دعوى التعويض المترتبة عن المسؤولية الإدارية

دعوى التعويض المترتبة عن المسؤولية الإدارية

دعوى التعويض المترتبة عن المسؤولية الإدارية

تمهيد:

إنه مع تكريس مبدأ مسؤولية الإدارة حصل الاتفاق فقها وقضاء على إدراج دعوى المسؤولية الإدارية ضمن أقسام القضاء الإداري وهو قسم القضاء الكامل وهي دعوى لا تهدف إلى تفسير قرار إداري أو تقدير مشروعيته، وٕإنما تكون للقاضي الإداري سلطات واسعة مقارنة بالدعاوى الإدارية الأخرى، بحيث يجوز له الحكم على الإدارة بتقديم تعويضات مالية إذا تبين له أن الضرر الناتج عن عمل السلطة الإدارية قابل للتعويض.
وتعرف دعوى التعويض بأنها الدعوى القضائية الذاتية التي يحركها أصحاب الصفة والمصلحة أمام الجهات القضائية المختصة طبقا للقواعد والإجراءات المقررة قانونا للمطالبة بالتعويض العادل واللازم للأضرار التي أصابت حقوقهم بفعل النشاط الضار.
وترتبط دعوى التعويض بمسؤولية الإدارة، الأمر الذي يستوجب تبيان أساس المسؤولية الإدارية كموضوع لدعوى التعويض (المطلب الأول)، مع الكشف عن أحكام دعوى التعويض الناتجة عن مسؤولية الإدارة سواء على أساس الخطأ أو المخاطر (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أساس مسؤولية الإدارة

عرفت المسؤولية الإدارية تطورا ملحوظا، ففي البداية كانت قائمة على أساس الخطأ وبرز هذا التطور أثناء مرحلة عملية التمييز الذي قام بها القضاء الإداري بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي أين توسع فيه مجال الأول على حساب الثاني، ثم بعدها ومن أجل حماية الموظف برزت نظرية الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وترتب عنها آثار، ولم يقف التطور عند هذا الحد بل استمر حتى أصبحت المسؤولية تقوم بدون خطأ على أساس ما يعرف بالمخاطر.
لكن دون الغوص أكثر في تفاصيل التطور التاريخي لهذا الأساس، يمكن التقرير بأن الأساس القانوني الرئيسي الذي قامت عليه مسؤولية الإدارة يتمثل في الخطأ (الفرع الأول)، واستكمال هذا الأساس بنظرية المخاطر (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المسؤولية الإدارية القائمة على أساس الخطأ

إعتبر الخطأ في البداية الإطار العام  الذي قامت عليه المسؤولية الإدارية، رغم تطور هذه الأخيرة بدون خطأ ويعرف الخطأ كقاعدة عامة، بأنه الإخلال بالتزام قانوني وبناءً على هذا الإخلال، يمكن أن تقوم مسؤولية الإدارة استنادا إلى الخطأ الواقع منها متى سبب ضرار للغير.
ويختلف الخطأ في مجال القانون الإداري عن ما هو معروف عنه في القانون المدني، حيث لا تكون الإدارة مسؤولة عن كل خطأ ارتكب من أحد موظفيها، بل تفرق بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي حسبما أضفاه المشرع الفرنسي لتحديد مسؤوليتها (أولا)، أو تقوم بجمع الأخطاء والمسؤوليات وتنظر إلى آثارها (ثانيا).

