خصائص عقد الإيجار و تمييزه عن غيره من العقود

خصائص عقد الإيجار و تمييزه عن غيره من العقود

خصائص عقد الإيجار و تمييزه عن غيره من العقود

المطلب الأول: خصائص عقد الإيجار

يمكن أن نلخص خصائص عقد الإيجار فيما يلي:

الفرع الأول: الإيجار عقد رضائي بالأصل شكلي بالتوجه

عقد الإيجار رضائي بالأصل أي إنه لا يشترط لانعقاده أي شكل خاص بل يتم بمجرد تبادل الإرادتين المتطابقتين، وهذا هو الأصل في الإيجارات التي عقدت قبل 1993. غير أن المشرع الجزائري قرّرّ إفراغ عقد الإيجار في شكل معين وذلك بمقتضى نص المادة 21 من المرسوم التشريعي رقم 93- 03، المؤرخ في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري، أي وفق نموذج معين تم تحديده بموجب المرسوم التنفيذي رقم 94-69، المؤرخ في 01/03/1994، المتضمن المصادقة على نموذج عقد الإيجار المنصوص عليه في المرسوم السابق. 
ويترتب على تخلف هذه الشكلية معاقبة المؤجر، دون بطلان العقد طبقا لنص المادة 21 من المرسوم 93-03. ويكون حينها لشاغل المكان البقاء في العين كمستأجر لمدة سنة بعد معاينة المخالفة، شرط أن يكون لديه وصل يثبتبه العلاقة الإيجارية، وهذا دائما حسب نص المادة 21، ولـكن المشرع أخطأ في التعبير عندما ذكر عبارة "انعدام العقد"؛ لأن هذه العبارة تعني أن تخلف الكتابة في عقد الإيجار يعني البطلان، والنص الفرنسي لا يقول نفس العبارة وإنما يقول: "défaut de contrat"، بمعنى أنه لا يترتب على تخلف الكتابة بطلان العقد، وهو ما يتضح في نهاية المادة التي تسمح باستمراره لمدة سنة بالشروط المذكورة أعلاه.
لـكن بموجب القانون رقم 07-05 المؤرخ في 13/05/2007 المعدل والمتمم للتقنين المدني، أصبح إفراغ عقد الإيجار في الشكل الكتابي مطلوبا، ويترتب عن تخلف الكتابة بطلان العقد، وهذا وفق نص المادة 467 مكرر من التقنين المدني، وألغيت الفقرتان 2و3 من المادة 21 من المرسوم التشريعي رقم 93-03 بموجب المادة 08 فقرة 2 من القانون 07-05.
أما بالنسبة للإيجارات المبرمة مع دواوين الترقية والتسيير العقاري فهي عقود شكلية تفرغ في نموذج معد لذلك كما هو مبين في النموذج الملحق بالمـرسوم التنفيذي رقم 76- 147 بالنسبة للإيجارات المبرمة قبل أكتوبر 1992، وطبقا للنموذج المصادق عليه بموجب المرسوم التنفيذي رقم 94-69، بالنسبة للإيجارات المبرمة بعد أكتوبر 1992.

الفرع الثاني: الإيجار عقد معاوضة

حيث يأخذ كل من المؤجر والمستأجر مقابلا لما يعطيه، سواء كان ذلك نقدا أم بتقديم عمل ما. بخلاف عقد العارية الذي يتمكن فيه المستعير باستعمال شيء غير قابل للاستهلاك، مدة معينة دون عوض.
واعتبار الإيجار عقد معاوضة يعني بالأصل أنه عقد دائر بين النفع والضرر، والصبي المميز يكون ناقص الأهلية بالنسبة إليه، وهذا يعطي لتصرفه حكما خاصا سنبينه في حينه، في حين سنرى أن التقنين المدني والنصوص المكملة له تجعل الإيجار عملا من أعمال الإدارة. 

الفرع الثالث: الإيجار عقد ملزم للجانبين

فعقد الإيجار ينشئ التزامات في ذمة طرفيه بمجرد انعقاده؛ فالمؤجر يلتزم أساسا بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، والمستأجر يلتزم بالمقابل بدفع الأجرة.
والتزامات كل من العاقدين هي سبب في التزامات العاقد الآخر، وهذه الالتزامات مرتبطة فيما بينها، فإن بطل التزام أحد الطرفين أو انقضى لأي سبب، بطل التزام الآخر أو انقضى، وكذلك إذا امتنع أحد الطرفين عن تنفيذ التزاماته، جاز للطرف الآخر الامتناع عن تنفيذ التزاماته، أو أن يطلب فسخ العقد.

الفرع الرابع: الإيجار من عقود المدة (زمني أو مستمر)

بالرغم من أن عقد الإيجار يرتب التزامات على عاتق الطرفين فور انعقاده، إلا أن تنفيذها لا يكون إلا خلال مدة زمنية تطول أو تقصر؛ فالزمن عنصر جوهري في عقد الإيجار، وبذلك يختلف عن العقود فورية التنفيذ. وعنصر الزمن مرتبط بعنصر المنفعة وعنصر الأجرة، فالمنفعة لا ٺتصور إلا في الزمان ،والأجرة أيضا تحسب على أساس مدة الانتفاع. كما أن عقد الإيجار من العقود المستمرة التنفيذ، وليس من العقود الدورية (عقد التوريد مثلا)؛ لأن المنفعة فيه تتحقق شيئا فشيئا، وهذا يعني أنه في حالة الفسخ لا يعود المتعاقدان إلى ما كانا عليه سابقا بأثر رجعي، كما لا يطالب المستأجر بالأجرة عن المدة التي لم ينتفع فيها بالعين إذا كان عدم انتفاعه لا يرجع إليه.
ولا يكون عقد الإيجار مؤبّدّاً، بل يجب أن يكون إما محّدّد المّدّةّ وهذا ما اشترطته المادة 2 من نموذج عقد الإيجار، وإما غير محدد المدة إذا لم يتفق المتعاقدان على مّدّ ة معينة؛ فيبرم العقد وفق نص المادة 474 من التقنين المدني، ولـكنه لا يكون أبديًاّ، بل ينتهي وفقا لنص المادة 475 من التقنين المدني.

