جزاء عدم تنفيذ العقد (الفسخ)

جزاء عدم تنفيذ العقد (الفسخ)

جزاء عدم تنفيذ العقد (الفسخ)

فسخ العقد هو شكل من أشكال انحلال العقد، الانحلال يرد على العقد القائم الذي استكمل شروط انعقاده، ومن ثم فانه يختلف عن البطلان الذي يكون نتيجة افتقار العقد لأحد الأركان، كما يختلف عن القابلية للإبطال والتي تكون نتيجة عدم الاستقاء العقد لشرط من شروط صحته، وهناك من يرى بأن العقد القابل للإبطال يرد عليه الانحلال لأنه منتج لأثاره.

المطلب الأول: تعريف الفسخ وشروطه

نحدد في هذا المطلب المقصود بنظام الفسخ كجزاء يترتب على الإخلال بالالتزام العقدي، كما نحدد شروطه فيما يلي:

الفرع الأول: تعريف الفسخ

تنص المادة 119 مدني (في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه، مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك) ويظهر أن الفسخ هو جزاء يترتب على امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ ما التزم به، والفسخ هو أيضا حق المتعاقد في حل الرابطة التعاقدية إذا لم يوف المتعاقد الأخر بالتزامه، فيتحرر بدوره من الالتزامات التي تحملها بموجب العقد محل الفسخ، ويمكن للمتعاقد بمقتضى أحكام المادة 119 السالفة الذكر، أن يتمسك بتنفيذ العقد، وله أن يجبر المتعاقد الأخر على ذلك وفق الطرق القانونية المعتمدة لذلك أو يطالب بفسخ العقد[1] وعليه فإن الفسخ هو وسيلة يلجئ إليها المتعاقد في العقد الملزم للجانبين لكي يتحلل من التزامه، إذا اخل الطرف الآخر بتنفيذ ما عليه، ولقد أختلف في الأساس الذي تقوم عليه نظرية الفسخ، فذهب القضاء في فرنسا ومصر، إلا أن أساسه هو اتفاق ضمني بين المتعاقدين مفاده أن كل متعاقد يتحلل من التزامه إذا اخل الآخر بتنفيذ ما عليه، وبذلك فهي تقوم على شرط فاسخ ضمني، أما الفقه في فرنسا ومصر، فذهب إلى أن أساس النظرية الفسخ هو نظريه السبب، إذ أن عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزامه يجعل التزام الطرف الآخر بغير سبب، مما يجعل له القدرة على التحلل منه عن طريق الفسخ.

ستقل، حيث تقوم على اعتبارات العدالة الذي تتمثل في التعادل المقصود من الطرفين في العقد الملزم الجانبين.

وفي الفقه الإسلامي وجدت فيما تسنى لي الاطلاع عليه، أن من مجال الفسخ، عقود البيع المنهي عنها لكونها ترد على شيء محرم، مثل بيع الخنزير والخمر، حيث يكون جزاء العقد هو الفسخ، حيث يتعين رد الثمن إلى المشتري، و ترد السلع الجائزة إلى البائع أما المحرمة فتتلف، ونلاحظ أن الفسخ في هذه الحالات لم يكن جزاءا لعدم التنفيذ ولكنه جزاء لعدم طهارة العين (عدم مشروعيه المحل بالتعبير القانوني).

ويوجد أيضا في الفقه الإسلامي، نظام الإقالة الذي يعتبر انحلالا للعقد (كما يطلق عليه وصف الفسخ) بطريق الاتفاق بين الطرفين، وهي مستحبة لمن أقال، وجائز لمن استقال، وفي عقد البيع تجوز الإقالة قبل قبض الثمن، وإذا فسخ العقد كالنتيجة للإقالة رجع كل من المتعاقدين كل بما كان له.

الفرع الثاني: شروط الفسخ

الشرط الأول: أن يكون العقد ملزما للجانبين فلا مجال للفسخ في العقود الملزمة لجانب واحد.

الشرط الثاني: أن يكون احد الطرفين قد ارتكب خطأ تسبب في عدم تنفيذه لالتزامه، أما إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى قوة قاهرة، فّإن العقد في هذه الحالة يفسخ بقوه القانون، كما لا يستطيع طالب الفسخ أن يفسخ العقد إذا كان عدم التنفيذ راجعا إلى خطئه، فإذا تمسك طرف آخر بالدفع بعدم التنفيذ فإنه لا يجوز لطرف المقابل له فسخ العقد (هنا يخل الطرف بتنفيذ التزامه مما يدفع الطرف الثاني إلى التمسك بالدفع بعدم التنفيذ، ونتيجة لهذا يقوم الأول بطلب الفسخ، وهذا لا يجوز له ما دام أن عدم التنفيذ راجع إلى تقصيره).

