التزامات التاجر

التزامات التاجر

يترتب على اكتساب الشخص الطبيعي أو المعنوي لصفة التاجر أثار قانونية هامة يفرضها عنصرا السرعة والائتمان اللذان تقوم عليهما التجارة، فدعما للائتمان والثقة فرض المشرع على من يمارس التجارة شهر مركزه القانوني والعناصر المكونة لنشاطه التجاري فألزمه بالقيد في السجل التجاري (المطلب الأول)، وفي سبيل تنظيم نشاطه حتى يعود عليه بالفائدة وعلى الخزينة العمومية فرض عليه القانون الالتزام الثاني وهو الالتزام بمسك دفاتر معينة يدوّن فيها جميع العمليات المالية التي يجريها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الالتزام بالقيد في السجل التجاري

نظم المشرع الجزائري أحكام الالتزام بالقيد في السجل التجاري الملقى على عاتق التاجر من خلال المواد من 19 إلى 28 قانون تجاري فما هو مضمون هذا الالتزام (الفرع الأول)، وقد صدرت بموجبه نصوص قانونية أخرى تنظيمية توضح تفاصيل هذا الالتزام من خلال تبيان الأشخاص الملزمون بالقيد والشروط التي لابد أن تتوفر فيهم (الفرع الثاني)، وما هي الآثار المترتبة عند الخضوع لهذا الالتزام (الفرع الثالث) وفي المقابل ماذا يترتب عن عدم القيد في السجل التجاري (الفرع الرابع).

الفرع الأول: مفاهيم عامة

من خلال هذا الجزء نتناول المقصود بالسجل التجاري وأهميته وكذا كيفية تنظيمه.

أولا: تعريف وأهمية السجل التجاري

1- تعريف السجل التجاري: يقصد بالسجل التجاري ذلك الدفتر المتضمن أسماء التجار والوقائع المتصلة بنشاطهم التجاري لتمكين الغير من الوقوف على حقيقة مركزهم المالي ومتابعة التغيرات التي تطرأ على هذا المركز، وقد شهد عدة تطورات عبر التاريخ.

 تعود نشأة السجل التجاري إلى نظام الطوائف المعروف آنذاك بايطاليا في القرن الثالث عشر (13م) وكان يسمى آنذاك بـ"سجل الطوائف" حيث لا يعّد مكتسبا لصفة التاجر من لم يسجل نفسه بهذا السجل وذلك من أجل تنظيم شؤونهم التجارية، وقد زال العمل بهذا السجل بعد الثورة الفرنسية ولم يعمل به إلى غاية سنة 1919 حيث أصبحت له وظيفة إدارية بحتة وهي تمكين الغير من معرفة وضعية التاجر، لكن ألمانيا منحت للسجل أهمية كبيرة واعتبرته قرينة قاطعة على اكتساب صفة التاجر وبذلك تعتبر من الدول السبّاقة في ذلك في العصر الحديث.

2- أهمية السجل التجاري: تكمن أهمية هذا السجل في كونه يساعد على دعم الائتمان التجاري باعتباره وسيلة إعلام للغير بنشاط التجار ومركزه المالي، أي يمكن اعتبار أن أهمية السجل التجاري تُستمد من الوظائف التي يؤديها وهي إثبات صفة التاجر، أيضا يؤدي وظيفة إشهارية حيث يسمح بالاطلاع على الوضعية المالية للتاجر من خلال البيانات التي يقدمها، ووظيفة إحصائية اقتصادية وذلك بإحصاء عدد التجار ومختلف الأنشطة التجارية الممارسة في التراب الوطني أو المحلي.

ثانيا: تنظيم السجل التجاري

يخضع السجل التجاري لأحكام تنظيمية من حيث النصوص القانونية المنظمة له وأيضا للجهات المسؤولة عن تنظيمه وتنفيذ تلك النصوص القانونية. 

1- التنظيم القانوني: صدرت عدة قوانين اهتمت بتنظيم السجل التجاري بعد صدور القانون التجاري، لكن أهمها كان قانون رقم 90- 22 المتعلق بالسجل التجاري، ثم تلاه قانون رقم 91- 14 المنظم للمركز الوطني للسجل التجاري، بعدها صدر المرسوم التنفيذي رقم 97- 41  المتعلق بشروط القيد بالسجل التجاري، وتوالت التعديلات على هذه النصوص بما يتماشى مع تطور التجارة وصولا إلى قانون رقم 04- 08 المتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية المعدل والمتمم (المذكور سابقا)، والمرسوم التنفيذي رقم 15-111، ونصوص قانونية أخرى مختلفة تناولت مواضيع لها صلة بالسجل التجاري كتلك التي تضمنت مدونة الأنشطة التجارية، وأخرى حددت قائمة الأنشطة المقننة الخاضعة للقيد في السجل التجاري...إلخ.

