المتعلق بإنجاز خط للترام في مدينة الجزائر، والذي تم بموجب مرسوم تنفيذي خاص، أو وزير الطاقة ممثلا في المشروع المتعلق بإنجاز قناة لنقل الغاز الطبيعي ذات الضغط العالي والخطوط الكهربائية ذات الضغط العالي والعالي جدا في ولايات قسنطينة وميلة وجيجل، والذي تم التصريح بمنفعته بموجب مرسوم تنفيذي خاص هو الآخر.

المطلب الثاني: مقتضيات الدعوى القضائية المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية

لكي تكون دعوى الإلغاء المرفوعة ضد القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية مقبولة قضاء ينبغي أن توجه إلى الجهة القضائية المختصة، كخطوة أولية وأن تحاط بالشروط المطلوبة قانونا والتي يتم بسط الرقابة عليها من قبل الجهة المختصة، ومن هنا سيتم تحديد الجهة القضائية المختصة في نظر الدعوى في الفرع الأول والى شروط قبولها في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الجهة القضائية المختصة في نظر الدعوى

تختلف الجهة القضائية المختصة في التصدي لدعوى الإلغاء المرفوعة ضد القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية باختلاف الجهة المصدرة لهذا الأخير، حتى  وان اتحدت في طابعها الإداري، لتعلقها بقرار ومخاصمتها لسلطة عامة عملا بالمعيار العضوي في هذا المقام، وعليه فإن الجهة القضائية المختصة إما أن تكون المحكمة الإدارية أو مجلس الدولة.

أولا- المحكمة الإدارية:

تعتبر المحاكم الإدارية قاعد النظام القضائي الإداري في الجزائر، تتشكل من الناحية التنظيمية من مجموعة غرف، وهاته الأخيرة أجاز القانون إمكانية تقسيمها إلى أقسام، كما لها كتابة ضبط، لتعتبر من الناحية الإجرائية جهات الولاية العامة في المنازعات الإدارية، تختص بالفصل في أول درجة بحكم قابل للاستئناف في جميع القضايا التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها.

كما تختص بالفصل في دعاوى إلغاء القرارات الإدارية والدعاوى التفسيرية ودعاوى فحص المشروعية للقرارات الصادرة عن:

- الولاية والمصالح غير الممركزة للدولة على مستوى الولاية، مثل مديريات أملاك الدولة ومديريات الحفظ العقاري التي تعد مصالح خارجية لوازرة المالية.

- البلدية والمصالح الأخرى للبلدية.

- المؤسسات العمومية المحلية ذات الصبغة الإدارية.

بإسقاط هاته الأحكام على موضوع الحال يتضح أن دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية الصادر من قبل الوالي ترفع أمام المحكمة الإدارية للولاية المعنية، وهي نفسها المحكمة التابع لدائرة اختصاصها العقار أو العقارات المصرح بمنفعتها العمومية.

ثانيا- مجلس الدولة:

يعتبر مجلس الدولة هيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية كما يسهر على ضمان توحيد الاجتهاد القضائي الإداري على المستوى الوطني، ويتكون من مجموعة غرف قابلة للتنظيم في شكل أقسام، كما ينعقد في شكل جمعية عامة ولجنة دائمة في باب تقديم الاستشارة المطلوبة منه قانونا.

طبقا للقواعد العامة الثابتة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن مجلس الدولة يختص كدرجة أولى وأخيرة بالفصل في دعاوى الإلغاء والتفسير وتقدير المشروعية في القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية، كما يختص بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة.   

وعملا بالأحكام الخاصة الثابتة في القانون رقم 98-01 فإن مجلس الدولة يفصل ابتدائيا ونهائيا في الطعون بالإلغاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو الفرّدية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.

على هذا الأساس فإن مجلس الدولة هو الجهة القضائية المخولة قانونا التصدي لدعوى إلغاء القرار الوزاري المشترك بين وزير الداخلية والجماعات المحلية ووزير المالية المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، وكذا دعوى إلغاء قرار التصريح الثابت بموجب مرسوم تنفيذي ،وذلك باعتبار أن السلطات المركزية أطراف في النزاع في مقام الحال.

الفرع الثاني: شروط قبول الدعوى

هناك نوعين من الشروط القانونية التي ينبغي توافرها في المدعي صاحب العقار أو الحق العيني العقاري الذي تم التصريح بمنفعته العمومية، تتراوح في الحقيقة بين الشروط العامة في الدعوى، والشروط الخاصة بدعوى الحال، وهو ما يتطلب تخصيص نقطتين أولا وثانيا.

أولا- الشروط العامة لقبول الدعوى:

بالنسبة لشرط اكتفى المشرع باشتراطها لقبول الدعوى وذلك عملا بالمادة 13 فقرة أولى من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الذي جاء فيها: «لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة...»، وهذا ليس من النقص في شيء ذلك أن التعريف اختصاص فقهي أصيل.

فهناك من عرّف الصفة بأنها: «تلك الرابطة القانونية القائمة بين المدعي وحقه المعتدى عليه من جهة، وبيّن المدعى عليه المعتدي على حق المدعي من جهة أخرى»، كما عرّفت بأنها: «تلك العلاقة المباشرة التي تربط المدعي بموضوع الدعوى».

تنقسم الصفة حسب الفقه إلى نوعين، الصفة في الدعوى والصفة في التقاضي، ويعرف الفقه الفرنسي الصفة في الدعوى، بأنها تلك العلاقة القانونية القائمة بين أطراف الدعوى وموضوعها وهي ترجمة للقانون الإجرائي ومسألة من صميم القانون الموضوعي. 

من أجل ذلك يقال بأن صاحب الدعوى يجب أن يطالب بحق لنفسه يحافظ من خلاله على مركزه القانوني، وليس مركز غيره لأن طلب ذلك قضاء سيقابل بعدم القبول، لا لشيء سوى لانعدام العلاقة بين المدعي والحق موضوع دعواه في هذه الحالة.  

بينما الصفة في التقاضي لا تشترط مباشرة صاحب الحق للدعوى بنفسه وانما يسمح لشخص آخر أن يمثله في الدعوى، لتكون بذلك إجرائية، ويقصد بها صلاحية الشخص لمباشرة إجراءات الدعوى على نحو صحيح قانونا باسمه أو لمصلحة غيره تمثيلا له.

بإسقاط ما سبق على موضوع الحال، يكون من اللازم على المدعي إثبات صفته في دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، من خلال تقديم ما يثبت علاقته بالحق المدعى به أي بالعقار أو الحق العيني العقاري المصرح بمنفعته العمومية، ويتسنى له ذلك من خلال تقديم نسخة من السند المثبت للملكية العقارية أو الحق العيني العقاري الأصلي أو التبعي، كما ينبغي عليه إثبات صفته الإجرائية من خلال توكيل محام يباشر الدعوى كونها مرفوعة أمام المحكمة الإدارية.

كذلك بالنسبة للمصلحة اعتبرها المشرع شرطا من شروط الدعوى، وذلك حينما نص في المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: «لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له... مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون».

تعّرف المصلحة بأنها تلك الفائدة التي يجنيها رافع الدعوى من وراء مباشرة دعواه، فإذا انتفت هذه الفائدة العملية رفضت الدعوى لأنها لا تعدوا أن تكون إلا دعوى كيدية والمصلحة نوعان قائمة ومحتملة، وتوصف المصلحة بأنها قائمة أو حالة، عند وقوع الاعتداء الفعلي على الحق المحمي بالدعوى القضائية، مما يجعل من تضرر المركز القانوني للمدعي أمرا مفترضا، بينما توصف بأنها محتملة بأن الاعتداء فيها على الحق محتمل الحصول، وكونه كذلك يعني أنه مستقبلي ومتوقع، ويضيف بعض الفقه بأنه ليس من اللازم لقبول الدعوى ارتباط المصلحة بحق موضوعي قائم، بل يكفي أن يكون للمدعي شبهة حق، يستمد قيمته من صفته المجردة، وسواء تعلق الأمر بالمصلحة القائمة أو المحتملة فينبغي أن تكون شخصية ومباشرة، فيها مساس بالمركز القانوني للمدعي.

من خلال ما سبق يتضح أن المصلحة في دعوى إلغاء القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية محتملة الحصول، ذلك أن التصريح طريق ممهد لقرار نزع الملكية أو الحق العقاري، وقد يلحق هذا الأخير ضرار بالمدعي مستقبلا. 

من هنا تكون المصلحة مسألة موضوعية يتصدى لها القاضي بسلطته التقديرية، من خلال فحص وثائق الدعوى خاصة مضمون القرار المطعون فيه، ويلزم المدعي بتقديم نسخة منه، واذا لم يبلغ به أو تعذر الحصول عليه لأسباب ما، يمكن للقاضي أمر الإدارة بتسليمه في أول جلسة حتى يتسنى للمحكمة المقاربة ما بين السند المثبت للملكية أو الحق العقاري ومضمون قرار التصريح من جهة وادعاءات وطلبات المدعي من جهة أخرى.

ثانيا- الشروط الخاصة لقبول الدعوى:

تتمثل في حقيقة الأمر في شرط جوهري ينبغي الاعتبار له تحت طائلة عدم قبول الدعوى، وهو شرط الأجل، الذي يعتبر قيد زمني على دعوى إلغاء القرارات الإدارية بصفة عامة فرّدية كانت أو جماعية، وذلك عملا بما هو ثابت في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، هذا الأخير الذي نص: «يحدد أجل الطعن أمام المحكمة الإدارية بأربعة (04) أشهر يسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار الفرّدي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي»، كما أنه: «لا يحتج بأجل الطعن المنصوص عليه في المادة 829 أعلاه، إلا إذا أشير إليه في تبليغ القرار المطعون فيه».

