إجراءات المتابعة الجزائية لجرائم الفساد

إجراءات المتابعة الجزائية لجرائم الفساد

إجراءات المتابعة الجزائية لجرائم الفساد

حرص المشرع الجزائري على الصعيد الإجرائي، بتعديل قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 06/22 الصادر في 20/12/2006، وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06/01 المؤرخ في 20 فيفري 2006، فقد أجازت المادتين 65 مكرر 5 و56 منه استخدام أساليب تحري خاصة، وذلك بغية وضع منظومة إجرائية جزائية لمكافحة الفساد. 

كما فعل المشرع الجزائري مضمون اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بإنشاء مؤسسات وطنية في هذا المجال، حيث نص المشرع على إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والديوان المركزي لقمع الفساد يتكون من ضباط وأعوان الشرطة القضائية أولاه المشرع أهمية كبرى في هذا المجال تتماشى والتأثير الكبير لجرائم الفساد على المجتمع، وعليه سنتعرض لها فيما يلي: 

المطلب الأول: مراحل المتابعة الجزائية لجرائم الفساد 

تعتبر جرائم الفساد من الجرائم التي طالتها حركة الإصلاح، نظرا لقصور قواعد القانون الجنائي التقليدي في توفير الحماية الكافية للمجتمع من خطورة هذا الإجرام ذو الطبيعة الخاصة، فلا مجال أمام المشرع للتأخر عن مواكبة التطور الإجرامي الحاصل ،إلا بتحديث المنظومة القانونية بتشريع جزائي متميز، وهو قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، بآليات خاصة تخرج عن المبادئ العامة للإجراءات الجزائية أحيانا في مراحل المتابعة الجزائية احتواء لخطورة الوقائع الإجرامية بوتيرتها المتسارعة، مما دفع بالتضحية ببعض الثوابت الدستورية والقانونية، أبرزها احترام حقوق الإنسان، الأمر الذي للبحث في خصوصية أحكام المتابعة الجزائية في مرحلة البحث والتحري وتحريك الدعوى وكذا خصوصية أحكام المتابعة في مراحل التحقيق القضائي والمساءلة عن جرائم الفساد في التشريع الجزائري فيما يلي:

الفرع الأول: البحث والتحري عن جرائم الفساد المالي 

يعتبر جهاز الضبط القضائي مؤهل للقيام بعملية البحث والتحري عن جرائم الفساد المقررة في قانون العقوبات والقوانين المتعلقة به، وتعد هذه المهمة من أهم الواجبات المنوطة بالضبط القضائي بحيث سنتعرض لاختصاصات ضباط الشرطة القضائية، كما أن المشرع الجزائري أحدث مصلحة مركزية تكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد. 

يقصد بإجراءات المتابعة القضائية تلك الشكليات القضائية المتبعة في الدعوى العمومية المتبعة التي تنشأ عن ارتكاب جريمة من جرائم الفساد، وتحرك من طرف سلطات قانونية وقضائية مختصة لتطبيق العقوبات المقررة لها. 

ورغم أن إجراءات المتابعة وملاحقة جرائم الفساد تخضع للقواعد العامة للمتابعة في جرائم القانون العام والمقررة في قانون الإجراءات الجزائية، وهذا ابتداء من ارتكاب الجريمة إلى تحريك الدعوى العمومية  وإجراءات التحري الأولية والتحقيق الابتدائي وانتهاء بالمحاكمة إلا أنه وفي إطار تدعيم النظام الإجرائي في مكافحة الفساد، أضفى المشرع الجزائري حماية خاصة لإجراءات المتابعة القضائية منها مواجهة أفعال إعاقة سير العدالة وتجريمها وٕإضفاء حماية خاصة لإجراءات المتابعة القضائية، ومنها مواجهة أفعال سير العدالة وتجريمها وٕإضفاء حماية خاصة بالشهود والخبراء والمبلغين والضحايا وتشجيع الإبلاغ عن جرائم الفساد، كما أعاد المشرع النظر في بعض القواعد المتعلقة بالمتابعة ومنها مسألة الشكوى لتحريك الدعوى العمومية ومسألة التقادم وأزال بعض العقبات أمام الملاحقة الجزائية.

تكون إجراءات التحقيق والتحري سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وذلك دون الإضرار بحقوق الدفاع، وكل شخص يساهم في هذه الإجراءات عليه الالتزام بكتمان السر المهني طبقا للشروط الواردة في قانون العقوبات وتحت طائلة تطبيق العقوبات المقررة فيه.

غير أنه تفاديا لانتشار معلومات غير كاملة أو غير صحيحة أو لوضع حد للإخلال بالنظام العام ،يجوز لممثل النيابة العامة أو لضابط الشرطة القضائية بعد الحصول على إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أن يطلع الرأي العام بعناصر موضوعية مستخلصة من الإجراءات على إلا تتضمن أي تقييم للأعباء للتمسك بها ضد المتورطين مع مراعاة قرينة البراءة وحرمة الحياة الخاصة. 

كما تخضع إجراءات التحري والمتابعة للقواعد الخاصة الواردة في قانون مكافحة الفساد والوقاية منه وذلك من أجل تسهيل جمع الأدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها بحيث يمكن اللجوء إلى التسليم المراقب أو إتباع أساليب تحر خاصة كالترصد الالكتروني والاختراق وفق ما يتناسب والهدف المبتغى وذلك بالحصول على السلطة القضائية المختصة، وتكون للأدلة المتوصل إليها بهذه الأساليب حجيتها وفق التشريع والتنظيم المعمول بهما. 

أولا: تشكيلة الضبطية القضائية

الضبطية القضائية هي مؤسسة يمنح القانون لأعضائها سلطة جمع الأدلة والبحث والتحري وما يترتب عن ذلك من إجراءات في كافة الجرائم سواء كانت منصوص عليها في قانون العقوبات أو قوانين أخرى كقانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته وٕإلقاء القبض على مرتكبيها، ويعد ضباط الشرطة القضائية في التشريع الجزائري والذين يتمتعون بهذه الصفة كما نصت عليه المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 15/02، وهم: 

- رؤساء المجالس الشعبية البلدية. 

- ضباط الدرك الوطني ومحافظو الشرطة وضباط الشرطة وذوي الرتب في الدرك ورجال الدرك ومفتشوا الأمن الوطني وضباط الصف التابعين للمصالح العسكرية. 

وهناك بعض أعوان الدولة مكلفين ببعض مهام الضبط القضائي والمشار إليهم في المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية كرؤساء الأقسام والمهندسين وأعوان الجمارك … الخ.  

وطبقا لنص المادة 27 من قانون الإجراءات الجزائية، فإن المشرع الجزائري قد أضفى صفة الضبطية القضائية على بعض الموظفين كأعوان الإدارات والمصالح العمومية. وفي اطار البحث عن جرائم الفساد، فإن أن المشرع قد سن نصوصا خاصة فيُ إطار تدعيم الآليات القانونية المتخصصة لضمان مكافحة الفساد، وهم: الضباط التابعين للديوان المركزي لقمع الفساد بموجب الأمر رقم 05 / 01 الذي يتمم القانون رقم 01 / 06 المتعلق استحدث المشرع الجزائري هذا الديوان بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث نصت المادة 24 مكرر منه على: "ينشأ ديوان مركزي لقمع الفساد، يكلف بمهمة البحث والتحري عن جرائم الفساد"، وهو عبارة عن مصلحة مركزية عملياته للشرطة القضائية".

ويتشكل من ضباط من الشرطة القضائية الذي يمتد إختصاصهم المحلي في جرائم الفساد والجرائم المرتبطة بها إلى كامل الإقليم الوطني كما هو الحال بالنسبة للإختصاص المحلي المقرر لضباط الشرطة القضائية أثناء معاينة جرائم المخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف. 

فالديوان مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية يكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد، يوضع لدى الوزير المكلف بالمالية ويعد غير مستقل ماليا بدليل أن المدير العام يعدّ ميزانية الديوان ويعرضها على موافقة وزير المالية هذا الأخير هو الذي يملك سلطة الأمر بالصرف في هذا المجال أما المدير فهو آمر ثانوي بصرف ميزانية الديوان.

كما أن أعضاء الديوان يخضعون أثناء ممارسة مهامهم لنوعين من التبعية فهم تحت رقابة وٕإشراف القضاء من جهة، ويخضعون لوزير المالية من جهة أخرى وهذا كله لا يسمح للديوان من القيام بالمهمة المسندة إليه على أحسن وأكمل وجه بإعتبار أن هذا الجهاز غير مستقل، في حين أن التصدي لأعمال الفساد وردعها تتطلب نوعا من الإستقلالية للنهوض بها.  

ثانيا: سلطات وصلاحيات ضباط الشرطة القضائية في جرائم الفساد 

إن للدعوى الجزائية مرحلتين هما: التحقيق الابتدائي والمحاكمة، ولكن قد يسبق التحقيق الابتدائي أعمال تمهيدية استقصائية، قد تغني عن التحقيق الابتدائي عندما لا يكون وجوبيا وهذه هي مهمة الضبطية القضائية.

ويقصد بالبحث والتحري هو إتخاذ الإجراءات اللازمة التي توصل رجل الضبطية القضائية إلى معرفة مرتكب الجريمة متى وصل إلى علمه إرتكابها سواء عن طريق البلاغ، أو الشكوى، أو من تلقاء نفسه، أو بناءا على أمر من السلطة القضائية بناءا على نص المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية.  

هناك واجبات حددها المشرع على مأموري الضبط القضائي وهذه الواجبات مفروضة عليهم ليس باعتبارهم من أعضاء سلطة التحقيق، وٕإنما باعتبار وظيفتهم الأساسية في التحري وجمع الاستدلالات كهذه الواجبات هي:

يخبر ضباط الشرطة القضائية فوار وكيل الجمهورية الذي وقعت الجريمة في دائرة اختصاصه ويبلغونه بأصل محضر التحقيق ونسختين منه، وفور تلقيه المحضر يرسل وكيل الجمهورية نسخة منه إلى النائب العام لدى القضائي التابعة له المحكمة ذات الاختصاص المحلي.  

الانتقال إلى مكان ارتكاب الجريمة، ومعاينته واثبات الحالة وتحرير محاضر بأعمالهم يتم فيها تدوين كلا لأعمال التي قاموا بها وسماع أقوال المشابه فيهم.

كما تنص المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية ،على أنه: "يقوم ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الابتدائية بمجرد علمهم بوقوع الجريمة إما بناءا على تعليمات وكيل الجمهورية وإما من تلقاء أنفسهم"، وهو ما يعني أن البحث والتحري اختصاص أصيل لجهاز الضبط القضائي ويسمح بجمع الأدلة والقرائن على اختلاف أنواعها من أوجه الإثبات، بغرض إسناد الجريمة إلى مرتكبيها وكلما تمت عملية البحث والتحري في أجال قريبة من وقوع الجريمة، كانت الأدلة واضحة.  

كما أن المشرع عزز مكانة الضبطية القضائية أثناء البحث والتحري عن الجرائم بموجب نص المادة 47 في فقرتها الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية، والتي سمحت لضباط الشرطة القضائية بالتفتيش والمعاينة الذي يشمل تفتيش المساكن أو الأشخاص أو المتاع بهدف الكشف عن الجريمة أو جسمها أو مرتكبيها في كل ساعة من ساعات النهار أو الليل وهذا بعد الحصول على الإذن من وكيل الجمهورية المختص عندما يتعلق الأمر بالجرائم المحددة في نص المادة المذكورة أعلاه والمتمثلة في جرائم المخدرات، أو الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب وكذا الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف. 

كما أنه يجوز لضباط الشرطة القضائية إتخاذ إجراء التوقيف للنظر في حالة التحقيقات الخاصة بحالة التلبس والخاصة بالأشخاص المنصوص عليها في المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية، ويجب تبليغ الشخص المعني بالقرار وٕإطلاع وكيل الجمهورية بذلك وتقديم تقرير يبين فيه دواعي التوقيف ولا يجوز أن تتجاوز المدة 48 ساعة من التوقيف، ويمكن تمديدها بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية ثلاث مرات إذا تعلق الأمر بالجرائم المذكورة أعلاه من غير جرائم الفساد مع العلم أن معظم جرائم الفساد ترتكب أثناء تأدية الوظيفة.  

كما يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يضع تحت تصرف الشخص الموقوف للنظر كل وسائل الإتصال بأحد أصوله أو فروعه أو إخوته أو زوجته بحسب إختياره أو الإتصال بمحاميه، أما في حالة ما إن كانت التحريات تتعلق بجرائم الفساد المتلبس بها يمكن للموقوف تحت النظر الإتصال بالمحامي بعد إنقضاء نصف المدة القصوى المنصوص عليها في المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية ،بحيث عند الرجوع إلى نص هذه المادة والتدقيق فيها نجد أنها لم تنص على تمديد آجال التوقيف للنظر بالنسبة لجرائم الفساد، أمّا بالنسبة للتحقيق الإبتدائي، فإن المادة 65 والتي نصت صراحة على إمكانية تمديد المدة الأصلية للتوقيف للنظر بإذن كتابي من وكيل الجمهورية ثلاث مرات إذا تعلق الأمر بجرائم الفساد وهذا لخطورتها، كما تطبق الأحكام العامة في آجال التوقيف للنظر خلال 48 ساعة ويستفاد الموقوف في هذه الجرائم من زيارة أحد الأقارب أما المحامي فلا يمكن زيارته إلا بعد مرور ثلاثة أيام وهي نصف المدة القصوى للتوقيف للنظر.  

إضافة لتوسيع الاختصاص المحلي لأعضاء النيابة العامة، لتسهيل قمع جرائم الفساد، خروجا عن القواعد العامة للاختصاص الإقليمي الوارد في المادة 32 من قانون الإجراءات الجزائية، قرر المشرع تمديد اختصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم، وذلك في إطار الجرائم الواردة في الفقرة الثانية من نفس المادة، في إطار إنشاء أقطاب جزائية متخصصة، فإنه خص في نفس السياق النيابة العامة بقواعد متابعة خاصة، تمس مباشرة الدعوى العمومية.  

على غرار توسيع الاختصاص الإقليمي للشرطة القضائية الوارد في المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية بالنسبة لحالة الاستعجال وٕإذا طلب ذلك القاضي المختص قانونا، يمتد اختصاص الشرطة القضائية إذا ما تعلق الأمر بجرائم الفساد في إطار ما حددته المادة 16/7 من قانون الإجراءات الجزائية من جرائم متعلقة بالمخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، تبييض الأموال، الإرهاب، التشريع الخاص بالصرف، إلى كافة دوائر اختصاص الإقليم الوطني، إضافة إلى خرق القواعد العادية الضابطة لإجراء التوقيف للنظر، بتجاوز المدة الأصلية المحددة ب 48 ساعة، مرة واحدة في الجرائم المتعلقة بالاعتداء على أمن الدولة و 3مرات في جرائم المتاجرة بالمخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية وجرائم تبييض الأموال والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، وخمسة مرات بالنسبة للجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية  وتخريبية إن تمديد الاختصاص المحلي حسب المادة 24 مكرر 1 المدرجة في قانون الفساد إثر تعديله بموجب الأمر 10/05 التي تقضي بخضوع جرائم الفساد لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد طبقا لأحكام

قانون الإجراءات الجزائية ،وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا لوضعية شاذة كانت تتميز باستبعاد جرائم الفساد من قائمة الجرائم الخاصة التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد. 

وبالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية، نجد أن المواد من 40 إلى 40 مكرر 4 منه رسمت مسار الجرائم التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد كالتالي:

وطبقا للتعديل الذي مس قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، أصبح ضباط الشرطة القضائية التابعين للديوان المركزي لقمع الفساد، يمارسون اختصاصهم المحلي في جرائم الفساد كالجرائم المرتبطة بها، أي كامل الإقليم الوطني.

ولكن الإجراء لا يستفيد منه باقي ضباط الشرطة القضائية، التابعين للمصابّ كالهيئات الأخرى، كالذي يخضعون للقواعد العامة للاختصاص المحلي الوارد في قانون الإجراءات الجزائية.

لذا خص المشرع الجزائري في القانون 06/22 الضبطية القضائية باختصاص إقليمي يشمل كافة التراب الوطني معزاز صلاحيتها بأحكام جديدة. فقد مدد الاختصاص الإقليمي لنشاط الضبطية القضائية، ليشمل كامل إقليم الوطن مع إشراك أعوان الضبطية القضائية مسؤولية ضباط الشرطة القضائية في عملية التحري والتحقيق ،ومدة التوقيف للنظر وترخيص استعمال القوة في إحضار الأشخاص. ..إلخ.

إن هذا التمييز بين ضباط الشرطة القضائية التابعين للديوان كالآخرين التابعين لأجهزة أخرى يتناسب وسياسة مكافحة الفساد التي أعلنها المشرع وتبناها، ذلك أن متابعة جرائم الفساد تتطلب فعالية وحركية تقتضي تسهيل إجراءات المتابعة لجميع ضباط الشرطة القضائية دون أي تمييز بينهم، ومن هنا نجد أنه لا يوجد أم مبرر عملي من وراء استثناء فئة دون الأخرى من تمديد الاختصاص المحلي.

