الدفوع وعوارض الخصومة

الدفوع وعوارض الخصومة

الدفوع وعوارض الخصومة

مكنت التشريعات عموما أطراف الدعوى استعمال وسائل للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم بدء من انعقاد الخصومة إلى غاية انتهائها، غير أن هذه الخصومة أثناء انعقادها قد تعتريها عوارض تؤثر على مسارها الطبيعي. على ذلك سوف يتم التفصيل في هذا الأمر بالتطرق لوسائل الدفاع في المبحث الأول، ثم لعوارض الخصومة في المبحث الثاني على النحو الآتي: 

المبحث الأول: وسائل الدفاع

من الطبيعي أن يكون لكل من أطراف الدعوى وسائل دفاع Moyens de défense يمارسها أثناء انعقاد الخصومة وتعرف الدفوع بأنها وسيلة قانونية تهدف إلى دحض إدعاءات الخصم متى كانت الدفوع موضوعية، وإلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضائها أو وقفها إذا تعلق الأمر بدفوع شكلية. كما تشمل الدفع بعدم القبول الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي. 

تطرق المشرع الجزائري لوسائل الدفاع في الباب الثالث من ق.إ.م.إ، وحددها في ثلاثة أنواع من الدفوع؛ دفوع موضوعية، وأخرى شكلية، وثالثة بعدم القبول، وهو ما سيتم تباينه تباعا:

أولا - الدفوع الموضوعية La défense au fond

الدفوع الموضوعية توجه إلى أصل الحق المدعى به، ويمكن أن تكون هذه الدفوع صادرة من طرف المدعى عليه، كما يمكن أن تكون صادرة من المدعي. والدفع الموضوعي قد يكون في الوقائع، كما قد يكون متعلق بنص قانوني، وهي متعددة ولا حصر لها، تتغير بحسب الدعوى والموضوع والأطراف...إلخ 

وعموما يمكن القول بأن الدفوع الموضوعية هي وسيلة تهدف إلى دحض ادعاءات الخصم. ويمكن تقديمها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى.

من أمثلة الدفوع الموضوعية الدفع ببطلان العقد، الدفع بانقضاء الدين، الدفع بعدم تنفيذ التزام، الدفع بوفاء جزء من الدين، الدفع باكتساب الملكية بالتقادم، أو الدفع بعدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة السببية، أو الدفع بعدم جواز تطبيق إعمال وتطبيق مواد القانون على الدعوى القائم، أو الدفع بإلغاء قانون معين يراد تطبيقه على الدعوى...إلخ.

ثانيا - الدفوع الشكلية Les exceptions de procédure

الدفوع الشكلية هي كل وسيلة تهدف إلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضائها أو وقفها. وعلى هذا الأساس فإن الدفوع الشكلية تتعلق بصحة الخصومة أمام المحكمة حيث توجه إلى الخصومة أو إلى بعض إجراءاتها دون التعرض لذات الحق المدعى به أو المتنازع فيه.

ومن أمثلة ذلك الدفع بعدم اختصاص المحكمة (اقليميا) بالنظر في الدعوى، والدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى، والدفع بإسقاط الخصومة أو اعتبارها كأنها لم تكن...، إلخ.

ومن المهم الإشارة بأنه يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل إبداء أي دفاع في الموضوع، أو دفع بعدم القبول، وذلك تحت طائلة عدم القبول.

على هذا الأساس فإن عدم احترام ترتيب وقت إثارتها يجعل من القاضي عدم الأخذ بها، ويباشر النظر في مدى تأسيس الدعوى من حيث الموضوع.

ومناط التفرقة بين الدفع الشكلي والموضوعي أن الأول يتخذ في مواجهة صحة الخصومة والإجراءات المتعلقة بها بغية إنهائها دون الفصل في موضوع الحق المطالب به أو تأخير الفصل فيه. أما الدفع الثاني فهو موجه إلى الحق موضوع الدعوى بهدف الحصول على حكم برفضها كليا أو جزئيا. كما يمكن إبداؤه في أي حالة كانت عليها الدعوى خلافا للدفع الشكلي الذي ينتهي ببدء مناقشة موضوع الخصومة.

