النظام الرئاسي

النظام الرئاسي

النظام الرئاسي

تعود أصول النظام الرئاسي إلى النظام الملكي في العصور الوسطى في فرنسا٬ بريطانيا واسكتلندا حيث كانت فيها سلطات التنفيذية تصدر أوامرها بالتاج الملكي وليس من اجتماعات مجلس الأعيان (البرلمان)٬ إلا أن أفكار مونتسكيو وحججه في ضرورة تبني النظام النظم الديمقراطية الفصل بين السلطات أثرت في المؤسسة الدستورية  الأمريكي المنشأ من قبل الجمعية التأسيسية التي انعقدت في فيلادلفيا٬ ولكن تبني الفصل المطلق لسلطات وليس فصل المرن وذلك من أجل تعزيز مركز رئيس الجمهورية وإقامة نظام سياسي وإقامة نظام سياسي قوي يكفل الحريات ويقضي على الاستبداد.

الفرع الأول: أركان النظام الرئاسي

لقد نشأ النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الامريكية، وهو ذلك النظام الذي يقوم على الفصل المطلق أو التام بين السلطات، وأطلق عليه اسم رئاسي ذلك لأن مؤسس دستور الولايات المتحدة الامريكية في مؤتمر فيا في عام 1787، أراد تقوية مركز رئيس الجمهورية وتدعيم سلطته الفعلية.

أولا: فردية سلطة وتركيزها في يد رئيس الجمهورية

على خلاف النظام البرلماني الذي يعرف بثنائية السلطة التنفيذية٬ النظام الرئاسي يتميّز بأحادية السلطة التنفيذية٬ أي تتكون هذه الأخيرة من شخص واحد وهو رئيس الجمهورية ويعتبر هذا الأخير رئيس جمهورية ورئيس دولة ورئيس حكومة أي لا يوجد رئيس للوزراء٬ وبالتالي هو الذي يضع السياسة العامة للدولة ويتولى تنفيذها٬ وهو منتخب من قبل الشعب٬ ويتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة سكرتيرون وهم أشباه الوزراء في النظام البرلماني٬ ويتولى تعيينهم الرئيس كما يعزلهم بمفرده٬ وبالتالي غير مستقلين٬ وتكون مسؤوليتهم أمام الرئيس٬ وبالتالي لا وجود لرقابة سياسية للوزراء أمام البرلمان باعتبار أنهم لا يتمتعون بسلطة فعلية تنفيذية وإنما دورهم يكمن في مساعدة الرئيس٬ فاجتماعاتهم معه إنما تكون على سبيل الاستشارة لا غير فالقرار النهائي يتخذه الرئيس لوحده.

ثانيا: الفصل الثامن أو المطلق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية

لقد تأثروا واضعو الدستور الأمريكي سنة 1787 بأفكار مونتيسكيو ولكنهم لم يتخذوا بالفصل المرن بين السلطة التنفيذية والتشريعية٬ وإنما أخذوا بالفصل المطلق بينهما٬ دون أي تداخل بينهما٬ وذلك يهدف تحقيق التوازن والمساواة بين السلطتين.

1. الفصل المطلق في العضوية: ويتجلى ذلك في تكوين العضوي لكل سلطة:

- أي الاستقلال العضوي بين السلطة التنفيذية والتشريعية.

- عملية تكوين كل سلطة مختلفة عن أخرى.

- الرئيس الأمريكي ينتخب على أساس الاقتراع العام ولا ينتخب من الكونغرس٬ ويختار وزراءه بصفة مستقلة لا يراعي الأغلبية البرلمانية.

- ولا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية البرلمان٬ فالوزراء أو السكريتيرون لا يمكن لهم أن يكونوا أعضاء في البرلمان والعكس صحيح٬ فعند اختيار الرئيس النائب كوزير فعليه أن يقدم أولا استقالته من البرلمان.

2. الفصل في الوظائف:

- كل سلطة مستقلة في أداء وظائفها عن الأخرى، بحيث لا يمكن لسلطة تشريعية التدخل في السلطة التنفيذية أثناء أداء اختصاصاتها٬ كما لا يمكن لهذه الأخيرة التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية.

3. الفصل في العلاقات:

يتجلى ذلك من خلال غياب وسائل التأثير المتبادل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية٬ ومن مظاهر هذا الفصل:

- لا يجوز للوزراء دخول البرلمان لشرح سياسة الرئيس أو الدفاع عنها أو مناقشتها.