وعليه، حبذا لو يقوم المشرع الجزائري بتمديد الاختصاص المحلي لكل ضباط الشرطة القضائية العاديين إلى كامل البَاب الوطني في جرائم الفساد أسوة بالجرائم الواردة في المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية.

والجدير بالذكر أن كل من القانون 04/22 في المادة 16، قد استثنى جرائم الفساد من ضمن الجرائم التي يتم فيها تمديد الاختصاص المحلي للضبطية القضائية إلى كامل التراب الوطني، إلا أنه تدارك الأمر بعد أربعة سنوات في المادة 24 مكرر 1 ف 03 من الأمر 10/15 مدد الاختصاص المحلي لضباط الشرطة القضائية التابعين للديوان في جرائم الفساد ،والجرائم، إلى كامل الإقليم الوطني، على غرار الاختصاص المحلي المقرر لضباط الشرطة القضائية المرتبطة في محاربة جرائم المخدرات وباقي الجرائم الخطيرة الأخرى. 

وحتى التفتيش خص بنوع من الخصوصية في جرائم الفساد، فلا يلزم فيه حضور المتهم، ودون التقيد بالميقات القانوني في ذلك، إذ يجوز إجراءه ليلا ونهارا، انتهاكا للحق في الخصوصية، لكن ما هو أساس تمتع جرائم الفساد بهذه الخصوصية؟ ،وهل تدخل ضمن فئة الجرائم المحددة في نص المادة 37 من قانون الإجراءات الجزائية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ حضر القياس في قواعد القانون الجنائي؟

فبالرغم من عدم النص صراحة على جرائم الفساد في فحوى المادة، إلا أنها تحظى بذات الأحكام الخاصة بتلك الجرائم لسببين، فحوى السبب الأول اعتبار جريمة تبييض الأموال والعائدات الإجرامية ضمن جرائم الفساد، مع حتمية ارتباطها هي الأخرى بجرائم فساد مماثلة، لأن ناتج تبييض الأموال عادة ما يكون جرائم إختلاس أو رشوة، ويشترط الفقه لتطبيق الاستثناءات عليها، عدم تحقق فرص العقاب على الجرائم الأصلية مصدر جريمة تبييض الأموال بسبب التقادم أو إصدار أمر الحفظ أو وفاة المتهم أو صغر السن.

أما السبب الثاني الذي يدعو لتطبيق الإجراءات الاستثنائية بشأن جرائم الفساد، هو احتمالية قيام إحدى هذه الجرائم في صورة الإجرام المنظم، متى ارتكبت في أكثر من دولة، أو متى تم التخطيط في دولة معينة  وتم التنفيذ في دولة أخرى، خاصة وأن المشرع الجزائري، لم يحدد لنا فئة الجرائم التي يجوز اعتبارها منظمة، وهو ما يبرر استعمال هذه الصلاحيات الاستثنائية في هذا الإطار الضيق فقط وليس في كل جرائم الفساد، فقط ما أردنا إثارته في هذا المقام، هو أن تمديد الاختصاص والصلاحيات في هذا الفرض، يمس بقاعدة "التبعية التدرجية للشرطة القضائية وضوابط الإشراف عليها"، لأن المفروض من يشرف على أعمال الشرطة القضائية، هو وكيل الجمهورية المتواجد بدائر اختصاص العمل الأصلي، لكن على إثر تمديد الاختصاص لدواعي التحري عن جرائم الفساد، فإن الشرطة القضائية تصبح تتلقى الأوامر  والتعليمات مباشرة من وكيل الجمهورية التابع للمحكمة المختصة التي وسع الاختصاص إليها.  

ثالثا: إجراءات متابعة جرائم الفساد

إذا وجد النائب العام لدى المجلس القضائي التي تقع باختصاصه المحكمة ذات الاختصاص الموسع بأن الإجراءات متعلقة بالجرائم المذكورة بالمادة 37 من قانون الإجراءات، فله أن يطالب بالإجراءات في جميع مراحل سير الدعوى.

وفي حالة فتح تحقيق قضائي فإن قاضي التحقيق يصدر أمرا بالتخلي عن الإجراءات لصالح قاضي التحقيق لدى المحكمة المختصة المذكورة في المادة 40 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، بمعنى أن الإجراءات المتعلقة بالدعوى العمومية والتحقيق والمحاكمة تطبق أمام الجهات القضائية التي تم توسيع اختصاصها المحلي.

ولقد نصت المادة 40 مكرر 42 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه": يطالب النائب العام بإجراءات فوار إذا اعتبر أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة المذكورة في المادة 40 مكرر من هذا القانون ،وفي هذه الحالة يتلقى ضباط الشرطة القضائية العاملون بدائرة اختصاص هذه المحكمة التعليمات مباشرة من وكيل الجمهورية لدى هذه الجهة القضائية." 

بمعنى أن ضباط الشرطة القضائية يتلقون التعليمات مباشرة من وكيل الجمهورية في حالة ما إذا طالب النائب العام بإجراءات فوار، عند اعتباره أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة المذكورة في المادة 40 مكرر، من قانون الإجراءات الجزائية.

ومن خلال المادتين المذكورتين نستنتج أن المشرع أوجد إجراءا قانونيا لإخطار الأقطاب الجزائية المتخصصة، بالجرائم محل اختصاصا وأسماه المطالبة بالإجراءات.

ويعتبر إجراءا قضائيا مرتبطا بتسيير الدعوى العمومية.

ومما سبق نستنتج أن الاختصاص الموسع لوكيل الجمهورية يكمن في إجازة المطالبة بالإجراءات أثناء جميع مراحل سير الدعوى إذا تعلق الأمر بالجرائم المذكورة في المادة 37 في فقرتها الثالثة، وجرائم الفساد وذلك عبر كامل التراب الوطني. 

كما أورد المشرع في المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية الاختصاص الموسع المحلي لقاضي التحقيق وذلك كلما تعلق الأمر بالتحقيق بالجرائم المذكورة بالمادة 37 و40 من القانون 04/14، حيث يصبح لقاضي التحقيق التابع لهذه المحكمة اختصاص إقليمي المؤرخ في 10 /11/2004 يتجاوز اختصاصه العادي، إذ يمكن التنقل أو انتداب أي ضابط شرطة قضائية للقيام بمهام متعلقة بالتحقيق في الجرائم الخطيرة كجرائم الفساد، إذ جاء في نص المادة 40 ف 2 من ق إج...":يجوز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى عن طريق التنظيم.".

وبناءا على ما سيق ذكره حول الاختصاص الموسع لوكيل الجمهورية وقاضي التحقيق وتوسيع بعض الجهات القضائية عن طريق التنظيم يتضح أن المشرع كان يصبو من وراء ما استحدثه إلى غرض مكافحة الجرائم الخطيرة التي أصبح من الصعب اكتشافها. 

وبالرجوع إلى القانون المتعلق بالفساد ومكافحته نصت المادتين 15 ف1 و46 على التجميد والحجز والمصادرة كأحكام إجرائية تلجأ إليها الجهات القضائية أو السلطات المختصة باعتبارها إجراءات مؤقتة تتخذ أثناء سير الدعوى العمومية، بخصوص العائدات والأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة أو أكثر من جرائم الفساد.  

هذا الإجراء بموجب قرار أما السلطة المختصة فيكون لها حق ويكون للجهات القضائية القيام الأمر بالإجراء التحفظي وفي هذا نبين السلطة المختصة والممثلة في مصالح الشرطة القضائية، وخلية معالجة المعلومات المالية، في صورة ما إذا ارتبطت جريمة تبيض الأموال أو اقترنت أو تحققت حالة التعدد الصوري للجريمة، وتجدر الاشارة إلى أن التجميد والحجز والمصادرة اتفاقية الامم المتحدة في المادة 31.

أما عن الأحكام الإجرائية الخاصة بمرحلة التحقيق الإبتدائي: بالإضافة إلى توسع الاختصاص المحلي لقضاة التحقيق من أجل مكافحة الفساد، استحدث المشرع في مرحلة التحقيق القضائي، آليات خاصة تبرز في كل مرة تفوق مقتضيات السلطة على مقتضيات الحرية الفردية، خروجا نوعا ما عن مبدأ الموازنة بين الفرضين، تضحية بعدة حقوق تكفلها النصوص الدستورية للأفراد، وأهمها الحق في الخصوصية  والتمتع بمبدأ قرينة البراءة، أما في مرحلة التحقيق القضائي النهائي، فهي الأخرى قد حظيت بنوع من الخصوصية، نتطرق لهذين المرحلتين باختصار شديد.

فقد رخص القانون 06/01 للنيابة العامة وقاضي التحقيق، صلاحية اللجوء- لأساليب تحري وتحقيق خاصة كتقنيات حديثة تستعملها الشرطة القضائية، تحت إشراف  ومراقبة الجهات القضائية، دون علم ورضا الأشخاص المعنيين بها، كالتسليم المراقب والترصد الإلكتروني والاختراق حتى وٕإن لاقت هذه

التقنيات عديد الانتقادات لتصادمها مع المشروعية لأنها تنتهك حق السر والخصوصية، لما تتسم به من طابع السرية، هو ما سنحاول التطرق إليه في جزئين، نخصص الأول لتوسيع الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق، في حين نخصص الثاني لدراسة أساليب البحث والتحري الخاصة، وذلك كما يلي: 

1. توسيع اختصاص قضاة التحقيق في جرائم الفساد

الأصل في اختصاص قاضي التحقيق أنه يمارس عملية التحقيق وفق القواعد المحددة في المادة 40 من قانون الإجراءات الجزائية وهي: مكان وقوع الجريمة أو محل إقامة أحد المساهمين فيها أو محل القبض على أحدهم ولو حصل القبض لسبب آخر، لكن التحقيق في جرائم الفساد يستدعي الخروج عن القواعد المتقدمة، وفق ما حدده المرسوم التنفيذي 06/348 السابق الإشارة إليه، الذي مدد الاختصاص الإقليمي لكل من قضاة التحقيق لمحكمة سيدي محمد، قسنطينة وورقلة ووهران، لكن أحيانا يصبح اختصاص قاضي التحقيق وطنيا، يفوق ما حدده هذا المرسوم التنفيذي وذلك إذا كانت جرائم الفساد على شكل تبييض أموال أو جريمة منظمة، الأمر الذي يترتب عليه، إلزامية إصدار قاضي التحقيق المختص وفق القواعد العامة أمرا بالتخلي لفائدة قاضي التحقيق ذو الإختصاص الموسع، وتثار في هذه الفرضية كذلك نفس الإشكالية المتعلقة باختلال قواعد الإشراف والتبعية.

2. الكشف عن جرائم الفساد بأساليب التحري الخاصة في القانون الجزائري

إن جميع الأحكام الموضوعية ومهما تغير التشريع سواء الجزائي أو المدني تبقى جسما قانونيا غير قادر على إنتاج أثاره القانونية التي شرع من أجلها وغالبا ما يعلق فقهاء القانون على الأحكام الموضوعية التي لم يشرع لها أحكام إجرائية لتفعيلها بالقول أن النص أو القاعدة القانونية ولدت ميتة، ولهذا لم تبقى الجزائر بمعزل عن الحركية الدولية المتعلقة بإجراءات مواجهة الفساد، وانضمت إلى جميع الاتفاقيات المناهضة للفساد بغرض تكامل أفضل وتعاون أنجع في هذا المجال، فقد صادقت الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04-128 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 

كذلك، يلاحظ أنّ الجزائر كانت حاضرة على المستوى العالمي، إلا أنها كانت أكثر حضورا على الصعيد القاري، وذلك بمشاركتها الفعالة في بلورة إستراتيجية إفريقية لمكافحة الفساد، فبموجب المرسوم الرئاسي رقم 06 -137 صادقت على اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته المعتمدة في مابوتو بتاريخ 11 يوليو 2003. 

ولم تكتفي الجزائر بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، بل ترجمت التزاماتها الدولية بتبنيها لقانون خاص يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، إذ قام المشرع الجزائري باستحداث النص التشريعي المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بموجب القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20 فيفري 2006. 

أما على الصعيد الإجرائي، تم تعديل قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 06/22 الصادر في 20/12/2006، وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06/01 المؤرخ في 20 فيفري 2006، فقد أجازت المادة 56 منه استخدام أساليب تحري خاصة تتمثل في التسليم المراقب ،الاختراق والترصد الالكتروني ،لذلك لابد من شرح هذه الأساليب، وكيف يمكن التوفيق بين هذه الأساليب التي تتم خلسة وما تحمله من معنى الاعتداء على الحريات والحقوق الخاصة للأفراد، خاصة إذا علمنا أن الحرية الخاصة للأفراد وسرية المراسلات مضمونة دستوريا. 

ومن أجل تفعيل إستراتيجية البحث والتحري وجمع الأدلة، نص المشرع على إنشاء ديوان مركزي لقمع الفساد يتكون من ضباط وأعوان الشرطة القضائية أولاه المشرع أهمية كبرى في هذا المجال تتماشى والتأثير الكبير لجرائم الفساد على المجتمع. 

وعليه سنتعرض إلى مدلول أساليب التحري الخاصة في قانون مكافحة الفساد الجزائري، ثم نشير إلى ضوابط وشروط اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة في جرائم الفساد. 

أ- مدلول أساليب التحري الخاصة في قانون مكافحة الفساد الجزائري 

جعل المشرع الجزائري من اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، أهم الأساليب المستخدمة للكشف عن جرائم الفساد، جاء تنظيمها في إطار الفصل الرابع من قانون الإجراءات الجزائية تحت عنوان "اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور"، ونظرا لأهمية هذه الوسائل ستتناول كل أسلوب على حدى، على النحو التالي: 

التحري بواسطة أسلوب اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور 

مكن المشرع الجزائي ضابط الشرطة القضائية من صلاحية اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، وهي من أهم الأساليب المستحدثة بموجب القانون 06/22 المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06/01، وعليه سنتولى تعريفها قصد الوقوف على إطارها العام على النحو التالي:

1. تعريف اعتراض المراسلات 

يعرف اعتراض المراسلات بأنه عملية مراقبة سرية للمراسلات السلكية واللاسلكية في إطار البحث والتحري عن الجريمة وجمع الأدلة أو المعلومات حول الأشخاص المشتبه في ارتكابهم أو مشاركتهم في ارتكاب الجريمة، أما عن المشرع الجزائري فقد تحدث عن اعتراض المراسلات في نصوص المواد من 65 مكرر 05 حتى المادة 65 مكرر 01 من قانون الإجراءات الجزائية، لكنه لم يورد تعريفا صريحا عن مفهوم اعتراض المراسلات. 

في المقابل، عرفته بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الأمريكي والكندي والانجليزي، فقد عرف الباب الثالث من القانون الفدرالي الأمريكي لسنة 1968، إعتراض المراسلات على أنها الاكتساب السمعي عن طريق السمع لمحتويات أية أسلاك أو أية اتصالات شفوية عن طريق استخدام جهاز الكتروني أو ميكانيكي أو أي جهاز أخر وبصفة عامة؛ فإن أي جهاز يمكن استعماله لتسجيل الاتصالات يقع ضمن ما يقصده القانون.

كما عرف قانون حماية الخصوصية الكندي لسنة 1973 المراقبة بأنها الاستماع أو تسجيل أو اكتساب المادة التي تعني أو يفهم منها ذاك ويجب أن تتم المراقبة عن طريق أجهزة الكترونية أو سمعية أو ميكانيكية أو أي أجهزة أخرى". 

أما قانون مراقبة الاتصالات الانجليزي لسنة 1985، فإنه عملا بالمادة 8 منه يقصد بالمراقبة استماع إلى الاتصالات، وقد درج الفقه على التمييز بين الأجهزة التي تستخدم في التنصت على المكالمات التلفونية والأجهزة التي تستخدم في قياس المحادثات التلفونية. 

وعليه يمكن تعريف اعتراض المراسلات على أنها إجراء تحقيق يباشر خلسة وينتهك سرية الأحاديث الخاصة تأمر به السلطة القضائية في الشكل المحدد قانونا بهدف الحصول على دليل غير مادي لجريمة تحقق وقوعها ويتضمن من ناحية استراق السمع إلى الحديث ومن ناحية أخرى حفظه على الأشرطة عن طريق أجهزة مخصصة لهذا الغرض. 

وبالتالي، اعتراض المراسلات هو وسيلة وسائل التحري الحديثة تستخدمها الضبطية القضائية في مواجهة الإجرام الخطير بنا في ذلك جرائم الفساد عن طريف وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وتأمر بها الجهات القضائية المختصة وتحت رقابتها المباشرة وتستهدف عملية استراق السمع خلسة وتسجيل الأصوات من أجل الحصول على دليل لجريمة تحقق وقوعها أو الشروع فيها. 

2. تعريف تسجيل الأصوات 

تسجيل الأصوات هو تلك العملية التقنية التي يتم بواسطتها مراقبة وتسجيل المحادثات الشفوية التي يتفوه بها شخص أو عدة أشخاص بصفة سرية في مكان خاص أو عام، فيتم عن طريق وضع رقابة على الهواتف وتسجيل الأحاديث التي تتم عن طريقها، كما يتم أيضا عن طريق وضع ميكروفونات حساسة تستطيع التقاط الأصوات وتسجيلها على أجهزة خاصة، وقد يتم أيضا عن طريق التقاط إشارات لاسلكية أوإذاعية. 

