مفهوم النظم الحزبية

مفهوم النظم الحزبية

في إطار بيان مفهوم النظم الحزبية سنتناول في المطلب الاول لتعريف النظم الحزبية وفي المطلب الثاني لسمات النظام الحزبي، ثم الخدمات التي تؤديها الأحزاب السياسية ووسائل الأحزاب في تحقيق أهدافها في المطلب الثالث والرابع.

المطلب الاول: تعريف النظم الحزبية

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظم السياسية الحديثة تظل غالباً نظماً “حزبية سواء كانت ليبرالية أو سلطوية، تعددية أو أحادية، إذ أن الارتباط القوى بين الظاهرة الحزبية والنظم السياسية وخاصة الحديثة يضفي أهمية خاصة على موقع الأحزاب داخل إطار النظام السياسية المختلفة، فالأحزاب السياسية هي إحدى المقومات الأساسية للنظام الديمقراطي، إذ أنها من خلال مباشرتها للعمل السياسي تقوم بأكثر من دور في تدعيم النظام الديمقراطي وهي أحد البنى الاساسية الذي يشتغل على أساسها النظام السياسي، فهي تعتبر إحدى قنوات الاتصال بين الحاكم والمحكوم، وهي بمثابة قنوات للمشاركة السياسية والتجنيد السياسي، ولها العديد من الوظائف مثل التنشئة السياسية والمشاركة السياسية والتجنيد السياسي وغيرها.

هذا بالإضافة إلى الدور التحديثي للحزب السياسي والذي بدأ واضحاً في الارتباط الواضح بين الحزب والتحديث السياسي في الدراسات السياسية، كما أنه من المهم أن تتسم الأحزاب السياسية بالمؤسسة، لأنه لا يوجد توافق على السمات التي ينبغي أن تتوافر الحزب السياسي، أو نوع النظام الحزبي والذي من شأنه أنه يسهم بشكل أكبر في الحكم الديمقراطي في هذا الإطار قدمت الأدبيات السابقة مجموعة من الشروط المختلفة، مثل العدد المثالي للأحزاب، المستوى الأمثل من الاستقطاب الايديولوجي، والميزة النسبية لنظام الحزبين، أو التعدد الحزبي أو الحزب المهيمن ولكن الشرط الذي حظي بأكبر قدر من الاهتمام بشأن تعزيز الحكم الديمقراطي هو "مؤسسية الحزب”.

وفي مجال التعريف بالحزب السياسي: يرى "سيجموند نيومان Sigmund neuman" أن الحزب هو تنظيم للعناصر السياسية النشطة في المجتمع، والذين عادة ما يتنافسون سعياً للحصول على التأييد الشعبي، وهناك أيضاً تعريف "أبسن  Apstein" أن الأحزاب السياسية هي نتاج تلاقي عوامل عديدة ،وهي أحد العناصر المؤثرة على الحياة السياسية، أي أن الأحزاب يمكن النظر إليها باعتبارها نظاماً فرعياً ضمان النظام السياسي الكلي يؤدي وظائف وأدواراً معينة، حيث يؤكد "لابالومبارا  Lapalombara" أنه أينما وجد الحزب السياسي فإنه يؤدي مجموعة من الوظائف على اختلاف النظام السياسية التي ينتمي إليها، أما "لاسويل وكابلان  Lasswell & Kaplan" فأنهما يريا أن الحزب السياسي هو مجموعة من الأفراد، تصوغ القضايا الشاملة، وتقدم مرشحين في الانتخابات.

كما يرى كولمان وروزبرج أن الأحزاب السياسية هي اتحادات منظمة رسميا، ذات غرض واضح ومعلن يتمثل في الحصول على (أو) الحفاظ على السيطرة الشرعية (سواء بشكل منفرد، أو بالتآلف، أو التنافس الانتخابي مع اتحادات متشابهة)، أما "ماكس ويبر Max Weber" فيرى أن اصطلاح الحزب يستخدم للدلالة على علاقات اجتماعية تنظيمية، تقوم على أساس من الانتماء الحر، والهدف هو إعطاء رؤساء الحزب سلطة داخل الجماعة التنظيمية، من أجل تحقيق هدف معين او الحصول على مزايا عادية للأعضاء.