أولا: الخطأ المرفقي كأساس للمسؤولية الإدارية وتمييزه عن الخطأ الشخصي

1_ الخطأ المرفقي كأساس للمسؤولية الإدارية

الخطأ المرفقي هو الذي ينسب  إلى الإدارة أو المرفق ذاته، رغم إرتكابه من قبل أحد الموظفين أثناء قيامه بواجباته الوظيفية، عن طريق الإهمال أو التقصير أي أن هذا الأخير هو من تسبب في وقوع الضرر وأدى إلى مسؤولية الإدارة وتحميلها عبء التعويض عن الأضارر، سواء أمكن تحديد هوية مرتكب الخطأ او استحال تحديده وبذلك فهو يتخذ صورتين:
أ_ خطأ الموظف المعين بالذات: نكون أمام هذه الحالة متى أمكن نسبة الخطأ الذي ترتب عليه مسؤولية الإدارة إلى موظف معين بالذات أو موظفين معينين بذواتهم، مثال ذلك أن يجري أحد رجال الشرطة خلف مجرم هارب في الطريق العام بقصد القبض عليه، وأثناء جريه للحاق به، يصدم أحد المارة، فيصيبه بضرر، فهذا الخطأ يعد مرفقيا وٕإن كان صادرا من رجال الشرطة، أي من موظف معين بالذات،  حيث صدر منه أثناء تأدية وظيفته و بسببها.
ب_ الخطأ الذي ينسب إلى المرفق ذاته: تتمثل هذه الصورة في حالة تعذر معرفة مصدر الفعل الضار الذي أدى إلى مسؤولية الإدارة مثال ذلك أن تقبض الشرطة على أحد المتظاهرين، وفي دار الشرطة يعتدي عليه الشرطي بالضرب، فيحدث به ضررا، فإذا تعذر على القضاء معرفة الشرطي أو الشرطة الذين اعتدوا على المجني عليه بالضرب، كان الخطأ مرفقيا تأسيسا على أنه ينتج عن سوء تنظيم مرفق الأمن.
ويمكن رد الأفعال التي يكون فيها الخطأ مرفقيا إلى ثلاثة طوائف:
1_ التنظيم السيء للمرفق العام: يعني أن المرفق العام مكلف بتقديم الخدمة المنوطة به بشكل ايجابي، لكنه أدى هذه الخدمة بشكل سيء وعليه تسأل الإدارة عن خطئها سواء تمثل الخطأ في قرار إداري أو عمل مادي، أي جميع الأعمال الإيجابية الصادرة من الإدارة و المنطوية على الخطأ، ومن الأمثلة على ذلك نجد أن قانون البلدية يلزم البلديات بتنظيم مرفق المطافئ، فعدم وجود أو سوء تنظيم هذا المرفق يرتب مسؤولية الإدارة.
2_ التسيير السيء للمرفق العام: يمكن أن يصدر الخطأ من المرفق ذاته متمثل في سوء تسيير المرفق فينشئ مسؤولية الإدارة إذا رتب ضررا للأفراد، كما لو أصيب بعض الموظفين بقسم من أقسام المرفق نتيجة سوء تهوية الأماكن العمومية التي يشتغلون بها عقب تدفئتها بالفحم.
3_ الامتناع عن آداء الخدمة العامة: تتمثل في عدم تقديم المرفق للخدمة المطلوبة منه، أي اتخاذ الإدارة موقفا سلبيا، وذلك بامتناعها عن تقديم وآداء الخدمة التي كان من المفترض القيام بها بشكل يُرتب خطأ مرفقيا، فتسأل عليه بتعويض الأضرار المترتبة عنه، باعتبار أن الإدارة أو الموظف ليس لديه أي امتياز أو حق شخصي يمكنه من القيام أو الامتناع عن ممارسة اختصاصه وفقا لرغباته، بل أنه التزام قانوني يتعين على الموظف المختص أن يمارس صلاحياته القانونية بنفسه أو أن يمارسها وفق الشروط المحددة قانونا سواء كانت صلاحياته تقديرية أو  مقّيّدة. 
ومن الأمثلة التي تجسّد هذا النوع، امتناع الإدارة عن إقامة الحواجز اللازمة لمنع فيضان أو الإهمال في إصلاح طريق عام، فأدى تهدمها إلى انقلاب إحدى السيارات وٕإصابة ركابها فهنا تقوم مسؤولية الإدارة نتيجة امتناعها عن إقامة الحواجز وإهمالها في إصلاح الطريق العام.
ويلاحظ مما سبق ذكره بأن مسؤولية الموظف الشخصية تنتفي، بحيث لا تظهر إلا مسؤولية الإدارة وحدها ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخطأ منسوبا إلى موظف معين بالذات أو منسوبا إلى الإدارة ذاتها.

2_ تمييز الخطأ المرفقي عن الخطأ الشخصي

يوجد إلى جانب الخطأ المرفقي الذي يرتب كأصل عام مسؤولية الإدارة التي تتحمل عبء التعويض عن الأضرار التي لحقت بالغير من جراء تصرفاتها سواء كانت تصرفات مادية أو قانونية، الخطأ الشخصي الذي لا  يُعقد إلا مسؤولية الموظف فيجعله يلتزم بالتعويض عن خطئه من ماله الخاص، حيث أن قيام المسؤولية الإدارية يقتضي بالضرورة التمييز بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي.
تعددت اجتهادات كل من الفقه والقضاء الإداري، في وضع معيار راجح ودقيق للتفرقة بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي نقسمها كما يلي:

