حقوق الإنسان في الإسلام

حقوق الإنسان في الإسلام

حقوق الإنسان في الإسلام
تعد حقوق الإنسان فرائض إلهية وواجبات شرعية محاطة بحماية الله سبحانه وتعالى وتعتبر من محارمه، و يرى بعض الفقهاء ان الانسب تسمية حقوق الانسان في الاسلام ب ضرورات الإنسان وليست مجرد حقوق، وبالتالى ليس  لبشر أن يعطلها أو يقيدها أو يعتدى عليها دون مبرر شرعى - فهى ليست منحة من الحاكم وإنما هى منحة من الخالق جل شأنه.
ان البحث الموضوعي لحقوق الانسان في الاسلام يتم من خلال دراستها في ضوء الكتاب والسنة النبوية وبعض المصادر الاخرى، دون الالتفات الى سلوك بعض المسلمين.
لقد شرع الاسلام منذ اربعة عشر قرنا حقوق الانسان في شمول وعمق و احاطها بضمانات كافية لحمايتها والاسلام هو ختام رسالات السماء ومن هنا كان لزاما على المسلمين ان يبلغوا للناس جميعا دعوة الاسلام امتثالا لقول ربهم "ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" آل عمران : 104

أولا: أهم الحقوق والحريات التى ورد النص عليها فى الشريعة الإسلامية

1- حق الحياة:

(أ) حياة الإنسان مقدسة ... لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة: 32). ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها.
(ب) كيان الإنسان المادي والمعنوي حمى، تحميه الشريعة في حياته، وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم في التعامل مع جثمانه: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي).

2- حق الحرية:

(أ) حرية الإنسان مقدسة - كحياته سواء - وهي الصفة الطبيعية الأولى التي بها يولد الإنسان: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة" (رواه الشيخان). وهي مستصحبة ومستمرة ليس لأحد أن يعتدي عليها: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" من كلمة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرها.
(ب) لا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتدى عليه أن يرد العدوان، ويسترد حريته بكل السبل الممكنة: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (الشورى: 41). وعلى المجتمع الدولي مساندة كل شعب يجاهد من أجل حريته، ويتحمل المسلمون في هذا واجبا لا ترخص فيه: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" (الحج: 41).

3- حق المساواة:

(أ) الناس جميعا سواسية أمام الشريعة: "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ،ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى" من خطبة للنبي صلى الله عليه وسلم. ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي).
(ب) الناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء: "كلكم لآدم وآدم من تراب" من خطبة حجة الوداع، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم: "ولكل درجات مما عملوا"(الأحقاف: 19)، ولا يجوز تعريض شخص لخطر أو ضرر بأكثر مما يتعرض له غيره: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" (رواه أحمد). وكل فكر وكل تشريع، وكل وضع يسوغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام.
(ج) لكل فرد حق في الانتفاع بالموارد المادية للمجتمع ولا يجوز التفرقة بين الأفراد في الأجر، ما دام الجهد والعمل المؤدي واحدا: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (الزلزلة: 7 و 8).

4- حقوق العدالة:

(أ) من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يحاكم إليها دون سواها: "فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول" (النساء: 59)،
(ب) لا تجوز مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحت أي ظرف"إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء" (رواه أبو داود والترمذي بسند حسن.)
(ج) لا تجريم إلا بنص شرعي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" (الإسراء: 15).
 (د) لا يعاقب الفرد على جرم إلا بعد ثبوت إرتكابه له بأدلة قاطعة، "وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" (النجم: 28).
(ه) لا يجوز تجاوز العقوبة، التي قدرتها الشريعة للجريمة: "تلك حدود الله فلا تعتدوها" (البقرة: 229)، 
(و) من مبادئ الشريعة مراعاة الظروف والملابسات، التي ارتكبت فيها الجريمة درءا للحدود : "ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله" (رواه البيهقي والحاكم بسند صحيح). (ي) لا يعاقب إنسان بفعل غيره: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الإسراء: 15)، وكل إنسان مستقل بمسئوليته عن أفعاله: "كل امرئ بما كسب رهين" (الطور: 21)، ولا يجوز أن تمتد المساءلة إلى ذويه من أهل وأقارب، أو أتباع: "معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون" (يوسف: 79).

