مواعيد المرافعات

مواعيد المرافعات

مواعيد المرافعات
تلعب مواعيد المرافعات أهمية كبيرة، في مجال إعمال قواعد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فهي إما تلزم القيام بإجراء من الإجراءات أثناء تلك المواعيد، وإما تلزم بالامتناع عن ذلك الإجراء قبل انقضاء هذه المواعيد، وعلى هذا الأساس فالميعاد أو المهلة، قد يثير بعض التساؤل حول لحظة البدء ولحظة الانتهاء؟
وإذا كانت الغاية من مواعيد الخصومة القضائية، تكمن في تنظيم سيرها ومنع إطالة أمدها من جهة، وإتاحة الفرصة للخصوم لتحضير دفاعهم بصورة كافية من جهة ثانية، فهل يمكن لهذه الغاية أن تكرس احترام مبدأ الفصل في الدعوى خلال آجال معقولة، ومبدأ احترام  الحق في الدفاع، ومبدأ التقاضي على درجتين، المنصوص عليها في المواد 03 و06 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وفي مختلف المواثيق الدولية والإقليمية المعينة بحقوق الإنسان؟
وفضلا عن ذلك فما هي الآثار التي تترتب عن تجاوز الميعاد الإجرائي، وتحديدا هل يؤدي إلى زوال الخصومة أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء، وما هي الوسيلة القانونية المستعملة لذلك، أهي الدفع الذي يتم التمسك من خلاله بسقوط الخصومة، وفي حالة الإيجاب هل هو دفع شكلي، وهل يؤدي إلى بطلان الإجراء، ومتى تعلق الدفع بتجاوز مهلة الطعن مثلا، هل يعد دفعا بعدم القبول؟، والإجابة على هذه التساؤلات، تفرض مناقشة  تقسيم المواعيد الإجرائية وكيفية احتسابها وإمكانية زيادتها.

المطلب الأول : معايير تقسيم المواعيد الإجرائية

تختلف المواعيد الإجرائية باختلاف المعيار المعتمد عليه في تقسيمها، فقد يتولى المشرع من خلال النص القانوني تحديد الميعاد القانوني للإجراء ،وبطبيعة الحال فالمعيار هنا يكون قانونيا، وقد يترك المشرع للقاضي سلطة منح الميعاد أو تعديله بالزيادة أو بالنقصان، والمعيار في هذه  الحالة يكون قضائيا.
وفضلا عن ذلك فالمواعيد القانونية، إما أن  تكون مرنة وإما أن تكون جامدة ، كما تكون ناقصة أو كاملة أو حتمية أو تنظيمية ، وبذلك تكون المواعيد أنواع .

الفرع الأول : المواعيد القانونية والقضائية

إذا كنا قد أشرنا إلى أن المقصود بالمواعيد القانونية، يتوقف على المواعيد التي أوجدها القانون وحدد أجلها وأن المقصود بالمواعيد القضائية ، يقتصر على تلك المواعيد التي منح القانون سلطة تحديدها أو تعديلها  زيادة ونقصانا الى القاضي، فان ذلك يعني اختلافهما عن بعضهما البعض، وعلى هذا الأساس فانهما يحتجان إلى معالجة مستقلة.