لا شك أن هذه الإجراءات الحديثة أشد وطأة او تأثيرً على الحياة الخاصة، بما قد لا يتوافر في وسائل التحري التقليدية، لذا أحاط المشرع هذه الإجراءات بضمانات الأمر الذي يدعونا إلى القول أن هذه الإجراءات تعد تفتيشا لكن من نوع خاص. 

قد تبدو هذه الأفعال في ظاهرها متناقصة مع تلك النصوص العقابية المقررة لحماية الحق في الخصوصية المنصوص عليها في المادتين 303 مكرر و303 مكرر1 من قانون العقوبات الجزائري، إثر تعديله بقانون رقم 06-23، لذا يدفع هذا الأمر إلى البحث عن الأحكام القانونية الضابطة لهذه الأساليب الجديدة في التحري، حتى لا تحدث تعارضا مع الحق في الخصوصية. 

ب. أسلوبي التسرب والتسليم المراقب

التسرب وسيلة من وسائل التحري الخاصة، استحدثه المشرع بالنص عليه وتنظيمه في المواد 65 مكرر 11 إلى 65 مكرر 18 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 56 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وعليه سنتعرض له فيما يلي: 

1. أسلوب التسرب أو الاختراق 

يقصد بالتسرب قانونا فيقصد به قيام ضابط أو عون شرطة قضائية تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية بمراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم أنه فاعل معهم أو شريك لهم. 

ويعتبر التسرب تقنية جديدة للبحث والتحري أدرجها المشرع في تعديل قانون الإجراءات الجزائية سنة 2006، عندما تقتضي ضرورات التحري والتحقيق في إحدى الجرائم الخطيرة المذكورة في المادة 65 مكرر 05، كما يجوز لوكيل الجمهورية أن يأذن تحت رقابته حسب الحالة بمباشرة عملية التسرب ضمن شروط محددة. 

2. التسليم المراقب 

فضلاً عن الأساليب السابقة يوجد أسلوب التسليم المراقب، ويقصد به السماح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من الإقليم الوطني أو المرور عبره أو دخوله بعلم من السلطات المختصة وتحت مراقبتها بغية التحري عن جرم ما وكشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابه. 

غير أن هذا الأسلوب يسمح بتأجيل ضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة إلى وقت لاحق، إذ يتم السماح بمرورها داخل إقليم الدولة إلى إقليم دولة أخرى بعلم السلطات المختصة وتحت رقابتها السرية والمستمرة، قصد التوصل إلى كشف مرتكبي الجريمة سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء. 

أ- تعريف الأسلوب المراقب

على ضوء ما تقدم يتبادر إلى الذهن مدى إمكانية استخدام هذا الأسلوب في مراقبة حركة العائدات الإجرامية بوجه عام والأموال المتحصل عليها من جرائم الفساد بوجه خاص، حال نقلها أو تحويلها من دولة إلى أخرى بقصد اقتفاء أثر هذه الأموال والتعرف على المتورطين في العمليات غير المشروعة المتعلقة بها، وجمع المزيد من الأدلة اللازمة لإدانتهم؟. 

الإجابة على هذه الإشكالات، نجدها في القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته فقد عرف المشرع الجزائري التسليم المراقب عبر نص المادة 2 الفقرة (ك) على أنه: "الإجراء الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من إقليم التراب الوطني أو المرور عبره أو دخوله بعلم السلطات المختصة أو تحت مراقبتها بغية التحري عن جرم ما وكشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابه".

أما المادة 56 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته أجازت استخدام التسليم المراقب في ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد وذلك بتعقب الأموال المشتبه في مشروعيتها كونها متحصلات إجرامية ومتابعة تحركاتها لدى دخولها أو خروجها من إقليم الدولة الجزائرية بعد الحصول على إذن من الجهة القضائية المختصة، فقد نصت على أنه: "من أجل تسهيل الأدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ،يمكن اللجوء إلى التسليم المراقب أو اتباع أساليب تحر خاصة كالترصد الالكتروني والاختراق، على النحو المناسب وبإذن من السلطة القضائية المختصة".

كما نصت عليه المادة 40 من الأمر رقم 05/17 المتعلق بمكافحة التهريب بما يلي: "يمكن للسلطات المختصة بمكافحة التهريب أن ترخص بعلمها وتحت مراقبتها حركة البضائع غير المشروعة والمشبـوهة للخروج أو المرور أو الدخـول إلى الإقليـم الجزائري بغـرض البحث عن أفعال لتهريب ومحاربتها بناءا على إذن من وكيل الجمهورية المختص". 

من خلال هذه النصوص نستنتج أن التسليم المراقب هو إجراء تقوم به الجهات المختصة بإذن من وكيل الجمهورية، وهو أن تسمح للشاحنات المحملة بالبضائع المشبوهة أو غير الشرعية بالخروج أو الدخول إلى التراب الوطني والقيام بعملية تسليم تلك البضائع إلى أصحابها.

تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة المؤثرات العقلية لعام 1988 النص القانوني الدولي الأول الذي أجاز ممارسة التسليم المراقب، حيث ساعد هذا الأسلوب ضباط الشرطة في مختلف البلدان عن كشف أعضاء الشبكات الدولية لتهريب المخدرات وأهم منظميها ومموليها. 

ب - أنواع التسليم المراقب

ينقسم التسليم المراقب إلى قسمين هما الوطني والدولي، كما يلي:

التسليم المراقب الوطني: ويقصد به أن تكون المراقبة بصوره كليه لخط سير المخدرات داخل إقليم الدولة، حيث ترتكب الجريمة في الأقاليم التابعة لسيادة الدولة بريا أو جويا، وتهدف عملية التسليم المراقب الداخلي عن كشف المواد المخدرة المهربة أو عن كشف الأشخاص والمسؤولين عن عملية التسليم أو الجلب في الدولة أو الكشف عن أي معلومات يتم إرسالها إلى سلطات البلد المرسل إليه الشحنة من أجل إلقاء القبض على الأشخاص والمسؤولين عن عملية إرسال وتهريب هذه الشحنة، وهنا تقرر الدولة إما تنسيق العملية بمفردها أو تنسيقها مع بلد المنشأ أو المرور ومن أجل ضمان ضبط الشحنة والمهربين

التسليم المراقب الدولي: يقصد به أن يتم ارتكاب الجريمة على إقليم دولة ما بينما تكون وجهة الشحنة دولة أخرى مارة بدولة ثالثة أو اربعة، وتتوافر المعلومات لدى أجهزة المكافحة في إحدى الدول مثلا حول قيام إحدى عصابات التهريب الدولية بنقل شحنة من الهروين، يقودها أحد أفراد العصابة من الدولة الأولى إلى الدولة الثانية عبر الدول أخرى، فيتم التنسيق بين سلطات المكافحة مع جميع الدول إذا ما سمحت تشريعاتها جميعا بذلك وبتنفيذ التسليم المراقب على وضع السيارة وقائدها تحت المراقبة السرية الدقيقة، منذ قيامها من الدولة المصدرة حتى بلوغها الدولة المستهدفة بالاشتراك مع السلطات المختصة لهذه الدول وضبط أفراد العصابة عند استلامهم لها.

ج. الترصد الإلكتروني: يعتبر الترصد الإلكتروني من الأساليب الحديثة لمواجهة جرائم الفساد، مواكبة للتطور التكنولوجي في عالم الإجرام، مما أحدث ثورة في الإجراءات الجزائية، للقصور وسائل الإثبات الكلاسيكية عن جرائم الفساد. 

ولم يعرف المشرع الترصد الالكتروني، وعلى العموم يستشف تنظيم الترصد الإلكتروني من ق إ ج، فيما نص عليه من إجراءات خاصة اعتراض المراسلات والتقاط الصور وتسجيل الأصوات، إذ يتم اعتراض المراسلات مهما كانت صورتها، بتنصيب كاميرات صغيرة الحجم لمراقبة المشتبه فيهم خرقا لحق الخصوصية، وحق المعادلة بين مقتضيات السلطة ومقتضيات الحرية، أما تسجيل الأصوات فيكون بفرض رقابة على وسائل التحادث بتنصيب ميكروفونات دقيقة، أو التقاط الذبذبات الصوتية على أجهزة خاصة، تختلف كل دولة في طريقة استعمالها لهذه الوسائل حسب درجة تقدمها. لأجل ضمان عدم التعسف في اللجوء في هذا الإجراء قيده المشرع بمجموعة أحكام منها اشتراط إذن من وكيل الجمهورية  وقاضي التحقيق حسب المرحلة التي وصلت إليها الدعوى العمومية، على أن يتضمن الإذن بدقة كل العناصر التي تسمح بالتعرف على الاتصالات المطلوب التقاطها والأماكن المقصودة، مع ذكر تكييف الجريمة المبررة لاتخاذ هذا الإجراء ،على أن تبقى مدة الإذن سارية لمدة 68 أشهر قابلة للتمديد حسب ظروف التحقيق، مع صلاحية الشرطة القضائية أو النيابة أو قاضي التحقيق، الاستعانة بكل هيئة أو خلية لتوفير المساعدة التقنية، ليتم بعد ذلك نسخ المراسلات والصور والأحاديث المسجلة في المحضر المرفوق بملف الإجراءات، ويجوز الاستعانة بمترجم في ذلك.

2. ضوابط وشروط اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة في جرائم الفساد 

بما أن أساليب البحث والتحري الخاصة عمليات إجراءات تستخدمها الشرطة القضائية بغية البحث والتحري عن الجرائم الخطيرة، وذلك دون رضا أو علم الأشخاص المعنيين، فإن المشرع ربطها بضوابط احتراما للقاعدة الدستورية التي تقر حرمة الحياة الخاصة للأفراد، بالإضافة إلى أنه وضعها تحت مراقبة وٕإشراف السلطة القضائية، زيادة على ذلك قيد اللجوء إليها في بعض الجرائم فقط قررتها صراحة المادة 65 مكرر5 من قانون الإجراءات الجزائية، وهو ما سنوضحه على النحو التالي: 

أ. ضوابط مباشرة التحري بواسطة اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور 

لا يجوز في الأصل التقاط الصور وتسجيل الأصوات دون علم الأشخاص أو رضاهم، إلا أننا نجد المشرع ونظرا لضرورة التحقيق في بعض الجرائم سمح بالقيام بمثل هذه العمليات، بأن أجاز هذه الأساليب ،حيث تكون مصلحة التحقيق وكشف المجرمين أولى بالرعاية من الحفاظ على أسرار الحياة الخاصة، ولكن بضوابط وفيما يلي نتولى شرح ضوابط وشروط مباشرة التحري بواسطة اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، 

تنقسم هذه الضوابط إلى ضوابط شكلية وأخرى موضوعية بالإضافة إلى ضوابط التنفيذ. 

1. الضوابط الشكلية 

تتعلق الضوابط الشكلية بصحة الإجراء إذ يتعين ما يلي: 

أ - الحصول على إذن من وكيل الجمهورية 

لم يسمح المشرع بإجراء اعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور بقصد التحري والتحقيق عن جرائم الفساد، إلا بالحصول على إذن من وكيل الجمهورية المختص، وتباشر هذه العمليات تحت مراقبته. ويجب أن يتضمن الإذن كل العناصر التي تسمح بالتعرف على الاتصالات المطلوب التقاطها والأماكن المقصودة سواء أكانت سكنية أو غير سكنية، كما يجب أن يتضمن نوع الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذه التدابير ومدة هذه التدابير. 

ويشترط في الإذن أن يكون مكتوبا محددًا بمدة أقصاها أربعة (4) أشهر قابلة للتمديد حسب مقتضيات التحري والتحقيق. 

ب. التزام السر المهني: تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية، فالسرية تعني القيام قدر الإمكان ممن هو قائم بالتحري أو كلف بإجراء من إجراءاته أو ساهم فيه بالمحافظة على السر المهني، وبالتالي صارت السرية ليس هدفها كما كان عليه من قبل هو تسهيل قمع المتهم، بل صارت وسيلة لضمان الحريات الشخصية. 

ت. استخدام الأساليب والوسائل التقنية في بعض الجرائم الخاصة فقط: أجاز المشرع الجزائري اللجوء إلى هذا الإجراء في نوع محدد من الجرائم، وهي الجرائم التي نصت عليها المادة 65 مكرر 5 من قانون الإجراءات الجزائية حصرا وهي: جرائم المخدرات، الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، جرائم تبييض الأموال، جرائم الإرهاب الجرائم المتعلقة بالتشريع والتنظيم الخاص بالصرف وجرائم الفساد، وعليه لا يصح أن تستعمل هذه الأساليب والوسائل التقنية في الجرائم الأخرى. 

ث. تحرير محضر عن العملية: نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 18 منه، على ضباط الشرطة القضائية أن يحرروا محاضر بأعمالهم يوقعون عليه يبينون من خلاله الإجراءات التي قاموا بها بتفاصيلها، كما جاءت المادة 65 مكرر6 من قانون الإجراءات الجزائية لتعزز ما جاء في المادة 18 فيما يتعلق باعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات والتقاط الصور، بحيث يشتمل المحضر على كل البيانات المذكورة سابقا وتكون محددة تحديدا نافيا للجهالة، ويجب أن يشتمل المحضر على توقيع محرره في نهايته.

2. الضوابط الموضوعية 

تتعلق هذه الضوابط بنشوء الحق في اللجوء إلى اعتراض المراسلات والتقاط الصور وتسجيل الأصوات ،وتتمثل هذه الضوابط في: 

أ- أن يكون الإجراء من أجل التحري والكشف عن جرائم الفساد وقد اعتبر المشرع -كما سبق الذكر – جرائم الصفقات العمومية من جرائم الفساد. 

ب‌- غاية المراقبة وضرورتها وهو ما عبر عنه المشرع "إذ اقتضت ضرورات التحري في الجريمة الملتبس بها أو التحقيق الابتدائي في جرائم.... وكذا جرائم الفساد.....".

ت‌ - الجهة المكلفة بهذه العمليات نظرا لخطورة هذه الإجراءات جعلها المشرع من اختصاص ضباط الشرطة القضائية.  

3. ضوابط التنفيذ 

تتعلق ضوابط التنفيذ بكيفيات المراقبة وبنتائجها والأدلة الناجمة عنها، لذا سمح المشرع من خلال المادة

65 مكرر 5 فقرة 4 لضابط الشرطة القضائية الدخول إلى المكان المعني دون احترام الشروط الواردة في المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية، وذلك باستخدام الترتيبات التقنية، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 65 مكرر 5 على أن النيابة العامة يمكنها منح الإذن لضباط الشرطة القضائية لوضع الترتيبات التقنية. 

كما أجاز القانون إمكانية الإستعانة بالأعوان الفنيين المؤهلين، وذلك بتسخير كل عون مؤهل لدى مصلحة أو وحدة أو هيئة عمومية أو خاصة مكلفة بالاتصالات السلكية واللاسلكية لتتكفل بالجوانب التقنية للعمليات، ويلتزم العون المسخر بالسر المهني تحت طائلة المتابعة القضائية.  

ب. ضوابط مباشرة التحري بواسطة أسلوب التسرب أو الاختراق 

فالمشرع قد أجاز مثل هذه الأفعال، والتي تعتبر في حقيقة الأمر جرائم من أجل خلق الثقة وتعزيزها في ضباط الشرطة القضائية وأعوانهم المرخص لهم بإجراء عملية التسرب من قبل المشتبه فيهم، والنجاح في إيهامهم بأنهم شركاء أو فاعلون، لذلك فالمشرع قد أجاز تسرب ضباط وأعوان الشرطة القضائية المرخص لهم بذلك ولكن بشروط وضوابط: 

أحاط المشرع الجزائري عملية التسرب بجملة من الشروط التنظيمية والإجرائية، حيث تجلت في معظم المواد التي جاءت في التسرب من المادة 65 مكرر 11 إلى غاية المادة 65 مكرر 18 من قانون الإجراءات الجزائية، من أجل إنجاح العملية وسيرها في ظروف سهلة تضمن أمن المتسرب وللوصل إلى الأهداف المسطرة دون التسبب في أية أضرار أو خسائر لأن هذه العملية تتسم بالخطورة والمجازفة خاصة بالنسبة للشخص المتسرب، وبالتالي تعرض حياته للخطر خاصة ما إذا انكشف أمره. 

يدخل ضمن أعمال الضبط القضائي المشار إليها في المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية وٕإعماله يقتضي احترام ضوابط خاصة قد تتعلق بالجانب الشكلي (أولاً) أو بالجانب الموضوعي (ثانيًا)، تتمثل فيما يلي: 

1. الضوابط الشكلية 

تتعلق الضوابط الشكلية بما يلي:

أ- تحرير تقرير من طرف ضابط الشرطة القضائية: إذ يقوم ضابط الشرطة القضائية قبل مباشرة عملية التسرب بكتابة تقرير إلى وكيل الجمهورية، كما نصت المادة 65 مكرر 13 من نفس القانون صراحة على أن ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق عملية التسرب هو المسؤول عن تحرير التقرير الذي يتضمن العناصر الضرورية لمعاينة الجريمة، وعليه فإن التقرير يجب أن يحتوي على العناصر التالية، طبيعة الجريمة السبب وراء العملية وهي غالبا مرتبطة بضرورة التعمق في البحث والتحري. 

