التزامات التاجر

التزامات التاجر

التزامات التاجر
بعد توافر كل الشروط القانونية لاكتساب صفة التاجر، يجب على التاجر الخضوع للالتزامات المنصوص عليها في القانون التجاري بغية تنظيم الحرفة التجارية، وهي: الالتزام بمسك الدفاتر التجارية، والقيد في السجل التجاري.

المبحث الأول: الدفاتر التجارية

أهمية الدفاتر التجارية

فرض القانون التجاري على التجار مسك دفاتر معينة يقيدون فيها ما لهم من حقوق وما عليهم من ديون، ويثبتون فيها جميع العمليات التجارية التي يباشرونها، وللدفاتر التجارية دور هام سواء بالنسبة للتاجر أو الغير، ولا شك في أن مسك الدفاتر التجارية بطريقة منتظمة تعود بالفائدة على التاجر، فتبين لنا مركزه المالي وحالة تجارته وماله وما عليه من ديون وما حققه من ربح أو ما أصابه من خسارة، ويستخلص الطرق المناسبة التي يوجه على مقتضاها نشاطه التجاري، كما أن مصلحة الضرائب تستطيع أن تحدد الضرائب المستحقة على التاجر وفقا لبيانات هذه الدفاتر المنتظمة دون إجحاف به، بدلا من أن تحدد جزافا يكون في غير مصلحة التاجر، كما أن للدفاتر التجارية أهمية من حيث الإثبات في المعاملات التجارية متى كانت منتظمة ومرتبة، وتصلح كوسيلة في المنازعات التي تحصل بين التجار، ثم أنه إذا أفلس التاجر فحصت دفاتره للتحقق مما إذا كانت عملياته جدية منتظمة، فإذا أفلس التاجر وكانت دفتره منتظمة اعتبر مفلسا إفلاسا بسيطا ويمكنه الاستفادة من الصلح الواقي، أما إذا كانت دفاتره غير منتظمة يعتبر مفلسا بالتقصير ويعاقب بعقوبة جنائية.
وعلى ضوء ما تقدم سوف نتكلم في الدفاتر التجارية عن موضوعات خمسة:
1- الأشخاص الملتزمون بمسك الدفاتر التجارية.
2- أنواع الدفاتر التجارية.
3- تنظيم الدفاتر التجارية.
4- الجزاءات المترتبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو على عدم انتظامها.
5- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات.

المطلب الأول: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية، أنواعها، تنظيمها، مدة الاحتفاظ بها والجزاءات المترتبة على عدم مسكها

أولا: الأشخاص الملزمون بمسك الدفاتر التجارية

تنص المادة التاسعة من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: "كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة التاجر ملزم بمسك دفتر لليومية يقيد فيه يوما بيوم عمليات المقاولة أو أن يراجع على الأقل نتائج هذه العمليات شهريا بشرط أن يحتفظ في هذه الحالة بكافة الوثائق التي يمكن معها مراجعة تلك العمليات يوميا".
ويفهم من نص هذه المادة أن الالتزام بمسك الدفاتر التجارية واجب على كل تاجر دون تمييز بين التاجر الجزائري والتاجر الأجنبي المقيم بالجزائر أو بين التجار الأفراد والشركات التجارية، كما أن هذا النص لا يفرق بين التاجر الكبير والتاجر الصغير، إلا أن العرف التجاري يتسامح مع طائفة التجار الصغار، لما يتطلبه ذلك من وقت وتكاليف باهظة لا طاقة لهم بخها ولا تتناسب مع الفائدة التي تعود عليهم من مسك مثل هذه الدفاتر، وللعلم أن الشركاء المتضامنين في شركات التضامن ولو أنهم يكتسبون صفة التاجر لمجرد كونهم أعضاء في الشركة، إلا أنهم لا يلتزمون بمسك دفاتر تجارية اكتفاء بدفاتر الشركة، ولو ألزمنا الشركاء المتضامنين بمسك الدفاتر التجارية لكان تكرار لدفاتر الشركة، لأن الشركاء المتضامنين يقومون بالتجارة من خلال شخص الشركة، أما إذا ما مارس أحد الشركاء المتضامنين تجارة مستقلة إلى جانب كونه شريك في الشركة، فيتعين عليه في هذه الحالة مسك دفاتر تجارية خاصة بتجارته.

ثانيا: أنواع الدفاتر التجارية

أوجب المشرع الجزائري على كل تاجر أن يمسك دفاتر تجارية إلزامية، وتنحصر في دفتر اليومية ودفتر الجرد، وترك له الحرية في اختيار دفاتر أخرى مناسبة إذا استلزمت طبيعة وأهميتها ذلك، فالدفاتر التجارية هي المرأة الصادقة التي يتبين من خلالها المركز المالي للتاجر وبيان ماله وما عليه من الديون المتعلقة بتجارته.

الدفاتر الإلزامية

1- دفتر اليومية: وهو أهم الدفاتر التجارية يسجل فيه التاجر جميع العمليات المالية التي يقوم بها، ويتم هذا التسجيل كما جاء في نص المادة التاسعة يوما بيوم وبالتفصيل، ومن ثم يجب أن تقيد في الدفتر جميع العمليات التجارية التي يقوم بها التاجر من بيع أو شراء أو اقتراض أو دفع أو قبض لأوراق نقدية أو تجارية أو غير ذلك، أما من الناحية العملية فلا يكفي قيد العمليات التجارية في دفتر واحد، مما يستحسن الاستعانة بمسك دفاتر يومية مساعدة لإثبات تفاصيل الأنواع المختلفة من العمليات التي يقوم بها، فيخصص دفتر يومية للمشتريات وآخر للمبيعات وثالث للمصروفات ورابع لأوراق القبض وخامس لأوراق الدفع، ولا حاجة للتاجر لإعادة قيد تفاصيل هذه العمليات في دفتر اليومية الأصلي، وإنما يكتفي في هذه الحالة بتقييد إجمالي لهذه العمليات في دفتر اليومية الأصلي في فترات منتظمة من واقع هذه الدفاتر كأن يكون ذلك مرة كل شهر مثلا.
2- دفتر الجرد: ألزم المشرع الجزائري على كل تاجر بمسك دفتر الجرد وذلك ما جاءت به نص المادة العاشرة من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجب عليه أيضا أن يجري سنويا جردا لعناصر أصول وخصوم مقاولته وأن يقفل كافة حساباته بقصد إعداد الميزانية وحساب الخسائر والأرباح، وتنسخ بعد ذلك هذه الميزانية وحساب الخسائر والأرباح في دفتر الجرد".
يؤخذ من هذا النص أن التاجر يلتزم في أخر كل سنة مالية بجرد أموال منشأته وهي ما للتاجر من أموال منقولة أو ثابتة وتقويمها وحصر ماله من حقوق وما عليه من ديون وتدوين ذلك تفصيلا في دفتر الجرد، فإذا كانت هذه التفاصيل مدونة في دفاتر أو قوائم مستقلة فعلى التاجر أن يكتفي بإثبات بيان إجمالي عنها في دفتر الجرد، كما يستفاد من نص المادة العاشرة أن التاجر يلتزم في نهاية السنة المالية بتحرير الميزانية العامة من واقع دفتر أو قوائم الجرد، والميزانية تتكون من جانبين الأصول والخصوم، وتشمل الأصول الأموال الثابتة والمنقولة والديون التي على الغير للتاجر، بينما تشمل الخصوم الديون التي على التاجر للغير وكذلك رأس مال المنشأة باعتبارها دينا على المنشأة لصاحبها وكذلك بيان حساب الأرباح والخسائر، ويجب أن تقيد صورة من هذه الميزانية بدفتر الجرد إذا لم تقيد في أي دفتر آخر، وتحتفظ كما جاء في نص المادة 12 من القانون التجاري الدفاتر والمستندات لمدة عشر سنوات، كما يجب أن ترتب وتحفظ المراسلات الواردة ونسخ الرسالات الموجهة طيلة نفس المدة، ولدفتر الجرد دور هام في التعرف على المركز المالي للتاجر، كما يسمح للدائنين في حالة الإفلاس معرفة ما لمدينهم من حقوق وما عليه من التزامات.

