أساليب الضبط الإداري

 أساليب الضبط الإداري

أساليب الضبط الإداري

تتدخل هيئات الضبط الإداري العام والخاص في مجال النشاطات الخاصة من خلال الإجراءات القانونية والمادية من أجل حماية وصيانة النظام العام بصفة وقائية فتملك هذه الهيئات حق إصدار القرارات الإدارية التنظيمية والفردية بالإرادة المنفردة وملزمة للأفراد كما يحق لها تنفيذيها مباشرة وبالقوة في أوضاع معينة.

أولا: الأعمال القانونية

يقصد بالأعمال القانونية طائفة الأعمال أو القرارات التي تصدرها الإدارة بصفة عامة والتي تقصد من وراءها إحداث اثر قانوني معين سواء بإنشاء أو بتعديل أو بإلغاء مركز قانوني .كما أن القرارات الإدارية تعد مظهر من مظاهر الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة باعتبارها سلطة عامة تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة، لأنها أداة فعالة لانجاز نشاطها الإداري في معظم مجالات العمل الإداري وتنقسم هذه القرارات إلى قرارات ضبطية إدارية عامة وقرارات ضبطية إدارية فردية.

1/ القرارات الإدارية التنظيمية (لوائح الضبط)

تختص السلطة التشريعية كأصل عام طبقا للمادة 122 من دستور 1996 بتنظيم ممارسة النشاط الفردي ووضع الضوابط التي تسمح بالتوفيق بين ممارسة الحريات المقررة للأفراد في الدستور وبين ضرورة صيانة النظام العام، وتتكفل السلطة التنفيذية بالسهر على حسن تنفيذ القوانين .غير أن القانون يعجز على أن يضبط الحريات العامة ضبطا مفصلا، مما يجعل السلطة التشريعية لا تحتكر وحدها مهمة تنظيم ممارسة النشاط الفردي بل للسلطة التنفيذية دور لا يستهان به في هذا المجال، لما لها من سلطة التنظيم عن طريق ما تصدره من القرارات الإدارية التنظيمية، والتي تتسم بالمرونة والقابلية للتغيير بسرعة طبقا لمقتضيات الزمان والمكان.

أ/ تعريف لوائح الضبط الاداري:

يقصد بالقرارات الإدارية الضبطية العامة أو ما يصطلح عليه باللوائح الضبط تلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بهدف المحافظة على النظام العام بمختلف عناصره.

وبمعنى أخر كل القرارات التي تصدرها سلطات الضبط الإداري بدون تفويض تشريعي صريح يتضمن تقييد النشاط الفردي بهدف حماية النظام العام تحت طائلة عقوبات جنائية   فلوائح الضبط من اللوائح التي تضع بعض القواعد القانونية والتي تحد من الحريات العامة، باعتبارها من أهم أساليب الضبط الإداري وأبرز مظهر من مظاهر سلطته وذلك ضمانا لأغراض الضبط الإداري.

وبمعنى آخر تعد لوائح الضبط أهم وسيلة من وسائل تدخل هيئات الضبط الإداري في مجال النشاطات الفردية إذ تتضمن قواعد عامة موضوعية ومجردة تنظم بموجبها بعض أوجه النشاط الفردي بهدف حماية النظام العام في المجتمع بصفة وقائية. 

يتضح جليا أن لوائح الضبط تشبه القانون من الناحية الموضوعية باعتبارها تتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة ملزمة للأفراد، غير أنها تختلف عن القانون من الناحية العضوية باعتبار أن القانون تصدره السلطة التشريعية، في حين لوائح الضبط تصدرها السلطة التنفيذية.

ب/ صور لوائح الضبط الاداري:

تتخذ لوائح الضبط الإداري أشكال عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي:

* التنظيم:

تتكفل سلطات الضبط الإداري بموجب هذه الوسيلة القانونية بتنظيم نشاط الأفراد بهدف حماية النظام وتحديد العقوبات على كل من يخالف أحكامها .والمثال على ذلك اللوائح المتضمنة تنظيم أماكن توقف سيارات النقل داخل المدينة، أو تحديد أماكن بيع الخضر والفواكه...الخ.

تتسم هذه الصورة بأنها أقل خطورة على حريات الأفراد، إذ لا يحق لسلطات الضبط وضع قيود من شأنها تعدم الحرية، طبقا لقاعدة الحرية هي الأصل والتقيد هو الاستثناء فالتنظيم يكون بالقدر الضروري لصيانة النظام العام بصفة وقائية.

* الإخطار المسبق:

تعمد سلطات الضبط الإداري إلى اشتراط القيام بإجراء الإخطار المسبق للجهات الإدارية المعنية قبل ممارسة نشاط معين أو حرية معينة، حتى يتسنى لهذه الأخيرة اتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة بهدف حماية النظام العام من كل ما من شأنه أن يخل به، كضرورة الإخطار قبل إقامة الحفلات أو ممارسة الشعائر الدينية.

يتضح أن إجراء الإخطار هو مجرد إجراء إداري وقائي لا يشكل خطرا على حريات الأفراد، باعتبار أن سلطات الضبط الإداري لا يمكن لها منعهم من ممارسة نشاطهم، بل تتكفل فقط باتخاذ ما تراه ضروريا لتفادي كل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام.

ومن أمثلة على ذلك نذكر القانون رقم 90-07 حيث نصت المادة 11 منه على أن:"إصدار كل نشرية دورية يتم بحرية.

يخضع إصدار كل نشرية دورية لإجراءات التسجيل ومراقبة صحة المعلومات، بايداع تصريح مسبق موقع من طرف المدير مسؤول النشرية، لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المنصوص عليها في هذا القانون العضوي، ويسلم له فورا وصل بذلك.

