الأعمال المكونة للخصومة

الأعمال المكونة للخصومة

الأعمال المكونة للخصومة
لعل شكل العريضة الافتتاحية للدعوى، و إجراء تبليغها للمدعى عليه، يعد من أهم الأعمال المكونة للخصومة، وتبعا لذلك سنتعرض في مطلب أول إلى العريضة الافتتاحية للدعوى ، وفي مطلب ثان إلى الارتباط القائم بينها وبين التكليف بالحضور، الذي يتعين إجراؤه إلى المدعى عليه.

المطلب الأول : العريضة الافتتاحية للدعـوى

 يتم الحق في استعمال الدعوى عن طريق الطلب القضائي ، وهو الطلب الذي ألزم نص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، بأن يتم رفعه إلى المحكمة عن طريق إيداع عريضة مكتوبة من المدعي أو وكيله، وإما بحضور المدعي إلى المحكمة ، ويتولى كاتب الضبـط أو أحد أعوان مكتب الضبط ، تحرير محضر بتصريح المدعي ، الذي يوقع عليه أو يذكر فيه أنه لا يحسن التوقيع. 
لذلك فالشكل الذي تأخذه المطالبة القضائية، والتي تؤدي إلى إنشاء الخصومة القضائية،كقاعدة عامة هي العريضة الافتتاحية ، فما هي هذه العريضة الافتتاحية، وما هي البيانات التي يفرض القانون ضرورة توافرها فيها ؟.

الفرع الأول : ماهية العريضة الإفتتاحية للدعوى

يقصد بالعريضة الإفتتاحية للدعوى ، تلك الورقة المحررة من طرف المدعي أو وكيله، والتي تتضمن الطلب القضائي المؤدي إلى إنشاء الخصومة القضائية ، والأصل  في هذا  الطلب  أن يكون كتابيا، وأن مقدمه نتيجة ذلك يسمى المدعي، وعادة ما ينوب عنه محاميه، وهي كما هو ظاهر تحرر من طرفه، ومن دون إذن أو تدخل من أحد  موظفي المحكمة، لذلك فهي لا تعد ورقة رسمية، ولن يكون الطعن بالتزوير هو الطريقة الوحيدة للطعن فيها، ومع ذلك فهي تحتوي على البيانات التالية :

أولا: أطراف الدعوى

لقد أوجب نص المادة 15/02 و03 و04 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، بأن تكون العريضة الإفتتاحية للدعوى محتوية على اسم مقدم العريضة وموطنه ، واسم ولقب وموطن من قدمت العريضة في مواجهته ، وان تعلق الامر بشخص اعتباري، تعين ذكر تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي وصفة ممثله القانوني او الاتفاقي، وهي ذات البيانات التي يتطلبها القانون في عرائض الإستئناف، وعرائض الطعن بالنقض وغيرها ، وهي بيانات  تشكل كلا لا يتجزأ ، بحيث لا يكمل بعضها البعض، لذلك فان تم إغفال البعض من هذه البيانات ، فالجزاء القانوني الذي يترتب عن ذلك هو بطلان العريضة الإفتتاحية للدعوى .

ثانيا : تاريخ تقديم العريضة الإفتتاحية

وفقا لنص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، فالتاريخ يشكل احد البيانات الجوهرية ، لأن تخلفه يؤدي إلى فقدان الطبيعة الرسمية لها ، في الحدود المشار إليها أعلاه ، وهو التاريخ الذي يتعين أن يحرر في النسخة الأصلية للعريضة ، وفي نسخها وصورها وقت تقديمها  إلى كتابة الضبط ، وهو التاريخ الذي يجب أن يحدد اليوم والشهر والسنة
وترجع أهمية هذا البيان ، إلى أن العريضة الإفتتاحية وابتداء من هذا التاريخ ، تترتب عنها الآثار القانونية المتولدة عن رفع الدعوى إلى المحكمة ،كقطع التقادم  الساري لمصلحة المدعى عليه ، وسريان فوائد التأخير إن كان القانون ينص عليها، كما يتم وابتداء من هذا التاريخ تحديد قيمة الدعوى ، وهي  مسألة تتحكم في الإختصاص  النوعي للمحكمة، إن لم يتم تقديم طلبات إضافية من شأنها تعديل الطلب الأصلي ، الوارد فيها، على النحو الذي سبق بيانه ، بمناسبة دراستنا للطلبات  القضائية .
1) وله أهمية أخرى في قبول بعض الدعاوى ، التي اشترط القانون رفعها ضمن  مواعيد معينة ، كالحيازة ، والطعن بالإلغاء أمام المجالس القضائية ، أو أمام مجلس الدولة أو المعارضة في الأحكام والقرارات الغيابية.

