عقد الایجار | تعريفه وخصائصه وتمییزه على العقود المشابهة له

عقد الایجار | تعريفه وخصائصه وتمییزه على العقود المشابهة له

یعتبر عقد الایجار أكثر العقود ممارسة من قبل الاشخاص الطبیعیة او الاعتباریة، فهو الآلیة التي تمكن كل من المؤجر والمستأجر تبادل المصالح بینهما، وترتیب التزامات علیهما- ولذا هذا العقد یثیر البحث عن تعریفه وتمیزه عن العقود المشابهة له (المطلب الأول) وكذا دراسة خصائصه وطبیعته القانونیة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تعریف الایجار أهمیته وتمییزه على العقود المشابهة له

وردت عدة تعریفات لعقد الایجار وهذا نظرا لتنوع اهمیته في المجتمع (الفرع الأول) كما ان هذا العقد یتمیز عن العقود المشابهة له من مختلف الجوانب القانونیة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: تعریف الایجار لغة واصطلاحا

تمیز عقد الایجار بعدة تعریفات سواء من الجانب اللغوي (أولا) أو من الجانب الاصطلاحي (ثانیا).

أولا: تعریف الایجار لغة

جاء لفظ الایجار من الأجر الذي هو الجزاء على العمل والجمع أجور، والاجارة من أجر یأجر أجرا، ومنه جاءت الأجرة، والاجارة هو ما أعطیت من أجر، وهي أیضا الكراء، والأجر هو الثواب، كقول العرب: آجرك ﷲ، أي أثابك ﷲ، وقد أجره ﷲ، یأجره ویأجره أجار وآجره اﷲ إیجارا. وقول اﷲ تعالى: ﴿وَآَتیْنَاهُ َأجْرَهُ فِي ُّ الدنْیَا﴾ قیل هو الذكر الحسن، وقیل: الولد الصالح، وقوله تعالى: ﴿فبَشرْهُ بمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِیٍم﴾ الأجر الكریم هو الجنة، وأجر المرأة مهرها، إذ قال اﷲ تعالى: ﴿ َآَتوهُن أُجُوَرهن﴾.

ثانیا: تعریف الایجار اصطلاحا

تمیز الایجار بعدة اصطلاحات في القوانین المختلفة، مثلا عقد التأجیر، عقد الاجارة، عقد الكراء، فنذكر المصطلح الوارد في القانون المدني الجزائري في المادة 467/1 بأنه: "عقد یمكن المؤجر المستأجر من الانتفاع بشيء معین مدة محددة مقابل بدل ایجار معلوم " وهذا التعریف قریب من نص المشرع الفرنسي في المادة 1709 من القانون المدني. فتعریف المادة467 ورد ضمن القسم الأول المعنون (الإیجار بصفة عامة) وتحت عنوان فرعي سمي ب:" أركان عقد الایجار" مما یدل على بسط المشرع سلطته على مسألة تنظیم علاقة الایجار وبتسطیر المبادئ العامة والخطوط العریضة لإبرام هذا العقد، وترك المسائل التفصیلیة لإرادة المتعاقدین بقصد تكملتها والاتفاق علیها.

فیلاحظ من تعریف المشرع الجزائري لعقد الایجار أنه حاول تقدیم تعریفا متضمنا بعض المصطلحات القانونیة المتمثلة في"العقد"، وهذا الاخیر بالضرورة یشترط اركانا لإبرامه، كما ذكر بعض احكامه وهي: أن الایجار بحسب الأصل عقد بین طرفین (المؤجر والمستأجر)، ویحدد فیه بدل الایجار (الذي قد یكون نقدا أو القیام بعمل) فهوالتزام یقع على عاتق المستأجر وتحدد فیه المدة الزمنیة وكذا محل العقد (أي العین المؤجرة أو شيء معین غیر قابل للاستهلاك) حتى یتمكن المستأجر من رده للمؤجر لاحقا، اي قبل او بعد نهایة مدة الایجار.

كما یقوم المؤجر بتمكین المستأجر من الانتقاع من هذا الشيء، العین المؤجرة، فهو التزام وواجب یقع على عاتق المؤجر، وهو یشكل حقا شخصیا بالنسبة للمستأجر.

