إجراءات تسجيل الزواج العرفي وأدلة إثباته

إجراءات تسجيل الزواج العرفي وأدلة إثباته 

يعتبر عقد الزواج من أهم العقود التي يبرمها الإنسان في حياته، باعتباره الدعامة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وعقد الزواج كما نعرف قد لا يكون رسميا وموثقا دائما باتباع الإجراءات القانونية والإدارية، وٕإنما قد يتم بصفة عرفية وهذا شائع في المجتمعات بصفة عامة، وهو عقد صحيح تتوافر فيه جميع الشروط إذ يبرم بين رجل وامرأة بحضور شاهدين والولي ويحدد فيه الصداق ويتوافر على ركن الرضا ويتم فيه قراءة الفاتحة، وهذا دون أن يقوم الزوجان أو ممثلهما بتسجيله أمام الموثق أو أمام ضابط الحالة المدنية بالبلدية أو أمام أي موظف مؤهل قانونا لتلقي عقود الزواج وتسجيلها، وبالتالي لا يمكن إثباته أو الاحتجاج به لدى الغير إلى باتباع الإجراءات القانونية (أولا) كما أنه ولإثبات الزواج العرفي لابد من تقديم أدلة ووسائل متعددة (ثانيا).

أولا: إجراءات إثبات الزواج العرفي 

لا يمكن الاحتجاج بعقد الزواج تجاه الغير إلا باستظهار نسخة منه مستخرجة من سجل الحالة المدنية، ويتطلب ذلك أن يكون الطرفان قد قاما بتسجيله أمام الموثق أو أمام ضابط الحالة المدنية بالبلدية وفقا للشروط المقررة، وذلك في خلال الأجل الزمني المحدد، وتم تسجيله رسميا في سجلات الحالة المدنية. 

لكن قد لا يقوم الزوجان بتحرير عقد الزواج أمام أي جهة مختصة ومؤهلة قانونا لذلك كالموثق باعتباره ضابطا عموميا، أو ضابط الحالة المدنية، ففي هذه الحالة يجب الرجوع إلى نص المادة 22 من الأمر رقم 05-02 المعدل لقانون الاسرة والتي تنص على أنه "يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية، وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي"، غير أن اللجوء إلى المحكمة لإثبات وتسجيل عقد مثل عقد الزواج في سجلات الحالة المدنية، وٕإمكانية القيام باستخراج نسخة منه لإثبات وجود عقد هذا الزواج يتطلب التفريق بين حالتين وهما: 

1- حالة الزواج العرفي الغير متنازع فيه

وهو الزواج المقر به من الطرفين والغير متنازع فيه، والذي يتم وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية والقانون، ولكن أهمل الزوجان بالتصريح به أمام الجهة القضائية المختصة وذلك في الأجل الزمني المحدد، ثم رغب الزوجان أو أحدهما، أو ورثة الزوج الآخر في إثباته وتسجيله في سجلات الحالة المدنية من أجل الاحتجاج به تجاه الغير وذلك دون وجود أي نزاع حول قيام العقد ولا حول صحته، ففي هذه الحالة يحق للطرفان اللجوء أمام المحكمة المختصة بغرض إثبات وجوده وتسجيله وفقا للإجراءات القانونية المطبقة والسارية المفعول وقت انعقاد هذا الزواج وٕإبرامه.

ومن هذه الإجراءات ما ورد النص عليه في قانون الأسرة المادة 22 منه السالفة الذكر، كما نصت أيضا المادة 21 من نفس القانون على ما يلي "تطبق أحكام قانون الحالة المدنية في إجراءات تسجيل عقد الزواج". 

وقد أوجبت نصوص قانون الاسرة وتلك المتعلقة بالحالة المدنية بتسجيل الزواج المنعقد بعد صدوره وذلك بحكم قضائي، كما أحالت المادة 21 من قانون الاسرة على أحكام قانون الحالة المدنية في إجراءات تسجيل عقد الزواج. 