كما نصت المادة 3 من المرسوم التنفيذي رقم 07-135 المؤرخ في 19-06-2007 المحدد لشروط وكيفيات سير التظاهرات الدينية لغير المسلمين بأنه "تخضع التظاهرات الدينية إلى التصريح المسبق للوالي". 

* الإذن المسبق (الترخيص)

تقتضي هذه الصورة من صور تدخل سلطات الضبط الإداري الحصول على إذن سابق أو ترخيص من طرف المعنيين بالأمر من طرف الجهة الإدارية المختصة قبل ممارسة نشاط أو حرية معينة وذلك حتى تتمكن الادارة من فرض ما تراه مناسبا وملائما من الإحتياطات التي من شأنها توقي الأضرار، أو بالعكس رفض الإذن بممارسة نشاط ما إذا كانت الاحتياطات المقررة غير كافية أو أن الشروط المطلوبة قانونا غير متوفرة في طالب الرخصة.

المثال رقم 1: في مجال تنظيم المظاهرات يخضع تنظيم مختلف المظاهرات الى ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من طرف السلطة الإدارية المختصة و إلا كانت غير مشروعة لمخالفتها للقوانين، وذلك استنادا الى نص المادة 15 من قانون 91-19 المؤرخ في 02 ديسمبر 1991 المتعلق بالإجتماعات والمظاهرات العمومية التي جاء فيها "المظاهرات العمومية هي المواكب والاستعراضات، أو تجمعات الأشخاص، وبصورة عامة جميع التظاهرات التي تجري على الطريق العمومي. تخضع المظاهرات العمومية إلى ترخيص مسبق..." 

المثال رقم 2: في مجال إنشاء الأحزاب السياسية يخضع إنشاء الأحزاب السياسية إلى إجراء الإذن المسبق بحيث يجب على مؤسسي الحزب الحصول على اعتماد من طرف وزير الداخلية حيث نصت المادة 16 من القانون العضوي رقم 12-04 المتعلق بالأحزاب السياسية على أنه "يخضع تأسيس حزب سياسي إلى الكيفيات الآتية:

- تصريح بتأسيس الحزب السياسي في شكل ملف يودعه أعضاؤه المؤسسون لدى الوزير المكلف بالداخلية،

- تسليم قرار إداري يرخص بعقد المؤتمر التأسيسي في حالة مطابقة التصريح،

- تسليم اعتماد الحزب السياسي بعد التأكد من استفاء شروط المطابقة لأحكام هذا القانون العضوي".

وتضيف المادة 30 على انه "يمنح الوزير المكلف بالداخلية الاعتماد أو يرفضه، بعد دراسة الملف المودع، وفقا لأحكام هذا القانون العضوي .ويجب أن يكون قرار الرفض معللا تعليل قانونيا...الخ".

المثال رقم3: في مجال ممارسة مهنة الصحافة تخضع ممارسة الأجنبي لمهنة الصحافة إلى إجراء الترخيص المسبق من طرف السلطة الإدارية المختصة، وذلك تطبيقا لأحكام المرسوم التنفيذي رقم 04-211 المحدد لكيفيات اعتماد الصحفيين الذين يمارسون المهنة لحساب هيئة تخضع لقانون أجنبي، إذ تنص المادة 03 على أنه "تخضع نشاطات الصحفيين المذكورين في المادة 02 أعلاه، الذين يمارسون المهنة بالجزائر إلى اعتماد تسلمه الوزارة المكلفة بالاتصال، بعد أخذ رأي السلطات المعنية". 

المثال رقم 4: في مجال إستغلال المنشآت الخطيرة. تخضع بعض الأنشطة نظرا لخطورتها إلى إجراء الترخيص المسبق، وذلك حتى تتمكن السلطات المختصة من معرفة مدى اتخاذ كل الاحتياطات المطلوبة قانونا لحماية النظام العام، وهو ما أشار إليه صراحة القانون رقم 03-10 المتعلق بحماية البيئة. بنصه على أن استغلال المنشآت المصنفة والتي تم ترتيبها حسب درجة خطورتها تخضع لترخيص من الوزير المكلف بالبيئة ومن الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي.

ونشير في هذا الصدد أن سلطة الإدارة في منح أو رفض منح الترخيص سلطة مقيدة وليست تقديرية، بمعنى وجوب منح الترخيص لكل من توافرت فيه الشروط المطلوبة للحصول عليه .فهذا الإجراء هدفه هو السماح للسلطة الإدارية المختصة بتفحص مدى توافر الشروط المنصوص عليها في القوانين والتنظيمات لممارسة ذلك النشاط أو الحرية محل الإجراء .وعليه تلتزم سلطات الضبط الإداري عند إصدارها للترخيص أو رفضه أن تلتزم باعتبارات حماية النظام العام، وبمبدأ المساواة، بحيث يجب أن لا يكون المنح والمنع وسيلة للمجاملة أو أداة للإنتقام والا كان قرارها غير مشروع.

المثال رقم 5: في مجال الترقية العقارية بهدف ضمان حماية النظام العام لاسيما الجانب الجمالي للمدينة فإن المشرع إتخذ اجراءات صارمة في هذا المجال وذلك بإخضاع عملية الترميم أو التجديد العمراني إلى اجراء الترخيص المسبق، و هذا ما نصت عليه صراحة المادة 06 من القانون رقم 11-04 المنظم لنشاط الترقية العقارية والتي جاء فيها "تخضع كل عملية ترميم عقاري أو إعادة تأهيل أو تجديد عمراني أو إعادة هيكلة أو تدعيم إلى ترخيص إداري مسبق.