ثالثا: أهمیة عقد الایجار

یعتبر عقد الإیجار من أهم العقود المسماة، فهو وسیلة لحصول الافراد على منافع الأشیاء المؤجرة حتى اصبحت له أهمیة من الناحیة الاجتماعیة، الاقتصادیة والقانونیة.

1: أهمیة عقد الإیجار من الناحیة الاجتماعیة

یعد الإیجار وسیلة تمكن الشخص الحصول على ایواء لأن لیس في مقدور كل شخص أن یتملك مسكنا ولهذا بواسطة الإیجار یستطیع الحصول على مأوى والانتفاع منه، فهو وسیلة توفر الراحة و تسهیل الحیاة الیومیة وتبسیطها وتحقیق الحمایة الأساسیة له.

2: أهمیة عقد الإیجار من الناحیة الاقتصادیة

یحتل عقد الإیجار مكانة ھامة في التعامل والنشاط الاقتصادي، فهو یؤدي مساھمة فعالة في تسییر المعاملات التجاریة وتداول الأموال، وبالتالي تنشیط الحركة الاقتصادیة حیث یمكن الملاك أصحاب المحلات من استغلال عقاراتهم وبالمقابل یمكن للتجار وحتى للافراد الخواص بالانتفاع بها واستغلالها في مختلف الأنشطة.

كما أنه یوفر مصدر الرزق للمؤجرین، فلا شك أن أغلبیة أهل الریف یعتمدون في أرزاقهم على تأجیر الاراضي الزراعیة المملوكة لهم والعیش ببدل الایجار المقبوض من الكراء. كما أن التأجیر یوفر للمهني أو الحرفي المكان المناسب لممارسة نشاطه والحصول على الرزق من اجل الانفاق على عائلته.

3: أهمیة عقد الإیجار من الناحیة القانونیة

إنتشار هذا العقد بین الأفراد، یجعل احتمالات وقوع المنازعات والمشاكل الكثیرة الناشئة عنه بین المؤجر والمستأجر، وهذا ما جعل مختلف القوانین المهتمة بموضوع الایجار بتنظیم القواعد التي تضبط هذه العلاقة المستمرة وتبین حقوق كل من الطرفین وواجباته، مراعیة مصلحة المستأجر دون التضحیة بمصلحة المؤجر، بل إنا كثیرً من الدول الحدیثة نصت في دساتیرها على أن "ینظم القانون على أسس اقتصادیة، مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعیة، العلاقة بین العمال وأصحاب العمل، وعلاقة ملاَّك العقارات بمستأجریها كما أن یعد القانون المتعلق بالإیجار من أهم القوانین التي یكثر رجوع الناس إلیها في معاملاتهم الیومیة.

الفرع الثاني: تمییز عقد الایجار عن العقود المشابهة له

یتمیز عقد الایجار بعدة خصائص جد هامة ینفرد بها عن غیره من العقود الأخرى إلا أن هناك الكثیر من العقود أو التصرفات القانونیة تتشابه ممیزاتها بعقد الایجار، الأمر الذي یفرض التمییز بین هذا العقد وعقد الإعارة وعقد الودیعة (أولا) وعن عقد الشركة والمقاولة (ثانیا) وتمییزه عن عقد الوكالة وحق الانتفاع (ثالثا) وأخیرا تمییز عقد الایجار عن البیع الایجاري (رابعا).

أولا: تمییز عقد الایجار عن عقد الإعارة والودیعة

یتشابه عقد الایجار وعقد الاعارة في كون كل واحد منهما یرد على الانتفاع بالشيء، لكن عقد الایجار هو الانتفاع بشيء بمقابل، أما عقد الاعارة فهو انتفاع دون مقابل، هو إذن من عقود ال تبرع. كما تعتبر عقود الاعارة من العقود العینیة التي لا یكفي لانعقادها مجرد التراضي، بل لابد من القبض لتمامها بینما عقد الایجار فهو عقد رضائي أصلا.

كما ان التفرقة بینهما تكون في بعض الحالات، كما لو باع شخصا منزلا واتفق مع المشتري أن یظل ساكنا فیه مدة معینة قبل تسلیمه له، فهل یعد المالك السابق مستأجرا أو مستعیرا؟

ذهب جانب من الفقه الى القول أن هذا العقد لا یعد ایجارا لأن اعتباره كذلك قد یؤدي إلى تطبیق قانون المالكین والمستأجرین، مما یجعل للعقد امتدادا قانونیا، وبالتالي یكیف هذا الفقه هذا العقد بأنه بیعا.