تعتبر الأنشطة التجارية طبقا لقانون السجل التجاري كل عملية بيع أو شراء (بالجملة أو التجزئة، نشاط قار أو غير قار)، وإنتاج السلع أو تقديم خدمات أو تسيير لمحل تجاري. 

كما يقصد بمصطلح التسجيل في السجل التجاري كل قيد أو تعديل أو شطب يرد على النشاط التجاري طبقا لنص المادة  2 فقرة 2 من مرسوم تنفيذي رقم 15- 111 المذكور أنفا، ويكون القيد إما أن يكون رئيسيا أو ثانويا عند ممارسة عدة أنشطة تجارية مهما اختلفت ولهذا القيد طابع شخصي يسمح فقط للطرف صاحبه من ممارسة التجارة وبالتالي لا يمكن أن يكون السجل التجاري محل توكيل للغير من اجل استغلاله باستثناء الزوج أو الأصول والفروع من الدرجة الأولى.

2- التنظيم الهيكلي: يوجد على مستوى التراب الوطني نوعين من مراكز السجل التجاري، الأول محلي موجود في مقر كل ولاية، يشرف عليه مأمور السجل التجاري، وسجل وطني أو مركزي يوجد بالجزائر العاصمة تقيد فيه أسماء جميع التجار على مستوى التراب الوطني وهذه مهمة إدارية بحتة.

يشرف على هذا السجل التجاري الجهات القضائية المختصة حيث يتولى قاضي السجل التجاري مراقبة هذا السجل وتسييره وله سلطة التحقق من صحة البيانات التي يقدمها المعنيون وهذا ما أقره القانون رقم 90-22 السالف ذكره، ويتوجب على كل شخص يمارس النشاط التجاري القيد في السجل التجاري مصحوبا بالوثائق المطلوبة قانونا، على أنه تم استحداث بوابة الكترونية تسمح بالحصول على مستخرج سجل تجاري الكتروني بعد تعديل قانون رقم 04-08 سنة 2018

الفرع الثاني: الأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري والشروط الواجب توافرها فيهم

حددت المادة 20 من القانون التجاري نطاق هذا الالتزام من حيث الأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري وبينت المادة 19 منه الشروط الواجب توافرها في هؤلاء الأشخاص.

أولا- الأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري

اتفقت مختلف النصوص التي عنيت بتنظيم أحكام السجل التجاري على قائمة الأشخاص الملزمين بالقيد كما حددتهم المادة 20 قانون تجار ي) أو المادة 04 من مرسوم تنفيذي رقم 97- 41 والمتعلق بشروط القيد في السجل التجاري (الملغى)، والمادة 04 من مرسوم تنفيذي رقم 15-111 يحدد كيفيات القيد والتعديل والشطب في السجل، والمادة 04 من القانون 04-08 المعدل والمتمم، وهم: 

1. كل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا.

2. كل مقاولة تجارية يكون مقرها في الخارج وتفتح في الجزائر وكالة أو فرعا.

3. كل ممثلية تجارية أجنبية تمارس نشاطا في الجزائر.

ثانيا- الشروط الواجب توافرها في الأشخاص الملزمين بالقيد في السجل التجاري

 يتضح من خلال نصي المادتين 19 و20 من القانون التجاري ضرورة توفر جملة من الشروط لكي يقيد الشخص في السجل التجاري وهي:

1- أن يكون الشخص تاجرا: ينطبق هذا الشرط على الشخص الطبيعي والمعنوي، والوطني أو الأجنبي، فكل شخص اعتاد امتهان الأعمال التجارية يعدّ  تاجرا طبقا لنص المادة الأولى قانون تجاري، أما بالنسبة للشركة فهي تكتسب الصفة التجارية بحسب الشكل أو بحسب طبيعة نشاطها (المادة 544 قانون تجاري)، وبالتالي استبعاد الشركات المدنية والنشاطات الحرفية والصناعات التقليدية والمهن الحرة والنشاطات الفلاحية والمؤسسات المكلفة بتسيير خدمة عمومية طبقا لنص المادة السابعة من قانون رقم 04-08 المعدّل والمتمّم عدا المؤسسات ذات الطابع الصناعي  والتجاري من الالتزام بالقيد في السجل التجاري.