البند الأول : المواعيد القانونية

ينظر إلى مواعيد المرافعات، على أنها تندرج ضمن المسائل التي يستأثر المشرع بمنحها وتحديد أجلها كأصل عام ، ومن ذلك على سبيل المثال مهلة السنة التي حددها المشرع لرفع دعاوى الحيازة طبقا للمادة 524/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،  المقابلة للمادة 413/2 من قانون الإجراءات المدنية، وبالتالي فان رفع تلك الدعاوى خارج هذا الأجل يجعلها غير مقبولة.
وكذلك الحال بالنسبة لمهلة السنتين  المقررة لسقوط الخصومة، وهي المحددة بالمادة 223 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، المقابلة للمادة 220 من قانون الإجراءات المدنية، وكذلك مهلة العشرين يوما  بين تاريخ تسليم التكليف بالحضور والتاريخ المحدد لأول جلسة ، التي يجب على المحضر القضائي احترامها عند قيامه بتبليغ العرائض الإفتتاحية للدعاوى، طبقا لنص المادة 16/3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي المدة  التي كانت محددة بعشرة أيام بمقتضى نص المادة 26 من قانون الإجراءات المدنية.
يمكن أن يضاف إلى ذلك مواعيد الطعن في الأحكام، كميعاد الشهر المحدد للطعن بطريق المعارضة في حكم أو قرار غيابي طبقا للمادة 329 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،وهو الميعاد المحدد بعشرة أيام بالمادة 98 من قانون الإجراءات المدنية، وميعاد الشهر المحددة للطعن بلاستئناف طبقا للمادة 336 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، المقابلة للمادة 102 من قانون الإجراءات المدنية، وغيرهما من المواعيد المقررة لمختلف طرق الطعن غير العادية، كالطعن بالنقض والتماس إعادة النظر مثلا.

البند الثاني: المواعيد القضائية

قد يخرج المشرع على تلك القاعدة العامة، ويعطي للقاضي سلطة منح الميعاد أو تعديله  زيادة  ونقصانا كتحديده للميعاد الذي تؤجل إليه جلسة الدعوى، إعمالا لنص المادة 264 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  التي أجازت للقاضي تأجيل القضية إلى جلسة لاحقة، متى تعذر  على أحد الخصوم حضور الجلسة، متى رأى أن التخلف عن الحضور مبرر، وكذلك الحال بالنسبة للميعاد  الذي تأمر  المحكمة بتعيينه لحضور من تأمر  إدخاله  في الخصومة، إعمالا لنص المادة 204 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الذي أجاز للقاضي مثلا أن يمنح أجلا للخصوم لإدخال الضامن في الخصومة ، يضاف إلى ذلك أن  لقاضي الإستعجال  في حالات الإستعجال القصوى أن يأمر بتقصير مواعيد التكليف بالحضور، إلى حد اجرائه من ساعة إلى ساعة، إعمالا لنص المادة 301/2  من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
كما تكون للقاضي سلطة منح وتحديد مواعيد، لتبليغ كل ذي مصلحة  لإعادة السير في الدعوى عند انقطاع الخصومة ، بسبب التغيير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم ، أو وفاته أو وفاة  أو استقالة أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي، متى كان التمثيل جوازيا طبقا لنص المادة 211 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وفضلا عن ذلك فللقاضي سلاطة منح وتحديد المواعيد، التي يقدم خلالها الخصوم مذكراتهم، أو التي  يحددها للنطق بالحكم إعمالا لنص المادتين 270 و271 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وغيرها من الحالات المماثلة.
هذا وتجب الإِشارة إلى أن منح القاضي سلطة تقصير بعض المواعيد التنظيمية، التي لا يرتب القانون على مخالفتها جزاء ، فان ذلك لا يسري على المواعيد التي يرتب القانون على مخالفتها البطلان أو السقوط أو اعتبار الدعوى كأن لم  تكن ، فلا سلطة للقاضي في تقصيرها أو الزيادة فيها، وإلا كنا بصدد منح القاضي سلطة إنشاء جزاءات إجرائية، لأن مثل هذه السلطة إنما تكون من اختصاص  المشرع وحده.

الفرع الثاني : المواعيد الجامدة والمواعيد المرنة

إذا كان المشرع هو الذي يتولى تحديد المواعيد القانونية، والقاضي هو الذي يتولى تحديد  المواعيد القضائية، فان ذلك يعني بأن الأولى تتميز بالجمود، عكس الثانية التي تتميز بالمرونة  كأصل عام، ومع ذلك فهي قاعدة تبقى نسبية على الأقل بالنسبة للمواعيد القانونية ، وهي بذلك تحتاج إلى معالجة مستقلة.

