الوصاية الإدارية على البلدية

الوصاية الإدارية على البلدية

الوصاية الإدارية على البلدية

تتمتع البلدية في ممارسة صلاحياتها، بالاستقلالية الإدارية والمالية، الناتجة عن منحها الشخصية المعنوية، إلا أن هذه الاستقلالية، ليست مطلقة وإنما هي محدودة بحاجز وهو ما يعرف بمبدأ وحدة الدولة، باعتبار أن البلدية هي جماعة إدارية إقليمية داخل الدولة الموحدة البسيطة تخضع لرقابة الدولة والتي تعرف بـ: "الرقابة الوصائية على البلدية" أو "الوصاية الإدارية".

وتعرف الوصاية الإدارية: بأنها رقابة إدارية خارجية، استثنائية تمارسها الدولة ممثلة في السلطات الإدارية المركزية على السلطات الإدارية اللامركزية (البلدية، الولاية) على أجهزتها و على أعمالها.

وذلك، حماية لمبدأ المشروعية ولتناول مظاهر هذه الرقابة، لابد من التطرق، للرقابة على الهيئات البلدية (المبحث الأول)، ثم الرقابة على أعمال البلدية (المبحث الثاني)، وهذا فيما يلي:

المبحث الأول: الوصاية الإدارية على هيئات البلدية

تتجسد الوصاية الإدارية على هيئات البلدية في الوصاية على هيئة البلدية ككل أي المجلس الشعبي البلدي ككل (المطلب الأول)، وفي الرقابة على أعضاء الهيئة التداولية والهيئة التنفيذية؛ أي أعضاء المجلس الشعبي البلدي (المطلب الثاني):

المطلب الأول: الوصاية الإدارية على هيئة البلدية (المجلس الشعبي البلدي ككل)

حل المجلس تتمثل الوصاية الإدارية التي تمارسها سلطة الوصاية على هيئة البلدية ككل، أي المجلس الشعبي البلدي ككل في آلية: حل المجلس الشعبي البلدي، و لتناول هذه الآلية لابد من التطرق إلى  تعريف حل المجلس الشعبي البلدي (أولا)، تبيان حالات حل المجلس (ثانيا)، ثم إجراءاته والآثار المترتبة عليه (ثالثا)، وهذا على النحو التالي:

أولا- تعريف حل المجلس الشعبي البلدي:

يعرف الحل بأنه: تلك الوسيلة القانونية أو الإجراء القانوني الذي يتم بم وجبة إنهاء حياة المجلس الشعبي البلدي وإزالة صفة العضوية لأعضاء المجلس الشعبي البلدي دون أن يترتب عنه مساس بالشخصية الاعتبارية للبلدية.

ثانيا- حالات حل المجلس الشعبي البلدي:

نظرا لخطورة حل المجلس الشعبي البلدي، على مبدأ التمثيل الشعبي، ونظام العهدة الانتخابية والديمقراطية المحلية، فقد حصره المشرع في ثمانية حالات، تشكل دوافع لحل المجلس الشعبي البلدي، نصت عليها المادة 46 منه وهي:

- في حالة خرق أحكام دستورية،

- في حالة إلغاء انتخاب جميع أعضاء المجلس،

- في حالة استقالة جماعية لأعضاء المجلس،

- عندما يكون الإبقاء على المجلس مصدر اختلافات خطيرة تم إثباتها في التسيير البلدي أو من طبيعته المساس بمصالح المواطنين وطمأنتهم،

- عندما يصبح عدد المنتخبين أقل من الأغلبية المطلقة بالرغم من تطبيق أحكام المادة 41 أعلاه،

- في حالة خلافات خطيرة بين أعضاء المجلس الشعبي البلدي تعيق السير العادي لهيئات البلدية وبعد اعذار يوجهه الوالي للمجلس دون الاستجابة له،

- في حالة اندماج بلديات أو ضمها أو تجزئتها،

- في حالة حدوث ظروف استثنائية تحول دون تنصيب المجلس المنتخب.

ثالثا- إجراءات الحل ضماناته والآثار المترتبة عنه:

يقتضي هذا العنصر، التطرق الى إجراءات حل المجلس الشعبي البلدي (1)، و ضماناته (2)، وأخيرا الاثار المترتبة عنه (3)، وهذا على النحو التالي:

1- إجراءات حل المجلس:

نصت المادة 47 من القانون رقم 11-10 على ما يلي: يتم حل المجلس الشعبي البلدي و تجديده بموجب مرسوم رئاسي صادر من رئيس الجمهورية بناء على تقرير الوزير المكلف بالداخلية.

