التعاون الدولي لمكافحة جريمة تبييض الاموال

التعاون الدولي لمكافحة جريمة تبييض الاموال 

التعاون الدولي لمكافحة جريمة تبييض الاموال

إن جريمة تبييض الأموال التي تفشت وانتشرت في مجتمعاتنا لها العديد من الأساليب والطرق التقليدية مثل إنشاء شركات الواجهة التي تستثمر فيها هذه الأموال لإعادة تدويرها وغسلها وتبييضاها، وكذلك المضاربة في الأسهم والسندات في البورصات الوطنية والعالمية وكذا شراء الأراضي الزراعية والعقارات والتجارة في المخدرات والمؤثرات العقلية والتجارة غير المشروعة في الأسلحة النارية والذخائر والخطف والقرصنة والإرهاب و تزوير للنقود و تجارة الأعراض والدعارة وما يرتبط بهما، وغيرها من صور الاستثمار للمال غير المشروع.

المبحث الاول: ماهية جريمة تبييض الاموال

سنقوم في هذا المبحث بدراسة تعريف جريمة تبييض الأموال (المطلب الأول)، ثم مراحل ارتكاب جريمة تبييض الأموال (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعريف جريمة تبييض الاموال

إذا رجعنا إلى هذا المصطلح نجد بعض التشريعات تطلق عليه غسيل الأموال، واستعمل المشرع الجزائري مصطلح تبييض الأموال "للدلالة على هذه الجريمة وهو مصطلح دقيق ويوفي بالغرض أكثر من مصطلح الغسيل. ويقصد بتبييض الأموال: "إخفاء المصدر الإجرامي للأموال، ومحاولة إضفاء الشرعية عليها وبالتالي فهي مجموعة عمليات معينة ذات طبيعة إقتصادية أو مالية تؤدي إلى إدخال أو ضم في دائرة الإقتصاد الشرعي رؤوس أموال ناتجة من أنشطة غير مشروعة تقليديا متعلقة بالمتاجرة بالمخدرات واليوم أصبحت نواتج كل جريمة ذات جسامة أو خطورة".

أما المشرع الجزائري فقد عرّف جريمة تبييض الأموال كما يلي:

يعتبر تبييضا للأموال:

1- تحويل ونقل الممتلكات مع العلم بأنها عائدات إجرامية قصد إخفاء مصدرها غير المشروع، أو المساعدة على ذلك أو الإفلات من أحكام القانون.

2- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية لهذه الممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها، أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية.

3- إكتساب الممتلكات أو حيازتها، أو إستخدامها مع الشخص القائم بذلك وقت تلقيها أنها تشكل عائدات إجرامية.

4- المساهمة في إرتكاب الجرائم السابقة أو التآمر على إرتكابها أو محاولة إرتكابها بشتى الطرق ويلاحظ أن المشرع وسع من دائرة مفهوم تبييض الأموال محاولة منه سد الطريق أمام المجرمين.

المطلب الثاني: مراحل عملية تبييض الأموال

تهدف عملية تبييض الأموال إلى إضفاء صفة الشرعية على الأموال القذرة التي تم تحصيلها بطر ق غير شرعية، لذلك فإن هذه العملية تتم عبر عدة مراحل من شأنها قطع الصلة بين هذه الأموال ومصدرها، وبالتالي صعوبة تعقبها أو تتبع مراحلها وهذه المراحل هي:

1- مرحلة الإيداع: في هذه المرحلة يتم التخلص المادي من الأموال غير المشروعة، حيث أنه من البديهي أن الكميات الكبيرة من السيولة النقدية، يمكن أن تجلب الانتباه، فالهدف من هذه المرحلة هو التخلص من السيولة النقدية التي أصبحت ثقلا على كاهل المجرمين، ويتم ذلك عادة عندما يتمكن مبيضو الأموال من إيداع متحصلات النشاط الإجرامي إلى داخل النظام المصرفي او النقدي، وفي هذه المرحلة يعتمد المجرم على الأساليب الآتية:

أ_‌ إيداع النقود في أحد أو بعض المصارف أو في إحدى المؤسسات المالية غير المصرفية مثل مكاتب تغيير العملة، وشركات التحويلات المالية.

ب‌_تحويل النقود إلى أصو ل أخرى (عقارات، ذهب، مجوهرات).