حدد المشرع الجزائري* حالات الدفوع الشكلية مقسما إياها إلى أربعة أصناف تتمثل فيما يلي: 

1- الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي:

الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي هو الدفع الذي ينكر به الخصم على المحكمة سلطة نظر الدعوى لخروجها من حدود الاختصاص الذي قرره القانون لها، وهو بهذا الدفع ينكر على المحكمة ولايتها بنظر الدعوى كما حددها القانون ويطلب بموجبه ألا تفصل فيها.

ونشير إلى أن هناك أحكام نص عليها المشرع تتعلق بالدفع بعدم الاختصاص الإقليمي وتتمثل فيما يلي:

- يجب على الخصم الذي يدفع بعدم الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية، أن يسبب طلبه، ويعين الجهة القضائية التي يستوجب رفع الدعوى أمامها؛

- لا يجوز للمدعي إثارة هذا الدفع؛

- يفصل القاضي بحكم في الدفع بعدم الاختصاص الإقليمي، ويمكنه، عند الاقتضاء ،أن يفصل فيه بنفس الحكم مع موضوع النزاع بعد إعذار الخصوم مسبقا شفاهة ،لتقديم طلباتهم في الموضوع.

2- الدفع بوحدة الموضوع والارتباط:

أ‌- الدفع بوحدة الموضوع: 

تقوم وحدة الموضوع عندما يرفع نفس النزاع إلى جهتين قضائيتين مختصتين ومن نفس الدرجة. وفي مثل هذه الحالات يجب على الجهة القضائية الأخيرة التي رفع إليها النزاع أن تتخلى لصالح الجهة الأولى، إذا طلب أحد الخصوم ذلك. كما يجوز أيضا للقاضي أن يتخلى عن الفصل تلقائيا إذا تبين له وحدة الموضوع.

من الأمثلة على ذلك ترفع دعويان تتضمنان فسخ العقد التأسيسي للشركة قبل البدء في النشاط، من طرف العضوين المؤسسين لها، بشكل منفرد أمام جهتين قضائيتين مختصتين ومن نفس الدرجة كالقسم المدني على اعتبار أن موضوع النزاع يتعلق بفسخ عقد توثيقي أو القسم التجاري لكون التصرف تم بين تاجرين أيضا كحالة الطلاق والخلع.

ب‌- الدفع بوحدة الارتباط:

الارتباط هو صلة وثيقة بين دعويين أو أكثر تحوي طلبات مختلفة مرتبطة تقتضي منا لحسن سير العدالة ومن الأنسب جمع هذه الطلبات أمام محكمة واحدة لتنظر وتحكم فيها جميعا منعا من صدور أحكام لا توافق بينهما.

تقوم حالة الارتباط عند وجود علاقة بين قضايا مرفوعة أمام تشكيلات مختلفة لنفس الجهة القضائية، أو أمام جهات قضائية مختلفة من نفس الدرجة، والتي تستلزم لحسن سير العدالة أن ينظر ويفصل فيها معا.

مثلا إذا طلب السائقان المتسببان في ذات الحادث المروري كلاهما بالتعويض يستلزم الفصل في الطلبين ضمهما أمام ذات الجهة القضائية لتفصل في الطلبين معا. ونشير إلى أن التخلﹼي عن النزاع بسبب الارتباط بين القضايا، يؤمر به من طرف آخر جهة قضائية أو آخر تشكيلة طرح عليها النزاع، لصالح جهة قضائية أو تشكيلة أخرى بموجب حكم مسبب بناء على طلب أحد الخصوم أو تلقائيا.

تقضي جهة الإحالة بالضم تلقائيا في حالة وجود ارتباط بين خصومات مطروحة أمام تشكيلات مختلفة لنفس الجهة القضائية أو أمام جهات قضائية مختلفة بعد التخلي لها.