يمنع الشروع في أي من الأشغال المذكورة أعلاه، دون الحصول على الترخيص الإداري المذكور في الفقرة أعلاه..".

أما المادة 76 من القانون رقم 04-05 تنص على أنه: "يمنع الشروع في أشغال البناء بدون رخصة أو إنجازها دون احترام المخططات البيانية التي سمحت بالحصول على رخصة البناء". 

المثال رقم 6: نشر الكتاب واستيراده. يعد الكتاب وسيلة ذو حدين، فهو من جهة وسيلة لإكتساب المعرفة في شتى الميادين، بإعتبار أن العلم أساس تطور الأمم، غير أنه في المقابل قد يتضمن أفكار أو صور قد تؤدي إلى إحداث إضطرابات داخل المجتمع خاصة عندما تمس بقيم المجتمع وبسيادة الدولة .هذا ما دفع بالسلطات العمومية الى اخضاع عملية نشر واستيراد الكتب إلى أسلوب الترخيص المسبق وذلك بموجب القانون رقم رقم 15-13 حيث نصت المادة 9 على أنه:" تخضع الأنشطة الخاصة بنشر الكتاب وطبعه وتسويقه الى التصريح المسبق لممارسة النشاط، لدى الوزارة المكلفة بالثقافة التي تسلم وصلا بذلك...".

كما أخضع المشرع الجزائري كل الأنشطة ذات الصلة بالمصحف الشريف الى إجراء الترخيص المسبق، وذلك بموجب المرسوم التنفيدي رقم 19-08 حيث نصت المادة 4 على أنه "يتعين على كل شخص يريد نشر المصحف الشريف أو طبعه أو تسويقه أو استيراده،

- عدم الشروع في أي إجراء، مهما كان، قبل حصوله على الترخيص المسبق". 

- عدم الشروع في أي إجراء، مهما كان، قبل حصوله على الترخيص المسبق" ونفس الشيئ ينطبق على إستيراد مختلف الكتب الدينية حيث تنص المادة 5 من المرسوم التنفيدي رقم 17-09 على أنه "يخضع استيراد الكتاب الديني على جميع الدعائم، ترخيص مسبق من الوزير المكلف بالشؤون الدينية...".

وأضافت المادة 6 من نفس المرسوم أنه يجب على الكتب الدينية المراد استيرادها أن لا تمس مضامينها بالنظام العام والآداب العامة."...

* الحظر:

يقصد بالحظر تضمين لائحة الضبط أحكاما تنهي عن اتخاذ إجراء معين أو عن ممارسة نشاط معين بصفة مطلقة، وقد تحدد لائحة الضبط هذا الحظر من حيث الغرض والزمان والمكان، ومن ثم فان الحظر قد يكون كليا أو مطلقا أو جزئيا.

وكمثال على الحظر المطلق إمكانية لجوء سلطة الضبط الإداري في مجال حماية الغذاء إلى حظر استعمال بعض المواد الكيميائية في الصناعات الغذائية، وحظر إستيراد المواد الغذائية الفاسدة والملوثة مما لها من خطر على صحة المستهلكين.

أما بالنسبة للحظر النسبي يمكن لسلطات الضبط الإداري أن تمنع الشاحنات من المرور من بعض الأماكن خاصة في فصل الصيف وذلك في أوقات محددة حماية لسلامة المصطفين والسياح.

يمكن لسلطات الضبط الإداري أن تمنع ممارسة حرية معينة أو نشاط معين إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى المساس بالنظام العام في الدولة، باعتبار أن سلطات الضبط الإداري ملزمة بموجب القانون بالسهر على حماية النظام العام بصفة وقائية فيمكن مثلا للوالي أن يمنع تنظيم اجتماع معين إذا تبين له أنه يشكل خطرا على الأمن العمومي، أو تبين له أن القصد الحقيقي من الاجتماع يشكل خطرا على حفظ النظام العام.

وفي مجال ضبط الأجانب فانه يمكن وزير الداخلية منع أي أجنبي من الدخول إلى الإقليم الجزائري لأسباب تتعلق بالنظام العام و/أو بأمن الدولة، أو تمس بالمصالح الأساسية والدبلوماسية للدولة الجزائرية. وللأسباب نفسها، يمكن الوالي المختص إقليميا أن يقرر فورا منع دخول الأجنبي إلى الإقليم الجزائري".

يعد أسلوب الحظر أو المنع من اشد أساليب تدخل سلطات الضبط الإداري خطورة على حقوق وحريات الأفراد، وعليه أقر القضاء الإداري قاعدة مفادها أن المنع يجب أن يكون إجراء إستثنائي ومؤقت، أما المنع المطلق فإنه غير جائز على الإطلاق، ذلك لأنه ينطوي على مصادرة كاملة للحرية العامة الأمر الذي يتنافى مع المبادئ الدستورية، ويتنافى مع طبيعة الإجراءات الضبطية الإدارية التي تعتمد على قاعدة مفادها أن الحرية هي الأصل والتقيد هو الإستثناء، وسواء جاء هذا المنع بشكل مباشر وصريح أو عن طريق إخضاع النشاط الفردي لشروط بالغة القسوة والشدة فانه باطل في كلا الحالتين ومن جهة أخرى فان المنع يجب أن تمليه ضرورة حماية النظام العام، وأن تعجز سلطات الضبط الإداري تحقيق ذلك بوسائل أخرى، وأن يقتصر على مكان معين أو وقت معين.

ولقد أقر القاضي الإداري الجزائري بسلطة هيئات الضبط الإداري في اللجوء إلى أسلوب المنع كآلية لممارسة وظيفة الضبط، وكمثال على ذلك قرار والي ولاية بجاية بمنع بيع مواد الأبناء في الهواء الطلق، وهذا ما تم استخلاصه من قرار مجلس الدولة المؤرخ في 17 جوان 2003 والذي جاء فيه...": كما أن قرارا تنظيميا صادرا عن والي ولاية بجاية بتاريخ 23 مارس 1996 قد منع بيع مواد البناء في الهواء الطلق.