مع العلم أن الدعوى المرفوعة ليس لها أثر موقف من حيث الأصل إلا إذا طالب بذلك رافعها، ولقبول طلب وقف التنفيذ ينبغي رفعه بدعوى مستقلة وارفاقه بنسخة من عريضة الدعوى أو من التظلم في حالة وجوده ليتم الفصل فيه عن طريق الاستعجال بموجب أمر، وهو ما يتضح من مضمون النص التالي: «لا توقف الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الإدارية تنفيذ القرار الإداري المتنازع فيه مالم ينص القانون على خلاف ذلك، غير أنه يمكن للمحكمة الإدارية أن تأمر بناء على طلب الطرف المعني بوقف تنفيذ القرار الإداري».

بالرجوع للقواعد الخاصة بنزع الملكية، فإن أجل رفع الدعوى ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية محدد بشهر من تاريخ تبليغه للقرار أو نشره، مع الإشارة إلى أن الدعوى المرفوعة ضد قرار التصريح توقف التنفيذ بمعنى تتوقف باقي الإجراءات اللاحقة عليه.

يعتبر الأثر الموقف للدعوى أحد الحالات الثابتة بنص خاص وهي بمثابة قيد على الأصل العام الوارد في المادة 833 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، مع العلم أن المحكمة الإدارية تفصل في الدعوى خلال أجل شهر، كما يجب عليها أن تفصل خلال أجل شهرين كأقصى حد، وهو ما يتضح من صريح النص: «تفصل المحكمة المختصة في الطعن خلال أجل شهر، تخضع الطعون لقانون الإجراءات المدنية، يجب على الجهة القضائية المختصة بالنظر في الطعن أن تصدر حكمها في أجل شهرين على الأقصى ابتداء من تاريخ الطعن».

ملاحظات:

1- الملاحظ وجود تناقض بين الفقرة الأولى (أجل شهر) والثانية (أجل شهرين) للمادة 14 من القانون رقم 91-11، ولا يفهم وجود علاقة أصل باستثناء بينهما، فلو قصد المشرع ذلك لقرن الأصل بحالات، والاستثناء بحالات باعتبار أن الاستثناء لا يمكن التوسع فيه، والضابط لهذا النطاق يتحقق بتخصيص حالة معينة للاستثناء، وعليه يجب على المشرع وضع حد لهذا التناقض فإما شهر واما شهرين والراجح أولهما تضييقا من الأجل الموقف لسير الإجراءات.

3- وضع المشرع قرينة مفادها أن الحكم القضائي النهائي الفاصل في الدعوى المرفوعة ضد القرار المتضمن التصريح، يعتبر حضوريا بالنسبة لكل شخص سواء كان طرفا في الخصام أم لا، بمعنى سواء حضر أو تغيب، والعبرة من ذلك غلق الباب أمام الإجراءات القضائية التي قد توصل إليها المعارضة المرفوعة ضد القرار الصادر غيابيا.

المبحث الثاني: الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل

رغم أن هذا القرار يعبر على اتفاق بين الطرفين على التنازل إلا أن ذلك لا يعني غياب التنازع في شانه خاصة في مجال التعويض، وعلى غرار الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار التصريح بالمنفعة العمومية، فإن للدعاوى المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل طبيعة معينه ينبغي تناولها بالبحث من خلال مقاربتها مع أحكام هذا القرار، وذلك في المطلب الأول ليتسنى بعدها، بيان المقتضيات القانونية اللازمة حتى تكون هاته الدعاوى ذات أثر، وهو ما سيحتويه بحثا، المطلب الثاني.

المطلب الأول: طبيعة الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل

لما كان للدعاوى جانب مادي موضوعي وآخر شكلي إجرائي، وتبعا لذلك تكون محلا للتصدي والحكم القضائي، فإن للدعاوى المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل ذات الطابع، مما يتطلب تخصيص الفرع الأول للطابع المادي لهاته الدعاوى، والفرع الثاني لطابعها الشكلي.

الفرع الأول: الطابع المادي للدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل

بالنظر لطبيعة القرار الإداري المتضمن قابلية التنازل عن العقارات والحقوق العينية العقارية محل نزع الملكية، وما يحيط به من ملابسات قانونية، فإن المخاصمة القضائية له ،تثبت عن طريق كل من دعوى الإلغاء ودعوى الاشهاد باستلام الأموال، وهو ما سيعنى  بالشرح والبيان تأسيسا للأحكام، في نقطتين على التوال.

أولا- دعوى إلغاء قرار قابلية التنازل:

يمكن تأسيس الدعوى الرامية لإلغاء قرار قابلية التنازل على عيب الشكل والإجراءات، ويتحقق وجه ذلك في حالة تخلف أحد العناصر الواجب ذكرها في مضمون القرار، مثال ذلك: عدم بيان وتوضيح طريقة حساب مبلغ التعويض المعد مسبقا من قبل مصلحة التقييمات العقارية على مستوى مديرية أملاك الدولة، مع العلم أن ذلك ثابت بنص القانون: «...مع بيان مبلغ التعويض المرتبط بذلك وقاعدة حسابه»، وكذا بموجب نص المرسوم: «يشمل القرار المذكور في المادة السابقة على ما يأتي: ...- مبلغ التعويض - طريقة حسابه».

كما يمكن أن تخسس الدعوى على حالة عدم استيفاء إجراء التبليغ للقرار المنصوص عليه هو الآخر قانونا: «يبلغ القرار الإداري الخاص بقابلية التنازل إلى كل واحد من الملاك أو ذوي الحقوق العينية أو المنتفعين...»، وكذا تنظيما: «يبلغ قرار جواز البيع لكل واحد من المالكين أو أصحاب الحقوق العينية...»، كما يمكن أن تؤسس على عيب مخالفة القانون، في حالة المخالفة المباشرة لقاعدة أو أساس قانوني موضوعي، وذلك ما يمكن حصوله بالنسبة لقرار قابلية التنازل، كأن تخالف مصالح مديرية أملاك الدولة القاعدة القانونية لتقييم الأملاك والحقوق المراد نزعها، وهي القيمة الحقيقة للعقارات وفقا للسوق العقارية المحلية، الأمر الذي يجعل من مبدأ العدالة والإنصاف في التعويض ضبابيا للمعني، فيقوم بمخاصمة القرار سعيا لإلغائه.

ذلك أن الحالة الأكثر تداولا في واقع الممارسة القضائية التي تؤسس عليها دعوى إلغاء قرار قابلية التنازل، هي تلك المتعلقة بعدم رضا الشخص بمبلغ التعويض، بمعنى رفع الدعوى في الشق المتعلق بالتعويض، وبناء على ذلك يتم طلب تعيين خبير عقاري للانتقال إلى الميدان واعداد تقرير خبرة جديدة على أساس القيمة الحقيقية الميدانية للعقار، وتبقى السلطة التقديرية للمحكمة في الاستجابة للطلب القضائي أو رفضه ابتداء، والمصادقة على تقرير الخبرة أو عدمه انتهاء، على أساس أن العبرة بالتقييم المنجز وقت عملية النزع من قبل مصالح أملاك الدولة طبقا للمادة 21 فقرة 03 من القانون، والمادة 32 فقرة 03 من المرسوم.

ذلك ما ذهب إليه مجلس الدولة في أحد قراراته بالمضمون التالي: «...حيث التمس المستأنف تعيين خبير مختص في الشؤون العقارية للانتقال إلى القطعة الأرضية موضوع النزاع، وتحديد قيمتها نقدا...حيث أصدر مجلس قضاء تبسة قرارا تمهيديا قضى بتعيين خبير عقاري بتاريخ 02/11/2003، حيث أن الخبير أنجز المهمة المسندة له وتوصل في خلاصة تقريره إلى أن مبلغ التعويض عن نزع الملكية يقدر ب:5292.000.00 دج مستندا على سعر 1.350.00 دج للمتر المربع،...حيث أن التقييم الذي اقترحه الخبير مبالغ فيه ويتعين خفضه إلى حد معقول، لذلك يتعين تأييد القرار المستأنف عن الغرفة الإدارية لمجلس قضاء تبسة مبدئيا، وتعديلا له بخفض مبلغ التعويض المحكوم به ليصبح 1960.000.00 دج».

كما جاء في قرار آخر لمجلس الدولة: «... حيث بالفعل فإن طلب إدخال الوكالة الوطنية للسدود في الخصام من طرف المستأنف عليهم مؤسس لأن العملية تمت لفائدتها لإنجاز سد كودية اسردون، حيث أن المادة 21 من القانون 91-11 المتضمن قواعد نزع الملكية تنص صراحة بأن التقييم يكون محددا وقت قيام مصالح أملاك الدولة بتقييم الأملاك...لهذا الأساس قرر مجلس الدولة تأييد القرار مبدئيا وتعديلا له، إدخال الوكالة الوطنية للسدود في الخصام مع القول أن التعويض يكون محددا وقت قيام مصالح أملاك الدولة بالتقييم...».

بالمقابل يمكن تصور رفع دعوى إلغاء قرار قابلية التنازل من طرف الإدارة المستفيدة من تحريك الإجراءات، وذلك إذا أرت أن مبلغ التعويض المذكور فيه والمقدر من قبل مصالح أن ملاك الدولة، مبالغ فيه ويتجاوز المبلغ المرصود مسبقا في إطار الملف المالي للمشروع.

ثانيا- دعوى الاشهاد باستلام الأموال:

جاء في إطار أحكام القانون رقم 91-11 أنه: «للسلطة الإدارية المخولة أن تطلب عند الضرورة من الجهة القضائية المختصة الاشهاد باستلام الأموال ويصدر القرار القضائي حينئذ حسب إجراء الاستعجال، ينشر القرار القضائي الخاص باستلام الأموال بالسجل العقاري دون المساس بالموضوع»، تدفع هاته المادة للتساؤل حول طبيعة السلطة الإدارية المخولة، التي يمكنها للضرورة رفع دعوى استعجاليه أمام المحكمة المختصة قصد الاشهاد باستلام الأموال؟

في ظل عدم ورود مثل هذا النص في إطار التنظيم أي المرسوم التنفيذي رقم 93-186، والذي كان من المفترض أن يوضح مقصوده ويشرح أحكامه، وفي ظل عدم سريان هذا النص في واقع الممارسة القضائية على حد ما هو معلوم، فإن ما يقتضيه التحليل بروز احتمالين ،يجعلان من الوالي والخزينة العمومية للولاية محلا للمقاربة. 