أ/ المعايير الفقهية

وتتمثل في:
_ معيار الدافع الشخصي: إعتمد الفقيه لافريير" laferriere" على معيار الدوافع الشخصية للتفرقة بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي، ومفاد هذا المعيار هو قيامه على أساس العوامل الذاتية والنزوات الشخصية للموظف، فإذا كان الفعل الضار الذي قام به الموظف والذي ألحق الضرر بالغير بعيدا عن أهوائه وعواطفه وصدر من الموظف باعتباره ممثلا للسلطة الإدارية، ولا رغبة له في إلحاق الضرر بالغير، ففي هذه الحالة يعد الخطأ مرفقيا وليس شخصيا، أما إذا كان الموظف قد أتى بالفعل الضار عمدا بدافع عواطفه وضعف أحاسيسه وٕإرادته السيئة واندفاعه لتحقيق مصالحه الخاصة والذاتية على حساب المصلحة العامة يعتبر الخطأ شخصيا.
_ معيار الغاية: ذهب مناصرو هذا الرأي وعلى رأسهم الفقيه" Duguit" إلى القول أن الخطأ يكون شخصيا وبالتالي يسأل عنه الموظف ويتحمل تبعته إذا كان الغرض منه تحقيق أهداف خاصة أو أغراض شخصية، فإذا كان التصرف الذي قام به الموظف بعيدا عن تحقيق الأهداف والغاية المنوطة بها ولا علاقة لها بالأهداف الإدارية ولا بالخدمة المطلوبة منه، فالخطأ يكون شخصيا ويقع عبء التعويض عنه من الموظف شخصيا ومن ماله الخاص، أما إذا كان الموظف أثناء تصرفه الذي قام به حسن النية ومن أجل تحقيق الصالح العام، فالخطأ يعد مرفقيا ولا يسأل عنه بل ينسب إلى الإدارة للتعويض عنه.
وما يلاحظ هنا أن الأخذ بهذا المعيار يجعلنا نبحث عن النوايا والدوافع الشخصية والتي يصعب اكتشافها، ما إذا كانت نوايا حسنة أو سيئة، الأمر الذي يؤدي إلى تضييق نطاق الخطأ الشخصي.
_ معيار الخطأ المنفصل عن الوظيفة: بحث الفقيه "Hauriou" وحسبه نكون أمام خطأ شخصي إذا صدر الفعل عن الموظف خارج أوقات العمل وليس بمناسبة أداء الوظيفة أي بمعنى خارج الإلتزامات الوظيفية.
وعليه فإن الفقيه "هوريو" وضع معيارا جديدا للتمييز بين الخطأين بعد حكم مجلس الدولة في قضية zimmermanm، مفاده أن الخطأ القابل للإنفصال عن الوظيفة يعد خطأ شخصيا والخطأ غير القابل للإنفصال عنها يعتبر مرفقيا.
_ معيار جسامة الخطأ: يفرق الفقيه "jezze" بين الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي على أساس أن الموظف يرتكب خطأ شخصيا إذا كان خطأ جسيما يتجاوز نطاق الأخطاء المادية، ويعتبر مرفقيا إن كان من الأخطاء المادية أو المخاطر العادية التي قد يتعرض لها الموظف العام عند مباشرة واجبات الوظيفة.
_ معيار طبيعة الالتزام الذي أخل به: قام الفقيه "Douce Ray" بالتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي بالاعتماد على طبيعة الالتزامات  المخّلة بها التي تقع على عاتق الإدارة والتي قسمها إلى نوعين التزامات عامة يقع عبء إثباتها على الجميع والتي يفرضها القانون ويعد الإخلال بها خطأً شخصيا، أما النوع الثاني فهي الالتزامات التي ترتبط بالعمل الوظيفي فإن الإخلال بها يعد خطأ مرفقيا.

ب/ المعايير القضائية

تتمثل في:
_ الأخطاء منعدمة الصلة بالوظيفة العامة: يُسأل الموظف عن الخطأ الشخصي في حالة ارتكابه خطأ في حياته الخاصة بعيدا تماما عن عمله الوظيفي، فيسأل الموظف هنا مسؤولية شخصية عن تعويض الأضرار مهما كانت درجة جسامتها، ولا تسأل عنه جهة الإدارة ذلك لأن الخطأ منعدم الصلة كليا بالوظيفة العامة، كالأضرار التي تلحق الأفراد من قيادة أحد الموظفين لمركبته الخاصة أثناء إجازته الرسمية فيعوض عن الأضرار الناجمة عن خطئه.
_ الأخطاء التي تقع أثناء تأدية مهام الوظيفة أو بمناسبتها: يكون الموظف العام معرض أثناء تأدية واجباته الوظيفية أو بمناسبتها لارتكاب الأخطاء التي قد تكون أخطاء شخصية، في حالة عدم وجود أي رابطة تربطها بالمرفق أي منعدمة الصلة بالوظيفة التي يشغلها، كما قد تكون هذه الأخطاء شخصية متى كان هدف الموظف الوصول إلى أغراض ومقاصد شخصية لا صلة لها بالمصلحة العامة.