ج _استبدال هذه النقود بعملات أجنبية تمهيدًا لتهريبها إلى الخارج.

د_إقامة أنشطة تجارية مشروعة مع الإيحاء بضخامة عوائدها مثل محلات المجوهرات و المطاعم أو أنشطة غير مشروعة كصالات القمار، بحيث تصلح تلك العوائد لتكون مصدرًا وهميًا للأموال المغسولة، و يلاحظ أن مرحلة الإيداع تعد بصفة عامة من أهم و أخطر مراحل تبييض الأموال ذلك أنه يتم فيها إخراج النقود القذرة من الخفاء لأول مرة إلى حيز التعامل المادي، و تكون الأموال في هذه المرحلة عرضة للتتبع والاكتشاف من جانب السلطات من خلال البيانات والمستندات المسجلة بشأنها في المؤسسات المالية.

2- مرحلة التمويه: ويطلق على هذه المرحلة أيضا مرحلة التعتيم أو الفصل، وتهدف هذه المرحلة إلى قطع الصلة بين النقود موضوع التبييض وأصلها غير المشروع، حيث يتم فيها إجراء سلسلة من العمليات المصرفية وغير المصرفية المتعاقبة والمعقدة، لإخفاء الأصل غير المشروع للأموال، و تمثل هذه المرحلة أهمية كبيرة لغاسلي الأموال، الذين يعمدون إلى خلق طبقات مركبة ومضاعفة من الصفقات التجارية و التحويلات المالية، التي تكفل إخفاء العائدات غير المشروعة و تمويه طبيعتها، لاستخدامها بحرية في أغراض مختلفة. كما تعد هذه المرحلة أكثر المراحل تعقيدًا، وأكثرها اتصافًا بالطبيعة الدولية، فغالبًا ما تجري وقائعها في بلدان متعددة، وتنطو ي على استخدام العديد من الأساليب المتشعبة والمتنوعة ومنها ما يلي:

3- مرحلة الدمج: تعتبر هذه المرحلة هي الغاية التي يسعى إليها مبيضو الأموال، و تهدف هذه المرحلة إلى ضخ الأموال بعد تمويه طبيعتها أو انقطاع صلتها بمصدرها غير المشروع  في الاقتصاد القومي الرسمي في صورة أموال معلومة المصدر، لإكسابها مظهرًا قانونيًا و شرعيًا، بحيث يتم توظيفها بعد ذلك بحرية دون خشية المطاردة أو المصادرة و يتحقق في هذه المرحلة تمام اندماج الأموال غير المشروعة في النظام المالي و المصرفي المشروع واختلاطها بالأموال المشروعة بحيث تبدو و كأنها أموال مشروعة معلومة المصدر.

المبحث الثاني: اثار جريمة تبييض الأموال واليات مكافحتها

سنقوم بالبحث في مختلف الاثار التي تترتب عن جريمة تبييض الأموال (المطلب الأول)، ثم سنبحث عن اليات مكافحة هذه الجريمة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: اثار جريمة تبييض الاموال

تعني الآثار الموضوعية تاك الآثار المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال من حيث موضوعها وهي الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية:

أوَّلاً: الآثار الاقتصـادية: من أبرز تلك الآثار الاقتصادية التي تحدثها ظاهرة غسيل الأموال ما يلي:

1- تـأثر الـدخـل القومي: بحيث (تتحول دخول الفئات المنتجة التي تحقق دخلا مشروعا إلى فئات غير منتجة وتحصل على دخول غير مشروعة مما يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويضاعف الخلل الاجتماعي في البلد المعني).    

ولهذا كانت الدخول غير المشروعة في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا سببا في انخفاض الإنتاج بنسبة 27% لأن أساس الاقتصاد غير المشروع ينمو بمعدل أسرع من الاقتصاد المشروع.

2- هبوط معـدل الادخـار: كلما زادت ظاهرة غسيل الأموال قل معدل الادخار الوطني ، وسبب ذلك هروب رأس المال خارج الوطن، وبالتالي نقل المدخرات التي يمكن أن توجه للاستثمارات.

كما أنه في حالة شراء التحف الفنية وبعض السلع الترفيهية فإن الأموال تتجه إلى طريق الاستهلاك ومن ثم يقلُّ القدر الموجه إلى الادخار الوطني.