الفرع الخامس: الإيجار من العقود الواردة على الانتفاع بالشيء

أي إنه يرد على منفعة الشيء دون ملـكيته، أي أنه لا يخوّلّ للمستأجر تملك العين المؤجرة بل منفعتها مدة من الزمن، إذا انقضت عادت العين إلى صاحبها. فهو يختلف عن البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح؛ لأنها عقود واردة على الملـكية، كما يختلف عن الوكالة والمقاولة والعمل والوديعة والحراسة؛ فهي عقود واردة على العمل، ولـكنه يشبه عقد العارية في كثير من الوجوه، ويختلف عنها من وجوه.

الفرع السادس: عقد الإيجار ينشيء التزامات شخصية

فهو لا ينشئ حقا عينيًاّ للمستأجر على العين المؤجرة ،كحق المنتفع مثلا ،الذي له الحق في التصرف في ذلك الحق بالبيع أو التأجير أو الرهن... بل ينشئ حقا شخصيا أي حق مديونية يقتصر على الانتفاع بالعين المؤجرة شخصيًاّ بعد تمكين المؤجر له، وأقصى ما يسمح له به القانون هو التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن بعد سماح المؤجر بذلك؛ ولهذا يعد الإيجار من أعمال الإدارة وليس من أعمال التصرف.

المطلب الثاني: تمييز عقد الإيجار عن غيره من العقود

بالرغم من أن عقد الإيجار له ما يميزه عن غيره من العقود، إلا أن هذا لا يمنع من اشتباهه ببعض العقود في حالات محددة؛ هذه العقود قد تكون عقودا ورادة على الملـكية، وقد تكون عقودا واردة على المنفعة، كما قد تكون عقودا واردة على العمل؛ وهذا ما سنوضحه بشيء من التفصيل من خلال الفروع الآتية.

الفرع الأول: تمييز الإيجار عن العقود الواردة على الملكية

من البديهي أن عقد الإيجار عقد بعيد عن عقود الملـكية، إلا أنه وبالرغم من ذلك، يشتبه معها في مواضع معينة نبينها من خلال عينة من تلك العقود تتمثل في: البيع، القرض، الشركة، إضافة إلى حق الارتفاق.