ثانيا: قاعدة الجمع بين الأخطاء والمسؤوليات وأثرها

لحماية ضحايا الأنشطة الإدارية ذهب القضاء الإداري إلى التقليل من أهمية التمييز بين الخطأ الشخصي والمرفقي فظهرت لأول مرة قاعدة الجمع بين الأخطاء ثم قاعدة الجمع بين المسؤوليات، أين تتحمل فيها الخزينة العامة عبء التعويض عن الأضرار الناجمة عن الموظف بدلا أن يتحملها هو من ذمته الخاصة.
1_ قاعدة جمع الأخطاء: مفادها اقتران الخطأ الشخصي مع الخطأ المرفقي في توليد الضرر اللاحق بالضحية وأول تطبيق لمجلس الدولة الفرنسي لهذه القاعدة صدر حكمه بتاريخ 03 فيفري 1911 في قضية السيد أنجي anguet، حيث حكم القاضي بناءا على دعوى المضرور بأن الحادث كان ناتجا عن وجود خطأين متميزين، خطأ مصلحي ناتج عن غلق باب المكتب قبل الوقت المحدد لأن ساعة المكتب لم تكن مضبوطة، إضافة إلى سوء حالة عتبة المكتب التي ساعدت على سقوط المضرور أي سوء تنظيم المرفق، وخطأ شخصي نسب لأعوان البريد الذين اعتدوا على المضرور وعاملوه بقسوة.
وقد تواترت أحكام مجلس الدولة الفرنسي في تطبيق فكرة تعدد الأخطاء، خاصة في الحالات التي يتسبب فيها إهمال الإدارة في مراقبة موظفيها، أو عدم اتخاذها للإجراءات اللازمة لمنع الضرر كوفاة أحد المرضى في إحدى المصحات العقلية بسبب اعتداء من ممرض فتقرر مسؤولية الإدارة باعتبار أن الضرر ما كان ليحدث لو كانت هناك رقابة من طرف الإدارة.
وتجدر الإشارة إلى أن جمع المسؤوليات لا يؤدي إلى حصول المضرور على التعويض مرتين كما أن الإدارة في تعويضها عن الخطأ الشخصي المقترن بالخطأ المرفقي لا تتحمل عبء التعويض بأكمله، وٕإنما يمكن لها الرجوع على الموظف بقدر مساهمته في إحداث الضرر.
2_ قاعدة جمع المسؤوليات: مفادها جمع المسؤوليات إذا كان الضرر الناتج عن خطأ شخصي فقط، وقد ظهرت هذه القاعدة في مرحلتين:
أ_ جمع المسؤوليات على أساس الخطأ الشخصي المرتكب داخل المرفق: يؤدي الخطأ المرفقي إلى تحريك مسؤولية الإدارة بصفة مستمرة، وذلك خلافا للخطأ الشخصي الذي لا يرتب سوى مسؤولية الموظف الشخصية، غير أن مجلس الدولة سلم بقاعدة الجمع بين المسؤوليتين وذلك من خلال إقراره بقيام مسؤولية الإدارة إلى جانب مسؤولية الموظف الشخصية في حالة الخطأ الشخصي الواحد بناء على رأي مفوض الدولة "Léon Blum" الذي جاء فيه أن الخطأ يعد شخصيا إذا ارتكب في المرفق أو بمناسبة العمل فيه إذا كانت وسائل وأدوات الخطأ قد وضعت في يد الجاني بواسطة المرفق.
وقد طبق مجلس الدولة رأي المفوض"Blum" الذي يدعو إلى ضرورة الجمع في المسؤولية الشخصية لرئيس البلدية، إضافة إلى تقرير مسؤولية الإدارة التي ينتمي إليها الموظف فمجلس الدولة بحكمه هذا أقر بقاعدة الجمع بين المسؤوليتين.
ب_ جمع المسؤوليات على أساس الخطأ الشخصي المرتكب خارج المرفق العام: لم يكن مجلس الدولة الفرنسي يثير مسؤولية الإدارة العامة في حالة ارتكاب خطأ شخصي خارج نطاق ممارسة الواجبات الوظيفية، إلا إذا تبين أن الخطأ الشخصي المرتكب خارج الوظيفة خطأ مرفقي كغياب الإشراف والرقابة، فهنا نكون أمام خطأين خطأ مرفقي وخطأ شخصي معا، مما يؤدي بالضرورة إلى الجمع بين المسؤوليتين المرفقية والشخصية ومن أمثلة هذا  النوع سائق سيارة عسكرية فقد السيطرة على المقود وكان يستخدم السيارة العسكرية لأغراض شخصية اصطدم بمسكن أدى إلى تصدع البناء.
وتجدر الإشارة أن الاعتراف بإمكانية اجتماع الخطأ الشخصي للموظف والخطأ المرفقي للإدارة يعني إمكان قيام مسؤولية موحدة ومشتركة بينهما، فيسأل كل منهما عن جزء من الخطأ الذي ينسب إليه. 

3_ الآثار والنتائج المترتبة عن قاعدة الجمع بين الأخطاء والمسؤوليات

أ_ حق الإختيار للضحية: يمكن للمضرور أن يرفع دعوى شخصية على الموظف أمام القضاء العادي أو دعوى إدارية على الإدارة أمام القضاء الإداري للمطالبة بالتعويض، مع العلم أنه لا يمكنه استعمالهما معا وينصح عمليا بأن يرفعها على الإدارة ليسرها وعسر الموظف.
ب_ عدم الجمع بين التعويضات: يقابل مبدأ الجمع بين الأخطاء والمسؤوليات وفقا لقول الأستاذ "ديلويادير" قاعدة عدم جمع التعويضات، فالقاعدة في التعويض هو أن يغطي هذا الأخير الضرر الحاصل دون أن يزيد عليه فلا يمكن الحصول على التعويض مرتين (تعويض مضاعف).
ج _ دعوى الرجوع: إذا اختار المضرور رفع الدعوى على أحدهما وقدر القاضي نسبة التعويض لكل منهما وكان الخطأ الشخصي علاقة بالمرفق، فمن خلال قاعدة الجمع بين الأخطاء والمسؤوليات كان لهما الرجوع على بعضهما وفقا للآتي:
- رجوع الإدارة على الموظف: إذا دفعت الإدارة التعويض كله يمكنها الرجوع على الموظف بمقدار ما حكم به القاضي عليه حسب المواد 145 و 185 من قانون 90 -08 المتعلق بالبلدية الملغى.
- رجوع الموظف على الإدارة: ويحدث هذا إن رفعت دعوى شخصية على الموظف بداية ووزع القاضي المسؤولية بينه وبين الإدارة، فللموظف حق الرجوع على الإدارة.
- رجوع الإدارة على الغير: إن حلت الإدارة محل الغير الذي أضر بأعوانها وعوضت هي مكانهم فمن حقها الرجوع على الغير لاسترجاع ما سلمته لأعوانها.