البند الأول : المواعيد المرنة

إذا كانت المواعيد القضائية ليست محددة بنص قانوني سابق، وأن المشرع قد أعطى سلطة منحها وتحديدها إلى القاضي بالنسبة لكل خصومة على حدة ، فان ذلك  يعني  بأنها مواعيد مرنة ، وهذه الخاصية هي التي  تسمح بأن تكون قصيرة  أو طويلة ، تبعا لطبيعة الإجراء المطلوب اتخاذه ، حيث يمكن للقاضي أن يمنح الخصم مهلة أسبوع مثلا لتصحيح الإجراء الباطل، إعمالا لنص المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية في خصومة معينة ، وهي مهلة قد تكون كافية على سبيل المثال لتقديم مذكرة ، ترمي إلى استدراك السهو الذي وقع في العريضة الإفتتاحية للدعوى بخصوص عدم الإشارة إلى المستندات والوثائق المؤيدة للدعوى، استجابة لنص المادة 16/06 منن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
وقد يمنح لغيره في خصومة مماثلة، مهلة  أكثر لترجمة تلك المستندات أو الوثائق إلى اللغة العربية،  نزولا عند حكم المادة 08 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقد يمنح القاضي في خصومة أخرى في المواد المستعجلة مهلة أقل، قد لا تزيد عن ساعة لتبليغ الممثل القانوني أو  الإتفاقي للخصم، عملا بأحكام المادة 301/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومن دون أن يشكل الاختلاف في تلك المواعيد، مساسا بمبدأ المساواة بين الخصوم.
وفي ظل هذه المرونة، فليس ثمة ما يمنع القاضي من قيامه بتعديل لاحق للمهل التي سبق له منحها  للخصوم، فلو أمر بحضور أحد الخصوم أمامه شخصيا لإستجوابه، وحدد مهلة أسبوع للقيام بذلك الإستجواب، إعمالا لنص المادة 98 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، ثم اتضح له وأن ثمة ظروف تتطلب  استجوابه على الفور، ومن دون حضور خصمه ومواجهته له، كان له أن يعدل عن  المهلة السابقة التي حددها، وأمر بسماع ذلك الخصم على الفور في ضوء مقتضيات نص المادة 100 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ومن دون أن يشكل ذلك العدول مساسا بمبدأ المواجهة بين الخصوم.

البند الثاني : المواعيد الجامدة

إذا كانت المواعيد القانونية محددة في القانون، فانها تعد من حيث الأصل مواعيد جامدة، وهي قاعدة نسبية من حيث كونها ورغم النص عليها في القانون ، فإنها قد تكون مهلا مرنة ، ذلك أن مهلة السنة المحددة لرفع دعاوى  الحيازة، ومهلة الشهر المحددة للطعن بالمعارضة أو بالإستئناف تعد مهلا جامدة، لا يجوز للقاضي تعديلها سواء بالزيادة أو بالنقصان، فهي قاعدة لاتسري على مهلة العشرين يوما المحددة  قانونا لإجراء التكليف بالحضور، فللقاضي سلطة تقصيرها أو تحديدها في المواد المستعجلة حتى من ساعة الى ساعة على النحو  السابق بيانه وهي على هذا الأساس تعد مهلا مرنة.

الفرع الثالث : المواعيد الحتمية والمواعيد التنظيمية

يكمن الفرق بين المهل الحتمية والمهل التنظيمية، في كون الأولى قد رتب عنها المشرع جزاءا إجرائيا، وذلك خلافا للثانية التي لم يرتب عنها ذلك الجزء.

البند الأول : المواعيد الحتمية :

