مفهوم وأهمية التأمين

 مفهوم وأهمية التأمين

مفهوم وأهمية التأمين

الفرع الأول: مفهوم التأمين

أولا: التعريف اللغوي

التأمين من أمّن, أي اطمأن و زال خوفه, وهو بمعنى سكن قلبه, وكذلك تستعمل كلمة الأمن عند الخوف, ومن ذلك قوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: "وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" وكذلك : "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا".

لقد لجأ الإنسان إلى عدة وسائل لتغطية الأضرار الناتجة عن المخاطر التي تصيبه في حياته منها الادخار, التضافر, لكن تبين مع مرور الزمن أنها غير كافية لمواجهة ما يتعرض له فاهتدى إلى فكرة جديدة تقوم على أساس تضامن الجماعة وهدفها الأساسي التعاون على تغطية الضرر التي قد يصيب أحد أفراد الجماعة, فتضمن له الأمن والأمان, ومن هنا اشتقت كلمة التأمين.

ثانيا: التعريف الاصطلاحي

إن العملية التأمينية تتطلب توافر أمرين لقيامها، علاقة قانونية تقوم بين المؤمن (شركة التأمين) والمؤمن له (شخص يخشى من تحقق الخطر)، وأسس فنية تسمح بقيام مثل هذه العلاقة، على نحو يباعد بينها وبين المقامرة والرهان التي تقوم على نوع من ضروب الحظ والمصادفة.

ونتناول بيان ذلك من خلال الآتي:

أ‌- العلاقة القانونية

لا غرابة أن يؤدى تعاظم المخاطر الذي يتعرض إليها إنسان هذا العصر في نفسه وماله، إلى قيام جهات تمارس نشاطها في العمل التأميني وإلى وجود أشخاص راغبين في الحماية التأمينية من مثل هذه المخاطر الأمر الذي يترتب عليه قيام علاقة قانونية بينهما.

فالعلاقة القانونية تنشأ بين طرفين أحدهما المؤمن والآخر المؤمن له بموجب عقد أطلق عليه المشرع مسمى عقد التأمين ووضع له أحكام خاصة به. وهذا العقد يرتب التزامات على عاتق طرفيه، فالمؤمن له يلتزم بالوفاء بقسط دوري محدد للمؤمن الذي يلتزم بدوره بتغطية الخطر المؤمن منه والوفاء للمؤمن له، أو المستفيد، بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض عند تحققه.

والمؤمن، عادة ما يكون شخص معنوي خاص أو عام، يتخذ أحد الأشكال المعروفة كجمعية أو شركة أو هيئة أو مؤسسة، ويمارس عمله في سوق التأمين مع عدد غير قليل من المؤمن لهم.

والمؤمن له هو شخص طبيعي أو معنوي خاص أو عام  يهدده خطر معين، ويرغب فى الحصول على تغطية من إحدى الجهات التأمينية لمثل هذا الخطر.

ب‌- الأسس الفنية

رأينا أن العلاقة التأمينية تنشأ بين المؤمن والمؤمن له بموجب عقد التأمين، غير أن هذه العلاقة لو كانت في شكل علاقة ثنائية بينهما لكان ضرباً من المقامرة والرهان غير الجائز قانوناً (شرعي ووضعي)  ولذلك يجب أن تتعدد مثل هذه العلاقة بحيث يكون هناك عدد غير قليل من المؤمن لهم.

بيد أن قيام هذه العلاقات المتعددة لا تجعل المؤمن في منأى من مخاطر المضاربة إلا إذا أقامها على أسس فنية ودراسات إحصائية.

‌ج- التعاون

يفترض التأمين أن المؤمن (شركة التامين) يقوم بدور الوسيط لتنظيم التعاون فيما بين المؤمن لهم لمواجهة المخاطر التي يتعرضون لها  فتعدد المؤمن لهم أمراً ضرورياً حتى لا يصبح التأمين نوعاً من المقامرة أو الرهان أو المضاربة غير المشروعة التي تتم بين شخصين ينقل بمقتضاها أحدهما الخطر إلى الآخر. بل التأمين هو عملية جماعية تفترض التعاون بين المؤمن لهم لتشتيت الخطر فيما بينهم ،على نحو لا يتحمل أثره الشخص الذي تعرض له وحده.