فبالنسبة للإجراءات المتبعة من أجل تسجيل الزواج العرفي الغير متنازع فيه فإنه وبالرجوع إلى نصوص المواد 39 و40 من قانون الحالة المدنية، فإنه يقوم طالب التسجيل بتقديم عريضة مختصرة مرفقة بالوثائق اللازمة دون مصاريف أمام مصلحة الحالة المدنية بالمحكمة ويقدم هذا الطلب الذي قد يكون مكتوبا على ورق أو إلكترونيا مباشرة أو عبر ضابط الحالة المدنية إلى وكيل الدولة، الذي يقوم بتقديم ذلك الطلب إلى رئيس محكمة الدائرة القضائية التي كان يمكن أن يسجل فيه العقد. 

يقوم رئيس المحكمة المقدم أمامه الطلب بقصد إثبات الزواج العرفي التحقق من توفر شروط انعقاده شرعا وقانونا، وبصحة وجوده وغير متنازع فيه ثم يصدر بشأنه حكم بسيط، وبعد ذلك يقوم وكيل الجمهورية بإرسال حكم رئيس المحكمة فورا قصد نقل هذه العقود في سجلات الحالة المدنية. 

2- حالة الزواج العرفي المتنازع فيه

إذا كان العقد المارد تسجيله أو تقييده بسجلات الحالة المدنية مختلف على وقوعه ومتنازع بشأن صحته وقانونيته من أحد الزوجين، كأن يدعي أحدهما أن العقد صحيح وأراد تسجيله من أجل إثباته والاحتجاج به تجاه الغير، فزعم الزوج الآخر أنه عقد غير موجود أصلا أو أنه باطل وغير صحيح ثم نشأ نازع بينهما، فإن الإجراءات المطلوب إتباعها لإمكانية تسجيله وٕإثباته في سجلات الحالة المدنية يتطلب رفع دعوى قضائية أمام الجهة القضائية المختصة نوعيا وهي قسم شؤون الأسرة، وكذا إقليميا وهي مكان وجود المدعى عليه، وهي إجراءات مغايرة لتلك المتبعة في شأن تسجيل الزواج العرفي الغير متنازع فيه والسابق الإشارة إليها. 

يمكن القول مبدئيا بأن دعوى إثبات الزواج العرفي كغيرها من الدعاوى التي يشترط فيها المشرع لقبولها توافر شرط الصفة والمصلحة، وكذا وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في المواد 14 و15 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وما يليها من إجراءات فيما يتعلق بعريضة افتتاح الدعوى وتبليغها للخصم، والتي سبق دارستها بالتفصيل في الفصل الأول فلا مجال للرجوع إليها. 

وعليه فإنه يمكن القول بأنه وبعد رفع دعوى إثبات الزواج العرفي من طرف أحد الزوجين أو ورثتهما، يقوم قاضي شؤون الأسرة المرفوعة أمامه الدعوى بسماع الزوجين للتأكد من رضائهما وأيضا ولي الزوجة في حالة حضوره وأيضا الشاهدين يقدمهما أحدهما أو الطرفين معا، يحرر ذلك في محضر تحقيق يودع بأمانة ضبط المحكمة للإطلاع عليه من طرف الخصوم لتقديم دفوعهم وملاحظاتهم حوله قبل اعتماده. 

وتبعا لما سبق فإذا تمكنت المحكمة من تكوين اقتناع بهذا الزواج وشرعيته، وبالتالي قبول دعوى المدعي والحكم بصحة وشرعية إبرام هذا العقد، وجب تسجيل هذا الحكم وتثبيته في سجلات الحالة المدنية، وذلك بسعي من النيابة العامة، وهذا حسب ما نصت عليه المادة 22/2 من قانون الأسرة وهذا بعد أن يصبح نهائيا وقابلا للتنفيذ، فإلزام المشرع النيابة بالسعي لتسجيل أحكام الزواج قد يكون راجع إلى اعتبار أن النيابة العامة تعتبر طرفا أصليا في قضايا شؤون الأسرة، وبعد ذلك يستطيع المدعي أن يستخرج نسخة من الحكم لإثبات عقد الزواج والاحتجاج به تجاه المدعى عليه وتجاه الغير. 

ونلاحظ أنه في حالة ما إذا لم يتمكن المدعي من تقديم أمام المحكمة ما يكفي من أدلة قانونية لتدعيم مطالبه ومزاعمه المتعلقة بقيام الزواج وصحته، وظل الزوج الآخر مستقرا على إنكاره أو إنكار صفته، ففي هذه الحالة فإن للقاضي أن يصرح في حكمه برفض دعوى المدعي لعدم التأسيس القانوني. ولا يبقى لخاسر الدعوى إلا أن يمارس حقه في الطعن في هذا الحكم بجميع الطرق التي يقرها القانون. 