باعتبار أن الوالي صاحب السلطة في تحريك واستكمال ومتابعة إجراءات نزع الملكية، يمكنه في حالة ما إذا رفض المعني استلام مبلغ التعويض المودع لدى الخزينة العمومية أن يرفع دعوى استعجاليه يلتمس فيها إلزام المنزوع منه الملكية أو الحق، باستلام الأموال مع الاشهاد على ذلك؛ رغم صدور قرار قضائي سابق في الموضوع لصالح قرار قابلية التنازل.

كما يمكن تصور رفع الدعوى من طرف الخزينة العمومية للدولة على مستوى الولاية، وهو الاحتمال الأقرب للصواب، لاعتبار قانوني فني شكلي، على أساس أن المادة 28 المذكورة وردت مباشرة بعد المادة 27 التي تنص: «يودع مبلغ التعويض الممنوح للمعني لدى الهيئة المختصة...»، مما يفهم معه أن مصطلح السلطة الإدارية المخولة يحمل على السلطة المختصة بتلقي مبلغ التعويض، وهي الخزينة العمومية.

الاعتبار الآخر قانوني موضوعي، يتمثل في حالة الضرورة التي تعتبر قيد على الدعوى الاستعجالية المقصودة، لتتمثل في مقام الحال، في حالة ضرورة تسديد النفقات والمبالغ

المرصدة الواضحة التخصيص (المالك أو صاحب الحق معروف)، وذلك قصد استكمال العمليات المحاسبية اللازمة لضبط الوضعية المالية لدى الخزينة، خاصة إذا تزامنت واقعة رفض الاستلام مع نهاية السنة المالية، أين يصبح من الضروري توقيف السجلات المحاسبية والمالية لدى الخزينة العمومية، وما يتصل بذلك من إجراءات أخرى للرقابة.

تصدق هاته الحالة إذا ما كان المالك أو صاحب الحق معروفا، أما في حالة عدم توصل التحقيق الافتتاحي والتحقيق الجزئي من بعده لتحديد هويته، فتنعدم الضرورة المقصودة كون مبلغ التعويص يصب لمدة خمسة عشرة سنة، في حساب خاص يتعلق بالتعويضات عن نزع الملكية قيد الإنتظار، ورغم ما سبق فالأجدر بالمشرع الجزائري أن يوضح السلطة الإدارية المخولة رفع دعوى الاشهاد باستلام الأموال، عن طريق تسميتها صراحة في نص المادة 28 من القانون رقم 91-11، تسهيلا للعمل القضائي الإجرائي وغلقا لباب التأويل الفقهي.

ما تجدر الإشارة إليه أن المشرع ألزم بضرورة شهر الأمر الاستعجالي القاضي بالاشهاد باستلام الأموال لدى المحافظة العقارية، وذلك أمر غريب من الناحية القانونية، كون إجراء الشهر يتعلق بالتصرفات الواردة على العقارات والحقوق العينية العقارية، سواء المنشئة أو الناقلة أو الكاشفة أو المنهية لها..، بينما أمر الاشهاد باستلام الأموال لا يرقى موضوعه ليعتبر حقا عينيا، فهو مجرد إثبات لواقعة مادية وان تم اعتباره حقا، يكون شخصيا يتعلق بمبلغ التعويض.

الفرع الثاني: الطابع الشكلي للدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل

مقصود ذلك تحديد الأطراف الممثلة في الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل والتي يتم ذكرها في عريضة افتتاح الدعوى، وسيتم التركيز على دعوى الإلغاء باعتبارها ثابتة التأسيس القانوني بموجب النص العام والخاص، على عكس دعوى الاشهاد باستلام الأموال التي عرفت تذبذبا في هذا الإطار على نحو ما سبق ذكره، ليتراوح أطراف دعوى الإلغاء، بين أطراف أصلية وأخرى غير أصلية، وهو ما سيتضح في النقطتين التاليتين. 

أولا- الأطراف الأصلية في الدعوى:

إذا كان المشروع ممولا بشكل مباشر من الجهة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية، بمعنى يكون تمويل المشروع المتضمن مبلغ التعويض نابع من الميزانية الخاصة لها، وهو ما يتضح من خلال الملف الأولي اللازم لتحريك الإجراءات ولإصدار قرار فتح التحقيق وتعيين اللجنة، إذ ينبغي توضيح الإطار المالي للتمويل، وهو ما يتضح من صريح النص الذي حمل الصياغة التالية:« يخضع تطبيق الإجراء الخاص بنزع الملكية لتكوين المستفيد ملفا قبل ذلك يشمل ما يأتي:- تقريرا بيانيا للعملية واطار التمويل».

فإن الشخص أو الأشخاص المراد نزع الملكية أو الحقوق العينية العقارية منهم يكونون في مركز المدعي، ويرمون من خلال الدعوى إلى إلغاء القرار المتضمن قابلية التنازل في حالة ما إذا كان معيبا بعيب ثابت، أو إلى إلغائه جزئيا، وذلك في الحقيقة طلب يستهدف تعديل القرار في الشق المتعلق بالتعويض، من خلال تقديم طلب قضائي بتعيين خبير عقاري تراه المحكمة مناسبا للانتقال إلى الميدان  واجراء عملية التقييم واعداد تقرير بذلك.

أما المدعى عليه فيكون الوالي من جهة ممثلا للولاية المعنية، باعتباره مصدر قرار قابلية التنازل، والجهة المستفيدة من جهة أخرى ممثلة بمديرها، باعتبارها ممولة للمشروع بشكل مباشر ومتحملة عبئ التعويض الذي حدده قرار قابلية التنازل ولم ينل رضا المدعي أو المدعين.

أما إذا تبيّن أن المشروع ممولا بشكل غير مباشر من خزينة الدولة، ويتولى الوالي الإشراف على عملية التنفيذ المالي لذلك، باعتباره ممثلا للدولة ومفوضا للحكومة على المستوى المحلي؛ كما هو الشأن في المشاريع المخصصة لمختلف المديريات الولائية، فهنا ترفع الدعوى من الشخص أو الأشخاص المراد نزع ملكيتهم أو حقوقهم العقارية ضد الوالي المصدر لقرار قابلية التنازل، ويختلف الطلب القضائي باختلاف مصلحة المدعي أو المدعين.

لا داعي في هاته الحالة لتكون الجهة المستفيدة طرف أصلي في الدعوى، كون العلاقة القانونية ومسألة وجود المصلحة المشروعة أو عدمها تجمع بين المالك وصاحب الحق من جهة والوالي من جهة أخرى، ومما ثبت في واقع الممارسة القضائية في هذا الإطار ما يلي:«...حيث أن عملية النزع من أجل المنفعة العمومية من أجل إنجاز مقبرة الشهداء بالشريعة سجلت على عاتق الدولة ممثلة في شخص الوالي، إذ يتعلق الأمر ببرنامج نمو قطاعي ممول من ميزانية الدولة، ومن ثمة فإن مسؤولية دفع التعويض عن النزع تكون على عاتق الدولة ممثلة من طرف الوالي على المستوى المحلي...»، ويمكن التثبت من إطار التمويل من خلال فحص فحوى قرار قابلية التنازل المبلغ، والذي ينبغي أن يبين النفقات التي تغطي عملية النزع عملا بالمادة 10 من القانون ومرسومه التنفيذي.

ثانيا- الأطراف غير الأصلية في الدعوى 

لما كان من الثابت قانونا جواز إدخال الغير ليمكن مخاصمته كطرف أصلي في الدعوى للحكم ضده، أو لإلزام الغير بالحكم الصادر ضد المدخل في الخصام، وذلك بطلب من قبل أحد أطراف الخصومة، كما يكون للقاضي أمر أحد الخصوم بإدخال من يرى أن إدخاله مفيد لسير العدالة واظهار الحقيقة، فالعبرة من الإدخال جعل الحكم حجة على الغير والحكم عليه بذات الطلبات القدمة في الدعوى الأصلية.

فإنه يمكن للشخص أو الأشخاص المراد نزع ملكيتهم أو حقوقهم والمبلغين بقرار قابلية التنازل، تقديم طلب إدخال مديرية أملاك الدولة في الخصومة القضائية الرامية لإلغاء القرار، ذلك أنها الجهة التي قامت بعملية تقييم العقارات والحقوق العينية العقارية المراد نزعها، وهذا التقييم يعتبر أساس للتعويض المذكور في قرار قابلية التنازل المبلغ للمعني، ويكون المغزى من إدخالها في الدعوى تمكين المالك أو صاحب الحق من الحكم ضد الوالي المصدر للقرار، وكذا إظهار الحقيقة من خلال أكثر توضيح للمعايير المعتمد عليها في عملية التقييم، فذلك ما قد يكشف على عدم عدالة وانصاف مبلغ التعويض، خاصة إذا قام القاضي بمقارنته مع ما يتوصل إليه الخبير العقاري المكلف بالتقييم من جديد. 

من الناحية الشكلية التقنية يتطلب إدخال مديرية املاك الدولة ذكرها في العريضة مع تحري دقة التمثيل القضائي لها باعتبارها تفتقد للشخصية المعنوية ،لتظهر تقنيا وفق العبارة التالية: "ضد: الدولة ممثلة بالسيد وزير المالية وبتفويض منه ضد مديرية أملاك الدولة لولاية كذا ممثلة بمديرها الولائي... مدخلة في الخصومة"، مع العلم أن للتفويض المذكور أساسه.

بالمقابل ولما كان الثابت من الناحية القانونية أن التدخل الاختياري يكون أصليا أو فرعيا ،أصليا عندما يتضمن إدعاءات لصالح المتدخل وفرعيا عندما يدعم ادعاءات أحد الخصوم في الدعوى، ولا يقبل التدخل إلا لمن كانت له مصلحة للمحافظة على حقوقه في مساندة هذا الخصم، فإنه يمكن لمديرية أملاك الدولة تقديم طلب تدخل أصلي أو فرعي في الخصومة، إما للدفاع عن التقييم المعد من قبل مصالحها فيكون أصليا، أو لتقديم طلبات ودفوع تدعم طلبات ودفوع الولاية، فيكون تدخلها فرعيا، وتتحد المصلحة هنا بين المديرية والولاية لتظهر في مقصد حماية المال العام.