حيث أن القرار الولائي المطعون فيه هو إذن مؤسس تأسيسا كافيا وان قضاة الدرجة الأولى لم يقدروا الوقائع تقديرا سليما مما يعرض قرارهم للإلغاء...".

2/ القرارات الإدارية الفردية (تدابير الضبط الإداري الفردية):

تصدر سلطات الضبط الإداري إلى جانب لوائح الضبط قرارات إدارية ضبطية فردية في شكل أوامر أو نواهي تنطبق على فرد محدد بذاته أو مجموعة أفراد محددين بذواتهم أو على حالات أو وقائع محددة بذاتها وعادة ما تصدر هذه القرارات الفردية تطبيقا وتنفيذا لنص تشريعي أو تنظيمي بل يمكن أن تصدر مستقلة عنها بشرط أن لا تخالفها، وان تكون لازمة للحفاظ على النظام العام.

غير أن القانون ولوائح الضبط لا تكفي لوحدها لمعالجة كل ما يطرأ في المجتمع، والذي من شأنه الإخلال بالنظام العام، وعليه يمكن لسلطات الضبط الإداري إصدار قرارات ضبطية فردية مستقلة بذاتها تتعلق بمعالجة واقعة معينة لم يكن التشريع أو اللائحة قد توقعتاه وفي هذا الصدد نجد أن الفقه انقسم إلى اتجاهين.

الاتجاه الأول وعلى رأسهم الفقيه موريس هوريو يرى أنه لا يمكن تصور قرارات إدارية فردية مستقلة في مجال القانون الإداري لا تستند إلى قاعدة تشريعية أو تنظيمية سابقة. 

أما الاتجاه الثاني فيرى أنه من الناحية العملية لا يمكن للقانون أو التنظيم أن يتوقع كل ما من شأنه أن يهدد النظام العام، والقول عكس ذلك يترتب عنه نتيجة خطيرة إذ تجعل سلطات الضبط مكفوفة الأيدي أمام حالات لا يتوقعها القانون أو التنظيم مسبقا ومن شأنها أن تخل بالنظام العام. 

أما بالنسبة للقضاء الإداري فانه قيد سلطات الضبط الإداري في إصدار قرارات إدارية مستقلة بتوفر شرطين أساسيين هما:

- أن تكون هناك ضرورة ملحة لإصدار قرار إداري فردي لحماية النظام العام قبل اضطرابه أو إعادة حفظه في حالة اضطرابه حيث قضى مجلس الدولة بإمكانية رئيس البلدية باتخاذ قرار فردي يتضمن منع المواكب معين رغم عدم وجود تنظيم لهذه المواكب على مستوى البلدية، إذ يتضح من الظروف المحلية أن الشروط التي جرت فيها هذه التظاهرة من شأنها أن تؤدي إلى اضطراب النظام العام.

- أن لا يكون هناك نص تشريعي يمنع إصدار الأوامر الفردية المستقلة. 

ومن بين القرارات الفردية التي تصدرها سلطات الضبط الإداري قرار منع الأفراد من ممارسة نشاط معين في أماكن عمومية حماية للسكينة العامة، الأمر بغلق محل تجاري لعدم استيفائه شروط الصحة العمومية، الأمر بمغادرة وإخلاء سكن معين لكونه أيل للسقوط، الأمر بمنع عرض فيلم في قاعة السينما بسبب إخلاله بالنظام العام.

ومن الأمثلة على ذلك ما نصت عليه المادة 07 من المرسوم الرئاسي رقم 92-44 المتضمن اعلان حالة الطوارئ على انه "يؤهل وزير الداخلية والجماعات المحلية والوالي المختص إقليميا المر عن طريق قرار بالإغلاق المؤقت لقاعات العروض الترفيهية وأماكن الاجتماعات مهما كانت طبيعتها وبمنع كل مظاهرة يحتمل فيها الإخلال بالنظام والطمأنينة العمومية...الخ. 

تنص المادة 10 من الامر رقم 75-41 المؤرخ في 17 جويلية 1975 على أنه "يمكن الأمر بغلق محلات بيع المشروبات والمطاعم بموجب قرار صادر عن الوالي وذلك لمدة لا تتجاوز 06 أشهر، إما من جراء مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بهذه المحلات واما بقصد المحافظة على النظام أو الصحة أو الآداب العامة".

وتضيف المادة 11 من نفس الأمر انه "يجوز لوزير الداخلية أن يأمر لنفس السبب بإغلاق هذه المحلات لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنة واحدة.

وعند الاقتضاء، تحسم مدة الإغلاق المقرر من الوالي من مدة الإغلاق الصادر من الوزير".

وكمثال أخر نذكر القانون رقم 04-02 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية حيث تنص المادة 39 منه على أنه: "يمكن حجز البضائع موضوع المخالفات المنصوص عليها في أحكام المواد 10-11-12-13-14-20-22-23-25-26-27-28 من هذا القانون ،كما يمكن حجز العتاد و التجهيزات التي استعملت في ارتكابها مع مراعاة حقوق الغير حسن النية."و تضيف المادة 46 بأنه: "يمكن الوالي المختص إقليميا، بناء على اقتراح من المدير الولائي المكلف بالتجارة، أن يتخذ بواسطة قرار، إجراءات غلق إدارية للمحلات التجارية لمدة لا تتجاوز ثلاثين يوما في حالة مخالفة القواعد المنصوص عليها في أحكام المواد 1011-13-14-20-22-23-24-25-26-27-28-53 من هذا القانون.