ب- الحصول على الإذن بالتسرب من قبل وكيل الجمهورية: ضمانا لمشروعية الدليل المستمد، كما هو الحال بالنسبة لالتقاط الصور واعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات، يشترط حصول الضابط المكلف بالتسرب على الإذن من وكيل الجمهورية المختص، يستطيع وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق، بعد إخطار وكيل الجمهورية حسب نص المادة 65 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية أن يأذن تحت مسؤوليته ورقابته بمباشرة عملية التسرب، ويكون الإذن حسب الشروط المبينة في المادة 65 مكرر 15 من قانون الإجراءات الجزائية. 

يشترط في الإذن أن يكون مكتوًبًا ومسببًا تحت طائلة البطلان لأن الأصل في العمل الإجرائي هو الكتابة، كما اشترط المشرع وجوب تحديد طبيعة الجريمة المراد كشفها كسبب مبرر للقيام بعملية التسرب ،مع ضرورة اشتمال الإذن لهوية ضابط الشرطة القضائية الذي سيقوم بالعملية أو الذي سيشرف على تنفيذها. 

ت- إلا تتجاوز مدة التسرب أربعة أشهر ويمكن تمديدها إلى أربعة أشهر أخرى، وتخضع لتقدير مصدر الرخصة ويتم إصدار ترخيص آخر لتمديد عملية التسرب. 

وهي مقتضيات تخضع لتقدير ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية. 

ث - التزام ضباط وأعوان الشرطة القضائية المأذون لهم بالتسرب بالسرية، وعدم إظهار الهوية الحقيقية أثناء عملية التسرب: بمعنى إبقاء الإذن بالتسرب خارج ملف الإجراءات لحين الانتهاء من العملية لضمان السرية المطلوبة التي حصرها المشرع بين الجهة المانحة للإذن وضابط الشرطة المنسق على العملية والعون المتسرب. 

لذا على ضباط وأعوان الشرطة القضائية المأذون لهم بالتسرب عدم إظهار الهوية الحقيقية في أي مرحلة من م ارحل الإجراءات. 

وفي سبيل إنجاح عملية التسرب أجاز المشرع استعمال هوية مستعارة وقرر ذلك حمايةً لأمن وسلامة ضباط وأعوان الشرطة القضائية المأذون لهم بالتسرب، لما يشكله هذا الإجراء من خطر على أمنهم وسلامتهم. 

وعلى غرار إجراء اعتراض المراسلات والتقاط الصور وتسجيل الأصوات، منح المشرع العون المتسرب حق المحافظة على سرية هويته، فلا يتم سماع أقواله أثناء الشهادة، ويحل ضابط الشرطة

2. الضوابط الموضوعية

أ‌- أن يكون التسرب من أجل التحري والكشف عن جرائم الفساد او نظرً لخطورته، جعل المشرع اللجوء إلى هذه الوسيلة لا يتم إلا إذا دعت إليه الضرورة الملحة، وهذا حسب نص المادة 65 مكرر 11 من من قانون الإجراءات الجزائية. 

ب‌- الجهات المختصة بمباشرة عمليات التسرب: من خلال نص المادة 65 مكرر 12 من قانون الإجراءات الجزائية فإن المختص بمباشرة عملية التسرب هو ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية، وبصفته المسؤول عن العملية، لأنه يقوم بالتحضير والتنظيم المحكم والدقيق لهاته العملية، ويتولى القيام بهاته العملية ضابط آخر أو عون الشرطة القضائية. 

3. تحديد الغرض من التسرب فعملية التسرب غير مرتبطة بإطار تحقيق معين كحالة التلبس والإنابة القضائية، وٕإنما مرتبطة بجرائم معينة وهي تلك المحددة بالمادة 65 مكرر 05 من قانون الإجراءات الجزائية.  

وقد اشترط المشرع إيداع الإذن المكتوب والمسبب بملف الإجراءات المنجز عند نهاية عملية التسرب تحت طائلة البطلان. 

استنادًا لما سبق، فعندما تقتضي ضرورة التحقيق اعتماد أسلوب التسرب، يصدر إذن قضائي وبعد توافر الشروط الشكلية والموضوعية على النحو المبين أعلاه، تباشر العملية بخصوص جرائم الصفقات العمومية بتسرب العون داخل هيئة مكلفة بإبرام الصفقات العمومية ويشارك في إبرام صفقة مشبوهة تتضمن خرقا للقوانين المعمول بها وهو أمر مسموح به قانونا دون أية مسؤولية جنائية، وغاية ذلك الحصول على جميع المعلومات التي تفيد في الكشف عن الجرائم. 

3. الضوابط اللازمة لإجراء التسليم المراقب 

يتطلب القيام بإجراء التسليم المراقب الحصول على إذن من وكيل الجمهورية المختص إقليميا بصفته مديرا للضبط القضائي وفي حالة تمديد ضباط الشرطة القضائية اختصاصهم لكامل التراب الوطني وجب عليهم إخطار وكيل الجمهورية المختص وضرورة موافقة هذا الأخير طبقا لما نصت عليه المادة 16 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية. 

والجدير بالملاحظة هنا هو أن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته لم يولي التسليم المراقب أهمية كبيرة بالنظر إلى عدم تخصيصه لنصوص قانونية تحدد شروطه  وإجراءاته كما لم تبين مدته والأماكن التي تقع العملية تحت رقابتها وهو ما يفيد بوجود نقص تشريعي وجب تداركه بتدعيم آليات وتدابير من شأنها أن تعزز استخدام التسليم المراقب ومن ثم يستحب إعادة النظر في صياغة المادة 56 من قانون مكافحة الفساد بإيجاد المبرر القانوني الذي يسمح بخروج الشحنة المشبوهة من مجالها الإقليمي بدلا من ضبطها وتحديد الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى لتفادي حدوث تضارب في الاختصاص القضائي وكذا تضمين قواعد إجرائية تحدد الجهات المخولة بإجراء التسليم المراقب والأماكن التي تقع العملية تحت رقابتها ومدة الإجراء. 

أما الترصد الإلكتروني هي الوسيلة الثانية الخاصة من أساليب التحري المنصوص عليها ضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وتتمثل في ترصد الرسائل الإلكترونية وإجراء فحوصات تقنية لها وذلك بغية الوصول إلى مصدرها ومعرفة صاحبها.

أشارت إليه المادة 56 من قانون 06/01 دون تعريفه، وبالمقابل نجد إن المشرع الفرنسي وعند تعديله لقانون الإجراءات الجزائية 19 ديسمبر 1997 أدرج هذا الأسلوب الخاص بالتحري ووضح أن تطبيقه يقضي اللجوء إلى جهاز إرسال يكون غالبا سوار الكتروني يسمح بترصد حركات المعني بالأمر والأماكن التي يتردد عليها للكشف عن مقتضيات الجريمة ومعرفة الحقائق والاستدلالات للحد من جرائم الفساد ومكافحتها والتي أصبحت مؤخرا تشكل خطرا كبيرا على المجتمع حيث يبث فيهم الرعب والخوف حتى أضحى في قلق وحيرة شديدتين لكيفية التصدي وقمع هذه الجرائم الخطيرة. 

الفرع الثاني: تحريك الدعوى العمومية في جرائم الفساد المالي في التشريع الجزائري 

يترتب على معاينة جرائم الفساد والبحث والتحري عنها وكشفها إحالة مرتكبيها على القضاء قصد محاكمتهم وتطبيق العقوبة المقررة لهم، وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد أخضع جرائم الفساد لإجراءات من أجل مباشرة الدعوى العمومية، كما جاء قانون 60/10 المتعلق بالوقاية من الفساد وكافحته

أولا: الهيئات المخولة بتحريك الدعوى العمومية في جرائم الفساد

القاعدة العامة أنه تختص النيابة العامة بتحريك ومتابعة جميع الجرائم قانون العقوبات، إلا أنه ونظرا لخصوصية جرائم الفساد، فقد خصها المشرع بمجموعة من الإجراءات الخاصة والاستثنائية، يتعلق الأمر أساسا بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ،وكذلك الديوان المركزي لقمع الفساد، وٕإعطاء لكل منهما صلاحيات خاصة في مواجهة جرائم الفساد، يتمثل دورها الأساسي في جمع المعلومات والمساعدة بطريقة أو بأخرى في تحريك الدعوى العمومية بشأن هذه الجرائم، وهذا ما سوف نتطرق إليه في هذا العنصر ومعرفة دور هذه الأجهزة وكيف تساعد النيابة العامة طالما أنها الأصل في متابعة الدعوى العمومية. 

1. سلطات النيابة العامة: إن النيابة العامة هي المختصة بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أمام القضاء الجزائي في جرائم الفساد، والملاحظ أن المشرع في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته 06/01 لم يشترط تقديم شكوى أو إتباع إجراءات استثنائية من أجل متابعة جرائم الفساد، فالمتابعة الجزائية تكون تلقائية وتخضع لمبدأ الملائمة المعروف في القواعد العامة. 

ورغم أن هذه الجرائم ترتكب من طرف موظف عمومي، تبقى الإجراءات عادية إلا أنه على النيابة العامة إخطار الإدارة التي يتبعها الموظف المتهم، وقد أعطت المادة 174 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية سلطة تقديرية في توقيف هذا الموظف بسبب المتابعة الجزائية من عدمه. 

ويبقى للنيابة العامة جميع الصلاحيات المخولة لها بموجب قانون الإجراءات الجزائية بخصوص مباشرة الدعوى العمومية ذاتها تنطبق على مباشرة الدعوى في جرائم الفساد، من إشراف على عمل الضبطية القضائية خاصة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الإنابات القضائية كون جرائم الفساد من الجرائم الخاصة التي أجاز المشرع بنظرها توسيع الإختصاص وتمديده على كامل التراب الوطني. 

كذلك الإشراف على عمليات استخدام أساليب التحري الخاصة بمناسبة التحري وجمع الأدلة عن جرائم الفساد من اختراق وترصد إلكتروني وتسليم مراقب حسب نص المادة 56 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته. 

2. الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: بالرجوع إلى نص المادة 22 من قانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، على أنه عندما تتوصل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى وقائع ذات وصف جزائي تحول الملف إلى وزير العدل حافظ الأختام  والذي بدوره يحيله على النائب العام المختص لتحريك الدعوى العمومية عند الاقتضاء، وهذا ما أكدته المادة 09 من المرسوم، وبالتالي نجد أن دور الهيئة وقائي بحت في مكافحة الفساد، وأيضا يمكن لها مساعدة الجهاز القضائي المختص من خلال إخطاره بالوقائع التي تصل إلى علمها وترى أنها قد تشكل وصف جرائم فساد ويبقى الدور الأصيل في تحريك ومباشرة الدعوى العمومية حكر على النيابة العامة حتى في جرائم الفساد. 

ثانيا: إدراج شرط الشكوى المسبقة لتحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية عن أخطاء التسيير غير العمدية 

إذ أصبح بموجب المادة 06 مكرر المستحدثة في قانون الإجراءات الجزائية عند تعديله في سنة 2015 بالأمر رقم 15_02 المؤرخ في 23 يوليو 2015، لا يجوز تحريك الدعوى العمومية ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها أو ذات الرأسمال المختلط عن أعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة إلا بناء على شكوى مسبقة من الهيئات الاجتماعية للمؤسسة المنصوص عليها في القانون التجاري وفي التشريع الساري المفعول. 

ونص المادة 06 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية كما يطرح أشكالية تحديد المؤسسات العمومية المعنية بالشكوى المسبقة، والأشخاص الطبيعيين الذين قيدت متابعتهم على الشكوى المسبقة ،والجرائم التي يشترط فيها الشكوى المسبقة لتحريك الدعوى العمومية بشأنها، وتحديد الجهة المختصة بتقديم الشكوى ،يطرح إشكالية جدوى سن هذا النص، وما إذا لا يعد عائقا لمواجهة جريمة من جرائم الفساد؟. 

أما عن المؤسسات المعنية بقيد الشكوى المسبقة: تتمثل في المؤسسات التالية: 

أ _المؤسسات العمومية الاقتصادية التي تملك الدولة كل رأسمالها: كشركة سونلغاز والخطوط الجوية الجزائرية والبنوك العمومية. 

ب_ المؤسسات ذات الرأسمال المختلط التي تملك فيها الدولة أكثر من 50% من رأسمالها الاجتماعي: كشركة رونو الجزائر لصناعة السيارات. فيما لا يطبق هذا القيد لتحريك الدعوى العمومية على المؤسسات ذات الرأسمال المختلط التي لا تملك الدولة أغلبية رأسمالها الاجتماعي، ولا على المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، وبطبيعة الحال المؤسسات والهيئات العمومية الخاضعة للقانون العام. 

_الأشخاص الطبيعيين الذين قيد نص المادة 06 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية متابعتهم على الشكوى المسبقة: يتعلق الأمر بمسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية والمؤسسات ذات الرأسمال المختلط التي تملك الدولة أغلبية رأسمالها الاجتماعي.  

والمقصود بالمسيرين (les dirigeant d’entreprise) يمكن أن يشمل فئة المسيرين على نحو ما نصت عليه أحكام القانون التجاري، كما يمكن أن يشمل فئة المسيرين على نحو ما نصت عليه أحكام المرسوم التنفيذي رقم 90-290 المؤرخ في 29/09/1990 المتعلق بالنظام الخاص بعلاقات العمل الخاصة بمسيري المؤسسات. 

فبمفهوم أحكام القانون التجاري، يتحدد المقصود بمسيري المؤسسة التي تؤسس في شكل شركة مساهمة بحسب نمط التسيير الذي اختارته. ففي حالة ما إذا اختارت المؤسسة نمط التسيير عن طريق مجلس الإدارة، فإنه بمقتضى المادتين 638 و639 من القانون التجاري يعد مسيرا للمؤسسة، رئيس مجلس الإدارة أو الرئيس المدير العام في حالة جمعه بين مهام رئاسة مجلس الإدارة ومهام تسيير المؤسسة، وكذلك مجلس الإدارة والمدير العام في حالة ما عهد مجلس الإدارة إلى شخص آخر غير رئيس مجلس الإدارة بتسيير المؤسسة. وٕإذا اختارت المؤسسة نمط التسيير عن طريق مجلس المديرين، فإنه بمقتضى المادة 643 من القانون التجاري يعد مسيرا رئيس مجلس المديرين وأعضاؤه ومجلس الإدارة. فيما لا يعد مسيرين المديرين المركزين والمديرين الجهويين ومديري الوحدات أو مديري الوكالات، لأنهم ليسوا مسيرين للمؤسسات العمومية الاقتصادية بالمفهوم القانوني على نحو ما نصت عليه أحكام القانون التجاري. 

وبمفهوم المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 90 -290 المؤرخ في 29/09/1990 المتعلق بالنظام الخاص بعلاقات العمل الخاصة بمسيري المؤسسات، يعد مسيرا للمؤسسة المسير الأجير الرئيسي، أي المدير العام. كما يعد مسيرا أيضا إطارات المديرية الذين يساعدون المسير الأجير الرئيسي، أي المديرين المركزيين بالمؤسسات العمومية الاقتصادية. 

_الجرائم التي يشترط فيها الشكوى المسبقة لتحريك الدعوى العمومية بشأنها: اعتبارا للصيغة التي وردت عليها نص المادة 06 مكرر الجديدة من قانون الإجراءات الجزائية، التي تشير فقط إلى أعمال التسيير التي تؤدي إلى سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة، فإن ذلك يفيد أن الشكوى المسبقة تخص فقط أعمال التسيير غير العمدية، وهو ما يعني أن الشكوى المسبقة تكون لازمة للمتابعة فقط عندما يتعلق الأمر بجنحة الإهمال في التسيير المؤدي إلى اختلاس أو ضياع أو إتلاف الممتلكات العمومية المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات. فيما لا يطبق هذا القيد على جرائم التسيير العمدية، أي على جنح اختلاس أو تبديد أو إتلاف الممتلكات العمومية أو الاحتجاز بدون وجه حق أو استعمال الممتلكات على نحو غير شرعي المنصوص والمعاقب عليهم في المادة 29 من القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، إذ لا تكون فيها الشكوى واجبة للمتابعة. كما لا يطبق قيد الشكوى المسبقة أيضا على جرائم الفساد الأخرى المنصوص والمعاقب عليها في القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، كجريمة الرشوة والجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية. 

_مسألة الجهة المختصة بتقديم الشكوى: فقد ورد النص عليها في المادة 06 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، بأنها: ''الهيئات الاجتماعية للمؤسسة'' (les organes sociaux de l’entreprise)، وعليه يتعين الرجوع إلى أحكام القانون التجاري والأمر رقم 01 -04 المؤرخ في 20/08/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية لتحديد الجهات المخولة قانونا بتقديم الشكوى. وبالرجوع إلى هذين القانونين يتبين أن أجهزة المؤسسة العمومية الاقتصادية المخولة قانونا لتقديم الشكوى هي: 

_ مجلس مساهمات الدولة، باعتباره يتولى مهام الجمعية العامة للمؤسسات العمومية الاقتصادية بمقتضى المادة 12 من الأمر رقم 01 -04، 

_ مجلس الإدارة والرئيس المدير العام إذا ما اختارت المؤسسة نمط التسيير عن طريق مجلس الإدارة،

_ مجلس المديرين ورئيس مجلس المديرين ومجلس المراقبة إذا ما اختارت المؤسسة نمط التسيير عن طريق مجلس المديرين. 