غیر أن جانب اخر من الفقه یرى في هذه الحالة السابقة أنها إذا تم مراعاة حق انتفاع البائع بالمبیع في تحدید الثمن، فهو عقد ایجار، أما إذا حدد الثمن دون مراعاة ذلك، فهو عقد إعارة.

أما بالنسبة للتمییز بین عقد الایجار وعقد الودیعة، فنجد أن محل عقد الایجار هو المنفعة التي یحصل علیها المستأجر في فترة معینة مقابل بدل معلوم غیر عقد الودیعة، فلا نجد فیه انتفاع بالشيء المودع لدیه، بل یلتزم المودع عنده بالمحافظة على الشيء ولا یدفع بدلا، كما یلزم المودع بتسلیم الودیعة بمجرد طلبها من صاحبها لكن العین المؤجرة لا یلتزم المستأجر بردها إلا بعد انقضاء مدة عقد الایجار وقبل ذلك لاسباب معینة.

ثانیا: تمییز عقد الایجار عن عقد الشركة وعقد المقاولة   

عقد الشركة من العقود التي یلتزم بمقتضاها شخصان أو أكثر بأن یساهم كل منهما في مشروع مالي بتقدیم حصة من المال أو من عمل لاقتسام ما قد ینشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة، فیعتبر اقتسام الأرباح والخسارة ركنا جوهریا في عقد الشركة، وهذا أمر منطقي تقتضیه فكرة الشركة ذاتها بما تفرضه من اتحاد في المصالح بین الشركاء ورغبتهم في قبول المخاطر المشتركة التي تواجه المشروع الذي تم انشاء الشركة من أجل تحقیقه.

غیر أن في عقد الایجار، یلتزم المستأجر بدفع (البدل) أجرة معینة للمؤجر ولا شأن لهذا، لأخیر في كیفیة باستغلال المستأجر للعین المؤجرة، الا انه یشترط ان یكون استغلاله وانتفاعه بالعین المؤجرة انتفاعا معقولا مشروعا.

ویتمیز عقد الایجار عن عقد المقاولة في كون عقد المقاولة عقد یلتزم بمقتضاه أحد المتعاقدین أن یضع شیئا أو یؤدي عملا لقاء أجر یتعهد به المتعاقد الآخر لقاء أجر أو مقابل، ینتفع طالب هذه الخدمة بها، ومن ذلك قد یلتبس الأمر بینها وبین عقد الایجار، لكون هذا الأخیر یرد على منفعة، ویتضح ذلك عندما یرد العقد على عمل أحد المتعاقدین وعلى الانتفاع بشيء یقدمه للمتعاقد الآخر في ذات الوقت نفسه.

لذا، بالرغم من وجود فرق بین عقد المقاولة وعقد الایجار، فهناك بعض الحالات یصعب فیها التفرقة بینهما، وهي حالات شائعة متمثلة في العقود المبرمة بین المستهلكین ومقدمي الخدمات (ماء، كهرباء، غاز...) فمن یتعاقد مع هؤلاء، هل یعد العقد هنا عقد ایجار أو عقد مقاولة؟ هناك من یرى أنه عقد مقاولة على العمل المقدم من أحدى هذه الشركات المقدمة للماء أو الكهرباء أو الغاز.

غیر انه جاء في بعض الأحكام القضائیة أن هذا العقد یعد عقد ایجار لمعدات وآلات الشركة، وتطبیقا لذلك قضت محكمة مصر الكلیة الوطنیة أن هناك عقد مقاولة بالنسبة لعمل المصلحة وعقد ایجار فیما یتعلق بالمعدات والآلات، فهو إذن عقد مركب (ایجار ومقاولة).

ثالثا: تمییز عقد الایجار عن عقد العمل وحق الانتفاع

یعد عقد العمل اتفاق شخصي أو كتابي صریح أو ضمني یتعهد العامل فیه بأن یعمل لحساب صاحب العمل وتحت إدارته وذلك مقابل أجر، فعقد العمل إذن یرد على العمل الذي یقدمه العامل غیر أن عقد الایجار یرد على الشيء المأجور.