2- مزاولة النشاط التجاري على التراب الوطني: لا يكفي مجرد التمتع بالصفة التجارية حتى يلتزم الشخص بالقيد في السجل التجاري وإنما اشترط القانون ضرورة ممارسة هذا النشاط على التراب الوطني سواء كان المحل التجاري رئيسيا أو فرعيا، أو حتى مجرد وكالة، لذا يتوجب على الشركات الأجنبية التي يوجد مقرها بالخارج وتمارس نشاطا تجاريا بالجزائر أن تتخذ مقرا (أو عنوانا) لها بالجزائر وتقيد في السجل التجاري وهو ما تؤكده المادة 50 فقرة 05 قانون مدني.

3- يجب أن لا يكون التاجر ممنوعا من ممارسة التجارة: لم يرد هذا الشرط بنص صريح في القانون التجاري، لكنه ورد في باقي القوانين المطبقة التي منعت الشخص من القيد في السجل التجاري في حالات معينة وهي حالة التنافي، وحالة صدور حكم في بعض الجرائم الماسة بالمال ولم يرد اعتبارهم، بالإضافة إلى منع أي مؤسسة أو شخص من ممارسة نشاط حكرا على الدولة وهذا طبقا لنص المادة 13 من القانون رقم 90- 22 والمادتين 8 و9 من القانون رقم 04-08 المعدل والمتمم.

الفرع الثالث: الآثار المترتبة عن القيد في السجل التجاري

يترتب على القيد في السجل التجاري آثار هامة نستخلصها من خلال المادتين 21 من القانون التجاري و18 من القانون رقم 90- 22 (المذكور سابقا) وهي: 

1- ثبوت الصفة التجارية للتاجر قانونيا، حيث يعدّ القيد في السجل التجاري قرينة قاطعة على ذلك بعدما تم حذف عبارة "إلا إذا ثبت خلاف ذلك" إثر تعديل المادة 21 قانون تجاري سنة 1996، وهذا لا ينفي عن الشخص الغير مقيد في السجل التجاري والذي اعتاد على ممارسة الأعمال التجارية صفة التاجر، لكن من الناحية القانونية يعدّ  تاجرا فعليا ويختلف الأثر المترتب على ذلك إذ يحرم من التمتع بالحقوق الناجمة عن هذه الصفة كالصلح الواقي من الإفلاس والترشح للعضوية في غرفة التجارة.

2- ثبوت الشخصية المعنوية للشركة إثر قيدها في السجل التجاري وما ينجم عنه من تحمل الأعباء واكتساب حقوق وهذا بنص صريح ورد بالمادة 549 من القانون التجاري، وأي تعديل يمس الشركات يجب أن يرد بالسجل التجاري.

3- يسمح للتاجر بالتصريح عن نشاطه بالنسبة للغير الذي يريد التعامل معه على أساس أن القيد في السجل التجاري له وظيفة إشهارية، من حيث طبيعة النشاط، وعنوانه... إلخ خاصة بالنسبة للشركات حيث يعدّ الإشهار إجباريا لتمكين الغير من الاطلاع على العقود التأسيسية والمركز المالي لها... إلخ استنادا لنص المادة 20 من قانون السجل التجاري والمواد من 11 إلى 15 من القانون رقم 04- 08 المعدّ ل والمتمم.

4- لا يمكن الاحتجاج بالبيانات الواردة بالمادة 25 من قانون السجل التجاري ما لم تسجل في السجل التجاري أو كان يعلم الغير بها عند التعاقد والتي تخص الرجوع عن ترشيد القاصر، أو صدور أحكام تقتضي إما الحجز على التاجر أو بطلان شركة تجارية وحلها.

5- يجب تدوين رقم التسجيل الممنوح والوارد بالسجل التجاري في جميع الفواتير والمراسلات... إلخ طبقا للمادة 27 قانون تجاري، على أنه يمنح مستخرج واحد من السجلات للتاجر المعني طيلة حياته التجارية (المادة 16 قانون السجل التجاري).

6- لا تسقط التزامات صاحب المحل التجاري الذي تنازل عنه أو أجره إيجار تسيير إلا بعد قيد ذلك التنازل في السجل التجاري عملا بأحكام المادة 23 قانون التجاري.

الفرع الرابع: الآثار والجزاءات المترتبة عن عدم القيد في السجل التجاري

رتب القانون التجاري آثار على عدم الالتزام بالقيد بالسجل التجاري إلى جانب جزاءات تصدر في حق هذا الشخص أو التاجر المقصر.

