‌ نشوء وتطور علم المناهج

 نشوء وتطور علم المناهج 

نشوء وتطور علم المناهج

أولا- علم المناهج:

علم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي، والطرق العلمية التي يكتشفها، ويستخدمها الباحثون من ٲجل المقارنة الحقيقية، فهو نسبي خاص، ومادي، ولكنه يخضع لقواعد المنطق الشكلي، لأنها قواعد عامة لكل تفكير عقلي.

ثانيا- نشوء وتطور علم المناهج:

يصعب تحديد بدايات الاهتمام الإنساني بمناهج التفكير، ولكننا نعرف ٲن أرسطو (322-384)ق.م قدم إضافة عظيمة جدا في ميدان المنطق الصوري، بنظرية القياس، الذي هو نسق صوري محض على جانب كبير من الصرامة، ولكنه محدود المجال، كذلك فعل في منطق العلوم القائم على أن في الطبيعة أنواعا حقيقية، يمكننا أن نعرف ماهياتها، بمنهج يبدأ من مبادئ وبديهيات العلم، بعضها مشترك بين جميع العلوم، وبعضها خاص بهذا الفرع وحده، ومن تعريفات للأشياء التي هي موضوع الدراسة، ثم يبرهن العلم عن طريق الاقيسة، على أن صفات بعينها تنتمي بالضرورة إلى ما نحن بصدده من الأشياء، وحسبه فلا مجال لعلم واحد شامل، وإنما لعلوم مختلفة تتطلب مقدمات مختلفة، ولكن استقراءه المخالف لاستقراء عصرنا، وتأليفه في الطبيعة بسببها انعدام التجربة والملاحظة فيه، مع انه في علم الحياة أدرك وجوب اعتماد النظريات على الوقائع، وعني بالتصنيف والتفسير الغائب، كل ذلك كان نقصا دافعا إلى إنشاء مناهج جديدة، وهذه المناهج الجديدة لا يمكن عزوها إلى فرد بعينه، أو إلى ٲمة بعينها، ذلك لان عديد العقول النابهة، في الحضارات المختلفة، ساهمت في انشائها.

من خلال التكامل الحضاري، في إطار الحضارة الواحدة، أو في التفاعل الحضاري ما بين الحضارات المختلفة.

ومن هذه الحضارات ذات الدور البارز الحضارة العربية الإسلامية التي لها فضل كبير على البشرية في مجال التأسيس المناهج العلمية، وبخاصة في الأخذ بالتجربة والملاحظة، وفي تطبيق الرياضيات على الدراسة التجريبية لظواهر الطبيعة، بخاصة في الفترة ما بين النصف الثاني من القرن الثامن، والنصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلاديين، فقد طور العرب بمناهجهم علوم الطبيعة، والكيمياء، والطب، والصيدلة، والرياضيات، والفلك، والتاريخ، والجغرافية، وعلم الاجتماع، وكذلك تطبيقات هذه العلوم في صناعة السكر، والورق، والبارود، والميكانيكا... وغيرها، ووضعوا الخطوط الأساسية للمنهج التجريبي التي أعاد بيكون صياغتها فيما بعد.

ويقترن اسم فرنسيس بيكون : (1626-1561)م. بالعلم الحديث لأنه كان داعية منهجية هي الأقوى تجسيدا للحداثة، والانقلاب على الماضي، والقطيعة مع العصور الوسطى، لأنه رفض منهجها القياسي، ورفع لواء منهج يعتمد على الحواس. والتجريب، عنده يبدأ من جزيئيات ليخرج بنتيجة كلية هي قانون من قوانين الطبيعة والعقل عنده أداة مماثلة، وتجريد، وتصنيف لمعطيات الحواس، فيجب تجنيبه الوقوع تحت تأثير أوهام الجنس أو القبيلة، وأوهام الكهف، وأوهام المسرح، وأوهام السوق، ثم كان لتطبيق المنهج التجريبي دوره البارز في تطور العلوم المختلفة على نحو لم تبلغه البشرية قبله، في آلاف السنين.