الدفاتر الاختيارية

جرت العادة على أن يمسك التاجر دفاتر تجارية أخرى علاوة على الدفاتر الإجبارية وهي دفتر اليومية ودفتر الجرد، وهذا الدفاتر الأخرى اختيارية تبعا لما إذا كانت تستلزمها طبيعة التجارة وأهميتها، وأم هذه الدفاتر:
1- دفتر الأستاذ: وتنقل إليه القيود الواردة بدفتر اليومية وترتب فيه حسب نوعها أو بحسب أسماء العملاء لكل عميل أو لكل نوع منها حساب، حساب البضائع وحساب الأوراق التجارية للقرض أو الأوراق التجارية للدفع إلى غير ذلك.
2- دفتر المسودة: وتدون فيه العمليات التجارية بمجرد وقوعها بسرعة وبصورة مذكرات، ثم تنقل بعد ذلك إلى دفتر اليومية بعناية وانتظام.
3- دفتر المخزن: تدون فيه البضائع التي تدخل مخزن التاجر والتي تخرج منه.
4- دفتر الأوراق التجاري: تقيد فيه تواريخ استحقاق الأوراق التجارية الواجب تحصيلها من الغير وتلك التي يتعين الوفاء بقيمتها للغير.
5- دفتر الصندوق: وتدون فيه كل المبالغ النقدية التي تدخل الصندوق والتي تخرج منه، وهو ذو أهمية بالنسبة للتاجر من حيث أنه يبين رصيده في آخر كل يوم.

ثالثا: تنظيم الدفاتر التجارية

يخضع مسك الدفاتر التجارية لأحكام خاصة يقصد بها كفالة انتظامها وضمان صحة ما يرد فيها من معلومات أو بيانات، وذلك نظرا للأهمية الخاصة التي تكتسيها الدفاتر التجارية في مجال الإثبات أمام القضاء أو الضرائب التي تستحق من التاجر أو بيان مركزه المالي، وهذا ما جاءت به نص المادة 13 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية"، كما ألزم القانون التجاري في المادة 11 منه بمسك دفتر اليومية ودفتر الجرد بحسب التاريخ وبدون ترك بياض أو تغيير من أي نوع كان أو نقل إلى الهامش، وترقم صفحات كل من الدفترين ويوقع عليهما من طرف قاضي المحكمة حسب الإجراء المعتاد، ويستفاد من نص هذه المادة أنه يجب على التاجر تدوين العمليات التجارية حسب تواريخ وقوعها، كما يجب أن تكون الدفاتر التجارية خالية من أي فراغ أو كتابة في الهامش أو كشط أو تحشير بين السطور، والقصد من ذلك هو سلامة البيانات الواردة بها ومنع الإضافة إليها عن طريق الفراغ المكتوب، وإذا أريد تصحيح بيان قيد خطاء كان ذلك بكتابة أخرى في تاريخ كشف الخطاء، ويتعين قبل استعمال دفتري اليومية والجرد أن ترقم كل صفحة من صفحاته وأن يوقع كل ورقة فيها قاضي المحكمة المختصة التي يقع في دائرتها السجل التجاري، والغرض من ذلك حفظ الدفاتر التجارية ومنع إخفاء بعض الصفحات أو أن يستبدل بها غيرها أو أن يعدم الدفتر بأكمله ويبدل به آخر مصطنع.

رابعا: مدة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية

 تنص المادة 12 من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: "يجب أن تحفظ الدفاتر المشار إليها في المادتين 9 و 10 لمدة عشر سنوات، كما يجب أن ترتب وتحفظ المراسلات الواردة ونسخ الرسالات الموجهة طيلة نفس المدة".
ويستفاد من نص هذه المادة أنه توجب على التاجر الاحتفاظ بالدفاتر التجارية مدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ إقفالها، كما أوجب عليهم كذلك حفظ المراسلات وغيرها من المستندات التي تتصل بأعمال التجارة مدة عشر سنوات، وللتاجر الحق في أن يعدمها بعد انقضاء العشر سنوات، ولا يلتزم التاجر بتقديم دفاتره أمام القضاء بعد انقضاء هذه المدة لوجود قرينة قانونية على إعدامها، غير أنه يمكن إثبات عكسها، وحينئذ يلتزم التاجر بتقديمها، ومن مصلحة التاجر أن يحتفظ بدفاتره ومستنداته التجارية مدة أطول حتى تنقضي جميع الحقوق الثابتة بها.

خامسا: الجزاءات المترتبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو عدم انتظامها

الجزاءات المدنية

1- إذا لم يمسك التاجر دفاتر تجارية منتظمة فلا يعتد بها في الإثبات لمصلحة التاجر في حالة وقوع نزاع بينه وبين تاجر آخر بشأن أعمال تجارية بينهما، على أنه يجوز للمحكمة أن تأخذ بالدفاتر التجارية باعتبارها مجرد قرائن وعناصر في الإثبات وليس كأدلة كاملة، كما تستطيع المحكمة رفض الدفاتر التجارية التجارية ولو كانت منتظمة.
2- إذا لم يمسك التاجر دفاتر منتظمة فرضت عليه ضريبة على الأرباح التجارية حسب تقدير مصلحة الضرائب أي جزافا وغالبا ما يترتب على ذلك من إجحاف به.
3- إذا مسك التاجر دفاتر تجارية غير منتظمة أجاز حرمانه من الاستفادة من الصلح الواقي من الإفلاس في حالة توقف عن دفع ديونه، وهذا لصعوبة تحديد مركزه المالي الناتج عن عدم مسك دفاتر تجارية على الإطلاق أو مسك بها بطريقة غير منتظمة، كما لا يستفيد من الصلح الواقي إلا التاجر حسن النية الذي تضطرب أعماله المالية لأسباب طارئة خارجة عن إرادته، ولا شك أن التاجر الذي يمسك دفاتر تجارية غير منتظمة لا تنطبق عليه صفة حسن النية.

الجزاءات الجنائية

لم يفرض المشرع عقوبة على عدم مسك الدفاتر التجارية أو مسكها بطريقة غير منتظمة إلا في حالة إفلاس التاجر، وكما بينا من قبل ما للدفاتر التجارية من أهمية في التعرف على مركزه المالي، فإذا توقف التاجر عن دفع ديونه وتبين أنه لم يمسك دفاتره التجارية أو كانت غير منتظمة اعتبر مرتكبا لجريمة الإفلاس بالتقصير، فتطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في المادة 383 من قانون العقوبات الجزائري، وجريمة الإفلاس بالتقصير نصت عليها المادة 370 من القانون التجاري الجزائري في حالة إفلاس التاجر إذا لم يكن قد أمسك أية حسابات مطابقة لعرف المهنة نظرا لأهمية تجارته، وقد جاء في نص هذه المادة ما يلي: "يعد مرتكبا لتفليس بالتقصير كل تاجر في حالة توقف عن الدفع يوجد في إحدى الحالات الآتية:
1- إذا ثبت أن مصاريفه الشخصية أو مصاريف تجارته مفرطة.
2- إذا استهلك مبالغ جسيمة في عمليات نصيبية محضة أو عمليات وهمية.
3- إذا كان قد أقام بمشتريات لإعادة البيع بأقل من سعر السوق بقصد تأخير إثبات توقفه عن الدفع أو استعمل بنفس القصد وسائل مؤدية للإفلاس ليحصل على أموال.
4- إذا قام التوقف عن الدفع بإيفاء أحد الدائنين إضرارا بجماعة الدائنين.
5- إذا كان قد أشهر إفلاسه مرتين وأقفلت التفليستان بسبب عدم كفاية الأصول.
6- إذا لم يكن قد أمسك أية حسابات مطابقة لعرف المهنة نظرا لأهمية تجارته.
7- إذا كان قد مارس مهنته مخالفا لحظر منصوص عليه في القانون.
أما إذا أفلس التاجر وتبين أنه قد أخفى دفاتره أو بددها أو اختلسها اعتبر متفلسا بالتدليس طبقا للمادة 374 من القانون التجاري الجزائري التي جاء نصها كما يلي: "يعد مرتكبا للتفليس بالتدليس كل تاجر في حالة توقف عن الدفع يكون قد أخفى حساباته أو بدد أو اختلس كل أو بعض أصوله أو يكون بطريق التدليس قد أقر بمديونته بمبالغ ليست في ذمته سواء كان هذا في محرراته بأوراق رسمية أو تعهدات عرفية أو في ميزانية". زيادة على ذلك يعاقب التاجر المرتكب لجريمة الإفلاس بالتدليس بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 383 من قانون العقوبات، وتنص هذه المادة على ما يلي: " كل من ثبتت مسؤوليته لارتكابه جريمة التفليس في الحالات المنصوص عليها في القانون التجاري يعاقب.
- عن التفليس بالتقصير بالحبس من شهرين 2 إلى سنتين وبغرامة من 25.000دج إلى 200.000 دج.
- عن التفليس بالتدليس بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج.
ويجوز علاوة على ذلك أن يقضي على المفلس بالتدليس بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر1 من هذا القانون لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر".
وتطبق هذه العقوبة أيضا على الشركة في حالة توقف عن الدفع، إذ تعتبر مرتكبة لجريمة الإفلاس بالتقصير في حالة ما إذا أمر القائمين بالإدارة بإمساك حسابات الشركة بغير انتظام طبقا لنص المادة 378 الفقرة 5 من القانون التجاري التي جاء نصها كما يلي: "في حالة توقف الشركة عن الدفع، تطبق العقوبات الخاصة بالتفليس بالتقصير على القائمين بالإدارة والمديرين أو المصفين في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وبوجه عام كل المفوضين من قبل الشركة، يكونون بهذه الصفة وبسوء نية أمسكوا أو أمروا بإمساك حسابات الشركة بغير انتظام".