تكون المواعيد الإجرائية حتمية، متى تم النص على ترتيب جزاء إجرائي على عدم  مراعاتها، كبطلان التكليف بالحضور الذيلم يحترم أجل العشرين يوما بين تاريخ تسليمه، والتاريخ المحدد  لأول جلسة أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء ، كسقوط الحق إثارة الدفع  بعدم الإختصاص الإقليمي، وسقوط الحق في إثارة الدفوع  الشكلية لعدم تقديمها قبل إبداء أي دفاع في الموضوع ، نزولا عند حكم المادتين 47 و50 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
كما أن مواعيد الطعن في الأحكام ، يترتب عنها سقوط الحق في الطعن، إن لم يقدم في ميعاده القانوني، كما أن ميعاد السنتين المقرر لإعادة السير في الدعوى، بعد صدور الحكم غير الفاصل  في موضوعها ، أو صدور أمر القاضي للخصوم للقيام بالمساعي، في اتخاذ إجراءات مواصلتها،  يترتب عنه سقوط الحق في تجديد تلك الخصومة ، إن لم يتم ضمن ذلك الميعاد القانوني.
وتجب الإشارة هنا إلى أن حتمية المواعيد، لا تعني تعلقها بالنظام العام، يمكن للمحكمة ومن تلقاء نفسها أن تقضي بتوقيع الجزاء المترتب على مخالفتها، بل أن المواعيد الحتمية  قد تتعلق بالنظام العام، كمواعيد الطعن في الأحكام مثلا،وقد لا تتعلق بالنظام العام، لأنها مقررة لمصلحة الخصوم، وبالتالي فتوقيع   الجزاء  المترتب عن عدم احترامها يتوقف على تمسك صاحب المصلحة بتوقيع  الجزاء عند مخالفتها، وهو الأمر الذي يصدق على مهلة السنتين المقررة لإعادة السير في الدعوى، بعد الحكم الصادر قبل الفصل في موضوعها.
وإذا فرض القانون ميعادا حتميا، لرفع دعوى أو طعن أو اتخاذ أي إجراء آخر،  يحصل عن طريق التبليغ كالتظلم المسبق في المواد الجبائية، والتظلم إلى لجنة الطعن المسبق في مجال بعض منازعات الضمان الإجتماعي، فالميعاد لا يعتبر محترما إلا إذا كان التبليغ قد حصل خلاله، وهي مواعيد حددتها المادة 122 من قانون الإجراءات الجبائية والمادة 6 من القانون 83/15  المتعلق بالمنازعات في مجال الضمان الإجتماعي.

البند الثاني : المواعيد التنظيمية

لم يرتب المشرع على المواعيد التنظيمية من حيث الأصل أي  جزاء، كالميعاد المقرر لتبليغ العريضة الإفتتاحية للدعوى، وفقا للمادة 16/3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فهو ميعاد وان كان حتميا، فان لم يجر التبليغ خلاله، فلا وجود لأي جزاء  يمكن توقيعه، ومن تم فليس ثمة  ما يحول دون منح مهلة أخرى للخصم المعني لإجراء التبليغ، وكذلك مواعيد الحضور في اليوم المحدد للجلسة ، فان لم يحضر فيه المبلغ إليه، بما يفيد عدم احترام ذلك الميعاد، فالمشرع لم يقرر له أي جزاء ، لذلك  فلا مانع من تحديد موعد آخر لحضوره .
كما أن ميعاد الثلاثة أيام المحدد لقاضي الإستعجال، لإصدار الأوامر على العريضة بمقتضى نص المادة 310/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم يرتب  المشرع عن عدم إصدار القاضي  للأمر خلاله أي جزاء ، وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من صدور الأمر خارج ذلك الميعاد.
هذا ويلاحظ بأن المشرع وان لم يرتب جزاء البطلان على مخالفة المهل التنظيمية، فانه قد رتب أحيانا جزاء ماليا على مخالفتها، كما هو عليه الحال بالنسبة  لعدم احترام المهلة المحددة لتبليغ الأوراق المقدمة من الخصم في الدعوى لدعم ادعاءاته أو استردادها من الخصم ، والمبلغة إليه طبقا للمادة 71/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
يضاف إلى ذلك أن المهل التنظيمية، لا تتعلق كمبدأ عام باستعمال حقوق إجرائية من قبل الخصوم، بل أنها عادة ما تخاطب غيرهم كالقاضي أو قلم الكتاب أو المحضر، بغرض حثهم على حسن سير الخصومة.

الفرع الرابع : المواعيد الناقصة والمواعيد الكاملة أو المرنة

يميز الفقه في العادة بين المواعيد الناقصة والكاملة.