الفرع الثاني: المسؤولية الإدارية القائمة على أساس المخاطر

ظهرت المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر بداية في القانون الخاص، لكنها تطورت في إطار القانون العام إلى درجة أنها أصبحت تشمل مختلف ميادين النشاط الإداري رغم أنها ما زالت مسؤولية احتياطية.
تعني نظرية المخاطر  La théorie du Risqueأن الحق في التعويض يُثبت للأفراد الذين يتضررون من أنشطة الإدارة المشروعة ذات الخطورة، وتنطبق فكرتها على كل نشاط إداري يخلق خطرا يُلحق بالأفراد، ويهدد بوقوع أضرار تصيبهم ولتوضيحها أكثر يقتضي منا تبيان أساسها (أولا)، وشروطها (ثانيا).

أولا: أساس مسؤولية المخاطر

تقوم المسؤولية الإدارية كما هو الشأن بالنسبة للقانون المدني على فكرة الخطأ بمعنى أنه يتعين على المضرور من تصرف الإدارة الضار أن يثبت الخطأ المصلحي الذي يكفل له التعويض عن الضرر الذي سببته له الإدارة. لكن ونتيجة المخاطر الناشئة عن نشاط الإدارة أصبح القضاء الإداري الفرنسي يقبل مسؤولية الإدارة على غير الخطأ المصلحي، دون الحاجة إلى تكليف طالب التعويض أن يثبت خطأ الإدارة.
فلقد أصبح واجبا على الدولة أن تؤمن مواطنيها ضد مخاطر مباشرة هذه الأنشطة رغم مشروعيتها وقانونيتها، وذلك بتعويض من يصبه ضرر من جراء ذلك عن أساس فكرة المخاطر.
وأساس تقرير المسؤولية هنا يقوم على فكرة تحقيق المساواة أمام الأعباء العامة أو التكاليف العامة المترتبة على إدارة وتسيير المرافق العامة كل في حدود إمكانياته وهو ما يحقق التوزيع العادل لهذه التكاليف وتلك الأعباء، فإذا نتج عن نشاط تلك المرافق ضرر لأحد أو لبعض المواطنين، فإن عبئ هذا الضرر يجب أن يوزع على مجموع المواطنين وذلك بالتعويض عن الأضرار الذي أصابتهم من خازنة الدولة، وبذلك توزع قيمة هذا التعويض على جميع المكلفين بدفع الضريبة، وفي ذلك تحقيق لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.
وبالإضافة إلى كون المسؤولية على أساس المخاطر تقوم على أساس العدالة فإنها تجّنّب المدعي إثبات الخطأ، فالمضرور له الحق في التعويض حين إقامته للعلاقة السببية بين نشاط المرفق العام المتسبب في الضرر الذي لحق به.