وفي هذا البناء لعلم المنهجية أسماء لامعة كثيرة، من الفلاسفة، والعلماء المحدثين، ولكل علم إعلانه، نذكر منها، بعد فرانسيس بيكون، على سبيل المثال، لا الحصر رينيه ديكارت، و عما نيول ؛كانط، وفخته، وشيلينج، وهيغل، ووليم جيمس، وكارل ماركس، وكلود برنارد، وإميل دوركهايم، وهذه نبذة مختصرة عن مساهماتهم.

- رينيه ديكارت:(1650-1596) Rene Descartes

ولد ديكارت في لاهاي من أعمال مقاطعة تورين الفرنسية، وضع منهجا ذا أربع قواعد، والعلم عنده استنباطي يضع المبادئ البسيطة الواضحة، ويتدرج منها إلى النتائج، ولكن أهمية التجربة مقصورة في منهجه ومذهبه على أثارة الفكر، وتعريفنا أي نتائج الاستنباط هي المحققة بالفعل، ومنهجه يبدأ بالشك لينتهي إلى اليقين، وقد حاول بناء علم كلي رياضي. وقصر عن ذلك، ولكنه بنى الرياضيات التحليلية.

- ايمانويل كانط: (1807-1724)م

ولد بكونجسبرغ لابوين بروتستانتيين من الشيعة التقوية القائلة بان الإيمان يبرر المؤمن، وترى بان الإرادة، وليس العقل محل الدين، وأساس فلسفته النقدية هو أن المعاني هي الشروط الأولية المتعلقة بها المعرفة الحسية، فالمعاني عنده لا تستفد من الأشياء، والأشياء لا تستفد من المعاني، ومعنيا الزمان والمكان يطبقان على الكيفيات المحسوسة، فيجعلان منها ظواهر. و الزمان والمكان ليسا شيئين محسوسين، وقد ماز كانط الأحكام التحليلية من الأحكام التركيبية. كما ماز الأحكام القبلية من الأحكام البعدية. وجعل المنطق في قسمين هما:

- مذهب المبادئ الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة.

- علم المناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم، وطريقة تشكله.

- فخته: (1814-1762)Fichte

جوهان جوتلوب فخته، فيلسوف ألماني سكسوني، تلميذ كانط، امن بمنهجين:

- منهج قطعي يستنبط الفكرة من الشيء، وآخر مثالي يستنبط الشيء من الفكرة، ويتوقف الٲخذ بأحدهما على تكوين الفرد العقلي.

- شيلينج:scheduling  (1854-1775)

ولد فردريك فيلهلم شيلينج سنة 1775م في ليونبرغ الألمانية، زامل هيغل، وعملا معا على توسيع نطاق الفلسفة وارتقيا إلى فكرة مبدأ مشترك بين الأنا واللاٲنا، فاعدل إليها صفة الكلية دون خلطها بالعلوم المشخصة، أو العلوم العامة، وبرأيه فان الطبيعة عقل منظور، والعقل طبيعة مختفية، والمعرفة نتاج فلسفتين: فلسفة الطبيعة التي تصعد من دراسة الطبيعة إلى دراسة الفكر، وفلسفة الفكر التي تنطلق من دراسة الفكر وتتجه شطر الطبيعة، والطبيعة عنده معضونة بمعنى أن المادة روح ناعس، والروح مادة تنتظم، والجهاد نبات بالقوة، والحيوان نبات أعلى، والدماغ الإنساني خاتمة التعضون، فجميع الظواهر الطبيعية لدى شيلينج مظاهر متفاوتة لقوة واحدة هي النفس العالمية. ولكن مذهبه حسب يوسف كرم ليس أكثر من تكديس للمعارف، وبراعة في عرضها، والربط بينها.