البند الأول : المواعيد الناقصة

يقصد بالمواعيد الناقصة تلك التي ألزم القانون القيام بالإجراء داخلها أي قبل انقضائها، وهي على هذا الأساس مواعيد ناقصة، لأنه لا يمكن الإستفادة منها بأكملها ،حيث ينتقص منها جزء من الميعاد  يتمثل في الجزء الذي يتخذ فيه الإجراء من جهة كما لا يمكن الإستفادة من اليوم الأخير منها بأكمله، لأنه قد ينقضي بانقضاء مواعيد العمل الرسمية من جهة أخرى.
وبهذا المفهوم فالمواعيد الناقصة تتعلق بمواعيد الطعن في الأحكام، ومواعيد التظلم من الأوامر على العرائض أو أوامر الأداء، ومواعيد إجراء التكليف بالحضور، ومواعيد تبليغ أمر  حجز ما للمدين لدى الغير إلى المحجوز عليه  ومواعيد إقامة دعوى  تثبيت الحجز التحفظي.
ذلك  أنه وان كانت القاعدة العامة، هي أن الطعن بالإستئناف في الأحكام مثلا، يتم خلال ميعاد شهر واحد يسرى من تاريخ تبليغ الحكم، فالطعن بالإستئناف يجب رفعه خلال هذه المدة، وبانقضاء ساعات العمل الرسمي لليوم الثلاثين تنتهي مهلة الطعن.
لذلك فان عدم احترام هذا الميعاد الناقص، يترتب عنه سقوط الحق في القيام بإجراء الإستئناف، وبالنتيجة يكون الإستئناف غير مقبول ، ويعتبر الدفع بعدم القبول في مثل هذه الحالة، هو الأداة القانونية لاعمال جزاء السقوط ويتضح من خلال ذلك، أن معظم المواعيد الإجرائية هي مواعيد ناقصة، لأن المشرع يهدف من خلالها إلى دفع صاحب الحق في الإجراء إلى السرعة في ممارسته،  لتفادي تعطيل الفصل في الدعوى، وهو هدف يتماشى ومبدأ الفصل في الدعوى خلال آجال معقولة المنصوص عليه في الإتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، وبنص  المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

البند الثاني : المواعيد الكاملة

يقصد بالمواعيد الكاملة، تلك المواعيد التي يجب انقضاؤها قبل مباشرة الإجراء ، وهي بهذا تكون مواعيد  كاملة لا يجوز حصول الإجراء إلا بعد انقضاء اليوم الأخير من الميعاد، فالمواعيد التي حددها القانون للحضور أمام المحكمة، لا يجوز فيها للأطراف القيام بإجراء الحضور إلا بعد انقضائها كاملة .
ولعل غاية المشرع من هذه المواعيد تكمن في تهيئة الوقت الكامل للخصوم، حتى يتمكنوا من إعداد أوجه دفاعهم، وهي غاية تتماشى كذلك ومبدأ الحق في الدفاع المكرس في مختلف الإتفاقيات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان، وبنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .

المطلب الثاني : كيفية حساب المواعيد

قد لا يكفي تقسيم المواعيد القانونية وفقا لتلك المعايير المختلفة لأعمالها على الوجه الأكمل بل أنها تحتاج إلى بيان كيفية حسابها بالنظر إلى وقت بدايتها ووقت نهايتها.