ثانيا: شروط نظرية المخاطر

يشترط في تطبيق نظرية المخاطر كأساس قانوني لمسؤولية الإدارة  بدون خطأ الشروط الواجب توافرها في المسؤولية بصفة عامة من ضرر وعلاقة سببية بين نشاط الإدارة والضرر الناتج عنه، ونسب الضرر أي إمكانية إسناد الضرر والفعل الناتج عنه الضرر إلى شخص عمومي معين.
1_ الضرر: يعد وجود ركن الضرر الدافع لقيام مسؤولية الإدارة فإذا كان يمكن للمسؤولية أن تتقرر دون خطأ، فإنها لا يمكن أن تقوم دون ضرر وعليه يعتبر هذا الأخير سببا وشرطا من شروط الحق بالمطالبة في التعويض، فبدونه لا تتقرر للمضرور أية مصلحة في طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به.
ويقصد بالضرر كل إخلال بحق أو مصلحة مشروعة للمضرور مادية كانت أو معنوية، كما أنه أحد أركان المسؤولية بصفة عامة ولكي تلتزم الإدارة بالتعويض للمتضرر يقع عليه إثبات الضرر الذي كان سببه المخاطر الناتج عن نشاطها، كما يجب أن يكون الضرر محققا ومؤكدا بمعنى أن يكون قد وقع بالفعل أو سيقع مستقبلا وهذا ما يدفعنا للقول بأن الضرر الاحتمالي غير كافي للحكم على الإدارة بالتعويض.  
بالإضافة إلى ذلك يشترط في الضرر أن يستند إلى حق يحميه القانون بالمعنى المخالف لا تعويض عند المساس بحق غير المشروع سواء تمثل هذا الحق في مركز قانوني أو مصلحة مالية.
2_ العلاقة السببية بين الضرر ونشاط الإدارة: يجب أن توجد علاقة سببية بين الخطأ والضرر حتى تقوم مسؤولية الإدارة فإذا انعدمت رابطة السببية بين الخطأ والضرر فإن ذلك يؤدي إلى إنتفاء مسؤولية الإدارة كليا أو جزئيا حسب الأحوال.
وتعني علاقة السببية أن الضرر يكون النتيجة المباشرة لحدوث خطأ الإدارة، أو أن خطأ الإدارة يمثل السبب المباشر لوقوع الضرر ولتحديد السبب المباشر للضرر برزت ثلاث نظريات في فرنسا، إذ ظهرت في البداية نظرية تكافؤ الأسباب والتي كانت مطبقة في فرنسا فترة من الزمن وبعد ذلك طرحت نظرية السبب الأقرب، أي السبب الأقرب زمنيا أو مكانيا أو السبب الأخير الذي جعل حدوث الضرر ممكنا ونظرية السبب المنتج، وأخيرا نظرية السبب الملائم التي تعتنقها محكمة النقض الفرنسية حاليا.
ولتحديد العلاقة السببية وبالتالي السبب المباشر، أوجد الفقه عدة نظريات أهمها:
- نظرية توازن الأسباب: مفاد هذه النظرية أنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار كل الأسباب التي تدخلت في إحداث الضرر وٕإن كانت أسبابا بعيدة نظرا لأهميتها، طالما أن تخلف أحدهم لم يترتب عليه عدم حدوث الضرر، لأن وقوع الضرر كان نتيجة لاجتماع كل الأسباب التي اشتركت في إحداثه حيث أنه لو كان سبب واحد لما وقع هذا الضرر.
_ نظرية السبب القريب: أخذت هذه النظرية بالسبب القريب من حيث الزمن أي الحدث الأخير، بمعنى أن الفعل الأقرب زمنا هو الذي تسبب في إحداث الضرر ويرتب بالنتيجة مسؤولية فاعله ويعاب عليها بأنها ضيّقت كثيرا من شروط المسؤولية.
_ نظرية السبب المنتج: يقصد به أن يكون الفعل من طبيعة تؤدي إلى إحداث الضرر بحسب المجرى العادي للأمور وهي بذلك لا تعتد بكل الأسباب التي ساهمت في إحداث الضرر، وٕإنما تعتد فقط بالسبب المنتج دون السبب العارض، ويقصد بالأول السبب المألوف الذي يحدث ذلك الضرر في العادة، أما الثاني هو ذلك السبب غير المألوف الذي لا يكفي لقيام المسؤولية والذي لا يحدث عادة الضرر وتعتبر هذه النظرية هي السائدة.
_ نظرية السبب الملائم (الضرر المباشر): وهو ما يطلق عليه بالطابع المباشر، بمعنى السبب الفعال الذي يحدث دائما الضرر وهو ما أكده الفقه الإداري كما يلي حيث يقول الأستاذ ديلوبادير "إن القضاء الإداري لا يلجأ إلى نظرية توازن الأسباب، لكن يبحث من بين الأحداث التي سبقت حدوث الضرر الذي يكون السبب الفعلي أو الملائم في حدوثه".
3_ قاعدة التناسب: نعني بقاعدة الانتساب العلاقة بين الفعل أو العمل الضار والفاعل فإذا ثبتت هذه العلاقة تقررت مسؤولية الفاعل، وٕإنطلاقا من هذا المبدأ يتم إقرار المسؤولية الإدارية إذا نسب الفعل الضار للإدارة وبالتالي المضرور لا يمكنه الحصول على التعويض إلا إذا كان الفعل الضار منسوبا إلى شخص عام.

المطلب الثاني: أحكام دعوى التعويض القائمة على أساس المسؤولية الإدارية

تبدو أهمية وجود دعوى التعويض إلى جانب دعوى الإلغاء في كون دعوى التعويض تكمل الحماية التي يصبغها قضاء الإلغاء على حقوق الأفراد، حيث إذا كان قضاء الإلغاء يرمي إلى إعدام القرارات الإدارية المخالفة للقانون، فإنه مع ذلك لا يتناول الأعمال المادية للإدارة وهو ما يؤهل قضاء التعويض لأن يكون المجال الذي يمكن من خلاله مراقبة الإدارة في مجال أعمالها المادية، كما أن طريق دعوى التعويض يظل مفتوحا حيث وٕإن فقد الطاعن وسيلة الإلغاء بعد فوات الميعاد، فيكون أمامه المطالبة بالتعويض.  
إضافة إلى ذلك فإن قضاء التعويض يتيح للأفراد جبر الأضرار التي تصيبهم ليس فقط من جراء ما تتخذه الإدارة من قرارات غير مشروعة وٕإنما أيضا من جراء ما يصدر عنها من أعمال مادية ضارة، ذلك أن قبول دعوى الإلغاء مقيد بأن يكون محل الطعن فقط قرار إداري مدعي بعدم مشروعيته، الأمر الذي يعنى أنه يصعب بل ويستحيل الاستغناء عن قضاء التعويض، مما يستوجب تبيان شروط دعوى التعويض القائمة على أساس مسؤولية الإدارة مع تمييزها عن دعوى الإلغاء (الفرع الأول)، ثم ضرورة إبراز حالات الإعفاء من المسؤولية الإدارية وسقوط الحق في التعويض (الفرع الثالث).

الفرع الأول: شروط دعوى التعويض القائمة على أساس المسؤولية الإدارية وتميزها عن دعوى الإلغاء

كسائر الدعاوى الإدارية الأخرى تنطبق على دعوى التعويض الشروط العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية والإدارية لقبول الدعاوى من صفة ومصلحة وأهلية في الطاعن، كما يشترط أن ترفع الدعوى بواسطة عريضة مكتوبة وموقعة من قبل محامي ويكون الاختصاص في النظر في دعوى التعويض المحاكم الإدارية التي تعد صاحبة الولاية العامة في دعاوى القضاء الكامل.
ولذا فإن تحديد شروط دعوى التعويض القائمة على المسؤولية الإدارية يتبين من خلال تبيان مدى كون شرط القرار الإداري السابق شرط ضروري في دعوى التعويض (أولا)، و ضرورة إظهار الفروق الموجودة بين دعوى التعويض عن دعوى الإلغاء (ثانيا).