ثالثا: الإجراءات الخاصة بالتحري والمتابعة المنصوص عليها في القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته 

تتعدد هذه الإجراءات، فمنها ما ورد النص عليها عند صدور القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته في سنة 2006، وهي القواعد المتعلقة بمدة تقادم الدعوى العمومية في جرائم الفساد، وإمكانية اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة، وٕإلى تجميد أو حجز العائدات والأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة من جرائم الفساد، وٕإمكانية اللجوء إلى التعاون الدولي واسترداد الموجودات ومنها ما ورد النص عليها عند تعديل القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته في سنة 2010، وهي إمكانية خضوع جرائم الفساد لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص الممدد أو ما يسمى بالأقطاب الجزائية المتخصصة ، وتمديد الاختصاص لضباط الشرطة القضائية التابعين للديوان الوطني لقمع الفساد إلى كامل الإقليم الوطني في جرائم الفساد والجرائم المرتبطة بها. 

كما نص القانون 06/01 على إمكانية خضوع جرائم الفساد لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص الممدد أو ما يسمى بالأقطاب الجزائية المتخصصة: إذ نص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 24 مكرر 1 من القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته إثر تعديله في سنة 2010 بالأمر رقم 10_05 على إمكانية خضوع جرائم الفساد لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص الممدد أو ما يسمى بالأقطاب الجزائية المتخصصة. وقد حددت المواد 40 إلى 04 مكرر 4 من قانون الإجراءات الجزائية قواعد تمديد الاختصاص المحلي، فيما حدد المرسوم التنفيذي رقم 06 -348 المؤرخ في 05 أكتوبر 2006 المتضمن تمديد الاختصاص المحلي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق حدود الاختصاص المحلي الجديد للمحاكم المعنية بهذا التوسع في الاختصاص والمتمثلة في محاكم سيدي امحمد وقسنطينة وورقلة ووهران. 

أما عن كيفية اتصال الأقطاب الجزائية المتخصصة بقضايا جرائم الفساد، فيكون بداية بإخبار ضابط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية الذي وقعت الجريمة في دائرة اختصاصه وموافاته بأصل محضر التحقيقات الأولية ونسختين منه، وقيام هذا الأخير بإرسال نسخة منه إلى النائب العام لدى المجلس القضائي التابعة له المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد المختصة. فإذا رأى هذا الأخير أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد التابعة له، طالب بملف الإجراءات فوار ،ليقوم بعد ذلك وكيل الجمهورية لتك الجهة القضائية بطلب من قاضي تحقيق تلك الجهة القضائية المتخصصة بفتح تحقيق. 

أما إذا كان قد سبق فتح تحقيق قضائي بالمحكمة الأصلية، فيكون بموجب أمر بالتخلي عن القضية يصدر عن قاضي التحقيق للمحكمة العادية لفائدة قاضي التحقيق القطب الجزائي المتخصص، إذا ما طلبت النيابة العامة لدى المجلس القضائي التابعة له الجهة القضائية المختصة ذلك، وهو ما نصت عليه المادة 40 مكرر 3 من قانون الإجراءات الجزائية. 

رابعا: تقادم الدعوى العمومية والعقوبة الناشئة عن جرائم الفساد

بموجب نص المادة 54 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، لا تتقادم الدعوى العمومية ولا العقوبة بالنسبة لجرائم الفساد عامة وجرائم الفساد المالي خصوصا إذا تمّ تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن. 

حيث أنه وبالرجوع إلى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادقت عليها الجزائر بتاريخ 19/04/2004 نجد أنّها حدّدت فترة تقادم أطول أو تعليق العمل بالتقادم في حال إفلات الجاني من يد العدالة ولم تربط ذلك بتحويل عائدات الجريمة إلى الخارج، غير أنه إذا لم يتمّ تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج وبقيت داخل الوطن، فحسب المادة 54 فقرة 02 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته تطبق الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية أي تسري في ذلك المادة 08 منه والتي نصت على تقادم الدعوى العمومية في هذه الحالة بمرور ثلاثة سنوات، على أن يبدأ سريانها من يوم إقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة، أمّا إذا اتخذت إجراءات فيتلك الفترة فلا يسري التقادم إلا بعد مرور 10 سنوات كاملة من تاريخ آخر إجراء أتخذ في ذلك.  

وفيما يخص العقوبة فإنها تتقادم بعد مضي خمس سنوات إبتداءا من اليوم الذي يصبح فيه الحكم أوالقرار نهائي وٕإذا كانت عقوبة الحبس المقضي بها تزيد عن 50 سنوات فإن مدّة التقادم تكون مساوية لهذه المدة، وهو ما نصت عليه المادة 29 من المرسوم الرئاسي رقم 04 -128 المتضمن تصديق بتحفظ على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، غير أنه بالنسبة لجريمة الرشوة فلا تتقادم فيها الدعوى العمومية حتى ولو لم يتمّ تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن، وفيما يتعلق بإختلاس الممتلكات في القطاع العام تكون مدة التقادم فيها مساوية للحدّ الأقصى للعقوبة المقررة لها أي 10 سنوات.  

كما نص المشرع في القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته على حكم خاص بالنسبة لتقادم الدعوى العمومية في كافة جرائم الفساد إذا ما تم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن، بأن جعل الدعوى العمومية غير قابلة للتقادم في كافة جرائم الفساد بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 54 من هذا القانون، إذا ما تم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن. 

وٕإذا تعلق الأمر بجريمة اختلاس الممتلكات من قبل الموظف العمومي أو استعمالها على نحو غير مشروع المنصوص عليها في المادة 29 من القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، فطبقا للفقرة الأخيرة من المادة 54 من هذا القانون، تتقادم الدعوى العمومية بمدة مساوية للحد الأقصى للعقوبة المقرر لها، أي بمضي 10 سنوات من يوم ارتكاب الجريمة، مالم تقترن تلك الجريمة بظرف مشدد متعلق بصفة الفاعل، كما لو كان قاضيا أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة أو ضابطا عموميا أو ضابطا أو عون شرطة قضائية أو موظف أمانة الضبط، حينئذ تصبح مدة التقادم هي 20 سنة، أي أقصى العقوبة المقررة للجريمة بالنسبة لهذا الصنف من الأشخاص طبقا لنص المادة 48 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته. 

أما جريمة الرشوة، سواء تعلق الأمر برشوة الموظفين العموميين المنصوص والمعاقب عليها في المادة 25 من القانون الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته، أو بالرشوة في مجال الصفقات العمومية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 27 من هذا القانون، أو برشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية العمومية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 28 من هذا القانون، أو بالرشوة في القطاع الخاص المنصوص والمعاقب عليها في المادة 40 من هذا القانون، فتمتاز عن باقي جرائم الفساد في مسألة تقادم الدعوى العمومية، بأن جعلها المشرع بمقتضى المادة 8 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، إثر التعديل الذي أجري عليه في سنة 2004 جريمة غير قابلة للتقادم. على أن هذا الحكم الخاص بالتقادم لا يطبق على الجرائم المشابهة لجريمة الرشوة، مثل جرائم تلقي الهدايا والإثراء غير المشروع واستغلال النفوذ والغدر ،التي تبقى تخضع لمدة التقادم العادي، أي ثلاث(3) سنوات من يوم ارتكاب الجريمة. 

أما في الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية المنصوص والمعاقب عليها في المادتين 26 و27 من القانون الخاص بالوقاية من الفساد، فإنه بالنسبة لجريمة الرشوة في الصفقات العمومية المعاقب عليها في المادة 27 من هذا القانون، فهي لا تخضع للتقادم. أما بالنسبة لجريمتي المحاباة واستغلال نفوذ أعوان الهيئات والمؤسسات العمومية للحصول على امتيازات غير مبررة المعاقب عليهما في المادة 26 من هذا القانون، فتبقى تخضع لمدة التقادم العادي، أي ثلاث (3) سنوات، ما لم يتم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن، فتكون الدعوى العمومية حينئذ غير قابلة للتقادم. 

الفرع الثالث: أساليب مباشرة الدعوى العمومية 

تعتبر جرائم الفساد المنصوص عليها في القانون رقم 06/01 الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته ذات وصف جنحي وتطبق عليها القواعد العامة في رفع الدعوى على محكمة الجنح بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 333 من قانون الإجراءات الجزائرية بنصها على أنه "ترفع إلى المحكمة الجرائم المختصة بنظرها إما بطريق الإحالة إليها من الجهة القضائية المنوط بها إجراء التحقيق وٕإما بحضور أطراف الدعوى بإرادتهم بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 433، وٕإما تكليف بالحضور يسلم مباشرة إلى المتهم وٕإلى الأشخاص المسؤولين مدنيا عن الجريمة وٕإما بتطبيق إجراءات المثول الفوري أو إجراءات الأمر الجزائي"، ويستفاد من هذه المادة أن هذه الطرق سنتعرض لها في طلب إجراء تحقيق قضائي، التكليف بالحضور، إجراءات المثول الفوري  وإجراءات الأمر الجزائي. 

1. طلب إجراء تحقيق قضائي 

يستفاد من المادة 66 من قانون الإجراءات فإن التحقيق القضائي وجوبي في مواد الجنايات، أمّا في مواد الجنح فيكون التحقيق إختياري، وبالتالي يمكن للنيابة الإستغناء عنها إذا وجدت أدلة كافية تدين المتهم ،كما لا يجوز لقاضي التحقيق أن يجري تحقيقا إلا بموجب طلب من وكيل الجمهورية، حتى ولو كان بصدد جناية أو جنحة متلبس بها.  

كما يجوز لقاضي التحقيق وبإذن منه وتحت مراقبته المباشرة أن تتم عمليات إعتراض المراسلات وتسجيل الأصوات وٕإلتقاط الصور بموجب نص المادة 65 مكرر 5 (11) وهي جرائم المخدرات أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أو جرائم تبييض الأموال والإرهاب أو الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف وكذا جرائم الفساد وهذا بعد إذن من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق، كما يمكن لقاضي التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهورية أن يأذن تحت رقابته حسب الحالة بمباشرة عملية التسرب. 

2. التكليف بالحضور

يعتبر التكليف بالحضور هو الطريقة التي يمارسها ممثل النيابة العامة لتمكين المتهم الغير موقوف أو المحبوس من الحضور إلى جلسة المحاكمة خلال الوقت المناسب وتمكينه من الدفاع عن نفسه ويسلم التكليف بالحضور بناءا على طلب من النيابة العامة ومن كل إدارة مرخص لها قانونا بذلك ويذكر في التكليف بالحضور الجهة القضائية أي المحكمة التي رفع أمامها النزاع ومكان وزمان وتاريخ الجلسة وتبيين فيه المركز القانوني للمتهم والمسؤول المدني أو الشاهد على الوقائع محل النزاع. 

كما أجازت المادة 337 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية للمدعي المدني بأن يكلف المتهم مباشرة بالحضور أمام المحكمة لمحاكمته في حالات محددة على سبيل الحصر وهي: ترك الأسرة، عدم تسليم الطفل، إنتهاك حرمة منزل، القذف، إصدار صك بدون رصيد وفي الحالات الأخرى بما فيها جرائم الفساد المالي تقتضي ضرورة الحصول على ترخيص النيابة العامة للقيام بالتكليف المباشر بالحضور ويكون ذلك من طرف المدعي المدني.   

كما يمكن للمبلغين أو الشهود والذي أحاطهم المشرع بتدبير أو أكثر من تدابير الحماية الإجرائية وغير الإجرائية ومتمثلة خاصة في حماية الشهود والخبراء الذين يقدمون معلومات تظهر الحقيقة في قضايا الفساد، والمهم في هذا الشأن هو حماية الشاهد إضافة إلى أنّ التكليف بالحضور يكون عن طريق النيابة العامة حتى يبقى ذلك المبلغ أو الشاهد بعيدا عن كل المخاطر التي قد يتعرض لها وبحسب المادة 334 من قانون الإجراءات الجزائية فإن الإخطار المسلم بمعرفة النيابة العامة يغني عن التكليف بالحضور إذا تبعه حضور الشخص الموجه إليه الإخطار بمحض إرادته. 

3. إجراء المثول الفوري 

يعد إجراء المثول الفوري إجراء جديد جاء به الأمر رقم 15 ـ 02 المؤرخ في 23 جويلية 2015 والذي نصت عليه المادة 339 مكرر بحيث يتم محاكمة المتهم بجنحة متلبس بها مباشرة أمام قاضي الحكم في القضايا التي لا تستلزم إجراء تحقيق قضائي ولا تخضع لإجراءات تحقيق خاصة.  

وتتم إجراءات المثول الفوري بتقديم الشخص المقبوض عليه بالجنحة المتلبس بها أمام وكيل الجمهورية الذي يقدم ضمانات كافية لمثوله أمام القضاء، ويمكن للشخص أن يستعين بمحامي ويتم إستجوابه من طرف وكيل الجمهورية بحضور محاميه ويخضع هذا الأخير قبل محاكمته تحت الحراسة الأمنية إلى غاية مثوله أمام قاضي الحكم، كما يمكن للمتهم أن يحضّر دفاعه وٕإذا إستعمل هذا الحق تمنحه المحكمة مهلة ثلاثة أيام على الأقل، ويمكن تأجيل القضية إلى أقرب جلسة ممكنة من طرف المحكمة إذا لم تكن مهيئة للحكم فيها، كما يحق لها تأجيل القضية مع إتخاذ أحد التدابير ضد المتهم إما تركه حرا، أو وضعه تحت الرقابة القضائية، أو وضعه في الحبس المؤقت، كما لا يجوز إستئناف هذه الأوامر.  

أمّا بالنسبة لإجراءات الأمر الجزائي، فيعتبر إجراء من إجراءات المتابعة التي تتخذها النيابة وفق ملائمتها الإجرائية عند إخطار المحكمة بالقضية ،إلا أنّه غالبا ما يكون في الوقائع البسيطة وقليلة الخطورة التي يرجح مرتكبيها لعقوبة الغرامة فقط، وهذا كله من أجل تخفيف العبء على القضاء  وبالتالي لا ينطق هذا الإجراء على جرائم الفساد باعتبارها جرائم خطيرة وتكون العقوبة فيها مشددة. 

أما عن الإجراءات الخاصة بالتحري والمتابعة في جرائم الفساد المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية: تتمثل هذه الإجراءات خصوصا في تمكين وكيل الجمهورية أثناء مرحلة التحريات الأولية بموجب المادة المادة 36 مكرر 1 الجديدة المستحدثة في قانون الإجراءات الجزائية عند تعديله في سنة 2015 من سلطة منع الأشخاص الذين توجد ضدهم دلائل على ضلوعهم في جريمة فساد من مغادرة التراب الوطني. وتمديد مدة التوقيف للنظر ثلاث مرات في جرائم الفساد بمقتضى الفقرة الخامسة من المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية بموجب التعديل الذي أجري عليه في سنة 2015، وتمكين وكيل الجمهورية أثناء مرحلة التحريات الأولية وقاضي التحقيق أثناء مرحلة التحقيق القضائي من اللجوء إلى أساليب التحري الخاصة والإذن لضباط الشرطة القضائية للقيام بهذه الإجراءات بموجب نصوص المواد من 65 مكرر 5 إلى 65 مكرر 18 من قانون الإجراءات الجزائية المستحدثة عند تعديله في سنة 2006. وفي تقييد سلطة النيابة العامة في المتابعة بموجب المادة 06 مكرر المستحدثة في قانون الإجراءات الجزائية عند تعديله في سنة 2015 أيضا، ضد مسيري المؤسسات العمومية الاقتصادية بوجود شكوى مسبقة عن أخطاء التسيير غير العمدية.

كما يمكن لوكيل الجمهورية إصدار الأمر بالمنع من مغادرة التراب الوطني عند تعلق التحريات الأولية بجرائم الفساد، إذ أصبح يمكن لوكيل الجمه ورية أثناء مرحلة التحريات الأولية بموجب المادة 36 مكرر 1 الجديدة المستحدثة في قانون الإجراءات الجزائية عند تعديله في سنة 2015 لضرورة التحريات، وبناء على تقرير مسبب من ضابط الشرطة القضائية، أن يأمر بمنع كل شخص توجد ضده دلائل ترجح ضلوعه في جناية أو جنحة من مغادرة التراب الوطني، حيث تكون فيها مدة المنع محددة بثلاثة (3) أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة. على أنه إذا كانت التحريات الأولية التي تجريها الضبطية القضائية تخص جريمة من جرائم الفساد، فإنه يمكن تمديد المنع من مغادرة التراب الوطني إلى غاية الانتهاء من التحريات.

