نشأة وتطور التأمين

 نشأة وتطور التأمين

نشأة وتطور التأمين

الفرع الأول: نشأة التأمين

إن الإنسان يعمل بدافع فطري على حماية نفسه وممتلكاته، ويتخذ كافة الأساليب التي تدفع عنه الضرر وتقلل مصادر الخطر، ويبدل كل ما في وسعه لتوفير الأمان الممكن لنفسه وماله.

ولقد أدى تنوع المخاطر وتكاثرها إلى سعي الإنسان إلى إيجاد وسائل تساعده على تفادي تلك المخاطر وتجنبها وتخفيف آثارها لا سيما أن الإنسان قد لا يستطيع لوحده مقاومة تلك الأخطار التي قد تفوق قدراته الذاتية، وتلك الوسيلة هي التأمين الذي يقوم في صورته المبسطة على فكرة التضامن وتكافل الجماعة لتعويض الضرر الذي يلحق بأحد أفراد تلك الجماعة. وذلك عن طريق جموع الأقساط التي يسددها الأفراد التي تخشى تحقق خطر. ومن ثم فإن التأمين لم يكن وليد المستجدات العصرية فهو موجود منذ زمن بعيد، ولكن تطورت فكرة التأمين مع تطور الحياة بمختلف حالاتها، وإذا  كانت فكرة التأمين ظهرت أولا في مجال النقل البحري لمواجهة مخاطر الرحلة البحرية قبل أن تظهر في غيرها من المجالات، فمنذ أواخر القرن الرابع عشر بدأ التأمين البحري بالانتشار مع انتشار التجارة البحرية خاصة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط والتي كانت تتعرض إلى مخاطر القرصنة بالإضافة إلى المخاطر الطبيعية، فبدأ التفكير في التأمين البحري من خلال ما يعرف بالقرض البحري من أجل ضمان سلعته  كان يقترض صاحب السفينة أو التاجر مالاً مسبقا من مالك رؤوس الأموال ويتعهد له بإرجاعه له زائد فوائد إذا لحقت السفينة بسلام, أما إذا أهلكت هذه الأخيرة فيحتفظ بمبلغ القرض, ومن هذا نلاحظ و كأن مؤسسة التأمين هو مالك المال والمؤمن له هو التاجر, فإذا أهلكت السلعة دفع رب المال التعويض وهو القرض, أما إذا وصلت بسلام يدفع التاجر قسط التأمين وهي الفائدة. أما فيما يخص تقنيين التأمين فكان من طرف المشرع الفرنسي في القرن 17 ويرجع ذلك إلى السياسة التشجيعية للصناعة المنتهجة من طرف الدولة الفرنسية آنذاك, والتي يتطلب بالضرورة تأمين الأخطار التجارية الناتجة عن تصدير السلع المنتجة على البحار والمحيطات, وحذا حذوها كل من انجلترا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا, كما أنشأت أول شركة للتأمين في إنجلترا سنة 1720 في مجال التأمين البحري, بعدما انتشرت عدة شركات في الدول الأوروبية.

أما التأمين البري بصوره وأشكاله الحاضرة فقد ظهر بعد ذلك في القرن السابع عشر، وكان السبب في ظهوره الحريق الذي شب في لندن في عام 1666م ونتج عنه تدمير عدة آلاف من المنازل ونحو مائة كنيسة، فظهر التأمين البري من الحريق.

وبتعاظم رؤوس الأموال في أوربا في القرن الثامن عشر، على اثر نهب الدول الاستعمارية لثروات دول العالم الثالث، وتدخل الآلات الميكانيكية في الصناعة، ظهرت أنواع أخرى من التأمين من أهمها التأمين من المسئولية.

وبازدياد نسبة حوادث العمل، وتجمع العمال في شكل نقابات شكلت قوى ضغط داخل المجتمعات، أدى ذلك إلى ظهور صور متنوعة من التأمينات الاجتماعية التي تقوم بها المؤسسات والهيئات العامة كالتأمين من حوادث العمل والأمراض المهنية.

وبعد ذلك ومع تقدم العمران وازدهار مناحي الحياة في شتى حالاتها، وما واكب ذلك من مشروعات تنموية ضخمة في العالم بأسره زادت أهمية التامين وتطور تطورا هائلا خلال القرن العشرين حيث زادت حجم عملياته وتعددت مجالاته، بسبب تطور الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية وتعقد الحياة الحديثة وزيادة المخاطر فيها فتعددت صور التأمين وأنواعه.

أما التأمين على الحياة فقد تأخر في الظهور إلى القرن التاسع عشر نظراً لتعرضه لهجوم أكثر من غيره من أنواع التأمين الأخرى.