المطلب الثاني: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات

جعل القانون الدفاتر التجارية حجة في الإثبات سواء لمصلحة التاجر أو ضده وسوف ندرس حجية الدفاتر التجارية في كلا الحالتين:

أولا: حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر

الأصل أنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه ولكن القانون التجاري خرج على هذا الأصل، إذ سمح للتاجر أن يمسك دفاتر تجارية ويمكن له استعمالها كدليل إثبات لصالحه وللتاجر الآخر الذي يحتج عليه بالدفاتر إثبات عكس ما جاء فيها بجميع الطرق بما فيها البينة والقرائن، وتختلف حجية الدفاتر التجارية في الإثبات في حالة ما إذا كان التعامل بين تاجرين أو بين تاجر وغير تاجر.

1- حجية الدفاتر التجارية بين تاجرين

منح القانون للتاجر الحق في التمسك بدفاتره التجارية لأجل الإثبات في دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر منتظمة، وذلك ما جاءت به نص المادة 13 من القانون التجاري بقولها: "يجوز للقاضي قبول الدفاتر التجارية المنتظمة كإثبات بين التجار بالنسبة للأعمال التجارية"، ولكي تكون دفاتر التاجر حجة لمصلحته يجب أن تتوافر ثلاث شروط:
أ- يجب أن يكون النزاع قائما بين تاجرين، أي بين شخصين يلتزمان بمسك الدفاتر التجارية حيث يسهل على القاضي التحقق من البيانات عن طريق مقارنة دفاتر كل من الخصمين، ولا صعوبة إذا تطابقت بياناتها، أما إذا اختلفت الدفاتر جاز للقاضي ترجيح دفاتر أحدهما إذا كانت منتظمة على دفاتر الطرف الآخر غير المنتظمة.
ب- يجب أن يكون النزاع متعلقا بعمل تجاري بالنسبة لكل من الخصمين، كما إذا باع التاجر بضاعة إلى تاجر آخر لأجل بيعها، أما في حالة ما إذا اشترى تاجر بضاعة من تاجر آخر لاستعماله الخاص فلا يجوز لاحتجاج عليه بالدفاتر التجارية لأنها عملا مدنيا.
ج- ويجب أن تكون الدفاتر التجارية التي يتمسك بها ويحتج بها على الغير منتظمة، والسبب في ذلك أن البيانات المدونة فيها تستوفي شروط الصحة والجدية.
أما الدفاتر التجارية غير المنتظمة فلا تكون حجة في الإثبات أمام القضاء، غير أن القاضي يمكن أن يستأنس بها ويستنبط منها قرائن تكمل عناصر الإثبات الأخرى في الدعوى.

2- حجية الدفاتر التجارية على غير التجار

لا تصلح دفاتر التاجر حجة على خصمه غير التاجر لعدم مسك دفاتر من قبل الخصم غير التاجر، إلا أنه يجوز للقاضي لاستعانة بدفاتر التاجر لاستخراج قرائن يستند إليها في حكم الدعوى ويجوز للقاضي أن يكمله بتوجيه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة، ولكن يجب توافر الشروط التالية:
الشرط الأول: أن يتعلق النزاع ببضائع وردها التاجر لغير التاجر كالمواد الغذائية، فإذا ما تعلق الأمر بقرض قدمه التاجر لغير التاجر فلا يؤخذ بعين الاعتبار.
الشرط الثاني: أن يكون الدين محل النزاع مما يجوز إثباته بالبينة، كأن تكون قيمة ما ورده التاجر لا تتجاوز 1.000 دينار جزائري، وهذا ما جاءت به نص المادة 333 من القانون المدني الجزائري بقولها: "في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني يزيد قيمته على 1.000 دينار جزائري أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز البنة في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك، ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف ويجوز الإثبات بالبينة إذا كانت زيادة الالتزام على ألف دينار جزائري لم تأت إلا من ضم الملحقات إلى الأصل:
الشرط الثالث: متى قرر القاضي قبول الدفاتر في الإثبات تعين عليه تكملته بتوجيه اليمين المتممة وهو أمر جوازي للقاضي فله كامل الحرية في تعيين من توجه إليه هذه اليمين من الطرفين.

ثانيا: حجية الدفاتر التجارية ضد التاجر

للدفاتر التجارية حرية في الإثبات ضد التاجر الذي صدرت منه أيا كان الخصم الذي يتمسك بها، سواء كان تاجرا أم غير تاجر، وسواء أكان الدين تجاريا أم مدنيا ولا يشترط أن تكون الدفاتر منتظمة، وتفسر حجية الدفاتر التجارية على صاحبها بأن البيانات الواردة فيها تعتبر بمثابة إقرار كتابي صادر من التاجر شخصيا ونتيجة على ذلك يجب تطبيق قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار متى كانت الدفاتر منتظمة، فعلى التاجر الخصم أن يأخذها كاملة أو يرفضها كلية، فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يأخذ منها ما يفيده ويستبعد منها ما كان مناقضا لدعواه، فلو دون التاجر في دفتره مثلا أنه باع بضاعة إلى شخص ما وأن الثمن لم يدفع، فلا يجوز للمشتري أن يستند إلى هذا الدفتر لإثبات وقوع البيع ويرفض الدفتر ذاته فيما يتعلق بإثبات واقعة أن الثمن لم يدفع، بل عليه أن يتمسك بما ورد في الدفتر كاملا أو أن يرفضه كلية ويقدم دليلا آخر، وإذا كانت الدفتر غير منتظمة جاز للقاضي أن يقدر مضمونها دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار، وفي ذلك كله تنص المادة 330 من القانون المدني الجزائري على ما يلي:
"دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار، غير أن الدفاتر عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التاجر، يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة، وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها واستبعاد ما هو مناقض لدعواه".

ثالثا: تقديم الدفاتر التجارية إلى القضاء

القاعدة العامة "لا يجيز للشخص تقديم دليل ضد نفسه"، ومع ذلك فإن القانون يجيز للمحكمة إلزام التاجر بتقديم دفاتره، والعلة من وراء هذا الاستثناء ترجع إلى الثقة التي يتمتع بها التجار مما يدعو خصمه في كثير من الحالات إلى الاعتماد على ما يدونه في دفاتره، فلا يهتم بإثبات التعامل معه كتابه، وإذا طلب أحد الخصوم إلزام خصمه التاجر بتقديم دفاتره التجارية فإن المحكمة حرة في قبول الطلب أو رفضه على ضوء تقدير ظروف الدعوى، وللمحكمة أن تأمر بتقديم الدفاتر من تلقاء نفسها ولا يجوز الأمر بتقديم الدفاتر، إلا إذا اطمأنت المحكمة إلى ضرورته وفائدته وكانت عناصر الدعوى تدل على جدية الحق المدعى به، وإذا كلف الخصم بتقديم دفاتره فامتنع، كان للقاضي أن يحمله على التنفيذ عن طريق فرض غرامة تهديديه عن كل يوم من أيام التأخير تطبيقا للقواعد العامة، وإذا امتنع التاجر عن تقديم دفاتره للمحكمة فللمحكمة أن تعتبر هذا الامتناع دليلا على صحة ما يدعيه خصم التاجر، ويجب التفرقة في تقديم الدفاتر للقضاء بين الاطلاع عليها جزئيا والاطلاع عليها كليا.

1- الاطلاع الجزئي

يقصد بالاطلاع الجزئي تقديم التاجر دفاتره التجارية إلى المحكمة للاطلاع عليها جزئيا، كما يحق للمحكمة انتداب خبير لهذا الغرض لاستخراج البيانات المتعلقة بالنزاع دون غيرها، وذلك بحضور التاجر وتحت رقابته ولا يجوز للخصم الاطلاع على دفاتر التاجر وذلك للمحافظة على أسرار التاجر، وإذا كانت الدفاتر المطلوب الاطلاع عليها في أماكن بعيدة عن المحكمة المختصة أجاز القانون للقاضي أن يوجه إنابة قضائية لدى المحكمة التي توجد بها الدفاتر أو يعين قاضيا للاطلاع عليها وتحرير محضر بمحتواها وإرساله إلى المحكمة المختصة بالدعوى وهذا ما نصت عليه المادة 17 من القانون التجاري، ويرجع الحكم الأخير للمحكمة في الأخذ بعين الاعتبار البيانات المطلوب الاطلاع عليها فلها أن تقبلها أو ترفضها.