ثالثا: المحكمة  المرفوعة إليها الدعوى

طبقا للمادة 15/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يجب ذكر الجهة القضائية التي ترفع الدعوى امامها، لذلك فاغفال ذكرها كاقتصارها مثلا على ذكر عبارة " المحكمة المختصة " فالجزاء الذي يترتب عن ذلك هو عدم قبولها، ذلك لأن عدم ذكر اسم المحكمة المعنية ، قد يكون محل خلاف قانوني ، إذا أن المدعى عليه لا يمكنه أن يتعرف عـلى المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى ، في ضوء تعدد الجهات القضائية.
هذا وقد لا يكفي ذكر اسم المحكمة المرفوعة إليها الدعوى ، بل يتعين تحديد القسم المعني ، ومع أن هذا االبيان الأخير، لا تأثير له على الإختصاص النوعي للمحكمة، على اعتبار وأن الغرف المنشأة بها، ما هي إلا عبارة عن تقسيم إداري محض، عند استثناء بعض الاقسام منها، فان أهميته تكمن  في قيمة الرسم القضائي ، ذلك أن الرسم المتعلق بالقضايا المدنية على سبيل المثال في الوقت الراهن هو 700دج ، وهو مختلف عن الرسم القضائي المحدد  للقضايا العقارية ب 1000دج فيما أنت الرسم المحدد للقضايا التجارية هو 2500دج ، وذلك  على مستوى محاكم الدرجة الأولى ، وقد يتسبب في رفض الدعوى .

رابعا : وقائع الدعوى و أسانيدها

يقصد بالإدعاء المطروح على المحكمة ، تحديد الطلب القضائي من حيث الموضوع والسبب ، مع  الإشارة إلى مختلف الأسانيد المؤيدة له، وذلك وفقا للمادة 15/05 و06 من قانون الإجراءات المدنية، والمادة 13/04 من قانون الإجراءات المدنية ، لذلك يجب ذكر الوقائع المحددة لموضوع الطلب القضائي، سواء كان مبلغا من النقود، أو حق ملكية، أو بطلان عقد ، أو فسخه أو تعديله، و إلا كانت غير مقبولة.
أما بالنسبة للأسانيد، يجب أن تحتوي العريضة ، على الإشارة إليها باعتبارها مؤيدة للإدعاء ومن ذلك ذكر بيانات العقد المكتوب الذي يستند إليه المدعي، والذي يرتب التزامات في ذمة المدعى عليه مثلا.
ومما لا شك فيه ، فالوقائع تمكن المدعى عليه من معرفة حقيقة النزاع ، ويمكنه تبعا لذلك من إعداد أوجه دفاعه، كما يمكن المحكمة من الفصل فيـه ، بصرف  النظر عن غياب أو حضور المدعى عليه ، إضافة إلى أنه يلعب دورا أساسيا، في تحديد الرسم القضائي، وفي تحديد المحكمة المختصة بالفصل في الطلب، ومن دلك على سبيل المثال  أن الطلب القضائي، ومتى كان متعلقا بدعوى منقولة، لا تزيد قيمة النزاع فيها عن 200.000دج ، فالمحكمة المعينة تختص بالفصل فيه ابتدائياونهائيا.

خامسا: النيابة عن الأطراف

نصت المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،على أن النيابة عن الأطراف أمام القضاء ، تكون بوكيل او محام ، ولا يتمتع بهذه الصفة الا من كان مقيدا بصفة نظامية، في جدول
النقابة الوطنية للمحامين، في ظل النصوص السارية المفعول على نظام هذه المهنة وممارستها.
وعلى الرغم من أن أطراف الخصومة ، هم الذين يباشرون إجراءاتها ، فكثيرا ما يميلون إلى تمثيلهم أمام القضاء عن طريق المحامين، أو عن طريق وكلاء آخرين غير محامين، وهي الوكالة التي حدد القانون شروطا لصحتها، كما رتب عن انقضائها بعض الآثار القانونية.

