أركان العقد

 أركان العقد

أركان العقد

يقوم العقد على ثلاثة أركان، هي التراضي والمحل والسبب، وبالنسبة للعقد الشكلي وجب توفر ركن الشكل، فهذه الركائز إن صح التعبير، يترتب على تخلف أحدها (أو افتقار أحدها لشرط من شروطه) عدم وجود العقد من الناحية القانونية، ونتناول هذا في ثلاثة مطالب كما يلي:

  • المطلب الأول: ركن التراضي.
  • المطلب الثاني: ركن المحل.
  • المطلب الثالث: ركن السبب.

المطلب الأول: ركن التراضي

التراضي هو وجود تعبيرين عن إرادتين متطابقتين، وذلك بهدف ترتيب آثار قانونية، والتراضي لكي يتحقق له الوجود القانوني، أو إن صح التعبير، الظهور إلى حيث يعترف به المشرع، وجب توفر شروط معينة، فإذا توفرت تحقق وجوده، لكنه لا يكون مستقرا بشكل نهائي إلا بتوفر شروط أخرى نسميها شروط صحة التراضي، ولذلك سوف نعالج هذا المطلب في ثلاثة فروع كما يلي˸

الفرع الأول: وجود التراضي

يعتد القانون بإرادة الشخص المميز، بمعنى من بلغ سن "13سنة" (انظر في هذا الصدد المادة 42 من القانون المدني)، ولذلك فان الصبي غير المميز لا يرتب القانون على إرادته أثرا في إنشاء العقد، فإذا وجد هذا التمييز وجب أن يكون هناك تعبيران لإرادتين متطابقتين، التعبير عن الإرادة الذي يأخذ المبادرة في التوجه نحو إنشاء العقد نسميه "الإيجاب"، والتعبير عن الإرادة الذي يستجيب لهذا الأخير فيأتي مطابقا له نسميه "القبول"، وهذا ما جاء في نص المادة "59" من القانون المدني˸ "يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية".

وفي الفقه الإسلامي كذلك لا يعتد بعقد الصبي غير المميز، وكذلك من كان سكرانا، أو مجنونا، وإذا كان هذا الأخير يفيق أحيانا ويجن أحيانا اعتبر ما تم عند الإفاقة صحيحا وما تم أثناء الجنون غير صحيح.

ويمكن تعريف الإيجاب على انه "تعبير يدل على اتجاه الإرادة بشكل بات إلى إنشاء العقد في حال اقترانه بإرادة مطابقة له".

ويوصف الإيجاب على انه عرض كامل وجازم ويقصد بكونه كاملا انه وجب أن يتضمن العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه، فإذا كان العقد بيعا وجب أن يتضمن الإيجاب تعيين المبيع وتقدير الثمن، وإذا كان العقد إيجارا وجب أن يتضمن الإيجاب تعيين المبيع وتقدير الثمن، وإذا كان العقد إيجارا وجب أن يتضمن الإيجاب تعيين العين المؤجرة ومدة الإيجار، أما بالنسبة لضرورة كون الإيجاب عرضا جازما، فمعنى ذلك انه لا يكون متضمنا ما يفيد التردد أو عدم التأكيد، مثل من يقول لآخر سأبيعك هذا المنزل بعد أن نتفاوض في خصوصه أو سأبيعك هذا العقار إذا دفعتني ظروف لذلك (ظروف غير محددة)... الخ، كما لا يعتبر إيجابا العرض المتعلق بإرادة محضة مثل أن يقول احدهم لآخر سوف أبيعك هذه السيارة إن شئت أنا، ففي كل هذه الأمثلة لا نكون بصدد إيجاب.

وإذا افتقر التعبير عن الإرادة لأحد الشرطين السابقين فانه لا يرقى ليصبح إيجابا، بل يكون مجرد دعوة  للتعاقد، والتي لا يراد بها سوى الدخول في مفاوضات قد تنتهي بإيجاب وقد لا تنتهي، ومسٲلة التمييز بين الإيجاب والدعوة إلى التعاقد مسٲلة هامة من حيث أن الإيجاب إذا اقترن به قبول فانه يؤدي إلى انعقاد العقد، في حين أن الدعوة إلى التعاقد لا يرتب القانون على وجودها أي اثر يذكر، ومثال الدعوة إلى التعاقد وضع البائع لسلعه في الواجهة دون بيان أثمانها، أو وضع المؤجر لإعلان يتضمن تأجير منازل في منطقة معينة ولكنها غير محددة على وجه دقيق (بيان الشارع والعمارة)...الخ.

أما القبول فهو التعبير عن الإرادة الذي يأتي مطابقا للإيجاب وبه ينعقد العقد، والتعبير عن الإرادة سواء كان إيجابا أم مقبولا، قد يعبر عنه بطريقه صريحة وقد تكون ضمنية وسنتناول كلى الطريقتين فيما يلي˸

‌أ. التعبير الصريح˸ هو ذلك التعبير الذي يتخذ وسيلة مخصصة في ذاتها بحسب ما جرى به العمل بين الناس، وقد يكون باللفظ أو الكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا، أو باتخاذ موقف لا يدع مجالا للشك في دلالته على مقصود صاحبه.

والتعبير الصريح بالكلام مثاله أن يقول شخص لأخر اجر لي منزلك ببدل إيجار قدره "10000 دينار" شهريا ولمده سنة، فهذا تعبير صريح بالكلام عن الإيجاب، أما التعبير الصريح بالكتابة، فمثاله أن يرسل احد لآخر رسالة يخبره فيها بأنه قد قبل عرضه شراء سيارته بالثمن الذي أعلنه سابقا، فهذا تعبير صريح عن القبول بوسيلة الكتابة.

أما الإشارة المتداولة عرفا فمثالها هز الرأس كدلالة على القبول، وقد يكون التعبير الصريح باتخاذ موقف يدل بشكل واضح على إرادة صاحبه، مثل توقف سيارات الأجرة في المحطة، وقد نصت على التعبير الصريح المادة"60/ 01" من القانون المدني.

وفي الفقه الإسلامي يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا بلفظ الماضي، مثل أن يقول البائع بعت ويقول المشتري قبلت، أو بلفظ المضارع إن أريد به الحال، مثل˸ أبيع واشتري مع إرادة الحال، فإذا أرادا المستقبل أو دخل عليه ما يدل على المستقبل كالسين وسوف، كان وعدا بالتعاقد.

وإذا نظرنا إلى عقد البيع في الفقه الإسلامي كعينة، لوجدنا جواز أن يكون الإيجاب والقبول بكل ما يدل على رضا المتبايعين، من كلام وكتابة وإشارة، ومن ثم فانه يجوز بيع المعطاة، وصورته أن يعطي المشتري الثمن ويأخذ منه شيئا بدون لفظ منهما، أو بلفظ واحد دون الأخر، فكل ما يدل على رضا النفس يتحقق به البيع.

‌ب. التعبير الضمني˸ التعبير الضمني هو الذي نستدل فيه على الإرادة بطريقه غير مباشرة، فبالرغم من عدم وجود تعبير واضح عن الإرادة بحسب المألوف بين الناس، إلا أن الوضعية التي يتخذها الشخص لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تعبر عن إرادة محددة، ومثال ذلك بقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء مده الإيجار، فهذا يعد بمثابة تعبير ضمني (تعبير عن إيجاب) عن رغبته في تجديد الإيجار.

والأصل أن للتعبير الضمني نفس قيمه التعبير الصريح، غير أن القانون في بعض الأحيان يستلزم أن يكون التعبير في شكل معين، ومثال ذلك واضح في العقود الشكلية، كما انه قد يشترط احد الأشخاص أن يكون التعبير الموجه له تعبيرا صريحا، مثل بعض الباعة الذين يشترطون تقديم طلب كتابي من اجل بيع شيء معين، ولقد نصت على التعبير الضمني المادة "60/ 02" من القانون المدني الجزائري.

‌ج. مدى صلاحية السكوت كطريق للتعبير عن الإرادة إن دراسة السكوت من حيث مدى صلاحيته للتعبير عن الإرادة، إنما يقتصر على القبول، حيث لا يتصور أن يكون الإيجاب بطريق السكوت، ما دام انه تعبير يبادر به صاحبه من اجل الحصول على رضاء يطابقه فينعقد العقد، ومن ثم فإن الإيجاب كان لابد أن يكون بموقف ايجابي بارز، سواء كان بمظهر صريح أم ضمني، والأصل إن السكوت لا يعبر به عن القبول، إذ لا يمكن ترتيب أثار قانونيه عن المواقف السلبية، وإلا عد ذلك عبئ على إرادة الأشخاص، حيث وجب عليهم الإفصاح كلما وجه إليهم عرض معين، وإلا اعتبروا راضين به، ونجد أن المشرع الأردني قد نص صراحة على عدم صلاحية السكوت للتعبير عن الإرادة كقاعدة عامه مع وجود استثناءات، وذلك في المادة 95 /01 من القانون المدني الأردني (القانون رقم 43 لسنه 1976) حيث جاء نص الفقرة كما يلي˸ "لا ينسب إلى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ويعتبر قبولا".

غير انه وان كانت القاعدة هي عدم الاعتداد بالسكوت للتعبير عن القبول إلا أن هناك استثناءات على هذه القاعدة حيث يأخذ السكوت حكم القبول وهذه الحالات هي˸

الحالة الأولى˸ حالة وجود نص قانوني˸ إذا وجد نص قانوني يعتبر السكوت في حالة محددة قبولا، فانه يأخذ هذه القيمة ومثال ذلك ما نصت عليه المادة "355" من القانون المدني، في خصوص البيع بشرط التجربة، حيث يعتبر المشتري قابلا بالمبيع إذا قام بتجربته، وانتهت المدة المتفق عليها لإعلان الرفض دون الإفصاح عن إرادته.

الحالة الثانية˸ حالة وجود اتفاق بين الطرفين˸ في هذه الحالة تتجه إرادة الطرفين إلى اعتبار السكوت قبولا، ومثال ذلك في عقد إيجار يتفق فيه على أن المستأجر إذا لم تكن له الرغبة في تجديد الإيجار، وجب عليه أن يعلم المؤجر بذلك في الأسبوع الأول لآخر شهر، فإذا سكت المستأجر خلال الأسبوع إلى نهايته (الأسبوع الأول من الشهر الأخير) اعتبر سكوته بمثابة قبول لتجديد الإيجار.

الحالة الثالثة˸ حاله السكوت الملابس˸ السكوت الملابس هو ذلك السكوت الذي تحيط به ظروف ترجع تفسيره بالقبول، وحالات السكوت الملابس نصت عليها المادة "68" من القانون المدني، وتتمثل في˸

‌أ) إذا كان العرف التجاري يجري على اعتبار السكوت قبولا˸

ومثال ذلك إرسال البنك للعميل بيانا بالحساب الجاري، فإذا سكت العميل مده مناسبة، اعتبر سكوته اعتمادا لهذا البيان.

‌ب) إذا كان هناك تعامل سابق بين الطرفين مفاده أن الموجب لا ينتظر ردا بالقبول˸

ومثال ذلك أن يعتاد تاجر التجزئة على طلب السلعة من تاجر الجملة، فيرسل له هذا الأخير السلعة دون أن يرد بالقبول، فإذا حدث وان طلبها بعد ذلك وسكت تاجر الجملة دون إرسال السلعة اعتبر سكوته قبولا، وذلك اعتبارا لما جرى به التعامل بينهما.