ويمكن تعريف الحزب السياسي أيضاً على أنه منظمة طوعية من الأفراد الذين تجمع بينهم غايات سياسية مشتركة، بعضهم يكتفون بتأييد هذه الغايات بينما يسعى آخرون إلى مزاولة السلطة بالترشيح في الانتخابات، ويتولى بعضهم الحكم عندما ينجح الحزب في الانتخابات، ويكون لهذا الحزب في العادة دستور، وقواعد للعضوية وإجراءات لتحديد كيفية تولى المناصب القيادية فيه.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أغلب دارسي الأحزاب السياسية قدموا تعريفات لمفهوم الحزب السياسي، فإن البعض الآخر من الدارسين لم يهتم بمسألة التعريفات بشكل مباشر على سبيل المثال فإن كتاب موريس ديفرجيه. الأحزاب السياسية لا يتضمن تعريفاً واضحاً للحزب السياسي، كما أن سارتوري في كتابه “الأحزاب والنظم الحزبية” قام باستعراضه للتعريفات التي وضعها عددا من الدارسين الآخرين، ثم تساءل عن جدوى التعريف وأهميته.

أن التنافس والتفاعل بين الأحزاب يؤثر علي شكل النظام الحزبي، فالنظم الحزبية عاملاً رئيسيا في دراسة الأحزاب السياسية بوجه خاص والتحليل المقارن بوجه عام، وتنقسم الدراسات المتعلقة بالنظم الحزبية لتيارات او ادبيات مختلفة فيمكن التمييز بين الادبيات الامريكية والادبيات المقارنة، والاهتمام الرئيسي هنا هو دراسة الاختلاف بين النظم الحزبية او بشكل أخص الاختلاف في عدد الأحزاب السياسية وأنماط التنافس والفرق بينهم. ففي البداية كان التمييز الأساسي بين نظام الحزبين وبين التعددية الحزبية، او بين نظام الحزب الواحد والحزبين والتعددية الحزبية، والباحثين مثل هولكومب (1933) Holcombe وألموند Almond 1956 يروا ان نظام الحزب الواحد هو نوعيا مختلف، في حين ان نيومان Neumann 1956 رأي ان نظام الحزب الواحد هو مصطلح متناقض مع طبيعته، وبالتأكيد علي ان مصطلح "حزب" هو جزء من كيان واحد اكبر مشكلا أجزاء متفاعلة بانتظام، فأن النظام الحزبي لابد ان يتألف من اكثر من حزب واحد.

ودراسة النظم الحزبية قد تم بالتوازي مع تطور التحليل المقارن، في البداية ركز علماء السياسة علي مجموعة محدودة من البلدان وهي: الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا كحالات لنظام الحزبين، وفرنسا وألمانيا كحالات التعددية الحزبية التنافسية والتمييز بينهم، حيث ترتبط نظم الحزبين بالحكومات القوية والفعالة اما التعددية الحزبية قد ترتبط اكثر بعدم استقرار النظام، ثم نقُحت الافتراضات السابقة في الستينات والسبعينات حيث بدأ علماء السياسة التوسع بتناول مجموعة اكبر من النماذج او الديمقراطيات الليبرالية ،وطوروا تمييزهم بين الأنماط الأكثر تعقيدا للنظم الحزبية وفقا لأنماط المعارضة، والحجم النسبي وقوة الأحزاب، وعدد الأحزاب والاستقطاب الأيديولوجي بينهم.

المطلب الثاني: سمات النظام الحزبي

يتألف النظام الحزبي من التفاعلات المنظمة بين الأحزاب المتنافسة، وقد دخل مفهوم "النظام الحزبي" حيز الاستخدام قبل ان يصاغ المفهوم ذاته (أي استخدم كمضمون قبل تسمية المصطلح) واحدى اول الاستخدامات المنهاجية للمفهوم كان علي يد دوفيرجيه (1954) Duverger في كتابه الأحزاب السياسية Political Parties، حيث طرح: انه باستثناء دول الحزب الواحد، وبتعايش عدة أحزاب في دولة واحدة، فإن اشكال وانماط تفاعلهم هو المحدد لشكل النظام الحزبي في هذه الدولة، وبالإضافة إلي سمات هذه الأحزاب فأن هذا النظام الحزبي يشمل عدد من السمات مثل: اعداد الاحزاب، احجامها، تحالفاتها ،التواجد الجغرافي، التوزيع السياسي وهكذا، فأن النظام الحزبي يعرف علي انه العلاقة بين كل تلك السمات السابقة.