أ) شروط صحة الوكالة بالخصومة

يتعلق البعض من هذه الشروط بشخص الوكيل وبعضها الآخر يتعلق بالموطن المختار للموكل.
1) الشروط المتعلقة بشخص الوكيل :
لا يقبل كوكيل عن الأطراف، من كان محروما من حق أداء الشهادة أمام القضاء، وكذلك الأمر بالنسبة لكل محكوم عليه في جناية ، أو سرقة ، أو إخفاء أشياء مسروقة ، أو خيانة أمانة ، أو نصب ، أو إفلاس بالتدليس ، أو تبديد أشياء محجوزة ، أو مرهونة ، أو ابتزاز أموال ، أو جريمة التهديد بالتشهير ،كما لا يقبل تمثيل الخصوم من طرف المحامين الموقوفين ، أو المعزولين عن ممارسة عملهم .
هذا و إذا كان الوكيل عن الخصوم ليس محاميا، فيشترط فيه زيادة على ذلك، أن يتمتع بالنزاهة، وأن يكون له موطنا حقيقيا أو مختارا في دائرة اختصاص المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى .
والعريضة المقدمة من الخصم مباشرة لا تكون مقبولة ، إن كان القانون ينص على إلزامية رفعها عن طريق محـام، كما هو الشأن بالنسبة لإجراءات التقاضي أمامالمجالس القضائية او امام المحكمة العليا او مجلس الدولة،  ومحكمة التنازع  حسب متطلبات نص المادة 10 من قانون الإجراءات المدنية والادارية.
1) الشروط المتعلقة بالموطن المختار:
يعد موطن المدعي، من أهم البيانات الإلزاميـة، الواجب توفرها في العريضة الإفتتاحية للدعوى، لذلك فالأمر لا يثير أي إشكال ، إن كان للمدعي موطن بدائرة اختصاص المحكمة  المرفوعة أمامها الدعوى ، وعلى العكس من ذلك ، فان لم يكن للمدعي موطنا بدائرة اختصاص المجلس  القضائي ، التابعة له المحكمة المختصة بنظر دعواه ، يتعين عليه أن يختار موطنا له بدائرة اختصاص هذا المجلس ، إلا إذا كان ممثلا بمحام ، سواء كان هذا الأخير هو الذي قام بتحرير العريضة الإفتتاحية للدعوى ، وإيداعها لدى كتابة ضبط المحكمة ، أو أنه قد أعلن تأسيسه في حق المدعي في وقت لاحق، إذ يصبح في مثل هذه الحالة موطن المحامي، هو الموطن المختار للمدعي ، حسب متطلبات نص المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية ، وهذه القاعدة قد تقررت نتيجة لكون المحامي مخولا بالمرافعة في جميع  محاكم القطر وهذه ميزة لم يقررها القانون للخصم المباشر للخصام بنفسه، والخصم المباشر للخصام بواسطة وكيل غير المحامي.

ب) الآثار المترتبة عن انقضاء الوكالة بالخصومة :

إذا كانت المهمة الأساسية للمحامي بصفته وكيلا عن الأطراف ، تتمثل في تقديم النصائح و الإستشارات القانونية، وتمثيلهم وضمان الدفاع عنهم أمام القضاء ، في ضوء مقتضيات  نص المادة 04 من القانون 91/04 المؤرخ في 8/01/1991،المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ، فان تلك الوكالة  تعد سارية  بين الطرفين ابتداء من تاريخ إسناد التوكيل، وتظل كذلك الى غاية إنهائها أو إبطالها، وهو ما يعبر عنه بانقضاء الوكالة ، وذلك اما من تاريخ صدور حكم في الدعوى ، أمام درجة التقاضي الموكل فيها، و إما من تاريخ  اعتزاله أو عزله أو موته.
لذلك فان ظلت الوكالة سارية بن الطرفين، فان توجيه إجراءات الخصومة تبقى صحيحة في مواجهة الوكيل إلى حين الفصل في الدعوى ، ومن ذلك أن موطن الوكيل يعد بمثابة موطن مختار للموكل ، إن لم يكن له موطنا بدائرة اختصاص المجلس القضائي ، الذي رفعت الدعوى أمام إحدى المحاكم التابعة له .
وإذا قرر الوكيل التنحي عن التوكيل، إما نتيجة لموانع مؤقتة كمرضه ، أو إصابته بعاهة أو إيقافه عن ممارسة مهامه مؤقتا لأسباب تأديبية أو انتخابية ،وإما نتيجة لموانع دائمة كعزله وشطب اسمـه نهائيا من الجدول وغيرها ، فانه يتعين عليه إخبار موكله بذلك في الوقت المناسب ، حتى يتمكن من تحضير دفاع في الدعوى ، وهو التنحي الذي يتعين أن يبلغ بموجب رسالة موصى عليها مع الإشعار بالإستلام ، وذلك إلى آخر موطن معروف للموكل ، كما يتعين إخطار الخصم أو وكيله ، وكذلك المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى ، وذلك تطبيقا لأحكام المادة 81  من القانون 91/04.