- لا يمكن لرئيس الجمهورية اقتراح القوانين حتى قانون المالية٬ فالبرلمان هو الذي يتولى مهام  إعداد مشروع الميزانية العامة للدولة عن طريق لجانه٬ ولكن يسمح للسلطة التنفيذية تقديم تقرير سنوي يبين فيه الحالة المدنية للدولة ومصروفات الدولة في السنة المنقضية واحتياجاتها للسنة الجديدة.

- لا توجد المسؤولية السياسية للوزراء أمام البرلمان٬ ولا يمكن لهذا الأخير مساءلة الوزراء٬ لكن رئيس الجمهورية والوزراء مسؤولون مسؤولية جنائية عن الجرائم التي يرتكبونها أمام البرلمان٬ أي المحاكمة أمام البرلمان.

- لا يمكن للرئيس حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو فضه أو تأجيل اجتماعاته.

وبالتالي القاعدة العامة٬ الفصل التام والمطلق بين السلطتين٬ ولكن استثناء٬ هناك بعض مظاهر التعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في النظام الرئاسي ويتجلى ذلك في:

- إذا كان لا يمكن لرئيس الجمهورية حق اقتراح القوانين٬ إلا أنه له حق إخطار البرلمان من وقت لآخر بأحوال الدولة ويقدم توصيات بالإجراءات التشريعية التي يراها ضرورية٬ أي له حق تقديم توصيات عامة.

- للرئيس حق الاعتراض التوقيفي المؤقت عن القوانين الصادرة من البرلمان٬ ولكن إذا أقره البرلمان للمرة الثانية وبأغلبية ثلثي أعضائه فعلى السلطة التنفيذية تنفيذه.

- الرئيس حق دعوة البرلمان للانعقاد في دورات غير عادية إن دعت الضرورة إلى ذلك.

- لمجلس الشيوخ حق الموافقة على تعيين رئيس الجمهورية لكبار الموظفين في الدولة٬ أي يأخذ الرئيس باقتراحهم ويجب الموافقة عليهم من قبل مجلس الشيوخ كتعيين القناصل والسفراء وقضاة المحكمة العليا الاتحادية.

- لمجلس الشيوخ أيضا دور رقابي على السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية٬ فقد نص الدستور الأمريكي على موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي أعضائه على المعاهدات الدولية التي يبرمها رئيس الجمهورية.

الفرع الثاني: تطبيق النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية مهد النظام الرئاسي٬ حيث كانت تتألف من ثلاثة عشر (13) مستعمرة بريطانية٬ وفي سنة 1776 تم الإعلان عن استقلال هذه المستعمرات٬ وفي سنة 1787  تم الإعلان عن دستور الدولة الاتحادية٬ وفي الوقت الحاضر تتألف الولايات المتحدة الأمريكية من خمسين(50) ولاية٬ ولقد أقر الدستور الأمريكي النظام الرئاسي وهو ما زال ساري المفعول مع التعديلات المتلاحقة التي طرأت عليه  نتيجة لتطور المجتمع الأمريكي٬ لهذا نتناول مركز الرئيس الأمريكي والكونغرس والعلاقة بينهما.

أولا: السلطة التنفيذية

إن السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية أحادية يقودها رئيس الجمهورية لوحده دون الوزراء.

1. انتخاب رئيس الجمهورية:

يتولى السلطة التنفيذية الأمريكية رئيس جمهورية منتخب٬ ويجب أن تتوفر في المترشح للرئاسيات الشروط التالية:

- أن يكون أميركيًا بالولادة (أي جنسية أصلية).

- أن يبلغ من العمر 35 سنة على الأقل يوم الاقتراع.

- أن يكون قد أقام في الولايات المتحدة الأمريكية أربعة عشرة سنة على الأقل.

أمّا كيفية انتخاب الرئيس فيكون على درجتين٬ حيث الشعب الأمريكي يتولى انتخاب مندوبين٬ وهؤلاء المندوبون هم الذين يقومون بانتخاب الرئيس ( أي انتخاب غير مباشر)٬ حيث تنص المادة  02 من الدستور الأمريكي على أن الرئيس ينتخب على درجتين٬ فنصت على أن يقوم  ناخبو كل ولاية  باختيار عدد من الناخبين الرئاسيون أو المندوبين٬ يكون عددهم متساويا  لمندوبين الولاية في مجلس النواب والشيوخ٬ وبعدها ترسل النتائج إلى مجلس الشيوخ الذي يتولى مهام فرز الأصوات ويعلن عن الفائز بأغلبية الأصوات.