وخلال القرن العشرين تعاظم دور التأمين نظراً لأن الحياة المعاصر مليئة بالأخطار، سواء أكانت ناتجة عن الآلات الميكانيكية والأجهزة الكهربائية أم كانت في صورة تلوث للبيئة، فكل هذا أدى إلى ظهور أنواع أخرى من التأمين من حوادث النقل الجوى والتأمين من حوادث الطاقة النووية … الخ.

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن التأمين بات له أهمية قصوى في الحياة المعاصرة وأمسى له دور بالغ الأهمية في الأنشطة الاقتصادية فتوفير الأمان يؤدى إلى تشجيع الاستثمار.

الفرع الثاني: التطور التشريعي للتأمين في الجزائر

لم تكن الجزائر بمنأى عن أحداث العالم ومستجداته الاقتصادية الملحة، فهي جزء منه تتأثر به وتواكبه وتتناغم معه وعليه عرف قطاع التأمينات في الجزائر تطورات هائلة من القوانين يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:

مرحلة الاحتلال الفرنسي، ومرحلة الاستقلال.

أولا: مرحلة الاحتلال

عرفت هاته الفترة سريان القانون الفرنسي المتعلق بالتأمينات على الجزائر باعتبار أن التعامل معها كان كمقاطعة فرنسية، وأهم القوانين في هذا الشأن هو القانون الصادر في 1930/07/13 والذي تميز بخاصيتين:

- أنه لم يطبق في الجزائر مباشرة وإنما أعلن عن تطبيقه سنة 1933، وذلك بمقتضى مرسوم صدر في 08/10، أعلن بمقتضاه المشرع الفرنسي على سريان قانون التأمينات الفرنسي المذكور أعلاه على الجزائر.

- أن مجال تطبيقه يتعلق بالتأمين البري فقط ، وهذا ما أكدته المادة 01 منه، والتي استثنت من مجال تطبيقه التأمينات البحرية والجوية والمتعلقة بائتمان القروض، وقد تضمن هذا القانون تنظيم التأمينات البرية في قسمين خصص الأول في التأمين على الأضرار والثاني في التأمين على الأشخاص.

- كما أصدر المشرع الفرنسي مجموعة من القوانين المكملة والمتممة لقانون 1930 من أهمها:

- القانون المؤرخ في 1938/06/14، والذي أولى اهتماماً بالغاً لرقابة الدولة على قطاع التأمين البري، وذلك بتحديد المعايير والشروط التي ينبغي توافرها في شركات التأمين للحصول على الاعتماد، خاصة ما تعلق منها بالقدرة الفنية والمالية على ممارسة نشاط التأمين.

- المرسوم الصادر في 1938/12/30 المعدل والمتمم حدد بمقتضاه المشرع الفرنسي طرق إنشاء شركات التأمين والقواعد التي تخضع لها في تسييرها.

حيث بين العمليات التي تقوم بها كل من شركات التأمين المدنية والتبادلية وشركات التأمين التجارية.

كما أصدر المشرع الفرنسي نصوصاً تنظم عقود التأمين التي تبرم في الجزائر فقط، ومن أهمها القانون المؤرخ في 1943/02/27 المتعلق بالتأمين الإلزامي على السيارات والقانون الصادر في 1943/08/10المتعلق بالتأمين الاجتماعي والمرسوم المؤرخ في 1943/04/17 المتعلق بالتأمين على المؤسسات الاستشفائية العمومية والأمر الصادر في 1945/08/04 المتعلق بالتأمين على المحلات العمومية والمرسوم الصادر في 1949/11/04 المتعلق بالتأمين على النقل العمومي للبضائع والمسافرين، وكذا المرسوم الصادر في 1958/12/23 المتعلق بالتأمين على التظاهرات الرياضية، وأخيراً القرار الصادر في 1962/05/05 المتعلق بالتأمين على الجمعيات الرياضية.

ثانيا: فترة الاستقلال

تبدأ هذه المرحلة بصدور أمر في 1962/12/31 القاضي بتطبيق القوانين الفرنسية السارية المفعول قبل الاستقلال، إلا ما كان يتعارض مع السيادة الوطنية أو يكتسي طابعاً تمييزياً، ولقد نجم عن هذا القانون استمرار تطبيق النصوص الفرنسية على التـأمين وخاصة تلك التي تتعلق بتنظيم عقد التأمين الواردة في القانون المؤرخ في 1938/07/18 ومختلف النصوص المكملة والمعدلة التي سبقت الإشارة إليها، كما ورد سريان القانون المؤرخ في 1958/05/27 المتعلق بالتأمين الإلزامي من المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبة البرية ذات محرك (السيارات).