وقد یتشابه العقدین ویصعب التمییز بینهما، وذلك كما في حالة تسلیم شركة سیارات، أجرة سیارة لسائق حتى ینقل بها الأشخاص أو البضاعة مقابل أن یأخذ جزءا من الأجر الذي یدفعه العملاء، ثم یعطي الباقي للشركة، فهل یمكن اعتبار هذا الاتفاق عقد عمل بحیث یكون السائق عاملا لدى هذه الشركة أم أنه عقد ایجار ویكون السائق بها مستأجرا ضمن الشركة؟.

ذهب رأي راجح إلى القول أن لمعرفة التكییف القانوني لهذا العقد، یجب التركیز على معرفة عن مدى للشركة حق الاشراف والتوجیه على السائق، فإن كان الأمر كذلك فهو عقد عمل، أما إذا لم یكن للسائق هذه التبعیة فهو عقد ایجار.

كما یتمیز عقد الایجار عن حق الانتفاع لكون أن هذا الأخیر هو حق للمنتفع باستعمال عین أو شيء ویخص الغیر واستغلالها ما دامت قائمة على حالها، وان لم تكن رقبتها مملوكة للمنتفع، لأن بهذا یتشابه عقد الایجار بحق الانتفاع باعتبار أن كل من المستأجر والمنتفع ینتفعا بالشيء لا یملكه، والانتفاع یكون لمدة معینة.

رغم ذلك هناك أوجه الاختلاف بین الحقین (أي حق المستأجر وحق المنتفع) فنجد أن:

1- حق المستأجر یعد حقا شخصیا، یترتب علیه تمكین المؤجر له من الانتفاع بالعین المؤجرة إلا أن حق الانتفاع، هو حق عیني متفرع عن حق الملكیة، ویقع على شيء مملوك لشخص آخر.

2- حق المنتفع ینقضي بموته، غیر أن عقد الایجار لا ینقضي بموت أحد المتعاقدین، بل ینتقل إلى الورثة.

3- حق الانتفاع قد یكون بعوض أو بغیر عوض، أما حق المستأجر فهو دائما بعوض.

4- یكتسب حق الانتفاع بالعقد أو الوصیة أو بمرور الزمن بینما حق المستأجر یكتسب بالعقد حصرا أي أن مصدره هو العقد فقط.

إلا أنه بالرغم من هذه التفرقة الواضحة بینهما، فإن هناك حالات یلتبس فیها الایجار بالانتفاع، كما هو الأمر في حالة الایجار لمدى حیاة المستأجر، لأن كلا منهما لا یورث وینتهي بموت المستأجر أو المنتفع. كما تتشابه عقود الایجار الطویلة بالحكر المتمثل بعقد یكسب المحتكر بمقتضاه حقا عینیا یخوله الانتفاع بأرض موقوفة واقامة مباني علیها أو استعمالها للغرس لقاء أجر محدود، لكن عقد الحكر ینتقل للورثة بالمیراث والوصیة.

رابعا: تمییز عقد الایجار عن البیع الایجاري

البیع الایجاري هوعقد یتفق بمقتضاه البائع والمشتري على تأجیر الشيء محل العقد لمدة معینة مقابل التزام الاخیر بدفع اجرة دوریة، فاذا اوفى المستأجر بجمیع الدفعات الایجاریة المستحقة علیه طوال مدة العقد وفي مواعیدها المحددة تنتقل الیه الملكیة دون ان یكلف بدفع مبالغ اخرى عند نهایة العقد، اما اذا تخلف عن دفع الاقساط، یفسخ عقد الایجار، فیكون على المستأجر اعادة محل العقد الى المؤجر.

وعرفه أخر بأنه: "تشكلیلة  متمیزة تجمع بین عملیات قانونیة متعددة دون ان تنتمي الى نمط واحد من العقود".

وعرفته المادة الاولى من المرسوم التنفیذي رقم 01-105 المعدّل والمتمم "أنه" صیغة تسمح بالحصول على مسكن بعد إقرار شرائه بملكیة ثابتة بعد انقضاء مدّة الإیجار المحدّدة في إطار عقد مكتوب".