الفرع الثاني : وجوب إيداع العريضة الإفتتاحية كتابة ضبط المحكمة

يتعين الإشارة بداية إلى المبدأ العام بخصوص هذا الإجراء، فالاستثناء الوارد عليه، ثم الحكمة منه.
أولا: المبدأ العام:
 بمقتضى نص المادة 14 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، فالمبدأ العام يوجب إيداع العريضة الافتتاحية لدى كتابة ضبط المحكمة، وبحسبه فالإتصال يحدث أولا وقبل كل شيء بين المدعي والمحكمة ، وذلك قبل علم المدعى عليه بالطلب القضائي، لذلك فالعريضة الإفتتاحية للدعوى المرسلة عن طريق البريد ، لاسيما عند انعدام ما يثبت دفع الرسم القضائي، لا تعد مقبولة كأًصل عام.
ثانيا: الاستثناء الوارد على هذا المبدأ:
أمام بعد المسافة بين معظم  المجالس القضائية ، والمحكمة العليا ومجلس الدولة ، فاستثاء من هذا المبدأ، فكثيرا ما يلجأ المحامون العاملون على مستوى هذه المجالس  القضائية ، إلى سداد الرسم القضائي عن طريق حوالة بريدية،  وإرسال الطعون بالنقض والإستئنافات إلى هاتين الجهتين القضائيتين عن طريق البريد المضمن ، وفي مثل هذه الحالة ، فالتاريخ الذي يعتد به ، لإيداع الطعن واحتساب مواعيده ، هو التاريخ الذي يقيد فيه لدى كتابة ضبط المحكمة العليا أو مجلس الدولة ، لا تاريخ إيداعه بمركز البريد ونفس القاعدة تسري على مختلف المذكرات الجوابية.
ثالثا: الحكمة من هذا المبدأ:
لعل المحكمة من ذلك ، تكمن في حفظ حق المدعي في إيداع العريضة الإفتتاحية لدى كتابة الضبط ، لأن إيداعها عن طريق البريد أو عن طريق طرف آخر كالمحضر القضائي مثلا ، قد يترتب عنه بعض التأخر ، سواء فيما يتعلق بإيداعها كتابة ضبط المحكمة ، أو فيما يتعلق بقيام كاتب الضبط بإعادة نسخها إلى المدعي من أجل تبليغها الى المدعى عليه ، وهو التأخر الذي قد يكون سببا في تقادم حق المدعي دون خطأ منه ، كما قد يتسبب في شطب دعواه لغيابه ، يوم انعقاد جلسة المحكمة لنظر الدعوى ، نتيجة عدم علمه بالجلسة التي حددت لذلك.
والقانون لا يوجب فقط على المدعي ، إيداع العريضة الإفتتاحية للدعوى لدى كتابة ضبط الجهة القضائية المعنية، بل يتعين عليه أن يرفق بها جميع المستندات المؤدية لدعواه ، وهي المستندات التي يتعين وبحكم المادة 21 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أن تودع أصولها لدى أمانة الضبط ،وتبلغ للخصوم للاطلاع عليها.