2- الاطلاع الكلي

أما الاطلاع الكلي فيكون بتسليم الدفاتر التجارية إلى المحكمة أو إلى الخصم للاطلاع على جميع محتوياتها، ولما كان الاطلاع الكلي يؤدي إلى كشف أسرار التاجر وتفشيها بين منافسيه التجار، فإن المشرع لم يجزه إلا في أحوال معينة نصت عليها المادة 15 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "لا يجوز الأمر بتقديم الدفاتر وقوائم الجرد إلى القضاء إلا في قضايا الإرث وقسمة الشركة وفي حالة الإفلاس".
1- قضايا الإرث: فيجوز للورثة أو الموصى لهم أن يطلبوا الاطلاع الكلي على دفاتر مورثهم حتى يتمكنوا من معرفة نصيبهم في التركة.
2- قسمة الشركة: إذا انحلت الشركة، جاز للشريك الاطلاع على دفاترها لمعرفة نصيبه في التركة، وللشريك حق الاطلاع على دفاتر الشركة ومستنداتها قبل حلها وخلال حياتها إما لتحديد نصيبه من الأرباح والخسائر أو لمراقبة إدارة أعمالها، غير أن هذا الحق يقتصر على شركات التضامن، أما في شركات المساهمة فالقاعدة أنه ليس للشريك المساهم الحق في الاطلاع على دفاتر الشركة ويثبت هذا الحق لمحافظي الحسابات.
3- حالة الإفلاس: متى صدر الحكم بشهر الإفلاس ضد التاجر، جاز لوكيل التفليسة الذي يمثل يمثل جماعة الدائنين الاطلاع على دفاتر التاجر المفلس لتحديد أصوله وخصومه ولا يثبت هذا الحق لدائني المفلس لأن وكيل التفليسة هو الذي ينوب عنهم.
هذه هي الأحوال الثلاث التي يجوز فيها الاطلاع على دفاتر التاجر، والسبب في ذلك أن الدفاتر في هذه الحالات تعتبر ملكا مشتركا لجميع أطراف الدعوى دون أن يترتب على هذا ضرر من جراء كشف الأسرار الواردة فيها، ولا يجوز الاطلاع الكلي على دفاتر التاجر في غير الحالات المتقدمة، لأن تعداد المادة 15 من القانون التجاري قد ورد على سبيل الحصر ومن ثم يجوز الاتفاق على جواز الاطلاع في غير هذه الحالات، ومن صور هذا الاتفاق اشتراط البنوك الاطلاع على دفاتر التاجر في حالة فتح الاعتماد، كما يخول القانون لمصلحة الضرائب حق الاطلاع على دفاتر التاجر طبقا لقانون الضرائب على الثروة المنقولة.

المبحث الثاني : السجل التجاري

المطلب الأول: تعريف السجل التجاري وأهميته وتاريخ نشأته

يمكن تعريف السجل التجاري بأنه دفتر يعد لتدوين أسماء التجار والشركات التجارية والوقائع المتصلة بنشاطهم التجاري لتمكن الغير من الوقوف على حقيقة مركزهم المالي، ومتابعة ما يطرأ على هذا المركز من تغيرات في أثناء مزاولتهم للتجارة، أما أهمية تكمن في دعم الائتمان التجاري، وهذا لا يتم إلا عن طريق شهر المركز القانوني للتاجر والعناصر المختلفة التي يتألف منها نشاطه التجاري والتي من شأنها بعث الثقة والاطمئنان في نفوس المتعاملين معه وتسهيل عمله التجاري، ولهذه الاعتبارات أنشئ نظام السجل التجاري.

لمحة تاريخية عن نشأة السجل التجاري وتطوره

تعود الأصول التاريخية لنشأة السجل التجاري إلى نظام الطوائف بايطاليا في القرن الثالث عشر، إذ جرت عادات طوائف التجار على قيد أسماء أعضائها في سجل خاص، ولم يهدف القيد في السجل التجاري بتلك الفترة أن يؤدي وظيفة الشهر التجاري مثلما هو الحال في عصرنا، وإنما كان يهدف إلى مجرد التنظيم الداخلي لشؤون الطائفة وكوسيلة لحصر التجار حتى يمكن دعوتهم إلى الاجتماعات الدورية التي تعقدها طائفة التجار ومطالبتهم باشتراكات الانتساب لصفوفها، ثم ظهر من بعد ذلك في مدينة برشلونة باسبانيا في القرن الرابع عشر وفي سويسرا منذ أواخر القرن السابع عشر، أما ألمانيا التي كانت من الدول الأوائل التي أخذت بنظام السجل التجاري في عصرنا الحديث لم يظهر فيها إلا في القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1861، ويكتسي السجل التجاري في هذا البلد أهمية بالغة إذ يعتبر قرينة قاطعة على ثبوت صفة التاجر، بينما لم يظهر السجل التجاري في فرنسا إلا في مطلع القرن التاسع عشر أي سنة 1919، وقد أخذت ألمانيا ومعظم الدول اللاتينية بنظام السجل التجاري بنسبة متفاوتة من حيث أهميته القانونية ما عدا الدول الأنجلوسكسيونية كانجلترا التي تجهل نظام السجل التجاري وذلك بسبب أخذهم لقانون واحد موحد للمعاملات التجارية والمدنية، وسوف نتطرق لنشأة السجل التجاري الألماني ثم الفرنسي ثم الجزائري.

1- السجل التجاري الألماني:

كانت ألمانيا من الدول الأوائل التي أخذت بنظام السجل التجاري، حيث نص عليه قانون التجاري الألماني الصادر عام 1861 وخصص المواد من 12 إلى 14 للسجل التجاري ثم جاء القانون التجاري الحالي الصادر عام 1897 حيث نص على السجل التجاري في المواد من 8 إلى 16 وعهد به إلى قاضي خاص يتولى الإشراف بنفسه عليه والتأكد من صحة البيانات التي يراد منه تدوينها فيه، وفرض التشريع الألماني غرامات وعقوبات صارمة على كل شخص يدلي ببيانات كاذبة للقاضي المشرف على هذا السجل الأمر الذي جعل القيد في السجل التجاري الألماني يرتب آثار قانونية هامة أهمها: أن القيد في السجل التجاري شرط لاكتساب صفة التاجر ومن ثم يعتبر قرينة قاطعة على ثبوت صفة التاجر بحيث لا يجوز بعدئذ المنازعة فيها ودحضها بإثبات عكسها، ويختلف شرط القيد في السجل التجاري من مهنة لأخرى، فإذا كان التاجر يحترف إحدى المهن المنصوص عليها في المادة الأولى من التقنين التجاري الألماني يلتزم حينئذ بالقيد في السجل التجاري لأن في القانون الألماني توجد مهن تعتبر تجارية بنص القانون، أما إذا كان الشخص لا يمارس إحدى المهن المنصوص عليها في المادة الأولى ففي هذه الحالة يكون القيد في السجل التجاري شرط لاكتساب صفة التاجر، كما أن البيانات المدونة في السجل التجاري يفترض صحتها ومطابقتها للحقيقة وعلى من يدعي عكس ذلك إقامة الدليل عليه وإثباته، كما أن البيانات الواجبة القيد في السجل التجاري لا تكون حجة على الغير إلا إذا قيدت في السجل، فإذا قيدت واقعة في السجل كانت حجة على الغير ولو لم يعلم بها فعلا، وعلى عكس ذلك إذا لم تقيد واقعة لا يستطيع الاحتجاج بها على الغير ولو كان يعلم بها عن طريق آخر.

2- السجل التجاري الفرنسي:

لم يعرف القانون التجاري الفرنسي السجل التجاري إلا بصدور قانون 18 مارس لسنة 1919، غير أن السجل التجاري لم يكن في ظل هذا القانون إلا مجرد سجل إداري لا يقوم بأي دور قانوني في الحياة التجارية، ولما تبين أن هذا القانون فيه عيوب ولا يتماشى مع واقع الحياة التجارية أصبحت الحاجة ماسة إلى إلى تعديله تعديلا شاملا، ولذلك صدرت عدة قوانين متلاحقة منها قانون 9 أوت 1953 الذي يحث على إصلاح السجل التجاري، ثم ألغى هذا القانون وحل محله قانون 27 ديسمبر 1958، إلا أنه ظل نظاما إداريا بحثا، ثم أعيد تنظيم السجل التجاري بمرسوم 23 مارس 1967 المعدل بمرسوم 2 جانفي 1968، وأخيرا قانون 1975 وأصبح بهذه التعديلات السجل التجاري الفرنسي أقرب إلى  السجل التجاري الألماني، ومن اهم ما استحدثته هذه التعديلات: أن القيد في السجل التجاري أصبح شرط لممارسة الأعمال التجارية، كما أن القيد في السجل التجاري أصبح قرينة بسيطة على اكتساب صفة التاجر يجوز دحضها بإقامة الدليل على عكسها، وأخذ بمبدأ الاحتجاج على الغير ببعض البيانات التي تقيد في السجل، كما جعل قيد الشركات في السجل التجاري شرطا ضروريا لاكتسابها الشخصية المعنوية.