‌ج) إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه˸

إذا كان الإيجاب يصب حتما في مصلحة الموجب له بحسب ما هو معروف بين الناس، فانه لا مبرر يجعله يرفضه، ولذلك فان السكوت في هذه الوضعية يحمل في الغالب على دلالة القبول، ومثال ذلك أن يعرض الموجب على الموجب له أن يتبرع له بشيء معين، حيث يكون الإيجاب هنا لمصلحة الموجب له، ومثاله أيضا أن يعرض الكفيل على الدائن أن يكفله فهنا يكون الإيجاب متمحضا لمصلحة الدائن، فإذا سكت هذا الدائن اعتبر سكوته قبولا.

- عدم مطابقة الإرادة الظاهرة للإرادة الكاملة في النفس˸ قد يحدث أن يكون التعبير عن الإرادة سواء إيجابا أم قبولا في مظهر خارجي لا ينطبق فيه مع الإرادة الكامنة  في النفس، وهنا تثار مشكلة في تحديد الإرادة التي يأخذها المشرع بعين الاعتبار، هل هي الإرادة الحقيقية الكامنة في النفس، أم تلك المعبر عنها والتي برزت العالم الخارجي؟

أخذت المدرسة اللاتينية بالإرادة الحقيقية (الباطنة) دون التعبير الظاهر، ولقد تعرضت هذه النظرية إلى الكثير من النقد خصوصا من المدرسة الألمانية، التي تعول على الإرادة الظاهرة، وترى بان القانون لا يهتم ببواطن النفوس، وإنما يهتم بالظواهر الاجتماعية.

أما موقف المشرع الجزائري من النظريتين فنجد انه اخذ بالإرادة الباطنة كقاعدة، وبالإرادة ظاهرة كاستثناء، ومن مظاهر الأخذ بالإرادة الباطنة ما يلي˸

1. أن الغلط والتدليس والإكراه باعتبارهم عيوبا تؤدي إلى إرادة ظاهرة غير مطابقة للإرادة الحقيقية، فان المشرع أتاح إمكانية إهدار التعبير الظاهر الذي يقوم على وجود عيب من هذه العيوب، بان جعل العقد قابلا للإبطال.

2. أن المشرع الجزائري في حاله ثبوت صوريه العقد، نجده يأخذ بالإرادة الحقيقية، أو بمعنى آخر بالعقد الحقيقي، فهو الذي يكون نافذا في حق المتعاقدين وخلفهما العام (المادة 199 مدني جزائري).

3. بطلان العقد بطلان مطلقا إذا تبين أن الإرادة الحقيقية لها دافع غير مشروع، بمعنى يتعارض مع النظام العام والأدب العامة، فرغم أن الإرادة الظاهرة لم تتضمن مثل هذا الدافع، إلا انه إذا ثبت أن الدافع الكامن في النفس لا يتلاءم مع النظام العام والآداب العامة، فان المشرع يأخذ بهذا الدافع الكامن في النفس (الإرادة الباطنة) ومن ثم بطلان العقد بطلانا مطلقا.

أما مظاهر اخذ المشرع الجزائري بالإرادة الظاهرة فتتمثل في˸

1) أن القانون الجزائري أجاز لدائني المتعاقدين وللخلف الخاص، إذا كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الظاهر.

2) أن المشرع الجزائري جعل التعبير عن الإرادة ينتج أثره باتصاله بعلم من وجه إليه، حتى ولو ثبت بعد ذلك انه تراجع عنه، طالما أن التراجع كان لاحقا لاتصال التعبير بالمتعاقد الآخر، وهنا نلاحظ بان الإرادة الحقيقية هي العدول، والإرادة الظاهرة هي إبرام العقد.

3) أن التدليس إذا كان قد صدر من غير المتعاقدان، فانه لا يؤدي إلى إبطال العقد إلا إذا كان المتعاقد الآخر على علم بهذا التدليس، وهنا نلاحظ بان هذا المشرع قد أهمل الإرادة الحقيقية للمدلس عليه، إذ أن إرادته الحقيقية هي عدم التعاقد، واخذ بإرادته الظاهرة.

- الوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثاره˸ إن التعبير عن الإرادة سواء كان إيجابا أم قبولا، لا يكتمل له الكيان القانوني إلا باتصال هذا التعبير بمن وجه إليه، وتظهر أهميه ذلك بصفة غالبة بالنسبة للتعاقد بين شخصين لا يجمعهما مكان واحد، حيث يثور التساؤل عن الوقت الذي يصبح فيه الإيجاب ملزما لصاحبه ولا يستطيع العدول عنه (الإيجاب في التعاقد بين غائبين دائما ملزم لمدة معينه)، وكذلك بالنسبة للقبول متى يصبح ملزما لصاحبه ولا يجوز العدول عنه، بنص المادة "61" من القانون المدني، فان التعبير سواء كان إيجابا أم قبولا هو تعبير لا يكتمل إلا عن طريق الاتصال بالطرف الآخر، بمعنى انه لكي يكتمل له الكيان القانوني وجب اتصاله بعلم من وجه إليه، ولذلك نقول بان التعبير عن الإرادة هو تعبير "واجب الاتصال".

ومن ثم يمكن القول بان الإيجاب لا يكتمل له الوجود إلا باتصاله بعلم الموجب له، أما قبل ذلك فلا اثر له، فإذا قام شخص بإرسال رسالة تتضمن إيجابا وقبل اتصال هذه الرسالة بعلم الموجب له بعث الموجب رسالة أخرى يعدل فيها عن إيجابه، فاتصلت بعلم الموجب له قبل اتصال الإيجاب بعلمه، فهنا لا يكتمل للإيجاب كيانه القانوني، أما لو وصلت رسالة الإيجاب قبل رسالة العدول فان الإيجاب ينتج أثره ويصبح ملزما للموجب (ملزم مده معقولة) ولا اثر لرسالة العدول، ونفس الأمر بالنسبة للقبول فطالما أن القبول لم يتصل بعلم الموجب فانه لا يكتمل له كيانه القانوني، ومن ثم فان العقد لا ينعقد إلا باتصال القبول بعلم الموجب.

- صوره انعقاد العقد في التعاقد بين حاضرين والتعاقد بين غائبين˸

1) التعاقد بين حاضرين˸ إذا كان المتعاقدين يجمعهما مكان واحد، وصدر من أحدهما إيجاب، فانه ينبغي علينا تحديد الوقت الذي يضل فيه الإيجاب صالحا لان يقترن بت قبول فينعقد بذلك العقد، وهنا وجب التمييز بين الإيجاب الذي يقترن بمدة لإعلان القبول، وهذا ما نسميه ب "الإيجاب الملزم"، حيث يتعين على الموجب البقاء على إيجابه إلى غاية انقضاء المدة المحددة لإعلان القبول أو الرفض، أما إذا لم يكن الإيجاب ملزما، فان الإيجاب في التعاقد بين حاضرين يسقط في الحالات الآتية˸

- الحالة الأولى˸ إذا رفضه من وجه إليه، بمعنى أن الموجب له يعلن عدم رغبته في  التعاقد على أساس هذا الإيجاب، أو يرفض التعاقد بتاتا.

- الحالة الثانية˸ إذا صدر عن الموجب له رد فيه تعديل للإيجاب، حيث يصبح هذا الرد بمثابة إيجاب جديد يحتاج إلى قبول، ومثال ذلك أن يعرض شخص على آخر بيعه سيارة ب 4 مليون دينار(400 مليون سنتيم) فيصدر الرد من الموجب له بشرائها بمبلغ 03 مليون دينار، فيكون هذا الرد متضمنا لتعديل في الإيجاب، ومن ثم يصبح إيجابا جديدا، وأما الإيجاب الأول فانه يسقط.

- الحالة الثالثة˸ إذا كان قد صدر الإجابة وقبل اقترانه بالقبول، عدل عنه الموجب، فهنا أيضا يسقط الإيجاب، وهذا ما لم يكن إيجابا ملزما يتعين البقاء عليه مدة معينة.

- الحالة الرابعة˸ إذا لم يصدر القبول، وانفض مجلس العقد بين الطرفين، كٲن يفترقا أو انفض حكما كٲن ينصرفا من الحديث عن موضوع العقد إلى أمر آخر لا علاقة له به، حيث يسقط الإيجاب بعد هذا الانفضاض، وهذا ما يفهم من نص المادة 64 من القانون المدني.

ملاحظه˸ إذا كان الإيجاب ملزما فانه يسقط بانقضاء المدة المحددة لإعلان القبول أو الرفض دون أن يتحقق القبول خلالها، ويسقط كذلك ولو قبل انتهاء هذه المدة إذا رفضه الموجب له.

2) التعاقد بين غائبين˸ هنا يكون التعاقد بين شخصين لا يجمعهما مكان واحد أو ان صح التعبير لا يضمهما مجلس العقد، مثل التعاقد عن طريق المراسلة، ولٲن التعبير عن الإرادة هو تعبير واجب الاتصال كما عرفناه، فان الرسالة التي تتضمن الإيجاب لا تحقق لهذا الأخير وجوده القانوني إلا باتصالها بالموجب له، وعلى هذا الحال أمكن للموجب أن يعدل عن إيجابه طالما انه لم يتصل (قبل أن تصل رسالة الإيجاب إلى الموجب له) بالطرف الآخر، وكذلك الحال مع القبول حيث أن القبول لا ينتج أثره إلا باتصاله بعلم الموجب، وقبل ذلك يمكن  للقابل أن يرجع فيه.

- أثر الموت أو فقدان الأهلية في التعبير عن الإرادة˸ قد يحدث أن  يتوفى من صدر منه التعبير عن الإرادة أو يفقد أهليته، وذلك قبل أن يكتمل للتعبير وجوده القانوني، باتصاله بعلم من وجه إليه، سواء كان هذا التعبير إيجابا أم قبولا، حيث يطرح السؤال هنا حول قيمه هذا التعبير بعد أن يتصل بعلم من وجه إليه، ولقد عالجت هذه الحالة المادة 62 من القانون المدني، واعتبرت أن موت أو فقدان أهلية من صدر منه التعبير عن الإرادة، لا يمنع من استكمال التعبير لكيانه القانوني إذا ما اتصل بعلم من وجه إليه، لكن الأمر يحتاج إلى تفصيل بحسب وفاة الموجب أو الموجب له، وذلك على النحو الآتي˸

- الحالة الأولى˸ حالة وفاة الموجب˸ إذا توفي من صدر منه الإيجاب قبل اتصال الإيجاب بعلم الموجب له، فان وصول الإيجاب بعد ذلك يحقق لهذه الأخير وجوده القانون، وإذا اقترن هذا الإيجاب بقبول من الموجب له، فان العقد لن ينعقد لأنه يستحيل إن يتصل القبول بعلم الموجب ما دام انه مات، والتعبير عن الإرادة كما سلف الذكر، هو تعبير واجب الاتصال فلا يكتمل وجوده القانوني إلا بعلم من وجه إليه.

 - الحال الثانية˸ حاله وفاة الموجب له˸ إذا توفي الموجب له قبل اتصال الإيجاب بعلمه، فان الإيجاب لن يتحقق له وجوده القانوني، مادام انه يستحيل اتصاله بعلم الموجب له باعتبار انه مات، أما إذا اتصل بعلم الموجب له ثم توفي هذا الأخير قبل إبداء قبوله، فان الإيجاب يتحقق له كيانه القانوني، وينتقل حق القبول إلى ورثته، أما إذا كان الموجب له قد أعلن قبوله ثم مات قبل اتصال القبول بعلم الموجب، فان العقد ينعقد باتصاله بعلمه بعد ذلك، ولا تؤثر في ذلك الوفاة.

