أقسام القانون وموقع القانون الإداري منها

أقسام القانون وموقع القانون الإداري منها

أقسام القانون وموقع القانون الإداري منها
لقد دأبت أغلب الدارسات الفقهية التقليدية على تقسيم القانون إلى قسمين: قانون عام وقانون خاص وٕإن كانت هناك محاولة من بعض الفقه على إتباع تقسيم مغاير (المطلب الأول)، إلا أنه وبغض النظر عن هذا الاختلاف لا بد من تحديد موقع القانون الإداري من هذه التقسيمات (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أقسام القانون

طبقا للفقه التقليدي ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص (الفرع الأول)، إلا أن هناك فقها حديثا يرى بأن القواعد القانونية المشكلة للقانون على نوعين:
قواعد موضوعية وأخرى إجرائية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: التقسيم التقليدي للقانون

دأب الاتجاه التقليدي منذ عهد الرومان إلى تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، فهذا النوع من التقسيم يرجع تاريخه إلى القانون الروماني، الذي كان يهدف إلى وضع الحاكم في مركز متميز عن المحكومين، وذلك بمنحه سلطات خاصة لا يتمتع بها باقي الأفراد.
ولقد كان الرومان ينظرون إلى القانون العام على أنه قانون الدولة باعتبارها صاحبة السلطة العامة التي تسهر على تحقيق المصلحة العامة. أما القانون الخاص بالنسبة لهم فهو قانون المصالح الخاصة المتروكة للأفراد الذين يتمتعون بكامل الحرية فيما بينهم من أجل السعي لتحقيقها، وهذا تأكيدا للنزعة الفردية التي كانت سائدة في ذلك العهد.
على أن الإشكال المطروح، يتمثل في معرفة معيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص، والذي ليس بالأمر السهل خاصة وأن هناك آراء فقهية متضاربة ومختلفة فيما بينها بخصوص هذا الشأن.
وبالرغم من كثرة المعايير التي قيلت، إلا أنه يمكن التمييز بين ثلاثة منها ،وذلك على النحو التالي:

أولا: المعيار الشكلي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص

يذهب هذا المعيار إلى أن أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص هو النظر إلى شكل وطبيعة القواعد القانونية، فإذا كانت القاعدة القانونية آمرة لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها فالقانون هنا قانون عام، أما إذا كانت القاعدة القانونية مكملة تبيح للأفراد أن يتفقوا على مخالفتها بالخروج على أحكامها فالقانون هنا قانون خاص. وبذلك يصبح الخضوع للقاعدة القانونية مرادفا للقانون العام ،وتصبح الحرية مرادفة للقانون الخاص.
هذا المعيار على الرغم من أنه يصدق في العديد من الحالات، إلا أنه ليس صحيحا على إطلاقه، كما أنه ليس قاطعا في التمييز بين القانون العام والقانون الخاص. فالقانون الخاص يتضمن هو الآخر الكثير من القواعد الآمرة التي لا يمكن استبعادها بالاتفاق على مخالفتها، نظرا لاتصالها بالنظام العام والآداب العامة، كالقواعد المتعلقة بحالات الأشخاص، والقواعد المنظمة للحقوق العينية، فهذه القواعد تعتبر قواعد آمرة، ومع ذلك فإنها ليست من قواعد القانون العام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة لا تلجأ دائما إلى استعمال القواعد الآمرة ووسائل الإجبار والإكراه ،إذ أنها تتصرف في بعض الحالات كأحد الأفراد العاديين، كما أنها تلجأ في حالات أخرى إلى الوسائل الاتفاقية المبنية على عنصر الرضاء للتعبير عن إرادتها، بحيث تتعاقد مع الأفراد إذا ما كان التعاقد محققا للغرض الذي تنشده، وهذا ما يؤدي إلى تطبيق قواعد المساواة بينها وبين الأفراد.
وكنتيجة لهذا الانتقاد، فإن هذا المعيار تم هجره لأنه لا يصلح كأساس للتمييز والتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص.

ثانيا: المعيار الموضوعي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص

يتلخص هذا المعيار في إرجاع التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص إلى اختلاف طبيعة المصلحة التي يهدف كل منهما إلى حمايتها. وتطبيقا لهذا المعيار فإن القانون العام يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، أما القانون الخاص فهو الذي يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة.
ما يعاب على هذا المعيار أنه غير دقيق، إذ يؤدي الأخذ به إلى الخلط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، إذ لا وجود لحد فاصل بين المصلحتين، فكل القواعد القانونية قد وضعت من أجل حماية أو تحقيق المصلحة العامة سواء من قريب أو من بعيد، لذلك فإن هذا المعيار سوف ينتهي إلى الخلط التام بين القانون العام والقانون الخاص. فإذا كانت قواعد القانون العام تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، فإنها سوف تعود بالنفع على المصالح الخاصة. وفي المقابل إذا كانت قواعد القانون الخاص تهدف إلى تحقيق المصلحة الخاصة، فإنها سوف تؤدي بالتبعية إلى حماية أو تحقيق المصلحة العامة.
كما أنه لا يتصور أن يعمل القانون على تحقيق المصالح الفردية إذا كانت هذه الأخيرة متعارضة مع المصلحة العامة التي تهم الجماعة.

