النتائج المترتبة عن افتقار العقد لأحد الأركان أو أحد شروط الصحة (نظرية البطلان)

 النتائج المترتبة عن افتقار العقد لأحد الأركان أو أحد شروط الصحة (نظرية البطلان)

النتائج المترتبة عن افتقار العقد لأحد الأركان أو أحد شروط الصحة (نظرية البطلان)

يترتب على افتقار العقد لأحد الأركان، أو لشرط من الشروط الخاصة بالأركان المتمثلة في التراضي والمحل والسبب (وركن الشكل بالنسبة للعقود الشكلية) عدم انعقاد العقد من الأساس، بمعنى أن العقد لا يظهر إلى الوجود من وجهة النظر القانونية، وهذا ما يسمى بالبطلان المطلق.

أما إذا استوفى العقد أركانه وشروطه، ولكنه افتقد لأحد شروط صحته، بأن كانت الأهلية اللازمة غير متوفرة، أو شاب إرادة أحد الطرفين عيب من عيوب الرضا، فإن العقد في هذه الحالة يكون موجودا لكنه غير صحيح، أين يكون مهددا بالزوال، وهذا ما يسمى بالقابلية للإبطال (البطلان النسبي).

وهناك حالات خاصة في البطلان النسبي، نص عليها المشرع في نصوص متفرقة من قبيلها حالة بيع ملك الغير، وكذلك في حالة عدم العلم الكافي بالمبيع، وكذلك البيع في مرض الموت لشخص من الغير (المادة 408/ 02 من القانون المدني).

والرأي عندي هو عدم موافقة ما يذهب إليه بعض شراح القانون، من أن العقد الباطل بطلانا نسبيا هو عقد صحيح، فيبدو أن هذا الوصف غير دقيق من حيث أن العقد القابل للإبطال يفتقد لأحد شروط الصحة، ومن ثم لا مبرر لوصفه بالصحيح، وفي نظري إن وصف عدم الصحة لا يزول عن العقد القابل للإبطال، إلا بعد سقوط الحق في التمسك به.

ونجد أن الفقيه الكبير "السنهوري" يعتبر أن العقد القابل للإبطال هو عقد غير صحيح، وهذا ما يفهم من خلال كتاباته في تبسيط نظرية البطلان، بينما يذهب الفقيه "أنور سلطان" إلى اعتبار العقد القابل للإبطال، في حكم العقد الصحيح.[1]

المطلب الأول: البطلان والمفاهيم القريبة منه

يتشابه البطلان مع ما يقاربه من المفاهيم من حيث الآثار التي تترتب على كل منها بالنسبة للمتعاقدين من جهة، ومن حيث الآثار التي تترتب بالنسبة للغير دون المتعاقدين، أي حالة عدم النفاذ من جهة أخرى.

الفرع الأول: البطلان والمفاهيم القريبة منه من حيث آثارها بالنسبة للمتعاقدين:

تتشابه حالة بطلان العقد مع حالتي سقوط العقد وفسخه من حيث تشابه آثارها بالنسبة للمتعاقدين، في حين يختلف كل منها من حيث أسباب تلك الآثار.

1- تشابه آثار بطلان العقد، وسقوطه وفسخه

يترتب على كل من بطلان العقد، وسقوط العقد، وفسخ العقد، نفس الأثر القانوني، وهو الزوال الكلي لآثار العقد، وهذا هو وجه التشابه بين هذه الحالات الثلاثة، فالبطلان مثله مثل الفسخ، ومثله مثل السقوط يؤدي إلى زوال الرابطة القانونية بين المتعاقدين، فيصبح العقد كأنه لم يكن موجودا، غير أن أتحاد هذه الحالات من حيث أثرها، لا يعني اتحادها من حيث أسبابها، إذ لو كان الأمر على هذا النحو، لكنا بصدد حالة واحدة، وتكون تلك التسميات المختلفة مجرد مترادفات.

2- اختلاف أسباب بطلان العقد وسقوطه، وفسخه

يتمثل وجه الاختلاف بين بطلان العقد من جهة، وسقوطه من جهة ثانية، وفسخه من جهة ثالثة في اختلاف الأسباب التي أدت إلى زوال العقد، فالعقد الباطل يصبح منعدما لأنه لم ينعقد صحيحا ولم يستوف كل شروطه أو أركانه.