- تحديد زمان ومكان انعقاد العقد˸ لا تثور مسالة تحديد زمان ومكان انعقاد العقد بالنسبة للتعاقد بين شخصين حاضرين، إذ ينعقد العقد في الزمان الذي يعلن فيه الموجب له القبول، وفي المكان الذي يوجد فيه مجلس العقد، لكن هذه المسالة تثور بالنسبة للتعاقد بين شخصين غائبين، ذلك أن التعبير عن القبول يستغرق وقتا منذ إعلانه إلى غاية اتصاله بعلم الموجب، حيث يطرح سؤال الآتي: ما هو الوقت الذي يعتبر فيه العقد منعقدا؟ هل منذ إعلان القبول أم منذ تصديره (إيداع الرسالة بالبريد)، أم منذ اتصاله بعلم الموجب؟ كما يطرح السؤال بشأن المكان الذي يعتبر قد انعقد فيه العقد، هل هو مكان وجود الموجب؟ أم مكان وجود الموجب له؟ وقبل أن يحسم المشرعون في هذه المسالة ظهرت نظريات مختلفة، كل واحدة منها يحاول أصحابها تأسيس إجابتهم على اعتبارات معينة، ويمكن تلخيص أهم النظريات في ما يلي:

1. نظرية إعلان القبول: يرى أصحاب هذه النظرية انه يكفي وجود إرادتين متطابقتين لكي ينعقد العقد، ومن ثم لم تشترط وجوب اتصال القبول بعلم الموجب، ولذلك يعتبر العقد قد انعقد من الوقت الذي يعلن فيه الموجب له القبول.

2. نظرية تصدير القبول: يرى أصحاب هذه النظرية أن الزمان الذي ينعقد فيه العقد هو ذلك الذي يخرج فيه القبول من يد الموجب له، فإذا كانت النظرية السابقة ترى مثل أن العقد ينعقد بعد كتابه الموجب له لرسالة القبول (إعلان القبول)، فان هذه النظرية ترى أن القبول لا يكون نهائيا إلا إذا تم وضع رسالة القبول في صندوق البريد، ومن ثم ينعقد العقد في هذا الوقت (على سبيل المثال)، ويمكن القول بان هذه النظرية تتفق مع السابقة في أساسها.

3. نظريه استلام القبول: يرى أصحاب هذه النظرية أن القبول لا يكون نهائيا، إلا إذا تسلمه الموجب، وحينئذ لا يستطيع القابل العدول عنه، ولا يؤثر في ذلك عدم علم الموجب به بعد تسلمه، ومن ثم يتحدد تاريخ إبرام العقد من يوم استلام القبول.

4. نظريه العلم بالقبول: يرى أصحاب هذه النظرية انه لا يكفي للقول بان العقد قد انعقد أن يتحقق وجود إرادتين متطابقتين، بل وجب أن يعلم كل طرف في العقد بحصول هذا التطابق،  أصحاب هذه النظرية يتخذون من استلام القبول قرينه على العلم به.

- أهميه تحديد زمان ومكان انعقاد العقد: تظهر أهميه تحديد زمان انعقاد العقد في عدة مسائل، نذكر منها مثلا، أن الوقت الذي تنتقل فيه ملكيه الشيء المحدد بالذات يتوقف على تاريخ انعقاد العقد، حيث تعتبر داخلة في ملكية المشتري منذ تاريخ الإبرام، كذلك في احتساب مده تقادم دعوى البطلان المطلق تكون بداية احتساب المدة محددة من تاريخ إبرام العقد، وكذلك بالنسبة لاحتساب مدة سقوط دعوى إبطال العقد على أساس الاستغلال، حيث يتعين رفع الدعوى خلال سنه بداية من تاريخ إبرام العقد.

أما مكان انعقاد العقد فتظهر أهميته في عدة جوانب، منها ما يتعلق بقواعد القانون الدولي الخاص، حيث يتحدد القانون الواجب التطبيق على العقد إما بالذي اختاره المتعاقدان، فإن لم يوجد، يطبق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة، فان لم يتحقق ذلك، يطبق قانون مكان إبرام العقد (ماذا 18 من القانون المدني)، كما أن القانون المطبق على شكل التصرفات القانونية، هو قانون المكان الذي تم فيه العقد (المادة 19 من القانون المدني).

- موقف المشرع الجزائري من النظريات السابقة: وفق المادة "67" من القانون المدني، فإن المشرع الجزائري قد اخذ بنظرية العلم بالقبول، حيث اعتبر أن العقد ينعقد في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، وافترض المشرع أن الموجب يعلم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول، ولكنه افتراض قابل لإثبات العكس، فقد يثبت أن الموجب لم يعلم بالقبول في الزمان الذي وصل فيه إلى عنوانه، ومن ثم يتحدد زمان انعقاد العقد من زمان العلم لا من زمان الوصول، وقد يثبت أيضا أن الموجب قد علم بالقبول في مكان خارج العنوان الذي وصل فيه القبول.

وقد وجدت في حدود ما اطلعت عليه، إن الفقه الإسلامي في ما يتعلق بالتعاقد بين غائبين يعتبر أن العقد منعقدا في الزمان الذي يعلن فيه الموجب له القبول، سواء كانت وسيله التعاقد هي المراسلة الكتابية أو عن طريق رسول أم كان التعاقد عن طريق فاكس أو برق...الخ.

الفرع الثاني: صور خاصة للتراضي

إن الصورة التقليدية المألوفة في انعقاد العقد، هي أن يتم بين ذوي الشأن، وان تتجه إرادة ذوي الشأن إلى إنشائه في الحاضر لا تحديد ذلك في المستقبل، غير أن هذه الصورة قد لا تستجيب لكثير من المقتضيات العملية، حين يكون صاحب الشأن ليس بمستطاع له أن يبرم العقد بنفسه لمانع معين، ومن ثم يكون الحل الوحيد هو تحديد شخص ينوب عنه، ونحو ذلك وجد نظام النيابة ليذلل الصعاب العملية التي تحول دون حضور صاحب الشأن لإبرام العقد بنفسه، كما انه في بعض الأحيان لا يستطيع الشخص أن يبرم عقدا في الحاضر لسبب ما، من قبيل ذلك عدم الجاهزية، كمن يريد أن يشتري شيئا نادرا ولا يستطيع استكمال الثمن إلا بعد مدة معينة، فلا مناص له من الحصول على  وعد بالبيع يضمن له الشراء، ما دام أن الواعد يلتزم له بذلك في مده معينه، ومن ثم وجد نظام الوعد بالتعاقد، وسنعالج نظام الوعد بالتعاقد والنيابة في هذا الفرع، وقبل ذلك نتطرق إلى التعاقد بالمزاد بشكل موجز، وذلك في الآتي:

أولا: التعاقد بالمزاد: قد يحدث أن يكون الطريق المؤدي إلى إبرام العقد ليس الطريق الشائع المألوف، بالتقاء شخصين وتفاوضهما حول إبرام عقد معين وإنما عن طريق مغاير هو التعاقد عن طريق المزاد، حيث يعرض شيء للبيع مثلا، ويأتي أشخاص ليقدم عروضا بالثمن، والعرض الأخير الذي لا يزيد عليه احد هو الذي في العادة يرسو عليه المزاد، فينعقد العقد.

ولعله يجدر في الصورة السابقة من التعاقد، تحديد الإيجاب والقبول، فالإجابة هو العطاء الذي يتقدم به الشخص، وليس السعر الذي يفتتح به المزاد، إذ أن هذا الأخير هو مجرد دعوة إلى التعاقد، والإيجاب يظل قائما إلى غاية أن يقدم عطاء يفوقه في القيمة، حيث يسقط الإيجاب ولو كان هذا العطاء باطلا (المادة 69 من القانون المدني)، ويكون على الوصف الأخير إذا كان صادرا من ناقص أهليه أو محجور عليه...الخ.

أما القبول في المزاد، فهو ليس إقفال المزاد، بل هو تقرير إرساء المزاد، إذ قد يحدث أن يقفل المزاد هنا أن يرسو على احد، وعندئذ لا يتحقق القبول، وإذا حدث أن اقفل المزاد بعد عطاء معين، دون عذر مقبول يجيز إهمال العطاء الأكبر، فإنه يمكن للشخص أن يطالب بتعويض على أساس العمل غير المشروع.

وبالنسبة للمزادات التي يشترط فيها صاحب الشأن، حرية رفض أو قبول أي عطاء، فلا يتم إرساء المزاد إلا بعد أن يستعمل صاحب الخيار حقه.

ثانيا: الوعد بالتعاقد: الوعد بالتعاقد هو عقد يلتزم بموجبه الواعد بإبرام عقد في المستقبل، إذا ابدي الموعود له رغبته في ذلك خلال مده معينة، ويتميز الوعد بالتعاقد عن الإيجاب الملزم من حيث أن الأول مصدره العقد في حين أن الثاني مصدره الإرادة المنفردة.

والوعد بالتعاقد قد يكون هدفه إبرام عقد بيع أو إيجار...الخ، ويشترط فيه توافق تعبيرين لإرادتين متطابقتين، كما يشترط فيه أن يتضمن الاتفاق على العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه في المستقبل (المادة 71/ 01 من القانون المدني)، فإذا كان العقد بيعا وجب أن يتم الاتفاق على الثمن والمبيع، وإذا كانت إيجارا تعين الاتفاق على العين المؤجرة وبدل الإيجار ومده الإيجار، ومن حيث الأهلية فانه يلزم في الواعد أن يكون أهلا لإبرام العقد الموعود به،  أما الموعود له فلا تشترط فيه الأهلية اللازمة إلا حين إبرام العقد الموعود به.

كما يجب أن يتضمن الوعد بالتعاقد مدة معينة يتعين أن يبدي الموعود له رغبته خلالها إذا أراد إبرام العقد الموعود به، وإذا كان العقد الموعود بإبرامه في المستقبل عقدا شكليا، فانه يتعين أن يفرغ عقد الوعد في الشكل الرسمي، وإلا كان باطلا (المادة 71/ 02 من القانون المدني).

وعن آثار الوعد بالتعاقد، ولأنه عقد ملزم لجانب واحد وهو الواعد، فانه يرتب التزاما على عاتقه بإبرام العقد الموعود به إذا ابدى الموعود له رغبته في ذلك، ولأن الموعود له ليس له قبل إبداء الرغبة سوى حق شخصي، فإن ثمار الشيء الذي قد يكون محلا للالتزام تبقى من حق الواعد، وذلك لان الموعود له ليس له أي حق عيني على الشيء، غير أن إتلاف الشيء أو التصرف فيه يجعل تنفيذ الوعد لالتزامه مستحيلا، ومن تم فإذا هلك الشيء بخطئ الواعد ثم أبدى الموعود له رغبته في التعاقد، فإن الوعد تقوم مسؤوليته العقدية ويلتزم بتعويض الموعود له عما أصابه من ضرر، أما إذا كان هلاك الشيء بسبب قوة قاهرة، فإن التزام الواعد ينقضي، ومن ثم لن يقوم العقد الموعود به.

وإذا أبدى الموعود له رغبته في خلال المدة المتفق عليها، فان العقد الموعود به عقد من هذا التاريخ لا من تاريخ الوعد، ولا نحتاج إلى رضاء جديد من جانب الواعد، وإذا امتنع الواعد عن إبرام العقد الموعود به، فإنه يجوز للموعود له أن يستصدر حكما من القضاء يقوم مقام العقد (المادة 72 من القانون المدني).

 إذا مات الموعود له قبل إبداء الرغبة انتقل حقه إلى ورثته، كما ينتقل الالتزام الواعد بالبقاء على وعده طيلة المدة المتفق عليها إلى ورثته.