الشرط الثالث: أن يكون طالب الفسخ له القدرة على إرجاع ما تلقاه من المدين (كأن يكون قد استفاد من تنفيذ جزئي)، فإذا كان قد تصرف فيما تلقاه، فإنه لا يمكنه فسخ العقد في هذه الحالة، أما إذا كان المدعى عليه في دعوى الفسخ هو من استحال عليه إرجاع ما تلقاه من المدعى، فيلزم في هذه الحالة بالتعويض، مع وقوع الفسخ.

المطلب الثاني: صور إيقاع الفسخ وآثاره

قد يتحقق الفسخ عن طريق حكم قضائي وهذا هو الأصل، كما قد يتحقق باتفاق الطرفين، وسنعالج كلا الصورتين في بداية هذا المطلب، وفي الأخير نتناول أثار الفسخ، وكل هذا فيما يلي:

الفرع الأول: صور إيقاع الفسخ

الأصل في الفسخ أن يتم عن طريق حكم قضائي، غير انه استثناءا يمكن أن يتفق المتعاقدان على اعتبار العقد مفسوخا بقوه القانون، إذا لم ينفذ أحدهما التزامه، ولذلك أن هناك صورتين لإيقاع الفسخ نوجزهما في ما يلي:

أولا: الفسخ القضائي:

يتحقق الفسخ القضائي عن طريق حكم قضائي بعد رفع دعوى من قبل الدائن تكون مسبوقة بإعذار المدين "المادة 119 من القانون المدني"، ولا ضرورة للإعذار حيث يجيز المشرع ذلك، وهي الحالات التي يكون فيها التنفيذ العيني للالتزام مستحيلا بخطأ المدين، وكذلك حين يصرح المدين كتابة بأنه لا ينوي تنفيذ التزامه، وهذا ما جاء في نص المادة 181 من القانون المدني.

والقاضي ليس ملزما بإجابة الدائن إلى طلبه بفسخ العقد، وإنما له سلطه تقديرية، حيث يجوز له أن يحكم بالفسخ كما يجوز له أن يرفض الفسخ، إذا كان ما لم يتم تنفيذه قليلا بالمقارنة إلى مجمل الالتزام (المادة 119/02 من القانون المدني)، كما يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للمدين وذلك لمرة واحده فقط، حيث يعتبر العقد مفسوخا إذا انتهت بدون تنفيذ.

كما يجوز للدائن قبل صدور الحكم أن يتراجع عن الفسخ، ليكون البديل هو التنفيذ العيني إذا كان ممكنا، كما يمكن للمدين أن يتقي دعوى الفسخ قبل صدور الحكم به، وذلك بتنفيذ التزامه، ومن ثم فلا يحكم القاضي بالفسخ.

ثانيا: الفسخ ألاتفاقي:

يبنى هذا الفسخ على اتفاق الطرفين في العقد على أن العقد يعتبر مفسوخا إذا لم ينفذ أحدهما التزامه، وتختلف قوة الفسخ الاتفاق باختلاف ما عبر عنه في العقد، ويمكن أن نجمل صور تعبيرات التي عادة ما يدرج الطرفان احدهما في ما يلي:

الصورة الأولى: هنا ينص المتعاقدان في العقد على أن هذا الأخير "يكون مفسوخا، عند عدم تنفيذ أحدهما لالتزامه"، وهذه الصورة تعتبر في الحقيقة إحالة إلى الفسخ القضائي، حيث لا يقع الفسخ هنا مباشرة عند عدم التنفيذ، بل وجب اعذار المدين ورفع دعوى بالفسخ، ومن ثم صدور حكم به، وفي هذه الحالة تبقى السلطة التقديرية قائمة للقاضي، كما يجوز للمدين أن يتقي الفسخ بتنفيذ التزامه.

الصورة الثانية: هنا يضع المتعاقدان شرطا في العقد مفاده أن "العقد يعتبر مفسوخا من تلقاء نفسه"، وفي هذه الحالة فإنه عند عدم تنفيذ أحدهما لالتزامه، فإن الفسخ لا يقع مباشرة، حيث يعتبر اعذار المدين، ورفع دعوى بالفسخ، لكن هذا الفسخ يحرم القاضي سلطته تقديرية حيث يتعين عليه إصدار حكم بالفسخ دون خيارات أخرى.