ومن المهم الإشارة إلى أنه في حالة كل من التخلي بسبب وحدة الموضوع أو الارتباط عن طريق حكم قضائي صادر عن الجهة القضائية المعنية، يكون هذا الحكم ملزما للجهة القضائية أو التشكيلة المحال إليها، وهي غير قابلة لأي طعن.

من الأمثلة أيضا على حالة الارتباط دعويين الأولى في زيادة مقدار النفقة والثانية في حضانة الطفل، أو دعويين الأولى الرجوع لبيت الزوجية، والثانية تطليق أو خلع...إلخ.

3- الدفع بإرجاء الفصل:

يجب على القاضي الاستجابة لطلب الخصم المتمثل في إرجاء الفصل في الخصومة إذا نص القانون على منح أجل للخصم الذي يطلب ذلك. مثل الجزائي يعقل المدني. أو الحالات التي يعطي فيها القانون أجلا للتنفيذ.

4- الدفع بالبطلان:

كمبدأ عام يترتب عن عدم شرعية العقد الإجرائي بطلانه، وتطبيق هذا المبدأ مطلقا لا يخلو من الخطورة، كونها لا يقتصر على فساد الإجراءات فقط بل يتعداه إلى سقوط الحق الموضوعي ذاته.

لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا في حالة ما نص القانون صراحة على ذلك، وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه.

أ- القواعد المقررة للبطلان من حيث الشكل: 

تقرر المواد (61، 62، 63، 66) من ق.إ.م.إ الأحكام والقواعد التي قررها المشرع للبطلان من حيث الشكل، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

- يمكن إثارة الدفع ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا خلال القيام بها، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحقا للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته؛

- يجوز للقاضي منح آجال للخصوم قصد تصحيح الإجراء المشوب بالبطلان ،بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح؛

- يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان؛

- لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا لمن تقرر البطلان لصالحه؛

- لا يقضى ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح، إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة.

ب - حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات:

حالات بطلان العقود غير القضائية والإجراءات من حيث موضوعها محددة على سبيل الحصر في حالتين هما:

- انعدام الأهلية للخصوم؛

- انعدام الأهلية أو التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.

وتنص المادة 65 من ق.إ.م.إ على أن القاضي يثير تلقائيا انعدام الأهلية كما يجوز له أن يثير تلقائيا انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي.

ثالثا - الدفع بعدم القبول La fin de non-recevoir

الدفع بعدم القبول، هو الدفع الذي يرمي إلى التصريح بعدم قبول طلب الخصم لانعدام الحق في التقاضي، كانعدام الصفة وانعدام المصلحة والتقادم وانقضاء الأجل المسقط وحجية الشيء المقضي فيه، وذلك دون النظر في موضوع النزاع.

هذا الدفع لا يوجه إلى إجراءات الخصومة كما هو الحال في الدفوع الشكلية أو إلى الحق المدعى به كما هو الحال في الدفوع الموضوعية، وإنما هو دفع يوجه إلى حق المدعي في رفع الدعوى ويهدف لمنع المحكمة من النظر فيها، وذلك بعدم قبول طلب المدعي في التقاضي لسبب قانوني، كالدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة أو لرفعها من غير ذي صفة أو لرفعها بعد الميعاد أو لسبق الفصل فيها.

من الأمثلة على ذلك: الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الاتفاق على التحكيم، فالاتفاق على التحكيم يؤدي إلى التزام أطراف الاتفاق على احترامه، أو الدفع بعدم القبول لعدم اتباع إجراءات معينة قبل رفع الدعوى مثل إشهار العريضة في حالة رفع دعوى عقارية... تنبيه بالإخلاء، أو تقديم إعذار. 