وفي حالة إلغاء قرار الغلق، يمكن العون الاقتصادي المتضرر المطالبة بتعويض الضرر الذي لحقه أمام الجهة المختصة".

ولقد أكد القضاء الجزائري على ذلك حيث جاء في قرار مجلس الدولة المؤرخ في 16-12-2003 ما يلي ...": حيث أن الغلق جاء على أساس أن المستأنف لم يتحصل على رخصة إدارية خاصة وذلك طبقا للتشريع المعمول به خاصة الأمر رقن 75/ 59 والمنشور رقم 1169 المؤرخ في 13-06-1976 المتعلق بكيفية تسليم الرخص الصادرة عن وزارة الداخلية ولما كان المستأنف لا يحوز على تلك الرخصة وان النشاط يمس بالنظام العام فإن قرار الغلق جاء سليم مما يتعين تأييد ما توصل إليه قاضي الدرجة الأولى...".

كما أكد في قراره الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 2003 على انه "حيث انه يستخلص من وقائع الدعوى أن والي ولاية وهران و اصدار قرار ولائي يتضمن غلق قاعة اللعب بتاريخ 05 ماي 2001 والمستغلة من طرف (ب م).

حيث أن الغرفة الإدارية لمجلس قضاء وهران اعتمدت في قرارها الرامي لرفض الدعوى لعدم التأسيس على التقرير رقم 2118 المؤرخ في 14 أبريل 2001 الصادر عن العميد الأول للشرطة ورئيس الأمن لولاية وه ا رن الذي يقترح من خلاله غلق قاعة اللعب كعقوبة إدارية لغاية إصلاح المحل وتوفير المرافق الضرورية.

حيث انه بالرجوع إلى المادة 96 من القانون رقم 90-09 المؤرخ في 07 أبريل 1990 تجعل من حق الوالي المحافظة على السكينة العامة والنظام العام والأمن...". 

كما يمكن لسلطات الضبط الإداري اتخاذ قرار الغلق للمحلات التجارية في حالة استغلالها بدون رخصة، ولقد أكد مجلس الدولة الجزائري على ذلك في قراره الصادر بتاريخ 22 جويلية 2003 في قضية (ع ن) ضد والي ولاية سكيكدة،/ حيث جاء فيه...": حيث انه يتضح من الملف ومن أقوال الأطراف أن المستأنف كان مستاجرا لمحل يستعمله كقاعة شاي بحي الإخوة ساكر عمارة ج بسكيكدة.

وانه تبعا لعملية مراقبة قام بها أعوان مديرية المنافسة والأسعار لولاية سكيكدة بتاريخ 10 جانفي 1997 اتضح أن المستأنف يستغل قاعة الشاي المذكورة بدون قرار الإنشاء المتعلق بهذا النشاط.

حيث انه على اثر ذلك اصدر السيد والي ولاية سكيكدة بتاريخ 22 ديسمبر 1997 قرار بغلق المحل موضوع النزاع إلى غاية تسوية الوضعية الإدارية له بناء على الأمر رقم 75/41 المؤرخ في 17 جوان 1975 المتعلق باستغلال المقاهي و المشروبات الكحولية...".

كما يمكن لرئيس البلدية في إطار ممارسة صلاحياته في حماية النظام العام اتخاذ قرار الغلق، ولقد أكد مجلس الدولة على ذلك في  قراره الصادر بتاريخ 15 أفريل 2003 في قضية (ع ب) ضد رئيس بلدية سور الغزلان، حيث جاء فيه ..." بالرجوع إلى ملف الدعوى فان النزاع المطروح يخص بإبطال مقرر صادر عن سلطة إدارية وممثلة في رئيس البلدية وبالتالي يرجع الاختصاص للقاضي الإداري هذا من جهة ومن جهة اخرى حيث تبين من الملف أن رئيس البلدية اتخذ القرار محل الإبطال حفاظا على الأمن والنظام العام وباقتراح من اللجنة المكلفة لمكافحة الأمراض المتنقلة عن طريق المياه التي عاينت المدجنة وذلك في تاريخ 26 جانفي 2000

حيث أن هذه اللجنة بعد معاينتها خلصت إلى استغلال المدجنة بدون ترخيص سقفها مهدد بالانبهار والنظافة منعدمة والتهوية غير كافية، انسداد قنوات صرف المياه القذرة بسبب الفضلات، مدفئة غير موجودة... وبناء على كل هذه المعطيات قررت البلدية غلق هذه المدجنة...".

إضافة إلى قرارات الغلق يمكن كذلك لسلطات الضبط الاداري أن تتخذ قرارات تتضمن الأمر بقيام بعمل كما هو الحال في حالة البناء بدون رخصة إذ يمكن للسلطات الإدارية المختصة أن تأمر المعني بتوقف عن الأشغال .ومن أحكام القضاء الإداري في هذا الشأن نذكر على سبيل المثال قرار مجلس الدولة المؤرخ في 10 فيفري 2003 قضية رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية عين توتة ضد (ب ص) والذي جاء فيه:"... حيث أن حيث أن المجلس يرى بان الطلب الأصلي للمدعي المستأنف عليه كان يرمي إلى إبطال مقرر البلدية المذكور أعلاه لتجاوز في السلطة إذ أن هذا المقرر رقم 98-188 المؤرخ في 29 جويلية 1998 أمر بوقف الأشغال غير المشروعة على القطعة الأرضية التابعة للبلدية.

حيث أنه من الثابت أن المستأنف عليه لم يحصل على رخصة بناء ومن ثم فان الأشغال التي تمت على القطعة الأرضية المتنازع عليها كانت غير مشروعة وبالتالي فان المقرر مبرر وقانوني ولا يحمل أي طابع لتجاوز في السلطة...".