فأيا كانت الجنحة أو الجناية التي تجري الضبطية القضائية بشأنها التحريات الأولية، قيد المشرع الجزائري بموجب المادة 36 مكرر 1 من قانون الإجراءات الجزائية، سلطة وكيل الجمهورية في اللجوء إلى إجراء المنع من مغادرة التراب الوطني، لمساسه الخطير بالحريات وحق الشخص في التنقل المكرس دستوريا، بضرورة أن يكون ذلك ضروريا للتحريات، كأن يكون ذلك بسبب الخشية من فرار الشخص المعني من التراب الوطني أو لتفادي عرقلة سير التحريات الأولية بسبب وجوده خارج التراب الوطني، وبأن يتم ذلك بأمر وبناء على تقرير مسبب من ضابط الشرطة القضائية. وٕإذا كانت التحريات الأولية تتعلق بجنحة أو جناية من غير جرائم الفساد أو الإرهاب، حدد المشرع في هذا النص مدة الأمر بالمنع من مغادرة التراب الوطني بثلاثة (3) أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. غير أنه استثناءا، إذا كانت التحريات الأولية تتعلق بجريمة من جرائم الفساد أو الإرهاب، أجاز المشرع في هذه الجرائم لوكيل الجمهورية تجديد أمر المنع لأكثر من مرة، وٕإلى غاية الانتهاء من التحريات. 

أما بالنسبة لكيفية انتهاء إجراء المنع من مغادرة التراب الوطني، فقد أشارت الفقرة الأخيرة من المادة 36 مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية إلى ذلك، بأن يتم رفع إجراء المنع من مغادرة التراب الوطني بنفس الأشكال، وهو ما يعني أنه إذا كانت التحريات الأولية تتعلق بجنحة أو جناية من غير جرائم الفساد أو الإرهاب، فإنه بانتهاء مدة الثلاثة أشهر الأولى أو الستة أشهر في حالة التمديد، يتعين على وكيل الجمهورية إصدار أمر برفع إجراء المنع من مغادرة التراب الوطني، ما لم يتوصل وكيل الجمهورية بمحضر الضبطية القضائية قبل انتهاء هذه المدة ويتصرف في الملف، فإنه في هذه الحالة يصدر الأمر برفع المنع من مغادرة التراب الوطني وقت تصرفه في محضر الضبطية القضائية، أي يوم إحالة الملف إلى قاضي التحقيق أو إلى جهة الحكم في حالة تحريكه الدعوى العمومية، ويوم حفظه الملف في حالة إصداره أمر بالحفظ. 

أما إذا كان الأمر بمنع مغادرة التراب الوطني متعلق بجريمة من جرائم الفساد، فإن الأمر برفع المنع من مغادرة التراب الوطني يمكن لوكيل الجمهورية إلا يصدره أيا كانت المدة التي تستغرقها التحريات الأولية، إلا بعد الانتهاء من التحريات الأولية وتوصله بمحضر الضبطية القضائية وتصرفه فيه بتحريك الدعوى العمومية أو بحفظ الملف. 

5. تمديد التوقيف للنظر ثلاث (3) مارت في جرائم الفساد 

فقد حددت المادتين 51 و65 من قانون الإجراءات الجزائية مدة التوقيف للنظر ب 48 ساعة على الأكثر، إلا أنه إذا كانت التحريات الأولية التي تجريها الضبطية القضائية تتعلق بجريمة من جرائم الفساد، فإن الفقرة الخامسة من المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية، قد أصبحت تجيز تمديد مدة التوقيف للنظر ثلاث (3) مرات بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية في هذا النوع من الجرائم بمقتضى التعديل الذي أجري عليه في سنة 2015 بالأمر رقم 15 -02 المؤرخ في 23 يوليو 2015، أي أنه يمكن أن تصل مدة التوقيف للنظر في جرائم الفساد إلى ثماني(8) أيام. 

الفرع الرابع: إجراءات متابعة جرائم الفساد أما القضاء الجزائي 

القاعدة أن الإختصاص المحلي للمحكمة في نظر الجنح يتحدد بمكان وقوع الجريمة أو بالمكان المتواجد فيه محل إقامة المتهم أو محل القبض على المتهم حتى ولو تم القبض لسبب آخر، وتحال الدعوى العمومية على محكمة الجنح في جرائم الفساد وفقا للقواعد العامة في من قانون الإجراءات الجزائية. 

أولا: التكليف بالحضور المباشر: 

يتصل المتهم في جرائم الفساد البسيطة التي لا تحتاج إلى تحقيق بالمحكمة، عن طريق تسليمه تكليف بالحضور للمثول أمام محكمة الجنح وهو ما يسمى بطريق الاستدعاء المباشر من طرف النيابة، المادة 333، والمادة 334 من قانون الإجراءات الجزائية. 

كما يجوز اتصال المحكمة بجرائم الفساد حسب أحكام المادة 337مكرر/02 من قانون الإجراءات الجزائية، أين يتعلق الأمر بترخيص من النيابة العامة، وبالتالي، فإن أي شخص متضرر من جرائم الفساد وله مصلحة يمكن أن يتقدم بإدعاء مدني بذلك أمام الجهات المختصة، ولا بد من إحترام الإجراءات الشكلية اللازمة لقبول هذا الإدعاء شكلا، حتى يتم النظر في الدعوى من طرف محكمة الجنح. 

ثانيا: أمر الإحالة على قسم الجنح: 

طبقا للقواعد العامة ،يمكن إحالة المتهم بجرائم الفساد عن طريق أمر الإحالة على قسم الجنح الصادر من قاضي التحقيق طبقا لنص المادة 164 من قانون الإجراءات الجزائية ، كما يمكن أن يصدر قرار الإحالة بجريمة الفساد على محكمة الجنح من غرفة الإتهام ،القاضي بإعادة تكييف الوقائع من جناية إلى جنحة طبقا للمادة 196 من قانون الإجراءات الجزائية. 

إذن يمكن اتصال محكمة الجنح بجريمة من جرائم الفساد عن طريق أمر الإحالة من قاضي التحقيق أو غرفة الإتهام بعد إعادة التكييف، وهو ما تم فعلا في الجزائر بعد إعادة تكييف جريمة الاختلاس التي كانت توصف جناية وبموجب القانون 01/09المؤرخ في 26/06/2001،  والذي عدل نص المادة 114ق.ع، بأن جعل جريمة اختلاس الأموال العمومية أو الخاصة المرتكبة من قبل الموظف العمومي ومن في حكمه جنحة عندما تكون قيمة الأموال المختلسة أقل من 5.000.000 دج ثم جاء قانون الفساد وأبقى على وصف الجنحة نظرا لهذه التعديلات عملت غرفة الاتهام بإحالة جميع قضايا جرائم الاختلاس على محكمة الجنح بإعادة تكييف الوقائع من جناية إلى جنحة.

ثالثا: المحاكم المختصة بنظر جرائم الفساد 

وجرائم الفساد كما تختص بنظرها المحاكم العادية، أيضا تختص بها المحاكم الخاصة، إلى جانب الأقطاب القضائية المتخصصة وهذا ما سوف نتطرق تباعا.

أ _أمام المحاكم العادية: 

تختص محكمة الجنح الجزائية بنظر جرائم الفساد، على إعتبار أن المشرع الجزائري عمد إلى تجنيح جميع جرائم الفساد، لأنها ذات طابع مالي وتقني، وبالتالي استبعد عرضها على قضاء شعبي قائم على الاقتناع الشخصي، إلا أن المشرع الجزائري رغم تجنيه لجرائم الفساد فإنه قرر لها أحكاما خاصة تخرج عن تلك المقررة في الجنح العادية، فقد جعل عقوبتها مشددة، كما أطال أمد التقادم فيها، وفي هذا خروج عن القواعد العامة. 

وازدواجية النظام القضائي الجزائري، يمنح الدستور للمحكمة العليا على رأس الهرم دور الجهاز المنظم  والمراقب لنشاط هذه المجالس والمحاكم، وعلى هذا الأساس تختص محكمة الجنح بالنظر في جرائم الفساد كدرجة أولى ثم تأتي الغرفة الجزائية على مستوى المجالس القضائية لإعادة النظر في الدعوى كدرجة ثانية. 

ويعود الإختصاص لمحكمة الجنح والغرفة الجزائية بالمجلس في حالة عدم تمسك النائب العام التابعة له محكمة الإختصاص المدد بتحقيق ونظر الدعوى العمومية لهذه الجريمة طبقا للمواد 37، 40، 40 مكرر 01 إلى مكرر 05 من قانون الإجراءات الجزائية. 

إذن متى اختصت محكمة الجنح بنظر جرائم الفساد، فهي في ذلك تخضع لأحكام ق.ع. وأحكام من قانون الإجراءات الجزائية.  

ب_ أمام الأقطاب المتخصصة: 

إن تحريك الدعوى العمومية الناجمة عن جرائم الفساد، قد يسند إلى جهات عادية وقد يسند إلى أقطاب ذات الإختصاص الموسع، وذلك إذا ما إرتئ النائب العام التمسك بها. 

وبالإضافة إلى هاتين الجهتين، قد يسند نظر جريمة الفساد إلى جهات خاصة، وذلك نظرا لعدة عوامل أبرزها الإختصاص الشخصي والخصوصية التي تكتنف بعض الجهات الأمنية والرسمية التي ميزها المشرع بإجراءات خاصة في رفع الدعوى وتحريكها والملاحقة بشأنها مثالها الجرائم العسكرية_ القضاء العسكري_. 

إذن، جرائم الفساد قد تختص بها أيضا المحاكم الخاصة، والأقطاب المتخصصة نظرا لخصوصية الجريمة ذاتها وهي كونها صورة من صور الفساد. 

فقد تم إنشاء محاكم متخصصة للفصل في مثل هذه القضايا قد تم توسيع الإختصاص المحلي للمحاكم، بحيث تم تقسيم التراب الإقليمي إلى أربعة أقطاب قضائية وهي قطب محكمة سيدي امحمد، قطب محكمة قسنطينة، قطب محكمة ورقلة، قطب محكمة وهران.  

أ – قطب محكمة سيدي امحمد: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: الجزائر، الشلف، الأغواط، البليدة، البويرة، تيزي وزو، الجلفة، المدية، المسيلة، بومرداس، تيبازة، عين الدفلى.  

‌ب- قطب محكمة قسنطينة: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: قسنطينة، أم البواقي، باتنة، بجاية، بسكرة، تبسة، جيجل، سطيف، سكيكدة، عنابة، قالمة، برج بوعريرج، الطارف، الوادي، خنشلة، سوق أهراس، ميلة.  

‌جـ قطب محكمة ورقلة: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: ورقلة، أدرار، تمنراست، إليزي، تندوف، غرداية.  

‌دـ قطب محكمة وهران: ويمتد الإختصاص المحلي لهذه المحكمة ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق بها إلى محاكم المجالس القضائية التالية: وهران، بشار، تلمسان، تيارت، سعيدة، سيدي بلعباس، مستغانم، معسكر، البيض، تيسمسيلت، النعامة، عين تموشنت وغليزان.  

وحدد هذا الإختصاص الإقليمي بموجب المواد4 ، 3 ،2 و5 من المرسوم التنفيذي رقم 06 -348 المؤرخ في 5 أكتوبر 2006 يتضمن تمديد الإختصاص المحلي لبعض المحاكم ووكلاء الجمهورية وقضات التحقيق. 

كما أنّ هذا المرسوم نص على تمديد الإختصاص المحلي لهؤلاء في جرائم المخدرات، الجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة معالجة الآلية للمعطيات، جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، غير أنه وبإستقراء المادة 24 مكرر 1من الأمر رقم 10 -05 المنصوص عليه أعلاه والتي نصت على خضوع جرائم الفساد لإختصاص الجهات القضائية ذات الإختصاص الموسع وذلك وفقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية.  

كما ينعقد الإختصاص لمحكمة القطب الجزائي المتخصص عند مطالبة النائب العام لهذه الجهة بالإجراءات بعد إخطاره من طرف وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان وقوع الجريمة، وتمكينه بنسخة من الإجراءات، ويمكن للنائب العام أن يطلب بالإجراءات في أي مرحلة من مراحل الدعوى إذ اعتبر أنّ الجريمة تدخل ضمن اختصاص القطب الجزائي المتخصص ويترتب على المطالبة بالإجراءات ما يلي : 

- تخلي وكيل الجمهورية الواقع بدائرة اختصاصه الوقائع عن الملف والتحقيقات وٕإسناد ذلك إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة القطب الجزائي المتخصص. 

- تخلي قاضي التحقيق بالمحكمة الواقع بدائرة إختصاصها الوقائع لفائدة قاضي التحقيق بمحكمة القطب الجزائي المتخصص، وهنا يتعيّن على ضباط الشرطة القضائية تنفيذ تعليمات قضاة التحقيق بالجهة القضائية المختصة.  

إلا أنه ما يعاب على المشرع الجزائري وبالرغم من تبنيه لنظام جزائي متخصص للنظر في قضايا الفساد، وبقية الجرائم الخاصة الآخرى، أقر جملة من الإجراءات الخاصة بهذه الجرائم، لكن الملاحظ على مستوى الأقطاب غياب تام للتحقيق المشترك بين قضاة التحقيق وقضاة الحكم، على الرغم من أن من قانون الإجراءات الجزائية يجيز ذلك وهي من الأهداف المرجوة من مثل هذه الجهات. 

كذلك عدم استخدام أساليب التحري الخاصة أثناء مرحلة التحقيق، وأيضا البطء في تنفيذ الإنابات القضائية وهو ما يشكل عائق لعمل هذا القضاء المتخصص، على إعتبرا أن جرائم الفساد جنح ومدة الحبس المؤقت فيها قليلة بالنظر لسير عمليات التحقيق وهذا ما يؤثر سلبا في تحقيق العدالة المرجوة. 

رابعا: مبادئ وإجراءات سير الجلسة: 

تخضع جرائم الفساد للإجراءات المقررة وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في ق.ع، ومن قانون الإجراءات الجزائية من حيث تشكيل المحكمة ومن حيث المبادئ التي تحكم المحاكمة. 

1. المبادئ العامة للمحاكمة: نظرا لأهمية المحاكمة فقد وضع القانون قواعد عامة تلتزم بها الجهات القضائية، أيا كان نوعها أو درجتها من شأنها حماية الحقوق والحريات الفردية سواء كان المتهم بجريمة من جرائم الفساد، أو أية جريمة أخرى من جرائم القانون العام. 

و تتميز محاكمة متهمي جرائم الفساد بجملة من القواعد تجعلها مختلفة تماما عن القواعد التي تحكم مرحلتي جمع الاستدلالات والتحقيق الابتدائي، وهي قواعد تشترك فيها جميع الجرائم التي تصل لمرحلة المحاكمة، وهذه المبادئ تتمثل في: 

_ علانية الجلسات: الأصل أن جلسات المحاكمة بالنسبة لجرائم الفساد، تكون علانية أي يسمح للجمهور حضورها، وهذا المبدأ مقرر لغالبية الجرائم، حتى يكون الأفراد قريبين من المحاكم الجزائية وبذلك تعزيز ثقتهم في جهاز القضاء، وهو مبدأ مكرس بنص الدستور ومن قانون الإجراءات الجزائية.  

_ شفوية المرافعات: يقصد بها أن يتم مناقشة الدفوع والأدلة المقدمة من أطراف الدعوى في معرض الجلسة، وطلبات النيابة شفاهة، واستنادا إلى أوارق الدعوى والمحاضر المقدمة من قبل جهة التحقيق أو من قبل النيابة العامة، حيث نصت المادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية على شفاهية المرافعات أمام محكمة الجنح  والمخالفات، وهذا ما يميز القضاء الجنائي عن القضاء المدني، أين يتم سير الجلسة فيه كتابيا عن طريق العرائض والطلبات الكتابية ورد الخصوم بالتناوب وما على القاضي سوى قراءتها  وتمكين الخصم الآخر من الرد وفقا لمقتضيات القانون المدني، إلى حين إنتهاء ذلك واكتفاء أحد الخصوم بما سبق تقديمه. 

_ وجاهية المرافعة: ويقصد بالوجاهية أن تقع إجراءات المحاكمة في مواجهة الخصوم، أي في حضورهم لذلك أوجب المشرع إعلان الخصوم بتاريخ الجلسة حتى يتمكنوا من الحضور  وٕاجراء التحقيق النهائي في مواجهتهم وٕإلا أخل بحقوقهم. 

أما النيابة العامة فحضورها إجباري بإعتبارها تدخل في تشكيلة جهة الحكم، وتبدي طلبات وتعد خصم في الدعوى العمومية، أما المسؤول المدني والمدعي المدني يمكن أن يمثلهما محامي في الجلسة. 

لكن المتهم يجب عليه أن يحضر الجلسة ولا يكفي حضور الوكيل عنه إلا إذا كان القانون يجيز ذلك صراحة، كما لو كانت حالته الصحية لا تسمح له بالحضور ووقع استجوابه من طرف قاضي منتدب بصحبة كاتب ضبط، وكمبدأ عام لا يمكن قيام إجراءات التحقيق النهائي في غيبة المتهم إلا إذا تم إبعاده عن الجلسة لإخلاله بنظامها، وهنا يتعين على المحكمة إطلاعه بما تم من إجراءات في غيابه، وفي حالة كونه فارا من العدالة هنا يحاكم رغم غيبته، ويصدر في حقه حكم غيابي مع أمر بالقبض الفوري وفقا لما حدده القانون من إجراءات.