وقد طرح سارتوري: ان الأحزاب صُنعت لتكُون "نظام" وذلك عندما تكَون أجزاء فيه، والنظام الحزبي بشكل ادق هو "نظام التفاعلات" الناجمة عن التنافس الحزبي، هذا يعني ان النظام يعتمد علي علاقة الأحزاب ببعضهم البعض، وكيف ان لكل حزب وظيفة او مهمة تجاه الأحزاب الأخرى سواء بالتفاعل او التنافس او غيرها من الأدوار، وعلي هذا النحو فأن النظام الحزبي مختلف عن شكل الأحزاب المُشكله له، حيث ان إصرار سارتوري علي السمات المنهاجية لا يمكنه فقط من التمييز بين أنظمة حزب الدولة المحتكر من جانب حزب واحد وبين النظم الحزبية التي يسودها التنافس علي الحكم، ولكنه يوفر اساساً لدراسة اهم سماتهم، فهناك تفاعل بين الأحزاب سواء خلال فترة الانتخابات، أي أثناء تنافسهم للحصول علي الأصوات والوصول للحكم، او خلال فترة ما بعد الانتخابات أي اثناء تشكيل الحكومة والمعارضة وقدرتها علي التعاون.

ومن ثم فأن النظم الحزبية لديها عدد من السمات التي تشكلت من خلال التنافس الانتخابي وما بعده وخلال علاقة الأحزاب ببعضهم البعض، وهذه السمات تشمل:

عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات والفائزة بالمقاعد التشريعية، حجمهم وقوتهم النسبية، عدد الابعاد المتنافسة حولها، ومدى انقسامهم حول القضايا الرئيسية، ومدى رغبتهم في العمل معا في تشكيل الحكومة ،درجة انفتاح مجال المنافسة للوصول للحكم، فهل هي منفتحة لكل الأحزاب ام مغلقة علي أحزاب معينة او علي تحالفات حزبية معينة، إلي جانب درجة ان النظام الحزبي نفسه مؤسسي او راسخ، ويمكن ان تختلف الأنظمة الحزبية بناء علي أياً من هذه الأبعاد، ولذلك فأن دارسي الأحزاب السياسية يسعوا إلي تبسيط هذه النظم من خلال تصنيفهم لمجموعات او أنواع معينة.

لا تخلو أي دولة من دول العالم من وجود تنظيم أو عدة تنظيمات سياسية يطلق عليها اسم حزب، وحتى لو لم يطلق عليها هذا الاسم، لكنها بالضرورة، لها تنظيمات سياسية تكون بمثابة حزب سياسي ،فعلي سبيل المثال، اللجان الثورية في ليبيا هي بمثابة حزب سياسي، رغم أن ليبيا نظرياً لا أحزاب فيها، أيضاً مصر في عهد الرئيس عبد الناصر ـ لم يكن فيها أحزاب لكن كان فيها تنظيم سياسي، يمثل حزباً وحيداً في الدولة وهو الاتحاد الاشتراكي، كما أن هناك دولاً اتبعت نظام الحزب الواحد، كالدول الشيوعية، وأخرى اتبَّعت النظام الحزبي الثنائي، كبريطانيا والولايات المتحدة، وأخرى نظام التعددية الحزبية، كإيطاليا وفرنسا، وغيرها.

تتميز الأنظمة السياسية بوجود حزب أو أحزاب تمثلها؛ تكون بمثابة الواجهة لها، ويتعرف الباحث من خلالها على شكل النظام السياسي في تلك الدول، على اعتبارات النظام السياسي في تلك الدول يستند على حزب سياسي معين، قد يكون وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب، أو ثورة، أو عن طريق الانتخاب ،ومن المعلوم أن الحزب الذي يصل إلى السلطة عن طريق انقلاب لا بد أنه سيسعى إلى عدم وجود حزب منافس له أو أحزاب منافسة له في السلطة، وعلى هذا الأساس تنشأ النظم ذات الحزب الواحد ،لكن قد يسمح هذا الحزب بوجود أحزاب صغيرة تحت قيادته، وتشكل معه ما يسمى بالجبهة الوطنية كالحزب الشيوعي في الصين.