‌د- الإحصاء

إن المؤمن لكي يقوم بالعملية التأمينية يحتاج إلى الاستعانة بمبادئ علم الإحصاء (الحسابات الاكتوارية) للوقوف على مدى احتمالية تحقق الخطر المراد التأمين منه، بحيث يحصى عدد حالات وقوعه في مكان وزمان محددين وهذا الإحصاء يخوله إمكانية تحديد قيمة القسط على نحو يحقق له أرباح من التأمين. لأنه إذا كانت الدراسة الإحصائية تفيد بأن نسبة تحقق الخطر كبيرة، فإن المؤمن قد يحجم عن تغطية مثل هذا الخطر نظراً لأنه يتطلب منه توجيه مجموع الأقساط التي تقاضاها من المؤمن لهم إلى تغطيته.

ومجمل القول في ذلك أن للعملية التأمينية جانبين.

- الجانب القانوني ويتمثل في العلاقة القانونية التي تقوم بموجب عقد التأمين بين المؤمن والمؤمن له.

- الجانب الفني ويتمثل في عملية إدارة التعاون الافتراضي بين المؤمن لهم والتي يقوم بتنظيمها المؤمن عن طريق الدراسات الإحصائية والرياضية.

ثالثا: التعريف الفقهي

ولا جناح أن التأمين تعددت تعريفاته ولعل أكثرها شيوعاً وقبولاً لدى الفكر القانوني هو التعريف الذي قال به الفقيه الفرنسي هيمار j.hemared حيث عرفه بأنه :"عملية يحصل فيها أحد الطرفين وهو المؤمن له، نظير دفع مبلغ معين هو القسط على تعهد لصالحه أو للغير في حالة تحقق خطر معين، من الطرف الأخر هو المؤمن، الذي يأخذ على عاتقه مجموعة من المخاطر، ويجري المقاصة بينهم ، وفقا لقوانين الإحصاء".

كما نجد من التعريفات الفقهية:

- تعريف الفقيه جيرار Girar: "التأمين عملية تستند إلى عقد احتمالي من عقود الغرر ملزم للجانبين يضمن لشخص معين مهدد بوقوع خطر معين، المقابل الكامل للضرر الفعلي الذي يسبب هذا الخطر له".

- تعريف الفقيه Besson: "التأمين هو عملية بمقتضاها يتعهد طرف يسمى المؤّمن تجاه طرف آخر يسمى المؤّمن له مقابل قسط يدفعه هذا الأخير له بأن يعوضه عن الخسارة التي ألحقت به في حالة تحقق الخطر".

- تعريف الفقيه سوميان Sumien: "عقد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى المؤمن، بالتبادل مع شخص آخر ويسمى المؤمن له بأن يقدم هذا الأخير الخسارة المحتملة نتيجة حدوث خطر معين مقابل مبلغ معين من المال، يدفعه المستأمن إلى المؤمن ليضيفه إلى رصيد الاشتراك المخصص لتعويض الأخطار".

وباختصار نستنتج بأن التأمين هو عبارة عن العقد بين المؤّمن والمؤّمن له. فيلتزم الأول بدفع القسط, و الثاني بدفع مبلغ التأمين في حالة وقوع الخطر, ويعتبر هذا الضمان جوهر العملية التأمينية وتحقيقه يبقى محتملا غير مؤكد وغير مستبعد في آن واحد.

رابعا: التعريف القانوني للتأمين

رأينا أن العملية التأمينية لها جانبان أحدهما قانوني والآخر فني فهل يمكن، في ضوء ذلك تحديد ماهية التأمين أي تعريفه تعريفاً جامعاً مانعاً ؟.

لا شك أن المشرع وهو بصدد تنظيم عقد التأمين تنظيماً خاصاً باعتباره أحد العقود المسماة، وضع تعريفاً له من خلال بيان أطرافه وتحديد الآثار المترتبة عليه.

فهذا التعريف تضمن بيان العناصر الأساسية أو الجوهرية لعقد التأمين، من حيث الأطراف (المؤمن والمؤمن له) ومن حيث المستفيد سواء أكان هو المؤمن له أم كان شخصاً ثالثاً عين في العقد مستفيداً ، ومن حيث التزام المؤمن بتغطية الخطر المؤمن منه، والتزام المؤمن له بدفع الأقساط.

وهذا التعريف يعد جامعاً لأنه لم يقيد عبارته في أن الهدف من التأمين هو التعويض عن خسارة احتمالية قد تصيب المؤمن له من تحقق الخطر المؤمن منه، بل أطلقها لكي تكون صالحةً لجميع أنواع التأمين، سواء أكان تأميناً على الأشخاص، أم كان تأميناً من الأضـرار.