2- ضمانات حماية مبدأ التمثيل الشعبي:

حماية لمبدأ التمثيل ولخطورة الحل على هذا المبدأ، فقد أحاطه المشرع بمجموعة من الضمانات:

- حصر حالات حل المجلس الشعبي البلدي.

- وجوب صدور تقرير من طرف وزير الداخلية باعتباره سلطة وصية على الجماعات الإقليمية

- وجوب صدور مرسوم رئاسي من طرف رئيس الجمهورية، ينشر في الجريدة الرسمية، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو الذي يمثل الإرادة الشعبية، وهو حامي الإدارة الشعبية وحامي الدستور وحامي وحدة الدولة. إلا أن هناك من الباحثين من يرى أن مبررات منح الاختصاص لرئيس الجمهورية لحل المجلس هي غير كافية، وذلك بسبب أن رئيس الجمهورية هو جهاز في السلطة التنفيذية، وأن القاضي هو وحده الكفيل بحماية مبدأ المشروعية والإرادة الشعبية لذلك يرى هذا الاتجاه من الباحثين أنه من الضروري منح اختصاص حل المجالس المنتخبة إلى القضاء، بعد دعوى قضائية ترفعها السلطة الوصية ضد المجلس الشعبي البلدي الذي تتوفر فيه إحدى حالات الحل.

3- الآثار المترتبة عن حل المجلس:

ينتج على حل المجلس الشعبي البلدي الآثار التالية:

- إزالة صفة العضوية بالمجلس عن جميع الأعضاء الذين يحملون صفة عضو وبالتالي، إنهاء مهامهم التي تتعلق بممارسة العهدة الانتخابية.

- ضمان استمرارية عمل البلدية بتعين الوالي متصرف ومساعدين لتسيير شؤون البلدية يعمل تحت سلطة الوالي.

- إجراء انتخابات لتجديد المجلس الشعبي البلدي خلال الستة أشهر الموالية للحل، يمارس مهامه إلى غاية انتهاء فترة العهدة الانتخابية المتبقية. وفي حالة تصادف الحل مع السنة الأخيرة للعهدة الانتخابية لا يتم إجراء انتخابات، وإنما يتم تسيير البلدية عن طريق متصرف ومساعدين.

المطلب الثاني: الوصاية الإدارية على كل الأعضاء والرئيس

لقد وضع المشرع في قانون البلدية، نظام رقابي على منتخبي البلدية، أي أعضاء المجلس الشعبي البلدي. تجب الملاحظة، أنه أخضع رئيس المجلس لنفس الأحكام التي تطبق على الأعضاء، وتتمثل مظاهر هذه الرقابة في الإيقاف (أولا)، الإقصاء (ثانيا) والإقالة (ثالثا)، وهو ما سيتم تناوله فيما يلي:

أولا- الإيقاف: 

هو ذلك الإجراء القانوني الذي يتخذه الوالي بموجبه يتم تجميد عضوية منتخب بلدي بصفة مؤقتة بسبب متابعة قضائية بجناية أو جنحة لها صلة بالمال العام أو مخلة بالشرف أو بسبب تدبير قضائي يحيل بينه وبين ممارسة عهدته الانتخابية إلى غاية صدور حكم نهائي.

في هذا الصدد نصت المادة 43 من القانون البلدي: "يوقف بقرار من الوالي كل منتخب تعرض لمتابعة قضائية بسبب جناية أو جنحة لها صلة بالمال العام أو لأسباب مخلة بالشرف أو كان محل تدابير قضائية لا تمكنه من الاستمرار في ممارسة عهدته الانتخابية بصفة صحيحة إلى غاية صدور حكم نهائي من الجهة القضائية المختصة في حالة صدور حكم نهائي بالبراءة، يستأنف المنتخب تلقائيا وفوريا ممارسة مهامه الانتخابية".

ولسلامة القرار المتعلق بالإيقاف، يجب أن يتضمن العناصر التالية:

- من حيث الدافع:

الدافع القانوني لإيقاف المنتخب البلدي يكون إما بسبب:

*متابعة الجزائية بسبب جناية أو جنحة على أن تنصب الجريمة على المال العام أو الشرف.

* تدبير القضائي الذي يحول دون مواصلة العضو لمهامه الانتخابية كالإقامة الجبرية مثلا.

- من حيث الاختصاص:

لقد منحت المادة 43 الاختصاص بالإيقاف إلى الوالي كسلطة وصية على البلدية.