ثالثا: النيابة في التعاقد: النيابة هي قيام شخص يوصف بالنائب بالحلول محل شخص يوصف بالأصيل لإبرامي عقد باسم هذا الأخير ولحسابه، والنيابة قد تنشا عن طريق العقد وأبرز تطبيقها هو عقد الوكالة، كما قد تنشا النيابة مباشرة عن نص القانون، مثل ولاية الولي على ناقص الأهلية أو نيابة الوصي أو القيم.

وتقتصر دراستنا على النيابة الاتفاقية، أي التي تكون عن طريق العقد، فنبين شروطها وأثارها في ما يلي:

أ. شروط النيابة:

1. حلول إرادة النائب محل ارادة الأصيل: يترتب على حلول ارادة النائب محل أراده الأصيل، أن تصبح إرادته هي المعتبرة في نظر القانون، وهذا ما يميز النائب عن الرسول، فالرسول ليس بنائب من حيث انه يقتصر دوره على نقل ارادة احد الطرفين إلى الطرف  الآخر، ولا يهم ما قد يعتري إرادته من عيوب، ما دام انه نقل التعبير إلى المرسل إليه بشكل دقيق، قد يكون عديم الأهلية أو مغفلا، ولذلك تكون ارادة المرسل هي الواجب النظر إليها دون النظر إلى ارادة الرسول، أما في النيابة فوجب النظر إلى ارادة النائب فلا ينعقد العقد إذا كان فاقدا للتمييز، والتعاقد وعن طريق الرسول هو تعاقد بين غائبين، بينما التعاقد عن طريق النيابة هو تعاقد بين حاضرين إذا جمع النائب والمتعاقد معه مجلس واحد.

ومما سبق فانه إذا وقع النائب في غلط كان العقد قابلا للإبطال، ولو ثبت أن الأصيل لم يعتري ارادته مثل هذا العيب، ومثال ذلك أن يكلف الأصيل نائبه شراء سيارة من أي نوع كانت، دون اكتراث بمكان صنعها، فإذا اشترى النائب سيارة من نوع معين بدافع أنها مصنوعة في ألمانيا، ثم بعد العقد اكتشف غير ذلك، فإذا نظرنا إلى ارادة الأصيل لوجدناها غير معيبا إذ كان يستوي عنده أن تكون السيارة مصنوعة في ألمانيا أو غيرها، ومن ثم لا يكون العقد قابلا للأبطال، إما لو نظرنا إلى ارادة النائب لوجدناها معيبة بالغلط، لان دافعه إلى التعاقد كان مكان صنع السيارة، ومن ثم يكون العقد قابلا للإبطال، ولأن ارادة النائب هي التي تؤخذ بعين الاعتبار فان العقد يكون قابلا للإبطال تأسيسا على هذا المثال.

2. أن يتصرف النائب باسم الأصيل: لكي تنصرف أثار العقد الذي يبرمه النائب إلى الأصيل، وجب أن يتصرف النائب باسم الأصيل، ذلك إن عدم إعلان النائب بصفته يترتب عنها عدم الانصراف العقد إلى الأصيل، وإنما تنصرف أثار العقد في هذه الحالة إلى هذا النائب، وليس ذلك معناه أن التصرف باسم الأصيل في العقد شرط شكلي لا مفر منه، إذ يكفي أن يعلم من تعاقد مع النائب أن هذا الأخير يبرم عقدا لصالح شخص آخر.

غير أن هناك حالات بالرغم من عدم علم المتعاقد مع النائب بالنيابة، إلا أن آثار العقد  تتصرف إلى الأصيل، الحالة الأولى إذا كان من تعاقد مع النائب يفترض علمه بالنيابة،   ومثال ذلك الشراء من المحلات التجارية الكبيرة، حيث يفترض في المشتري أن يعلم بان الباعة في الغالب ليس سوى نواب عن غيرهم، حيث لا يستطيع أن  يتفرغ الأصيل في مثل هذه الحالات لجميع أعمال البيع، أما الحالة الثانية إذا كان من تعاقد مع النائب يستوي عنده أن يتقاعد مع نائب أو الأصيل، ومثال ذلك الباعة في المحلات التجارية حيث يستوي عندهم أن يتعاقد مع المشتري الذي يكون أصيلا عن نفسه، أما مع المشتري الذي يكون نائبا عن غيره، ففي الحالتين السابقتين تنصرف أثار العقد الذي يبرمه النائب مباشرة إلى الأصيل على الرغم من عدم تصرف النائب باسم الأصيل.

3. أن يلتزم النائب بحدود النيابة: يتعين على النائب أن يلتزم حدود النيابة التي اتفق عليها في عقد النيابة، فإذا حدث وان تجاوزها فإن العقد الذي يبرمه يصبح غير نافذ في حق الأصيل، كما لا يلزم هذا العقد النائب، إذ انه لم يقصد أن يلزم نفسه، ويدخل في إطار تجاوز النيابة كذلك تعاقد النائب بعد انتهاء النيابة، ولا يبقى سوى رجوع من تعاقد مع النائب بالتعويض على هذا الأخير، غير أن هناك حالتين استثنائيتين ينفذ فيهما العقد في حق الأصيل بالرغم من تجاوز النائب لحدود النيابة، الحالة الأولى هي حاله إقرار الأصيل للعقد، وفي هذه الحالة يسري اثر العقد عليه من يوم إبرامه لا من يوم الإقرار.

أما الحالة الثانية فتكون عندما تنتهي النيابة دون علم نائب ومن تعاقد معه، مثل أن يعزل الموكل وكيله دون علم هذا الأخير، أو أن يموت الموكل دون علم الوكيل، وهذا شكل من أشكال النيابة الظاهرة التي تحمي حسن النية.

آثار النيابة: إذا تمت النيابة وفق شروط السابقة، فان العقد الذي يبرمه النائب تنصرف أثاره مباشره إلى الأصيل، ومن ثم لن تنشا أي علاقة بين النائب والغير، ولا يستطيع النائب أن يطالب الغير بتنفيذ ما ترتب عن العقد، إلا إذا كانت النيابة شامله التنفيذ أيضا، وفي هذه الحالة فإن النائب يوجه المطالبة باسم الأصيل، كما لا ينشا أي التزام على عاتق النائب فما على الغير سوى توجيه المطالبة إلى الأصيل.

الفرع الثالث: صحة الرضا

إذا تحقق وجود التراضي، فلا يكفي ذلك لثبات العقل بصفه نهائية بل وجب أن تكون هناك الأهلية اللازمة، بالإضافة إلى خلو الإرادة من العيوب المتمثلة في الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال، وستقتصر دراستنا على عيوب الإرادة، بينما نحيل الأهلية إلى كتب نظريه الحق.

- الغلط:

نصت عليه المادة "81 من القانون المدني"، ويعرف الغلط على انه وهم يقع فيه الشخص فيدفعه إلى التعاقد، وإذا كان الوهم الذي وقع فيه المتعاقد وهما تلقائيا، سمي بالغلط البسيط، إذا كان الوهم قد نجم عن تزييف من شخص آخر، سمي الغلط هنا بالغلط الناشئ عن التدليس، ولقد كانت النظرية التقليدية في الغلط بين ثلاثة أنواع من الغلط:

الأول: الغلط المانع أو الحائل: وهو الغلط الذي يحول دون قيام العقد من أساسه، وذلك لعدم توافق الإرادتين، ومثال ذلك أن يعتقد المستأجر انه استأجر المنزل "ا" بينما كان المؤجر يقصد المسجد "ب".

الثاني: الغلط المعيب للرضا: وهذا الغلط يترتب عنه قابليه العقد للإبطال، ويتحقق هذا الغلط إذا وقع في ماده الشيء،  أو في شخص متعاقد إذا كانت شخصيته محله اعتبار.

الثالث: الغلط غير المؤثر: ومثاله الغلط في القيمة والباعث، حيث لا يؤثر هذا الغلط في العقد، ومن ثم لا يؤدي إلى قابليته للإبطال.

أما النظرية الحديثة الغلط فإنها لا تعترف بالغلط المانع، وترى أن الغلط الذي يعيب الرضا هو الغلط الجوهري، الذي يدفع المتعاقد إلى إبرام العقد، فلولاه لما أقدم على التعاقد، ومن ثم فإن معيار الغلط وفق النظرية الحديثة هو معيار ذاتي لا موضوعي.

شروط الغلط في القانون المدني الجزائري:

اخذ المشرع الجزائري بالنظرية الحديثة للغلط، وهي تجيز إبطال العقد إذا كان الغلط هو الدافع إلى التعاقد، ولإبطال العقد على أساس الغلط في القانون الجزائري يلزم توفر شرطين هما:

الشرط الأول: أن يكون الغلط جوهريا: ويكون الغلط جوهري كما سبق ذكر ذلك، إذا كان هو الدافع إلى التعاقد، وصور الغلط الجوهري يمكن تلخيصها فيما يلي:

1) الغلط في صفه من صفات الشيء: هنا يتوهم متعاقد بان الشيء يتضمن صفه معينه، وعلى هذا الأساس يبرم العقد، كم يشتري سيارة على أساس أنها أصليه الطلاء ثم بعد ذلك يكتشف انه أعيد طلائها حديثا، فهذا غلط في صفه من صفات الشيء، أو كمن يشتري عصفورا معتقدا انه يغرد ثم يتبين انه من سلاله أخرى.

ورغم أن مشرع الجزائري لم ينص على حاله الغلط في ذات الشيء، إلا انه في نظري لا يوجد ما يبرر عدم قابليه العقد للإبطال، إذا كان الغلط منصبا على ذاتية الشيء، ومثال ذلك أن يشتري شخص من احد باعة الأشياء المميزة، معطفا معتقدا انه كان ملكا لأحد المشاهير (والحال هنا أن هذا المشهور قد لبس معطفا عاديا موجودا مثيله في السوق، إلا أن الشخص يريد ما ارتداه المشهور دون غيره)، ثم يكتشف عكس اعتقاده.

2) الغلط في ذات المتقاعد أو في صفه من صفاته: يكون الغلط جوهريا أيضا، إذا كان الدافع إلى التعاقد هو ذات المتعاقد معه أو صفته، ومثال ذلك أن يهب شخص لآخر مبلغا من المال، معتقدا انه من أقاربه ثم يكتشف عدم وجود القرابة، والغلط في ذات المتعاقد يكون تأثيره بصفه عامه في عقود التبرع، أما في عقود المعاوضة فلا يؤثر الغلط الاستثناء.

كما يؤثر الغلط في صفه المتعاقد إذا كانت هذه الصفة هي الدافعة إلى التعاقد، وذلك مثل من يؤجر منزله لشخص على أساس صفه استقامة سلوكه، ثم يتبين لاحقا انه منحرف، ويمارس سلوك منافية للآداب في العين المؤجرة، ومثاله أيضا أن يتعاقد شخص مع آخر على أساس صفته كمهندس، ثم يكتشف بأنه لا يتمتع بهذه الصفة.

3) الغلط في القيمة: يؤدي الغلط في القيمة إلى قابلية العقد للإبطال، إذا تبين أن القيمة هي الدافع إلى التعاقد، وكان هناك فرق فادح بين القيمة المتوهمة والقيمة الحقيقية حيث يؤثر تأثيرا كبيرا، مثل أن يتفق صاحب بضاعة مع صاحب سفينة على أن تكون أجرة النقل إما بحساب الحجم وإما بحساب الوزن، طبقا لما يختاره صاحب السفينة، فيختار الأخير أن تكون الأجرة بالحجم، ثم بعد ذلك يتبين بان أجرة الحجم تزيد على أجرة الوزن بأضعاف عديدة، ولم يكن صاحب البضاعة يدرك ذلك، بدليل انه رفض الاتفاق مع صاحب سفينة أخرى على أجرة تقل كثيرا عن الأجرة المطالب بها.