ونشير في هذا الإطار أن سلطات الضبط الإداري ليست حرة في إصدار ما تشاء من قرارات، بل تلتزم بالهدف المحدد لها والمتمثل في حماية النظام العام بمختلف عناصره، ووفقا للشكليات والإجراءات المحددة قانونا احتراما لمبدأ المشروعية .فكل قرار لا يهدف إلى تحقيق هذه الغاية، أو يخالف القواعد القانونية السارية المفعول يعد قرار غير مشروع.

وفي النهاية فإن كل القرارات الصادرة عن سلطات الضبط الإداري سواء كانت عامة أو فردية فهي ملزمة مما يستوجب احترامها وتنفيذها من قبل المخاطبين بها .ولضمان ذلك فان المشرع نص على جزاءات توقع على كل من يخالف قرارات الإدارة أو يعرقل تنفيذها وذلك في المادة 459 من قانون العقوبات الجزائري التي جاء فيها انه "يعاقب بغرامة من 30 إلى 100 دج ويجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر كل من خالف المراسيم أو القرارات المتخذة قانونا من طرف السلطة الإدارية إذا لم تكن الجرائم الواردة بها معاقبا عليها بنصوص خاصة".

والى جانب هذه العقوبة المقررة في قانون العقوبات نجد هناك جزاءات ذات طابع إداري، إذ تتمتع سلطات الضبط الإداري بحق توقيع جزاءات ذات طبيعة إدارية على كل الأشخاص الذين تشكل أعمالهم وتصرفاتهم تهديدا للنظام العام بكل عناصره وتتخذ هذه الجزاءات عدة صور كمصادرة الأشياء التي تستعمل لاضطراب النظام العام، أو سحب رخصة لمنع المعني بالأمر من ممارسة نشاطا يمس بالنظام العام كسحب رخصة السياقة من الأشخاص المخالفين لقانون المرور، أو إبعاد أي شخص إذا كان وجوده في مكان معين يشكل مصدر الاضطراب النظام العام.

تشكل هذه الجزاءات خطرا كبيرا على حقوق وحريات الافراد، إذ تمس الفرد في شخصه أو ماله، وعليه فان سلطة الضبط الإداري غير مطلقة، إذ لا يمكن اتخاذ مثل هذه الاجراءات إلا بناءا على ترخيص صريح من طرف المشرع، ووفقا للأوضاع التي حددها والا كان تصرفا باطلا ونشير إلى أن هذه الجزاءات تختلف عن الجزاءات المقررة في قانون العقوبات والتي توقعها الجهات القضائية، على أساس أن الهدف الجزاء الإداري وقائي وليس ردعي.

ومن الأمثلة عن هذه الإجراءات الوقائية نذكر الأمر بمنع تفريغ سلعة بهدف التأكد من مدى مطابقتها للمواصفات القانونية ومدى صحتها للاستهلاك .ولقد أكد القاضي الإداري الجزائري على ذلك في قراره الصادر بتاريخ 25 فيفري 2003 في قضية الشركة ذات المسؤولية المحدودة (كوديال) ضد والي ولاية وهران والذي جاء فيه "... حيث أن الشركة ذات المسؤولية المحدودة (كوديال) الكائن مقرها الاجتماعي بالجزائر والممثلة بمسيرها القانوني والذي رفض دعواها لعدم تأسيسها قانونا الرامية إلى إبطال القرار الصادر عن والي ولاية وهران بتاريخ 02-11-2000 عدد 157 يتضمن إيقاف تفريغ سلعة.

وان الشركة قد تضررت كثيرا من هذه الوضعية كون المتعاملين التجاريين معها يطالبونها بتعويض يومي على التأخير في تنزيل البضاعة والمتمثلة في الحبوب المستوردة.

حيث أن قرار والي ولاية وهران تضمن إيقاف عملية التفريغ والشروع في إجراء تحقيق إداري في مراقبة النوعية للمادة المستوردة وعدم الشروع في وضع الحبوب المستوردة للاستهلاك إلا بالموافقة الشخصية للوالي.

لذا طلبت المستأنفة الأمر بتسريح بيع البضاعة وحيث انه يتبن من الاطلاع على قرار الوالي المراد إبطاله هو إجراء وتدبير وقائي وتحفظي الهدف منه الاحتفاظ على سلامة وصحة المستهلك الجزائري لغاية التحقق من سلامة المنتوج.

وحيث أن تدخل الوالي في اتخاذ هذا الإجراء يدخل ضمن صلاحياته لغاية التحقق من سلامة المنتوج المستورد والقول إذا كان مطابق للنصوص التشريعية، وهل هو قابل للاستهلاك وحيث انه بالرجوع إلى القانون رقم 89/02 المؤرخ في 07 فيفري 1989 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك لاسيما المادة 94 منه فانه يمكن للسلطة الإدارية المختصة أن تقوم في أي وقت وفي أي مرحلة من مراحل عرض المنتوج للاستهلاك بتحريات لمراقبة المطابقة قصد تفادي المخاطر التي قد تهدد صحة المستهلك وأمنه والتي تمس بمصالحه المادية.

وحيث بالرجوع إلى المادة 92 من القانون رقم 90/09 المؤرخ في 07 أفريل 1990 المتعلق بالولاية فان الوالي هو ممثل الدولة ومندوب الحكومة على مستوى ولايته، كما تضيف المادة 95 من نفس القانون انه يجب على الوالي أن يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهو مسؤول على المحافظة على النظام والأمن والسلامة...".