أولا: الإيجار والبيع

يلتبس الإيجار بالبيع في أنه ليس إلا بيعا للمنفعة، وهو قول "بوتييه"، وهو مأخوذ من الفقه الإسلامي، حيث قال الكاساني بأن معنى الإجارة :"بيع المنفعة لغة، ولهذا سماها أهل المدينة بيعا ً وأرادوا به بيع المنفعة".
فيكون الالتباس بين عقد البيع وعقد الإيجار في حالتين: إذا لم يقع العقد على الشيء في حد ذاته بل على ثماره أو منتجاته، أي أنه لم يقع على مال مادي بل على مال معنوي، أو وصُف بصفتي البيع والإيجار. 
وبعبارة أخرى: يرجع اختلاط الإيجار بالبيع إما إلى طبيعة الشيء المعقود عليه، وإما إلى شروط التعاقد.
الحالة الأولى: في حالة الثمار والحاصلات، إذا اتفق مالٌكٌ لعقارٍ مع آخر على أن يكون لهذا الأخير الحق في أخذ الثمار التي يغُلِهَّاَ العقار أو الحاصلات الموجودة به في مقابل عوض نقدي، فهل يعتبر هذا عقد بيع أم عقد إيجار؟
هناك من اعتبره عقد بيع إذا كانت نفقات قطف الثمار على عاتق صاحب الأرض؛ لأنه مجبر على وضعها تحت تصرف المشتري منفصلة عن الأرض. أما إذا كانت النفقات على الطرف الثاني اعتبر عقد إيجار؛ لأن المستأجر هو الذي يتحمل نفقات استغلال الشيء المؤجر عادة.
ولـكن هذا المعيار غير دقيق؛ لأنه قد يتفق على أن تكون نفقات قطف الثمار على صاحب العقار ومع ذلك يكون إيجارا والعكس صحيح.
وهناك من قال إن الفرق السديد بين العقدين على أساس ما إذا كان العقد واقعا على الثمار، كالتفاح والبرتقال والقمح...أو على الحاصلات، كالحجارة في المحجرة، أو البترول، أو المعادن في المنجم...فإذا كان واقعا على الثمار التي تكون متوفّرّة بشكل دوري دون أن تنقص من جوهر الشيء (العقار)، كان العقد إيجارا، أما إذا كان العقد واقعا على الحاصلات فهو عقد بيع؛ لأن استغلالها ينقص من جوهر الشيء، وقد يؤدي إلى زواله بمرور الزمن. وهذا ما ذهبت إليه المحاكم الفرنسية وبعض الشراح مثل بودري وفاهل.
غير أنه هذا يردّ بالقول إنه لا مانع من أن تتجه نية المالك إلى بيع الثمار ذاتها وليس مجرد تمكين الطرف الآخر من أخذ غلة العين. كما أن الحاصلات يمكن اعتبار العقد بشأنها إيجارا إذا كان أخذ هُا هو الطريق الطبيعي لاستعمال العين.
وهناك من قال بوجوب النظر إلى الآثار التي تترتب على العقد؛ فإن كان من شأنه أن ينقل ملـكية حق ثابت من قبل في ذمة المتصرف فهو بيع، وإن كان ينشئ التزاما في ذمة المتصرف بتمكين المتصرف إليه من أخذ الثمار أو الحاصلات فهو إيجار، لـكن يؤخذ على هذا الرأي أن الآثار المترتبة عن العقد ما هي إلا نتيجة لاتجاه إرادة العاقدين إليها، ومن ثم فالمسألة محصورة في معرفة نية الطرفين.
الحالة الثانية: هي أن يعطي المتعاقدان للعقد صفتين في الوقت نفسه، هما البيع والإيجار، فيكون إيجارا إلى أن يتم الوفاء بالثمن كاملا، ليصبح بعدها بيعا.
فيقوم هنا أحد الطرفين بدفع مبلغ معين بشكل دوري يعد مقابلا لانتفاعه بالشيء، فإن تم دفع الثمن كاملا في المدة المتفق عليها انتقلت إليه ملـكية الشيء ،أما إن لم يدفع الثمن كاملا وجب عليه رد الشيء. ونجد هذا النوع بكثرة عند وكالات السيارات.
والغرض من ذلك غالبا ما يكون لأجل بيع البضاعة مع ضمان عدم التصّرّفّ في الشّيّء قبل الوفاء بكافة الأقساط وإلا اعتبر خيانة أمانة وكذلك للتمكن من فسخ الإيجار عند عدم دفع الأقساط المتفق عليها ،وإمكانية استرداد الشيء في حالة إفلاس مستلمه دون مزاحمة بقية الدائنين بخلاف لو اعتبر العقد بيعا. 
وهنا الفقه الغالب اعتبره إيجارا معلقا على شرط فاسخ وبيعا معلقا على شرط واقف، وهو دفع الأقساط كاملة، فنقضي الإيجار بتحقق الشرط الفاسخ، ويرتب البيع آثاره بتحقق الشرط الواقف، في حين ذهب فريق إلى اعتباره عقد إيجار مقترن بوعد بالبيع.
لـكن المشرع الجزائري حسم الموضوع بنص المادة 363 من التقنين المدني، واعتبر العقد هنا عقد بيع معلق على شرط واقف، وجعل انتقال الملكية معلقا على دفع الأقساط، وقد يتضمن العقد في الوقت نفسه عقد إيجار ووعدا بالبيع. 
غير أن هذا النص يقف أمامه ما جاء في المرسوم التنفيذي رقم 01-105 المحدد لشروط شراء المساكن المنجزة بأموال عمومية في إطار البيع بالإيجار وكيفية ذلك، المعدل والمتمم. وهذا يعود إلى تسمية المشرع له بالبيع الإيجاري، وإلى الخصائص التي تميزه عن عقد البيع.
فقد عرفه المشرع بنص المادة 02 من المرسوم سالف الذكر بأنه :"صيغة تسمح بالحصول على مسكن بعد إقرار شرائه بملـكية تامة بعد انقضاء مدة الإيجار المحددة في إطار عقد مكتوب". 
هذا التعريف يعتبر كصيغة عقدية لواقعة مادية، وليس تعريفا يتضمن تصرفا قانونيا منتجا لآثاره. 
كما أنه عقد يشترط فيه عدة شروط؛ منها ما يتعلق بالمستفيد، ومنها ما يتعلق بمحل العقد، ومنها ما يتعلق بكيفية دفع الثمن.
فالمستفيد يجب ألا يكون مالكا أو قد ملك سابقا عقارا ذا استعمال سكني أو استفاد من مساعدة مالية من الدولة لأجل بناء أو شراء مسكن. كما يجب ألا يكون دخله يزيد عن خمسة أضعاف الأجر الوطني الأدنى المضمون، طبقا لنص المادة 6 من المرسوم 01-105. وألا يزيد عمره عن السبعين( 70) سنة عند تسديد آخر قسط من الثمن.
وفيما يتعلق بمحل العقد، فإن هذا البيع يقتصر على المساكن المنجزة بميزانية الدولة أو الجماعات المحلية، أو بتمويل من البنك أو تمويلات أخرى، وهذا بمقتضى نص المادة 5 من المرسوم التنفيذي 03- 35 المعدل للمرسوم 01-105.
ونجد أيضا أن كيفية دفع الثمن في هذا العقد تختلف عنها في البيع العادي؛ حيث يكون التسديد على أقساط ،تدفع خلال مّدّ ة طويلة تصل إلى خمس وعشرين (25) سنة وفقا لنص المادة 2 من المرسوم 04-340 المعدل للمرسوم 01-105، بعد أن كانت تصل إلى عشرين (20) سنة.
تسدد الدفعة الأولى التي لا تقل عن 25٪ من ثمن المسكن، يمكن أن تدفع على أربع مراحل، وفقا لنص المادة 2 من المرسوم التنفيذي 04-137. أما باقي الثمن فيقسم على المدة المتبقية المتفق عليها طبقا لنص المادة 8 من المرسوم 10-105.
يضاف إلى ما سبق أن انتقال الملـكية في هذا العقد تكون بأثر فوري وليس بأثر رجعي، حيث نصت المادة 11من المرسوم 01-105 على أن ملـكية المسكن تنتقل إلى المستفيد بعد استكمال دفع جميع الأقساط، بعقد رسمي محرر أمام الموثق، ونص المادة 19 الذي قرر أنه: "تنتقل ملـكية الّسّكن المعين وفقا للقواعد المعمول بها بعد تسديد الثمن بكامله". وهذا يعني أنه يختلف عن البيع بالتقسيط الذي ذكره المشرع الجزائري في نص المادة 363 من التقنين المدني، حيث تنتقل فيه الملـكية بأثر رجعي، أي من وقت التعاقد وليس من وقت دفع جميع الأقساط.