- على الرغم من تمديد سريان القانون الفرنسي إلا أن المشرع الجزائري كان يتدخل بين الحين والآخر لإصدار قوانين مقتضبة تتعلق بقطاع التأمينات ومن الأمثلة على ذلك إصدار القانون المؤرخ في08 أوت 1963 القاضي بإخضاع شركات التأمين الأجنبية الناشطة في الجزائر إلى القانون الجزائري وضرورة الحصول على اعتماد من وزارة المالية الجزائرية بشرط تقديم الضمانات المالية الكافية وفي نفس الإطار أصدر قانون رقم 197/63 المتعلق برقابة الدولة الجزائرية على شركات التأمين العاملة في الجزائر وذلك للحد من ظاهرة تحويل الأموال التي يتم الحصول عليها من الاستثمار في مجال التأمين إلى الخارج باستخدام عملية إعادة التأمين.

- ونتيجة لهذه التدابير توقفت معظم شركات التأمين الأجنبية والتي قدر عددها بحوالي 280 شركة على النشاط في الجزائر، ولم يبق منها سوى شركة واحدة هي شركة التأمين التبادلي أو التعاضدي أعمال التربية والثقافة، وكذلك الشركة الجزائرية للتأمين التي منح لها الاعتماد بعد طلبها بمقتضى قرار صادر عن وزارة المالية في 1936/12/12.

- وفي نفس السياق أصدر المشرع الأمر 127/66 المؤرخ في 1966/05/27 والذي أنشأ بمقتضاه احتكار الدولة لجميع النشاطات المتعلقة بالتأمين بالرغم من هذه النصوص القانونية المقتضبة التي كان يصدرها المشرع الجزائري، بقي قانون التأمينات الفرنسي ساري المفعول إلى غاية صدور القانون المدني بمقتضى الأمر 58/75 المؤرخ في 1975/09/26 والذي خصص فيه المشرع فصلاً كاملاً للتأمين من المادة 619 إلى المادة 646 تناول فيها أحكام تتعلق بعقد التأمين وبأنواعه وأشارت المادة 620 منه إلى القوانين الخاصة التي ستتولى بيان الأحكام التفصيلية لعقد التأمين.

وقد تميزت هذه الفترة أيضا بصدور القانون 74/15 سنة 1974 والذي جعل التأمين على السيارات إجبارية كما نظم التعويض عن الأضرار الجسمانية الناجمة عن حوادث المرور، ثم قانون التأمينات رقم 07/80 المؤرخ 09 أوت 1980 الذي أكد بدوره على احتكار الدولة لعمليات التأمين في مادته الأولى, والذي تميز بثلاثة خصائص.

1- أنه نظم كل أنواع التأمين البري والبحري والجوي.

2- أنه ألغى المواد القانونية المنصوص عليها في القانون المدني المتعلقة بأنواع التأمين وأبقى على الأحكام العامة المتعلقة بعقد التأمين سارية المفعول.

3- كما تميز هذا القانون بتماشيه مع الطابع الاشتراكي للدولة الجزائرية آنذاك، إذا جاء متماشياً مع فلسفتها، وذلك بالإبقاء على احتكار الدولة لقطاع التأمينات.

- بعد صدور دستور 1989 تخلى المؤسس الدستوري على الاشتراكية كمنهج اقتصادي، وأعلن صراحة أنه من حق كل مواطن التجارة والصناعة في إشارة واضحة إلى تخلي الدولة عن مبدأ الاحتكار، فكان من الواجب إعادة النظر في المنظومة القانونية الجزائرية، كاملة والتي صدرت في ظل سريان النظام الاشتراكي، وفي هذا الإطار أعاد المشرع تنظيم التأمينات سنة 1995 بموجب الأمر 07/95 المؤرخ في 1995/01/25 ، والذي تميز بالقضاء على احتكار الدولة لقطاع التأمين، حيث فتح المجال للاستثمار فيه من طرف الخواص، وقد خصص هذا القانون الكتاب الأول منه لعقد التأمين والكتاب الثاني للتأمينات الإلزامية والكتاب الثالث لتنظيم مراقبة الدولة لنشاط التأمين.

- عرف هذا القانون تعديلاً سنة 2006 بموجب القانون 04/06 المؤرخ في 2006/02/21 عدل بمقتضاه أحكاماً مختلفة وعزز جوانب أخرى من أهمها النص على مبدأ تخصص شركات التأمين، وفرض رقابة الدولة على قطاع التأمين.

المرجع:

  1. د. سوالم سفيان، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، جامعة محمد الشريف مساعدية – سوق أهراس-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، الموسم الجامعي 2014-2015، ص4 إلى ص6.
google-playkhamsatmostaqltradent