3- السجل التجاري الجزائري:

خضع نظام السجل التجاري الجزائري قبل الاستقلال إلى القوانين الفرنسية وظلت سارية المفعول في الجزائر حتى بعد الاستقلال طالما لم تتعارض مع السيادة الوطنية إلى حين صدور القانون التجاري الجزائري سنة 1975، وقد مر التشريع التجاري الجزائري من سنة 1975 إلى سنة 1991 بعدة مراحل صدرت خلالها عدة قوانين ومراسيم تتعلق بتنظيم السجل التجاري، ويتميز السجل التجاري في مرحلته الأولى بأنه كان يتكون من سجل محلي يوجد في مركز كل ولاية ومن سجل مركزي يوجد في الجزائر العاصمة، يشرف على السجل المحلي مأمور يعينه مدير المركز الوطني للسجل التجاري، كما يعهد القانون بالسجل إلى المحكمة تحت إشراف القاضي المختص للتحقيق في صحة البيانات المتعلقة بالتاجر فضلا عن قيامه بالنظر في المنازعات الخاصة بها، كما أن القانون التجاري الجزائري جعل القيد في السجل التجاري قرينة بسيطة لاكتساب صفة التاجر، كما أن الشركات التجارية لا تكتسب الشخصية المعنوية إلا بعد القيد في السجل التجاري، أما المرحلة الثانية تبدأ من صدور قانون 18 أوت لسنة 1990 المتعلق بالسجل التجاري فأصبح من خلاله القانون التجاري الجزائري أقرب إلى القانون الألماني، وسندرس نظام السجل التجاري في الجزائر سواء من حيث تنظيم السجل التجاري والأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري وإجراءات القيد أو من حيث البيانات الواجب قيدها والآثار القانونية للسجل التجاري وأخيرا الجزاءات الجنائية والمدنية التي تترتب على القيد في السجل التجاري أو على عدم القيد فيه.

المطلب الثاني: تنظيم السجل التجاري

أولا: الجهة المختصة بالتسجيل

يستفاد من نص المادة الثانية من قانون السجل التجاري الصادر سنة 1989 أن السجل التجاري يتكون من سجل محلي موجود في مقر مركز كل ولاية وسجل مركزي يوجد في الجزائر العاصمة تقيد فيه أسماء التجار وهذه مهمة إدارية بحثة، بينما ينص قانون السجل التجاري الصادر عام 1990 أن الجهات القضائية هي المختصة للإشراف على السجل التجاري عن طريق قاضي السجل التجاري يتولى رقابة السجل التجاري ويكون مسؤولا عن تسييره ورعايته وله سلطة التحقق من صحة البيانات التي يقدمها أصحاب الشأن.

ثانيا: شهر بيانات السجل

تطبيقا لمبدأ العلانية التجارية التي وضع لأجلها السجل التجاري، فإنه يجوز لأي شخص معني أن يحصل من المركز الوطني للسجل التجاري على نسخة من القيود الواردة في السجل مقابل دفع مصاريف ذلك الاطلاع على شرط أم يكون له مصلحة في ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 24 من القانون الخاص بالسجل التجاري لسنة 1990بقولها: "يمكن لأي شخص أن يحصل من المركز الوطني للسجل التجاري على أية معلومة واردة في السجل التجاري على أن يتحمل مصاريف ذلك الاطلاع"، وفي حالة عدم القيد يعطي المركز شهادة سلبية بعدم حصوله، ولا يجوز أن تشتمل النسخة المعطاة على أحكام شهر الإفلاس إذا حكم برد الاعتبار ولا على أحكام إذا قضي برفع الحجر وذلك مراعاة لمصلحة التاجر، وحتى يتسير للغير الرجوع إلى السجل أوجب القانون على كل تاجر شخص طبيعي أو معنوي أن يذكر في جميع المراسلات والفواتير بأعماله التجارية رقم السجل التجاري والمكان الذي سجل فيه، هذا ما قضات به المادة 27 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي مسجل في السجل التجاري أن يذكر في عنوان فواتيره أو طلباته أو تعريفاته أو نشرات الدعاية أو على كل المراسلات الخاصة بمؤسسته والموقعة منه أو باسمه، مقر المحكمة التي وقع فيها التسجيل بصفة أصلية ورقم التسجيل الذي حصل عليه، وكل مخالفة لهذه الأحكام يعاقب عنها بغرامة قدرها من 180 دج إلى 360 دج، كما نص القانون الخاص بالسجل التجاري على الإشهار القانوني والذي يترتب عنه شهر كل ما يتعلق بالتاجر الطبيعي أو المعنوي، كما أنه يمكن شهر هذه البيانات المتعلقة بالتاجر في جرائد وطنية وهذا ما نصت عليه المادة 23 من القانون الخاص بالسجل التجاري " ينشر هذا الإشهار القانوني الذي يتحمل المعنى نفقاته ومصاريفه أيضا في الجرائد الوطنية أو اليومية المؤهلة لذلك". والجدير بالذكر أن متى قيد التاجر اسمه في السجل التجاري كانت له الأولوية في الحصول على نسخة من السجل التجاري، ولا يسلم إلا نسخة واحدة مدة حياة الشخص الطبيعي أو المعنوي طبقا لنص المادة 16 من قانون السجل التجاري.

المطلب الثالث: الأشخاص الملزمون بالقيد في السجل التجاري

تنص المادة 19 من القانون التجاري الجزائري على ما يلي: " يلزم بالتسجيل في السجل التجاري:
1- كل شخص طبيعي له صفة التاجر في نظر القانون الجزائري ويمارس أعماله التجارية في داخل القطر الجزائري.
2- كل شخص معنوي تاجر بالشكل، أو يكون موضوعه تجاريا، ومقره في الجزائر، أو كان له مكتب أو فرع أو أي مؤسسة كانت".
ويؤخذ من نص هذه المادة أنه يشترط فيمن يلتزم بالقيد في السجل التجاري شرطان :
الشرط الأول: أن يكون تاجرا: لا يلتزم بالقيد في السجل التجاري إلا التاجر، سواء أكان التاجر فردا أم شركة تجارية، وسواء أكان التاجر جزائريا أم أجنبيا، والتاجر هو من يتخذ الأعمال التجارية حرفة معتادة له، كما ينطبق هذا الالتزام على الشركات التجارية وسواء أكان موضوعها تجاريا أو مدنيا طالما اتخذت شكل إحدى الشركات التجارية المعترف بها قانونا وهي شركة التضامن وشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة التوصية، ويستنتج مما تقدم أن القيد في السجل التجاري واجب على التجار الأفراد والشركات التجارية وكذلك الشركات المدنية والمؤسسات العامة التي تتخذ شكل شركة المساهمة أو ذات المسؤولية المحدودة.
الشرط الثاني: ممارسة النشاط التجاري في الجزائر: بالإضافة على اكتساب الشخص صفة التاجر، يشترط القانون الجزائري في التاجر الطبيعي أو المعنوي أن يكون له في الجزائر مكتبا أو فرعا أو وكالة أو أي مؤسسة أخرى، ويقصد بالمحل التجاري المكان الذي يتخذه التاجر لمزاولة أعماله التجارية إذا كان شخصا طبيعيا، ويقصد بالفرع أو الوكالة أي مركز ثابت يباشر فيه التاجر نشاطا تجاريا مستقلا نوعا ما عن نشاط المركز الرئيسي، ويقصد بمركز الشركة المكان الذي توجد فيه إدارة الشركة الرئيسي إذا كان شخصا معنويا، أما إذا كان مركز الشركة الرئيسي للتاجر خارج الجزائر أو كانت شركة أجنبية مركزها الرئيسي في الخارج وفتحت في الجزائر مكتبا أو فرعا، فتلبتزم بالقيد في السجل التجاري طبقا للمادة 20 من القانون التجاري الجزائري، وهذا ما أكدته بدورها المادة الرابعة من المرسوم التنفيذي رقم 97-41 المؤرخ في 18 يناير سنة 1997 المتعلق بشروط القيد في السجل التجاري بقولها "يخضع لإلزامية القيد في السجل التجاري وفق ما ينص عليه التشريع المعمول به ومع مراعاة الموانع المنصوص عليها فيه:
1- كل تاجر، شخص طبيعي أو معنوي،
2- كل مؤسسة تجارية مقرها في الخارج وتفتح في الجزائر وكالة أو فرعا أو أي مؤسسة أخرى،
3- كل ممثلية تجارية أو وكالة تجارية تابعة للدول أو الجماعات أو المؤسسات العمومية الأجنبية التي تمارس نشاطا على التراب الوطني،
4- كل مؤسسة حرفية وكل مؤدي خدمات، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا،
5- كل مستأجر مسير محلا تجاريا،
6- كل شخص معنوي تجاري بشكله أو بموضوعه التجاري، مقره في الجزائر أو يفتح بها وكالة أو فرعا أو أية مؤسسة أخرى،
7- كل شخص طبيعي أو معنوي يمارس نشاطا يخضع قانونا للقيد في السجل التجاري.
كما نصت المادة 6 من قانون رقم 04-08 المؤرخ في 4 أوت سنة 2004 والمتعلق بشروط ممارسة الأنشطة التجارية على ما يلي: " بغض النظر على أحكام المادة 20 من الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر سنة 1975 والمتضمن القانون التجاري، المعدل والمتمم، يجب على كل مؤسسة تمارس نشاطها بالجزائر باسم شركة تجارية يكون مقرها بالخارج التسجيل في السجل التجاري".
إضافة على هذان الشرطان يمنع القانون الشخص المعنوي إذا رغب في ممارسة التجارة بالجزائر الاتجار في نشاط تحتكره الدولة كالأسلحة مثلا أو ممنوع بموجب القانون كالمخدرات، أما إذا كان شخصا طبيعيا فيوجب القانون منه إذا رغب في ممارسة التجارة أن يكون من الّأشخاص الذين يجيز لهم القانون بذلك فإذا كان مثلا محامي أو طبيب فإن وظيفته تتنافى مع مهنة التجارة هذا ما قضت به المادة 9 من القانون المتعلق بممارسة الأنشطة التجارية الصادر في 4 أوت 2004: " لا يجوز لأي كان ممارسة نشاط تجاري إذا كان خاضعا لنظام خاص ينص على حالة تناف، على الذي يرى حالة التنافي إثبات ذلك، ترتب الأعمال الصادرة عن شخص في وضعية التنافي كل آثارها القانونية تجاه الغير حسن النية الذين يمكنهم التمسك بها دون أن يكون للمعنى حق الاستفادة منها لا يمكن وجود حالة تنافي بدون نص "كما ذكرت المادة 8 من ذات القانون الحالات التي يمنع فيها الأشخاص من ممارسة النشاط التجاري إذ نصت على ما يلي: "دون الإخلال بأحكام قانون العقوبات، لا يمكن أن يسجل في السجل التجاري أو يمارس نشاطا تجاريا، الأشخاص المحكوم عليهم الذين لم يرد لهم الاعتبار الرتكابهم الجنايات والجنح الآتية: اختلاس الأموال، الغدر، الرشوة، السرقة والاحتيال، إخفاء الأشياء، خيانة الأمانة، الإفلاس، إصدار شيك بدون رصيد، التزوير واستعمال المزور، الإدلاء بتصريح كاذب من أجل التسجيل في السجل التجاري، تبييض الأموال، الغش الضريبي، الاتجار بالمخدرات، المتاجرة بمواد وسلع تلحق أضرارا جسيمة بصحة المستهلك".