الفرع الثالث : ارتباط العريضة الإفتتاحية بتكليف المدعى عليه بالحضور

يتعين الإشارة بداية إلى كيفية أعمال هذه القاعدة، فالاستثناء الوارد عليها.
أولا: كيفية أعمال قاعدة الارتباط
 إذا كان المدعي حال إيداعه العريضة الإفتتاحية للدعوى كتابة ضبط المحكمة ، قد أدى الرسم  القضائي ، فان كاتب الضبط يتولى قيد الدعوى في السجل الخاص لذلك ، ويثبت حضور المدعي أو من يمثله ، وذلك من خلال تاريخ الجلسة المحددة لنظرها في أصل العريضة الإفتتاحية للدعوى وفي نسخها ويفرد لها ملفا خاصا بالمحكمة ، كما يعطى لها رقما تسلسليا، وفي ذات الوقت يسلم الملف الخـاص بالمحكمة إلى كتابة ضبط القسم المعني، فيتتولى تقييدها في سجل الجلسات حسب ترتيب ورودها، كما يقوم بتسليم نسخها إلى المدعي، أو لمن يمثله قانونا ، كي يتولى  إيداعها لدى مكتب أحد المحضرين  القضائيين، العاملين على مستوى دائرة الإختصاص القضائية للمحكمة المعنية ، للعمل على تبليغها الى المدعى عليه ، أكان منفردا أم كانوا متعددين .
ثانيا: الاستثناء الوارد على أعمال قاعدة الارتباط
يستثنى من تطبيق هذه القاعدة ، معظم قضايا إشكالات التنفيذ الوقتية ، التي يتم الفصل فيها بأمر ولائي، وسبب ذلك يكمن في أن هذه الدعاوى ، يترتب عنها وقف التنفيذ بقوة القانون بمجرد تحرير المحضر القضائي القائم بعملية التنفيذ، لمحضر إشكال في التنفيذ بشأنها.
 لذلك فالمدعي فيها عادة ما يكون المستشكل وهو المحكوم ضده، أي صاحب المصلحة في المطالبة بوقف التنفيذ، وقد يستغل هذه النتيجة ، ويتراخى في القيام بإجراءات التبليغ عن طريق المحضر القضائي، بعد أن اطمأن إلى ترتيب الأثر الواقف للتنفيذ، لذلك نجد المحضر القضائي، وبمجرد قيامه بتحرير  محضر الإشكال  العارض، يقوم  بتبليغ  الأطراف باليوم الذي يتعين عليهم الحضور فيه ، أمام رئيس الجهة القضائية، وذلك بمعرفة هذا الأخير،حسب مقتضيات المادة 631 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
لكنه ومع ذلك، وفيما يتعلق بدعاوى إشكالات التنفيذ الوقتية ، فان مسألة تسليم العريضة إلى المدعي ، من أجل تبليغها عن طريق المحضر القضائي ، يتعين التمييز فيها بين حالتين :
الحالة الأولى : تقتصر على قيام المحضر القضائي، بتحرير محضر الإشكال العارض، ويحيل صاحب    المصلحة إلى عرض الأمر على المحكمة المختصة، للفصل فيه وفقا للإجراءات العادية المقررة لإقامة الدعاوى، وبحسبها فان كتابة  الضبط في هذه الحالة، تسليم العريضة الإفتتاحية للدعوى إلى المدعي ، للعمل على تبليغها  عن طريق المحضر القضائي.
الحالة الثانية : وهي التي لا يقتصر فيها دور المحضر القضائي، على تحرير محضر بالإِشكال العارض، بل يخطر طرفي الإشكال، بالحضور أمام قاضي الاستعجال للفصل فيه، وهو الإخطار الذي يعد بمثابة تبليغ بتاريخ الجلسة، وأن المحكمة وفي هذه الحالة، تتولى الفصل في الإِشكال العارض، بموجب أمر ولائي إما بمواصلة التنفيذ، وإما بوقفه إن كان موضوع الإشكال، مبنيا على أسباب قانونية أو وقائع مادية، من شأن الفصل فيها أن يمس بأصل الحق .

المطلب الثاني : الحضـور أمام المحكمة

تحتاج معالجة هذه المسألة، إلى تحديد ماهية الحضور الشخصي للأطراف، أو عن طريق وكلائهم، وأهميته، مع تحديد مفهوم غيابهم، والآثار المترتبة عنه.

الفرع الأول : ماهية الحضور أمام المحكمة

لتحديد ماهية الحضور، يتعين بداية تحديد معنى الحضور، ثم الإشارة إلى أهميته:

أولا: معنى الحضور ونتائجه :

نتولى أولا: تحديد معنى الحضور، ثم الإشارة إلى النتائج العملية المترتبة عنه.

1) معنى الحضور:

تستعمل عبارة (الحضور) للتعبير عن عن تأخر الخصم في الحضور أمام المحكمة، لذلك فالأهمية العملية لتبليغ العريضة الإفتتاحيـة إلى المدعى عليه، هو تحقيق حضوره، في تحقيق مبدأ المواجهـة بين الخصوم ، وبحسبه يتطلب القانون اتخاذ جميع الإجراءات في مواجهة الخصوم، إذ يكـون من حق كل خصم، أن يعلم بادعاءات خصمه، وأن يمكن من إبداء دفوعه بشأنها.
لذلك فالأصل في إجراءات التقاضي، هو أن تنظر كل قضية بحضور جميع أطرافها، وهو الأصل الذي تم النص عليه بالمادة 27 من قانون الإجراءات المدنية والادارية، وهي مسألة من شأنها إثارة بعض التساؤل، حول ما إذا كان يعني أن حضور الخصوم في المرافعات المدنية يعد واجبا ، وهم نتيجة ذلك مجبرون على الحضور، تحت طائلة خضوعهم لتوقيع الجزاء لتغيبهم ، مثلما هو حاصل في القضايا الجزائية ، التي يسمح القانون للمحكمة، بأن تأمر بإحضارهم جبرا ؟.
للإجابة على ذلك، تجب الإشارة إلى أن حضور الخصم ينطوي على تحقيق مصلحة شخصية له ، تتمثل في كونه يحصل على الفرصة ، في توضيح وجهة نظره في القضية ، مما يساعده في الحصول على حكم  لصالحه ، وبحسب فالأصل أن القانون لا يحتاج إلى إجباره على الحضور، وفي ذات الوقت لا يعتبر غيابه معطلا لسير العدالة ، بما يعني وأن تخلفه لا يحول دون نظر الدعوى ، والحكم فيها في غيبته ، مما يستخلص من ذلك ، أن حضور الخصم بالجلسة يعد حقا من حقوقه، ويعد في ذات الوقت عبئا إجرائيا ، قد يجبر عليه أحيانا ، أو يعرضه لجزاء إجرائي ، وتتحقق هذه الفروض، عندما تأمر المحكمة بحضور الخصوم لإستجوابهم، سواء  من تلقاء نفسها ، أو بناء على طلب الأطراف وهي القواعد التي أقرها نص المادة 98 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