وفي حالة عدم حصول أي مترشح على الأغلبية المطلقة للأصوات٬ يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس الجمهورية من بين الأشخاص الثلاث الذين تحصلوا على أكبر الأصوات.

وينتخب الرئيس لمدة أربع سنوات ولم يرسل الدستور على إمكانية التجديد الانتخابي للمرة الثانية٬ ولكن جرى العرف من عهد الرئيس جورج واشنطن على إمكانية إعادة انتخاب الرئيس لمرة واحدة٬ وبعدما خرق الرئيس هذا العرف بترشيحه أربع مرات للرئاسة٬ فقد عدل الدستور لسنة 1947 حيث سمح بإعادة انتخاب الرئيس مرة واحدة.

2. صلاحيات رئيس الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية:

- يباشر رئيس الجمهورية الأمريكي وهو في نفس الوقت رئيس الحكومة مهام السلطة التنفيذية أما الوزراء فهم سكريتيرون وهم خاضعون للرئيس٬ ودورهم استشاري غير ملزم وفي بعض الأحيان يستغنى الرئيس على استشاراتهم وإنما يستشير ذوي الاختصاص.

- يتولى الرئيس مهام الجهاز الإداري الاتحادي ويعين كبار الموظفين٬ ولكن يجب موافقة مجلس الشيوخ على تعيين بعضهم.

- يشرف على إدارة الجهاز الدبلوماسي٬ حيث يرسم السياسة الخارجية للدولة.

- هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

- له حق مخاطبة الكونغرس إلى العناية بالتشريع في موضوع معين.

- تنفيذ القوانين٬ غير مسؤول أمام الكونغرس.

ثانيا: السلطة التشريعية

يتولى السلطة التشريعية كونغرس يتكون من مجلسين مجلس النواب ومجلس الشيوخ:

1. مجلس النواب:

وهو مجلس ينتخب من قبل الشعب لمدة سنتين٬ ويختلف تمثيل من ولاية لأخرى حسب الكثافة السكانية حيث كل 400.000 نسمة يمثلهم نائب واحد٬ ويبلغ عدد النواب 438 نائب أن يبلغ من العمر 25 سنة وأن يكون مواطنا أمريكيا لفترة سبع (07) سنوات.

2. مجلس الشيوخ:

يمثل مجلس الشيوخ على أساس عضوين لكل ولاية دون النظر إلى الكثافة السكانية، وبالتالي يتكون من 100 عضو٬ ويشترط في العضو أن يبلغ من العمر 30 سنة، وأن  يكون مواطنا أمريكيا لمدة تسع (09) سنوات٬  ومدة العضوية 06 سنوات٬ يجدد مرة واحدة، ويرأس مجلس الشيوخ نائب رئيس الجمهورية الذي ليس له حق التصويت إلا في حالة تعادل الأصوات.

3. صلاحيات الكونغرس الأمريكي:

- يتولى مهام التشريع بمجلسين إلا الضرائب٬ فإن المبادرة بيد مجلس النواب.

- له اختصاص انتخاب الرئيس في حالة عدم حصول أي أحد مترشح على الأغلبية وهو من اختصاص مجلس النواب.

- يتولى اعتماد الميزانية والتصديق عليها.

- يتولى إنشاء المحاكم الاتحادية الأقل درجة من المحكمة الاتحادية العليا ويحدد تنظيمها واختصاصاتها.

- يختص مجلس الشيوخ دون مجلس النواب في المشاركة مع الرئيس في تعيين كبار الموظفين.

ثالثا- الاستثناءات الواردة على الفصل المطلق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية:

- حق الرئيس الأمريكي دعوة البرلمان للانعقاد في دورة غير عادية في حالة الظروف الاستثنائية.

- للرئيس حق توجيه رسالة إلى الكونغرس فيها نظرة إلى الاهتمام بالتشريع في موضوع معين.

- يشارك مجلس الشيوخ الرئيسي في تعيين بعض كبار الموظفين.

- إذا كان الرئيس ونائبه غير مسؤولين سياسيين فإنهما مسؤولان جنائيا٬ ويتولى مجلس النواب توجيه التهمة لهما ويحاكمهما مجلس الشيوخ.

المرجع:

  1. د. خلوفي خدوجة، محاضرات في مقياس القانون الدستوري والنظم السياسية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس جذع مشترك، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019 – 2020، ص80 إلى ص88. 
google-playkhamsatmostaqltradent