ثانيا: الإيجار والقرض

يلتبسان حينما يؤجر شخص مصنعا أو أرضا زراعية مع ما فيها من أشياء ومواد تستهلك بالاستعمال كالبذور والسماد على أن يرد المستأجر مثلها عند انتهاء الإيجار .فماذا نعتبر العقد الوارد على تلك السلع والمواد التي تستهلك بالاستعمال؟
يرى السنهوري هنا أنه يجب أن نفرق بين ما إذا كانت تلك الأشياء الملحقة تعتبر عقارا بالتخصيص أم لا؛ فإن كانت ملحقة بالعقار شملها عقد الإيجار، أما إن لم تكن كذلك فتعتبر داخلة ضمن عقد القرض فتنتقل ملـكيتها إلى المستأجر، ويترتب على ذلك أنه إذا أفلس المستأجر فإن المؤجر لا يمكنه أن يسترد تلك الأشياء بل يتقاسمها مع سائر الدائنين قسمة غرماء.
بينما يرى آخرون مثل بودري وعبد الفتاح عبد الباقي أنه إذا كانت الأشياء ضرورية لتسيير المصنع مثلا كالآلات، فإن عقد الإيجار يشملها، وإن كانت غير ضرورية (ثانوية) كالمواد الخام فيشملها عقد القرض.

ثالثا: الإيجار وعقد الشركة

في عقد الشركة الشيء المشترك يستغله الشركاء، ويقتسمون الأرباح والخسائر، وفي عقد الإيجار المستأجر يدفع أجرة للمؤجر، وهو حر في استغلال المحل المؤجر دون التصرف فيه بالبيع مثلا.
وفي عقد المزارعة مثلا؛ الشريك يقاسم شريكه في صافي جني المحصول لافي المحصول ذاته، أما المؤجر فأجرته تتمثل في جزء من المحصول، ويقتسم الربح والخسارة مع المستأجر(الأجرة نسبة معينة من نفس المحصول).
ومع ذلك قد يلتبس عقد الإيجار مع عقد الشركة في حالة مالك مصنع يؤجر أو يبيع مصنعه لآخر، ويتعهد له أن يقوم بتوريد الآلات اللازمة والطاقة الـكهربائية وغيرهما مما يلزم لسير المصنع، ويدفع كذلك مرتبات العمال شرط تقاضي جزء من إيراد المصنع.
هنا نجد رأيين: الأول تبنته المحاكم الفرنسية تقول فيه إن العقد شركة، فالمالك قدم حصته من المال المتمثل في المصنع وما يلزمه للسير، والشريك قدم حصته المتمثلة في تسيير هذا المصنع.
أما الرأي الثاني فيقول بأن العقد جامع بين البيع والإيجار وعقد العمل.
على أنه يجوز للمؤجر أن يشترط أجرة معينة مع جزء من صافي الربح، والعقد إذن عقد إيجار.
ونعتقد أنه أقرب إلى عقد الشركة منه إلى عقد الإيجار.

رابعا: حق المستأجر وحق الارتفاق

مع أن حق الارتفاق حق عيني يرد على العقار أساسا، وأن عقد الإيجار حق شخصي، إلا أنه قد يلتبس حق الإيجار مع حق المرور إذا منح بمقابل. وهنا إذا منح لمصلحة العقار فهو حق ارتفاق، كأن يمنح صاحب أرض حق مرور لصاحب أرض أخرى تيسيرا له لنقل منتوجاته، نظرا لقرب أرضه من أماكن التخزين، أو لقربها من مناطق الشحن. أما إذا لم يمنح لمصلحة العقار؛ فهو إيجار، كما لو منحت شركة سكك حديدية حق المرور لشركة أخرى على قضبانها فإن العقد هنا يكون هنا إيجارا واقعا على حق مرور.

الفرع الثاني: تمييز الإيجار عن العقود الواردة على المنفعة

لا يعتبر الإيجار العقد الوحيد الوارد على المنفعة بل يشترك مع مجموعة من العقود، أهمها: العارية، حق الانتفاع، الإيجار التمويلي، والإيجار التشغيلي.