ومن أمثلة الأسباب التي تؤدي للدفع بعدم قبول الدعوى الواردة في ق.إ.م.إ ما يلي:

- عدم قيام وإتمام الإجراءات والعقود القضائية من عرائض ومذكرات باللغة العربية. وعدم تقديم الوثائق والمستندات باللغة العربية أو مصحوبة بترجمة رسمية إلى هذه اللغة، تحت طائلة عدم القبول؛

- عدم إرفاق القرار الإداري المطعون فيه، مع العريضة الرامية إلى إلغاء أو تفسير أو تقدير مدى مشروعية القرار الإداري، ما لم يوجد مانع مبرر؛

- عدم تقديم العرائض والطعون ومذكرات الخصوم، من طرف محام معتمد لدى مجلس الدولة، باستثناء الأشخاص المذكورة في المادة 800 من ق.إ.م.إ  ؛ - عدم إرفاق العريضة الرامية إلى وقف تنفيذ القرار الإداري أو بعض آثاره ،بنسخة من عريضة دعوى الموضوع.

يمكن للخصوم تقديم الدفع بعدم القبول في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تقديم دفوع في الموضوع.

أما القاضي فيجب عليه أن يثير تلقائيا الدفع بعدم القبول إذا كان من النظام العام، لاسيما عند عدم احترام آجال طرق الطعن أو عند غياب طرق الطعن.

المبحث الثاني: عوارض الخصومة

بعد قيام الخصومة ووصولها بين يدي القاضي فإن أمورا قد تطرأ عليها سواء في بدايتها أو أثناء سريانها، وهذه الطوارئ قد تتعلق بالدعوى أصلا، كما قد تتعلق بأطرافها، تؤثر في مسارها وتكون بمثابة العقبات في طريق الدعوى.

على ذلك فإن الخصومة قد تصادفها عقبات تؤدي إلى توقيف مسارها العادي أو تعديله وقد تؤدي إلى نهايتها تدعى عوارض الخصومة.

تطرق المشرع الجزائري لعوارض الخصومة في الباب السادس من ق.إ.م.إ ، وسنتطرق لها تباعا مثلما تطرق إليها هذا القانون على النحو الآتي:

أولا - ضم وفصل الخصومة:

1- ضم الخصومة:

إذا وجد القاضي ارتباط بين خصومتين أو أكثر، معروضة أمامه، جاز له ولحسن سير العدالة، ضمهما من تلقاء نفسه، أو بطلب من الخصوم والفصل فيهما بحكم واحد.

ومن شأن ذلك أن يوفر الوقت، ويسمح بتفادي صدور أحكام غير متوافقة أو حتى متناقضة، ومن أمثلة ذلك: إعادة السير في الدعوى بعد الخبرة إثر تقييد دعويين مستقلين من طرف المتخاصمين أمام نفس القاضي.                                             

على عكس ذلك لا يجوز ضم قضيتين غير مرتبطتين من حيث الموضوع ومختلفتين كأن تتعلق الأولى بموضوع التعويض عن عدم استغلال عقار زراعي بينما تتعلق الثانية بهدم وإزالة البناء المنجز عليها.

2- فصل الخصومة:

يمكن للقاضي، ولحسن سير العدالة، أن يأمر بفصل الخصومة إلى خصومتين أو أكثر. وتكون هذه الحالة أمام ذات القاضي إذا تبين له بأنه لا يمكن أن يفصل في طلبات مختلفة مقدمة ضمن ذات الدعوى، في حكم واحد مثل الفصل في المسؤولية والضمان معا، أو الإيجار ورفع الإيجار.

وتعد أحكام الضم أو الفصل من الأعمال الولائية (وليس القضائية)، وهي غير قابلة لأي طعن. وذلك كون الضم والفصل من تدابير الإدارة القضائية ولا تمسان بحقوق الخصوم.

ثانيا - انقطاع الخصومة De l’interruption de l’instance

يتمثل في واقعة تمس بالوضعية الشخصية للخصوم أو ممثليهم يترتب عنها انقطاع في الخصومة.

تنقطع الخصومة وفقا للمادة 210 من ق.إ.م.إ في القضايا التي تكون غير مهيأة للفصل للأسباب الآتية:

 أ- تغير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم؛

ب ‌- وفاة أحد الخصوم، إذا كانت الخصومة قابلة للانتقال؛

ت‌ - وفاة أو استقالة أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي، إلا إذا كان التمثيل جوازيا.