_ تدوين إجراءات المحاكمة: إن إجراءات التحقيق النهائي أمام محكمة الجنح يتم تدوينها في ورقة الجلسة طبقا للمادة 236 من قانون الإجراءات الجزائية ،ويقوم الكاتب تحت إشراف الرئيس بإثبات سير المرافعات ولاسيما أقوال الشهود وأجوبة المتهم ويوقعها هو والرئيس ويؤشر عليها الرئيس خلال الثالثة (03) أيام الموالية لكل جلسة. 

2. إجراءات المحاكمة: تتشكل محكمة الجنح من قاض فرد ويساعده كاتب الضبط وبحضور وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه، طبقا لأحكام المادة 340 من قانون الإجراءات الجزائية ،وتصدر أحكام محكمة الجنح من القاضي الذي يترأس جميع الجلسات وٕإلا كانت باطلة، وٕإذا طرأ مانع من حضوره أثناء نظر القضية يتعين نظرها كاملة من جديد المادة 341 من قانون الإجراءات الجزائية. 

تبدأ المحكمة جلستها بالإعلان عن إفتتاحها ثم المناداة على أطراف الدعوى من متهمين وضحايا وشهود ومسؤولين مدنيين إن وجدوا، والتأكد من حضورهم أو غيابهم، ثم يتم التحقق من هوية المتهم أو المتهمين ،وتبليغه بالتهمة الموجهة إليه (جريمة من جرائم الفساد)، والمواد القانونية المعاقب عليها (من 25 إلى 48 من القانون رقم 06/01)، وبأمر الإحالة، وطريق اتصال المحكمة بالدعوى. 

وٕإذا كان المتهم محبوسا مؤقتا سيق بواسطة القوة العمومية لحضور الجلسة في اليوم المحدد لها طبقا لأحكام المادة 344 من قانون الإجراءات الجزائية ،وٕإذا حصلت إحالة المتهم المحبوس مؤقتا طبقا لإجراءات التلبس بالجنحة، أخطره رئيس المحكمة بأن له الحق في اختيار محام يساعده، وفي طلب مهلة لتحضير دفاعه، فإن أبدى المتهم رغبته في ذلك تعين على القاضي أن يمنحه مهلة معقولة لا تقل عن ثلاثة (03) أيام لكي يتمكن من تحضير دفاعه، طبقا لأحكام المادة 338 من قانون الإجراءات الجزائية.  

وٕإذا كان المتهم مصاب بعاهة طبيعية تعوق دفاعه، وجب تعين محام للدفاع عنه، وفقا لأحكام المادة 351/01 .02 من قانون الإجراءات الجزائية ،وٕإذا طلب المتهم الحاضر مدافع عنه فالرئيس ندب مدافع عنه تلقائيا، وباعتبار أن جرائم الفساد كلها جرائم مالية تقنية، ليس فيها ما يستدعي بالقاضي في الجلسة أن يقرر المحكمة سرية فيها، بل تكون في محاكمة علانية، طبقا لأحكام المادتين 285 و 342 من قانون الإجراءات الجزائية.  

بعدها تبدأ إجراءات التحقيق في الجلسة بإستجواب المتهم حول الوقائع المنسوبة إليه، واستفساره حول كل واقعة من الوقائع ومواجهته بالأدلة، ثم يتم سماع الشهود وتصريحات الضحايا، ويكون للنيابة العامة

الحق في توجيه الأسئلة مباشرة إلى المتهم والشهود والضحايا، فيما يكون للدفاع المتهم والضحايا الحق في توجيه الأسئلة عن طريق الرئيس، وفقا لما يراه مناسبا في إظهار الحقيقة ومفيدا حسب المادة 224 من قانون الإجراءات الجزائية.  

وعند إنتهاء التحقيق في الجلسة تسمع أقوال المدعي المدني، والذي يكون في جرائم الفساد ممثل القطاع العام أو الخاص، وٕإذا كان المتهم في جرائم الفساد موظف وبذلك تكون طلباته متمثلة في التعويض عن الضرر الذي لحق بالقطاع العام أو الخاص، وذلك طبقا للمادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية ،ثم تقدم النيابة العامة طلباتها الكتابية أو الشفوية التي تراها مناسبة لصالح العدالة طبقا لأحكام المادة 238 من قانون الإجراءات الجزائية.  

وفي الأخير يقدم دفاع المتهم مرافعته وللمدعي المدني والنيابة العامة حق الرّد على دفاع باقي الخصوم والمتهم ومحاميه، ودائما الكلمة الأخيرة للمتهم طبقا لأحكام المادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية ،ثم يعلن الرئيس عن إنتهاء المرافعات، ويحدد تاريخ النطق بالحكم فيها، كما أن له أن يصدر الحكم في الحال طبقا للمادة 355 من قانون الإجراءات الجزائية. 

3_ سلطات القاضي الجزائي الاستثنائية في مواجهة جرائم الفساد

إذا كانت جرائم الفساد تخضع للقواعد العامة التي تسري على جميع الجرائم بخصوص سير إجراءات الدعوى العمومية وسير إجراءات المحاكمة، فإن قانون الفساد أعطى للقاضي صلاحيات وامتيازات خاصة أو منفردة بجرائم الفساد ولا تشمل بقية الجنح الأخرى، وذلك على إعتبار أن مكافحة جرائم الفساد لا يمكن أن تتم إلا بتزويد القضاء بسلطات خاصة، وهذا ما جاء به المشرع الجزائري من خلال القانون رقم 06/01، وتتمثل هذه السلطات فيما يلي: 

أ- إبطال الصفقات والعقود وكل امتياز آخر متحصل من إرتكاب جرائم الفساد: أعطى قانون الفساد للقاضي الجزائي صلاحية القضاء ببطلان وإنعدام آثار كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه من إرتكاب إحدى جرائم الفساد، وفقا لنص المادة 55 منه.

ومن خلال استقراء نص المادة نجد أن المشرع لم يحدد الجهة القضائية التي تقرر البطلان إلا أن المنطق القانوني يؤيد في كونها قسم الجنح. 

كما أن هذه السلطة أو الامتياز الممنوح للقاضي الجزائي، تقتضي منه أن يكون ملما وله تكوين خاص  ومعرفة كافية بالنظام القانوني للعقود المدنية والامتيازات، ونظام الصفقات العمومية، إضافة إلى حسن تقدير الظروف والأحوال التي يقضي فيها ببطلان الصفقة، خاصة أنه يجب عليه مراعاة حقوق الغير حسن النية. 

ب - تجميد أو حجز عائدات جرائم الفساد ومصادرتها: لم يكتفي قانون الفساد بإعطاء صلاحية للقاضي الجزائي بإبطال كل عقد أو امتياز...، بل أعطى له بموجب المادة 51 منه، صلاحية تجميد أو حجز عائدات جرائم الفساد بقرار قضائي أو أمر من السلطات المختصة، وٕإذا تمت الإدانة بإحدى جرائم الفساد كان على الجهة القضائية أن تأمر بمصادرة العائدات الغير مشروعة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية. 

ج- اختصاص القاضي الجزائي بنظر الدعوى المرفوعة من طرف الدول الأجنبية: من بين الاختصاصات أو السلطات الاستثنائية التي جاء بها قانون الفساد، إمكانية قبول القاضي أمام قسم الجنح الدعاوى المدنية التبعية أو قبول تأسس دولة أجنبية تكون طرف في الإتفاقية الأممية، كطرف مدني أمام قسم الجنح. 

وهذا ما جاء به نص المادة 62 من ق.الفساد، ومن خلاله نجد أنه بإمكان أي دولة طرف في الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد رفع دعوى أمام القضاء الجزائري من أجل استصدار حكم يعترف بملكيتها للأموال المتحصلة من إحدى جرائم الفساد. 

كما يمكن للقسم المدني إلزام الأشخاص المحكوم عليهم بسبب أفعال الفساد بدفع تعويض مدني للدولة الطالبة عن ما لحقها من أضرار. 

ومختلف هذه الإجراءات التي قد تطالب بها دولة أجنبية أمام القضاء الجزائري بخصوص جرائم الفساد ،هي إجراءات جديدة يختص بها القاضي الجزائي، غير مألوفة بالنسبة للجرائم الأخرى التي تعرض أمام القضاء الجزائري. 

المطلب الثاني: الإطار المؤسساتي والهيئات المختصة في جرائم الفساد ومكافحتها في الجزائر 

تجسيدا لالتزاماتها الدولية تجاه الأمم المتحدة وتقوية للمؤسسات الوطنية لترسيخ ثقافة مكافحة الفساد ،أنشأت الجزائر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وكذا الديوان المركزي لقمع الفساد بموجب القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الذي صدر في الجزائر سنة 2006، وذلك بعد مصادقتها بالمرسوم الرئاسي رقم 04 -128 المؤرخ في 19/04/2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتاريخ 31/10/2003، والتي تضمنت توصيات للدول المصادقة عليها ولا سيما المادة السادسة منها بإنشاء هيئة أو هيئات داخلية لمكافحة الفساد يتم إعطائها الاستقلالية اللازمة لأداء مهامها على أن تقوم كل دولة طرف بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو الهيئة الوطنية المنشأة في هذا المجال لغرض مساعدة الدول الأطراف الأخرى في مكافحة الفساد. 

وهذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري، من خلال نص المادة 17 و24 مكرر من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الذي أوصى بإنشاء هيئة وطنية مكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحته، وديوانا مركزيا لقمع الفساد كهيئة بحث وتحري. 

للإشارة وفي إطار استقلالية ومصداقية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قام المشرع بدسترتها في التعديل الأخير بسنة 2016 من خلال المادتين 202 و203، وبالتالي تم تدعيم هذه الهيئة بالبعد الدستوري إضافة للقانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد وكذا المرسوم الرئاسي رقم 06 -413 المؤرخ في 22 نوفمبر 2006 المعدل بالمرسوم الرئاسي رقم 12-64 المؤرخ في 7 فبراير سنة 2012.  

بادرت الجزائر إلى إنشاء مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تتضافر فها التقرير إلى ضمن جهودها في سبيل الوقاية من الفساد ومكافحته من خلال أجهزة الكشف وأجهزة للتحقيقات وهي حسب ما ورد في التقرير القطري كما يلي: 

الفرع الأول: أجهزة الكشف عن الفساد في الجزائر 

تم إنشاء مجموعة من الأجهزة والمؤسسات للكشف عن ممارسات الفساد في المؤسسات الجزائرية، وعليها سنفصلها على النحو التالي: 

أولا: الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته

جاء تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قصد تنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد ،وتجسيدا لتوصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد لسنة 2003، لذلك يستوجب علينا الوقوف عند نظامها القانوني، مهامها وكذا علاقتها بالأجهزة القضائية فيما يلي: 

1. النظام القانوني للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: نصت المادتين 17و 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته واستقلاليتها وتمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وترك مجال تشكيلتها وتنظيمها وكيفية سيرها إلى التنظيم، وقد تجسد ذلك بموجب مرسوم رئاسي سنة 2006. 

نصت المادة الخامسة منه أن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته تتشكل من رئيس وستة أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وتتكون الهيئة طبقا لمضمون المادة 06 من نفس المرسوم من:

1. مجلس اليقظة والتقييم: تشكيلته هي نفس تشكيلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

2. مديرية الوقاية والتحسيس: لم يتطرق المرسوم الرئاسي لتشكيلة هذه المديرية، واكتفى بالنص على المهام المخولة لها وهي الوقاية والتحسيس من خطورة الفساد. 

4. مديرية التحاليل والتحقيقات: لم يحدد المرسوم الرئاسي كذلك تشكيلتها وتتمثل مهامها في تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بأعوان الدولة بصفة دورية، كما تقوم بجمع الأدلة والتحري في الوقائع التي تتعلق بالفساد بالاستعانة بالهيئات الخاصة.

أما فيما يخص كيفية سير الهيئة فلقد حدد المرسوم الرئاسي السالف الذكر على أن تعقد الهيئة اجتماعا عاديا كل ثلاثة أشهر، كما تعقد اجتماعات غير عادية بناء على استدعاء من رئيس مجلس اليقظة. 

وتجدر الإشارة في هذا المقام أنه طبقا لنص المادة 23 من نفس القانون فإن جميع أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته وموظفيها وحتى الأشخاص الذين انتهت علاقتهم المهنية بالهيئة ملزمون بالسر المهني، وكل خرق لهذا الالتزام المذكور يشكل جريمة إفشاء السر المهني المقررة في قانون العقوبات. 

ويعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته ويتم الإفشاء باطلاع الغير علي السر بأي طريقة كانت سواء بالكتابة أو شفاهة أو بالإشارة.

وقد عدل وتمم المرسوم السالف الذكر بمرسوم رئاسي أخر تحت رقم 12-64 ، وتم تعيين أعضائها وتنصيبهم في مهامهم، وقد صدر في سنة 2013 قرار وزاريا مشتركا بينها ووازرة المالية والوظيفة العمومية محددا النظام الداخلي لهذه الهيئة وشرعت في مهامها مع إعداد تقرير لرئيس الجمهورية. 

ولضمان استقلالية هذه الهيئة نص المشرع الجزائري في المادة 19 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على مجموعة من التدابير وهي كالآتي: 

- قيام الأعضاء والموظفين التابعين للهيئة، المؤهلين للاطلاع على معلومات شخصية وعموما على أية معلومات ذات طابع سري بتأدية اليمين الخاصة بهم قبل استلام مهامهم.

- تزويد الهيئة بالوسائل البشرية والمادية اللازمة لتأدية مهامها.

- التكوين المناسب والعالي المستوى لمستخدميه.

- ضمان أمن وحماية أعضاء وموظفي الهيئة من كل أشكال الضغط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة  والشتم أو الاعتداء مهما يكن نوعه التي قد يتعرضون لها أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم. 

2 - مهام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته: جاء في المادة 20 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ذكر للمهام الرئيسية للهيئة حيث نصت على: "تكلف الهيئة لا سيما بالمهام الآتية: 

اقترلح سياسة شاملة للوقاية من الفساد تجسد مبادئ دولة القانون وتعكس النزاهة والشفافية والمسؤولية في تسيير الشؤون والأموال العمومية.

تقديم توجيهات تخص الوقاية من الفساد لكل شخص أو هيئة عمومية أو خاصة، واقتراح تدابير خاصة منها ذات الطابع التشريعي والتنظيمي للوقاية من الفساد وكذا التعاون مع القطاعات المعنية العمومية والخاصة في إعداد قواعد أخلاقيات المهنة.

إعداد برامج تسمح بتوعية وتحسيس المواطنين بالآثار الضارة الناجمة عن الفساد.

جمع ومركزة واستغلال كل المعلومات التي يمكن أن تساهم في الكشف عن أعمال الفساد والوقاية منها لاسيما البحث في التشريع والتنظيم والإجراءات والممارسات الإدارية، عن عوامل الفساد لأجل تقديم توصيات لإزالتها.

التقييم الدوري للأدوات القانونية والإجراءات الإدارية الرامية إلى الوقاية من الفساد ومكافحته، والنظر في مدى فعاليتها.

 تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بالموظفين العموميين بصفة دورية ودراسة واستغلال المعلومات الواردة فيها والسهر على حفظها.

الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد.

ضمان تنسيق ومتابعة النشاطات والأعمال المباشرة ميدانيا، على أساس التقارير الدورية والمنتظمة المدعمة بإحصائيات وتحاليل متصلة بمجال الوقاية من الفساد ومكافحته، التي ترد إليها من القطاعات والمتدخلين المعنيين.

السهر على تعزيز التنسيق ما بين القطاعات وعلى التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على الصعيدين الوطني والدولي.

الحث على كل نشاط يتعلق بالبحث عن الأعمال المباشرة في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته وتقييمها والمستمدة من التوجيهات الواردة بالمادة 05 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهذا ما يؤكد ما قامت به الدولة الجزائرية في إطار تجسيد التزاماتها الدولية لمكافحة الفساد.  

ونصت كذلك المادة 21 من نفس القانون على أنه يمكن للهيئة في سبيل أداء مهامها أن تطلب من الإدارات والمؤسسات والهيئات التابعة للقطاع العام أو الخاص أو من كل شخص طبيعي أو معنوي آخر أية وثائق أو معلومات تراها مفيدة في الكشف عن أفعال الفساد وأن كل رفض متعمد وغير مبرر لتزويد الهيئة بالمعلومات أو الوثائق يشكل جريمة إعاقة السير الحسن لقطاع العدالة. 

وجاء في المادة 24 كذلك على أنه: على الهيئة أن ترفع إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا يتضمن تقييما للنشاطات ذات الصلة بالوقاية من الفساد ومكافحته وكذا النقائص المعاينة والتوصيات المقترحة عند الاقتضاء. 

3 - علاقة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته بالسلطة القضائية: لقد نصت المادة 20 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في البند السابع أن للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته صلاحية الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة والتحري في وقائع ذات علاقة بالفساد. إلا أن صلاحية البحث والتحري تتعارض والطابع الإداري للهيئة طبقا للمادة 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته خاصة وأنه لم يتم تزويدها بصلاحيات الضبط القضائي.

وهذا ما دفع حسب تقديرنا بالمشرع إلى إنشاء هيئة ثانية مكلفة بالبحث والتحري إلا وهي الديوان الوطني لمكافحة الفساد والذي سنتطرق له بنوع من التفصيل فيما بعد، وذلك تفاديا للخطأ الذي وقع فيه المشرع الفرنسي الذي تبنى في سنة 1993 قانون يتعلق بالوقاية من الفساد وشفافية الحياة الاقتصادية والإجرءات العمومية والذي أعيد عرضه من جديد في سنة 2016 و اخطر المجلس الدستوري مؤخرا حول هذا النص الجديد ولم يفصل فيه إلى حد ألان. 