وأما حالة سقوط العقد التي يترتب عليها زوال الرابطة العقدية، فإنها ترد على عقد صحيح، ويراد بحالة السقوط، العقد الذي ينعقد صحيحا، غير أنه يطرأ عليه بعد ذلك، حادث أو ظروف تمنعه من ترتيب آثاره، ويسقط العقد في التعاقد بالعربون عندما يتمسك أحد المتعاقدين بحق العدول الذي يحول دون ترتيب العقد لآثاره، وللتذكير فإن المادة 27 مكرر مدني، تخول لكل من المتعاقدين الحق في العدول عن العقد، على أن يفقد المتعاقد العربون إذا كان هو الذي دفعه أو يسترده مضاعفا من المتعاقد الذي قبضه في حالة عدول هذا الأخير عن العقد، ولكون العقد ينعقد صحيحا في التعاقد بالعربون، فإن التمسك بحق العدول يترتب عنه سقوط العقد.

ويسقط العقد أيضا عند تمسك المستهلك بحق التراجع في العقد الاستهلاكي ويقصد بحق التراجع ذلك الحق الذي أقرته التشريعات الخاصة، في إطار حماية المستهلك، بغرض منح المستهلك مهلة إضافية للتفكير تكون لاحقة على انعقاد العقد، ويترتب على التمسك بحق التراجع سقوط العقد، لكونه العقد صحيحا، على غرار حالة التمسك بحق العدول.

ويمكن للمتعاقدين – بمقتضي المادة 106 مدني – نقض العقد، بموجب اتفاق أو بالإرادة المنفردة لأحد المتعاقدين في إطار ما يسمح به القانون أو اتفاق الأطراف، مع العلم أن التمسك بحق نقض العقد غير مقيد بأسباب موضوعية بل يرجع إلى إرادة صاحب الحق، ويترتب على نقض العقد أيضا سقوطه كما سبق شرحه.

أما انعدام الرابطة العقدية بسبب الفسخ، فيرجع إلى عدم تنفيذ العقد، ينشأ العقد صحيحا، مستوفيا لكل شروطه وأركانه، إلا أنه لم ينفذ بسبب أحد المتعاقدين، أو لسبب آخر فيستوجب فسخه طبقا للمواد 119 إلى 121 مدني.

وقد ينفسخ العقد قانونا إذا أصبح تنفيذ التزام أحد المتعاقدين مستحيلا، ويترتب على انفساخ العقد، أو فسخه اتفاقا أو قضائيا انحلاله.

وبالنظر للحالات السالفة الذكر، ينعدم العقد بسبب بطلانه -فلم ينعقد صحيحا-، أو بسبب سقوطه، -فانعقد العقد صحيحا غير أنه طرأ حادث أو ظروف منعته من ترتيب آثاره-، أو بسبب انحلاله،- إذ انعقد العقد صحيحا، غير أنه تعذر تنفيذه بسبب المتعاقد أو لسبب أجنبي-.

الفرع الثاني: البطلان وعدم النفاذ

لا يسري العقد الباطل – مثله مثل العقد غير النافذ- في حق الغير، فلا يمكن الاحتجاج به على الغير، ولهولاء أن يتجاهلوه. والسبب في عدم نفاذ العقد هو الإخلال -مثلا- بإجراءات الشهر العقاري، ويساوي العقد الباطل بالنسبة للغير غير النافذ، فهو غير موجود قانونا بالنسبة لهم.

ويتميز البطلان عن عدم النفاذ لكون العقد الباطل منعدم الوجود قانونا بالنسبة للمتعاقدين نفسيهما وبالنسبة للغير كذلك، أما في حالة عدم نفاذ العقد، فهو موجود قانونا وصحيح بين المتعاقدين، ومنعدم بالنسبة للغير.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى قرار المحكمة العليا الذي يقضي أن التمسك بحق الشفعة طبقا للمادة 794 مدني، لا يؤدي إلى بطلان أو إبطال العقد المبرم بين البائع والمشتري، وإنما يحل الشفيع محل المشتري في العقد.( المحكمة العليا، الغرفة العقارية، ملف 683702، بتاريخ 13-10-2011، م م ع ، 2012، 1،193.)[2]

المطلب الثاني: تقرير البطلان

إن العقد الباطن بطلان مطلقا هو عقد منعدم من الناحية القانونية، ولذلك يستغنى عن استصدار حكم به، أم البطلان الذي يحتاج إلى حكم به فهو البطلان النسبي، وهناك من يرى انه إذا كان البطلان المطلق لا يحتاج إلى استصدار حكم به من الناحية النظرية، إلا أن الاعتبارات العملية في بعض الأحيان تستدعي ذلك، من قبيل ذلك حالة تنفيذ احد الطرفين لالتزامه، حيث قد يحتاج إلى حكم بالبطلان لكي يسترد ما دفعه، أو سلمه للمتعاقد الآخر، وهنا يكون الطريق الموصل إلى الحكم هو طريق الدعوى، كما قد يكون بطريق الدفع، وذلك عندما يطالب أحدا المتعاقدين الآخر بتنفيذ العقد، فيدفع هذا الأخير بالبطلان.