الفرع الأول : لحظة  بداية المواعيد القانونية

مع أن المشرع قد أولى للمواعيد أهمية كبيرة، فالسؤال الذي يثار بشأنها يدور حول معرفة لحظة بدايتها؟
وللإجابة على هذا السؤال ثمة قاعدة عامة تفيد، بأن الميعاد يبدأ من اليوم الموالي أو الساعة الموالية لليوم أو الساعة التي حدث فيها الأمر، المعتبر في نظر القانون مجريا للميعاد.
وتفصيل ذلك أن الميعاد قد يكون مقدرا بالساعات أو بالأيام أو بالشهور أو بالسنة، لذلك فمتى  كان مقدرا بالأيام والشهور والسنة ، فانه  لا يحتسب بالنسبة  للمواعيد الناقصة اليوم الذي تم فيه  العمل، أو تمت فيه الواقعة المتعد به في بداية لميعاد ، بل يبدأ حسابه من اليوم الموالي للعمل أو الواقعة، ومن ذلك أن ميعاد الطعن بالمعارضة على سبيل المثال هو شهر واحد، والأمر  المقرر لهذا الميعاد كقاعدة  عامة، هو تبليغ الحكم المعارض فيه، لذلك فلا يعتد باليوم الذي تم فيه التبليغ لبداية حساب مهلة الشهر ، بل أن حساب هذه المدة يبدأ من اليوم الموالي ليوم التبليغ، وعلى هذا الأساس، فلو حصل التبليغ في أول مارس مثلا، فان ميعاد الشهر يبدأ حسابه من الثاني مارس.
وقد لا يختلف الأمر حينما يكون الميعاد مقدرا بالأيام ، فان كان الميعاد المحدد لإصدار أمر على ذلك عريضة هو ثلاثة أيام، والأمر الجاري بمقتضى المادة 310/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لهذا الميعاد كقاعدة عامة هو يوم تقديم الطلب، لذلك فلا يحسب هذا اليوم الذي قدم فيه الطلب، بل يبدأ الحساب من اليوم  التالي له، وعلى  هذا الأساس وأخذا بنفس المثار السابق، فلو قدم الطلب في أول مارس، فان ميعاد الثلاثة أيام يبدأ من اليوم الثاني  لشهر مارس.
وكذلك الحال بالنسبة للمواعيد المحددة بالساعة، كما هو عليه الحال بالنسبة لمواعيد التكليف بالحضور من ساعة الى ساعة في حالة الإستعجال القصوى، طبقا للمادة 301/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالساعة التي يحدث فيها العمل، أو الأمر المعتبر في نظر القانون مجريا للميعاد لا تحتسب منه، بل أن  الميعاد  يبدأ من أول الساعة التالية ، فلو حدث التبليغ  مثلا في الساعة العاشرة صباحا، فان الميعاد يبدأ حسابه من بداية الساعة الحادية عشر صباحا.

الفرع الثاني : لحظة نهاية المواعيد

إذا كان اليوم أو الساعة التي يحدث فيها الأمر المجرى للمعياد، لا يعتد به ولا يدخل في حساب المواعيد، فان الساعة أو اليوم الذي يعتد به في انتهاء  الميعاد، هو الساعة الأخيرة أو اليوم الأخير، فحينما يكون الميعاد محددا بالأيام وكان ميعادا ناقصا، أي الميعاد الذي يتعين القيام بالإجراء خلاله ، فانه ينتهي بانتهاء ساعة الدوام الرسمي لليوم الاخير فعندما يكون الميعاد محددا بثلاثة أيام، حسب الحالة  المماثلة ، بخصوص إصدار أمر على ذيل عريضة، ابتداء من ميعاد تقديم الطلب، وحدث وأن قدم هذا الطلب في أول مارس على النحو  السابق بيانه، يبدأ من اليوم الثاني من شهر مارس ، وهو بذلك ينتهي بانتهاء وقت الدوام الرسمي  لليوم الرابع من شهر مارس، حيث هذا  اليوم هو اليوم المتمم  لميعاد الثلاثة أيام، وهو يوم يدخل في حساب الميعاد.
وكذلك يكون الحال بالنسبة للمواعيد الكاملة، أي تلك التي  يجب انقضاؤها  قبل القيام بالإجراء ، فهي مواعيد تنقضي بانقضاء الساعة الأخيرة من الدوام الرسمي لليوم الأخير منها ، فعندما نكون بصدد ميعاد تقديم تظلم  في المادة الإدارية، إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار الإداري المطعون فيه،  بالإلغاء  أو التفسير أو عدم  المشروعية إعمالا  لنص المادة 830/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وهو ميعاد محدد بشهرين للجهة الإدارية للرد عن التظلم ، أو سكوتها عن ذلك من وقت تقديم التظلم ، وحصل التظلم  مثلا في أول مارس ، وبدأ الميعاد كما رأينا من قبل في الثاني مارس ، فان مهلة الشهرين لرد  الجهة  الإدارية أو سكوتها عن الرد، تنتهي في اليوم  المقابل من شهر ماي أي الثاني منه ، وبذلك لا يجوز اتخاذ إجراء رفع الدعوى ، إلا ابتداء من يوم الثالث من شهر ماي أو بعد ذلك.
و إذا كان الميعاد محددا بالسنين، كميعاد رفع دعوى الحيازة مثلا، فانه ينتهي بانتهاء اليوم المماثل لليوم الذي حدث فيه الأمر المجري للميعاد، وهو هنا  الإعتداء، فعندما يقع الإعتداء في الحالة المماثلة يوم أول مارس مثلا، فان الميعاد ينتهي بانتهاء وقت الدوام  الرسمي، لليوم الأول من شهر مارس  من السنة التالية.
وفيما يتعلق بالميعاد  المحدد  بالساعات ، فحساب الساعة التي ينقضي  بها الميعاد، تتحدد بالميعاد الذي تنقضي فيه الساعة الأخيرة منه، فلو كان الميعاد المحدد لإجراء التكليف بالحضور في المواد المستعجلة، قد تم تخفيضه إلى أربع  وعشرون ساعة، وقد تم إجراء التكليف بالحضور  على الساعة العاشرة والنصف مثلا ، وبدأ سريان الميعاد من أول الساعة الحادية عشر ، فان نهاية ميعاد الأربع وعشرون ساعة، ينتهي بانتهاء الساعة الحادية عشر من اليوم التالي.