4) الغلط في الباعث: ومثاله أن يبيع شخص عقارا معتقدا انه في مرض الموت، ثم يشفى لاحقا من هذا المرض، فهنا يجوز إبطال العقد للغلط في الباعث، لان الدافع إلى التعاقد هو الاعتقاد بقرب الأجل.

5) الغلط في القانون: نصت المادة "83 من القانون المدني" على أن الغلط في القانون يؤدي إلى قابلية العقد للإبطال، إذا توفرت فيه شروط الغلط  في الواقع، ولا يصطدم الغلط في القانون مع قاعدة افتراض عدم الجهل بالقانون، لأن هذه القاعدة إنما تتصرف إلى القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام والتي على رأسها القواعد الجنائية.

ومن ثم جاز التمسك بإبطال العقد لغلط في القانون، إذا كان يتعلق بقاعدة قانونيه مكملة، والمثال الشائع للغلط في القانون (وإن كان يتعلق بقاعدة أمرة)، هو أن يهب شخص لإمرأة معينه مبلغا من المال، معتقدا أن زواجه بها صحيح، فإذا به يكتشف نقيض ذلك، ويستثني المشرع من الطعن بالغلط في القانون بعض الحالات، منها عقد الصلح.

الشرط الثاني: أن يكون الغلط مشتركا: يرى الكثير من شراح القانون، انه يشترط لإبطال العقد على أساس الغلط، أن يكون كلا المتعاقدين قد وقعا في نفس الغلط، أما إذا كان الغلط مقتصرا على من وقع فيه، فإنه لا مجال لإجابته إلى طلبه، لما في ذلك من تهديد لاستقرار المعاملات، حيث يفاجئ الطرف الأخر ببطلان العقد بعد أن إطمأن لصحته.

ويمكن القول بان العقد لا يكون قابلا للإبطال على أساس الغلط، إلا إذا كان المتعاقد الآخر، قد وقع في نفس الغلط، أو علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبين، ومثال الغلط المشترك أن يشتري شخصا عقارا لبناء مصنع معين، ثم يتبين بان الإدارة المختصة لا تسمح بهذا النوع من المصانع في هذه المنطقة لاعتبارات تتعلق بالبيئة، ويكون البائع متوهما أيضا وقت البيع بأنه لا مجال للمنع.

هذه هي شروط الغلط الذي يؤدي إلى قابليه العقد للإبطال، فإذا توفرت تعين على من يدعي الغلط أن يثبت انه غلط جوهري، وكذلك وجب عليه أن يثبت بأن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من السهل أن يعلم بالغلط.

ولا ينبغي التمسك بالغلط على وجه يتعارض مع حسن النية، فإذا أراد المتعاقد الآخر تنفيذ العقد وفق ما كان يعتقد من وقع فيه الغلط، فإنه لا يكون هناك مبرر للإصرار على الإبطال، فمن يشتري لوحه على أنها أصلية، ثم يكتشف بأنها مقلده، فانه يعد متعسفا في استعمال حقه  إذا طالب بالإبطال مع عرض المتعاقد الآخر بيعه اللوحة الأصلية (المادة 85 من القانون المدني).

- التدليس:

إذا كان الغلط هو وهم تلقائي يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه، فإن التدليس هو غلط يتسبب فيه شخص، وذلك بقيامه بإخفاء الحقيقة من اجل دفع الشخص إلى التعاقد، ولقد قامت فكرة التدليس في القانون الروماني على ضرورة منح المتعاقدة المدلس عليه، دفعا ودعوى، ليس بسبب تعيب رضاه وإنما كجزاء يوقع على الشخص الذي صدر منه التدليس.

ولأن التدليس غلط مستثار، فإن هناك من الشراح من يرى انه لا جدوى من وضع قواعد قانونيه خاصة به، بل كان ينبغي الاكتفاء بتطبيق القواعد الخاصة بالغلط، لكن من تمسك بضرورة بقاء القواعد الخاصة بالتدليس، يرون أن وجه الاختلاف بين الغلط والتدليس يكمن في مسألتين، الأولى هي أن التدليس يسهل فيه الإثبات، والمسالة الثانية، هي أن التدليس باعتباره عملا غير مشروع، فانه يستوجب تعويضا لصالح المدلس عليه، وهو الأمر الذي لا نجده في الغلط.

وفي الحقيقة أن نظريه التدليس لها أهميه في الأنظمة التي تأخذ بالنظرية التقليدية في الغلط، حيث تقتصر هذه القواعد عن تحقيق العدالة، عندما يكون هناك غلط في القيمة أو غلط في الباعث، حيث لا تعترف بهذه النظرية التقليدية كما سلف الذكر، وأمام هذا القصور فلا مندوحة من الالتجاء إلى نظريه التدليس لإبطال العقد، إذا كان مشوبا بغلط في القيمة أو الباعث تسببت فيه طرق احتيالية لجأ إليها الشخص.

ويقوم التدليس على عنصرين، الأول نفسي وهو نية التظليل، والثاني مادي وهو القيام بما يجعل المتعاقد الآخر منخدعا.

العنصر النفسي ويتمثل في نية التضليل الصادرة من المتعاقد الآخر، ولا تتوفر نية التظليل إذا كان المتعاقد قد انخدع بمظاهر ثراء، أو سذاجة المتعاقد الآخر، إذا لم يكن هذا الأخير له نية التظليل.

العنصر المادي ومعناه أن يسلك المدرس سلوكا خارجيا يؤدي إلى إيهام المدلس عليه، ولا يشترط أن يرقى هذا السلوك إلى جريمة النصب، بل يكفي أن ينتهج المثلث طرقا غير أخلاقيا بحسب ما هو متعرف عليه بين الناس، ولذلك قامت في القانون الحديث التفرقة بين التدليس المسموح والتدليس المذموم، فالأول لا يؤثر في العقد لأنه قد يتعلق بالمهارة في الحرفة، أما الثاني فهو الذي يؤثر في العقد ويجعله قابلا للإبطال.

وقد يتحقق التدليس بالكذب، إذا كان هذا الأخير يتناول بيانات هامه بالنسبة للمتعاقد الآخر، مثل الادعاء كذبا بان سيارة لم يسبق لها التعرض لحادث جسيم، في حين أنها تعرضت في الحقيقة، مما يدفع الشخص لشرائها بناء على هذا الادعاء الكاذب، فهذا يعد بمثابة تدليس يؤدي إلى قابليه العقد للإبطال، أما الفعل الذي يتخذ شكل المبالغة ولا يتجاوز المألوف، مثل الامتداح المفرط للسلعة بغرض بيعها...الخ، فلا يشكل في اغلب الحالات تدليسا، ما دام انه لم يتناول نقطه يعلق عليها المتعاقد الآخر أهميه كبيرة.

وإذا كان الأصل إن الكتمان هو وضع سلبي لا يكفي لانخداع المتعاقد الآخر، إلا انه إذا كان هناك نص القانوني يوجب الإفصاح عن حالة ما، أو كان طبيعة العقد تستلزم أن يذكر المتعاقد معلومات معينة، فإن الكتمان في هذه الحالة لقد أدى إلى انخداع المتعاقد الآخر، ومن ثم يعد تدليسا في هذه الحالة، ومثال ذلك في عقد على الحياة، حينما لا يكشف المؤمن له بأنه يعاني من مرض الخطير، وفي مراحله المتقدمة (المادة 86/ 02).

شروط التدليس: يشترط في التدليس لكي يكون سببا في قابلية العقد للإبطال شرطين هما:

الشرط الأول: أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد: وهذا ما جاء في نص المادة "86 /01" من القانون المدني، يجب أن تكون المظاهر الكاذبة التي تسبب فيها المتعاقد الصادر منه التدليس هي التي حملت المدرس عليه على إبرام العقد، وينظر في مدى تأثير الوسائل إلى شخصية المدلس عليه، من حيث سنه وذكائه وجنسه، لا إلى الوسيلة المستعملة في التدليس، فما ينخدع به شخص غير متعلم لا يؤدي إلى انخداع شخص له مستوى دراسي معين، ومن ثم كان المعيار في ذلك هو معيارا ذاتيا لا موضوعيا.

فإذا ثبت بان التدليس ليس هو الدافع إلى التعاقد، بان كانت الحيل التي لجأ إليها المتعاقد غير كافية لتظليل المتعاقد الآخر، فإن العقد لا يكون قابلا للإبطال.

ويفرق شراح القانون بين التدليس الدافع إلى التعاقد، وبين التدليس العارض، فالأول هو الذي يؤثر في العقد فيجعله قابلا للإبطال، أما الثاني فهو تدليس لم يصل إلى درجة دفع متعاقد إلى إبرام العقد، إذ كان سوف يقدم على إبرامه في جميع الأحوال، وإنما يقتصر تأثيره على جعل المتعاقد يقبل بشروط اشد عليه، ومن ثم لا يؤدي إلى القابلية للإبطال، وإنما يؤدي إلى أحقيه المطالبة بالتعويض، على أساس المسؤولية التقصيرية.

الشرط الثاني: أن يكون التدليس متصلا بالتعاقد الآخر: الأصل أن يصدر التدليس من المتعاقد الآخر، لغرض حمل المتعاقد الأول على إبرام العقد، وهذه هي الصورة المألوفة للتدليس، غير انه في بعض الحالات يكون شخص من الغير هو المتسبب في التدليس، وهنا يصور التساؤل حول تأثير ذلك العقد، ومثال ذلك أن يقوم "سمسار" بالكذب على المشتري لدفعه لشراء منزل معين، فينخدع هذا الأخير بكلامه، فيبرم العقد نتيجة لذلك، فهنا نلاحظ بان التدليس لم يصدر من البائع وهو طرف في العقد، بل صدر من شخص أجنبي عن العقد وهو "السمسار" (وهو الوسيط الذي يسعى بين شخصين بغية تحقيق عقد معين ويأخذ أجرة هي في العادة نسبه مئوية من قيمه الصفقة)، فما تأثير هذا التدليس على العقد؟

أجابت على هذا الأمر المادة "87 من القانون المدني"، وجاء في محتواه أن التدليس لا يكون مؤثرا في هذه الحالة على العقد، إلا إذا كان المتعاقد الآخر(في المثال البائع) عالم بهذا التدليس أو كان من المفروض أن يعلم، ومن ثم فان العقد يكون غير قابلا للإبطال، إذا ثبت أن البائع  في المثال السابق لم يكن يعلم بوجود التدليس، ولم يكن من المفروض أن يعلم به، ولا يبقى في هذه الحالة، إلا رجوع المدلس عليه على "السمسار" بالتعويض.

أما إذا ثبت أن البائع كان من المفروض أن يعلم بوجود التدليس، كان يكون البائع قد سبق له التعامل مع هذا السمسار، وشائع على هذا الأخير استعمال طرق غير أخلاقية لدفع الأشخاص إلى إبرام العقود، ففي هذه الحالة يكون العقد قابلا للإبطال، ولا مجال للبحث في حاله اشتراك الغير مع المتعاقد الآخر في التدليس، إذ يكون التدليس هنا في حكم الصادر من المتعاقد الآخر.

والتدليس يصادر من النائب لا يعتبر تدليسا صادرا من الغير، فلا يشترط لإبطال العقد علم الأصيل أو افتراض علمه بهذا التدليس.