ويوجد فرق بين الحكم الصادر بإبطال العقد بطلانا نسبيا، وذلك الصادر بالبطلان المطلق، فالحكم الأول يكون منشأ للبطلان، أما الثاني فهو حكم كاشف له.

الفرع الأول: حق التمسك بالبطلان

يقتصر حق التمسك بالإبطال في العقد الباطل بطلانا نسبيا، على المتعاقد ناقص الأهلية أو المتعاقد المعيبة إرادته بعيب من عيوب الرضا (المادة 99 من القانون المدني)، ويجوز مباشرة حق الإبطال عن طريق النائب القانوني، مثل الوصي، أما دائنوا المتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته، فلا يجوز له التمسك بإبطال العقد، غير انه يجوز لهم ذلك بطريق مغاير هو طريق الدعوى غير المباشرة، وينتقل حق طلب الإبطال إلى الورثة.

أما العقد الباطل بطلانا مطلق لأنه ليس له وجود قانوني، فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك به (المادة 102 من القانون المدني)، ولا شك بأن المتعاقدين وخلفهما العام يجوز لهم ذلك، كما يجوز للخلف الخاص، ودائنوا المتعاقدين يجوز لهم التمسك بالبطلان كذلك، ومثال ذلك أن الدائن من مصلحته أن يحكم ببطلان عقد بيع منزل المدين، وذلك لكي يستطيع التنفيذ عليه، ويأخذ بالتالي حقه من ثمنه.

أما الغير الأجنبي الذي لا تربطه أية علاقة مع المتعاقدين، فلا يجوز له التمسك ببطلان العقد ما دام أن الصحة او البطلان لا تؤثر في حق له، فلا يجوز مثلا للجار أن يتمسك ببطلان عقد بيع منزل جاره، لما له من مصلحه في بقاء البائع (جاره القديم) نظرا لدماثة خلقه وحسن جواره.

كما يجوز للمحكمة أن تقضي بالبطلان المطلق من تلقاء نفسها، مهما كان سبب البطلان، سواء تعلق بالنظام العام والآداب العامة، أم لم يتعلق.

الفرع الثاني: أسباب سقوط الحق في التمسك بالبطلان

يسقط حق التمسك ببطلان العقد عن طريق التقادم، وكذلك عن طريق الإجازة، وهذه الاخيرة لا تكون إلا في العقد الباطل بطلان نسبيا.

أولا: الإجازة:

الإجازة هي عمل قانوني بإرادة منفردة، مفادها تنازل المتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته عن حقه في الإبطال، والإجازة لا تكون صحيحة في حاله نقص الأهلية، إلا بعد أن يصبح المتعاقد كامل الأهلية، وبالنسبة لعيوب الرضا الأخرى، فانه وجب أن تصدر الإجازة بعد علم المتعاقد بما شاب إرادته من عيب، فبالنسبة للغلط والتدليس بعد اكتشافهما، وبالنسبة للإكراه بعد زواله.

وإجازة العقد قد تكون صريحة، كما قد تكون ضمنيه، ومثل الأخيرة أن يبادر من وقع في غلط إلى استكمال تنفيذ العقد على الرغم من علمه بالغلط الذي وقع فيه، ويترتب عن الإجازة سقوط الحق في التمسك بإبطال العقد، ولقد نص المشرع على أن للإجازة أثرا رجعيا، بمعنى إن العقد يعتبر صحيحا منذ إبرامه لا منذ صدور الإجازة (المادة 100 من القانون المدني)، والإجازة لا تمس بحقوق الغير، فإذا قام مثلا قاصرا ببيع شيء إلى شخص ثم بعد أن استكمل أهليته أعاد بيع نفس الشيء إلى شخص آخر، وأجاز بيعه الأول، فإن هذه الإجازة لا تؤثر في حق المشتري الثاني، بل يبقى حقه قائما على الشيء، ومن ثم يجوز له التمسك بإبطال البيع الأول.