5- حق الحماية من تعسف السلطة:

لكل فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" (الأحزاب: 58).

6- حق الحماية من التعذيب:

(أ) لا يجوز تعذيب المجرم فضلا عن المتهم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (رواه الخمسة).
(ب) لا يجوز اجبار الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (رواه ابن ماجه بسند صحيح)

7- حق الفرد في حماية عرضه وسمعته:

عرض الفرد، وسمعته حرمة لا يجوز انتهاكها: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" من خطبة الوداع،. ويحرم تتبع عوراته، ومحاولة النيل من شخصيته، وكيانه الأدبي: "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" (الحجرات: 12)، "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب" (الحجرات: 11).

08- حقوق الأقليات:

الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام: "لا إكراه في الدين" (البقرة: 256).

09- حق المشاركة في الحياة العامة- الحقوق السياسية:

(أ) من حق كل فرد في الأمة أن يساهم في الشؤون التي تتصل بالمصلحة العامة إعمالا لمبدأ الشورى: "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: 38).
 (ب) الشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها. بإرادتها الحرة، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم: "إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقومومني. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم" من خطبة أبي بكر رضي الله عنه عقب توليته الخلافة.

10- حق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير:

(أ) التفكير الحر - بحثا عن الحق - ليس  مجرد حق هو واجب: ".. أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا" (سبأ: 46).
(ب) احترام مشاعر المخالفين في الدين من خلق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم، كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم" 'الأنعام: 108).

11- الحقوق الاقتصادية:

(أ) الطبيعة بثرواتها ملك لله تعالى يحرم فسادها وتدميرها: "ولا تعثوا في الأرض مفسدين" (الشعراء: 183). ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقه في الانتفاع بها: "وما كان عطاء ربك محظورا" (الإسراء: 20).
(ب) الملكية الخاصة مشروعة والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة: "...كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر: 7).
(ج) لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة، "والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم" (المعارج: 24 و 25).
(د) حق الفرد في ترشيد النشاط الاقتصادي، حيث حرم الإسلام الغش بكل صوره: "ليس منا من غش" (رواه مسلم) والاستغلال والتغابن في عمليات التبادل: "ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" (المطففين: 1 و 2). وتحريم الربا، وكل كسب يستغل ضوائق الناس: "وأحل الله البيع وحرم الربا" (البقرة: 275).

12- حق حماية الملكية:

لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال، إلا للمصلحة العامة مع تعويض عادل لصاحبها: "من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" (رواه البخاري). وحرمة الملكية العامة أعظم، وعقوبة الاعتداء عليها أشد لأنه عدوان على المجتمع كله، وخيانة للأمة بأسرها حيث يروى انه قيل من الصحابة يا رسول الله: إن فلانا قد استشهد! قال: كلا! لقد رأيته في النار بعباءة قد غلها. ثم قال: يا عمر: قم فناد: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون - ثلاثا-" (رواه مسلم والترمذي).

13- حقوق  العامل:

(أ‌)- أن يوفى أجره المكافئ لجهده دون انقاص أو مماطلة له: "أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه" (رواه ابن ماجة بسند جيد).
(ب)‌- أن يجد الحماية التي تحول دون غبنه واستغلال ظروفه قال الله تعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه حقه" (رواه البخاري (حديث قدسي)).

14- حق بناء الأسرة:

(أ) الزواج - بإطاره الإسلامي - حق لكل إنسان: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1).
(ب) للزوجين حقوق وواجبات متكافئة قررتها الشريعة "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة " (البقرة: 228).
(ج) لكل من الزوجين - قبل الآخر - حق احترامه، والتقدير: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (الروم: 21).
(د) على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده دون تقتير عليهم: "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله" (الطلاق: 7).
(و) للأمومة حق في رعاية خاصة يروى انه قيل: "يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال (السائل): ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من: قال: أمك: قال: ثم من؟ قال: أبوك" (رواه الشيخان).