- الإكراه:

الإكراه ومعناه قيام شخص بممارسه ضغط النفس على شخص آخر ليحمله على إبرام عقد معين (نصت عليه المادة 88 من القانون المدني)، والإكراه وقد يكون إلحاق أذى حال، بمعنى يقع على الشخص في الحال مثل ممارسه التعذيب أو التهديد بالسلاح لحمل شخص على إبرام عقد المعين، وقد يكون الإكراه عن طريق التوعد بإلحاق الأذى في المستقبل إذا لم يبرم الشخص عقدا معينا.

ومن حيث صور الأذى، قد يكون هذا الأخير ماديا كأن يمس جسم الإنسان أو ماله، وقد يكون أذى معنويا، بأن يمس شرف الإنسان وسمعته، وفي جميع الحالات يعتبر الإكراه عيبا في الرضا، ما دام انه يبعد خوفا يحمل الشخص مضطرا إلى إبرام عقد معين، خشية ما سوف يلحقه من أذى.

وتقتصر دراستنا على الإكراه الذي يعيب الرضا ولا يعدمه، أما هذا الأخير فلا مجال للتطرق له، ما دم انه يؤدي إلى البطلان المطلق للعقد.

ويفرق الفقيه "السنهوري" بين الإكراه الحسي، والإكراه النفسي، فالأول يكون واقعا على الجسم كالضرب المبرح، والثاني يكون تهديدا لإيقاع الأذى في المستقبل دون حدوثه فعلا،  والصورتان تفسدان الرضا وتجعلان العقد قابلا للإبطال.

وفي نظري، كما سبق ذكر ذلك، انه من غير الدقيق تقسيم الإكراه إلى حسي ونفسي، فالإكراه دائما له اثر نفسي، سواء وقع بالفعل أم مهددا بوقوعه في المستقبل، وسواء كان منصبا على الجسم أم على الشرف والسمعة، وإنما الذي ينبغي تقسيمه هو الأذى، فيكون هناك إكراه بأذى حال وإكراه بأذى مستقبلي، والأذى قد يكون جسمانيا وقد يكون معنويا.

وتبدو أهميه التمييز في نظري  بين الإكراه بالأذى الحال، والإكراه بالأذى المستقبلي، في مسالة الإثبات، حيث قد يسهل إثبات الأذى المستقبلي، لما للمتعاقد من فسحه الوقت، بينما قد يصعب إثبات الأذى الحال، لعدم وجود فسحه من الوقت تتيح للمكره القيام بالإثبات اللازم،  ففي الأذى المستقبلي قد يتحايل من وقع عليه الإكراه لمواعدة المكره وتسجيل تهديداته بوسيلة معينه أو إحضار بعض الشهود، أما في الإكراه بالأذى الحال فعادة ما يباغت الشخص ليجد نفسه تحت رحمة الضرب أو التعذيب، ولذلك لا يتسنى له جمع الأدلة اللازمة.

- شروط الإكراه:

1. أن يكون الإكراه دافعا إلى التعاقد: ومعنى ذلك أن تكون الوسائل التي استعملها الشخص أثرت في نفسي المتعاقد إلى درجة حمله على إبرام العقد، وفي حقيقة الحال لا ينظر إلى قوة الوسائل، بقدر ما ينظر إلى شخصية من وقع عليه الإكراه، فيراعي في ذلك سنه وجنسه وحالته الاجتماعية، فما يؤدي إلى إكراه إمرأة قد لا يحقق ذلك مع رجل، وما يؤثر في الشيخ المسن من تهديد بالضرب، ليس له نفس التأثير مع شاب ممتلئ بالحيوية، ولذلك في المعيار ذاتي.

ولا يشترط أن يكون الأذى الواقع أو المهدد بوقوعه، منصبا على المتعاقد ذاته، بل يكفي لتعيب الرضا، أن يكون واقعا على احد الأقارب وفق ما جاء في نص المادة "88/ 02 من القانون المدني".

ولعل موقف المشرع الجزائري يستوجب النقد، بتحديده أن العقد يكون قابل للإبطال فقط في حاله الإكراه الذي يكون أذاه منصبا على المتعاقد أو أقاربه، ذلك أن هذا التحديد لا مبرر له من وجهة نظري، فالخوف الذي ينشأ في نفسيه المتعاقد فيدفعه إلى التعاقد، لا ينشأ فقط لان القريب قد هدد بخطر ما، وإنما للروابط الاجتماعية الوثيقة ٲثرها في إحداث الخوف أو الرهبة، التي من شانها تعييب الرضا، فقد يكون الأذى المهدد به منصبا على صديق عزيز، ولا شك بان مقتضيات الصداقة تدعو إلى الخوف، وقد يكون هذا الأخير سببا في حمل الشخص على إبرام العقد.

2. أن يكون الإكراه متصلا بالمتعاقد الآخر: يجب لإبطال العقد على أساس الإكراه، أن يكون من استعمل وسائل الإكراه هو المتعاقد الآخر، أما إذا كان الإكراه صادرا من الغير، فإن ذلك لا يكفي لإبطال العقد، إلا إذا كان المتعاقد الآخر على علم بهذا الإكراه، أو كان من المفروض أن يعلم به (المادة 89 من القانون المدني).

فإذا قام مثلا شخص بإكراه آخر على إبرام عقد مع ابن عزيز له توفي، ويريد بذلك تأمين مستقبله بهذا العقد، فنلاحظ بان الإكراه هنا صدر من غير المتعاقدين، ومن ثم لا مجال لإبطال العقد، إلا بإثبات من وقع عليه الإكراه أن من تعاقد معه كان يعلم، أو من المفروض أن يعلم بوجود الإكراه.

3. أن يكون الإكراه غير مشروع: يشترط في الضغط الذي يمارسه الشخص على المتعاقد، أن يرمي للحصول على غاية لا يقرها القانون، ومن ثم لا يكفي لتحقيق الإكراه أن يبرم المدين عقد رهن لمصلحه دائنة تحت ضغط إكراهه بشهر إفلاسه، كما أن النفوذ الأدبي لا يكفي لتحقيق الإكراه، مثل أن يضغط الأب على ابنه لإبرام عقد معين مستغلا نفوذه الأدبي عليه، فالإكراه هنا يكون مشروعا، غير انه يجب ألا يتعسف في استعماله.

ويمكن القول بأن الإكراه يكون غير مشروع، إذا كان الغرض منه الحصول على  منفعة لا حق فيها، أما إذا كان الغرض منه الحصول على منفعة مشروعة، فيكون جائزا استعماله، وفي هذه الحالة الأخيرة يشترط أن لا تصل الوسيلة المستعملة في الإكراه إلى درجه الجريمة المعاقب عليها.

ونلاحظ بان الإكراه المشروع وان كان يؤثر في الإرادة، إلا انه لا يجيز إبطال العقد، وذلك لان مبنى فكرة الإبطال في الإكراه، بالإضافة إلى كونه عيبا في الرضا، انه جزاء لعمل غير مشروع.

وفي الفقه الإسلامي، نجد أن الإكراه في عقد البيع يؤدي إلى عدم قيام العقد من أساسه، إلا إذا كان الإكراه يهدف إلى الظفر بحق، يكون المكره ملزما بأدائه، ومثال ذلك إجبار الشخص على بيع سلعته لغرض الوفاء بدين.

الاستغلال

الاستغلال هو أن يستغل المتعاقد الحالة النفسية للمتعاقد الآخر، فيبرم معه عقدا يصيبه بغبن فاحش، والغبن هنا هو أمر مادي يقصد به عدم التعادل بين ما يعطيه متعاقد وبين ما يأخذه، أما الاستغلال فهو أمر نفسي يقوم عند المتعاقد، فيستغل من طرف المتعاقد الآخر، والاستغلال يؤدي في الأخير إلى عدم التعادل بين قيمة محل التزامات المتعاقدين، ولذلك فان الاستغلال يقوم على عنصرين، مادي، ونفسي، وبين العنصرين علاقة سببية، فالعنصر النفسي هو الذي أدى وجود العنصر المادي.

ورغم نص المادة "90/ 01  من القانون المدني"، على أن الاستغلال يمكن التصور فقط في عقود المعاوضة، إلا أن أكثر شراح القانون، يجيزون إبطال العقد على أساس الاستغلال في عقود التبرع.

وتقدير التفاوت بين الالتزامين يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، إلا أن الثابت انه لا يعتد بالاختلال البسيط، وذلك اعتبارا لاستقرار المعاملات، والعبرة بتقدير التعادل هي وقت إبرام العقد، أما ما يطرأ بعد العقد فلا يؤثر فيه.

أما العنصر النفسي للاستغلال، فهو أن يكون المتعاقد المغبون واقعا في طيش بين أو هوى جامح، والطيش هو مرض في الشخص يمنعه من البصر بعواقب الأعمال، أما الهوى الجامح فهو رغبه شديدة تقوم في نفس الشخص، تفقده دون أن يدري سلامه الحكم على أعمال معينه،

ومثال العقد المشوب بعيب الاستغلال عن طريق الهوى الجامح، الرجل الطاعن في السن الذي يتزوج بامرأة شابه، فتستغل ولعه بها لكي يبرم لها عقودا فيها عدم تعادل كبير.

ولا يكفي لقابلية العقد للإبطال توفر حاله الهوى الجامح أو الطيش البين، بل وجب أيضا أن يعلم المتعاقد الآخر بقيام هذه الحالة، ويستغلها لصالحه.

وإذا كان الاستغلال صادرا من غير المتعاقدين، فانه وجب لإبطال العقد أن يكون المتعاقد الآخر على علم بالاستغلال، أو كان من المفروض عليه أن يعلم، ومثال ذلك أن يعقد الزوج  الطاعن في السن عقد تبرع لمصلحه قريب للزوجة، تحت تأثير الاستغلال ويكون هذا القريب عالما بوجود الاستغلال.

آثار الاستغلال: يؤدي الاستغلال إلى قابلية العقد للإبطال، ويتعين على طرف ضحية الاستغلال أن يرفع دعوى بإبطال العقد، كما يمكن لهذا الأخير أن يكتفي بطلب إنقاص التزاماته، وفي الحالة الأخيرة لا يملك القاضي حق إبطال العقد، لأنه يكون قد حكم بأكثر مما طلبه المدعي، غير أن القاضي يملك حق إنقاص الالتزام دون الإبطال بالرغم من طلب الطرف المغبون إبطال العقد، وذلك إذا رأى القاضي، أن ذلك كفيل بإزالة الغبن، و للقاضي سلطة تقديرية في هذا (المادة  90/ 01).

كما أجاز القانون للطرف الآخر أن يتوقى الحكم بالإبطال، إذا كان العقد من عقود المعاوضة، وعرض هذا الطرف ما يؤدي إلى رفع الغبن، كأن يكون مشتريا ويعرض زيادة في الثمن.

المطلب الثاني: المحل

يميز الفقهاء بين محل العقد ومحل الالتزام، ويرون أن محل العقد هو العملية القانونية الذي تراضا الطرفان على تحقيقها، بينما يكون محل الالتزام هو ما يتعهد به المدين، سواء كان الالتزام بإعطاء أم بالقيام بعمل أم الامتناع عن عمل، ولذلك فإن محل العقد يتحدد بمحله الالتزامات الرئيسية التي تحقق بها العملية القانونية المقصودة.

ويلزم في المحل ثلاثة شروط  نتناولها في التقسيم كالآتي:

  • الفرع الأول: شرط الإمكان.
  • الفرع الثاني: شرط التعيين.
  • الفرع الثالث: شرط المشروعية.

الفرع الأول: شرط الإمكان

يميز شراح القانون بين محل الالتزام الذي يكون إعطاء شيء، وبين ذلك الذي يكون القيام بعمل، فيشترطون في الأول أن يكون موجودا، ويشترطون في الثاني أن يكون ممكنا أي ألا يكون مستحيلا، ويرى الفقيه "إسماعيل غانم" أن شرط الإمكان تتضمن عنصر الوجود، ذلك انه قد يكون الشيء موجود ولكن نقل ملكيته مستحيل من الناحية القانونية، ورأيي هو تأييد هذه النظرة.