ثانيا: التقادم

لقد كان الفقه القديم في فرنسا يرى بان حق التمسك ببطلان العقد الباطل بطلانا مطلق، لا يسري عليه التقادم، لأنه في حكم العدم، والعدم لا يمكن أن يتحقق له الوجود مع مرور الزمن.

أم الفقه الحديث، وأيده في ذلك القضاء الفرنسي فقد جرى على أن دعوى البطلان المطلق تسقط بالتقادم، أم الدفع بالبطلان فيبقى أبديا، والعلة في إهدار الدعوى بالتقادم، وتأييد بقاء الدفع، هو أن العائلة في تقادم عموم الدعاوى هي الحفاظ على استقرار الأوضاع الفعلية.

فالالتجاء إلى دعوى البطلان يكون في الغالب بعد تنفيذ العقد، وذلك بغية أن يسترد المتعاقد ما أداه، ولا شك بأنه إذا مضى على هذا التنفيذ مدة معينة فإن كلا المتعاقدين يكونا قد اطمئنا لهذا العقد (أو أحدهما)، ومن ثم فإنه ليس من العدالة أن يفاجأ احدهما بعد مدة معينة بهدم كل ما تصور انه بناه، وربما قد تصرف فيما تلقاه، ولاشك بان هذا يفتح المجال لتعقيدات لا حدود لها.

وعلى العكس فإن الدفع ليس من شانه المساس بأوضاع ما، ذلك أن الدفع بالبطلان يتصور أن يلجأ إليه المتعاقد قبل تنفيذ العقد، وذلك إذا ما طالب أحدهما من الآخر أن ينفذه، ومن ثم فإن العقد لم ينفذ بعد ولم تنشأ أوضاع تقتدي إصرارا للمحافظة على ثباتها، لذلك يظل الدفع قائما بالبطلان ولو مضى من الزمن ما يتعدى مده التقادم.

ومدة تقادم دعوى البطلان المطلق هي 15 سنه من يوم تاريخ إبرام العقد (المادة 102 من القانون المدني)، أما مدة تقادم دعوى البطلان النسبي، فتختلف بداية احتساب هذه المدة باختلاف صورة العيب، فبالنسبة للغلط والتدليس هي خمس سنوات من تاريخ اكتشافه (المادة 101 من القانون المدني)، وبالنسبة للإكراه هي خمس سنوات من تاريخ انقطاعه، وبالنسبة لنقطه الأهلية هي خمس سنوات من تاريخ استكمال الأهلية، أما الاستغلال فقط حدد له المشرع مده سقوط هي سنة واحدة من تاريخ العقد (الماده 90 من القانون المدني).

وبالنسبة للبطلان النسبي لا يجوز أن ترفع الدعوة بعد انقضاء عشر سنوات من تاريخ إبرام العقد، ونحو ذلك وجب علينا في احتساب مدة التقادم أن نقارن بين مدة الخمس سنوات، وبين المدة المتبقية من العشر السنوات، واقصر مدة هي التي يتعين الأخذ بها، فمثلا إذا لم يكتشف الغلط إلا بعد مضي ثماني سنوات من تاريخ إبرام العقد، فإنما تبقى من العشر سنوات هو اثنان (سنتين)، والمدة الأولى هي خمس سنوات، فنأخذ هنا الاثنان لأنها الأقصر ولنأخذ بالخمس سنوات، وإذا مثلا لم يكتشف الغلط إلا بعد سنتين من إبرام العقد، فإنما تبقى من العشر سنوات هو ثمانية، أما المدة الأولى فهي خمس سنوات، فتأخذ بالأخير لأنها الأقصر أجلا (خمس سنوات)، ومن ثم وجب دائما الأخذ بأقصر الأجلين.

المطلب الثالث: أثار البطلان

يرتب البطلان آثار بالنسبة للمتعاقدين، وكذلك بالنسبة للغير ونلخص ذلك فيما يلي:

الفرع الأول: آثار البطلان بالنسبة للمتعاقدين

إن العقد الباطل بطلانا مطلق، ليس له وجود منذ البداية، ولذلك لا أثر له، أما العقد الباطل بطلانا نسبيا فإن صدور الحكم بالبطلان يؤدي إلى إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وهذا ما يسمى بالأثر الرجعي للبطلان.