ورغم كل ذلك لقد اختلف في تكییف مثل هذا العقد فیما اذا كان ایجارا ینقلب في النهایة الى بیع كاثر لعملیة الوفاء بكل الاجرة ام انه بیع من البدایة، وما الاقساط الا جزء من الثمن رغم تسمیتها اجرة، اما نقل الملكیة فیه  فهو مؤجل الى غایة الوفاء بالاقساط جمیعا.

ولقد رفض اغلب الفقهاء اعطاء العقد وصفا مزدوجا، اي بیع وایجار في وقت واحد، ذلك ان طبیعة كل عقد تختلف عن طبیعة العقد الاخر، فاذا اعتبر بیعا مقسطا علق على شرط واقف هو دفع كل الاقساط، لا تجد فیه مكانا للاجرة اذا اعتبر ایجارا معلقا على شرط فاسخ هو عدم الوفاء بكل الاجرة فلا  تجد فیه مكانا للثمن.

فهذا العقد في حقیقته بیع، ومن مصلحة البائع وصفه بانه ایجارا ضمانا  للحصول على الثمن، ذلك انه وقبل تسدید كل الثمن وقام المستاجر بالتصرف في الشيء المبیع، عد خائنا للامانة، وامكن متابعته بهذا الجرم، وكذلك الحال اذا افلس المشتري وكان تاجرا جاز للبائع ان یسترد الشيء باعتباره مالكا، ولا یجوز ادخاله ضمن عناصر التفلیسة.

وهذا ما جعل المشرع الجزائري یعطیه وصفا واحدا وهو انه بیع معلق على شرط واقف متمثل في دفع كل الاقساط وذلك طبقا لما نصت علیة المادة 363 من القانون المدني، غیر ان هذا لم یعد مستساغا بعدما سن المشرع قانون البیع الایجاري السالف ذكره، وهذا ما یستوجب تعدیل مضمون المادة 363 ق م ج.

فمن خلال هذا التعریف، یكمن التمییز بینهما في كون عقد الایجار البسیط او العادي عقد یلتزم بمقتضاه المؤجر بتمكین المستأجر من الانتفاع بشيء خلال مدة معینة، فله حق شخصي على العین المؤجرة دون الحق العیني الذي یحفظ للمؤجر وفي هذا یختلف مع البیع الایجاري الذي یعد من اعمال التصرف، وأن الحق العیني فیه ینتقل الى المستأجر بعد نهایة مدة الایجار التي تتراوح فیه بین 20 و25 سنة.

المطلب الثاني: خصائص عقد الایجار وطبیعته القانونیة

یتمیز عقد الایجار بعدة خصائص (الفرع الأول) كما أن هذا العقد عرف اختلافا فقهیا حول طبیعته القانونیة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: خصائص عقد الایجار

یتمیز عقد الایجار بعدة خصائص، إلا أننا نذكر أهمها: إنه عقد معاوضة، (أولا) وكذلك عقد شكلي (ثانیا) كما أنه ملزم للجانبین (ثالثا) هو عقد زمني (رابعا)، كما أنه من أعمال الإدارة (خامسا) ثم انه عقد یرد على الاشیاء غیر القابلة للاستهلاك (سادسا).

أولا: عقد الایجار عقد معاوضة

الایجار عقد یتلقى بمقتضاه المؤجر عوضا لانتفاع المستأجر بالعین المؤجرة، مقابل بدل الایجار، ولابد أن یكون بدل الایجار جدي، لأن إذا كان البدل تافه فإنه یستوي في الحكم مع انعدام البدل، ولقد نصت المادة 470 ملغاة من القانون المدني:

"یجوز أن تكون أجرة (البدل) الایجار إما نقودا، واما تقدیم عمل آخر"، ونصت المادة 467 من القانون المدني رقم 05-07 على ان یكون البدل معلوما.

ثانیا: عقد الایجار عقد شكلي

في الحقیقة عقد الایجار عقد رضائي بالأصل، أي لا یشترط لانعقاده أي شكل خاص، بل یتم بتبادل الارادتین المتطابقتین، فلو رجعنا إلى الایجارات السائدة في الجزائر قبل صدور المرسوم التشریعي رقم 93-03، فكانت رضائیة، لكن بعد ذلك بموجب هذا المرسوم الذي نص في المادة 21 منه أن تكون عقود الایجار شكلیة، وذلك وفق نموذج معین تم تحدیده في المرسوم التنفیذي رقم 94-69.