أولا: الأثار المترتبة على عدم القيد في السجل التجاري

1- نستنتج من خلال نص المادة 22 قانون التجاري أن التاجر الذي لم يبادر إلى القيد في السجل التجاري في ظرف شهرين من ممارسة نشاط تجاري يفقد كل حقوقه في مواجهة الغير أو الإدارات العمومية بوصفه تاجرا، وفي نفس الوقت لا يمكنه الاحتجاج بعدم القيد في السجل من أجل التهرب من المسؤوليات والواجبات المفروضة على أي تاجر كدفع المستحقات الضريبية ولا يمكنه الاستفادة من التسوية القضائية أو الصلح الواقي من الإفلاس.

2- لا يجوز للتاجر الذي تعاقد معه أن يحتجّ ببعض البيانات ما لم يتم إعلانها بالسجل التجاري طبقا لأحكام المواد 24 و25 من القانون التجاري (سبق ذكرها).

ثانيا- الجزاءات المترتبة عن عدم القيد في السجل التجاري

رتبت مختلف القوانين التي نظمت أحكام السجل التجاري جزاءات مختلفة نتيجة عدم القيد في السجل التجاري وهي:

1- جزاءات جنائية: تصدر هذه الجزاءات وفق أوضاع مختلفة تطبيقا لنص المادة 28 من القانون التجاري والتي وردت بالقانون رقم 04-08 المعدل والمتمم في المواد من 31 إلى 41 منه، ويمكن تلخيصها كما يلي: 

أ‌- الغرامة المالية: يختلف تقديرها حسب المخالفة المرتكبة وهي تتراوح ما بين 10.000 إلى 5000.000 دج منها الإدلاء عن قصد بتصريحات غير صحيحة بهدف التسجيل في السجل التجاري، عدم المبادرة إلى تعديل بيانات السجل التجاري تبعا للتغيرات القانونية الطارئة.

ب‌- الحبس: وردت حالة واحدة يمكن للقاضي أن يحكم فيها بالحبس لمدة تتراوح ما بين 06 أشهر إلى سنة واحدة اضافة إلى غرامة مالية (من 100.000 إلى 1.000.000 دج) عند لجوء هذا التاجر إلى تزوير أو تقليد السجل التجاري أو أية وثيقة مرتبطة به.

2- جزاءات أخرى: قد تكون إدارية أو مدنية (جبر الضرر) وتتمثل في:

أ‌- غلق المحل التجاري: يقصد به غلق المحل التجاري لفترة محددة إلى غاية تسوية الوضعية التي أدّت إلى اتخاذ هذا الإجراء، وهو في الغالب إجراء إداري يصدره الوالي بموجب قرار بعد إعلامه من طرف السلطات المؤهلة لذلك (مصالح التجارة أو الضرائب)، كما يمكن للقاضي الأمر به بمناسبة النظر في دعوى مرفوعة ضد تاجر لم يحترم الالتزامات المفروضة عليه.

ب‌- الحجز: أجازت المادة 32 فقرة 02 من القانون 04-08 للسلطات الحق في حجز السلع أو وسيلة النقل المستعملة بالنسبة للتاجر الذي يمارس تجارة غير قارة بدون قيد في السجل التجاري.

جـ- المنع من ممارسة التجارة: في بعض الحالات منح القانون للقاضي الحق في إصدار حكم بالمنع في حق التاجر من ممارسة التجارة قد تصل إلى غاية خمس (05) سنوات وهذا في حالة التزوير أو تقليد للسجل التجاري.

 د- شطب السجل التجاري: يمنح للتاجر الذي أخلّ بالالتزام بالقيد في السجل التجاري وفق الشروط المنصوص عليها مهلة لتسوية وضعيته، وإذا لم يبادر إلى ذلك عند انتهاء الأجل الممنوح، يمكن أن يصدر حكم بشطب سجله التجاري، كممارسة نشاط تجاري دون اعتماد أو قرار أو نشاط قار دون محل تجاري أو منح وكالة لاستغلال المحل التجاري الغير المرخص لهم بذلك.

يجب التنويه إلى أنه لا يتخذ إجراء الشطب كجزاء فحسب بل يمكن شطب السجل التجاري في حالات أوردتها المادة 20 من المرسوم التنفيذي رقم 15- 111 وهي: 

• عند التوقف النهائي عن ممارسة النشاط.

• وفاة التاجر (وذلك بطلب من خلفه في الحقوق).

• الغلق النهائي للمحل التجاري.

• تعرض التاجر للإفلاس أو التسوية القضائية (شخصا طبيعيا أو معنويا).

• حل الشركة التجارية بقرار يقضي بالشطب من السجل التجاري (يمكن لمصالح المراقبة المؤهلة توجيه طلب إلى مصالح السجل التجاري من أجل شطب السجل التجاري).