غير أن الفقه القانوني ينتقد هذا التعريف على أساس أنه أغفل بيان الأسس الفنية التي يقوم عليها التأمين.  وفي تقديرنا أن هذا الانتقاد في محله، لأن هناك فارق بين تعريف التأمين وتعريف عقد التأمين الذي يمثل العلاقة القانونية بين طرفيه (المؤمن والمؤمن له) باعتبارها أحد جانبي التأمين فإذا أضفنا إليه الأسس الفنية اكتمل للتامين جانبيه. فهذه الأسس، وإن كانت لازمة لخلو التأمين من المقامرة والرهان، إلا أنها ليست لازمة لقيام عقد التأمين وليست من عناصره الجوهرية ولا تذكر فيه بالكلية لأن المؤمن يقوم بالعمليات الإحصائية والرياضية بعيداً عن العقد فضلاً عن كونها تدخل في الدراسة التجارية أكثر منها في الدراسة القانونية.

بالإضافة إلى ذلك فهناك نقد آخر يوجه إلى المشرع هو قيامه بوضع تعريف للعلاقة التي ينظمها قانوناً، فهذا ليس من مهمته، والقيام به يجعل النص جامداً عند المعنى الضيق للعبارة التي صب فيها فالتعريف والتأصيل مهمة أصيلة للفقه القانوني ومع ذلك فإنه يمكن التماس العذر للمشرع في تعريفه لعقد التأمين، لأمرين هما: الحداثة النسبية للتأمين. والجدل الذي أثير حول مدى مشروعيته.

* إعادة التأمين: ينطلق مفهوم إعادة التأمين بصورته المبسطة من خلال قيام شركة التامين بتأمين نفسها، لدى شركة تامين أخرى ضد خسائرها التي قد تنشأ من عقود التأمين التي تصدرها، فإذا كانت الشركة تقدم الحماية لجماعة المستأمنين بتعويضهم ضد خسائرهم، فإنها تحتاج إلى من يقدم لها الحماية ضد هذه الخسائر.

وقد عرف المشرع الجزائري إعادة التأمين في نص المادة 04 من قانون التأمينات والتي جاء فيها: ((إن عقد أو معاهدة إعادة التأمين اتفاقية يضع بموجبها المؤمن أو المتنازل على عاتق شخص معيد للتامين أو متنازل له جميع الأخطار المؤمن عليها أو على جزء منها)).

أي أن الفكرة الأساسية التي تنطلق منها عملية إعادة التأمين عبارة عن علاقة تعاقدية يكون طرفها الأول أحد شركات التامين، والطرف الآخر معيد التامين، على أساس أن شركة التامين التي كانت المؤمن في عقد ارتبطت بموجبه أن تدفع للمؤمن له خسارته عند تحقق الخطر، تصبح في عقد إعادة التأمين مؤمن له، استنادا إلى مبدأ التعاون في توزيع المخاطر، وذلك لأن شركات إعادة التأمين، تتقاضى أقساط من الشركات المؤمنة لديها مقابل المساهمة معها في التعويضات الناتجة عن الأخطار التي تلحق بالمؤمن لهم لدى شركات التأمين، بينما المؤمن له لدى شركات التامين فلا يدخل في هذه العلاقة التعاقدية وليس طرفا فيها.

وعليه نخلص إلى:

1- طرفي عقد إعادة التأمين هما : (معيد التامين أو المتنازل له – شركة التامين أو المتنازل). 

2- عقد إعادة التأمين منفصل ومستقل عن عقد التأمين أو وثيقة التامين الأصلية، ومن ثم لا توجد علاقة مباشرة بين معيد التأمين والمؤمن لهم.

* التأمين المشترك: هو تأمين يجتمع فيه عدد من المؤمنين لتغطية نفس الخطر ويحدد التزام كل واحد منهم بنسبة معينة من الخطر، وتعرفه المادة 03 من قانون التأمينات كما يلي : (التأمين المشترك هو مساهمة عدة مؤمنين في تغطية الخطر نفسه، في إطار عقد تأمين وحيد، يوكل تسيير وتنفيذ عقد التأمين إلى مؤمن رئيسي يفوضه قانونا المؤمنون الآخرون المساهمون معه في تغطية الخطر).