ثانيا: أدلة ووسائل إثبات الزواج العرفي 

لا يختلف الزواج العرفي سواء المتنازع فيه أو غير المتنازع فيه من حيث أدلة ووسائل إثبات وجوده من أجل الاحتجاج به أمام الغير، إذ أول ما يقوم به قاضي شؤون الأسرة هو سماع شهود الأطراف الذين يحضرون أمامه والذي يحلفهم اليمين القانونية، ثم يقوم بعد ذلك بسماع شهادتهم والتي تفيد أنهم قد حضروا مجلس العقد، وتكون شهادتهم مؤكدة لتوفر ركن رضا الزوجين وشروط عقد الزواج وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية والقانون، وذلك من رضا وصداق وولي. 

وبمعنى آخر فإن هؤلاء الشهود هم الذين توجه لهم الأسئلة الدقيقة من طرف القاضي للإحاطة بتوافر عناصر عقد الزواج، والذين يؤكدون الواقعة من حيث الحدوث والتاريخ والمكان والحضور...الخ، مع العلم أنه لا يعتد بالشهادة الناقصة أو المتناقصة، وفي حالة عدم تقديم الشهود أصلا، فلا يجوز إثبات الزواج العرفي بدون سماع الشهود. 

وقد أكدت المحكمة العليا غرفة الأحوال الشخصية على جواز إثبات الزواج العرفي بشهادة الأقارب أو بشهادة امرأتين ورجل، كما جاء أيضا في أحد قراراتها ما يلي "ولما كان الثابت في قضية الحال أن القرار المطعون فيه جاء خاليا من أية حجة أو بينة تدل على وجود الزواج سوى على أقوال امرأتين لا يعتد بشهادتهما في إثبات الزواج شرعا، فإن تقريره بوجود الزواج يعد مخالفا لأحكام الشريعة ومخطئا في فهم أنواع الشهادات في الفقه ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه". 

لكن نلاحظ أنه كثيار ما ترفع دعاوى لتثبيت الزواج العرفي يكون أحد أطرافها أو كلاهما متوفي، ففي هذه الحالة فقد دأبت المحكمة العليا على اجتهاد مفاده وجوب توجيه اليمين المتممة للحي منهما وهذا بالإضافة إلى سماع الشهود، كما أكدت المحكمة العليا من جهة أخرى في إحدى قراراتها أن توجيه اليمين يكون بالمحكمة وليس بمكان آخر كالمسجد مثلا. 

ومع ذلك فإننا نجد أن اجتهاد المحكمة العليا قد تغير بصدور قرارها المؤرخ في 11 مارس 2009، إذ أنها لم تشترط توجيه اليمين من طرف القاضي الذي لا يكون ملزما بذلك في مجال إثبات الزواج العرفي بعد وفاة الزوج ولا مجال للرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية أمام وجود نص قانوني وهو نص المادة 22 من قانون الأسرة، فإذا قامت المحكمة بإجراء تحقيق وتأكدت من توافر أركان الزواج المنصوص عليها في قانون الأسرة فإن قضاة الموضوع غير ملزمين بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية وتوجيه اليمين للمطعون ضدها ما دام النص القانوني موجود. 

وتبقى دعوى إثبات الزواج العرفي غير مرتبطة بأي مدة أو أجل، وقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا في هذا الصدد ما يلي "من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضدها رفعت دعواها لإثبات الزواج بعد عشرين سنة من انعقاده وبعد وفاة الزوج فإن قضاة الموضوع الذين اثبتوا هذا الزواج بناءً على شهادة الشهود ولتوفره على جميع أركان عقد الزواج وقرائن تسجيل الولدين باسم أبيهما أثناء حياته دون أن يعترض على ذلك يكونون قد طبقوا صحيح القانون، ومتى كان كذلك استوجب رفض الطعن".

المرجع:

  1. د. ربيع زهية، إجراءات التقاضي في شؤون الأسرة، محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2020-2021، ص33 إلى ص39. 

google-playkhamsatmostaqltradent