وعلى ضوء ما سبق فإنه إذا كان محل الالتزام هو إعطاء شيء، وجب أن يكون هذا الشيء موجودا وقت العقد أو على الأقل قابلا للوجود في المستقبل، ومنه فإن عدم وجود الشيء وقت العقد و عدم قابليته للوجود في المستقبل، يهدم احد الشروط الاساسية للمحل، فيترتب على ذلك البطلان المطلق للعقد.

وعدم وجود الشيء الذي يؤثر في المحل هو ذلك الذي يكون متحققا وقت العقد، أما الذي يكون لاحقا للعقد فانه لا يؤثر فيه، ولا يؤدي إلى بطلانه، ومثال ذلك أن يبرم شخص مع آخر عقد بيع لعقار كان موجودا وقت العقد (منزل مثلا)، ثم بعد العقد وقبل تسليمه من المشتري هدم العقار بسبب ما، فهنا نلاحظ بان محل التزام البائع وهو نقل ملكيه العقار قد تحقق فيه شرط الإمكان وقت إبرام العقد، أما واقعه الهدم فقد طرأت بعد العقد، ولذلك فان العقد في هذه الحالة لا يكون باطلا، بعكس لو أن العقار المباع هدم قبل إبرام العقد، حيث لا يتحقق شرط الإمكان ومن ثم لا يقوم المحل ويكون العقد باطلا.

وفي محل الالتزام الذي يكون عملا، يشترط أن لا يكون هذا العمل مستحيلا، فلا التزام بمستحيل، والقانون يعتد بالاستحالة المطلقة التي تكون قائمه وقت العقد، أما الذي تطرأ بعد العقد فإنها لا تؤثر في وجوده وإنما تؤثر في تنفيذه، والاستحالة المطلقة قد ترجع إلى طبيعة الالتزام في حد ذاته، وقد تكون استحالة قانونية، ومثل التي ترجع إلى طبيعة الالتزام، تعهد شخص ببث الروح في جثة هامدة، أما الاستحالة التي ترجع إلى نص القانون فمثالها تعهد المحامي باستئناف الحكم استنفذ جميع طرق الطعن.

وصفة الإطلاق التي تلحق الاستحالة هدفها تمييزها عن الاستحالة النسبية التي لا تؤثر في وجود المحل، ومن ثم لا تؤدي إلى بطلان العقد، والاستحالة النسبية هي التي تقوم بالنسبة للبعض دون البعض الآخر، مثل تعهد شخص مبتور اليدين برسم لوحه فنيه، فنلاحظ هنا بأن الالتزام وإن كان مستحيلا بالنسبة لهذا الشخص، إلا انه ممكن بالنسبة لشخص له صفه فنان، ومن ثم فإذا تم العقد مع شخص تقتصر عليه الاستحالة لوحده، فإن العقد لا يكون باطلا لأن الاستحالة ليست مطلقة.

- التعامل في الأشياء المستقبلة: إذا كان محل الالتزام يتضمن نقل ملكية شيء أو تسليم شيء ليس موجودا وقت العقد ولكنه قابل للوجود في المستقبل، مثل بيع منزل يشرع في بناءه ليكون جاهزا بعد سنتين مثلا، أو تأجير بناء لم ينجز بعد...الخ، فهل يعتبر المحل قائما في هذه الحالة أم لا؟

والمشرع الجزائري كقاعدة عامة أجاز التعامل في الأشياء المستقبلة، ومن ثم فإنه يعتبر المحل قائما إذا كان قابلا للوجود في المستقبل، ونتيجة ذلك هي انعقاد العقد بمثل هذا المحل، فينعقد البيع الذي يكون محله نقل ملكية سيارات لم يتم صنعها بعد، أو عقد الإيجار الذي تكون فيه العين المؤجرة في طور الانجاز.

ولكن ما هو مصير العقد إذا لم يتحقق وجود الشيء في المستقبل لسبب معين؟ هناك من يرى بأن عقد البيع الذي يتضمن نقل ملكيه شيء مستقبلي، يكون معلقا على شرط واقف، ومن ثم فإن عدم تحقق الشيء يؤدي لعدم قيام عقد البيع، أما الرأي عندي فهو أني لا أساند هذا الوصف، وذلك لأن المشرع لم ينص على ما يفيد تعليق العقد الذي يتضمن محل التزامه شيئا مستقبلا على شرط واقف، وإنما اعتبر أن القابلية للوجود تأخذ حكم الوجود في محل الالتزام، والأمر الثاني، هو أن القابلية للوجود يقصد بها أن وجود الشيء مرجح على عدم وجوده وفق المألوف بين الناس، وهذا كاف لاعتبار المحل قائما من وجهة نظر المشرع، أما ما يطرأ بعد ذلك من ظروف تؤدي إلى عدم تحقق المحل فهذه الظروف ليس مقتصرا تأثيرها على الشيء المستقبلي فقط، بل قد تؤثر حتى في الأشياء التي كانت موجودة وقت العقد، مثل هلاك الشيء بعد العقد بقوة قاهرة أو بخطأ المدين، ولذلك فإن رأيي هو أن العقد الذي يرد على شيء مستقبل هو عقد غير معلق بل بات، وإذا لم يتحقق وجود الشيء فنطبق القواعد العامة بحسب كون سبب أجنبيا أو راجعا لخطا المدين.

ويبدو أن المشرع الجزائري لم يجانبه الصواب في صياغة المادة 92 من القانون المدني،  والتي جاءت على نحو يفيد بان الشيء المستقبلي وجب أن يكون محققا، وهذا غير دقيق من حيث انه لا يمكن القطع بتحقق وجود شيء فيما هو آت من الزمن، والشرط دقيق في نظري الذي يجب أن يتوفر هو القابلية  لوجود.

وفي الفقه الإسلامي يشترط في عقد البيع أن يكون المبيع والثمن متيقنا وجودهما لا مجرد احتمال، وإلا فإن ذلك يجعل البيع فيه مخاطرة، وهذا ما يسمى ببيع "الغرر"، وهو منهي عنه في الشريعة الإسلامية.

- حظر التعامل في التركة المستقبلة: إذا كان المشرع الجزائري قد جعل القاعدة العامة هي جواز التعامل في الأشياء المستقبلة، إلا انه وضع استثناءا نصت عليهم ماده"92 /02" من القانون المدني، حيث لا يجوز التعامل في تركة مستقبلة، وترجع هذه القاعدة إلى القانون الروماني، حيث كان يحرم في التركات المستقبلة، غير أن القانون الروماني أجاز ذلك بموافقة المورث، و بطلان التعامل في التركات المستقبلة في القانون الجزائري لا تؤثر فيه موافقة المورث، ومن ثم يعتبر باطلا تعامل المورث في التركة مع الغير، أو مع وارث المحتمل له، وكذلك يحضر على الوارث المحتمل أن يتعامل مع  وارث محتمل آخر، أو مع الغير.

الفرع الثاني: شروط التعيين أو القابلية للتعيين

يلزم لانعقاد العقد أن يكون محل الالتزام معينا، أو على الأقل قابلا للتعيين، وهذا ما جاء في نص المادة 94 من القانون المدني الجزائري، والغاية من تعيين محل الالتزام هو تفادي المشاكل التي قد تنشا من عدم تحديد المحل، والتعيين واجب سواء كان محل الالتزام عملا أو إعطاء شي، ففي الأول وجب تعيين العمل الذي يلتزم المدين بأدائه، ففي عقد المقاولة مثلا وجب تحديد الأعمال التي يقوم بها المقاول من خلال صفات البناء المراد تشييده، والذي يكون عادة في مخطط هندسي، فهنا نقول بان محل التزام المقاول قد عين.

وإذا كان محل الالتزام يتضمن تسليم شيء أو نقل ملكيه شيء، فانه وجب أن يكون هذا الشيء معينا، ويختلف ذلك بحسب كون الشيء محددا بذاته أم محددا بنوعه، فالأشياء المحددة بالذات يتم تعيينها بتحديد صفاتها التي تميزها عن غيرها، مثل تعيين منزل بتحديد موقعه وصفاته الخارجية ومساحته، أما الأشياء المحددة بالنوع (أو الأشياء المثلية) فيتم تعيينها بتحديد نوعها ومقدارها، مثل تحديد ما يلتزم البائع بنقل ملكيته بـ 20 قنطار من "القمح اللين" فهنا يتحقق التعيين.

وعدم تحديد درجه الجودة بالنسبة للأشياء المثلية المتفاوتة في ذلك، لا يترتب عنه عدم التعيين، وإنما في حاله الخلاف يلزم المدين بتسليم شيء من الصنف المتوسط، وهذا ما جاء في نص المادة "94 /02" من القانون المدني.

وإذا كان محل التزام احد طرفي العقد هو مبلغ من النقود، فإن المدين يلزم بقدر عددها المذكور في العقد بحلول أجل الوفاء، وإذا حدث تغير في قيمة العملة في الفترة ما بين انعقاد العقد والوفاء، فإن ذلك لا يؤثر في التزام المدين، وهذا ما يستفاد من نص المادة"95" من القانون المدني.

وإذا لم يتحقق شرط تعيين فعل الأقل وجب أن تتحقق القابلية للتعيين، والتي تكون عن طريق أسس يضعها المتعاقدان من خلالها التعيين، ومثال ذلك الاتفاق على أن المؤجر يلتزم بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة أكبر مساحة من مجموعة منازل موجودة في منطقه معينه، فهنا نلاحظ بأن محل التزام المؤجر وإن لم يتحقق فيه التعيين إلا انه تم وضع معالم تؤدي في الأخير إلى التعيين، ونلاحظ أن الأساس الذي اتفقا عليه المتعاقدان هو "الأكبر مساحة".

ويكون الشيء قابلا للتعيين إذا ترك الأمر إلى شخص ثالث يتفق عليه الطرفان، والعقد في هذه الحالة يكون معلقا على شرط واقف وهو قيم الشخص الثالث (يسمى كذلك المفوض) بتعيين المحل، فإذا لم يتحقق ذلك تخلف الشرط الواقف واعتبر العقد كأن لم يكن منذ البداية، وإذا كان المتعاقدان قد اجل تعيين المفوض إلى الاتفاق لاحق فإن العقد لا ينعقد إلا من وقت تعيين المفوض.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري في عقد البيع قد اشترط بالإضافة إلى التعيين، شرطا آخر وهو ضرورة العلم الكافي به، وإلا فان عقد البيع يكون قابلا للإبطال.

وفي الفقه الإسلامي يشترط في عقد البيع أن يكون المبيع والثمن معلومين فإذا كان أحدهما مجهولا فإنه لا يصح البيع.

الفرع الثالث: مشروعية المحل

لا يقوم العقد إلا إذا كان محل الالتزام غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، وهذا شرط عام وجب توفره في جميع صور محل الالتزام، ويفرق شراح القانون عادة بين محل الالتزام بعمل محل التزام المتمثل في إعطاء شيء، فيوجبون في الأول المشروعية ويوجبون في الثاني ضرورة الدخول في دائرة التعامل، ومن ثم لا يقوم العقد الذي يكون محل أحد التزاماته اقامه علاقة جنسيه خارج إطار الزواج، لأنه عمل يتعارض مع الآداب العامة، كما لا يقوم العقد الذي يتعهد فيه احد طرفين بارتكاب فعل الاختطاف لأنه عمل غير مشروع فهو يتعارض مع النظام العام.