المطلب الرابع: إجراءات القيد في السجل التجاري

يجب على التاجر أن يقدم طلب القيد إلى الجهة المختصة بالسجل التجاري، ويتكون الطلب من ثلاث نسخ يوفرها المركز الوطني للسجل التجاري ويجب تحريرها بوضوح دون إضافة أو شطب، والتوقيع عليها من قبل الذي يرغب في امتهان الأعمال التجارية باسمه ولحسابه الخاص، وأن يبين أنه متمتعا بالأهلية المدنية والحقوق الوطنية، كما يجب أن يقدم التاجر إذا كان شخص طبيعي مع طلب القيد جميع الوثائق التي تؤكد طلبه، أما إذا ما صدر طلب القيد في السجل التجاري من قبل شخص معنوي فإضافة على وجوب تمتعه بحقوقه المدنية ورغبته في امتهان الأعمال التجارية، يجب عليه أن يعرف باسمه ولقبه وصفته والشهادة التي تؤهله بأنه يطلب التسجيل في السجل التجاري للشركات التجارية كشخص معنوي جديد يعمل لحسابها بوصفه ممثلا مفاوضا قانونيا، كما يجب عليه أن يودع لهذا الغرض القانون الأساسي للشركة ومداولات الجمعية العامة أو الجمعيات العامة التأسيسية ومحضر انتخاب أجهزة الإدارة والتسيير وبيان السلطات المعترف بها للمسيرين وجميع العقود المنصوص عليها صراحة في التشريع المعمول به (المادة 10 من قانون السجل التجاري)، ويتولى مأمور السجل التجاري الذي يتصرف بصفته ضابطا عموميا التحقيق في مطابقة شكل الشركة التجارية للأحكام القانونية المعمول بها وفي الدفع الفعلي لحصة رأس المال المطلوبة قانونا وفي اختيار الشركة مقرا رئيسيا حقيقيا لها ويسلم وصل التسجيل في السجل التجاري، وهذا الوصل صالح ما لم يعترض عليه أي شخص له مصلحة في ذلك، وفي حالة اعتراض الغير على هذا التسجيل يتوقف التسجيل ويحال الاعتراض على القاضي المكلف بالسجل التجاري لدراسته (المادة 11 من قانون السجل التجاري لسنة 1990)، ويجب أن يقدم طلب القيد خلال شهرين من تاريخ الترخيص لهم بمزاولة التجارة سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين، وإذا قدم طلب بعد الميعاد المذكور كان مقبولا رغم ذلك، غير أن طالب القيد يتعرض للعقاب بسبب تأخره، وهذا ما قضت به المادة 22 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "لا يمكن للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الخاضعين للتسجيل في السجل التجاري والذين لم يبادروا بتسجيل أنفسهم عند انقضاء مهلة شهرين أن يتمسكوا بصفتهم كتجار، لدى الغير أو لدى الإدارات العمومية إلا بعد تسجيلهم، غير أنه لا يمكن لهم الاستناد لعدم تسجيلهم في السجل بقصد تهربهم من المسؤوليات والواجبات الملازمة لهذه الصفة".

المطلب الخامس: البيانات التي تقيد في السجل التجاري

تدون في السجل التجاري جميع البيانات الخاصة بالحالة المدنية وبالنشاط التجاري للتاجر المنصوص عليها في القانون ويؤشر فيه بكل تغيير أو تعديل يطرأ عليها، وتختلف هذه البيانات بحسب ما إذا كان التاجر فردا أم شركة.

أولا: البيانات المتعلقة بالتاجر الفرد

إذا تعلق الأمر بتاجر فرد وجب أن يشمل طلب القيد على بيانات معينة نص عليها القانون التجاري الجزائري منها ما يتعلق بحالته المدنية ومنها ما يتعلق بالتجارة التي يزاولها وهذه البيانات هي:
1- رخصة السلطة المختصة.
2- شهادة المنفعة الاقتصادية والاجتماعية يسلمها رئيس المجلس الشعبي البلدي.
3- سند ملكية المقر الذي يؤجر به المحل التجاري أو عقد إيجاره أو وصل كرائه.
4- نسخة من سجل السوابق القضائية.
5- نسخة من بيان الشطب أو ذكر التغير إذا تعلق الأمر بمتجر هو موضوع بيع أو إدارة حرة.
6- تقديم طلب من ثلاث نسخ وعلى مطبوعات يوفرها المركز الوطني للسجل التجاري على البيانات التالية: اسم التاجر ولقبه تاريخ ميلاده وعنوانه وجنسيته، نوع التجارة والهدف الاجتماعي من العمل التجاري.
7- إذا كان التاجر فرد أجنبي عليه أن يقدم شهادة الجنسية وشهادة الإقامة ثم ممارسة عملا تجاريا يخضع للقيد في السجل التجاري.
ولكي يكون السجل التجاري صورة صادقة لحالة التاجر أوجب القانون التأشير في السجل بأي تغيير أو تعديل يطرأ على البيانات الأصلية ويقدم طلب التأشير من التاجر نفسه كما يمكن طلبها من كل شخص له مصلحة في ذلك، والتعديل يتم عند تغيير نوع العمل التجاري الممارس من قبل، أو تحويل المتجر بسبب تغير العنوان.