2) النتائج المترتبة عن اعمال مبدا الحضور

ثمة عدة نتائج تترتب عن إعمال هذا المبدأ:
1) أن كل حكم لا يأخذه بعين الإعتبار حال إصداره، يعد باطلا بحكم القانون.
2) أن كل نص تشريعي مخالف له يعد نصا غير دستوري، لذلك نجد المشرع ، قد حرص  على تحقيق مبدأ المواجهة ، في الخصومة بمجرد نشوئها.
3) أن الخصومة القضائية وان كانت تنشأ من الناحية المبدئية، بمجرد إيداع العريضة الإفتتاحية للدعوى، لدى كتابة ضبط المحكمة ، فإنها لا تنعقد كأصل عام ، إلا بعد القيام بإجراءات تبليغها إلى المدعى عليه ، وهي الإجراءات التي تمكنه  من الإطلاع على الطلبات المقدمة ضده ، وبالتالي تمكينه من الرد عليها ، إذ أن تبليغ العريضة الإفتتاحية للمدعى عليه ، بما احتوت عليه من بيانات جوهرية ، ووقائعه وطلبات و أسانيد ،هي كلها مسائل تسمح له بتحضير أوجه دفاعه حيالها
4) أن احترام مبدأ المواجهة وان كان يفيد المدعى عليه بداية ، فانه يفيد المدعي نفسه في المراحل الموالية ، طالما أنه وبموجب هذا المبدأ نفسه، فالمدعى عليه ملزم بإيداع مذكرته الجوابية المرفقة بالمستندات المؤيدة لإدعاءاته ، ضمن مواعيد معينة، تتم خلالها انعقاد جلسات المحكمة، حيث يتم إيداع تلك المذكرات فيتمكن المدعي من استلامها ومن الإطلاع عليها، وعلى مختلف الأوراق المرفقة بها، ليبدي بعد ذلك أوجه دفاعه فيها.
5) أنه واعمالا لهذا المبدأ حرص المشرع على دعوة الخصوم إلى جلسة محددة لنظر الدعوى إذ أن اجتماع الخصوم بأنفسهم، أو بواسطة ممثليهم أمام المحكمة، من شأنه أن يضمن تنويرها واسترعاء نظرها إلى بعض الجوانب الهامة في  القضية، لاسيما ما تعلق منها بإجراءات الإثبات.

ثانيا : أهمية حضور الخصوم بأنفسهم

لقد أقر المشرع قاعدة عامة ، مؤداها حضور  الخصوم بأنفسهم ، إلى الجلسات المخصصة لنظر الدعوى ، واستثناء من ذلك وأمام تعدد إجراءات التقاضي وتعقيدها ودقتها ، فقد أجازت التشريعات الحديثة لكل خصم أن كون ممثلا بواسطة  محاميه أمام القضاء ، وفضلا عن ذلك فان تعذر عليه الحضور لمرض أو سفر أو أي سبب أخر ، فان تلك التشريعات قد أجازت كذلك أيضا للمحكمة ، أن ترخص لأي وكيل في الحضور نيابة عنه.
وتأسيسا على ذلك ، فان لم يحضر طرف الخصومة نفسه ،وحضر نيابة عنه وكيله ، سمي هذا الأخير وكيلا بالخصومة، لذلك فالوكالة بالخصومة ،ما هي إلا اتفاق يتم بين الخصم أو ممثله القانـوني الإتفاقي من جهة ، وبين وكيله من جهة أخرى ، سواء كان هذا الأخير محاميا أو غير محام ،وذلك من أجل تمثليه في الدعوى أمام الجهة القضائية المعنية بنظرها.
ويستثنى من تطبيق مبدأ حضور الخصم بنفسه، إجراءات التقاضي أمام المحكمة العليا، ومجلس الدولة، ومحكمة التنازع،طبقا لمتطلبات المـادة 10من  قانون الإجراءات المدنية والادارية، التي أوجبت بأن إجراءات التداعي أمام تلك الجهات، لا تتم إلا بواسطة محامين مقبولين لدى تلك الجهات، ولم يستثن من هذه الأحكام سوى الدولة.