ومن أهم الأمور والأحكام التي يجب تبيانها والمتعلقة بانقطاع الخصومة ما يلي:

- هناك حالات يمكن للخصم العلم بها وحالات أخرى تخفى عنه؛

- يدعو القاضي شفاهة، بمجرد علمه بسبب انقطاع الخصومة، كل من له صفة ليقوم باستئناف السير فيها أو يختار محام جديد، ويمكنه دعوة الخصم المعني باستئناف سير الخصومة عن طريق التكليف بالحضور؛

- في حالة ما إذا لم يحضر الخصم المكلف بالحضور في إعادة السير في الخصومة، فإن القاضي يفصل في النزاع غيابيا تجاهه؛

- يعد ما تم من إجراءات وقت الانقطاع لاغيا إلا إذا اتفق الأطراف على غير ذلك؛

- لا يتأتى انقطاع الخصومة إلا إذا كانت القضية غير مهيأة للفصل فيها.

ثالثا - وقف الخصومة De la suspension de l’instance

توقف الخصومة لوقوع أحداث خارجة عن نطاق الأطراف أو ممثليهم (أي حوادث خارجية ليس لها صلة بالخصوم)، من شأنها أن تحول دون استمرار الخصومة. ومن ثم فإن حالات انقطاع الخصومة تختلف عن حالات توقف الخصومة التي حددها المشرع بموجب المادة 213 من ق.إ.م.إ التي نصت على أن الخصومة توقف بإرجاء الفصل فيها أو شطبها من الجدول. وعلى ذلك فسيتم التطرق لهاتين الحالتين بتوضيحهما تباعا، ثم التمييز بينهما فيما يلي:

1- إرجاء الفصل في الخصومة:

يكون إرجاء الفصل إما بقوة القانون مثل دعوى التزوير، وقد يكون بناء على طلب الخصوم. ويصدر القاضي أمرا بإرجاء الفصل في الخصومة، ويكون هذا الأمر قابلا للاستئناف في أجل عشرين يوما، من تاريخ النطق به (وليس تاريخ التبليغ بالأمر). (إرجاء الفصل يكون بأمر وليس بحكم).

2- شطب القضية:

نص قانون الإجراءات المدنية على إمكانية شطب القضية من الجدولة، كلما توافرت أسباب ذلك، كما نص على آثار ذلك على الخصومة، ويمكن ذكر الأحكام المتعلقة بذلك فيما يلي:

- يمكن للقاضي أن يأمر بشطب القضية، بناء على طلب مشترك من الخصوم؛

- يمكن للقاضي أيضا أن يأمر بشطب القضية كجزاء لعدم قيام الخصم بالإجراءات الشكلية المنصوص عليها في القانون، أو التي أمر بها القاضي؛

- يمكن أن يعاد السير في الخصومة ويكون ذلك بموجب عريضة افتتاح دعوى، (لدى أمانة الضبط)، بعد إثبات القيام بالإجراء الشكلي الذي كان سببا في شطبها؛

- يعد الأمر بشطب القضية من الأعمال الولائية، وهو غير قابل لأي طعن؛

- تطبق على الأمر القاضي بالشطب القواعد المتعلقة بسقوط الخصومة.

3- الفرق بين وقف الخصومة وانقطاع الخصومة:

1. وقف الخصومة يكون بسبب واقعة خارجية ليس لها صلة بالخصوم أما الانقطاع يكون بسبب واقعة تمس بالوضعية الشخصية للخصوم أو ممثليهم؛

2. توقف الخصومة تتحقق بإرجاء الفصل فيها أو شطبها من الجدول أما حالات تحقق الانقطاع عند: تغير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم، أو وفاة أحد الخصوم، إذا كانت الخصومة قابلة للانتقال، أو وفاة أو استقالة أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي، إذا كان التمثيل لازما؛  

3. في توقف الخصومة يصدر القاضي أمرا بالإرجاء، أو يأمر بشطب القضية. أما الانقطاع فلا يصدر فيها القاضي أمرا وإنما قد يصدر حكمه الغيابي في حالة عدم استئناف الخصومة من طرف المعني ولم يحضر بالرغم من تكليفه بالحضور.