وإذا كان محل الالتزام إعطاء شيء وجب أن يكون هذا الشيء ضمن دائرة التعامل، ويمكن أن نوجز ما يخرج عن دائرة التعامل في ما يلي:

1. أشياء تخرج عن التعامل بطبيعتها: وهي تلك الأشياء التي لا يمكن أن يستأثر احد بحيازتها، أو أنها أشياء لا يؤدي انتفاع البعض بها إلى الحيلولة دون انتفاع البعض الآخر.

2. أشياء تخرج عن التعامل بنص القانون: هناك أشياء تقبل بطبيعتها التعامل، ولكن القانون يحرم التعامل فيها الاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، ومثال ذلك عدم جواز التعامل في الأموال العامة والأموال الموقوفة، كما أن هناك أشياء يحضر التعامل فيها بنص القانون لعدم مشروعية محلها مثل المخدرات والمنازل المخصصة للدعارة ...الخ.

وفي الفقه الإسلامي يشترط في عقد البيع طهارة العين، فإذا كانت العين خنزيرا أو خمرا أو ميتة، فلا يصح البيع في هذه الحالة، وفي عقد الإجارة (الإيجار) يشترط أن تكون المنفعة مباحة فلا تصح الإجارة على المعاصي.

المطلب الثالث: السبب

كلمه سبب قد يقصد بها معاني عديدة، أول هذه المعاني المصدر المنشأ للالتزام، مثل العقد كمصدر للالتزام، أو واقعه الفعل الضار كمصدر غير الإرادي للالتزام ،أما ثاني هذه المعاني فهو الغرض المباشر الذي يستهدفه الملتزم من وراء التزامه، وثالث هذه المعاني والغرض الغير المباشر الذي يستهدفه الملتزم وهذا ما يسمى بـ "الباعث الدافع إلى التعاقد"، وفي الحقيقة أن فكرة السبب لم يكن لها أثر في العقد في ظل القانون الروماني في بداية عهده، نظرا لشكلية الذي كانت تتميز بها العقود، ولم تتشكل هذه الفكرة بصورة واضحة إلا عن الفقهاء الكنسيين الذين عرفوا ما يسمى بفكرة "عدم مشروعيه الباعث"، وفي القانون الحديث ظهرت نظريتان للسبب يمكن تلخيصها مع موقف المشرع الجزائري وفقا للتقسيم الآتي:

  • الفرع الأول: النظريه التقليدية.
  • الفرع الثاني: النظرية الحديثة.
  • الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري.

الفرع الأول: النظرية التقليدية

يتزعم هذه النظرية الفقيه "دوما"، وتميز هذه النظرية بين السبب المباشر للالتزام وبين السبب الغير مباشر(الباعث)، فترى أن الأول هو الذي يجب الاعتداد به في النظر إلى الالتزام، أما الثاني فهو مسٲلة خارجية تختلف من عقد لآخر، ولا ينبغي له أن يكون سببا للالتزام، وفي الحقيقة فإن النظرية التقليدية تميز بين ثلاثة أنواع من السبب: السبب الإنشائي ويقصد به مصدر الالتزام، والسبب الباعث وهو الغرض غير المباشر الذي يستهدفه المتعاقد من وراء التزامه، مثل أن يكون غرض المشتري من شراء المنزل هو تخصيصه لممارسة الدعارة، أما النوع الثالث فهو السبب القصدي والذي تقدم أن معناه هي الغاية المباشرة للملتزم من وراء التزامه، ففي عقد البيع مثلا تكون الغاية المباشرة للبائع من وراء التزامه هي الحصول على الثمن، والسبب الأخير هو الذي يكون معتبرا في تكوين الالتزام فلا يقوم إلا به ويبين لنا أصحاب النظرية صور بسبب الالتزام في طوائف مختلفة من العقود، ففي العقد الملزم للجانبين يكون سبب التزام كل طرف هو التزام الطرف الآخر، ففي عقد الإيجار يكون سبب الالتزام المستأجر بدفع بدل الإيجار، هو التزام المؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة.

وفي العقود الملزمة لجانب واحد مثل الوعد بالبيع، يكون سبب الالتزام الوعد هو إتمام العقد النهائي، أما في عقود التبرع فان سبب التزام المتبرع هو نية التبرع، ومن ثم فان السبب وفق هذه النظرية هو واحد لا يتغير في الطائفة الواحدة من العقود، ولقد تعرضت النظرية التقليدية لهجوم شديد، من طرف الفقيهين "بلانيول"  و" لوران"، وذلك على أساس أنها نظرية غير صحيحة وعديمة الفائدة.

الفرع الثاني: النظرية الحديثة

اهتمت النظرية الحديثة بـ "الباعث الدافع إلى التعاقد"، هو الذي يعتبر عنصرا خارجا عن العقد، ويختلف من شخص لآخر، ولقد أدى اهتمام النظرية الحديثة بالباعث كسبب للعقد إلى إثارة مسٲلة استقرار المعاملات، ما دام أن هذا الأمر كامن في النفس ويصعب كشفه أثناء إبرام العقد، ونتيجة لهذا فإن القضاء الفرنسي حدد نطاق هذا الباعث بالرئيسي، ومن ثم لا اثر للدوافع الأخرى غير الرئيسية، كما أنه اشترط لإبطال العقد على أساس عدم مشروعيه "الباعث" أن تكون صفه عدم المشروعية معلومة لطرف الآخر، وهذا بالنسبة لعقود المعاوضة، أما في عقود التبرع فلا يشترط العلم، وذلك اعتبارا لكون المعاوضات أجدر بالحماية من التبرعات.

وفي حقيقة الأمر فإن النظرية الحديثة هي رجوع لما توصل إليه الفقهاء الكنسيون في السبب، من حيث ضرورة أن يكون غير متعارض مع الدين، والأمر الذي أدى إلى مسايرة الفقه  الحديث للنظرية الحديثة، هي العيوب الذي اعترت النظرية التقليدية، وثبوت عدم صحتها عند أكثر فقهاء القانون، وهو الأمر الذي أفضى في النهاية إلى خروج القضاء الفرنسي عنها.

وخلاصه القول أن النظرية الحديثه لا تتوقف عند الغرض المباشر للملتزم، بل تذهب إلى ابعد من ذلك، ففي عقد الإيجار مثلا تبحث النظرية الحديثة عن جواب لسؤال: ما هو الباعث الدافع  الذي أدى بالمستأجر لاستئجار العين؟ فإذا كان الجواب هو: الإقامة  فيها، فان السبب يكون مشروعا، وإذا كانت الإجابة هي: تخصيص العقار كنادي للقمار، أو جعله وكرا للدعارة، فإن الباعث في هذه الحالة يكون غير مشروع، ومن ثم بطلان العقد لعدم مشروعية السبب، وهكذا فقد توسعت النظرية الحديثة في النظر إلى السبب.

الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري من النظريتين

نص المشرع الجزائري في المادة "97" من القانون المدني على ما يلي: "إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام او الآداب كان العقد باطلا".

واضح من نص المادة أن المشرع الجزائري قد تبنى النظرية الحديثة في السبب، الذي تقوم على وجوب مشروعيه "الباعث الدافع إلى التعاقد"، فعبارة السبب غير المشروع أو المخالف للنظام العام إنما تنصرف إلى معنى السبب كما طرحته النظرية الحديثة.

غير أن المشرع الجزائري في نص المادة "98 /02" نص على أن السبب المذكور في العقد  هو السبب الحقيقي، ومعلوم أن السبب الباعث وفق النظرية الحديثة لا يذكر في العقد عادة أنه أمر كامن في النفس، أما الذي يذكر في العقد فهو سبب الالتزام وفق معنى النظرية التقليدية، لذلك يكون المشرع قد اخذ بالنظرية التقليدية أيضا، وذلك في اشتراطه وجود سبب للالتزام.

إثبات السبب: يثبت عادة ما أتفق عليه في العقد ضمن سند، ومن ثم فإن سبب التزامات الأطراف تكون مدونة في هذا السند، مثل أن يكون العقد بيعا فيذكر سبب التزام البائع وسبب التزام المشتري، وذلك بتدوين مقدار الثمن وتعيين المبيع، والمشرع يفترض أن السبب المذكور في العقد على هذا النحو، هو السبب الحقيقي، فإذا نازع احد طرفين في سبب التزامه بادعائه صورية السبب المدون في السند، كأن يدعي البائع أن سبب التزامه وهو "التزام المشتري بدفع الثمن" لا وجود له في حقيقة الحال، وان ما دون في السند ليس سوى مظهر كاذب، ففي هذه الحالة يتعين على البائع أن يثبت هذه الصورية، وذلك عن طريق الكتابة، لأنه لا يجوز إثبات ما يجاوز الكتابة أو يخالفها إلا بالكتابة، فإذا وفق البائع في إثبات صورية السبب، فإن عبئ الإثبات ينتقل إلى المشتري الذي يتعين عليه أن يثبت أن للإلتزام سببا أخرا مشروعا.

وإذا ادعى احد الطرفين في العقد أن سبب التزامه المدون في السند يستر سببا غير مشروع، فهنا تكون الصورية قد اتخذت كوسيلة للتحايل على القانون، والقاعدة هي جواز إثبات التحايل على القانون بجميع طرق الإثبات.

غير انه قد يحدث ألا يتضمن السند سبب الالتزام، مثل أن يتضمن السند بان المدين ملزم بدفع مبلغ كذا دون ذكر أن ذلك على وجه التبرع، أو لرد مبلغ قرض، أو أنه أجرة نظير عمل معين...الخ، ولا يترتب على هذا الإغفال بطلان الالتزام، وفي هذه الحالة فإن المشرع يفترض أن لإلتزام المدين سببا صحيحا ومشروعا، وإذا ادعى المدين عكس ذلك تعين عليه إثبات عدم وجود السبب، أو عدم مشروعيته، ويجوز له أن يثبت عدم وجود السبب بجميع طرق الإثبات، كما يجوز له أن يثبت نفس الطريقة عدم مشروعية السبب.

- التصرف المجرد: يعتبر السبب عنصرا مكونا للإلتزام، فلا يقوم إلا به، ومن ثم فإنه لا يتصور أن يعترف القانون بالتزام ليس له سبب، غير أن القوانين الجرمانية التي تأخذ بالإرادة الظاهرة، تعترف بالتصرف المجرد من السبب، والمشرع الجزائري لا يعترف بالتصرف المجرد إلا على سبيل الاستثناء، ولذلك نجده حدد حالتين استثنائيتين ينشا فيهما الالتزام بغض النظر عن سببه، الحالة الأولى تتعلق بالإنابة، حيث يلزم "المناب" اتجاه" المنيب" (المدين الأصلي) كان باطلا، وهذا ما جاء في نص المادة "296" من القانون المدني، أما الاستثناء الثاني فهو يتعلق بالتزام الكفيل اتجاه الدائن، حيث يتعين عليه تنفيذ الالتزام لمصلحة الدائن، ولا يستطيع أن يتمسك بالدفوع التي يمكن أن يتمسك بها اتجاه المدين.

فهنا نلاحظ بأن سبب التزام "المناب" اتجاه "المناب لديه" هو التزامه سابق اتجاه "المنيب"، وما دام أن هذا الالتزام ظهر بطلانه فإنه يصبح التزام "المناب" اتجاه "المناب لديه" بدون سبب، والأصل عدم قيامه إلا أن المشرع اعترف به استثناءا.

المرجع:

  1. د. زكريا سرايش، الوجيز في مصادر الالتزام العقد والإرادة المنفردة، دار هومة، الجزائر، ص43-107.
google-playkhamsatmostaqltradent