ثالثا: المعيار الشخصي كأساس للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص

يقوم هذا المعيار على أن أساس التمييز بين القانون العام والقانون الخاص هو صفة أشخاص العلاقة في كل من القانونين، فالحكام تسري عليهم قواعد القانون العام، أما المحكومين فيخضعون لقواعد القانون الخاص.
واستنادا على ذلك، فإن القانون العام يشمل القواعد القانونية التي تنظم الهيئات الحاكمة والعلاقة بين هذه الهيئات وكذلك العلاقة بين هذه الهيئات وبين المحكومين، أما القانون الخاص، فإنه يتضمن القواعد المتعلقة بحالة الأفراد والعلاقة بينهم.
ولقد أعاب بعض الفقه على هذا المعيار أنه ليس صحيحا في جميع الأحوال، ذلك أن الدولة كثيرا ما تبرم علاقات بينها وبين الأفراد، وتتجرد فيها من امتيازات السلطة العامة، بحيث تظهر كفرد عادي، وفي هذه الحالات لا يمكن إخضاع مثل هذه العلاقات للقانون العام.
إلا أنه وبالرغم من هذا الانتقاد يرى ذات الفقه بأن هذا المعيار هو الأقرب إلى الصواب، بشرط تكملته بالمعيار الشكلي، وذلك لتلافي العيوب الموجودة فيه.
وعلى هذا، فإن معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص يقوم على أساس الصفة التي تتدخل بها الدولة، أو أحد فروعها، طرفا في العلاقة القانونية، وليس مجرد وجود الدولة، أو أحد فروعها، طرفا في هذه العلاقة.
ومن خلال ما سبق، يمكن القول بأن القانون العام هو القانون الذي ينظم العلاقات التي تشارك فيها الدولة باعتبارها صاحبة السلطة العامة، أما القانون الخاص فهو القانون الذي ينظم علاقات الأفراد بعضهم ببعض أو علاقات الأفراد بالدولة وسائر الهيئات العامة عندما لا تتدخل باعتبارها صاحبة السلطة العامة.

الفرع الثاني: التقسيم الحديث للقانون

بالرغم من أن غالبية الفقه ترى بأن تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص هو التقسيم الرئيسي، إلا أن هناك اتجاه فقهي حديث يرى أنصاره بأن القانون ينقسم إلى قانون موضوعي وآخر إجرائي أو شكلي. فالقانون الموضوعي هو الذي يبين الحقوق والواجبات المختلفة. وأما القانون الإجرائي أو الشكلي فهو الذي يبين الإجراءات واجبة الإتباع والكفيلة بوضع القانون الموضوعي موضع التنفيذ.
ويندرج ضمن القانون الإجرائي قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقانون الإجراءات الجزائية،  وقانون الإجراءات الجبائية، والقانون الدولي الخاص.
أما القانون الموضوعي، حسب هذا الاتجاه، فينقسم إلى قانون عام وقانون خاص. وعلى ذلك فإن تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص هو تقسيم ثانوي وتكميلي وتابع للتقسيم الرئيسي الذي يقسم القانون إلى قانون موضوعي وقانون إجرائي.
 ويندرج ضمن طائفة القانون الخاص، القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون شؤون الأسرة، وقانون العمل.أما القانون العام فإنه ينقسم بدوره إلى قانون عام خارجي وقانون عام داخلي.
ويتمثل القانون العام الخارجي في القانون الدولي العام. أما القانون العام الداخلي فإنه يشمل القانون الدستوري، والقانون المالي، وقانون العقوبات، وأخيرا القانون الإداري.
ويبدو أن هذا التقسيم منطقي لحد ما، وذلك لأن القانون الموضوعي هو الذي ينقسم في الحقيقة إلى قانون عام وقانون خاص، أما القانون الإجرائي فلا يعتبر من القانون العام أو القانون الخاص، لأنه يضع إجراءات لخدمة القانون الموضوعي، أيا كان نوعه عاما أو خاصا. ومما يؤكد صحة هذا الرأي هو أن أغلبية الفقهاء يترددون فعلا في تصنيف فروع القانون الإجرائي في أحد قسمي القانون العام أو الخاص، ويعتبرون أنها ذات طبيعة مختلفة ومختلطة، مما يدل على أنها غير خاضعة للتقسيم إلى عام وخاص.
إلا أنه مهما اختلفت الآراء الفقهية حول الأخذ بالتقسيم التقليدي أو التقسيم الحديث للقانون، فإن هذا لا ينفي أن تقسيم هذا الأخير إلى عام وخاص معترف به لدى الفريقين، سواء منهما من يراه رئيسيا ومن ي رآه تكميليا.