- من حيث موضوع قرار الإيقاف:

يتمثل موضوع قرار الإيقاف في تجميد العضوية ومنع العضو من ممارسة مهامه الانتخابية مؤقتا، ولفترة محددة تبدأ من تاريخ صدور قرار الوالي وتنتهي بصدور قرار نهائي من الجهة القضائية المختصة.

- من حيث الشكل والإجراءات:

يجب في قرار التوقيف أن يكون من حيث الشكل معللا أي مسببا بأن يتم ذكر سبب التوقيف (المتابعة القضائية). كما يجب أن يتخذ قرار التوقيف من حيث الإجراءات بعد استطلاع رأي المجلس الشعبي البلدي في جلسة مغلقة وذلك حسب المادة 19 و 26 من القانون رقم 11-10.

- من حيث الهدف (الغاية): يسعى قرار التوقيف إلى حماية العهدة الانتخابية ومبدأ التمثيل.

* الآثار المترتبة عن الإيقاف:

- تجميد عضوية المنتخب البلدي: وبالتالي لا يمكن له أن يمارس مهامه الانتخابية، ولا حضور المداولات إلى غاية صدور حكم البراءة.

- استئناف ممارسة مهامه الانتخابية في حالة صدور حكم نهائي بالبراءة.

- في حالة صدور حكم بالإدانة الجزائية يتحول الإيقاف إلى إقصاء كما سنرى لاحقا.

ثانيا -الإقصاء: 

هو ذلك الإجراء القانوني الذي يتخذه الوالي بموجبه إزالة عضوية منتخب بلدي بصفة نهائية بسبب حكم نهائي بإدانته جزائيا بسبب جناية أو جنحة لها صلة بالمال العام أو لأسباب مخلة بالشرف أو كان محل تدابير قضائية لا تمكنه من الاستمرار في ممارسة عهدته الانتخابية بصفة صحيحة.

ولسلامة قرار الإقصاء، يجب أن يتضمن هذا القرار العناصر التالية:

- من حيث الدافع:

يعود الدافع الوحيد للإقصاء هو الإدانة الجزائية بحكم قضائي نهائي ضد المنتخب البلدي بسبب جناية أو جنحة لها صلة بالمال العام أو لأسباب مخلة بالشرف أو كان محل تدابير قضائية لا تمكنه من الاستمرار في ممارسة عهدته الانتخابية بصفة صحيحة.

- من حيث الاختصاص:

يعود الاختصاص إلى الوالي كسلطة وصاية الذي يقوم بإثبات الإقصاء بقرار.

- من حيث الموضوع:

يترتب على الإقصاء فقدان وزوال صفة العضوية بصورة نهائية كما يترتب عن الإقصاء استخلاف العضو المقصى بالمرشح الوارد في نفس القائمة مباشرة بعد المنتخب الأخير منها.

- من حيث الغاية: يسعى قرار الإقصاء لحماية العهدة الانتخابية ومبدأ التمثيل.

ثالثا – الاستقالة التلقائية (الإقالة):

وهي الحالة التي عرفتها المادة 45 من القانون رقم 11-10 الذي نصت على ما يلي: "يعتبر مستقيلا تلقائيا من المجلس الشعبي البلدي كل عضو تغيب بدون عذر مقبول لأكثر من ثلاث دورات عادية خلال نفس السنة".

وفي هذا الصدد، يشترط لإقرار هذا الحكم، يتم سماع المنتخب المعني، على أن يتم إعلان هذا التغيب، و يتم إخطار الوالي.

المبحث الثاني: الوصاية الإدارية على الأعمال

تنصب هذه الوصاية على أعمال البلديةـ وتتجسد في ثلاث صور أساسية هي المصادقة (المطلب الأول)، الإبطال (الإلغاء) والحلول (المطلب الثالث) وهو ما سيتم تناوله على النحو التالي:

المطلب الأول: المصادقة

المصادقة: هي الإجراء القانوني الذي يتخذه الوالي، والذي يتم بموجبه إقرار أو الموافقة على عمل المجلس الشعبي البلدي المتمثل في مداولة المجلس الشعبي البلدي، و تنقسم إلى المصادقة الصريحة، والمصادقة الضمنية:

أولا- المصادقة الصريحة:

نظرا لأهمية بعض المداولات, تشترط المادة 57 من القانون البلدي ضرورة الموافقة الصريحة للوالي بقرار ولائي صادر منه يتضمن  إقرار المداولات التي تتعلق بالمواضيع الآتية:

 - الميزانيات والحسابات.