أولا: الإيجار والعارية

كل منهما يرد على الانتفاع بالشيء، غير أن عقد الإيجار انتفاع بمقابل، بينما عقد العارية فهو انتفاع دون مقابل أي أنه من عقود التبرع ومع ذلك قد ٺثور الصعوبة في التفريق بينهما عندما تكون الأجرة مستترة فلا يعرف بدقة ما إذا كان هناك مقابل للانتفاع أم لا ومثال ذلك أن يبيع شخص لآخر مسكنا على أن يبقى البائع ساكنا فيه لمدة معينة دون دفع إيجار.
فمن مصلحة البائع أن يعتبر في مدة بقائه مستأجرا حتى يكون التزامه بالمحافظة على العين المؤجرة التزام الرجل العادي، إضافة إلى التزام المشتري (المؤجر) بإجراء أعمال الصيانة والترميمات الضرورية وغيرها من الالتزامات الأخرى المتعلقة بالمؤجر. في حين من مصلحة المشتري أن يعتبر بقاء البائع في المسكن على سبيل الإعارة، وهذا حتى يتملص من التزامه بإجراء الترميمات وأعمال الصيانة... وكذلك كي يقع على عاتق البائع التزام بالمحافظة على العين بمثل الدرجة التي يحافظ بها على ماله، دون أن ينزل عن درجة الرجل العادي.
وغالب الأحيان يكون المتعاقدان قد وضعا في حسبانهما احتساب مدة بقاء البائع في المسكن، و بالتالي إنقاص ما يقابلها من الثمن الكلي لهذا المسكن، ولهذا يكون العقد بعد البيع إيجارا.
غير أن الفقه الحديث يرى أنه عقد بيع فقط، وذلك دون تقسيم الصفقة إلى عقدين؛ فالمبلغ المتفق عليه هو العنصر الأساسي ومدة الّسّكن هي العنصر الثانوي، والعبرة عند الاختلاف أو الاختلاط، الأخذ بالعنصر الجوهري والهام في العقد بمجمله كما أننا لو اعتبرناه إيجارا لكان من الضروري تطبيق أحكام الإيجار لاسيما ما يتعلق بالامتداد القانوني للعقد (بالنسبة للعقود المبرمة قبل 1993).
وقد يحدث أن يشغل شخص خدَمَاً في بيته، ثم يوفر له منزلا أو غرفة فيه أو بجواره ،فهل يعتبر شغل الخادم للمنزل أو الغرفة إيجارا أم عارية؟
إذا كان رب العمل يقتطع من أجر العامل لقاء بقائه في المنزل أو الغرفة، فإن العقد إيجار، ولـكنه مقترن بشرط فاسخ هو خروج العامل من خدمة رب العمل، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار مقدار الأجرة، فإن كانت قليلة فهو عارية لا لإيجاراً؛ أما إن لم يتم ذلك اتفاقا، أو لم يمكن استخلاصه من القرائن اعتبر عارية وهناك من يرى بأنه عقد عمل ما دام أن المسكن إنما أعطي للعامل كجزء من مقابل العمل الذي يؤديه.
كذلك إذا قدمت الدولة لبعض المؤسسات الخيرية مبانٍ للانتفاع بها مقابل إيجار رمزي (تافه)، فهنا يكون العقد عارية ولو سمي إيجارا.

ثانيا: حق المستأجر وحق المنتفع

يختلف حق المستأجر عن حق المنتفع في الأمور الآتية:
- حق المستأجر هو حق شخصي، فيمثل مالا منقولا ولو تعلق بشيء عقاري، فلا يمكن رهنه رهنا رسميا، ولا يلزم شهره إلا استثناء كأن تفوق مدته 9 سنوات أو 12 سنة، بينما حق المنتفع هو حق عيني، ومًن ثم يمكن أن يصبح محلاً لحق الرهن، أو التخصيص، فيكون العقد المنشئ لحق الانتفاع واجب الشهرّ حتى يتم نقل الحق.
- حق المستأجر يفرض على المؤجر التزاما إيجابيا، وِهو تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة ،بينما حق الانتفاع التزامُ مقُررّه التزامٌ سلبي، فلا يلتزم إلا بترك المنتفع ينتفع بالعين.
- حق المستأجر ينتقل إلى الورثة غالبا، أما حق المنتفع فينتهي بوفاته.
- حق المنتفع مصدره أي سبب من أسباب كسب الحقوق العينية كالبيع، الهبة، الرهن الحيازي، الوصية... عدا الميراث، أما الإيجار فمصدره العقد فقط.
- حق الانتفاع قد يكون دون مقابل، أما الإيجار فهو دائما بمقابل.
ورغم هذا قد يلتبس حق المستأجر بحق المنتفع إذا كان مدى الحياة، أو لمدة غير محددة دون بيان اتجاه إرادة الطرفين إلى ترتيب حق إيجار أم إلى ترتيب حق انتفاع؛ فكل من العقدين لا يورث وينتهي بوفاة المستأجر أو المنتفع، غير أنه هنا لا يكون للمستأجر حقا عينيا على الشيء المؤجر.
هنا يجعل سليمان مرقس، والسنهوري ،وعبد الفتاح  عبد الباقي، وغيرهما، من قرينة قصر المّدّة دليلا على أنه إيجار وطولها دليلا على أنه حق انتفاع؛ فإذا أُبرم عقد لمدى الحياة، أو لمدة غير محددة، ثم توفي المتنازل له بعد سنة أو سنتين؛ كان العقد إيجارا. أما إذا توفي بعد مدة طويلة اعتبر حق انتفاع، وقد قضت بعض المحاكم المصرية بذلك.