15- حق التعليم:

التعليم حق للجميع، وطلب العلم واجب على الجميع ذكورا وإناثا على السواء: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" (رواه ابن ماجة).

16- حق الفرد في حماية خصوصياته:

سرائر البشر وخصوصياتهم محمية، لا يحل التجسس  عليها: "ولا تجسسوا" (الحجرات: 12) ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا المسلمين .. ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه " (رواه أبو داود والترمذي واللفظ هنا له).

17- حق حرية الارتحال والإقامة:

من حق كل فرد أن تكون له حرية الحركة، التنقل من مكان إقامته والعودة إليه: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" (الملك: 15).

18- الحق في الكرامة الانسانية- حق و مبدأ:

تعد الكرامة الانسانية حقا و مبدا جوهريا يجمع بين جميع الحقوق و كل حق يحفظ للإنسان كرامته التي وهبه الله إياها، يعد ضمانه واجبا شرعيا وتعبديا وبالتالي يعد الحق في الكرامة اشمل واوسع الحقوق.
من المبادئ الاعتقادية التي لا يكتمل من دونها إسلام المسلم، الجزم بأن الإنسان مكرم عند الله عز وجل وانه أفضل مخلوق على وجه الأرض ومصدر ضرورة هذا الاعتقاد قول الله عز وجل (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (الإسراء:70). والتأكيد بقوله تعالى (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) يدل على عظم هذا التفضيل.
ومن الواضح بل ومن المؤكد ان تكريم الانسان لا يتم إلا برعاية حقوقه التي فطره الله عليها أي ان تكريم الله للإنسان يستوجب من الافراد والدولة رعاية حقوقه وتيسير السبل الكريمة لاحتياجاته ومصالحه التي أقامها الله له.
فحقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان بالنصوص الصريحة ولايجوز لبشر ان ينزعها.

ثانيا: ضمانات حقوق الإنسان فى الإسلام

لم تكتف الشريعة الإسلامية بتقرير حقوق الإنسان فقط بل جاءت بوسائل لحماية هذه الحقوق وضمان تنفيذها وقد حددت الشريعة ثلاث جهات تتولى القيام بهذا الدور وهي : الأفراد وجماعة المسلمين والدولة.
1- بالنسبة لدور الفرد المسلم ان مجرد قيام المسلم بأداء أمور دينه فيه تكريس وضمان وحماية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لأن هذه الحقوق جزء من العقيدة وليست مجرد، أفكار اخلاقية، او التزامات قانونية، يشجع الناس على القيام بها فالمسلم ينهاه الدين عن قتل النفس والاعتداء على أموال الناس وأعراضهم والتجسس وتتبع عورات الناس..  يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أذى مسلماً فقد آذاني، ومن أذانى  فقد آذى الله".
2- بالنسبة لدور الجماعة في حماية حقوق الإنسان فيتمثل في ان يقوم المسلمون بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- أما دور الدولة الإسلامية في حماية حقوق الإنسان فيتجسد بوجود ثلاثة أنظمة قضائية تحمي الحقوق والحريات: نظام القضاء العادى، ونظام ولاية المظالم، ونظام الحسبة.
أ- القضاء العادى: يتميز هذا النوع من القضاء بالعدالة المطلقة دون النظر إلى صفة أى فرد من الأفراد العاديين
ب- ولاية المظالم- القضاء الاداري- : يقصد بالمظالم ظلم أصحاب النفوذ في الدولة لأفراد المجتمع أو هو ظلم الولاة والحكام  وممثلي الدولة للرعية. فقضاء المظالم يختص بتلقي الشكاوى من الأفراد الذين انتهكت حقوقهم وحرياتهم في مواجهة ظالميهم من أصحاب النفوذ لذلك كان يشترط فيمن يتولى ولاية المظالم أن يكون عظيم القدر، نافذ الأمر عظيم الهيبة كثير الورع.
ج- نظام الحسبة: تقوم الحسبة على أساس الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر وفرضها الله سبحانه وتعالى لقوله فى كتابه الكريم ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ سورة آل عمران – الآية (104)، كما قال تعالى ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ سورة النساء – الآية (114).