ثانيا: الأعمال المادية (أسلوب التنفيذ الجبري المباشر)

تتمتع القرارات الإدارية الضبطية بالقوة التنفيذية، بمعنى أنها واجبة النفاذ من تلقاء نفسها دون حاجة إلى استصدار حكم من القضاء، وبالتالي فالأفراد ملزمون باحترام القرارات الإدارية الضبطية وتنفيذها بمحض إرادتهم ونقصد هنا تلك القرارات الإدارية الضبطية الموجهة للأفراد والتي تتضمن الأمر بالقيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام بعمل ما.

بل ابعد من ذلك، فان اللجوء إلى القضاء بهدف ضمان تنفيذها في حالات معينة يجعل من الحكم دون فائدة، لذا يستحسن أن تضمن هيئات الضبط الإداري تنفيذ قراراتها بنفسها من خلال امتياز التنفيذ المباشر والجبري، الذي يعد مظهر من مظاهر السلطة العامة.

ونشير غالى آن وسائل إكراه الأفراد على الخضوع للقرارات الإدارية الضبطية ليست بذات المرتبة، حيث تنوعت ما بين التنفيذ الجبري عبر استخدام القوة العامة أو الوسائل الإكراهية، وبين التصرف التلقائي الذي لا يحتاج إلى أكثر من تصرف مادي بسيط.

1/ تعريف التنفيذ الجبري المباشر:

يقصد بالتنفيذ الجبري المباشر ذلك الأسلوب الذي يسمح للسلطة الإدارية بتنفيذ قراراتها بنفسها دون إذن مسبق من القضاء وذلك في حالة وجود نص صريح يسمح لها بذلك أو في حالة الاستعجال.

ويرى الأستاذ ماجد راغب الحلو أن حق التنفيذ المباشر هو حق الإدارة في أن تنفذ قراراتها بنفسها تنفيذا جبريا دون التجاء إلى القضاء ويعد حق التنفيذ المباشر من أهم الامتيازات التي تتمتع بها الإدارة في مزاولتها لنشاطها إذ عن طريقه تستطيع الإدارة في حالة امتناع الأفراد عن تنفيذ قراراتها اختيار أن تحصل على ما لها من حقوق قبلهم مباشرة وبالقوة إذا لزم الأمر وهذا الحق يدعم ما لقرارات الإدارة في ذاتها من قوة تنفيذية تتمثل في أنها يمكن أن ترتب آثارا في حق الأفراد بصرف النظر عن إرادتهم.

القاعدة العامة تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات، وكذا الفصل بين السلطة والوظيفة، أنه من غير المعقول أن تكون الجهة التي تقرر الإجراء هي نفسها الجهة التي تنفذ هذا الإجراء، بل على السلطة الإدارية -وفي موضوعنا سلطة الضبط الإداري -أن تلجأ إلى القضاء لضمان تنفيذ قراراتها في حالة تقاعس المخاطبين بها استثناءا يمكن لهيئات الضبط الإداري أن تلجأ إلى تنفيذ قراراتها بطريقة مباشرة وجبري أي باستعمال القوة دون حاجة إلى إذن من القضاء. ففي بعض الحالات تجد سلطات الضبط الإداري نفسها أمام وضعيات يستلزم عليها استعمال الإكراه بهدف ضمان تنفيذ قراراتها لتحقيق الغرض من وجودها والمتمثل في حماية النظام العام أو إعادة صيانته في حالة اضطرابه، ومن ثم فان إخضاعها إلى ضرورة اللجوء إلى القضاء والحصول على إذن مسبق قد يجعل من تدخلها بدون جدوى.

ففي حالة المظاهرة مثلا فان سلطات الضبط الإداري تلجأ إلى استعمال القوة بهدف تفريق المتظاهرين الذين يصرون على تنظيمها رغم صدور أمر بمنعها، إذ تعد بمثابة تجمهر يعاقب عليه القانون نظرا لخطورتها على النظام العام وهذا ما نصت عليه المادة 19 من قانون 91-19 المؤرخ في 02 ديسمبر 1991 على أنه: "كل مظاهرة تجري بدون ترخيص وبعد منعها تعتبر تجمهرا".

كما نصت المادة 14 من المرسوم رقم 81-267 على أنه يتخذ وينفذ رئيس المجلس الشعبي البلدي، في إطار التنظيم المعمول به، كل الاجراءات التي من شأنها أن تضمن حسن النظام والأمن وكذلك الحفاظ على الطمأنينة والآداب العامة كما يجب عليه قمع كل ما من شأنه أن يخل بذلك".

والأمثلة عن التنفيذ المباشر كثيرة كأن تلجأ لسلطات الضبط الإداري إلى هدم المباني الآيلة إلى السقوط إذا كان ذلك يشكل خطرا على المارة، وكذلك الأوامر الشفوية التي يصدرها يوميا رجال الشرطة بقصد تنظيم حركة المرور في المدن...الخ.

2/ شروط تطبيق التنفيذ الجبري المباشر:

يتضح جليا أن هذا الإجراء يشكل كذلك خطرا على حقوق وحريات الأفراد، مما جعل القضاء الإداري يضع له حدود وضوابط بهدف تفادي أي تعسف من قبل سلطات الضبط الإداري، ومن ثم لا يمكن اللجوء إلى هذا الأسلوب الاستثنائي إلا في حالة:

- وجود نص صريح يسمح لسلطات الضبط الإداري باللجوء إلى التنفيذ المباشر والجبري. 

- في حالة الاستعجال. 