إلا أن الدول التي يكون الحزب فيها قد وصل إلى السلطة عن طريق الانتخاب فيطلق عليها اسم نظم التعددية الحزبية، لكنها قد تكون ثنائية حزبية، أو متعددة الأحزاب؛ لأن الحزب الحاكم الذي وصل إلى السلطة في هذه الحالة، تكون له أحزاب منافسة توازيه بالقوة، وتستغل أخطاءه خلال فترة حكمة، وتنشر هذه الأخطاء للرأي العام، وفي الانتخابات البرلمانية بغية وصولها إلى السلطة، وعلى هذا الأساس تتكرر نفس هذه العمليات بالتناوب بين الأحزاب.

ورغم كل هذه الاختلافات في الأنظمة الحزبية وفي الأحزاب إلا أن للحزب مفاهيم أو تعريفات محددة اتفق معظم الباحثين عليها؛ فالحزب بمفهومه العام هو: مجموعة من الأفراد يتكون من بناء سياسي، يهدف إلى تحقيق أهداف معينة، عن طريق السلطة السياسية، وذلك وفق العقيدة التي تحكم سلوكه، وبما يتضمنه من سلطة صنع القرارات ،ويرتبط أفرادها مع بعضهم البعض بروابط ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بها جميعاً، وعلى هذا الأساس تسعى جميع الأحزاب السياسية للدفاع عن المصالح المشتركة للمنتمين إليها، من خلال جذب القطاعات الواسعة من الشعب والرأي العام في الدولة.

ولكل حزب أيديولوجية، أو عقيدة سياسية تحكمه، على اعتبار أنه قد بلور هذه الأيدولوجيا ويحاول تطبيقها عملياً، عند وصوله للسلطة، وتتمثل هذه الأيدولوجيا بمجموعة القيم والمعتقدات التي تبغي إلى تحقيق أهداف معينة من خلال مجموعة من الأدوات والوسائل الكفيلة بذلك، ويشترط لنجاح الوظيفة السياسية للأيدولوجيا الشروط التالية:

1- أن تختار بوضوح وتكون متكاملة.

2- أن ترتبط بتنظيم حركي قادر على نشر الدعوة والمواجهة الحركية.

3- الاستقلال عن السلطة الحاكمة، ولو من حيث التأصيل الفكري والأبعاد الفلسفية.

وعلى هذا الأساس تحتاج الأيدولوجيا لحزب سياسي ينشر أفكارها ويزيد مريديها، ويتبنى نهجها، ويحاول الوصول من خلالها للسلطة، لتطبيقها على الواقع العملي، لكن يرى آخرون أن الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، وعوامل أخرى كالدين والقومية والطبقية والعرقية (الإثنية) هي التي تلعب الدور الفاعل في انتماء الفرد إلى عضوية الحزب.

كما أن السعي الدائم من قبل الحزب للاستيلاء على السلطة هو الذي يحقق الرابطة القوية بين أنصاره العاملين، وهو الذي يخلق الفرصة لقيام الصراع بين مختلف الأحزاب، لأن الحزب لا يتمكن من تحقيق أهدافه إلا عن طريق الاستيلاء على الحكم، أو الاشتراك مع غيره من الأحزاب أو عن طريق الحصول على قدرة من التأييد الشعبي الذي يسمح له بالضغط على السلطة الحاكمة، ومن خلال ذلك يستطيع تنفيذ برامجه، التي تتضمنها أيديولوجيته.

وتنشأ أيديولوجيا الحزب؛ بسبب الصراع في المجتمع، حيث تسعى لتغيير المجتمع لتحل محل الأيدولوجيا القديمة، ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى داع لها، يشعل الصراعات في المجتمع، ويحدث ذلك عندما يتبنى مجموعة من الأفكار في صورة كلية ويكون من خلالها مذهباً يقف في أحد الجوانب مما يجعل الآخر يستعد ويتسلح، وبالتالي يبدأ الصراع بين الفريقين.