مما جاء في التنظيم العملي الملزم لمديريات أملاك الدولة، في هذا الإطار ما يلي:

«...في كل الأحوال واذا ما تم تقديم طعن أمام الجهة القضائية المختصة في الآجال المحددة فإنه يتعين الدخول في الخصام واتخاذ كل الإجراءات من قصد:- الدفاع عن التقييم المعد من طرف مصالحكم مستندين في ذلك على دفوعات فعّالة وموضوعية، والتي يجب أن تكون مدرجة في تقرير التقييم،- إزالة احتمالات كل العناصر أو الدفوعات غير الموضوعية التي تم الأخذ بها من طرف الخبير المعين لهذا الغرض من طرف القاضي المختص، وفي كل الأحوال حماية مصالح الدولة...».

المطلب الثاني: مقتضيات الدعاوى القضائية المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل

حتى تكون الدعاوى القضائية التي يثيرها قرار قابلية التنازل مقبولة قضاء وذات أثر قانونا، ينبغي أن ترفع أمام الجهة القضائية المختصة، وكذا أن تستوفي الشروط اللازمة التي حددها القانون، هاته الأخيرة تتصدى لها الجهة المختصة للتقرير بوجودها أو عدمها ليتوقف على ذلك مصير الدعوى، ومن هنا سيقسم هذا المطلب لفرعين، يخصص أولهما لبيان الجهة القضائية المختصة، وثانيهما لشروط قبول الدعوى. 

الفرع الأول: الجهة القضائية المختصة في نظر الدعوى

بالنظر لطبيعة الدعوى القضائية التي يثيرها قرار قابلية التنازل، والتي تتراوح ما بين دعوى الإلغاء ودعوى الاشهاد باستلام الأموال، يتقرر الاختصاص القضائي في نظرها، إذ ينعقد للمحكمة الإدارية كقضاء موضوع بالنسبة لدعوى الإلغاء، وكقضاء استعجالي بالنسبة لدعوى الاشهاد باستلام الأموال، الأمر الذي يتطلب تخصيص نقطتين لكل منهما.

أولا- المحكمة الإدارية كقضاء موضوع:

تتصدى المحكمة الإدارية المختصة، أي محكمة مكان وجود العقار أو العقارات المراد نزع ملكيتها، للطلبات الأصلية للدعوى وكذا الطلبات الإضافية أو العارضة أو المقابلة، لتختص في نظر دعوى الإلغاء المرفوعة ضد قرار قابلية التنازل، التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة الإدارية، طبقا للقواعد العامة الثابتة في كل من المادة 800 والمادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وذلك عملا بالمعيار العضوي كون الولاية طرف في الدعوى.

يستوي حكم الاختصاص الموضوعي للمحكمة الإدارية في نظر دعوى إلغاء قرار قابلية التنازل، سواء في حالة ما إذا كان المشروع مسجلا باسم الدولة تحت إشراف الوالي ،أو باسم الجهة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية، خاصة إذا كانت مديرية من المديريات المحلية، كونها مؤسسة ذات صبغة إدارية فتبقى تحت مضلة الحكم العام لنص المادة 800.

لا يطرح إشكال يثير المفارقة في انعقاد اختصاص المحكمة الإدارية، إذا كانت الجهة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية ذات صبغة غير إدارية، في شكل مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري أو اقتصادي، كون العبرة في مقاضاتها بالسلطة الوصية عليها مثل مديرية الطاقة بالنسبة لمختلف مشاريع مؤسسة سونلغاز، وكذا بالطابع المادي للمشروع الذي يبقى في إطار المنفعة العمومية، وفي جميع الحالات فإن الوالي هو السلطة المخولة في النهاية إصدار قرار قابلية التنازل.  

ثانيا- المحكمة الإدارية كقضاء استعجالي:

يعتبر قضاء الاستعجال فرعا من فروع القضاء الإداري هدفه الرئيسي الحيلولة دون المساس بالحق، من خلال التدخل لاتخاذ التدابير المؤقتة المناسبة، وتتعدد الحالات التي تبرر تدخل القضاء الاستعجالي من الناحية القانونية، وأبرز ذلك ما يعرف بمادة إثبات الحالة، والتي تبرر لقاضي الاستعجال الأمر بإثبات الوقائع ولو في غياب قرار إداري مسبق عن طريق أمر على عريضة ينفذ واقعيا من طرف محضر قضائي أو خبير يراه القاضي مناسبا.

إن الدعوى التي تندرج ضمن مادة إثبات الحالة في مقام الحال، هي دعوى الإشهاد باستلام الأموال المرفوعة إما من طرف الوالي مصدر قرار قابلية التنازل أو مدير خزينة الولاية باعتبارها جهة مخولة استقبال الأموال المودعة على سبيل التعويض، والتي تتحقق حسب البعض كونها تعبر عن الخشية من ضياع معالم واقعة معينة، فتلحق بذلك الضرر بالمدعي. إذ يتم من خلال دعوى الاشهاد السعي لاستصدار أمر استعجالي يسمح بإثبات واقعة رفض الشخص أو الأشخاص المراد نزع ملكيتهم أو حقوقهم، لمبلغ التعويض المودع لدى الخزينة العمومية، كما يمكن جعل مقصد الأمر الاستعجالي مناطا للاسقاط، وهو إثبات واقعة استلام الأموال وذلك سر من أسرار جعل الاشهاد وسما لهاته الدعوى.

أما الضرر في مقام دعوى الحال فثابت، مبررٌ بقرينة تعطل سير المهام المالية المحاسبية التي تقوم بها الخزينة العمومية على مستوى الولاية، وكذا الخشية من المساس بالحقوق المالية للدولة وتعطيل باقي الإجراءات الإدارية الرامية لاستكمال عملية نزع الملكية.

الفرع الثاني: شروط قبول الدعوى

تتراوح شروط قبول الدعوى ما بين شروط عامة وأخرى خاصة، سواء بالنسبة لدعوى الإلغاء المرفوعة مباشرة ضد قرار قابلية التنازل، أو دعوى الاشهاد باستلام الأموال التي يثيرها هذا القرار، ولما كان كذلك سيقسم الفرع لنقطتين، تخصص الأولى للشروط العامة والثانية للشروط الخاصة، مع بيان مناط كل دعوى من تلك الشروط.

أولا- الشروط العامة لقبول الدعوى: 

لما كان الثابت حسب المادة 13 المذكورة، عدم جواز التقاضي لأي شخص إلا إذا كانت له صفة ومصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون، فإنه يجب لإثبات توافر شرط الصفة في الشخص أو الأشخاص المراد نزع ملكيتهم أو حقوقهم العقارية، تقديم ما يثبت الحق المدعى به

في ملف موضوع القضية، ويختلف ذلك باختلاف المركز القانوني للمدعي، فإذا كان مالكا فينبغي أن يقدم نسخة من الوثيقة المثبتة لملكيته، في شكل دفتر عقاري، أو سند ملكية مشهر. 

واذا كان له حق محل نزاع قضائي فينبغي استصدار حكم نهائي لصالحه، مع لزومية إيداعه للشهر العقاري واستيفائه كافة مستلزمات ذلك تقنيا، أما إذا كان صاحب حق عيني عقاري أصلي أو تبعي، فينبغي تقديم نسخة من السند المنشئ للحق، ويختلف باختلاف الحق في حد ذاته، مثل العقد التوثيقي المنشئ لحق الانتفاع، أو نسخة من العقد المنشئ للرهن الرسمي أو الحيازي، أو من الحكم القضائي المنشئ لحق التخصيص، مع ملاحظة ضرورة إيداع نسخة من قرار قابلية التنازل المبلغ له مالكا كان أو صاحب حق عيني عقاري.

أما بالنسبة لشرط المصلحة في دعوى إلغاء قرار قابلية التنازل، فقد تكون قائمة أو محتملة بالنظر لما يحيط بالقرار من ملابسات مخثرة على مركز المدعي، فقد تكون له فائدة عملية مباشرة نابعة من صميم أحكام القانون في رفع الدعوى، والمثال الأوضح لذلك، عدم الرضاء بمبلغ التعويض المحدد في القرار كونه لا يساوي القيمة الحقيقة للعقار أو العقارات المعنية بالنزع مع العلم أن القانون يقر له الحق في التعويض العادل والمنصف، كما قد تكون تلك الفائدة محتملة بحيث تهدد مركزه القانوني كمالك أو كصاحب حق، ومثال ذلك في حالة عدم تبليغه بالقرار، فيكون للمدعي المصلحة في التحرز لما قد يمس بحقوقه المالية بفعل القرار المعيب عن طريق رفع دعوى إلغائه بغض النظر عن مآلها النهائي، فالعبرة من شرط الحال أولية تجيز نقل الحق بين يدي القضاء لا نهائية تحتم القضاء لصالح الحق المدعى به. 

أما بالنسبة لدعوى الاشهاد باستلام الأموال كدعوى يثيرها قرار قابلية التنازل، فإن ما يقوم مقام الشروط العامة فيها، تحقق تلك الحالة التي تضفي الاستعجال كطابع لها، ومقصود ذلك، حالة الضرورة، هاته الأخيرة التي تنم على وجود مصلحة معينة ولو بشكل ضمني، أو كما يسميها البعض حالة الخطر الذي يهدد حقا من الحقوق.

فإذا تمكنت السلطة الإدارية المخولة رفع دعوى الاشهاد كما سمّاها المشرع، من إثبات وجود تلك الضرورة، فإن القبول سيكون مصيرا للدعوى، ولما كان الأقرب لعين الصواب في ظل غموض نص المادة 28 من القانون رقم 91-11، أن الخزينة العمومية للدولة على مستوى الولاية تمثل السلطة المخولة رفع الدعوى، فإنها هي الجهة المطالبة بإثبات حالة الضرورة، وسبق الإشارة للمقتضى العام لذلك، والذي يتمحور حول ضرورة السير الحسن للمصلحة وعدم تعطيل مقصد الخدمة العمومية المقدمة، والمحافظة على المال العام ككل.