وقد سبق وأن صدر عن المجلس الدستوري الفرنسي قرارا بتاريخ 20/01/1993 نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 22/01/1993 ص:1118 يقضي بسحب من مشروع قانون سنة 1993 سلطات التحري والتحقيق التي كان يزود بها "الجهاز المركزي للوقاية من الفساد"، لذلك جاء في القانون بعد تعديله أن هذا الجهاز مدعو إلى ضمان إجراء المعاينات والمتابعات والتحقيقات المتعلقة بجرائم الفساد في أحسن الظروف، ويفهم من ذلك أنه يساعد النيابة العامة على حسن سير التحريات التي تجريها ولا يباشرها هو بنفسه. 

ويقتصر دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في علاقتها مع السلطة القضائية فقط عند اكتشاف أي جريمة تقوم بتحويل الملف إلى السيد وزير العدل الذي بدوره يخطر النائب العام المختص.

ثانيا: الديوان المركزي للوقاية من الفساد ومكافحته 

تأسس الديوان المركزي لقمع الفساد عمليا في مارس 2013 في إطار توفير أدوات مكافحة الفساد. وتقرر إنشاءه في إطار تطبيق التعليمة الرئاسية رقم 03 الصادرة في 13ديسمبر2009 المتعلقة بتفعيل وجوب تعزيز آليات مكافحة الفساد ودعمها على الصعيدين العملياتي والمؤسساتي. 

ويتشكل من ضباط للشرطة القضائية وقضاة وكتاب ضبط وممثلين عن عدة إدارات. ويتولى مهمة جمع واستغلال كل معلومة تابعة لمجال اختصاصه وٕاجراء تحقيقات والبحث عن أدلة حول الوقائع لاسيما القضايا الكبرى المتعلقة بالفساد وتقديم مرتكبيها أمام النيابة العامة.

ويسعى الديوان بالتعاون مع الأجهزة المماثلة إلى ضمان نشاط منسق وتكميلي، في مجال الأمن المالي ،من خلال تعزيز التنسيق مع باقي أجهزة الرقابة على غرار خلية معالجة المعلومة المالية والمفتشية العامة للمالية واللجان الوطنية للصفقات العمومية، وهي كلها مؤسسات تابعة لوصاية وازرة المالية. 

ويمكن للديوان اللجوء إلى الإخطار الذاتي من خلال استغلال المعلومات التي تتداولها الصحافة أو مصادر أخرى. كما يمكن أن تخطره المفتشية العامة للمالية وخلية معالجة المعلومة المالية ومصالح الشرطة أو مجرد مواطنين. وعليه سوف نتطرق إلى كل من نظامه القانوني، هياكله وعلاقته بالسلطة القضائية فيما يلي: 

1- النظام القانوني للديوان المركزي لقمع الفساد: أنشئ الديوان المركزي لقمع الفساد وفقا لنص المادة 24 مكرر المستحدثة في قانون الوقاية من الفساد اثر تعديله بموجب الأمر رقم 10-05، ونصت المادة 24 مكرر1 على أن جرائم الفساد تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد طبقا لقانون الإجراءات الجزائية، وبذلك يكون المشرع قد وضع حدا لوضعية شاذة كما يقول الدكتور بوسقيعة كانت تتميز باستبعاد جرائم الفساد من قائمة الجرائم الخاصة التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد. 

وبالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية المحال إليه نجد أن المواد من 40 مكرر إلى 40 مكرر 4 منه رسمت مسار الجرائم التي تخضع لاختصاص المحاكم ذات الاختصاص المحلي الممدد كالآتي: 

- يخبر ضباط الشرطة القضائية فوار وكيل الجمهورية الذي وقعت الجريمة في دائرة اختصاصه ويبلغونه بأصل محضر التحقيق ونسختين منه، وفور تلقيه المحضر يرسل وكيل الجمهورية نسخة منه إلى النائب العام لدى المجلس القضائي التابعة له المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد.

- يطالب النائب العام فورا إذا رأى أن الجريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد التابعة له المحاكم ،و يجوز للنائب العام أن يطالب بالإجراءات في جميع مراحل الدعوى.

- في حالة فتح تحقيق قضائي، يصدر قاضي التحقيق أمرا بالتخلي عن الإجراءات لفائدة قاضي التحقيق لدى المحكمة ذات الاختصاص المحلي الممدد المختصة. 

2 - هياكل الديوان المركزي لقمع الفساد: تأكد تأسيس هذه الهيئة المركزية بتعديل قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بموجب الأمر رقم 10- 05، حيث نصت المادة 24 مكرر من الباب الثالث مكرر المستحدثة في قانون الوقاية من الفساد اثر تعديله على إنشاء الديوان المركزي لقمع الفساد وجاء كذلك في المادة 24 مكرر1 على تمديد الاختصاص المحلي لضباط الشرطة القضائية التابعين له، طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجزائية. 

وحددت تشكيلة هذا الديوان وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 11 -426 مؤرخ في 8 ديسمبر 2011 المعدل بالمرسوم الرئاسي رقم 14 -209 بتاريخ 23/07/2014، على أن الديوان مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية، تكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد.

3 - علاقة الديوان المركزي لقمع الفساد مع الأجهزة القضائية: يعتبر الديوان المركزي لقمع الفساد مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية تكلف بالبحث عن الجرائم ومعاينتها في إطار مكافحة الفساد وٕإحالة مرتكبيها للمثول أمام الجهة القضائية المختصة طبقا لأحكام القانون 01 -06 المؤرخ في 20 فيفري 2006، كما يقوم الديوان بمعالجة الملفات التي تحال عليه من طرف الهيئات الرسمية علاوة على دراسة رسائل المواطنين. وبالرجوع إلى الباب الثالث مكرر من الأمر رقم 10-05 ولا سيما المادة 24 مكرر وفي فقرتيها الأولى والثانية، نجدهما تشير بان ضباط الشرطة القضائية التابعون للديوان يمارسون مهامهم وفقا لقانون الإجراءات الجزائية وأحكام قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.  

تبعا لما سبق يمكن أن نقول بان الديوان يعتبر امتدادا للجهاز القضائي أو هيئة من هيئاته موضوع مباشرة لدى وزير العدل حافظ الأختام. 

ثالثا: خلية معالجة الاستعلام المالي (وحدة الاستخبارات المالية):

أنشأت عام 2002 بدأت العمل منذ عام 2004 وهي سلطة إدارية تابعة لوازرة المالية متخصصة في مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال وتشمل مهامها: 

أ‌- تلقي تقارير عن الأنشطة المشبوهة المتعلقة بتمويل الإرهاب أو عمليات غسل الأموال. 

ب‌- إحالة الملفات ذات الصلة إلى النيابة العامة التي لديها الولاية القضائية في البلد.

ت‌- تنفيذ التدابير اللازمة لكشف كل أشكال تمويل الإرهاب وغسل الأموال، وأن تطلب من الهيئات المعنيةً ويجوز لهذه الخلية (الوحدة) أيضا موافاتها بأي وثيقة أو معلومة يقتضيهاً والأشخاص المعنيين قانون إنجاز مهمته. 

رابعا: المفتشية العامة للمالية: 

هي هيئة للمراقبة الدائمة، تعمل تحت السلطة المباشرة لوازرة المالية ،ومسؤولة عن تدقيق بيانات الأموال العمومية في مرحلة لاحقة، بإجراء عمليات مراجعة للحسابات وتحقيقات قد تنتهي إلى إجراء ملاحقات قضائية. 

خامسا: مجلس المحاسبة: 

مؤسسة عليا تتولى المراقبة المالية اللاحقة لمالية الدولة ولمالية السلطات المحلية والمؤسسات العمومية، فإذا رصد مجلس المحاسبة في أثناء قيامه بمهامه الرقابية وقائع قد تدل على ارتكاب جرم جنائي، أحال الملف إلى النائب العام المختص، لإجراء الملاحقة القضائية، وأخطر وازرة العدل بذلك. 

الفرع الثالث: أجهزة التحقيق في قضايا الفساد بالجزائر 

حسب ما جاء في التقرير القطري لدولة الجزائر، فإن لديها مجموعة من الفئات بالتحقيق في جرائم الفساد منها: الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية: 

1. المديرية العامة للأمن الوطني: إحدى المهام المنوطة بالمديرية العامة للأمن الوطني، تضطلع بها مديرية الشؤون الاقتصادية والمالية، التابعة لها، وهذا الجهاز المركزي المتخصص مكلف بتتبع توجيه وتنسيق أنشطة شرطة المباحث ما في قضايا فساد، وعلى مستوى جهاز أمن كل الجنائية العامة لا سيل الوحدة الاقتصادية والمالية بإجراء التحقيقات المتعلقة ،ولاية، تتكفل بقضايا الفساد. 

2. الدرك الوطني: يوجد داخل المصلحة المركزية للتحقيقات الجنائية مكتب متخصص في مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، وتتولى وحدات متخصصة تابعة لها، تنفيذ أنشطة هذه المصلحة على الصعيد الإقليمي. 

3.المصلحة المركزية للشرطة القضائية للمصالح العسكرية للأمن: تضطلع بمهام رصد انتهاكات التابعة لوازرة الدفاع الوطني.

ولكن يمكن القول أن موضوع الفساد أخذ مُـنعطّـفا جديدا في المنطقة المغاربية منذ الكشْـف عن المجموعة التي قيل أنها كانت تـدير شبكة صفقات مشبوهة في شركة النفط الجزائرية "سوناتراك"، والتي يبدو أن محمد مزيان، رئيس مجلس الإدارة السابق، هو الذي كان يتزعّـمها. وفي الجزائر اتّـصلت جهات في وزارة المالية بالشركة السويسرية "أس جي أس" (sgs)، لتكليفها بمراقبة صادرات وواردات البلد، مُستـبـقة إقرار تدابير جديدة ضدّ الفساد.

ولوحظ أن الجزائر تعتزِم الإنتقال إلى مرحلة متقدمة في مكافحة الفساد، بعدما قرّر أخيرا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشكيل لجنة وطنية سيُـكلـفها بالتحقيق في الجرائم الاقتصادية الكُـبرى ومتابعة عمل المؤسسات العمومية والوزارات. وسيحصل أعضاء الهيْـئة، الذين اختيروا من ضِـمن العناصر التي سبق لها التحرّي في ملفات ''الخليفة'' والطريق السيارة الرابطة بين غرب البلاد وشرقها. أكثر من ذلك، فقد قرر بوتفليقة إرسال الفريق لتلقـي تكوين متخصّـص في الولايات المتحدة لدى مكتب التحقيقات الفدرالي ومؤسسات رسمية أمريكية أخرى.

وعن سؤال لـ swissinfo.ch عمّـا إذا كان الجهاز القضائي نفسه خاضِـعا لنفوذ أجهزة الأمن والدّرك القوية فأجاب: "الأمن والدّرك الوطنـيان مهامّـهما معروفة. وما يُـعرف بالاستعلامات والأمن، له مهامّ معروفة أيضا، وهي تتعلّـق بأمن الدولة وتُـصنف ضِـمن أسْـرار الدفاع الوطني، وهذه المؤسسة لها قِـسم يسمّـى الضّـبط القضائي وله مهامّ معروفة كذلك، ولكلّ جهاز هيْـئة تراقبه، لكن هناك صِـراع بين كل هذه الأجهزة وكل واحد يُـريد أن تكون قضية معيّـنة ضِـمن صلاحياته، وهذا موجود في كل الأنظمة في العالم." واستدلّ قُـضاة آخرون، رفضوا الكشْـف عن هوياتهم، على القيود السياسية التي تـعرقل عمَـل القضاء بملفّ الفساد، الذي نظرت فيه أخيرا غُـرفة الإتهام بمجلس قـضاء العاصمة الجزائر، والذي اعتبرته وسائل الإعلام المحلية، أكبر ملفّ فساد في تاريخ الجمارك الجزائرية. 

وتتمثل وقائع الملفّ، الذي دُفِـن في الأدراج منذ سنة 2000 ولم يُفـرج عنه إلا أخيرا، في أن 12 من عناصر الجمارك و5 مصدّرين تواطئوا لتزوير وثائِـق تصدير نفايات حديدية وغير حديدية، وكلـفت العملية الخزنة خسارة قُـدرت بـ 3 آلاف مِـليار سنتيم جزائري. 

وأفادت صحيفة "الشروق" الجزائرية، أن تفاصيل هذه القضية تعُـود إلى شهر نوفمبر من عام 2000، بعد توقيف بثّ حلقة من البرنامج التلفزيوني "المحقـق" (الذي لم يتمكّـن الجزائريون من مُـشاهدتها إلى اليوم).

وتطرّق البرنامج إلى أخطر ملفـات الفساد على مستوى الجمارك. وقيل آنذاك، إن الجهات الأمنية المختصّـة تلقّـت أمرا من الرئيس بوتفليقة بمُـتابعة التحقيقات بحزْم، فيما أشارت صحيفة "الشروق" إلى أن رئيس الدولة وجّـه رسالة إلى شخصية أحمد أويحيى، وزير العدل آنذاك لتكليف النيابة العامة بالتحقيق في أربعة ملفّـات ،من بينها صَـفقات تصدير النـفايات الحديدية وغير الحديدية، والتي تورط فيها مدير عام الإتصال والعلاقات العامة في الجمارك ومصدرون من القطاع الخاص. 

وعلى سبيل المثال، أظهرت أوراق التحقيق، التي كشفت النـقاب عنها صحيفة "الشروق" أخيرا، أن قوات الجيش التي ضبطت الشّـحنات المُـعدّة للتصدير وارجعت وْزْنها إدارة الغشّ، اكتشفت أن الوزن الإجمالي للحاويات، حسب تصريح المصدر، لا يتعدى 110 طنّـا وأن الوزن المُـضاد، الذي توصّـلت له إدارة الجمارك، هو 142.540 كلغ، أما الوزن الذي توصّـلت له هيئة الضابطة القضائية، فهو 264.460 كلغ. وأظهرت بشكل خاص أن ضبّـاطا في الجمارك تعمّـدوا تزوير عمليات تدقيق الوزن لكي تكون مطابقة لِـمَا أثبتته الضابطة العدلية، بالإضافة للتـلاعب بالأسعار المرجعية للنفايات غير الحديدية، التي تحددها وازرة التجارة.

كما تمّ تحرير مَـحاضر بعدما سجّـل التليفزيون الجزائري في أواخر 2000 شريطا خُصـص للتحقيق في تصدير النـفايات الحديدية وغير الحديدية والتـلاعبات في ملفّ استيراد الأجهزة الإلكترونية والكهرومنزلية بواسِـطة نظام "أس كادي \ سي كادي"، لكن تلك المحاضر كانت مزّوّرة وأرسلت إلى الرئاسة التي أحالتها بدوْرها إلى وازرة العدل والنيابة العامة لمُـعاودة التحقيقات.

وطِـبقا لقرار الإحالة، أصدَر قاضي التحقيق يوم 23 نوفمبر 2006 أمرا بتعيين خبير أسْـنـدت له مهمّـة تحديد الأموال المستحقـة للخزينة العمومية، جُـزئيا، في هذا الملف الضّـخم. وصدر حُـكم ضد المصدرين للنفايات الحديدية وغير الحديدية، مع تحديد حجم المبالغ المالية المستحقـة لكل مصدر، لكنهم طعنوا في قرار المحكمة وقبلت هيئة الإستئناف طعْـنهم، وأحالت الملف برّمّـته إلى غرفة الإتهام، لدى مجلس قضاء العاصمة، مع تشكيله تشكيلا مغايِـرا، غير أن الملف ما زال يُـراوح مكانه في أرْوِقة الدوائر القضائية.

وتحدّثت صُـحف جزائرية أخيرا عن "المصير الغامِـض لثلاثة آلاف ملف فساد" في الفترة الفاصلة بين 1994 و2000 فقط... أكثر من ذلك، كشفت أخيرا صحيفة "الشروق" أنه "تمّ إتلاف بعض الملفات الضخمة في كل من ميناء الجزائر وميناء وهران وعددها 25 ملفا، تضمّـنت عشرات مليارات من السنتيمات"، وأشارت في هذا السياق، إلى عثورها على مراسلة مؤّرّخة في 3 أكتوبر 2004، صادرة عن مسؤولين بميناء الجزائر، أكّـدت ضَـياع محاضر معاينة قائلة أن عددها بلغ 19 ملفا وقدرت قيمتها الإجمالية، بحسب المراسلة، بأكثر من 30 مليار سنتيم. وأوضحت أن تلك الملفات "أصابها التـقادم الجُـمركي والجزائي بقوّة القانون، وهذا ما يؤدّي إلى تبديد المال العام، بفعل الإهْـمال وسوء التسيير."

 المرجع:

  1. د. امحمدي بوزينة آمنة، محاضرات في مقياس مكافحة الفساد، مقدمة لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص القانون العام، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، كلية الحقوق والعلوم السياسية القسم العام، السنة الدراسية 2019-2020، ص160 إلى ص215. 
google-playkhamsatmostaqltradent