• ممارسة نشاط تجاري بمستخرج سجل تجاري منتهي الصلاحية.

الالتزام بمسك الدفاتر التجارية

يلتزم كل تاجر طبقا للتشريع التجاري بمسك دفاتر معينة يقيّدون فيها ما لهم من حقوق وما عليهم من ديون ويثبتون فيها جميع العمليات التجارية التي يباشرونها من هنا تكمن أهمية مختلف الدفاتر التجارية بالنسبة للتاجر أو الغير (المطلب الأول) ،على أنه يتوجب مسك هذه الدفاتر بطريقة منتظمة تمكّن التاجر من الاستناد إليها (المطلب الثاني) وحتى تكون لها حجية في الإثبات (المطلب الثالث) أو عند تقديمها أمام القضاء (المطلب الرابع).

المطلب الأول: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية وأنواعها

أولى المشرع الجزائري أهمية خاصة في تحديد الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية بنص صريح (الفرع الأول)، كما أكدّ على إلزامية أنواع من الدفاتر المتعامل بها دون سواها، وعليه تم تقسيمها إلى أنواع (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية

يتضح من خلال نص 09 من القانون التجاري أنّ المشرع الجزائري فرض على كل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا الالتزام بمسك الدفاتر التجارية، حيث تنص المادة أعلاه على ما يلي: " كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفتر اليومية يقيد فيه يوما بيوم عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريا بشرط أن يحتفظ في هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميا".

يتضح من خلال نص هذه المادة أنّ المشرع الجزائري فرض على كل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا الإلتزام بمسك الدفاتر التجارية وهذا دون تمييز بين التاجر الجزائري والتاجر الأجنبي المقيم بالجزائر أو بين الشركات التجارية على أن الشريك المتضامن غير ملزم بمسك هذه الدفاتر حتى ولو اكتسب صفة التاجر (من انضمامه لشركة التضامن).

كما أنه جرى العرف التجاري على التسامح مع صغار التجار بإعفائهم من هذا الإلتزام لما يتطلبه استخدام هذه الدفاتر من تكاليف باهظة ووقت لا يتناسب مع نشاط بسيط ذو دخل زهيد كالبائع المتجول.

الفرع الثاني: أنواع الدفاتر التجارية

ألزم المشرع الجزائري كل تاجر أن يمسك دفاتر بشكل إجباري وهي دفتر اليومية ودفتر الجرد ومنح له إمكانية الاستعانة بدفاتر أخرى إذا استلزمت تجارته ذلك.

أولا: الدفاتر الإجبارية (أو الإلزامية): نستنتج من خلال المواد 9 و10 و11 قانون تجاري أن الدفاتر الإلزامية هي: 

1- دفتر اليومية (livre-journal): يعتبر أهم الدفاتر التجارية حيث يقوم التاجر بتسجيل جميع العمليات المالية يوما بيوم وبالتفصيل تبعا لنص المادة 09 قانون تجاري من بيع وشراء أو غير ذلك.

لكن من الناحية العملية يصعب قيد جميع العلميات في دفتر واحد لذا يلجأ التاجر إلى دفاتر مساعدة كدفتر للمشتريات وآخر للمبيعات وآخر المصروفات، وما عليه إلا تقييد هذه العلميات إجمالا دون تفصيل من فترة لأخرى في دفتر اليومية الأصلي (شهريا مثلا) وهو ما أجازته المادة 09 قانون تجاري شريطة الإحتفاظ بجميع الوثائق المرتبطة بالعملية.

2- دفتر الجرد أو الموازنة (livre d’inventaire): نصت المادة 10 قانون تجاري على ما يلي: "يجب عليه أيضا أن يجري سنويا جردا لعناصر أصول وخصوم مقاولته وأن يقفل كافة حساباته بقصد إعداد الميزانية وحساب النتائج وتنسخ بعد ذلك هذه الميزانية وحساب النتائج في دفتر الجرد".

يلتزم التاجر من خلال هذا النص في آخر كل سنة مالية بجرد أموال منشآته وهي ما للتاجر من أموال (منقولة أو ثابتة) وحصر ماله من حقوق وما عليه من ديون وتدوين ذلك تفصيلا في دفتر الجرد (أو قوائم الجرد) وبتحرير الميزانية العامة مستعينا بدفتر الجرد (الميزانية تتكون من جانبين الأصول والخصوم)، وهي الغاية من دفتر الجرد أي تحديد الأرباح والخسائر. 