ثالثا: الإيجار، والإيجار التمويلي والإيجار التشغيلي

يعتبر الإيجار التمويلي "Leasing financier" أو "le crédit-bail"، والإيجار التشغيلي "Leasing opérationnel" نوعين حديثين من أنواع الإيجار؛ إذ يعود ظهور الإيجار التمويلي إلى منتصف القرن الماضي، حيث بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينات، ثم في فرنسا في الستينات لينتشر بعدها في باقي أنحاء العالم. أما التأجير التشغيلي، فنشأ في فرنسا بموجب قانون 12/07/1984 لأجل إنعاش إشغال العقارات دون ارتباط بملـكيتها.
فالإيجار التمويلي، ويسمى في فرنسا crédit – bail، هو إيجار لضمان ائتمان معين، حيث تقوم فيه شركة أو مؤسسة أو بنك بتأجير معدات أو أشياء لجهة معينة ويكون لهذه الأخيرة أحد ثلاثة خيارات: إما رد تلك الأشياء إن وجد بند بذلك في العقد، أو تجديد العقد، أو شراؤها بالقيمة التّجارية لها.
ويختلف الإيجار التمويلي عن الإيجار العادي من عدة جوانب هي:
- أن الهدف من الإيجار التمويلي ليس إنشاء حق شخصي للمستأجر، وهو الانتفاع، بل الهدف هو نقل الملـكية، فيكون الإيجار وسيلة ائتمان لتمويل العملية.
- أن المستأجر ملزم بدفع الأقساط حتى ولو لم ينتفع بالشيء المؤجر، بل لا يمكنه إلغاء العقد قبل نهاية مدته إلا إذا وجد بند في العقد بذلك، ونادرا ما يكون ذلك، فإذا أراد المستأجر إنهاء العقد قبل انتهاء المدة كان عليه أن يدفع جميع أقساط الإيجار المتبقية دفعة واحدة، مما قد يعرضه إلى خطر الإفلاس إذا لم يدفع تلك الأقساط.
- يتحمل المستأجر مخاطر التأجير، ومثالا على ذلك أنه إذا استأجر شخص معدات قيمتها وقت العقد مليون دينار، لمدة ثلاث سنوات، وفي السنة الأخيرة أصبحت قيمتها 1.2 مليون دينار، فإن العميل (المستأجر) يقع على عاتقه دفع ذلك الفرق حتى يتملـكها؛ لأنه يكون من حق المؤجر. وفي الحالة العكسية ،إذا انخفضت قيمة المعدات إلى 800 ألف دينار، فإن عليه دفع مليون دينار للمؤجر لا 800 ألف دينار. كما يتحمل المستأجر نفقات الصيانة وإصلاح العين ،ودفع نفقات التأمين خلال مدة التأجير، بخلاف الإيجار العادي والإيجار التشغيلي، حيث تكون هذه الالتزامات على عاتق المؤجر.
- مدة الإيجار تقارب المدة الافتراضية للشيء المؤجر، بحيث لا تقل عن 75٪ من عمره، ولا يجوز أن تكون قصيرة بالنسبة للعمر الافتراضي له، كما أن قيمة الأقساط الإيجارية التي يدفعها المستأجر يجب ألا تقل عن 90٪ من قيمة الشيء المؤجر.
- قد يكون في العلاقة طرف ثالث وهو المورّدّ – في القانون الأمريكي- (البائع)، حيث يختار العميل (المستأجر) المواد أو المعدات التي يرغب بها ،ليشتريها الممول (المؤجر)، ويؤجرها للمستأجر.
أما التأجير التشغيلي، فهو مشابه للتأجير التمويلي، لـكنه يختلف عنه في أنه لا يمكن للمستأجر أن يتملك الشيء المؤجر، كما أن مدة التأجير فيه تكون قصيرة بحيث تقل عن العمر الافتراضي للشيء المؤجر، يضاف إلى ذلك أن العقد قابل للإلغاء في أي وقت، حيث يحق للمستأجر إلغاءه قبل انتهاء مدته مما يشكل خطرا كبيرا على المؤجر.
أما في القانون الفرنسي، فيكون العقد متضمنا لوعد بالبيع، ويكون الإيجار لمدة معينة بمقابل يدفعه، إلى حين إعلان المستأجر رغبته في الشراء، وهذا المقابل يتضمن مبلغ الإيجار مع مبلغ يقابل الحق الشخصي في نقل ملـكية المال إليه، وإذا لم يتم إعلان الرغبة، فإنه لا يحق للمؤجر أن يحتفظ إلا بنسبة 1٪ من ثمن البيع، أو 3٪ في حالات استثنائية على سبيل التعويض القانوني.