ومن اجل ضمان حماية الأفراد في مواجهة سلطات الضبط الإداري أثناء اللجوء إلى التنفيذ المباشر والجبري فانه يقع على عاتق سلطات الضبط الإداري أثناء اللجوء إلى هذا الأسلوب التزامات عديدة لا يمكن لها مخالفتها نذكر منها:

- أن تنصب عملية التنفيذ المباشر والجبري على قرارات مشروعة، مما يجعل تنفيذ القرارات غير المشروعة تنفيذا جبريا يشكل تعديا وقد يتعلق الأمر بتنفيذ نص قانوني أو لائحي.

- يجب أن لا تلجأ سلطات الضبط الإداري إلى التنفيذ الجبري إلا إذا صادفها مقاومة ومعارضة من طرف المخاطبين بالاجراءات الضبطية، وبعد إنذارهم ومنحهم مدة معقولة قبل التدخل بالقوة.

- يجب أن تقتصر عملية التنفيذ الجبري على الإجراءات الهادفة فقط إلى حماية النظام العام قبل إضرابه أو إعادته في حالة اختلاله دون أن تتعدى ذلك.

- أن تلتزم سلطات الضبط الاداري بإتباع الإجراءات الأولية منها الاستشارة المسبقة إذا كان القانون يشترط ذلك .فالقانون الفرنسي يشترط مثلا قبل اتخاذ قرار منع الإقامة الذي يعتبر إجراء أولي قبل اتخاذ قرار الإبعاد استشارة لجنة رخصة الإقامة.

استثناء يمكن لسلطة الضبط الإداري أن تتخذ قرارها دون استشارة مسبقة مثل قرار الطرد إذ يمكن للإدارة اتخاذها في حالة الاستعجال القصوى دون الاستشارة المسبقة للجنة الطرد.

كما نص المشرع الجزائري على سلطة هيئات الضبط الإداري في اتخاذ قرار الإبعاد والطرد إلى الحدود وذلك طبقا للمادة 22 من التي جاء فيها "علاوة على الأحكام المقررة في المادة 22 (الفقرة 3) أعلاه، فان إبعاد الأجنبي خارج الإقليم الجزائري يمكن أن يتخذ بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية في الحالات الآتية:

* إذا تبين للسلطات الإدارية أن وجوده في الجزائر يشكل تهديدا للنظام العام و/أو لأمن الدولة، إذا صدر في حقه حكم أو قرار قضائي نهائي يتضمن عقوبة سالبة للحرية بسبب ارتكابه جناية أو جنحة،

* إذا لم يغادر الإقليم الجزائري في المواعيد المحددة له طبقا لأحكام الفقرة الاولى و الثانية من المادة 22 المشار إليها أعلاه، ما لم يثبت أن تأخره يعود إلى قوة قاهر".

ومن الأمثلة حول إمكانية اللجوء إلى التنفيذ المباشر والجبري دون حاجة إلى إذن من القضاء نذكر لجوء الإدارة إلى الهدم في حالة البناء بدون رخصة.

تنص المادة 76 مكرر 4 من القانون رقم 04-05 على أنه: "عندما ينجز البناء دون رخصة، يتعين على العون المؤهل قانونا تحرير محضر إثبات المخالفة وارساله الى رئيس المجلس الشعبي البلدي والوالي المختصين في اجل لا يتعدى اثنين وسبعين ساعة.

وفي هذه الحالة، ومراعاة للمتابعات الجزائية، يصدر رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص قرار هدم البناء في اجل ثمانية أيام، ابتداء من تاريخ استلام إثبات المخالفة.

عند انقضاء المهلة، وفي حالة قصور رئيس المجلس الشعبي البلدي المعني، يصدر الوالي قرار هدم البناء في اجل لا يتعدى ثلاثين يوما.

تنفذ أشغال الهدم من قبل مصالح البلدية وفي حالة عدم وجودها، يتم تنفيذ الأشغال بواسطة الوسائل المسخرة من قبل الوالي...".

ولقد أكد مجلس الدولة الجزائري على ذلك في قراره رقم 890273 الذي جاء فيه:"... وأنه بذلك، فالسلطة الإدارية مؤهلة تمام الأهلية للقيام بهدم الأشغال المنجزة خرقا لآمر وقف الأشغال، وذلك دون اللجوء إلى قرار قضائي، كما هو عليه الحال بالنسبة لهذه القضية...".  كما أكد مجلس الدولة على سلطة البلدية في اتخاذ قرار الهدم البيانات القديمة التي تشكل خطرا على سلامة المواطنين باعتبار ذلك من صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي .حيث جاء في قراره الصادر بتاريخ 16 سبتمبر 2003 ما يلي ..."وحيث أنه بالرجوع الى دراسة الوثائق والمستندات يستفاد وان المستأنف عليه الذي يملك عمارة قديمة تقع بشارع أول نوفمبر والتي يع ود بناءها للقرن الماضي، ونظرا لما تشكله من خطر على شاغليها، استفاد من رخصة هدم من طرف بلدية العلمة والتي قبل أن تمنحه رخصة الهدم وتصدر قرار الهدم، اتخذت كل الاجراءات القانونية المتبعة في هذا المجال أين قامت المصالح التقنية والفنية والأمنية بمعاينة الحارة القديمة والتأكد من حالتها والخطر المحدق بشاغليها بالإضافة إلى تسوية المنظر العام للمدينة ومحيطها العمراني...

حيث انه يستخلص من معطيات الملف أن القرار المراد إبطاله يدخل ضمن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي في إطار أعمال الضبط الإداري المخولة له من اجل المحافظة على النظام العام والآمن العام والصحة العامة بموجب مداولاته...".

المرجع:

  1. د. بن عودة حسكر مراد، محاضرات في مقياس سلطات الضبط الإداري، جامعة أبو بكر بلقايد، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2017-2018، ص36 إلى ص50.

google-playkhamsatmostaqltradent