ثانيا: الدفاتر الاختيارية: يقوم عادة التاجر بمسك إلى جانب الدفاتر الإلزامية دفاتر أخرى مساعدة تستدعيها طبيعة نشاطه التجاري وهي دفاتر اختيارية أهمها: 

1- دفتر الأستاذ (le grand livre): تنقل إليه القيود الواردة بدفتر اليومية كل مدة معينة وترتب حسب فيه العمليات حسب نوع البضاعة أو أسماء العملاء فلكل عميل أو نوع منها حساب مستقل، وحساب للأوراق التجارية للقرض أو الدفع، وحساب الأرباح والخسائر وغيرها.

2- دفتر الصندوق (le livre de caisse): تدوّن فيه كل المبالغ النقدية التي تدخل الصندوق والتي تخرج منه وهو مهم بالنسبة للتاجر لأنه يحدد رصيده في آخر كل يوم.

3- دفتر المسودة (livre de main courante): تدوّن فيه العمليات التجارية بمجرد أن تتم على وجه السرعة على أن يتم نقلها في دفتر اليومية بانتظام.

4- دفتر المخزن (livre de stocks): ترد فيه جميع العمليات المرتبطة بحركة البضائع التي تدخل المخزن وتخرج منه.

5- دفتر الأوراق التجارية: تقيد فيه تواريخ استحقاق الأوراق التجارية الواجب تحصيلها من الغير، وتلك التي يتعين الوفاء بقيمتها للغير.

المطلب الثاني: تنظيم مسك الدفاتر التجارية وأثار الإخلال به

تكتسي عملية تنظيم الدفاتر التجارية أهمية خاصة لهذا أولاها المشرع الجزائري بالتنظيم من حيث كيفية مسكها ومدة الاحتفاظ بها (الفرع الأول)، وبالتالي يترتب أثار قانونية على عدم الالتزام بما فرضه القانون من جزاءات مختلفة وصارمة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تنظيم مسك الدفاتر التجارية

يخضع مسك الدفاتر التجارية لأحكام خاصة من حيث كيفية تقييد البيانات ومدة الاحتفاظ بها وهذا ما نتناوله في هذا الجزء.

أولا- شروط مسك الدفاتر التجارية: نستخلص هذه الشروط من نص المادة 11 قانو ن تجاري، وعليه حتى يعتدّ بهذه الدفاتر لابدّ من مسكها بالشكل المنصوص عليه قانونا سعيا إلى ضمان صحة البيانات المدونة فيها ومنعا لأي تلاعب مادي نظرا لأهميتها في الإثبات كما يلي: 

1- تدون العمليات التجارية حسب تواريخ وقوعها.

2- يجب أن تكون الدفاتر التجارية خالية من أي فراغ أو كتابة في الهامش أو كشط أو تحشير بين السطور والقصد من ذلك هو منع ملأ تلك الفراغات وإذا أريد تصحيح بيان قيد خطأ أو سهوا كان ذلك بكتابة أخرى في تاريخ اكتشاف الخطأ.

3- يجب قبل استعمال هذه الدفاتر ترقيم صفحاتها، وأن يوقّع على كل ورقة فيها قاضي المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها السجل التجاري منعا لإخفاء بعض الصفحات أو استبدالها حفاظا عليه.

ثانيا- مدة الاحتفاظ بها: يحتفظ التاجر بالدفاتر التجارية الإجبارية المنصوص عليها بالمادتين 9 و10 من القانون التجاري لمدة عشر سنوات كما تحفظ المراسلات وغيرها من المستندات التي تتصل بأعمال التجارة لمدة 10 سنوات وهو ما نصت عليه المادة 12 قانون تجاري.

تبدأ المهلة في السريان ابتداء من تاريخ إقفال الدفاتر، بعدها يحق للتاجر أن يعدمها وهو غير ملزم بتقديمها للقضاء لقيام قرينة قانونية على إعدامها، غير أنه يمكن إثبات عكسها، وحينئذ يلتزم التاجر بتقديمها (من الأفضل للتاجر الاحتفاظ بها لمدة أطول حتى تنقضي جميع الحقوق الثابتة بها).

الفرع الثاني: الأثار المترتبة على عدم مسك الدفاتر أو انتظامها

قرر المشرع الجزائري على غرار باقي التشريعات عقوبات على التاجر الذي لا يلتزم بمسك الدفاتر التجارية أو أمسكها لكن بطريقة عند منتظمة وتنقسم العقوبات إلى جنائية ومدنية:

أولا- الجزاءات المدنية

يمكن تلخيص الآثار المدنية التي تترتب في حالة إخلال التاجر بقواعد مسك الدفاتر التجارية فيما يلي:

1- إذا لم يمسك التاجر دفاتر تجارية منتظمة فلا يعتدّ بها في الإثبات لمصلحته.