المطلب الثاني: فروع القانون العام وموقع القانون الإداري منها

لقد سبقت الإشارة إلى أن القانون العام يتفرع إلى فرعين أحدهما خارجي وآخر داخلي (الفرع الأول)، ومن ثم وجب البحث عن موقع القانون الإداري من كليهما (الفرع الثاني).

الفرع الأول: فروع القانون العام

تنقسم العلاقات التي تكون الدولة طرفا فيها، بوصفها صاحبة السيادة إلى نوعين: علاقات الدولة بغيرها من الدول والهيئات الدولية، وعلاقتها بالأشخاص العاديين داخل إقليمها.
واستنادا على ذلك، فإن القانون العام يتفرع إلى قانون عام خارجي (أولا)، وقانون عام داخلي (ثانيا). 

أولا: القانون العام الخارجي

يعرّف القانون العام الخارجي أو ما يسمى بالقانون الدولي العام على أنه: "...مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدول فيما بينها في أوقات السلم والحرب والحياد، كما يشمل أيضا القواعد المتعلقة بالمنظمات الدولية المعترف بها...".
وانطلاقا من ذلك، فإن القانون العام الخارجي يبين أشخاص المجتمع الدولي، ويعين الشروط الواجب توافرها حتى تعتبر الدولة شخصا دوليا، كما أنه ينظم المعاهدات والاتفاقيات التي تبرمها الدول فيما بينها، ويحدد حقوق وواجبات كل دولة إزاء باقي الدول.
وبالإضافة إلى ذلك، يبين القانون العام الخارجي في حالة السلم طرق تمثيل الدول دبلوماسيا وسياسيا لدى بعضها البعض، وما يجب إتباعه من وسائل لفض النزاعات بالطرق السلمية.
أما في حالة الحرب، فيتناول القانون العام الخارجي تنظيم الإجراءات الواجب تطبيقها، كإعلان الحروب وتحديد وسائلها المشروعة وغير المشروعة، وكيفية إنهائها، كما أنه يحدد طريقة معاملة الأسرى والجرحى.
كما يشمل القانون العام الخارجي، الأحكام المتعلقة بالمنظمات الدولية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية، كهيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، إلى غير ذلك من المنظمات.

ثانيا: القانون العام الداخلي

يقصد بالقانون العام الداخلي "... مجموعة القواعد القانونية التي تحدد كيان الدولة، وتنظم العلاقات التي تقوم بين الدولة أو احد فروعها حين تعمل بصفتها صاحبة السيادة أو السلطة العامة وبين الأشخاص الطبيعية أو الأشخاص المعنوية الخاصة، أو العلاقات التي تقوم بين الدولة وأحد فروعها، أو فيما بين هذه الفروع...".
وبمفهوم آخر يعرف القانون العام الداخلي على أنه: "... مجموعة القواعد القانونية التي تحكم أو تنظم شؤون الدولة العامة الداخلية، ويطبق داخل إقليم الدولة، ولا يتعدى سلطانه حدودها...".

الفرع الثاني: القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي

انطلاقا مما تمت الإشارة إليه أعلاه، فإن القانون العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات التي تظهر فيها الدولة باعتبارها صاحبة السلطة العامة. وهو بذلك يتفرع إلى قانون عام خارجي (القانون الدولي العام) وآخر داخلي يشتمل على كل من القانون الدستوري، والقانون المالي، وقانون العقوبات وأخيرا القانون الإداري محل الدراسة في هذا المقياس.
فالقانون الإداري ينتمي إلى طائفة القانون العام الداخلي، لأنه  - كما سيتوضّح لاحقا  - عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم "... الأشخاص الاعتبارية العامة، وينظم نشاطها بما ينطوي عليه من امتيازات، وما يرد عليه من قيود غير مألوفة في القانون الخاص، ويحدد الإجراءات التي تتبع قضائيا للفصل فيما يثور عنه من أقضية ومنازعات...".

المرجع

  1. د. بلماحي زين العابدين، المدخل للقانون الإداري ونظرية التنظيم الإداري، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، السنة الجامعية: 2015-2016، ص4 إلى ص14.
google-playkhamsatmostaqltradent