أولا: مدى إلزامية شرط القرار الإداري السابق

المقصود بالقرار الإداري السابق هو أن يستصدر الشخص المضرور بفعل نشاط الإدارة قرارا إداريا صريحا أو ضمنيا بواسطة تقديم تظلم إداري إلى السلطة الإدارية المختصة لمطالبتها بدفع التعويض لإصلاح الأضرار التي سبيتها له.
فالقرار السابق يسمح بتجنب المنازعة القضائية من الأساس وينصب شرط القرار السابق على الأعمال الإدارية المادية أو الفنية للإدارة وليست على القرارات الإدارية، فلا فائدة من تطبيقها على القرار الإداري مادام الهدف منها هو استصدار قرار غير موجود وفي حالة القرارات الإدارية تنتفي الغاية من تطبيقه.
فقبل صدور قانون رقم 90 -23 المعدل لقانون الإجراءات المدنية الملغى وبناءً على المادة 169 مكرر كان استيفاء شرط التظلم الإداري السابق شرطا جوهريا في دعوى التعويض، إذ يجب على المدعي إرفاقه بعريضة دعوى التعويض سواء كان صريحا أو بمستند يثبت إيداع التظلم الإداري في حالة سكوت الإدارة ومن ثم فإن هذا الشرط كان يجب استيفاؤه في هذه المرحلة التي سبقت التعديل.
أما بعد صدور قانون 90 -23 والتعديل الذي طرأ على المادة 169 مكرر بحذف شرط التظلم الإداري المسبق لشرط قبول الدعوى أمام الغرفة الإدارية للمجلس، وبقاء شرط القرار السابق بدون تغيير التي نصت: "لا يجوز رفع الدعوى إلى المجلس القضائي من أحد الأفراد إلا بتطبيق الطعن في قرار إداري" 
فنجد الأستاذ "مسعود شيهوب"  يعتبر أن شرط القرار الإداري لم يعد لازما في المنازعات العائدة لاختصاص المجالس القضائية، بما في ذلك قضاء التعويض وأن المشرع أوجد إجراءً جديدا وهو نظام الصلح محل التظلم الإداري، فكان على المشرع الجزائري حذف الفقرة الأولى من المادة 169 مكرر إذ تركها المشرع سهوا منه وكان عليه الإكتفاء بالفقرة الثانية والتي جاءت صياغتها كالاتي: "يجب أن ترفع الدعوى أعلاه خلال 4 أشهر تبدأ من يوم تبليغه أو نشر القرار ضده".
وعلى ذلك فإن حذف المشرع للفقرات المتعلقة بتطبيق التظلم الإداري فإن ذلك معناه بمفهوم المخالفة حذف التظلم الإداري برمته بالنسبة لجميع القضايا الممكن رفعها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي.
وهكذا فإن  دعوى الإلغاء أو دعاوى التعويض المقامة أمام الغرف الإدارية بالمجالس القضائية لا يشترط لرفعها القيام بالتظلم الإداري واستصدار قرار إداري، بل ترفع مباشرة وأن إجراء الصلح حلّ محل تلك التدابير وهو ما أكده القضاء الإداري الجزائري أيضا بحيث لا تأخذ المجالس القضائية بشرط القرار الإداري السابق في دعاوى التعويض، حيث جاء في إحدى القرارات القضائية وأن الدفع المتمثل في كون المدعية لم تقم بالطعن السابق فإنه ليس في محله لأن الدعوى الحالية ترمي إلى إبطال قرارين إداريين و أن التظلم لم يعد واجبا وحل محله إجراء محاولة الصلح بالنسبة للقرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المحلية وعليه يتعين قبول الدعوى شكلا.
ورجوعا للمواد 815 إلى 828 والمتعلقة بأحكام رفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية لا نجد فيها إشارة صريحة للإبقاء على شرط القرار السابق، فلقد تغاضى المشرع تماما على شرط القرار السابق ولم يعد له من موجب.
وعليه فدعوى التعويض لا يشترط فيها وجود قرار سابق لرفعها مباشرة.   