2- إذا لم يمسك التاجر الدفاتر بشكل منتظم فرضت عليه ضريبة من طرف مصلحة الضرائب جزافيا (خاصة الضريبة على الأرباح).

3- إذا لم يحترم التاجر الشروط الخاصة بمسك الدفاتر وكانت غير منتظمة حرم من الصلح الواقي من الإفلاس لصعوبة تحديد مركزه المالي.

ثانيا: العقوبات الجزائية

لم تفرض أية عقوبة جزائية على عدم مسك الدفاتر أو مسكها بطريقة غير منتظمة إلا في حالة إفلاس التاجر، فإذا توقف التاجر عن دفع ديونه وتبيّن عدم مسكه للدفاتر التجارية أو مسكها بغير إنتظام حكم عليه بالإفلاس بالتقصير المعاقب عليه بالمادة 383 قانون عقوبات عملا بالمادة 370 قانون تجاري، أو مفلسا بالتدليس إذا أما أخفى الدفاتر أو بددها حسب المادة 374 قانون تجاري وذات الحكم ينطبق على الشركة المفلسة بالتقصير طبقا للمادة 378 فقرة 05 قانون تجاري.

المطلب الثالث: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات

إذا كان التاجر ملزما بمسك الدفاتر التجارية قانونا إلا أنه مسؤول بمفرده عن تدوين البيانات فيها وهي بذلك بمثابة إقرار كتابي في مواجهة التاجر بها، وعليه رتب القانون للدفاتر التجارية حجية في الإثبات سواء لمصلحة التاجر (الفرع الأول) أو ضده وهو خروج عن القاعدة العامة التي لا تلزم الشخص يتقدم دليل ضد نفسه أو لا تخوله اصطناع دليل لنفسه في مواجهة الغير لكن يبقى الإعتماد على الدفاتر كوسيلة إثبات مرهون بتوفر شروط محددة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر

تختلف حجية الدفاتر التجارية المستعملة في الإثبات تبعا لصفة الطرف الثاني في المنازعة أي في حالة ما إذا كان التعامل بين تاجرين أو بين تاجر وغير تاجر.

أولا- حجية الدفاتر التجارية بين تاجرين: أجاز القانون للتاجر الحق في التمسك بدفاتره التجارية لأجل الإثبات في دعاوى المرفوعة بين التجار والمتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر منتظمة وهذا بنص صريح في المادة 13 قانون تجاري بشرط أن تتوافر ثلاث شروط وهي: 

1- أن يكون النزاع قائما بين تاجرين أي بين شخصين ملزمين بمسك الدفاتر حتى يتسنى للقاضي إجراء مقارنة بين بيانات دفاتر كل تاجر، فله قبولهما عند تطابق البيانات أو رفضهما أو ترجيح بيانات أحدهما على الآخر.

2- أن يكون موضوع النزاع متعلقا بعمل تجاري بالنسبة للخصمين، أما إذا كان الأمر يتعلق بمشتريات لتلبية حاجيات خاصة فلا يجوز الاحتجاج بالدفاتر التجارية لأنها عملا مدنيا.

3- يجب أن تكون الدفاتر التي يتمسك بها التاجر كحجة على الغير منتظمة أي يتم مسكها وفق الشروط القانونية على أنه للقاضي أن يستخرج منها بعض القرائن (ي يأخذ بها على سبيل الاستئناس) استكمالا لعناصر إثبات أخرى كالمستندات الخطية وشهادة الشهود عملا بحرية الإثبات في المواد التجارية، هذا لا يعني استبعاد كلي للدفاتر غير المنتظمة لأنه يمكن استخراج قرائن منها.

ثانيا- حجية الدفاتر التجارية على غير التجار: لا يمكن للتاجر الاحتجاج بالدفاتر التجارية إذا كان خصمه شخصا غير تاجر لأن هذا الأخير لا يمسك دفاتر تجارية، غير أنه يمكن للقاضي العودة إليها لاستخراج قرائن منها يستند لها في حكم الدعوى في الحدود التي يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن وأن يكمله بتوجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين حسب المادة 18 قانون تجاري ولكن بشروط حددت بالمادة 330 فقرة 1 قانون مدني وهي:

1- يجب أن يكون محل الالتزام المتنازع فيه عبارة عن بضائع ورّدها التاجر لغير تاجر.

2- يجب أن يكون الديّن محل النزاع مما يجوز إثباته بالبينة كأن تكون قيمته أقل من مئة ألف دج (100.000) حسب المادة 333 قانون مدني.