ثالثا: مميزات وخصائص حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية

تتميز حقوق الانسان في الشريعة الاسلامية بالخصائص التالية:
1- تنبع – جزء- من العقيدة الإسلامية: إن حقوق الإنسان في الإسلام تنبع أصلاً من عقيدة التوحيد، والله تعالى يأمر بالمحافظة على الحقوق التي شرعها والحرص على الالتزام بها فحقوق الإنسان في الإسلام تنبع من التكريم الإلهي للإنسان بالنصوص الصريحة.
- منح إلهية: إن حقوق الإنسان في الإسلام منح إلهية منحها الله لخلقه، فهي ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمن بها عليه ويسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق قررها الله للإنسان.
3- شاملة لكل أنواع الحقوق والفئات: من خصائص ومميزات الحقوق في الإسلام أنها حقوق شاملة لكل أنواع الحقوق، سواء الحقوق السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. كما أن هذه الحقوق عامة تمنح دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة وحتى حقوق لبعض الفئات التي لم تتحدث عنها القوانين الدولية مثل حقوق الجار.
4- ثابتة ولا تقبل الإلغاء أو التبديل أو التعطيل الا لمبرر شرعي: من خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ثابثة وغير قابلة للإلغاء؛ لأنها جزء من الشريعة الإسلامية ولاتقبل المساس بها الا لمبرر شرعي.
5- مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية: ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ليست مطلقة، بل مقيدة بعدم التعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وبالتالي بعدم الإضرار بمصالح الجماعة التي يعتبر الإنسان فرداً من أفرادها.

رابعا: مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية:

1- من حيث مصدر الحقوق الإنسانية: مصدر الحقوق الإنسانية في الإسلام هو العقيدة الإسلامية أي ان الإذعان بما للإنسان من حقوق في هذه الحياة الدنيا، جزء لا يتجزء من العقيدة الإسلامية ومن عبودية الإنسان لله ومعنى ذلك أنها اعتقاد و يقين قبل أن تكون ممارسة قانونية او أخلاقية.
إن لمصدر حقوق الإنسان في الغرب مظهرا رائعا على الورق حيث كتبت هذه الحقوق كلها بأبلغ عبارات الرعاية والتقديس، فالقانون هو الحارس الأمين على حقوق الإنسان غير ان القانون يطبق بحسب الرؤى والمصالح السياسية.
2- من حيث الأسبقية: لقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية وهذه الأسبقية دون ضغوط اوحروب، اما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنه الشريعة الإسلامية وقد انتزعت تلك الحقوق بعد حروب مجازر بين الشعوب والحكام –علي المستوي الداخلي - او بعد الحروب العالمية الاولى والثانية –علي المستوي الدولي-
3- من حيث العمق والشمول والكمال: حقوق الإنسان في الإسلام أعمق واكمل لانها تشمل جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه فهي كاملة لان مصدرها الله.
أما حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية فتتميز بالضعف والقصور والعجز لان مصدرها الفكر البشري، والبشر يخطئون ويتأثرون بعجزهم عن إدراك الأمور والإحاطة بالأشياء، وهو أمرتجسد في القانون الوضعي من خلال إصدار عدة وثائق وتعديلات و بروتوكولات تكميلية.
4- من حيث الجزاء إن الحقوق في الإسلام تبلغ درجة الحرمات فالجزاء مزدوج دنيوي واخروي اما حقوق الانسان في القانون الوضعي فالجزاء دنيوي فقط.
5- من حيث الضمانات -التطبيق و التنفيذ: اعتمد الإسلام في مجال حماية حقوق الإنسان على دور الفرد المسلم في احترام هذه الحقوق ثم دور جماعة المسلمين و اخيرا دور الدولة من خلال تحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها وإقامة الحدود الشرعية، للمحافظة على حقوق الأفراد
اما حقوق الإنسان في القوانين الوضعية فضمانها يخضع لارادة الدول وكثيرا ما يتم  التحايل على نصوصها وتطبيقها بازدواجية.

المرجع:


  1. د. شوقي سمير، محاضرات في حقوق الإنسان، جامعة محمد دباغين –سطيف 02، الجزائر، ص14 إلى ص22.
google-playkhamsatmostaqltradent