كما أن الأيدولوجيا وهي في طور التكوين أو الانتشار إلى مجتمع جديد، قد يكون لها ما يعارضها من قيم ومبادئ سائدة، مما يخلق بعض الصراع الذي يتعمق على إثر تمسك الأفراد بقيمهم ومبادئهم ريثما يحدث تكييف تدريجي للمجتمع؛ مما يساعد على التخفيف من حدة التوتر والصراع، لكن في حالة المساس بالقيم الدينية أو الأخلاقية أو السياسية؛ تزداد حدة الصراع، فعلى سبيل المثال وقفت الكنيسة بشكل عنيف في وجه الثورات الإقطاعية في أوروبا.

فالأيدولوجيا السياسية كانت المخرج التاريخي الذي انتهت إليه الصراعات داخل الدولة في أشكالها المتغيرة، وهي تعبير عن تجارب وذكريات الشعوب عبر الحقب الزمنية، فلها طابع مزدوج يعبر عن صراعات تاريخية وعن نتيجة هذه الصراعات، لكنها حينما تحتوي على عقائد وقيم مجموعة كبيرة من أفراد الشعب تصبح متنفساً لكفاحهم من أجل حريتهم وإثبات ذاتهم وقوميتهم، وهذا يسهم في تأثيرها على السلوك السياسي في الدولة، فتؤدي لحدوث تنمية سياسية للمؤمنين والمؤيدين لها، وبالتالي تحدث دعماً سياسياً عندهم، وهذا ما سيخفف من حدة التوترات داخل المجتمع.

إلا أن البعض يرى أن الأيدولوجيا وإن كانت جماهيرية، إلا أنها قد تكون سلبية على الشعب نفسه، فعلى سبيل المثال الأيديولوجية النازية هي التي صاغت العقلية السياسية التي انبثقت عنها الحروب الكبرى، بسبب تعارضها مع أيديولوجية جماهيرية أخرى هي الماركسية.

لكن تبقى الأحزاب وعقائدها في أي مجتمع هي صورة لذلك المجتمع، فالمجتمع المتخلف تبدو صورته في أحزابه المتخلفة الفاسدة، ولا يمكن إصلاح مفاسد الأحزاب القائمة إلا بإصلاح الأوضاع الاجتماعية القائمة التي تستند إليها الأحزاب في وجودها، وسوء الأحزاب ليس دواءه إلغاء الحياة الحزبية كما يرى البعض، بل في إعطاء المزيد من الحريات للقوى الشعبية، ومزيداً من التعليم والتحرر الاقتصادي والاجتماعي، والشعور بالمسؤولية؛ لأن حرية التكتل في أحزاب سياسية أهم أسس الحرية السياسية، ولا وجود لها من دونها، وكبت أو إلغاء تعدد الأحزاب لا يعني سوى وقف الحريات السياسية للشعب وللمواطنين، وحصر الحياة السياسية في الحاكم ومجموعته.

إلا أن العقائد بأنواعها لا تترسخ لدى الجماهير إلا بشرط أن تكتسب دائماً عبارة دينية تجعلها بعيدة عن المناقشة ،لأن عقائد الجماهير بأفكار معينة تصبح ديناً لها، حتى ولو كانت العلمانية هي مبدأ الحزب فالإلحاد على سبيل المثال هو دين الشيوعيين، وأفكار الثورة الفرنسية هي دين الثوار الذين ثاروا فيها، وعندما يبدأ نقد عقيدة ما ومناقشتها، فإن زمن احتضارها وموتها يكون قد بدأ، ولا تستطيع أي عقيدة أن تستمر إلا إذا نجت من التفحص والنقد.   

وهناك نوعين من العوامل التي تحرك عقائد الجماهير: 

1- عوامل بعيـدة: وهي تمهيد الأرضية لتبرعم وانبثاق الأفكار الجديدة.