- هيغل:  Hegel(1830-1770)م

ولد جورج فيلهلم هيغل في شتوتغارت الألمانية، كان أستاذا جامعيا كثير الأسفار والعمل، كانت مثاليته المطلقة ذروة التراكيب القصوى التي أنجبها القرن التاسع عشر للتاليف بين الطبيعة، والتاريخ، والسياسة، والدين، وحسبه، فان جميع الأشياء متناقضة في ذاتها، والصيرورة هي التحديد المشخص الأول، والفكرة الأولى المشخصة، وهي المفهوم الأول، والوجود ضرورة وحسب.

واخذ في فلسفته بالجدلية التي سنعود إلى تفصيلها عند البحث في المنهج الجدلي.

- وليم جيمس: W.James (1910-1842)م

فيلسوف أمريكي، وطبيب وعالم نفس، من أشهر أساطير الفلسفة البرجماتية التي تجعل النجاح مبدأ مطلقا، وتتبع الحقائق للنتائج العلمية، لا للأحكام العقلية. والحقيقة عنده على نوعين لان موضوع التصور إما أن يكون شيئا خارجيا، أو منهاجا عمليا، لإرضاء حاجة نفسية، وفي الحالتين فان الحقيقة ليست تصورا مطابقا لشيء كما يعتقد عامة الناس، ولكنها التصور الذي يؤدي بنا إلى الإحساس بشيء أو تحقيق غرض، وفي الحالتين الخطأ هو الإخفاق، فالحقيقة اختراع وليست اكتشافا، ومنهجه عملي أي انه اتجاه، أو موقف مؤداه تحويل النظر عن الأوليات، والمبادئ إلى الغايات، والنتائج، ويعرف منهجه في علم النفس بالمنهج الأدائي، متقيدا من خلاله بالتجريبية الصارمة، وهذا المنهج بمثابة نوع من التعبير عن المطلب العام، إلى فهم كل شيء على أساس ما يحدثه حضوره من اختلافات فقط.

- كارل ماركس:K.Marx (1883-1818)

ولد في تريف، من أعمال بروسية، من أصل يهودي اعتنق البروتستانتية، اخذ بالجدلية التي سنعود إلى شرحها في المنهج الجدلي.

- كلود برنارد: (1878-1813)م

عالم فيزيولوجي فرنسي، اشتهر بوضع أسس البحث في علم وظائف الأعضاء، برهن على إمكان تطبيق المنهج التجريبي في دراسة البيولوجيا.

- دوركهايم: (1917-1858)م Emile Durkheim

يعتبر اميل دوركهايم واضع علم الاجتماع المعاصر، وله إسهام كبير في تطور مناهج البحث بكتابه: قواعد المنهج الاجتماعي (1895)م. وذلك بتطبيق المناهج المألوفة في العلوم الطبيعية، والتي ترجع إلى الملاحظة، والاستقراء، في الدراسات الاجتماعية، من بعد تعديل طفيف يضيف ملاحظة الماضي، أو التاريخ المقارن، إلى ملاحظة الحاضر ويجعل الاستقراء إحصاء، ، فان دوركهايم يجعل تطبيق ذلك ممكنا عن طريق ما يلي:

- النظر إلى الظواهر الاجتماعية على أساس أنها أشياء، مثلها مثل بقية الظواهر الطبيعية، المستقلة عنا، وعن وعينا، وفكرنا، فتكون معرفتنا بها من الخارج، والشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة. وبذلك لا نتأثر بالقيم والمفاهيم والأحاسيس الذاتية حول الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة. وذلك على أساس أن الظاهرة الاجتماعية تتميز من غيرها بخاصتين هما:

1. إنها حادثة جماعية قسرية.

2. استبعاد المنفعة عند البحث والتفسير.

3. طلب اكتشاف الوظيفة التي تقوم بها الظاهرة الاجتماعية. بربطها بغرضها.

4. البحث عن المصدر الأصيل والأساسي لكل تطور هام عند دراسة تركيب البيئة الاجتماعية.

المرجع

  1. د. صلاح الدين شروخ، منهجية البحث العلمي، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، ص92-100.

google-playkhamsatmostaqltradent