3- حدوث ضـغوط تضـخمية في الاقتصاد: ظاهرة غسيل الأموال تؤدي إلى وجود مداخيل كبيرة لدى غاسلي الأموال دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية.

4- تـدهور قيمـة العملة الوطنية: حين تهرب الأموال إلى الخارج يزداد الطلب على العملات الأجنبية التي يتم تحويل الأموال المهربة إليها بهدف إيداعها في البنوك الخارجية ومن هنا تنخفض قيمة العملة الوطنية مقابل العملة الأجنبية.

5- إفلاس المؤسسات الوطنية: حين تتمكن عصابات غسيل الأموال من التفوق في المنافسة على المؤسسات التي تمارس أعمالا مشروعة متوفرة في أيديها، فتخرج حينذاك المؤسسات المشروعة من السوق لإفلاسها بسبب عدم قدرتها على المنافسة.

وهكذا فظاهرة غسيل الأموال تمثل خطرا اقتصاديا محدقا بالدول الصغرى قبل الكبرى لانعدام آليات الشفافية والمراقبة مما يولد ضغوطا اجتماعية رهيبة على حكومات تلك الدول مالم تعجل بالمبادرة إلى مكافحتها.

ثانياً: الآثار الاجتماعية: تشكل ظاهرة غسيل الأموال ضررا بالغا على النسيج الاجتماعي، من ذلك: 

1- ارتفاع نسبة البطالة: لما كانت عمليات غسيل الأموال تؤثر على الادخار المحلي الذي من شأنه تمويل الاستثمارات المختلفة، فإنها تؤثر على الموارد اللازمة لتوفير مناصب شغل تستوعب الراغبين في العمل.

2- اتسـاع نطاق الجريمة : (نجاح الأموال غير المشروعة في الإفلات من ملاحقة السلطات الأمنية واستخدام الأموال القذرة في تصرفات نقدية وعينية يشجع الآخرين على الانزلاق في حمأة الجريمة ، فيساعد على زيادة معدل الجريمة محليا ودوليا).

كما أن ظاهرة غسيل الأموال صارت اليوم تهدد استقرار الدول والشعوب من خلال تحالفها مع الإرهاب وبالتالي يصبح المال في أيدٍ مجرمة.

3- انتشـار ظـاهرة المخـدرات: تحدث ظاهرة غسيل الأموال ضررا بالغا في التصورات والقيم بحيث تزداد الفجوة بين المترفين والمعدمين ، وبالتالي تشترى ذمم الفقراء لشدة حاجتهم وعوزهم ويسقطون في النهاية في شرك عصابات غسيل الأموال.

4- انهيار الطبقة الوسـطى : لا شك أن ظاهرة غسيل الأموال تسبب مشكلات التضخم والبطالة وانهيار العملة ونحوها، وهي مشكلات اقتصادية تؤدي إلى اختلال -إن لم نقل انهيار- الطبقة الوسطى التي تمثل حلقة وصل بين طبقة الأغنياء والفقراء وتمثل طبقة المتعلمين وذوي الرأي العام في المجتمع.

وهناك آثار اجتماعية أخرى تسببها ظاهرة غسيل الأموال آثرنا أن نقتصر على هذه فقط.

ثالثاً: الآثار السياسيـة: تمس ظاهرة غسيل الأموال الجوانب السياسية لأيِّ دولة تشيع فيها، من ذلك مثلا:

1- تغلغل المجرمين في أجهزة النظام السـياسي: حيث يعمد غاسلو الأموال بما يملكون من أموال طائلة إلى شراء ذمم السياسيين والمنتخبين، وبالتالي توجيه سياسات سن القوانين في البرلمان لصالحهم وداعمة لأعمالهم أو على الأقل لغض الطرف عنهم وهذا ما يعتبر (تحالفا مشبوها بين المال والسياسة).

2- تمويل الجماعات المتطرفة: يعمد غاسلوا الأموال - رعاية لمصالحهم الضيقة – إلى تمويل التيارات والمنظمات المتطرفة المناوئة لحكومتها، أو تمويل النزاعات الدينية و العرقية ،بهدف الاستفادة من الأجواء العكرة في تلك البلاد لترويج سلعهم وبضائعهم كالمخدرات والأسلحة ونحوها، وهذا ما أشارت إليه الأمم المتحدة في دورتها المنعقدة في 08 جوان 1998 إلى أن أرباح غسيل الأموال تمول بها بعض  أعنف النزاعات العرقية و الدينية.