2- عوامل مباشرة: وهي التي تتراكم بفعل العوامل البعيدة، ثم تتبلور ثم تهيج الجماهير من خلال التمرد الشعبي أو الإضراب، وهي التي تدفع بشخص ما إلى سدة الحكم، أو إلى إسقاط حكومة معينة.

كما أن من أهم سمات الفرد المنخرط في الجمهور؛ والتي تعبر عن تأثره بأيديولوجية الحزب أو أيديولوجية الثورة التي يقودها الحزب:

1- تلاشي الشخصية الواعية.

2- هيمنة الشخصية اللاواعية.

3- الميل نحو تحويل الأفكار المحرض عليها إلى فعل وممارسة مباشرة.

4- توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار.

وبناءاً على ذلك لا يعود الفرد هو ذاته، وإنما يصبح عبارة عن إنسان آلي لم تعد إرادته قادرة على قيادته، وبالتالي من الممكن أن يقترف أعمالاً مخالفة لمصالحه الشخصية، فعلى سبيل المثال، أعضاء الجمعية التأسيسية بعد الثورة الفرنسية كانوا برجوازيين هادئين مسالمين، لكنهم عندما اندمجوا مع الجماهير الهائجة أصبحوا هائجين متحمسين، ولم يترددوا تحت تأثر بعض المشاغبين في أن يرسلوا إلى المقصلة الأشخاص الأكثر براءة، وقد ساروا بذلك عكس مصالحهم الخاصة، وتخلوا عن حصانتهم البرلمانية وأبادوا أنفسهم بأنفسهم.

المطلب الثالث: الخدمات التي تؤديها الأحزاب السياسية

يقوم الحزب السياسي بجملة من الخدمات المهمة داخل الدولة وأهمها:

1- إن أيديولوجية الحزب لها دور كبير في إثارة الولاء والشعور بالانتماء لفئة أو جماعة معينة، وتزداد أهميتها عندما تكون تمثل الأمة بأكملها، فتجعل الأفراد يؤمنون بالوطن وبزعمائه وقياداته، وبالأساليب السياسية التي تسير على مقتضاها، وتبرز أهمية الوحدة الوطنية والاستقلال والنمو الاقتصادي، وتعطي الأفراد في المجتمع الانطباع بأنه أصبح لهم أهداف مشتركة، وأن عليهم العمل على تحقيقها بالطرق والوسائل العقلانية، وتحدد لهم أولويات هذه الأهداف ،ودورها وآثارها الإيجابية على الوحدة الوطنية، كما تجعل الأفراد يدركون أن معالجتهم الحيوية والأساسية ترتبط بالدولة، وأن رفاهيتهم ترتبط بالانتماء إليها  

2- الأحزاب السياسية يمكنها المساهمة في تحقيق التكامل البنائي والأيديولوجي الأول، لتصل إلى تحقيق أمرين هما: تقريب الهوة بين النخبة والجماهير، وبين الريف والمدينة، وقيام ولاء لمجموعة موحدة من القيم والمعتقدات، والرموز السياسية، وتكون ذلك من خلال خلق إطار تنظيمي يسمح للأفراد بالمشاركة، وغرس قيم احترام قواعد اللعبة السياسية ،والعمل من خلالها، وفي إطارها، وعلى هذا الأساس يكون دور الحزب أنه حلقة وصل بين الحاكم والمحكوم، ويعمل على شرح سياسة الحكومة لأعضائه، بهدف كسب تأييدهم له، أو حثهم على معارضتهم لها، كما أنه يسهم في نقل رغبات ومطالب المواطنين إلى الحكومة، وأي قيد يوضع على حريات الشعب وحقوقه السياسية، كتحريم قيام الأحزاب السياسية المعارضة ، وفرض الرقابة على الصحف، وتقييد حرية الرأي والتعبير عن مطالبه ، يؤدي إلى وجود هوة بين النخبة والجماهير، وينتهي الأمر إلى إعاقة قيام الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب.

3- الحياة الحزبية هي إحدى ضمانات حرية الشعب السياسية، وهي سبيل تنافس وتطاحن في خدمة الشعب في مختلف أوجه الخدمة، فهي سبيل تجنيد الكفاءات السياسية لحمل المسؤولية على مختلف مستوياتها، وهي السبيل الوحيد لدفع المواطنين إلى الوعي وتحمل المسؤولية بما يثير فيهم من اهتمام متواصل بالشؤون العامة من خلال التنظيم الحزبي.