ولقد اثير التساؤل حول مدى مسؤولية المتعاقد الذي تحقق سبب البطلان من جهته، بمعنى هل يلزم بتعويض المتعاقد الآخر أم لا؟ فإذا قام ناقص الأهلية بإبرام عقد دون أن يعلم طرف الآخر بنقص أهليته، فإن الحكم ببطلان العقد لا شك بأنه سيفاجئ المتعاقد الآخر الذي توهم أن العقد صحيح، وهو ما قد يلحق به ضررا، وكذلك الحال مع الذي يشتري شيئا غير داخل في دائرة التعامل، معتقدا انه ملك للبائع، فإن البطلان هنا من شانه أن يلحق به ضررا ما، ذلك انه اطمأن في البداية لاستيفاء العقد لأركانه وشروطها.

من اجل ذلك جاء الفقيه "اهرنج" بنظريه تحت مسمى "الخطأ عند تكوين العقد"، ومفادها أن كل متعاقد يكون ملزم وقت إبرام العقد بألا يأتي سبب البطلان من جهته، فإذا خالف ذلك قامت مسؤوليته ووجب عليه التعويض، ويرى الفقيه "اهرنج" أن التعويض هنا يكون عن المصلحة السلبية دون الايجابية، وهذه الأخيرة يقصد بها المصلحة المتوخاة من تنفيذ العقد، أما الثانية فيقصد بها المصلحة من ألا يوجد ذلك المظهر الخادع في العقد الذي توهم المتعاقد صحته.

ولقد انتقدت هذه النظرية، من حيث انه لا يمكن تأسيس التعويض على العقد الباطل لأنه عديم الأثر، أما الشق الثاني من النظرية، فقد رأى بعض الفقهاء انه ينسجم مع القواعد العامة من حيث أن يجيز التعويض في ما تعلق بالمصلحة السلبية دون الايجابية، ولذلك يخلص المنتقدون إلى أن التعويض في حاله البطلان يكون على أساس قواعد المسؤولية التقصيرية إذا توفرت شروطها.

ويترتب على البطلان إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد (المادة 103/01 من القانون المدني)، فإذا كان ذلك غير ممكن حكم القاضي بتعويض معادل، ونلاحظ بأنه في العقود الزمنية لا يمكن إرجاع المتعاقدين إلى الحالة السابقة، لان ما مضى من الزمن لا يمكن إرجاعه، ولذلك لا مناص من الحكم بالتعويض، ومثال ذلك عقد الإيجار وعقد العمل وعقد المقاولة.

ويقيد من أعمال قاعدة إرجاع المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، أمران، الأول وهو ما يتعلق بعدم أحقية الملوث في الاسترداد، وهذا في الحقيقة يعد تطبيقا لقاعدة رومانية قديمة كانت تحرم من أتى البطلان لعدم المشروعية من جهته، أن يسترد ما دفعه ( المادة 103/03 من القانون المدني)، فمن دفع مبلغ من المال لغرض إقامة علاقة غير مشروعة لا يجوز له استرداد ما دفعه بناءا على بطلان العقد، وقد انتقدت هذه القاعدة من حيث أنها تشجع الأشخاص على إبرام العقود المخالفة للنظام العام والآداب العامة، في المثال السابق نجد أن كلا المتعاقدين ملوثان لكننا ألحقنا ضررا بأحدهما على حساب الآخر، ومن ثم فإن الطرف غير المتضرر لا يطاله جزاء البطلان، وهو ما من شأنه أن يجعله يتمادى في إبرام مثل هذه التصرفات غير المشروعة مادام أن القانون لا يلزمه برد ما قبضه.

أما الأمر الثاني، فهو قيد يتعلق بإبطال العقد لنقص الأهلية، حيث لا يرد ناقص الأهلية ألا ما عاد عليه من منفعة (المادة 103/02 من القانون المدني)، فإذا كان العقد بيعا، تلقى بموجبه ناقص الأهلية الثمن، ثم بعد الحكم ببطلان العقد تبين بان الثمن قد بدد في أماكن اللهو والمجون، فانه لا يلتزم ناقص الأهلية برده لأنه لم يستفد منه في شيء، أما إذا ثبت أن الثمن استغله ناقص الأهلية في الوفاء بدين عليه، أو استغله في مشروع تجاري، فإنه في هذه الحالة يتعين عليه رده.

ومن تعاقد مع ناقص الأهلية يقع عليه إثبات تحقق المنفعة من وراء ما تلقاه ناقص الأهلية، والعبرة في وجود منفعة من عدمها هو وقت المطالبة بالإبطال، فإنه يلتزم برده إلى المتعاقد الآخر، لأن المنفعة كانت متحققة وقت المطالبة، وفي المثال الأخير نلاحظ بأن المشتري من ناقص الأهلية يلزم برد المبيع.