ثانيا: تمييز دعوى التعويض عن دعوى الإلغاء  

تتميز دعوى التعويض عن دعوى الإلغاء من عدة جوانب ويظهر ذلك فيما يلي:
- ففي مجال الجهة القضائية المختصة دعوى التعويض ترفع دائما أمام المحاكم الإدارية باعتبارها جهة قضاء إبتدائية ولو تعلقت الدعوى بجهة إدارية مركزية، وهو ما يميزها عن دعوى الإلغاء الموجهة ضد هيئة مركزية التي ينبغي رفعها أمام مجلس الدولة باعتبارها جهة قضاء إبتدائية ونهائية طبقا للمادة 9 من القانون العضوي.
تختلف دعوى الإلغاء عن دعوى التعويض من حيث الميعاد المخصص لرفع الدعوى، بحيث فرض المشرع لرفع دعوى الإلغاء سواء أمام المحاكم الإدارية أو مجلس الدولة مدة 4 أشهر من تاريخ تبليغ القرار الإداري أو نشره، وينجم عن فوات الأجل عدم قبول الدعوى شكلا، بينما دعوى التعويض لا تخضع لهذا الميعاد فهي تتقادم بتقادم الحق الذي يحميه القانون المدني والذي هو 15 سنة حسب نص المادة 308 من القانون المدني وهذا الميعاد ليس واحد بالنسبة لجميع دعاوى التعويض حيث جاء في المادة 311 من القانون المدني أنه يتقادم ب4 سنوات الحق في المطالبة برد الضرائب و الرسوم التي دفعت بغير حق ويبدأ سربان التقادم من يوم دفعها. 
ونجد سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء سلطة محددة ودقيقة فله أن يحكم بإلغاء القرار الإداري إذا اقتنع بأوجه اللامشروعية المثارة أمامه وله أن يرفضها، أما دعوى التعويض فتكفل للقاضي سلطة أوسع في تقدير الضرر وتحميل الجهة الإدارية مسؤولية دفع التعويض ولذا فإن سلطات القاضي الإداري أوسع من سلطات القاضي الإداري في دعوى الإلغاء.

الفرع الثاني: حالات الإعفاء من المسؤولية الإدارية

توجد أربعة عوامل تعفي الإدارة من المسؤولية الإدارية ويسقط الحق في إقامة دعوى التعويض وهي القوة القاهرة (أولا) الحادث المفاجئ (ثانيا)، خطأ الضحية (ثالثا) أو خطأ الغير (اربعا)

أولا: القوة القاهرة

القوة القاهرة هي كل سبب خارج عن نشاط من تدّعي مسؤوليته، وهو حدث غير معروف ومن ثم غير متوقع ويستحيل مقاومته ويكون سببا في حدوث نتيجة غير مرغوب فيها، وقد تكون القوة القاهرة طبيعية كالفيضانات والزلازل وقد تكون من فعل الإنسان كالإضراب المفاجئ الذي وقع من العمال خارج إرادة الإدارة ودون إخطارها.
ويترتب عن القوة القاهرة الإعفاء الكلي للمسؤولية إن كانت وحدها مصدر الضرر واتخذت الإدارة الإجراءات الاحتياطية اللازمة، لكن إذا لم تتخذ الإدارة التدابير اللازمة فتتحمل المسؤولية فإذا كانت الأمطار الطوفانية تشكل قوة قاهرة إلا أن انعدام صيانة قناة صرف مياه الأمطار يجعل الإدارة مسؤولة بنسبة معينة من حجم الأضرار التي أصابت المتضررين.

ثانيا: الحادث المفاجئ

وهو كل حدث متصل بنشاط من أحدث الضرر ويتم المطالبة بمسؤوليته عنه، ويكون الحادث المفاجئ غير متوقع ويستحيل مقاومته كإنفجار عجلة سيارة أو انهيار سد فعل ضغط المياه المتجمعة فيه أو انفجار آلة ويتميز الحادث المفاجئ عن القوة القاهرة باتصال الحادث المفاجئ بنشاط الإدارة المسؤولة عكس القوة القاهرة الخارجة عن هذا النشاط وليس للحادث المفاجئ أي تأثير على مسؤولية الإدارة على خلاف المسؤولية على أساس الخطأ حيث يترتب عنه إعفائها من تحمل المسؤولية.

ثالثا:خطأ الضحية  

لا يؤثر على مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ، فخطأ المضرور يعفي الإدارة من المسؤولية أو يخفف عنها في حالة قيام مسؤوليتها بدون خطأ، فإذا كان خطأ المضرور وحده مصدر الضرر فلا يمكن إقحام الإدارة في حالة خطأ المضرور وحده في المسؤولية عن الضرر الذي أحدثه أما إذا كان خطأ المضرور قد ساهم فقط في حصول الضرر فإن الإدارة مسؤولة بنسبة مساهمة خطئها في حدوث الضرر.
ومن هذا المنظور فإنه إذا كان خطأ المضرور هو السبب الوحيد في إحداث الضرر ولا علاقة للإدارة به فهو الذي يتحمل المسؤولية والنتائج، أما إذا شاركت الإدارة في إلحاق الضرر فإنها تعفى جزئيا من المسؤولية وتتعقد مسؤوليتها بمقدار نسبة المشاركة في الضرر. 

رابعا: فعل الغير

يعرف الغير بأنه كل شخص مهما كانت صفته القانونية،غير المضرور والأشخاص التابعين له وتعفى الإدارة من المسؤولية إما كلية إذا كان خطأ الغير هو وحده العامل الأساسي في حدوث الضرر، وإما بصفة جزئية إذا ساهم خطأ الإدارة في إحداث الضرر فتكون مسؤولة بنسبة مساهمتها في حدوث الضرر.

المرجع:

  1. د. كمون حسين، محاضرات في مقياس "المنازعات الإدارية"، جامعة أكلي محند أولحاج –البويرة، السنة الجامعية: 2018-2019، ص77 إلى ص97.
google-playkhamsatmostaqltradent