ثانيا- الشروط الخاصة لقبول الدعوى:

هي في الحقيقة شرط واحد، غير أنه عرف تذبذبا في النص الخاص، بين كل من دعوى الإلغاء ودعوى الاشهاد باستلام الأموال، إذ بيّن المشرع الأجل الذي ينبغي التقيد به لرفع الدعوى الرامية في جوهرها لإلغاء قرار قابلية التنازل، إذ جاء في القانون: «يرفع الطرف المطالب الدعوى أمام الجهة القضائية المختصة في غضون شهر من تاريخ التبليغ إلا إذا حصل اتفاق بالتراضي»، كما جاء في المرسوم التنفيذي: «إذا تعذر الاتفاق بالتراضي أمكن الطرف المستعجل رفع دعوى أمام القاضي المختص خلال الشهر الذي يلي تاريخ التبليغ»، فإذا لم ترفع الدعوى خلال هذا الأجل ففي ذلك دلالة على قبول التعويض. 

إن الطرف المستعجل وفقا للسياق الوارد في النص معناه الذي له مصلحة وليس مقصودة الجهة القضائية الاستعجالية بالضرورة، والذي يظهر من النصين أن الطرف المطالب أو المستعجل إما أن يكون الشخص أو الأشخاص المراد نزع ملكيتهم أو حقوقهم، واما ان يكون الإدارة المستفيدة الراغبة في إنجاز المشروع المزمع، وذلك في أجل شهر من التبليغ.

رغم ذلك اقتصر المشرع بالنص على تبليغ المعني أي المالكين أو أصحاب الحقوق، دون الإدارة المستفيدة، وذلك نقص تشريعي يفتح مجالا للتأويل في باب المنازعة القضائية، وعليه فالأجدر بالمشرع تعديل نص المادتين بتضمينهما شرط التبليغ إلى الإدارة المعنية.

بالمقابل لم يبين المشرع الأجل المتاح لرفع الدعوى الاستعجالية الرامية للاشهاد باستلام الأموال في إطار نص المادة 28 من القانون رقم 91-10، ولا في مرسومه التنفيذي من باب أولى، وذلك مبرر بالنظر لطبيعة هاته الدعوى، كونها لا تحتاج إلى تقييد بأجل معين وهو أمر مفترض كون صاحب الدعوى هو الذي يهمه التعجيل في رفعها في أقرب الآجال.

بالرجوع للقواعد العامة الثابتة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بخصوص الآجال ،يتضح أن المشرع بيّن الآجال التي ينبغي احترامها في البداية عند الإخطار بالجلسة، إذ يجوز تقليص الأجل من عشرة أيام إلى يومين بأمر من رئيس تشكيلة الحكم، كما يفصل القاضي الإداري في القضية المستعجلة خلال آجال ثمانية وأربعون ساعة من تاريخ تسجيل الطلب.

وعند الطعن تظهر خصوصية الأوامر الاستعجالية، إذ يفصل فيها خلال أجل ثمانية وأربعون ساعة في حالة استئنافها أمام مجلس الدولة، وعموما فإن حالة الضرورة هي التي تبرر خصوصية الآجال في الدعاوى الاستعجالية وأحكامها، لتسري على دعوى مقام الحال.

المبحث الثالث: الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية

لما كان القرار النهائي لنزع الملكية أكثر القرارات المخثرة على المركز القانوني للشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية أو الحق العيني العقاري؛ كونه يضع حدا له، فإنه يثير دعاوى قضائية متنوعة بالنظر للملابسات المرتبطة به ينبغي الوقوف عليها بالطرح، كما أن تلك الدعاوى وحتى تكون ذات أثر مباشر ينعس بالإيجاب على ذلك المركز تحقيقا لمقصد حمايته ،ينبغي أن تسير في ظل النسق القانوني المقبول من خلال التقيد بالمقتضيات اللازمة، وعلى هذا الأساس سيقسم هذا المبحث لمطلبين يكشف الأول على طبيعة الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية، ويقف الثاني على المقتضيات اللازمة في تلك الدعاوى.   

المطلب الأول: طبيعة الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية

للدعاوى القضائية التي يمكن رفعها ضد القرار النهائي لنزع الملكية طابعين يكشفان على الإطار العام لها، الطابع الموضوعي الذي يسمح بتحديد ماهية تلك الدعاوى، والطابع الشكلي، الذي يم كن من الإفصاح عليها في ظل نسق يجمع ما بين التقنية والإجرائية المقبولة قانونا، وذلك سيتم بحثه في فرعين يخصصان لكل جانب.

الفرع الأول: الطابع الموضوعي للدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية

تختلف الدعاوى القضائية التي يمكن رفعها ضد القرار النهائي لنزع الملكية باختلاف طبيعة الحق المدعى به ومركز صاحبه، غير أن أبرز الدعاوى التي ترفع ضد هذا القرار والموجودة في واقع الممارسة القضائية، هي كل من دعوى الإلغاء والدعوى الرامية إلى التعويض، اللتان تختلفان في أحكامهما، الأمر الذي يتطلب تخصيص نقطة مستقلة لكل منهما.  

أولا- دعوى إلغاء القرار النهائي لنزع الملكية:

يمكن تأسيس الدعوى على عيب مخالفة القانون من طرف الإدارة النازعة، وذلك في حالة عدم قيام الوالي بإصدار القرار النهائي لنزع الملكية خلال الأجل القانوني، والمحدد بأربع سنوات أو ثمانية سنوات كحدود زمنية قصوى، وذلك من تاريخ صدور القرار المتضمن التصريح بالمنفعة العمومية، مع العلم أن أجل أربع سنوات هو قيد على الوالي بالنسبة للمشاريع العادية، والثمانية سنوات قيد زمني بالنسبة للمشاريع الكبرى ذات المنفعة الوطنية.

لقد ثبت في واقع الممارسة القضائية تأسيس دعوى الإلغاء على هاته الحالة واعتبار القرار معيبا بعيب مخالفة القانون، ومن ثم تم الحكم بإلغائه، وفي هذا الإطار جاء في أحد قرارات مجلس الدولة: «من المقرر قانونا وفي إطار نزع الملكية للمنفعة العامة أن المادة 10 من قانون 91-11 يلزم الولاية بأخذ قرار نزع الملكية خلال 04 سنوات التي تتبع قرار التصريح بنزع الملكية وأن لها حق تجديد هذه المدة مرة واحدة، وثابت في قضية الحال أن الولاية لم تحترم هذه الإجراءات مما يجعل قرار نزع الملكية محل النزاع مخالف للقانون...حيث يستنتج مما سبق أن قضاة الدرجة الأولى أصابوا في تحليلهم لما اعتبروا قرار نزع الملكية رقم 0817 المؤرخ في 12/10/1999 مخالف للقانون رقم 91-11 المؤرخ في 27/04/1991 ويتعين تأييد قرارهم». 

كما يمكن تأسيس الدعوى على عيب مخالفة القانون من طرف الإدارة المستفيدة، في حالة مخالفة نص المادة 32 من القانون رقم 91-11، التي جاء فيها: «إذا لم يتم الانطلاق الفعلي في الأشغال المزمع إنجازها في الآجال المحددة في العقد أو القرارات التي ترخص بالعمليات المعنية يمكن أن تسترجع ملكية العقار بناء على طلب المنزوع منه أو أصحاب الحقوق».

فإذا أثبت المدعي أن الإدارة المستفيدة لم تباشر الأشغال خلال الآجال المحددة في قرار نزع الملكية، فله أن يرفع دعوى يطالب فيها بإلغاء هذا الأخير، ويطالب بالنتيجة باسترجاع الأصل أو الأصول العقارية المنزوعة، وقرينة العلم بالتاريخ المحدد للانطلاق الفعلي في الأشغال مفترضة للمدعي، على أساس أنه   يبلغ بالقرار.

رغم ذلك اعتبر مجلس الدولة أن للمدعي الحق في استرجاع العقار المنزوع دون أن يكون له الحق في إلغاء القرار؛ وهو تكييف غريب من طرفه، وذلك في القضية القائمة بين ورثة ف .ع  ووالي ولاية تيزي وزو، ومما جاء في قراره: «...يجوز لأصحاب العقار المطالبة باسترجاع العقار محل نزع الملكية خلال الأجل المحدد والمطالبة تنصب على الاسترجاع وليس على إلغاء القرار».

ما تجدر الإشارة إليه أنه بالإمكان تأسيس دعوى الإلغاء على عيب الشكل والإجراءات، إذا لم يتم تبليغ القرار إلى الشخص المنزوع منه الملكية أو لا يتم استكمال عملية الشهر العقاري، وذلك على أساس ما نصت عليه المادة 30 من القانون والمادة 41 من المرسوم. 

ثانيا- الدعوى الرامية إلى التعويض: 

لما وضع المشرع ضمانة قانونية تحفظ حقوق الأشخاص من خلال إيداع مبلغ التعويض لدى الخزينة العمومية والذي قد لا يتناسب مع قيمة العقارات، فإنه يمكن للشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية رفع الدعوى الرامية للحصول على التعويض الثابت في القرار النهائي لنزع الملكية، كما يمكن تصور رفع هاته الدعوى من قبل الشخص أو الأشخاص غير الموجودين وغير المعروفين أثناء سير إجراءات نزع الملكية، ابتداء من افتتاح التحقيق إلى غاية صدور القرار النهائي، إذ أن حقهم هنا يتعلق بالمقابل المالي الذي يرصد على سبيل التعويض.

ليكون لهم خمسة عشرة سنة كاملة ابتداء من تاريخ إيداعه في حساب الخزينة العمومية على مستوى الولاية للمطالبة به، وما على المدعي لكي تكون دعواه مؤسسة سوى إثبات صفته القانونية في هذا الإطار، والا كانت دعواه مرفوضة.