الفرع الثاني : الغياب

يتعين لدراسة مسألة غياب الخصوم تحديد المقصود من الغياب ، مع حصر الآثار القانونية المترتبة عن ذلك .

أولا: المقصود بالغياب

تستعمل عبارة (لغياب) للتعبير عن تأخر الخصم في الحضور أمام المحكمة وهو المعني الذي قد لا يكون مرادفا للمعنى القانوني في التشريع الجزائري ، لأن الخصم قد يتخلف عن حضور إحدى جلسات المحكمة، ومع ذلك يصدر الحكم في حقه حضوريا، ذلك أن العبرة في الحضور والغياب، تتمثل في قيام  الحجة على العلم اليقيني للخصم بجلسات المحكمة ، ويتحقق في أحوال :
الحالة الأولى: إذا حضر الخصم نفسه، أو بواسطة وكيله إحدى الجلسات، وتغيب في الباقي فانه    يعتبر حاضرا أمام المحكمة ، التي حضر فيها هذه الجلسة.
الحالة الثانية: إذا قدم مذكرة بأوجه  دفاعه ، فانه يعد حاضرا ، لأن تلك المذكرة تؤكد علمه اليقيني بقيام قائما لديه وأن تخلفه لا يحول دون اعتبار الحكم حضوريا بالنسبة له، سواء تم ذلك التبليغ قبل الجلية الأولى أو بعدها.
وظاهر من خلال هذه الأحكام وأن مسألة الغياب لا تعني سوى المدعى عليه ، لأن المدعي يعد حاضرات ، لتوفر العلم اليقيني لديه ، طالما أنه هو من قدم العريضة الإفنناحية للدعوى، بالتالي فالمدعى عليه إن لم يحضر هو نفسه أو بواسطة وكيله ، ولم يقدم مذكرة في الدعوى ، ولم يبلغ شخصيا ، وتغيب عن الجلسة صدر الحكم غيابيا  في حقه وهو حكم يكون قابلا للطعن فيه بطريق  المعارضة ، ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغ الحاصل وفقا للمواد 292 الى295 و327 الى 331 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، و بالإستئناف عند انقضاء مواعيد المعارضة ، وذلك ضمن مهلة شهر واحد ، تسرى ابتداء من تاريخ انتهاء آجال المعارضة طبقا للمادة 336 من نفس القانون.