 - قبول الهبات والوصايا الأجنبية

 - اتفاقيات التوأمة

 - التنازل عن الأملاك العقارية البلدية.

ثانيا- المصادقة الضمنية:

وهي الموافقة على المداولة التي تستشف (تفهم) بصفة ضمنية، في حالة عدم رد السلطة الوصية على مداولة ألزم القانون أن تكون بموافقة صريحة في أجل معين ويفهم ذلك، بعد مرور ذلك الأجل بدون رد السلطة الوصية وهذا ما نصت عليه المادة 58 من القانون رقم 11-10، السالف الذكر. 

المطلب الثاني: الإبطال (الإلغاء)

يتجسد هذا المظهر في إلغاء الوالي للمداولات الباطلة بقوة القانون حسب المادة 59 أو في حالة توفر حالة تعارض المصالح احد المنتخبين مع مصالح البلدية حسب المادة 60:

أولا- الإبطال بقوة القانون: 

حيث تعتبر باطلة بقوة القانون المداولات التي أوردتها المادة 59 منه وهي المداولات التي تكون في إحدى الحالات:

- المتخذة خرقا للدستور وغير المطابقة للقوانين والتنظيمات. 

- المداولات التي تمس رموز الدولة وشعاراتها.

- المداولات المحررة بغير اللغة العربية.

وقد خول القانون للوالي معاينة بطلان المداولة بموجب قرار.

ثانيا- القابلية للإبطال:

نصت المادة 60 من القانون البلدي على القابلية للإبطال بالنسبة للمداولات التي يشارك في اتخاذها أعضاء من المجلس بما فيهم الرئيس, لهم مصلحة فيها بصفة شخصية، أو بالنسبة لأزواجهم أو أصولهم أو فروعهم إلى الدرجة الرابعة أو كوكلاء. وقد خول القانون للوالي إثبات بطلان هذا النوع من المداولات بموجب قرار.

المطلب الثالث: سلطة الحلول

يقتضي معرفة حلول سلطة الوصاية بدل البلدية المتقاعسة للقيام بأعمال معينة، التطرق على تعريف الحلول (أولا)، ثم التطرق الى شروط وإجراءات تطبيق الحلول (ثانيا)، وذلك على النحو التالي:

أولا- تعريف سلطة الحلول: 

هو قيام السلطة الوصية (الوالي) بأعمال هامة موكلة في الأصل إلى البلدية   بمقتضى القانون بدلا منها وذلك بعد تقاعس هيئات البلدية على القيام بها في الآجال المحددة.

ثانيا: شروط وإجراءات تطبيق سلطة الحلول:

ونظرا لخطورة الحلول على مبدأ استقلالية البلدية، فقد أحاطه المشرع بمجموعة من الإجراءات هي:

- امتناع المجلس الشعبي البلدي عن القيام بالعمل الموكل لها حسب القانون.

- اعذار السلطة الوصية للبلدية و منحها آجالا لانجاز هذه الأعمال.

- أن تكون هذه الأعمال ذات أهمية بالغة أو مستعجلة.

- انتهاء الآجال المحددة لذلك.

ولقد نصت المادة 101 و 102 على حالات استعمال الوالي لسلطة الحلول كمظهر من مظاهر الوصاية الإدارية عندما يمتنع المجلس عن القيام بالأعمال المنوطة إليه.

تجب الملاحظة، أنه إذا كانت القاعدة العامة أن البلدية تمارس عليها الوصاية الإدارية، لاسيما على الهيئات المنتخبة وأعمالهم. فإنه يرد عن ذلك استثناءات، والتي تتمثل مهام رئيس مجلس الشعبي البلدي عندما يقوم بصلاحيات بصفته ممثلا للدولة (الضبط الإداري، الحالة المدنية..) تمارس عليه رقابة رئاسية (تسلسلية) كذلك، تجب الإشارة، أن الرقابة الرئاسية (التسلسلية) تمارس على الأشخاص المعينين وأعمالهم: كالأمين العام، وكذلك على كل مستخدمي البلدية المعينين داخل البلدية.

المرجع:

  1. د. طيبون حكيم، مطبوعة بعنوان محاضرات في قانون البلدية، ألقيت على طلبة السنة الأولى ماستر – تخصص قانون إدارة وتسيير الجماعات المحلية، جامعة الجيلالي بونعامة – خميس مليانة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، ص56 إلى ص63.

google-playkhamsatmostaqltradent