تم الاحتجاج في أحد الدعاوى بالتقادم المكسب دون إثباته، ودون إثبات تحققه وقت صدور القرار النهائي لنزع الملكية فقابل ذلك رفض الدعوى، وهو ما يتبين من أحد قرارات مجلس الدولة الذي جاء فيه: «...حيث أنه ثابت في الملف وبالأخص من القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة النازعة أن المستأنف كان حائزا للقطعة الأرضية المنزوع ملكيتها لفائدة شركة النقل، حيث ولكن عقد الشهرة المقدم من طرفه لإثبات ملكيته للقطعة الأرضية المنزوع ملكيتها وحقه في التعويض، محرر في 08/07/1998 وبالتالي فصفته كمالك لم تكن ثابتة وقت نزع الملكية من جهة، كما أن هذه الحيازة المعتمد عليها للاعتراف بحق المستأنف في ملكية القطعة الأرضية عن طريق التقادم المكسب غير مطابقة للواقع، إذ أن المستأنف فقد الحيازة منذ 1984 تاريخ نقل ملكية القطعة الأرضة...حيث أن القرار المستأنف أصاب عند قضائه برفض الدعوى لعدم التأسيس، وبالتالي يتعين القول أن الاستئناف الحالي غير مبرر وبالنتيجة القضاء بتأييد القرار المستأنف».

كما يمكن رفع دعوى التعويض عن الضرر أو ما يعرف بمسؤولية الإدارة عن الأضرار المادية التي تلحقها بالغير كما في حالة غصب عقارات الغير دون وجه حق، ولهاته الدعوى احتمالين من الناحية الإجرائية أولهما أن تتزامن مع رفع دعوى إلغاء القرار النهائي لنزع الملكية، إذ تترجم في شكل طلب تعويض عن الضرر الذي لحق الشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية، وهاته الحالة ما تسمى بدعوى القضاء الكامل.

أما الاحتمال الثاني ففيه يتم رفع دعوى مستقلة يطالب من خلالها بإلغاء القرار النهائي لنزع الملكية، فيفتك حكم قضائي نهائي بذلك، ثم يقوم مرة أخرى برفع دعوى قضائية مستقلة يطالب بموجبها بالتعويض عما لحقه من ضرر وما فاته من كسب بسبب القرار المعيب، وهو ما ذهب إليه قضاة مجلس الدولة في القرار الذي قضى بالمبدأ التالي: «تقوم مسؤولية الإدارة عن حرمان مواطن من استغلال أرضه، بموجب قرار نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية الملغى قضائيا، لاحقا»، مع الإشارة إلى أن عبارة لاحقا تعود على حق طلب التعويض.

أما مسألة إثبات الضرر فترتبط بكل احتمال، ففي الاحتمال الأول تكون مقترنة بالقرار فيحد ذاته، الذي ينبغي إثبات عدم مشروعيته أو مخالفته للقانون أو صدوره عن سلطة غير مختصة أو وقوعه خارج نطاق الشكليات والإجراءات الثابتة قانونا، بينما في الاحتمال الثاني تكون مسألة الإثبات تحصيل حاصل كون الضرر يصبح مفترض، ويضيف البعض أن الضرر الموجب للتعويض ينبغي ان يكون ماديا مباشرا محققا.

إن رفع دعوى التعويض بالمفهوم المذكور له ما يبرره قانونا، إذ كون مؤسس على ما جاء صراحة في النص وفقا لما يلي: «كل نزع للملكية يتم خارج الحالات والشروط التي حددها هذا القانون يكون باطلا وعديم الأثر، ويعد تجاوزا يترتب عنه التعويض المحدد عن طريق القضاء ،فضلا عن العقوبات التي ينص عليها التشريع المعمول به».

الفرع الثاني: الطابع الشكلي للدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية

يظهر ذلك من خلال التثبيت الشكلي لأطراف الدعوى القضائية سواء في العريضة الافتتاحية أو مختلف المذكرات الجوابية اللاحقة، ويبدوا أن التمييز ما بين الدعاوى التي تثار في شأن قرار الحال يكون مطلوبا، مما يدفع لبيان أطراف دعوى الإلغاء في أول النقاط، ثم أطراف الدعوى الرامية إلى التعويض في ثاني النقاط.

أولا- أطراف دعوى الإلغاء:

يكون كل من الشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية أو الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعية في مركز المدعي في الدعوى الرامية لإلغاء القرار النهائي لنزع الملكية ،والذي سبق وأن تم تبليغه لهم، ويستوي معهم حق رفع هاته الدعوى، سواء كانوا أصحاب ملكية مفرزة أو على الشيوع، فالمهم إثبات الصفة في التقاضي والتي سيتم بيانها في عنصر لاحق.

أما المدعى عليه في دعوى الإلغاء فهي الولاية التي يقع في نطاقها العقار أو العقارات المنزوعة، والتي تمثل قضائيا من طرف الوالي، وذلك باعتباره السلطة المخولة قانونا إصدار القرار النهائي لنزع الملكية سواء اكتسى المشروع المراد إنجازه الطابع المحلي أو الجهوي، أو الوطني الإستراتيجي، إذ أنه لا عبرة تبدوا في مقام الحال بالنطاق الجغرافي للعقار أو العقارات المنتزعة، بمعنى سواء وقعت داخل إقليم الولاية أو ما بين ولايتين أو أخذت بعدا وطنيا فشملت عدة ولايات، وانما العبرة بالقرار النازع للملكية؛ الناقل لها، الصادر عن الوالي المختص.

كما قد تؤدي الدعوى الرامية لإلغاء القرار النهائي لنزع الملكية إلى وجود أطراف أخرى غير الأطراف الأصلية لها، وذلك بالنظر لطبيعة ما يستند إليه المدعي لإثبات حقه ودحض القرار في قيمته، من خلال التأسيس على عيب من العيوب التي تعتريه، من جهة، وبالنظر للملابسات القانونية الموضوعية والإجرائية اللازمة لقيام هذا القرار من جهة أخرى.

إن ثبوت أطراف غير أصلية في الدعوى القضائية الرامية لإلغاء القرار النهائي لنزع الملكية لا يخرج على أحد ضربين، فإما الإدخال أحد أساب ذلك، أو التدخل سبب آخر، إذ تقوم المصلحة للمدعي بصفته القانونية في إدخال الإدارة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية في الخصومة القضائية المتعلقة بإلغاء قرار نزع الملكية على أساس أنها الجهة المتحملة للإطار المالي للعملية بما في ذلك التعويض، والذي قد يعتريه من الخلل ما يرقى ليكون عيبا يستوجب وضع الحد، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى فإن انتقال الملكية للجهة المستفيدة من الإجراءات يبرر إدخالها في الخصومة القضائية، على أساس أن احتمال الإلغاء للقرار يكون واردا، مع العلم أن ذلك يستتبعه أثر رجعي، إذ تسترجع الأصول العقارية لصاحبها، ويتم تجسيد ذلك عن طريق التأشير بمنطوق الحكم القضائي على هامش البطاقة العقارية المتضمنة شهر قرار نزع الملكية.

ولما كان لمديرية أملاك الدولة صلاحيات واسعة في تقدير التعويض، فإنها تكون طرفا في الخصومة لأحد السببين، فإما مدخلة في ذلك على أساس أنها الجهة المخولة قانونا تقييم الأملاك والحقوق العقارية المنتزعة، وعلى أساس أنها الجهة الممثلة لأملاك الدولة والحارسة لها، ووجه الدلالة في مقام الحال أن مآل الأملاك المنتزعة بالنسبة للمشاريع الاستراتيجية هو الدمج في أملاك الدولة.

ثانيا- أطراف الدعوى الرامية إلى التعويض:

ترفع دعوى الاستفادة من التعويض من طرف الشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية أو الحقوق العينية العقارية واللذين تم تبليغهم بالقرار النهائي لنزع الملكية، كطرف مدعي، وذلك ضد الولاية المعنية ممثلة من قبل الوالي كطرف مدعى عليه، على أساس أنه صاحب السلطة والاختصاص الأصيل في إصدار قرار نزع الملكية مهما كانت الجهة المستفيدة من تحريك هاته الإجراءات، والتي يستوي حب البعض أن تكون ذات طابع إداري أو غيره.

كما يتم إدخال هاته الأخيرة أي الجهة المستفيدة في الخصومة القضائية المتعلقة بدعوى الاستفادة من التعويض على أساس أنها هي المتحملة لهذا العبئ المالي والمستفيد المباشر من الأوعية العقارية اللازمة لإنجاز المشروع كشركة سونلغاز مثلا.

من الناحية العملية قد تحمل الولاية الصفتين جهة نازعة للملكية بموجب قرار صادر عن الوالي وجهة مستفيدة في نفس الوقت باعتبارها ممثلة للدولة، وذلك في بعض المشاريع الخاصة ذات الصبغة الاجتماعية البحتة، تماما مثلما حصل في زلزال الشلف أين تم نزع الملكية لأجل إقامة سكنات اجتماعية، فرفعت الدعوى ضد الوالي فدفع بإخراجه من الخصومة على أساس أن الأملاك التي ستنجز هي لصالح الدولة وتسير من طرف وزير المالية فقوبل دفعه بالرفض.

مما ثبت في هذا الإطار عن مجلس الدولة القرار الذي ورد فيه: «...حيث أنه بالرجوع إلى أوارق الملف يتبين أنه في إطار إنجاز البرنامج الاستعجالي المسطر بعد زلزال الشلف احتلت ولاية الشلف أراضي المستأنف عليهم...حيث أنه وطبقا لما استقرت عليه المحكمة العليا ومجلس الدولة أن المسؤول عن التعويض في حالة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هو المستفيد المباشر من العملية، حيث أنه ثابت في قضية الحال أن المستفيد من إجراء نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هي مصالح الدولة مما يتعين القول أن هذه المصالح تتحمل وحدها التعويضات المستحقة عليهم».