الفرع الثالث: تمييز الإيجار عن العقود الواردة على العمل

أولا: الإيجار والوديعة

رغم أن عقد الوديعة يتضمن تقديم خدمة من شخص أو مؤسسة... لشخص أو جهة معينة، وذلك بحفظ الأشياء التي تودع لديه على أن يرده متى طلبه صاحبه؛ إلا أنه قد يلتبس الأمر بينهما حين يضع شخص أشياء مملوكة له في مكان مملوك لشخص آخر، دون معرفة ما إذا كان العقد إيجارا لهذا المكان أو وديعة لهذه الأشياء، ومثال ذلك: العقد الذي تسمح فيه إدارة أحد المعارض، لأحد الأشخاص، بوضع منتجاته أو بضائعه في مكان معين داخل المعرض وقد قضت بعض المحاكم الفرنسية في هذا الشأن بأنه عقد وديعة وبعضها الآخر بأنه عقد إيجار، وبعض الأحكام جاء فيها بأنه عقد غير مسمى.
والصحيح أننا ننظر إلى التزام إدارة المعرض، فإن كانت ملتزمة بحفظ المعروضات، كان عقد وديعة، وإن تركت حراستها لصاحب المعروضات، كان العقد إيجارا. والأمر نفسه في حالة وضع سيارة في مخزن أو مرآب، أو بضاعة في غرف التبريد، فإن خصص المكان فقط لوضع السيارة، أو البضاعة، فالعقد إيجار حتى ولو كان المكان العام تحت إشراف صاحبه، أما إذا تكفل صاحب المكان أو المرآب أو غرف التبريد بحراسة الشيء والحفاظ عليه، فالعقد وديعة. 
وهناك عقد أثار جدلا فقهيا كبيرا، هو العقد المتعلق بالخزائن الحديدية في البنوكLe contrat de coffre-fort، فكان الفقه السائد-  إلى جانب محكمة النقض الفرنسية- يرى أن هذا العقد هو عقد إيجار للخزانة، فالعميل يقوم بوضع أغراضه في هذه الخزانة دون رقابة، ويأخذ منها ما شاء بمعرفته، مقابل دفع مبلغ دوري، وهو رأيسليمان مرقس، ومنصور مصطفى منصور، والقضاء والفقه الفرنسيين قديما، وهذا راجع إلى أن واضع الأشياء يدفع مقابلا لانتفاعه بالخزانة، كما أن المصرف لا يسأل عن فقد تلك الأشياء بموجب عقد الوديعة بل بموجب المسؤولية التقصيرية أو بموجب عقد الحراسة. كما أنه في عقد الوديعة لا بد للمودع أن يسلم الشيء المودع إلى المودع لديه، ثم يحفظ هذا الأخير ذلك الشيء بمعرفته، وعند تسلمه يجب أن يطلبه منه ليستلمه منه بمعرفته أيضا، في حين نجد هنا أن المودع في هذا العقد يضع أشياءه في الخزانة الحديدية بنفسه، ويأخذها بنفسه دون تدخل من المصرف.
بيد أن الفقه غير نظرته إلى هذا العقد؛ فأصبح يرى أنه عقد حفظ Contrat de garde، وهو من قبيل الوديعة المهنية؛ لأن البنك يلتزم بضمان سلامة الأشياء المودعة، وأن استعمال العميل لخزانة البنك إنمّا هو بحث عن الأمان، لوجود حراسة مشددة في البنوك. كما أن الإيداع يكفي فيه السماح من المودع لديه للمودع بأن يضع أشياءه لديه وباستردادها، وليس شرطا أن يستلمها المودع لديه ويسلمها بنفسه كذلك يمكن أن تكون الوديعة في حافظة مغلقة أو ظرف مغلق وفقا لنص المادة 1931 من التقنين المدني الفرنسي، ولا يشترط معرفة المودع لديه بما تم إيداعه عنده، أما مسألة الأجر فيمكن أن تكون الوديعة مقابل أجر.
وبخصوص مسؤولية المصرف عن ضياع الأشياء بناء على المسؤولية التقصيرية أو بناء على عقد الحراسة، فهي دليل على أنه ليس عقدً إيجار بل عقد وديعة؛ لأن عقدً الوديعة يتضمن واجب الحراسة، وضياع الشيء يعني أن المصرف قصر في واجبه نحو عميله، فتترتب مسؤوليته ولـكنها مسؤولية عقدية لا تقصيرية.
أما أهمية التفرقة عمليا بين العقدين فتكمن في مسألة توقيع دائني العميل الحجز على الأشياء الموجودة في الخزانة؛ فإذا كان وديعة فإن الحجز يكون حجز ما للمدين لدى الغير حجزا تحفظيا على الأشياء المودعة في الخزانة دون القيام بإنذار المدين بالدفع. أما إذا اعتبر إيجارا، كان حجزا تنفيذيا؛ لأن الأشياء موجودة عند المدين نفسه، وهنا يجب أن يقوم الدائن بإنذار المدين بالدفع ثم استصدار سند تنفيذي مما يتيح للمدين، بين تاريخ الإنذار وتاريخ استصدار السند التنفيذي، أن يسترد الأشياء المودعة ويخفيها أو يتصرف فيها بعد التنبيه عليه وقبل توقيع الحجز فعلا؛ فيصبح حجز الدائن عديم الفائدة عمليا.

ثانيا: الإيجار والوكالة

بالرغم من أن الوكالة نوع من النيابة القانونية، وهي إحلال إرادة النائب محل إدارة الأصيل لإبرام تصرف قانوني لحساب هذا الأخير، بينما المستأجر ينتفع بالشيء لحساب نفسه، ومع ذلك قد يلتبس الإيجار بالوكالة في بعض الحالات، كما لو كلف شخص له مبانٍ، شخصا آخر يقوم بتأجير هذه المباني واقتطاع جزء من الأجرة لنفسه مقابل العمل الذي قام به، فهل هذا الأخير وكيل عن المالك في التأجير والقبض، أم هو مستأجر لهذه المباني ثم يقوم بتأجيرها بعد ذلك لحسابه الخاص؟
الأمر منوط هنا بإرادة المتعاقدين، فإن اتفقا على أنه إيجار كان إيجاراً مرتبا لالتزامات متبادلة بن المؤجر والمستأجر، وإن اتفقا أنه وكالة، كان عمل الوكيل لمصلحة صاحب المباني أما إذا لم يتفقا على تكييف العقد، وأشكل الأمر علينا، نظرنا إلى بعض الأمور الأخرى المتفق عليها؛ فإن اتفقا مثلا على أن المالك يحصل على مبلغ معين بغض النظر عن المبلغ الذي يحصل عليه الشخص الآخر من تأجير المباني، كان العقد الأول إيجارا، والعقود التي يبرمها المستأجر مع مستأجرين آخرين تعتبر إيجارات من الباطن، تم الإذن بها من المؤجر الأصلي.
أما إن اتفقا على أّنّ  العاقد الآخر يحصل على مبلغ معين أو نسبة معينة من أجرة المباني، كان العقد وكالة مقابل عمولة يأخذها عن العمل الذي قوم به لمصلحة صاحب المباني، وتقوم  حينها علاقة مباشرة بين المالك والمستأجرين من الوكيل.