ثانيا : مدى تأثر الدعوى بالغياب

مما لاشك فيه، بأن للغياب تأثير على الدعوى ، وهو التأثير الذي يختلف باختلاف الطرف المتغيب فيما إذا كان المدعي ، أو المدعى عليه ، أو أن الطرفين قد تغيبا معا .
أ)غياب الطرفين معا
إن غياب الطرفين معا ، قد يفسر بالنسبة للمحكمة ، على أساس وأن ثمة صلح قد حصل بينهما، وهو تفسير لا يمكنها معه إلا أن تنظر الدعوى ، ويبقى مع كل ذلك للخصوم حق  العودة إليها، سواء لمتابعة الخصومة نفسها ، إن لم تكن المحكمة قد أصدرت حكما فيها، أو بخصومة جديدة ، لأن عدم  فصل المحكمة  في الخصومة ، رغم غياب الخصوم ، قد يكون بسبب تراكم الدعاوى أمامها ، وقد تكون المحكمة  ملزمة بنظر الدعوى ، متى قدم الطرفان أوجه دفاعهما وطلباتهما بشأنها ، بما يعني وأن التزام المحكمة بنظر  الدعوى ، يتوقف على صلاحياتها للفصل من عدمه ، لا على حصول الصلح بين الطرفين من عدم حصوله .
لذلك فان كان المدعى عليه ، قدم أوجه دفاعه ، سواء في الجلسة الأولى ، أو في إحدى الجلسات اللاحقة ، فيما تغيب والمدعي في باقي الجلسات الأخرى ، فان الدعوى تعد صالحة للحكم فيها وهو الأمر الذي لا يعني بأن المحكمة قد تفصل في موضوع الدعوى ، بل أنها قد تصرح بعدم قبولها ، أو ببطلان العريضة الإفتتاحية لها ، أو بعدم صحة إجراءاتها ،والأثر الوحيد الذي يترتب عن ذلك ، هو انقضاء الخصومة ، وحكمة المشرع هنا ، تكمن في عدم اعتداده بالغياب الفعلي للخصوم ، لأنهم يعتبرون حاضرين في نظر القانون ، كون المدعي هو مقدم العريضة الإفتتاحية للدعوى ، والمدعى عليه قدم مذكرة بأوجه دفاعه فيها.
ب) غياب المدعي وحده
إذا حضر المدعى عليه وحده وغاب المدعي ، فالجزاء الذي يترتب عن ذلك ، هو الحكم بشطب الدعوى، عقابا له عن إهماله وتخلفه عن حضور جلسات المحكمة ، رغم علمه بها ، وهو حكم وان كان من شأنه أن يخرج الدعوى من الجدول ،فانه  لا يحول بحال دون تراكم الدعاوى بجدول المحكمة ،ما دام القانون يسمح له بإعادة طرح الطلب القضائي،بدعوى جديدة، فضلا عن كون ذلك الحكم لا يشكل إخلالا بحقوق الدفاع .
لكن ومع ذلك فان غياب المدعي ، بعد أن يكون المدعى عليه قد قدم مذكرة بأوجه دفاعه في الدعوى ، لا يعطي للمحكمة سلطة شطب الدعوى، لأن هذه حينها قد تكون صالحة لنظرها ، وهي نتيجة ذلك ، إما أن تأمر بتأجيلها لي سبب جدي ، و إما أن تتولى الفصل فيها ، حتى ولو التزم المدعى عليه بالسكوت ، بعد ذلك ، متى تبين لها وأن الدعـوى مهيأة للفصل فيها.
هذا وقد يعزي تأجيل الدعوى، إلى المحكمة قد تأمر بإجراء من إجراءات الإثبات، كسماع الشهود، أو تمكين المدعي من الإطلاع على الطلب العارض، الذي يكون المدعى عليه قد تقدم به في غيابه مع ما يتطلبه ذلك من إعلامه به.
كما أن غياب المدعي لا يكون سببا في رفض طلبه، بل أن المحكمة قد تستجيب له رغم ذلك الغياب، وهي الصورة التي تتحقق من الناحية العملية، عند اعتراف المدعى عليه  بالواقعة المنشئة للحق  المتنازع فيه.
ج- غياب المدعى عليه وحده
لا يحول غياب المدعى عليه وحده، دون إمكانية قيام المحكمة بالفصل في الدعوى ، لأن القول بغير ذلك قد يجرنا إلى القول ، بأن حصول المدعي على حقه ، يبقى متوقفا على إرادة المدعى عليه ، وهي نتيجة لا تتماشى وقواعد تحقيق العدالة ، وفي المقابل فالمدعى عليه ، ليس هو الذي أخذ بزمام المبادرة في إقامة الدعوى ، ولا وجود لأية قرينة قانونية ، تفيذ حصول العلم لديه بقيام الدعوى لذلك فغيابه لا يعني سوى وجود واقعة موضوعية ، تتمثل في عدم الحضور ، ولا ترقى إلى درجة الإهـمال من شأنها أن تتسبب في  عقابه .
وفي ضوء هذه المفارقة ، فالمشرع قد اعتبر غياب المدعى عليه مبررا ، ان لم يبلغ تبليغا صحيحا ، ولم يقدم مذكرة بأوجه دفاعه ، وأن الفصل في الدعوى في مثل هذه الحالة ، ينطوي على إهدار حقه في الدفاع ومن أجل  تفادي ذلك ، يتعين على المحكمة أن تأمر بتأجيل الدعوى ، إلى غاية حصول العلم لدى المدعى عليه ، بعد إعادة تبليغه تبليغا صحيحا بقيامها ، فمتى ثبت ذلك ، كان لها أن تنظر فيها خلال الجلسة الموالية وحكمها يعد حضوريا.
والظاهر هنا أن صحة حكم المحكمة ، يتوقف على إعادة التكليف بالحضور من جهة، وعلى صحته من جهة  ثانية ، وهي القاعد التي لا يستثنى من سريانها حتى الدعوى الإستعجالية، مع أن للمحكمة في مثل هذه الحال ، أن تأمر بتقصير مدة التأجيل ،وكذلك  الأمر بالنسبة لمواعيد التكليف بالحضور، وهي القواعد التي قد تلجأ المحكمة إلى إعمالها،متى ثبت لها وأن التبليغ الأول قد تم صحيحا ، بحيث تكون في مثل هذه  الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى ، استجابة لضرورة الاستعجال المرجحة ، على ضرورة التأكد من علم المدعى عليه  بالدعوى.
google-playkhamsatmostaqltradent