رابعا - انقضاء الخصومة (De l’extinction de l’instance)

يكون انقضاء الخصومة إما تبعيا لانقضاء الدعوى أو أصليا مستقلا عنها. 

1- الانقضاء التبعي للخصومة:

الخصومة بوصفها الأداة الإجرائية للدعوى مرتبطة بها. فلا يمكن الحديث عن وجود لخصومة من دون دعوى. فإن انقضت هذه الأخيرة تبعا لذلك بالضرورة انقضاء للخصومة. وقد حددت المادة 220 ق.إ.م.إ حالات انقضاء الخصومة التي يكون سببها عدم إمكانية مواصلة السير في الدعوى. وذلك إما:  

1- نتيجة الصلح عملا بالمادة 459 من القانون المدني والتي تعتبره تنازلا من الطرفين على وجه التبادل عن حقهما؛

2- القبول بالحكم عملا بالمادة 293 من ق.إ.م.إ والتي تعتبره تنازلا من الخصوم عن ممارسة حقهم في الطعن؛

3- بالتنازل عن الدعوى عملا بالمادة 231 من ق.إ.م.إ على اعتباره إمكانية مخولة للمدعى لإنهاء الخصومة؛

4- بوفاة أحد الخصوم ما لم تكن الدعوى قابلة للانتقال. فإذا كانت الدعوى شخصية ولصيقة بالمدعى تنقضي الخصومة أما إذا كانت تتعلق بحقوق مالية للمدعى فتنتقل إلى ذوي الحقوق.

2- الانقضاء الأصلي للخصومة:

تنقضي الخصومة أصلا، بسبب سقوطها أو التنازل عنها. وفي هذه الحالات لا مانع من الاختصام من جديد، ما لم تكن الدعوى قد انقضت لأسباب أخرى. (مثل التقادم).

أ- سقوط الخصومة (De la péremption de l’instance)

أقر المشرع مجموعة من القواعد المتعلقة بسقوط الخصومة يمكن إدراج أهمها فيما يلي:  

- تسقط الخصومة عموما نتيجة تخلف الخصوم عن القيام بالمساعي اللازمة؛

- حدد المشرع الجزائري آجال سقوط الخصومة بمرور سنتين؛ تحسب من تاريخ صدور الحكم، أو صدور أمر القاضي الذي كلف أحد الخصوم القيام بالمساعي (الإجراءات التي تتَّخذ بهدف مواصلة القضية وتقدمها)؛

- تسري آجال سقوط الخصومة على أي شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا؛

- يجوز للخصوم تقديم طلب السقوط؛ إما عن طريق دعوى، أو عن طريق دفع يثيره أحدهم قبل أية مناقشة أو دفوع في الموضوع. غير أن القاضي لا يجوز له إثارة سقوط الخصومة تلقائيا؛

- في حالة ما إذا تقرر سقوط الخصومة في مرحلة الاستئناف أو المعارضة، حاز الحكم المطعون فيه بالاستئناف أو المعارضة، قوة الشيء المقضي به، حتى ولو لم يتم تبليغه رسميا؛

- ينقطع سريان أجل سقوط الخصومة بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 210؛

- يبقى الأجل ساريا في حالة وقف الخصومة، ما عدا في حالة إرجاء الفصل في القضية؛

- يسري أجل سقوط الخصومة المنصوص عليه في المادة 223 من ق.إ.م.إ، في حالة الإحالة بعد النقض، ابتداء من تاريخ النطق بقرار النقض من طرف المحكمة العليا؛

- إذا تم النطق بسقوط الخصومة يتحمل المصاريف القضائية الطرف الذي خسرها؛

- سقوط الخصومة لا يؤدي إلى انقضاء الدعوى، إنما يترتب عليه انقضاء الخصومة، ومن أهم الآثار المترتبة عن ذلك عدم الاحتجاج بأي إجراء من إجراءات الخصومة المنقضية أو التمسك به.