ثالثا: عقد الایجار عقد ملزم للجانبین

عقد الایجار عقد ینشئ التزامات متبادلة بمجرد انعقاده بحیث یلتزم المؤجر بتمكین المستأجر بالانتفاع بالعین المؤجرة، والمستأجر یلتزم بدفع بدل الایجار بالإضافة الى الالتزامات الأخرى التي سیتم التطرق إلیها في الفصل الثاني.

 فعقد الایجار كغیره من العقود الملزمة للجانبین إذا ما أخل أحد المتعاقدین عن تنفیذ العقد، أو تأخر عن تنفیذ هذا الالتزام وسبب في ذلك خسارة للطرف الآخر، فیقعفسخ العقد من جانب احد المتعاقدین.

رابعا: عقد الایجار عقد زمني

عقد الایجار من عقود المدة، فالعنصر الزمني جوهري فیه وبذلك یختلف عن العقود الفوریة، وفي هذا العقد یرتبط عنصر الزمن بالمنفعة وبدل الایجار، كما أنه من العقود المستمرة التنفیذ، فیخرج من العقود الدوریة لأن المنفعة فیه تتحقق للمستأجر بالتدریج، ولهذا إذا ما وقع فسخ بین المستأجر والمؤجر، فلا یمكن أن یعودا إلى ما كان علیه بأثر رجعي.

كما ان عقد الایجار لا یمكن أن یكون مؤبدا، والا تعرض للبطلان المطلق، ولقد اشترطت المادة 02 من نموذج عقد الایجار ذلك، كما نصت علیه ایضا المادة 467 من القانون المدني المعدل والمتمم، ولذا فهذه المدة إما أن تكون محددة باتفاق المتعاقدان أو غیر محددة في حالة عدم اتفاق المتعاقدان على تحدیدها وهذا لا یعني أنه أبدي.

خامسا: عقد الایجار من أعمال الادارة

لا یترتب عن عقد الایجار خروج الشيء المؤجر من ذمته المالیة وبالتالي لا یعتبر الایجار من عقود التصرف، بل الأصل فیه كونه من عقود الادارة.

وباعتباره كذلك، فلا تشترط فیه أهلیة التصرف لإبرامه، إلا أن جانب من الفقه یرى أن قوانین التأجیر الخاصة، كقانون المالكین والمستأجرین بما منحته للمستأجرین من سلطات تقترب من سلطات أصحاب الحقوق العینیة، تجعل من الصعوبة التسلیم بأن عقد الایجار من أعمال الإدارة ولیس من أعمال التصرف، ولذا یشترط أنصار هذا الاتجاه بتوافر أهلیة التصرف لإبرم عقد الایجار. 

سادسا: عقد الایجار یرد على الاشیاء غیر القابلة للاستهلاك

یمنح عقد الایجار للمستأجر حق الانتفاع بالعین المؤجرة مدة زمنیة على ان یعیدها للمؤجر عند انتهاء المنفعة ومدة الایجار، فهذا ما یجعل الاشیاء القابلة للزوال والاستهلاك لا تصلح ان تكون محلا له، ومثال ذلك المأكولات وغیرها. وهذه الخاصیة هي الممیزة  للایجار عن القرض.

في القرض لا یرد الشيء الذي اقترضه بعینه وانما قد یرد مثله، غیر ان هذا الوصف لا یمنع من ان تكون الاشیاء المؤجرة قابلة للاستهلاك بطبیعتها شرط ان لا یقصد المتعاقدان استعمالها على الوجه الذي یجعلها تهلك.

وبالتالي اذا ما استأجر احدهم بذور أو حلوى او خضر او فواكه بغرض عرضها في معرض على ان یردها بعینها الى صاحبها بعد فوات المعرض، فیكون العقد في هذه الحالة ایجارا لتلك الاشیاء ولیس قرضا او بیعا لكون ان نیة المتعاقدین في ابرام العقد تكمن في الانتفاع بهذه الاشیاء في المعرض فقط ثم ردها ثانیة لصاحبها.