4- إن وجود أحزاب متنافسة يساعد الشعب على الاقتصاص من الحكام الفاسدين، ومكافئة الحكام الصالحين؛ لأن الحزب عندما يكون في سدة الحكم يكون له منافسين خارج السلطة، يقومون بمراقبة نشاطات هذا الحزب الحاكم، وقياداته، التي هي نفسها قيادة الدولة، ومن خلال ذلك تكشف الأحزاب المنافسة للحزب الحاكم مدى فعاليته أو فساده، وبالتالي ستسهم في تقييم الحاكم وحزبه بما يمكَّ َن الشعب من محاسبته أو مكافئته.

5- يعمل الحزب السياسي كمنظمة تقوم بتقديم المعلومات الاقتصادية، والاجتماعية لأفراد الشعب، ويراقب أعمال الحكومة.

المطلب الرابع: وسائل الأحزاب في تحقيق أهدافها 

الفرع الأول: الوسائل السياسية 

وتشمل التمثيل النيابي في البرلمان، فلكل حزب عدداً من المقاعد التي يفوز فيها في الانتخابات البرلمانية، ومن خلال هذه المقاعد، يستطيع مناقشة القضايا الهامة بالنسبة له وللمجتمع الذي هو فيه، كما أن اشتراك الحزب في الأعمال الإدارية في الدولة كأن يشغل أحد أعضاء الحزب منصباً معيناً في الوزارة، أو في إحدى إدارات الدولة، سيمكنه من المساهمة في تحقيق أهدافه وأيديولوجيته، كما قد تلجأ الأحزاب السياسية في إثارة شعور الأفراد في المجتمع تجاه أهدافه وأيديولوجيته، كما قد تلجأ إلى إثارة شعور الأفراد في المجتمع تجاه أهداف وأيديولوجية الحزب، أو تجاه قضية ما، بغرض كسب التأييد الشعبي حتى تتمكن من نيل ثقة الشعب، وبذلك تندمج المصالح الخاصة بالمصالح العامة، واستراتيجيته في ذلك تكون من خلال تمسكه بالشعارات القومية والوطنية؛ سعياً وراء تحقيق المصلحتين الخاصة والعامة للحزب السياسي.

الفرع الثاني: وسائل ربط المصلحة الخاصة للأحزاب بالمصلحة العامة 

وذلك عن طريق التمسك بالشعارات القومية والوطنية؛ بهدف ضمان التأييد الشعبي، حتى وإن كانت أهدافها الضمنية، هي أهداف هدامة، مثل بعض الأحزاب الطائفية أو العرقية، كما أن بعض الأحزاب تحاول التستر بالدين والقومية؛ من أجل تحقيق التأييد الشعبي، ويستخدم بعضها الآخر العنف لتحقيق أهدافه، حيث يكون ذلك العنف إما ظاهرياً مثل الأحزاب الفاشية، أو مستقراً من خلال الضغط الاقتصادي والاجتماعي.

الفرع الثالث: وسائل الاتصال 

وفيها تتبع الأحزاب بعض المظاهر الخاصة، لتمييزها عن غيرها، كالزي الخاص بها أو من خلال الصحف التي تصدرها، وتعبر عن أفكارها وبرامجها، أو من خلال المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، وتحقيق هذه الأشياء يتطلب دعماً مالياً للحزب، وهذا ما يقوم به أعضاء الحزب من خلال اشتراكاتهم، إضافة إلى الهبات والمساعدات المالية التي يتحصل عليها الحزب من رجال الأعمال والتجارة والاقتصاد، وتسخر المؤسسات التي تقوم الأحزاب؛ لتنفيذ برامجها والقيام بوظائفها، وتهيئة الإمكانيات اللازمة لعملها.

المرجع:

  1. د. عمروش أحسن، مطبوعة في النظم الانتخابية والنظم الحزبية، جامعة الجيلالي بونعامة خميس مليانة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الجزائر، السنة الجامعية 2019/ 2020، من ص87 إلى ص123. 

google-playkhamsatmostaqltradent