ثانيا: البيانات المتعلقة بالشركات التجارية

وإذا تعلق الأمر بشركة فإن القانون التجاري أوجب أن يشتمل طلب القيد على البيانات الآتية:
1- تقديم طلب من ثلاث نسخ وعلى مطبوعات يقدمها المركز الوطني للسجل التجاري تشتمل على البيانات التالية: عنوانها واسمها، نوعها أو موضوعها أسماء وألقاب الشركاء المسئولين بالتضامن في شركة التضامن وتواريخ ميلاد كل منهم وجنسيتهم رأسمالها والغرض من تأسيس الشركة.
2- شهادة المنفعة الاقتصادية والاجتماعية.
3- وصل الملكية للمحل الذي يمارس فيه العمل التجاري أو عقد إيجاره.
4- نسخة من سجل السوابق القضائية للشركاء والوكيل والمدير أو المتصرفين الذين لهم صفة التاجر.
5- نسخة مصدقة طبق الأصل من النظام الأساسي للشركة.
6- إدراج النظام الأساسي في إحدى الصحف الوطنية.
7- أما فيما يتعلق بالأشخاص المعنوية الأجنبية التي ترغب في ممارسة عمل تجاري بالجزائر بالإضافة إلى ما سبق ذكره يجب أن تقدم شهادة الجنسية، نسخة من سجل السوابق القضائية الخاصة بالمدير أو الوكيل أو المتصرف باسم الشركة، الشهادة التي تخولهم الإقامة في الجزائر والوصل الذي يسمح للشركة الإقامة في الجزائر.
وإذا طرأ أي تغيير أو تعديل على البيانات الأصلية أوجب القانون تقديم هذا الطلب من أصحاب الشأن ويتم ذلك في حالة حل الشركة أو وضعها تحت التصفية وكذلك أي تغيير يحصل في أشخاصهم.

المطلب السادس: تعديل السجل التجاري ومحو القيد

يجب على التاجر كما قدمنا التأشير في السجل التجاري بأي تغيير أو تعديل يطرأ على تجارته، كما يجب محو القيد من السجل التجاري إذا انقطع التاجر عن النشاط التجاري لأي سبب من الأسباب، ومن ثم أوجبت المادة 26 من القانون التجاري الجزائري بقولها : "إن الإشارة الخاصة بالتعديلات الطارئة على وضعية التاجر المسجل وكذلك التشطيبات الواقعة في حالة توقف نشاطه التجاري أو عند وفاته، يمكن طلبها من كل شخص له مصلحة في ذلك، وإذا لم تصدر من المعني بالأمر نفسه، فإن العريضة تؤدي إلى حضور الطالب فورا أمام القاضي المكلف بمراقبة السجل التجاري والذي يبت في المشكل، ويتعين على الموثق الذي يحرر عقدا ذا أثر بمادة السجل التجاري بالنسبة للأطراف المعنيين أن يقوم بكل الإجراءات المتعلقة بالعقد الذي يحرره".
ويستفاد من نص هذه المادة أن التاجر ملزم بالتأشير في السجل التجاري بأي تعديل أو تغيير يطرأ على تجارته، وهذا حسب الحالة، بإضافات أو تصحيحات أو حذف عبارة واردة في السجل التجاري، كالتاجر الذي يحول مقره أو يغير نوع نشاطه، كأن يكون تاجر للمواد الالكترونية ويحول تجارته إلى تجارة السيارات أو شركة تضامن تتحول إلى ذات مسؤولية محدودة أو تخفيض أو زيادة رأس ماله، ويجب أن يكون طلب التعديل مرفقا بملف يقدمه التاجر، كما أن المشرع الجزائري لم يقصر طلب التأشير بالتعديلات على التاجر فقط إنما أجازه لكل شخص له مصلحة في ذلك إذا لم يقم صاحب الشأن باتخاذ إجراءات التأشير في القيد بالتعديلات التي طرأت على وضعيته، أما محو القيد من السجل التجاري فيكون في الحالتين إذا ما توقف التاجر نهائيا عن النشاط وعند وفاته، ويجب تقديم طلب التوقف عن التجارة من قبل التاجر أو لكل من له مصلحة في ذلك، أما في حالة وفاته فيقع على عاتق ورثته تقديم الطلب في خلال الشهرين من تاريخ الواقعة التي تستوجب محو القيد، فإذا لم يقدم أصحاب الشأن طلب المحو خلال فترة الشهرين يقوم الضابط العمومي المشرف على السجل التجاري بمحو القيد من تلقاء نفسه عند انقضاء سنة واحدة تحسب من تاريخ الوفاة، إلا إذا رغب الورثة أو ذوي الحقوق في الاستمرار في استغلال المشرع بينهم على وجه الشيوع، عندئذ يجب عليهم أن يطلبوا على سبيل التعديل في السجل التجاري التمديد من سنة إلى سنة، وهذا ما أكدته بدورها المادة 33 من قانون السجل التجاري بقولها: "إذا هلك شخص طبيعي مسجل في السجل التجاري، وجب على الورثة أو ذوي الحقوق أن يطلبوا بيان ذلك في السجل التجاري في أجل أقصاه شهران ابتداء من تاريخ الوفاة، ويقوم الضابط العمومي، بالشطب تلقائيا عند انقضاء أجل سنة واحدة ابتداء من تاريخ الوفاة، إلا إذا كان من الضروري أن يستمر الاستغلال مدة على وجه الشيوع، ويجب في هذه الحالة على الورثة أو ذوي الحقوق عموما أن يطلبوا على سبيل التعديل التمديد من سنة إلى سنة، كما يجب عليهم أن يعرفوا في شأن كل واحد منهم اسمه ولقبه وعنوانه وصفته الوراثية ويحددوا بدقة من يستمر في الاستغلال وشروطه لحساب المالكين على الشيوع".

المطلب السابع: الآثار القانونية للسجل التجاري

يترتب على القيد في السجل التجاري آثار قانونية هامة: اكتساب الصفة التجارية، ومنح الشخصية المعنوية للشركات التجارية، واحتجاج التاجر على الغير ببعض البيانات التي تقيد في السجل التجاري، وتحديد مسئولية التاجر عن الالتزامات التجارية في حالة التنازل عن المحل التجاري للغير إلى غاية محوه من السجل التجاري.

أولا: اكتساب صفة التاجر

بمقتضى المادة 21 من القانون التجاري الجزائري كل شخص طبيعي أو معنوي مسجل في السجل التجاري يعد مكتسبا صفة التاجر إزاء القوانين المعمول بها ويخضع لكل النتائج الناجمة عن هذه الصفة، ونصت المادة 18 من قانون السجل التجاري على ما يلي:" يثبت التسجيل في السجل التجاري الصفة القانونية للتاجر، ولا تنظر في حالة اعتراض أو نزاع إلا المحاكم المختصة، ويخول هذا التسجيل الحق في حرية ممارسة النشاط التجاري".
ويتضح من نصوص هاتان المادتان أن القيد في السجل التجاري أصبح قرينة قاطعة على ثبوت الصفة التجارية للشخص الطبيعي أو المعنوي بعد أن كان في ظل المادة 21 تجاري قبل تعديلها بموجب الأمر 96-27 الصادر في 09 فيفري 1996 يعد قرينة بسيطة على اكتساب صفة التاجر، إذا كان النص القديم كما يلي:" كل شخص طبيعي أو معنوي مسجل في السجل التجاري يعد مكتسبا صفة التاجر إزاء القوانين الجاري بها العمل، إلا إذا ثبت خلاف ذلك ويخضع لكل النتائج الناجمة عن هذه الصفة"، فنلاحظ أن عبارة "إلا إذا ثبت خلاف ذلك" قد حذفت من النص مما يدل على أن المشرع نص على أن القيد في السجل التجاري أصبح قرينة قاطعة على اكتساب صفة التاجر، لأنه لا يمكن إثبات عكسها بجميع طرق الإثبات، وهو نفس الحكم المتبنى من قبل التشريع الألماني الذي يتخذ من القيد في السجل التجاري شرطا لمنح صفة التاجر، وهذا يناقض نص المادة الأولى من القانون التجاري الجزائري التي تعتبر تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يباشر عملا تجاريا ويتخذه مهنة معتادة له.

ثانيا: اكتساب الشركة الشخصية المعنوية

يترتب على القيد في السجل التجاري اكتساب الشركة للشخصية المهنوية وتمتعها بالأهلية القانونية لديها حقوق وعليها التزامات هذا ما نصت عليه المادة 549 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري، وقبل إتمام هذا الإجراء يكون الأشخاص الذين تعهدوا باسم الشركة ولحسابها متضامنين من غير تحديد أموالهم إلا إذا قبلت الشركة، بعد تأسيسها بصفة قانونية أن تأخذ على عاتقها التعهدات المتخذة، فتعتبر التعهدات بمثابة تعهدات الشركة منذ تأسيسها"، كما يعتبر القيد شرطا للاحتجاج به على الغير بما يطرأ من تعديلات على العقد التأسيسي للشركة وإلا اعتبر باطلا هذا ما قضت به المادة 548 من القانون التجاري الجزائري بقولها: "يجب أن تودع العقود التأسيسية والعقود المعدلة للشركات التجارية لدى المركز الوطني للسجل التجاري، وتنشر حسب الأوضاع الخاصة بكل شكل من أشكال الشركات وإلا كانت باطلة".