والعلة في عدم إلزام ناقص الاهلية برد سوى ما عاد عليه من نفع، هو أن الإبطال مقرر لمصلحته، وإلزامه بالرد يجعله غير قادر على تحمل أثار البطلان، مما يؤدي إلى فقدان الحماية المقررة له لأهميتها، فتصبح بمثابة حماية صورية.

- تحول العقد وإنقاص العقد:

إذا كان العقد باطلا حسب شروط العقد الذي وصفه متعاقدان، فإن ذلك لا يمنع من قيام العقد الذي توفرت أركانه، إذا كانا المتعاقدان قد أساءا وصف العقد، مع توفر شروط عقد آخر اتجهت إليه إرادتهما، ومثال ذلك أن يصفا المتعاقدان عقدا على انه بيع، في حين انه في حقيقته هبة لتفاهة المقابل، بل فهنا يبطل البيع وتظل الهبة قائمة ما دامت شروطها متوفرة.

والرأي عندي أن وصف العقد في الحالة السابقة، بالعقد المتحول، هو وصف غير دقيق، من حيث أن العقد لا يتحول، فالعقد إما أن يكون قائما وإما أن يكون باطلا، وفي الحالة الأخيرة فإنه لا يتحول إلى عقد صحيح، ولذلك فإنه في نظري أن العبارة الدقيقة هي القول: "أن الخطأ في الوصف لا يؤدي إلى بطلان العقد": أو"لا بطلان لخطأ في الوصف".

أما إنقاص العقد، فانه يكون في الحالة التي يقتصر البطلان على جزء من العقد، حيث لا ينبغي للبطلان الامتداد ليشمل باقي الأجزاء، بل يقتصر على الشق الباطل فقط، وذلك ما لم يتبين بأن الشق الباطل هو الدافع إلى التعاقد، ومثال العقد الباطل في شق منه بيع شخص لكمية من الأشياء، يكون جزء منها مملوكا للدولة، حيث يبطل البيع في الشق المتعلق بما يتبع الدولة، بقى الآخر صحيحا، أو أن تعقد هبة مع تكليف غير مشروع، حيث يبطل التكليف وتضل الهبة قائمة (المادة 104 من القانون المدني).

الفرع الثاني: أثار البطلان بالنسبة للغير

إن آثار البطلان لا تقتصر على المتعاقدين فقط، بل ترتب أثرا بالنسبة للغير، أو بمعنى آخر الخلف الخاص للمتعاقدين، ومن ثم فإن من تقرر له حق على شيء كان محل عقد تم إبطاله، زال حقه عن هذا الشيء تطبيقا للأثر الرجعي للبطلان، فإذا باع "سيفاكس" إلى "أمين" سيارة، ثم قام "أمين" بدوره ببيع السيارة إلى "زكريا"، فإذا تم إبطال البيع الذي بين "سيفاكس" و"أمين"، فذلك يعني أن "أمين" لم يمتلك السيارة منذ البداية ومن ثم فقد باع "زكريا" ما لا يملك، وفاقد الشيء لا يعطيه.

غير أن امتداد آثار البطلان بهذا الشكل، قد الحق ضررا بالخلف حسن النية، الذي لم يكن يعلم بوجود سبب البطلان، لذلك فإن حقوق هذا الأخير تبقى قائمة على الشيء في حالات من قبيلها، إذا كان الخلف الخاص قد تلقى منقولا بحسن النية، وتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملك الملكية، ففي المثال السابق أعلاه، يتمسك "زكريا" بحيازته للسيارة بحسن نية، ومن ثم فإنه ليس بمستطاع لـ "سيفاكس" أن يستردها منه.

وكذلك نجد حماية الغير حسن النية في نص "المادة 885 من القانون المدني"، حيث انه إذا رتب شخص رهنا رسميا على عقار، ثم أبطل عقد تملك الرهن للعقار، فإن الرهن رغم ذلك يبقى قائما لمصلحة الدائن صاحب الحق على العقار، متى كان حسن النية وقت إبرام الرهن.[3]

المرجع:

  1. د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر.
  2. د. علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد، موفم للنشر، الطبعة الثالثة 2013، الجزائر.

التحميـل PDF


[1] د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر، ص107-110.

[2] د. علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد، موفم للنشر، الطبعة الثالثة 2013، الجزائر، ص328 – 331.

[3] د. زكريا سرايش، نفس المرجع، ص110-123.

google-playkhamsatmostaqltradent