كذلك تحمل الولاية الممثلة من طرف الوالي الصفتين، إذا كان المشروع مسجلا باسم الدولة تحت إشراف الوالي، بمعنى يتولى السهر على تنفيذه باعتباره ممثل للدولة، فهنا يكون جهة نازعة للملكية وجهة متحملة للتعويض في حالة رفع الدعوى حتى وان تحمل التعويض على وجه التضامن مع جهة أخرى، وذلك في بعض المشاريع على غرار المشاريع المرتبطة بإنجاز الجامعات أين تتدخل عدة جهات، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التهيئة والتعمير، كما يمكن إدخال مديرية أملاك الدولة في الخصومة باعتبارها الجهة التي تولت عملية التقييم والذي على أساسه حدد مبلغ التعويض.

من ناحية أخرى يمثل كل من الشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية أو الحق العيني العقاري الطرف المدعي في دعوى التعويض عن الضرر، بينما يمثل الطرف المدعى عليه الولاية المعنية ممثلة بالسيد الوالي في الدعوى، وذلك على أساس أنه هو من أصدر القرار المعيب الذي تتم مخاصمته ويقدم في شأنه طلب الإلغاء مع التعويض عن الضرر، أو سبق إلغائه ورفعت في شأنه دعوى التعويض كدعوى مستقلة.

كما يتم إدخال الجهة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية في الخصومة الرامية للتعويض عن الضرر، على أساس أنها هي المستفيد المباشر من الأوعية العقارية المنتزعة، وأن في إلغاء القرار ضرورة لاسترجاع تلك الأوعية، هذا من جهة، كما قد تكون ملتزمة بدفع مبلغ التعويض عن الضرر بالتضامن مع الولاية، كون القرار النهائي لنزع الملكية والذي تم إلغائه تم لصالحها.

على العموم تبقى السلطة التقديرية للمحكمة المختصة في إدخال من ترى وجود ضرورة لحضوره في الخصومة القضائية وتسهيل الفصل فيها، كما لها واسع السلطة لإجراء ما تراه مناسبا من تحقيقات ميدانية  وادارية والأمر بخبرة في هذا المجال.

المطلب الثاني: مقتضيات الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية

هي تلك المستلزمات التي ينبغي توافرها حتى تأخذ الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية مجراها الطبيعي وتكون ذات أثر قانوني، وتتمثل هاته المستلزمات على وجه الخصوص في الجهة القضائية المختصة في نظر تلك الدعاوى، وكذا الشروط اللازمة حتى تلقى القبول، وهو ما يتطلب تخصيص فرع لكل منهما. 

الفرع الأول: الجهة القضائية المختصة في نظر الدعاوى

يكون من اللائق بيان الجهة القضائية المختصة في نظر دعوى الإلغاء، ثم الجهة المختصة في نظر الدعوى الرامية إلى التعويض، وهو ما سيعنى بالبيان في نقطتين متتاليتين.

أولا- الجهة القضائية المختصة في نظر دعوى الإلغاء:

تكون المحكمة الإدارية الجهة القضائية العامة المختصة في التصدي لدعوى الإلغاء المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، وذلك عملا بالمعيار العضوي والذي يتسع نطاقه بمناسبة هاته الدعوى، كون الولاية جهة مباشرة في الخصومة، وكذا مديرية أملاك الدولة كطرف متدخل أو مدخل، فضلا عن الجهة المستفيدة من تحريك إجراءات نزع الملكية والتي قد تحمل هي الأخرى الطابع الإداري.

كما ترفع تدخل هاته الدعوى ضمن الاختصاص الأصيل للمحكمة الإدارية على أساس معيار مادي، يرتبط بطبيعة موضوعها، المتصل بقرار إداري من جهة ودعوى الإلغاء كدعوى قضائية إدارية من جهة أخرى. 

لا يطرح اللبس بالنسبة لمسألة الاختصاص في التصدي لدعوى الإلغاء المتعلقة بالقرار النهائي لنزع الملكية وفقا لما ذكر، حتى وان كانت الجهة المصرحة بالمنفعة العمومية ذات طابع مركزي بحت، وحتى  وان حملت الجهة المستفيدة طابع آخر غير الطابع الإداري، وذلك مبرر من الناحية القانونية على أساس أن التصريح قرار إداري إجرائي مستقل قانونا فيكون كذلك قضاء، وعلى أساس أن نص المادة 800 يسري لمجرد وجود طرف واحد حامل للصفة الإدارية وهو والولاية في شأن قرار الحال.

ثانيا- الجهة القضائية المختصة في نظر الدعوى الرامية إلى التعويض:

يمتد الاختصاص الأصيل للمحكمة الإدارية في نظر الدعوى القضائية الرامية للحصول على مبلغ التعويض المقابل للعقارات أو الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعية والثابت بموجب القرار النهائي لنزع الملكية، ويكفي للقول بانعقاد الاختصاص توافر المعيار العضوي حتى وان ضاق نطاقه بالمقارنة مع دعوى الإلغاء، كون الولاية طرف أصلي في النزاع باعتبار الوالي مصدر القرار حتى وان لم تحمل الجهة المستفيدة الطابع الإداري.

مما جاء في هذا الإطار القرار التالي: «...من حيث أن الخبرتين المأمور بهما أثبتتا أن الأرض محل النزاع تم توزيعها للمنفعة العامة وبالتالي فما يترتب عن هذه العملية من حقوق وواجبات يخضع إلى النصوص لا سيما القانون 91-11 المؤرخ في 27/04/1991 المحدد لقواعد نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، الأمر الذي تكون معه دعوى التعويض من اختصاص القضاء الإداري عملا بأحكام القانون المذكور...، وحيث يخلص مما سبق أن قضاة الموضوع لما تمسكوا باختصاصهم متجاهلين المقتضيات التشريعية المذكورة يكونون قد أعابوا قرارهم المطعون فيه بتجاوز السلطة مما يستوجب نقضه  وابطاله...».     

أما بالنسبة للدعوى القضائية المتعلقة بالتعويض عن الضرر فيتوزع الاختصاص في شأنها توظيفا للنصوص الخاصة الثابتة في القانون رقم 91-11 لا سيما نص المادة 33 منه ،إذ ينعقد اختصاص المحكمة الإدارية في نظر دعوى التعويض عن الضرر سواء رفعت كدعوى مستقلة بعد إلغاء قرار نزع الملكية، أو رفعت تماشيا مع دعوى الإلغاء فحملت صورة دعوى القضاء الكامل، وذلك على أساس نص المادة 801 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

بينما قد يصاحب دعوى التعويض عن الضرر الذي لحق الشخص أو الأشخاص المنتزعة منه الملكية أو الحق العيني العقاري، فهل يسوق لتدخل الجهة القضائية العادية ذات الطابع الجزائي بمناسبة التصدي للشكوى المقدمة من المعني ضد موظف أو موظفي الإدارة المستفيدة أو الإدارة المتدخلة في سير التطبيق القانوني لإجراءات نزع الملكية. 

إن القول بانعقاد الاختصاص للمحكمة الإدارية في نظر كل من دعوى الحصول على مبلغ التعويض ودعوى التعويض عن الضرر يبقى مبررا حتى وان كانت الجهة المستفيدة ذات طابع مركزي، أو حملت صبغة غير الصبغة الإدارية كون العبرة بالجهة المصدرة للقرار النهائي لنزع الملكية المتضمن مبلغ التعويض والثابت اقتران عيب من عيوب القرار الإداري به.  

ذلك ما ذهب إليه مجلس الدولة في هذا الإطار: «..حيث أن المدعي وزير السكن والتعمير استأنف هذا القرار على أساس أن القرار محل الاستئناف قد خالف قاعدة جوهرية في الإجراءات بدعوى أن المنازعات المتعلقة بالإدارات المركزية ترفع مباشرة أمام مجلس الدولة وليس أمام الغرفة الإدارية التابعة للمجالس القضائية....حيث أن الدفع المتعلق بعدم اختصاص مجلس قضاء الشلف غير مؤسس علما أن مجلس الدولة له الاختصاص في المنازعات المتعلقة ببطلان القرارات الصادرة عن الإدارات المركزية فقط وليس في القضاء الكامل كما هو حاصل في قضية الحال...».      

الفرع الثاني: شروط قبول الدعاوى

بالنظر للمصدر القانوني الذي ترتبط به الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القرار النهائي لنزع الملكية والذي يجمع بين العمومية والخصوصية في طابعه، فإن شروط قبول تلك الدعاوى تعرف نفس الطابع، لتتراوح بين شروط عامة وأخرى خاصة، وهو ما سيتم بيانه في نقطتين.

أولا- الشروط العامة لقبول الدعاوى:

فضلا عن الصفة الإجرائية في الدعوى ينبغي إثبات توافر الصفة في التقاضي لدى الشخص أو الأشخاص المنزوعة منهم الملكية أو الحق العيني العقاري، وفي سبيل تحقيق ذلك في الدعوى الرامية لإلغاء القرار النهائي لنزع الملكية، يمكن تقديم نسخة من السند القانوني المثبت لمركز المدعي، والذي يختلف بين ما إذا كان مالكا أو صاحب حق عيني عقاري، إذ يمكن تقديم نسخة من الدفتر العقاري أو عقد ملكية مشهر أو سند ملكية تم الحصول عليه في إطار عملية تحقيق عقاري، أو غير ذلك من السندات المثبتة للملكية العقارية.

أما إذا كان المدعي صاحب حق عيني عقاري أصلي أو تبعي فيمكن تقديم نسخة من السند المنشئ للحق، سواء أخذ الصبغة القضائية أو العقدية، وفي كلا الحالتين ينبغي تقديم نسخة من القرار النهائي لنزع الملكية والذي سبق وأن تم تبليغه للمعني. 

أما بالنسبة للدعوى الرامية للحصول على مبلغ التعويض فيمكن لصاحبها تقديم نسخة من السند القانوني المثبت لمركزه كمالك أو صاحب حق عيني عقاري، وكذا نسخة من القرار النهائي لنزع الملكية خاصة إذا صدر في الشكل التنظيمي بأن مس عدة ملكيات، إذ يمكن الحصول عليه من الغير بالرغم من عدم تبليغه للمعني تعنتا من قبل الإدارة أو بسبب واقعة الغياب من طرف صاحب الحق، ويمكن أيضا تقديم نسخة من قرار قابلية التنازل باعتباره أول قرار حدد مبلغ التعويض، واذا سبق مخاصمة هذا القرار الأخير، يمكنه تقديم نسخة من تقرير الخبرة العقارية التي يمكن أن يخمر بها لإعادة تقييم الأملاك والحقوق المراد نزعها.