المطلب الثاني: اليات مكافحة الجريمة

بما أن جريمة تبيض الأموال تعد جريمة عابرة للوطنية أي أنها تتسم بتوسع وامتداد ركنها المادي على اعتبار أنها جريمة مستمرة ، الشيء الذي أوجب التفكير في آليات التعاون الدولي و تطويره، و لهذا الغرض بالذات تضمن القانون رقم 05-01 المؤرخ في  1 فبراير 2005، والمذكور أنفا جملة من المبادئ و القواعد ذات الصلة والتي يمكن إيرادها فيما يأتي:

تقوم الهيئة المتخصصة "هيئة الاستعلام المالي" إطلاع هيئات الدول الأخرى التي لها نفس المهمة على المعلومات المتوفرة لديها حول العمليات التي يبدو أنها تهدف إلى تبيض الأموال وذلك مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل، على أن يتم التعاون وتبادل المعلومات في إطار احترام الاتفاقيات الدولية والأحكام  القانونية المطبقة في مجال حماية الحياة الخاصة مع مراعاة أن تكون هذه الهيئة الأجنبية خاضعة لنفس واجبات السر المهني مثل الهيئة المتخصصة في الجزائر.

كما يقزم بنك الجزائر واللجنة المصرفية تبليغ المعلومات إلى الهيئات المكلفة بمراقبة البنوك والمؤسسات المالية في الدول الأخرى مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل بشرط أن تكون هذه الهيئات خاضعة للسر المهني بنفس الضمانات المحددة في الجزائر.

إضافة الى تكريس التعاون القضائي بين الجهات القضائية الجزائرية والأجنبية من خلال التحقيقات والمتابعات وذلك مع مراعاة المعاملة بالمثل وفي إطار احترام الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف المطبقة في هذا المجال والمصادق عليها من طرف الجزائر.

اتخذ التشريع الجزائري منهجا متشددا في العقوبات على نشاط تبيض الأموال بما يتلائم وخطورة هذه الجريمة، ولكن و قبل الحديث عن طبيعة هذه العقوبات وجب علينا قبل كل شيء الحديث حول المتابعة في جرائم تبيض الأموال التي تكون تلقائيا في جميع الحالات ولم يشترط المشرع تقديم شكوى أو إتباع إجراءات خاصة من اجل المتابعة، كما يمكن أن تتم المتابعة بناء على التقارير التي توجهها خلية معالجة الاستعلام المالي- باعتبارها جهة متخصصة في التحقيق حول العمليات المالية المشبوهة – إلى وكيل الجمهورية.

غير أن القانون رقم 05-01 أورد في مادته الخامسة قيدا على المتابعة في جرائم تبييض الأموال حيث تنص على انه لا يمكن اتخاذ إجراءات المتابعة الجزائية إلا إذا كانت الأفعال الأصلية المرتكبة في الخارج تكتسي طابعا إجراميا في القانون البلد الذي ارتكبت فيه وفي القانون الجزائري.

كما نص على جزاءات شملت الأشخاص والهيئات المالية التي قد تخل بأحد التزاماتها مثل عدم تحرير الإخطار بالشبهة، وعاقب مسيرو وأعوان البنوك والمؤسسات المالية الذين يخالفون عمدا وبصفة متكررة تدابير الوقاية من تبيض الأموال، هذا وطبقا لمسؤولية الشخص المعنوي الجزائية، فان النص قد حدد له عقوبة تتناسب مع كيانه بفرض عقوبة الغرامة المالية عليه.

أما بخصوص الجزاءات المقررة لجرائم تبييض الأموال فقد ميز المشرع بين جريمة تبييض الأموال البسيطة و جريمة تبي الأموال المقترنة بظرف مشدد ونص قانون العقوبات على عقوبات سالبة للحرية كالحبس وعقوبات مالية كالغرامة والمصادرة وعقوبات تكميلية.

المرجع:

  1. د. عسالي عبد الكريم، محاضرات في القانون الدولي الاقتصادي، لطلبة ماستر 1 -تخصص القانون العام للأعمال والقانون العقاري، جامعة عبد الرحمان ميرة -بجاية-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم قانون أعمال، السنة الجامعية: 2015-2016، الجزائر، ص56 إلى ص65.

google-playkhamsatmostaqltradent