ب- التنازل عن الخصومة:

التنازل عن الخصومة هو إمكانية مخولة للمدعي لإنهاء الخصومة، ولا يترتب عليه التخلي عن الحق في الدعوى. ويتم التعبير عن التنازل، إما كتابيا وإما بتصريح يثبت بمحضر يحرره رئيس أمناء الضبط، غير أن تنازل المدعي يكون معلقا على قبول المدعى عليه إذا قدم هذا الأخير، عند التنازل، طلبا مقابلا أو استئنافا فرعيا أو دفوعا بعدم القبول أو دفوعا في الموضوع. وفي هذه الحالة يجب أن يؤسس رفض المدعى عليه التنازل على أسباب مشروعة.

يعتبر التنازل عن المعارضة أو الاستئناف، قبولا بالحكم. ولا ينتج التنازل أثره إذا عارض أو استأنف أحد الخصوم الحكم لاحقا.

3- التمييز بين الانقضاء الأصلي والانقضاء التبعي للخصومة:

أ- الفرق بين الانقضاء الأصلي والانقضاء التبعي للخصومة: 

يكمن الفرق بين الانقضاء الأصلي والانقضاء التبعي للخصومة في أن الأول يعني أن الخصومة هي التي انقضت لسبب من أسباب انقضائها بصفة أصلية، بينما الثانية تعني بأن الخصومة انقضت ليس لسبب ذاتي (أصلي)، وإنما تبعا لانقضاء الدعوى المرتبطة بها. كما أن حالات الانقضاء الأصلي والتبعي مختلفة؛ فحالات الانقضاء الأصلي هي التنازل والسقوط أما حالات الانقضاء التبعي فهي الصلح وقبول الحكم والتنازل عن الدعوى ووفاة أحد الخصوم في حالة ما كانت الدعوى غير قابلة للانتقال، كذاك الانقضاء الأصلي لا يعني بالضرورة بأن النزاع قد انتهى والحق في الدعوى مكفول لذلك قد تتحرك خصومة جديدة، بينما الانقضاء التبعي يعني بالضرورة بأن الدعوى انتهت والخصومة كذلك والنزاع أيضا ما يعني عدم ولادة خصومة جديدة لذات الدعوى.

ب - المقارنة بين "الانقضاء التبعي للخصومة" و"الانقضاء الأصلي للخصومة" في ق.إ.م.إ:

- أوجه الشبه:

كلا من الانقضاء التبعي للخصومة والانقضاء الأصلي للخصومة مـن عـوارض الخصومة أين تنقضي الخصومة.

- أوجه الاختلاف:

- الانقضاء التبعي للخصومة يتحقق لما تنقضي الخصومة تبعيا بسبب انقضاء الدعوى، أما الانقضاء الأصلي للخصومة فهو غير مرتبط بانقضاء الدعوى وإنما لسبب مرتبط بالخصومة ذاتها؛

- حالات الانقضاء التبعي للخصومة هي الصلح، وقبول الحكم والتنازل عن الدعوى، ووفاة أحد الخصوم في الحقوق غير قابلة للانتقال، بينما حالات الانقضاء الأصلي للخصومة هي سقوط الخصومة والتنازل عن الخصومة؛

- الانقضاء التبعي للخصومة يعني بأن النزاع انقضى كون الدعوى أصلا انقضت ،بينما الانقضاء الأصلي للخصومة لا يعني بالضرورة بأن النزاع انقضى وذلك في حالة بقاء الدعوى موجودة أين يمكن أن تولد خصومة جديدة في ذات الدعوى.

المرجع:

  1. د. جرمون محمد الطاهر، محاضرات في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لطلبة السنة الثانية حقوق، جامعة الشهيد حمه لخضر بالوادي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2017-2018، ص58 إلى ص74. 
google-playkhamsatmostaqltradent