الصورة الثالثة: هنا يضع المتعاقدان في العقد شرط مفاده أن "العقد يكون مفسوخا من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى اعذار أو حكم قضائي"، وهذه أقوى درجات الفسخ حيث يعفى الدائن من الأعذار واستصدار حكم بالفسخ، ويفسخ العقد مباشرة عند عدم التنفيذ.

ثالثا: الفسخ بإرادة الدائن بنص القانون:

ينص القانون في بعض الحالات على اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى اعذار أو حكم قضائي، ومن أمثلة ذلك ما جاء في نص المادة "392 من القانون المدني" والتي جاء في مضمونها انه بالنسبة للباعة في المحلات، إذا كان المبيع منقولا، وكان اجل دفع الثمن هو نفسه اجل تسلم المبيع، فإن العقد يعتبر مفسوخا إذا تخلف المشتري عن دفع الثمن بحلول الأجل.

- الانفساخ بقوة القانون:

إذا أصبح تنفيذ المدين لالتزامه مستحيلا بسبب أجنبي لا يد له فيه، فان التزامه ينقضي في هذه الحالة ويفسخ العقد بقوه القانون، والذي يتحمل تبعة العقد هو المدين الذي أصبح تنفيذ التزامه مستحيلا، إذ أن الدائن سوف يسقط التزامه ومن ثم لا يستطيع المدين مطالبته به، وتقع الخسارة على عاتق المدين.

ويقع الفسخ هنا دون الحاجة إلى حكم قضائي، لأنه مقرر بقوه القانون، كما أنه لا وجه للرجوع بالتعويض على المدين، لأن الاستحالة ترجع إلى سبب أجنبي لا إلى خطئه (المادة 121 من القانون المدني).

وفي الفقه الإسلامي فيما يتعلق بعقد البيع، نجد أن هلاك المبيع قبل القبض بسبب أجنبي العقد، ولكن الخيار للمشتري بين الرجوع على هذا الأجنبي وبين طلب الفسخ، أما إذا كان هلاك المبيع بفعل البائع أو بفعل المبيع نفسه، أو بفعل آفه سماوية فإن العقد يفسخ في هذه الحالة.

الفرع الثاني: أثار الفسخ

أولا: أثار الفسخ فيما بين المتعاقدين:

يترتب على الفسخ إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليه قبل التعاقد، بمعنى أن للفسخ أثرا رجعيا، فإذا كان العقد بيعا وجب على المشتري أن يرد ما تسلمه من البائع، ووجب على البائع رد ما قبضه من الثمن، غير انه قد يستحيل على المدين رد ما تسلمه، وفي هذه الحالة يحكم عليه القاضي بالتعويض.

والحكم بالفسخ لا يحرم الدائن حقه في المطالبة بالتعويض، إذا كان قد تضرر جراء عدم التنفيذ، كأن يكون الشيء المسترد سلعة انخفض سعرها بعد أن كان مرتفعا وقت العقد، والتعويض هنا يؤسس على قواعد المسؤولية التقصيرية لا على العقدية، ذلك أن العقد بعد أن فسخ لا يصلح كأساس للتعويض.

 ثانيا: أثار الفسخ بالنسبة للغير:

يترتب على الفسخ أثره بالنسبة للغير الذي ترتب له على الشيء الواجب رده حق معين، كمن اشترى من عند المشتري الذي فسخ عقده، أو من رتب حقا عينيا تبعيا على الشيء كحق الرهن الرسمي، حيث يسترد البائع في المثال السابق الشيء خاليا من هذه الحقوق، غير أن المشرع من جهة أخرى وفر حماية للغير حسن النية، حيث تبقى حقوقه قائمة على الشيء.

فإذا كان الشيء منقولا واجب رده، فإن الغير الذي تسلمه يمكن له أن يتمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز، أما إذا كان الشيء عقارا فإن حق الغير يبقى قائما عليه ما دام قد أشهر حقه العيني، قبل شهر الدائن لحقه.[2]

المرجع:

  1. د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر.
  2. د. علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد، موفم للنشر، الطبعة الثالثة 2013، الجزائر.


[1] د. علي فيلالي، الالتزامات النظرية العامة للعقد، موفم للنشر، الطبعة الثالثة 2013، الجزائر، ص457

[2] د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر، ص152-159.

google-playkhamsatmostaqltradent