ثالثا: الاحتجاج على الغير ببعض البيانات التي تقيد في السجل التجاري

يعتبر السجل التجاري وسيلة للشهر القانوني حيث يترتب على ذلك نتائج هامة مقتضاها أن هناك بيانات لا يحتج بها التاجر على الغير إذا لم تقيد بالسجل التجاري، إلا إذا ثبت أن الغير كان يعلمها عند التعاقد مع التاجر وهذا ما نصت عليه المادة 24 من القانون التجاري الجزائري بقولها: " لا يمكن للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الخاضعين للتسجيل في السجل التجاري، أن يحتجوا تجاه الغير المتعاقدين معهم بسبب نشاطهم التجاري أو لدى الإدارات العامة بالوقائع موضوع الإشارة المشار إليها في المادة 25 وما يليها إلا إذا كانت هذه الوقائع قد أصبحت علنية قبل تاريخ العقد بموجب إشارة مدرجة في السجل ما لم يثبتوا بوسائل البينة المقبولة في مادة تجارية أنه في وقت إبرام الاتفاق، كان أشخاص الغير من ذوي الشأن، مطلعين شخصيا على الوقائع المذكورة"، وهذا ما أكدته أيضا المادة 29 من قانون السجل التجاري "لا يحتج على الغير بالعقود المنصوص عليها في المواد من 19 إلى 22 من هذا القانون إذا لم تكن موضوع إشهار قانوني إجباري لكنها تلزم مع ذلك مسئولية الأشخاص المعنيين المدنية والجنائية"، وهذه البيانات التي لا يجوز الاحتجاج بها إلا بعد قيدها في السجل التجاري منصوص عليها في المادة 25 من القانون التجاري والمادة من 19 إلى 22 من قانون السجل التجاري وهي:
1- حالة الرجوع عن ترشيد التاجر القاصر تطبيقا لأحكام التشريع الخاص بالأسرة وعند إلغاء الإذن المسلم لقاصر الخاص بممارسة التجارة.
2- حالة صدور أحكام نهائية تقضي بالحجز على تاجر وبتعيين إما وصي قضائي وإما متصرف على أمواله.
3- حالة صدور أحكام نهائية تقضي ببطلان شركة تجارية بحلها.
4- حالة إنهاء أو إلغاء سلطات كل شخص ذي صفة ملزمة لمسؤولية تاجر أو شركة أو مؤسسة اشتراكية.
5- حالة صدور قرار من جمعية عامة لشركة مساهمة أو ذات مسؤولية محدودة يتضمن الأمر باتخاذ قرار من الجمعية العامة خسارة 4/3 من مالية الشركة.

رابعا: مسئولية التاجر عن الالتزامات التجارية في حالة التنازل عن المحل التجاري للغير

إن تناول التاجر المقيد في السجل عن محله التجاري للغير سواء عن طريق البيع أو الإيجار أو تقديمه حصة في الشركة، لا يعفيه عن ديون المحل التجاري بل يظل مسئولا عن التزاماته التجارية إلى أن يتم محو اسمه من السجل التجاري أو تعديله هذا ما نصت عليه 23 من القانون التجاري الجزائري بقولها: ' مع عدم الإخلال بتطبيق المادة 209 المتعلقة بتأجير المتاجر على وجه التسيير الحر، فإنه لا يمكن للتاجر المسجل الذي يتنازل عن متجره أو يؤجر استغلال تأجير التسيير أن يحتج بإنهاء نشاطه التجاري للتهرب من القيام بالمسؤولية التي هي عليه من جراء الالتزامات التي تعهد بها خلفه في استغلال المتجر إلا ابتداء من اليوم الذي وقع فيه إما الشطب وإما الإشارة المطابقة وإما الإشارة التي تتضمن وضع المتجر على وجه تأجير التسيير"، وأساس هذه المسؤولية وجود قرينة قانونية قاطعة على أن التاجر مازال يمارس نشاطه التجاري وبالتالي تستمر مسئوليته عن الديون الناشئة عن هذا النشاط ما لم يقم بشطب اسمه من السجل التجاري على أنه اعتزل العمل التجاري لسبب من الأسباب.

المطلب الثامن : الجزاءات الجنائية والمدنية المترتبة على مخالفة أحكام القيد في السجل التجاري

1- الجزاءات الجنائية

يفرض قانون السجل التجاري جزاءات جنائية لكفالة احترام الأحكام التي يشتمل عليها فتنص المادة 26 من القانون بقولها: "يعاقب بغرامة مالية تتراوح بين 5.000 و 20.000 دج على عدم التسجيل في السجل التجاري، وفي حالة العود، تضاعف الغرامة المالية المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه مع اقترانها بإجراء الحبس لمدة تتراوح بين عشرة أيام وستة أضهر، ويمكن القاضي أن يتخذ زيادة على ذلك إجراءات إضافية تمنع ممارسة التجارة"، وتسري هذه العقوبة بوجه خاص عند إهمال القيد في السجل التجاري، ويفرض قانون السجل التجاري جزاءا قاسيا على تعمد التاجر تقديم بيانات غير صحيحة أو غير كاملة نظرا لما تؤدي إليه من خديعة الغير حول حقيقة مركزه، ولذلك نصت المادة 27 من القانون على أنه "يعاقب بغرامة مالية تتراوح بين 5000 و 20000 دج وبالحبس لمدة تتراوح بين عشرة أيام وستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص تعمد بسوء نية تقديم تصريحات غير صحيحة أو أعطى بيانات غير كاملة قصد التسجيل في السجل التجاري، وفي حالة العود، تضاعف العقوبات السالفة الذكر، ويأمر القاضي المكلف بالسجل التجاري تلقائيا وعلى نفقة المخالف تسجيل هذه العقوبات في هامش السجل التجاري ونشرها في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية"، ويشترط للحكم بالعقوبة في هذه الحالة أن يكون التاجر سيئ النية يعلم بعدم صحة البيان ويكون بعمله هذا أدى إلى إلخحاق ضرر بالغير، وفي حالة تزييف أو تزوير شهادات التسجيل في السجل التجاري تنص المادة 28 من ذات القانون بقولها: " يعاقب بالحبس مدة تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنين وبغرامة مالية تتراوح بين 10.000 و 30.000 دج كل من يزيف أو يزور شهادات التسجيل في السجل التجاري أو أي وثيقة تتعلق به قصد اكتساب حق أو صفة"، كما نص القانون التجاري بدوره على جزاءات جنائية تمثلت في الحبس والغرامة، وذلك ما نلاحظه من خلال المادة 28 التي جاء نصها كما يلي: "كل شخص طبيعي أو معنوي، غير مسجل في السجل التجاري، يمارس بصفة عادية نشاطا تجاريا، يكون قد ارتكب مخالفة تعاين ويعاقب عليها طبقا للأحكام القانونية السارية في هذا المجال، وتأمر المحكمة التي تقضي بالغرامة بتسجيل الإشارات أو الشطب الواجب إدراجه في السجل التجاري خلال مهلة معينة وعلى نفقة المعني".

2- الجزاءات المدنية

يترتب على القيد في السجل التجاري أو عدمه آثار قانونية هامة: نذكر منها أنه لا يجوز للتاجر الاحتجاج بالبيانات الواجبة القيد على الغير إلا بعد تسجيلها لأن السجل التجاري يلعب دورا هاما كأداة للشهر القانوني في الشؤون التجارية، بحيث من خلاله يتمكن معظم الناس التعرف على البيانات المدونة فيه، ومن ثم الاحتجاج بها على الغير متى كانت صحيحة، كما لا يجوز للتاجر الذي لم يقيد نفسه في السجل التجاري أن يتمسك بصفته كتاجر اتجاه الغير واتجاه الإدارات العمومية، وبالتالي لا يجوز له مطالبة حقوق التجار، كما أنه يترتب على الجزاءات الجنائية جزاءات مدنية تتمثل في التعويض على الضرر الذي لحق الغير بسبب عدم القيد في السجل التجاري أو الإدلاء بسوء نية بتصريحات غير صحيحة أو غير كاملة بقصد الحصول على تسجيل أو شطب أو إشارة تكميلية أو تصحيحية، كما أن الشركات لا تكتسب الشخصية المعنوية إلا من تاريخ قيدها في السجل التجاري ونشر وثيقة إنشائها في جريدة وطنية، كما أن القيد في السجل التجاري يمنح حقوقا لا تعترف بها لغيرهم من التجار ومن أمثلتها حق الانتخاب في الغرف التجارية والعضوية فيها والاستفادة من الصلح الواقي من الإفلاس، ويلاحظ أخيرا أنه إذا لم يكن القيد في السجل التجاري أو عدم القيد فيه آثار قانونية، فإن عدم القيد أو القيد غير الصحيح يعتبر خطأ قد يرتب المسؤولية المدنية قبل الغير الذي يضار من جراء ذلك تطبيقا للقواعد العامة.

المرجع :


  1. أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 96 إلى ص 121.
google-playkhamsatmostaqltradent