الفرع الثاني: الطبیعة القانونیة لعقد الایجار

لقد اختلف الفقه في بیان الطبیعة القانونیة لحق المستأجر في عقد الایجار فمنهم من یرى أنه حق شخصي (أولا) ومنهم من اعتبره حقا عینیا (ثانیا).

أولا: حق المستأجر حق شخصي

یرى أصحاب هذا الاتجاه أن حق المستأجر هو حق شخصي، ویبرر أنصار هذا الاتجاه رأیهم بالنتائج التالیة:

1- إن حق المستأجر هو حق شخصي سواء كان المأجور عقارا أو منقولا، لأن المؤجر لا یلتزم بموجب عقد الایجار بنقل ملكیة الشيء المؤجر إلى المستأجر، وانما یلتزم بالقیام بعمل، وهو تسلیم العین المؤجرة خالیة من الشواغل (العیوب)، ویعتبر هذا الحق مالا منقولا ولو كان الشيء المأجور عقارا، فهذا على خلاف الحق العیني الذي یعتبر منقولا إذا وقع على منقول وعقارا إذا وقع على عقار، ویترتب على اعتبار حق المستأجر منقولا ما یلي:

- عدم جواز قیام المستأجر برهن حقه في الایجار رهنا تأمینیا لأن هذا النوع من الرهن لا یصح إلا بالنسبة للعقار أو للمنقول الذي تقضي قوانینه الخاصة بتسجیله.

- لا یشترط عند الایجار من الباطن أو التنازل عن الایجار تسجیل هذا التصرف في دائرة التسجیل العقاري، لأن هذا التصرف یعد نوع من الحوالة للحق وتتبع في التنازل عن قواعد حوالة الحق.

2- یستحیل على المستأجر دفع بنفسه التعرض الذي یصدر من الغیر بل علیه باختار المؤجر بذلك لیتولى الدفاع عنه، إلا أن في الحق العیني صاحب الحق له سلطة مباشرة على العین المؤجرة وتمكنه من دفع التعرض بنفسه.

ثانیا: حق المستأجر حق عیني

یتفق أغلبیة الفقهاء على أن حق المستأجر هو حق شخصي إلا أن البعض الآخر یرون أن هذا الحق هو حق عیني مستندین إلى نتائج هي:

1- سریان عقد الایجار في حق المالك الجدید عند انتقال العین المؤجرة إلیه إذا كان عقد الایجار ثابت التاریخ قبل انتقال الملكیة، وهذا ما كرسته أغلبیة التشریعات، وللمستأجر حق اتباع العین المؤجرة ویحتج على أي شخص انتقلت إلیه ملكیتها.

2- امكانیة قیام المستأجر بدفع التعرض المادي الصادر من الغیر دون اللجوء إلى المؤجر وباستطاعته رفع دعوى استرداد الحیازة.

3- اشتراط المشرع الفرنسي تسجیل عقد الایجار إذا تجاوزت مدته 12 سنة،

واستخلصوا من ذلك قاعدة عامة تقضي بتسجیل عقود الاجارة التي تتجاوز مدتها حدا معینا ورتبوا من ذلك نتیجة مفادها اعتبار حق المستأجر حقا عینیا بدعوى أن الحقوق العینیة وحدها هي التي یقتصر علیها التسجیل.

بعد النقد الموجه لهذا الاتجاه، یتضح أن أصحاب الحق الشخصي یمتلكون حججا أقوى في دعم موقفهم مما جعل هذا الاتجاه هو الاتجاه الصائب. وعلى هذا یمكن القول أن طبیعة حق المستأجر هي حق شخصي یمكنه من مطالبة المؤجر من الانتفاع بالعین المؤجرة، ویظل حق المستأجر نافذا.

رغم كل هذه الخلافات حول هذا الموضوع یمكن القول أن حق المستأجر هو حق شخصي ولیس عیني  ویمكنه مطالبة المؤجر من الانتفاع بالعین المؤجرة، ویكون حقه نافذا في مواجهة الخلف الخاص، لان حقه متصل بالعین المؤجرة ولیس بشخص المؤجر.

المرجع:

  1. د. معزوز دليلة، محاضرات في مقياس العقود الخاصة عقد الإيجار، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثالثة – ليسانس تخصص قانون خاص، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم قانون خاص، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/2021، ص 5 إلى ص22.

google-playkhamsatmostaqltradent