الفرع الثاني: أهمية التأمين

تكمن أهمية التأمين في الوظائف التي يؤديها وهي:

أولا: الأهمية النفسية

فكلمة التأمين مشتقة كما أسلفنا من كلمة الأمان، لذلك فالتأمين يوفر الآمان والطمأنينة ويبعث الراحة في نفسية المؤمن له، من خلال إزالة الخوف الذي قد ينتابه من احتمال وقوع الأخطار التي قد تصيب ذمته المالية أو حياته أو سلامة جسمه وبالتالي يرتاح على مستقبله ومستقبل أولاده، وهو ما يجعله يتحلى بروح المبادرة.

ثانيا: الأهمية الاقتصادية

تكمن الأهمية الاقتصادية للتأمين من خلال الوظائف التي يؤديها في هذا المجال.

فالتأمين وسيلة ائتمان سواء بالنسبة للفرد أو الدولة، فبالنسبة للفرد، قد يرهن المؤمن له وثيقة التأمين على الحياة لدى الغير ضمانا لدينه، كما قد يشترط الدائن المرتهن على المدين الراهن أن يؤمن عقاره من الحريق مثلا لينتقل حقه إلى مبلغ التأمين في حالة احتراق العقار.

أما عن التأمين كوسيلة ائتمان بالنسبة للدولة، يكون ذلك عندما تستعمل الدولة رؤوس أموال شركات التأمين واحتياطاتها لسد حاجاتها من السيولة النقدية.

والتأمين كذلك يشجع على الاستثمار من خلال ما يمنحه من أمان واطمئنان للمستثمرين الأجانب أو الوطنيين، بأنهم لن يتعرضوا للمخاطر السياسية والاقتصادية والطبيعية وبالتالي لا خوف على أموالهم.

كما أن شركات التأمين اليوم، أصبحت تستثمر رؤوس أموالها المجمعة من الأقساط التي يدفعها المؤمن لهم في عديد النشاطات الاقتصادية، وبالتالي تساهم في دفع عجلة الاقتصاد داخل الدولة لذلك تعمل الدولة على فرض الرقابة على أموال شركات التأمين وكيفية استثمارها لتضمن استغلالها لفائدة اقتصاد البلاد.

كما يعد التأمين من أهم وسائل الادخار بالنسبة للفرد، خاصة في التأمين لحال الحياة، فهذا الشكل من الـتأمين لا يفترض وجود خطر يهدد مال أو شخص المؤمن له، إنما يهدف إلى الحصول على مبلغ تأمين يزيد غالبا عن الأقساط التي دفعها، إذا بقي طبعا حيا طوال المدة المحددة في العقد.

ثالثا: الأهمية الاجتماعية للتأمين

بالإضافة للأهمية الاقتصادية للتأمين، يوجد العديد من النواحي الاجتماعية التي يتضح من خلالها أهمية التأمين، منها الآتي:

* تحقيق الاستقرار الاجتماعي للفرد وللأسرة : يوفر التأمين التجاري للفرد تعويض مادي عن الأضرار التي تتعرض لها ممتلكاته وفي تأمينات الحياة، يكون الغرض منها ضمان مبلغ ما يصرف للمؤمن له مرة واحدة أو بصفة دورية بما يضمن له الإنفاق علي نفسه عند بلوغه سنا معينة يكون فيها غير قادر على الكسب، أو بما يضمن لأسرته بعد وفاته الإنفاق علي شئون حياتهم. كل ما تقدم يعود بالتالي علي المجتمع ككل بالاستقرار والتماسك.

* تنمية الشعور بالمسؤولية والعمل علي تقليل الحوادث: إن ما يتميز به التأمين، أن المستأمن لا يستحق التعويض إذا ما كان هناك تدخل من المؤمن له في تحقق الخطر المؤمن منه، وهو ما ينمي لدى الفرد الشعور بالمسؤولية لتجنب الخطر المؤمن منه بقدر الإمكان.

* يحقق التأمين التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع : كما أن التأمين يقوم على أساس التعاون بين المؤمن لهم على تغطية المخاطر فيما بينهم بدلا من مواجهة كل شخص منهم الخطر لوحد، وبالتالي يقوي التأمين تماسك المجتمع.

المرجع:

  1. د. سوالم سفيان، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، جامعة محمد الشريف مساعدية – سوق أهراس-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الموسم الجامعي 2014-2015، ص7 إلى ص11.
google-playkhamsatmostaqltradent