ثالثا: الإيجار والمقاولة

المقاولة تمثل تقديم خدمة من شخص أو مصلحة أو مرفق لشخص أو جهة معينة، لقاء أجر أو مقابل، فينتفع متلقي الخدمة بما قدم له؛ لهذا قد يلتبس الأمر بينها وبين الإيجار، فهو يرد على منفعة، ويظهر ذلك حين يرد العقد على عمل أحد المتعاقدين وعلى الانتفاع بشيء يقدمه للمتعاقد الآخر في الوقت نفسه.
كتعاقد المستهلك مع شركة الـكهرباء والغاز، فهل العقد إيجار للمعدات التي تضعها الشركة في منزل المستهلك، أم مقاولة لتمكين المستهلك من الانتفاع بالتيار الـكهربائي والغاز؟
إن عقد المستهلك مع ملتزم المرفق العام هو عقد مقاولة وليس إيجارا في الرأي الراجح فقها، لاسيما وأن المستهلك أصبح الآن هو من يدفع ثمن الجهاز الذي تركبه المؤسسة المتعاقدة؛ وما الأدوات المستعملة إلا وسيلة لتنفيذ عقد المقاولة، وقد نص المشرع المصري على ذلك في المادة 668 من التقنين المدني.
كذلك عقد أحد المتفرجين مع إحدى دور العرض المسرحي، أو دور السينما؛ فالرأي الراجح لا يعتبره عقد إيجار للمقعد، بل عقد مقاولة لتمكين المتفرج من مشاهدة المسرحية أو الفيلم الذي تعرضه الدار على أن اتفاق شخص مع جهة عرض للانتفاع بمشاهدة فيلم معين بإعطائه شريط الفلم، يعتبر إيجارا لا  مقاولة.
والعقد الذي يتفق بموجبه مالك بناء مع أحد الأشخاص على وضع إعلانات على جدران المبنى؛ الرأي الراجح في الفقه أنه إذا قام مالك البناء بعملية وضع الإعلانات وتركيبها بنفسه أو بمن ينوب عنه، كان العقد مقاولة، وإذا قام بذلك صاحب الإعلانات، فإن العقد يكون حينها إيجارا للجدران.

رابعا: الإيجار والعمل

ويلتبس العقدان ببعضهما حينما تعطي مثلا شركة سيارات، سيارة أجرة لسائق يقوم بقيادتها، على أن يعطي للشركة نصيبا معينا، ويأخذ الباقي، فالرأي الراجح هو اعتبار العقد عقد عمل، على أساس أن هناك رابطة تبعية بين الشركة والسائق. أما إن كان السائق غير تابع للشركة فالعقد إيجار.
أما العقد الذي تضع فيه شركة سيارات، سيارة بقائدها تحت تصرف أحد العملاء، فيكون عقد مقاولة – نقل-  إذا لم يبُقِ السيارة عنده فترة طويلة من الزمن حتى أصبح السائق تابعا له، أما إذا استبقاها عنده مّدّة من الزمن، حتى أصبح السائق يتبع العميل، فهو عقد إيجار، فمناط التفرقة هو وجود أو انتفاء التبعية.
وأهمية التفرقة تمكن فيما لو أصاب السيارة عطب، فإن مالك السيارة يكون مسؤولا عن إصلاحها إذا كان العقد عقد عمل ،بينما يكون إصلاحها على عاتق المنتفع بالسيارة على أساس المسؤولية العقدية إذا كان إيجارا.
كذلك إذا تسبب سائق السيارة بضرر للغير، فإن الشركة تكون مسؤولة إن كان العقد عملا، ويكون المنتفع بالسيارة مسؤولا إن كان العقد إيجارا.

الفرع الرابع: تمييز حق المستأجر عن بعض الحقوق المعنوية

هناك بعض الحقوق المعنوية التي قد تشتبه بعقد الإيجار، ومن بينها حق التأليف وحق الاختراع؛ فإذا تنازل مخترع أو مؤلف عن براءة الاختراع أو حق التأليف بمقابل، وكان التنازل عن جميع حقوقه طوال المّدّة التي تقوم فيها هذه الحقوق فإنه عقد بيع، أما إذا تنازل عنها لمدة معينة أو في أماكن محددة، أو تنازل عن بعض الحقوق، فإن العقد إيجار.
كذلك الأمر بالنسبة لرخصة الدفن، فإن كانت مؤقتة والدفن لمدة معينة، فالعقد إيجار، أما إن كانت دائمة، فالحق هنا حق عيني على أنه ليس حق ملـكية، إذ لا يمكن استعماله إلا للدفن.
خلاصة القول أن العبرة بنية المتعاقدين، وظروف التعاقد، والأمر في النهاية مردّهّ إلى سلطة قاضي الموضوع، فله أن يعطي العقد الوصف الصحيح، بغض النّظّر عن المسمىّ الذي يطلقه عليه الأطراف كما له الاستعانة بكافة القرائن للوصول إلى التكييف الصحيح.

المرجع:


  1. د. سمير شيهاني، محاضرات في عقد الإيجار، جامعة آكلي محند أولحاج – بالبويرة، السنة الجامعية 2014-2015، ص11 إلى ص35.
google-playkhamsatmostaqltradent