3- الاعتماد على الدفاتر في الإثبات يكمله توجيه اليمين إلى أحد الطرفين (اليمين الحاسمة) وهو أمر يعود للسلطة التقديرية للقاضي كما أنه أمر جوازي.

الفرع الثاني: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد التاجر

تكتسب الدفاتر التجارية حجية كاملة في الإثبات ضد التاجر الذي صدرت منه ويستوي أن يكون الخصم تاجرا أو غير تاجر، وأن يكون الدين تجاريا أو مدنيا، أو أن تكون الدفاتر منتظمة أم لا.

تفسر حجية الدفاتر التجارية على صاحبها بأن البيانات الواردة فيها تعتبر بمثابة إقرارا كتابيا على صاحبها، ولما كان الإقرار لا يتجزأ فلا يجوز لخصم التاجر أن يجزئ بيانات الدفتر ليأخذ منها ما يفيده ويترك ما لا يتوافق مع دعواه وهذا أقرته الفقرة 02 من المادة 330 قانو ن مدني.

المطلب الرابع: تقديم الدفاتر التجارية إلى القضاء

الأصل أنه لا يلزم الشخص على تقديم دليل ضد نفسه ومع ذلك أجاز القانون للمحكمة إلزام التاجر بتقديم دفاتره بناء على طلب أحد الخصوم وللقاضي قبول أو رفض الطلب حسب ظروف الدعوى، كما قد يطلبها القاضي من تلقاء نفسه عند الضرورة (إذا لم يقدم التاجر دفاتره عند طلبها فله أن يجبره عن طريق غرامة تهديدية عن كل يوم تأخير طبقا للقواعد العامة وإذا امتنع رغم ذلك فإن يقيم حجة على صحة ما تقدم به خصمه)، وهنا يجب التمييز بين تقديم الدفاتر للقضاء من أجل الاطلاع الجزئي عليها (الفرع الأول) أو الإطلاع الكلي (الفرع الثاني).

الفرع الأول: الاطلاع الجزئي

أو ما يصطلح على تسميته بـ" التقديم" ويقصد به تقديم الدفاتر للمحكمة كي تتطلع على الجزء المرتبط بالنزاع دون سواه بحضور التاجر وتحت رقابته ودون التخلي عن حيازتها لاستخراج البيانات اللاّزمة حفاظا على أسرار عمله وقد توكل هذه المهام إلى خبير منتدب.

وإذا كانت الدفاتر المطلوبة متواجدة بأماكن بعيدة جاز للقاضي أن يوجّه إنابة قضائية لدى المحكمة التي تتواجد بها الدفاتر أو يعين قاضيا للاطلاع عليها وتحرير محضر بمحتواها وإرساله للمحكمة المختصة بنظر الدعوى ويرجع القرار الأخير لها في الأخذ أم لا بعين الاعتبار البيانات المرد الاطلاع عليها وهذا بمقتضى المادة 17 قانون تجاري.

الفرع الثاني: الاطلاع الكلي

إن تقديم الدفاتر إلى المحكمة أو إلى الخصم للاطلاع الكلي عليها لا يتم إلا في حالات محصورة أوردتها المادة 15 قانون تجاري لأن الاطلاع الكلي عليها يؤدي إلى الكشف عن أسرار ومعاملات التاجر، وهذه الحالات هي: 

أولا- قضايا الإرث: يجوز للورثة أو الموصى لهم أن يطلبوا الاطلاع الكلي على دفاتر مورثهم حتى يتعرفوا على نصيبهم من التركة.

ثانيا- قسمة الشركة: إذا ما انحلت الشركة فإن للشريك الاطلاع على دفاترها لمعرفة نصيبه، كما يجوز له الاطلاع عليها قبل ذلك أي خلال حياتها إما لتحديد نصيبه من الأرباح أو الخسائر لمراقبة إدارة أعمالها وهو حق مخوّل للشريك في شركة التضامن، ولمحافظ الحسابات في شركات المساهمة لكن لا يجوز للمساهم الاطلاع على الدفاتر التجارية.

ثالثا- حالة الإفلاس: عند صدور الحكم بشهر الإفلاس ضد التاجر جاز للوكيل المتصرف الذي يمثل جماعة الدائنين من الاطلاع على دفاتر التاجر لتحديد أصوله وخصومه وهو حق مثبت للوكيل المتصرف دون الدائنين.

المرجع:

  1. د. شتوان حياة، محاضرات في مقياس القانون التجاري، موجهة لطلبة السنة الثانية نظام ل م د جذع مشترك – السداسي الثالث، جامعة آكلي محند أولحاج، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من الصفحة 65 إلى ص82.

google-playkhamsatmostaqltradent