أخيرا بالنسبة لدعوى التعويض عن الضرر فيقدم المدعي في شأنها، فضلا عن نسخة من السند المثبت لمركزه مالكا كان أو صاحب حق عيني، وكذا نسخة من القرار النهائي لنزع الملكية، مختلف الوثائق الثبوتية التي من شأنها تمكين القاضي من اكتساب قناعة على تحقق ملابسات التعويض، أولها عنصر فوات الكسب عن المدعي، أو ما يسميه بعض الفقه ،الحرمان من الانتفاع الذي يتطلب تعويضا يمتد من تاريخ الانتزاع  الى تاريخ الاستحقاق.

أما العنصر الثاني الذي هو الضرر في مقام دعوى الحال، فيصبح مفترض بمجرد الحكم بإلغاء القرار إذا تم مخاصمته بدعوى مستقلة، أو يكون تحصيل حاصل إذا تم رفع الدعوى في صورة القضاء الكامل، إذ يتاح في سياق ضمني مسبق مرتبط على وجه التحديد بالطلب القضائي الرامي للإلغاء، فإذا استجاب له القاضي يستساغ له تقدير التعويض مباشرة.

يمكن في سبيل إثبات توافر عنصر فوات الكسب عن المدعي الاستناد لمختلف وسائل الإثبات باعتبار أن موضوعها مرتبط بواقعة مادية، كأن يقدم نسخة أو مجموعة نسخ من الوثائق التي تثبت وجود علاقة قانونية تربط المدعي بالغير كان من شأن تمامها الحصول على كسب مادي عيني أو نقدي، مثال ذلك: نسخة وعد بالبيع بمبلغ معين أو وعد بمبادلة الأرض بعقار مبني أو محلات تجارية، أو وثيقة تثبت قبض عربون في هذا السياق...

أما بالنسبة للمصلحة، فتكون في دعوى إلغاء القرار النهائي لنزع الملكية قائمة، كون هذا الأخير أتى على مركز المالك أو صاحب الحق العيني العقاري الأصلي أو التبعي، إذ وضع له حدا بالمطلق فانتقل حقا إلى الغير بموجب القرار المشهر، أما بخصوص الدعوى المتعلقة بمبلغ التعويض، فتتراوح المصلحة بين أحد الوسمين اتصالا بأحد الطلبين المدعى بهما عن طريق الدعوى المرتبطة هي الأخرى بالقرار النهائي لنزع الملكية، إذ تكون قائمة مع تلك التي ترمي للحصول على مبلغ التعويض المودع لدى الخزينة العمومية شريطة سبق إثبات الصفة استظهارا بالسند المعترف به قانونا، وتزامن رفعها مع بقاء الأجل المحدد ضربا بالقانون بخمسة عشرة سنة، بينما تكون محتملة إذا كانت ترمي للحصول على مبلغ التعويض المذكور في القرار النهائي والذي لم ينل الرضا التام من قبل المدعي، إذ يخسس على وجه عدم الانصاف ويثبت بالخبرة المأمور بها من طرف القاضي، غير أن باب الاحتمال يكون قائما مذ رفع الدعوى إلى غاية خصوص الإثبات.

أخيرا بالنسبة لدعوى التعويض عن الضرر، فإنها وان رفعت بشكل مستقل بعد رفع دعوى الالغاء والفصل فيها، فإن مصلحة صاحبها تكون قائمة، لسبق افتكاك حكم نهائي قضى بالإلغاء، فتقوم مع قوام الضرر الذي يكون أكيدا في هاته الحالة، أما إذا اكتست صورة القضاء الكامل، فقدمت جمعا من طرف المعني مع طلب الإلغاء، فإن مصلحة صاحبها تبقى متردية ما بين الاحتمال والقوام، ولا عبرة بذلك في هاته الحالة كون المطلوب أساسا إلغاء القرار.     

ثانيا- الشروط الخاصة لقبول الدعاوى:

تتراوح في الحقيقة ما بين شرطين أولهما شرط الأجل، وثانيهما شرط الشهر العقاري، ولما كان الأجل كشرط  لقبول الدعوى يأخذ من عمومية الأحكام الثابتة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالنسبة لدعوى إلغاء القرار النهائي لنزع الملكية، ولا يختص إلا مع الدعوى الرامية للحصول على مبلغ التعويض، إذ يحدد بخمسة عشرة سنة تسري من تاريخ إيداعه لدى الخزينة العمومية وذلك ثابت هو الآخر منذ صدور مرسوم تنفيذ القانون، فإن الشهر العقاري كإجراء لازم بالنسبة لدعوى إلغاء القرار النهائي لنزع الملكية، يكون أجدر بالبيان. 

إذ أنه :«...يجب إشهار عريضة رفع الدعوى لدى المحافظة العقارية إذا تعلقت بعقار و/أو حق عيني عقاري مشهر طبقا للقانون وتقديمها في أول جلسة ينادى فيها على القضية تحت طائلة عدم قبولها شكلا ما لم يثبت إيداعها للاشهار»، كما أنه: «ترفع الدعوى أمام القسم العقاري وينظر فيها حسب الإجراءات الواردة في هذا القانون مع مراعاة الأحكام الخاصة بشهر دعاوى الفسخ أو الإبطال أو التعديل أو نقض حقوق قائمة على عقود تم شهرها».

ليتضح من هاته النصوص بعد مقاربتها مع الدعاوى المرتبطة بالقرار النهائي لنزع الملكية أن مناطها ينسحب على دعوى الإلغاء، على أساس أن القرار النهائي كوسيلة ناقلة لحق الملكية العقارية سبق إشهاره والدعوى تستهدف وضع حد لذلك بالتبعية للقرار الملغى، سواء اعتبر ذلك فسخا أو إبطالا أو نقضا للحقوق التي سبق إشهارها بموجب هذا القرار.

ينسجم أيضا مع الأسس القانونية العامة لشرط الشهر، ذلك الحكم الوارد في القانون المدني والذي مفاده أن الدعوى القضائية المتعلقة بحق من الحقوق العينية العقارية تعتبر مالا عقاريا.

فضلا عن ذلك فإن من النصوص الخاصة والتي يستشف من جوهرها الحكم المتعلق بالشهر النص التالي: «إن الدعاوى القضائية الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو الغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم اشهارها لا يمكن قبولها إلا إذا تم إشهارها مسبقا طبقا للمادة 14-4 من الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 08 ذي القعدة عام 1395 الموافق ل 12 نوفمبر 1975، واذا تم اثبات هذا الاشهار بموجب شهادة من المحافظ أو تقديم نسخة من الطلب الموجود عليه تأشير الإشهار».

كما تم استحداث مادة جديدة أدرجت مؤخرا ضمن أحكام الأمر 75-74، وهي المادة رقم 16 مكرر والتي تنص على ما يلي: «تشهر بالسجل العقاري الممسوك بالمحافظة العقارية المختصة إقليميا كل عريضة رفع دعوى تتعلق بعقار أو حق عيني عقاري مشهر سنده، بعد تسجيلها بأمانة ضبط المحكمة، لا يترتب عن إشهار عريضة رفع الدعوى تجميد أو تعليق أو منع التصرف في العقار أو الحق العيني العقاري، إذا ترتب التصرف في حق عيني عقاري يتعلق بعقار أشهرت بشأنه عريضة رفع الدعوى قبل التصرف، فإنه يستوجب على المتصرف إبلاغ المتصرف له بالدعوى المشهرة عن طريق محضر قضائي على أن يرفق محضر التبليغ بملف العقد عند تقديمه لإجراء الشهر العقاري، يشهر المحافظ العقاري المعني الحكم القضائي النهائي الصادر في الدعوى محل العريضة المشهرة».

لا يفهم من هذا النص أن شرط الشهر للعريضة يستقيم لمجرد تعلق الدعوى بعقار ،فينبغي ألا يفسر في نطاق ضيق، ذلك أن الأسس القانونية العامة لشرط شهر العريضة لا تزال سارية المفعول والمقصود تحديدا نص المادة 519 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، كما أن نص المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 تبقى سارية المفعول هي الأخرى ويمكن اعتبارها نصا شارحا لنص المادة 16 مكرر رغم تأخر صدور هذا الأخير.

كما يتضح من النص أن مناط لزومية شرط شهر العريضة يتوقف على كون العقار أو الحق العيني العقاري محل الدعوى له سند مشهر مسبقا، وهو في مقام الحال القرار النهائي لنزع الملكية أو الحق العيني العقاري، وبينت المادة الآثار القانونية المترتبة على شهر العريضة من حيث عدم وجود أثر مانع للتصرف، ولزومية تحقيق قرينة العلم بشهر الدعوى ووجود نزاع واثبات ذلك بمحضر تبليغ للعريضة المشهرة وارفاقه بملف إثبات التصرف. 

في إطار توضيح شروط  واجراءات وملابسات تطبيق هذا النص المستحدث، تم إصدار مذكرة عن المديرية العامة للأملاك الوطنية، والتي قيدت المحافظ العقاري بمجرد إيداع العريضة أن يتأكد من تحقق قاعدة الشهر المسبق للحق العيني العقاري محل النزاع وأنه محدد تحديدا كافيا في العريضة، وكذا التأكد من بقاء الحق العيني العقاري محل الدعوى وعدم التصرف فيه، وكذا وجود أحد الحالات المنصوص عليها في المادة 519 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والمادة 85 من المرسوم رقم 76-63، ليقوم المحافظ بتقديم النسخة الأصلية للعريضة ممهورة بتأشيرة الإشهار والتي تقدم في أول جلسة، او يسلم وصل إيداع للعريضة.

المرجع:

  1. د. لعميري ياسين، آليات نزع الملكية للمنفعة العامة، مطبوعة مقدمة لطلبة السنة ثانية ماستر، تخصص قانون إداري، جامعة أكلي محند أولحاج -البويرة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020-2021. ص46 إلى ص83.

google-playkhamsatmostaqltradent