المطلب  الثالث : عوارض المواعيد الإجرائية

 ثمة عوارض تعتري المواعيد القانونية فتتسبب في امتدادها، لاسيما ما تعلق منها بالمسافة وبالعطل الرسمية.

الفرع الأول : امتداد المواعيد بسبب المسافة

 قد يقتضي الحضور إلى المحكمة، أو لمباشرة إجراء من الإجراءات، كالمعارضة و الإستئناف والتماس إعادة النظر والطعن بالنقض، انتقال الشخص بنفسه إلى المكان المحدد لحضوره ، أو المكان الذي يتخذ فيه الإجراء، وهو تنقل من شأنه استنفاد جزء من الميعاد الأصلي، المحدد للشخص للحضور أو للقيام بالإجراء ، وهو أمر يؤدي ولاشك إلى تمييز الخصم المقيم بمكان الحضور أو مكان اتخاذ الإجراء ، على الخصم الذي لا يقيم بذلك المكان، لاسيما بالنسبة للمقيمين خارج الوطن، وهو تمايز من شأنه الإخلال  بمبدأ المساواة  بين الخصوم ، فضلا عن إخلاله بنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي كلفت حق الخصوم في الإستفادة أثناء الخصومة من فرصة متكافئة لعرض طلباتهم ووسائل دفاعهم .
لذلك وتحقيقا لمبدأ المساواة فيما بين الخصوم،وتمكينا لهم من  الإستفادة الكاملة من الميعاد، الذي يقصد به تهيئة فسحة زمنية مقدرة وفقا لمقتضيات  الإجراء الواجب القيام به ، حتى يتمكنوا من الإنتقال  أو التروي وإعداد  طلباتهم وأوجه دفاعهم وفقا لمتطلبات الإجراء ، نجد بأن المشرع قد قرر أحيانا زيادة ميعاد المسافة إلى الميعاد الأصلي لاسيما بالنسبة للمقيمين في الخارج . 
وتجسيدا لتلك المبادئ نصت المادة 404 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن:
(تمدد  لمدة شهرين آجال المعارضة والتماس إعادة النظر والطعن بالنقض المنصوص عليها في هذا القانون للأشخاص المقيمين خارج الإقليم الوطني).
ومع ذلك فان إعمال هذا النص، قد يثير بعد الإشكالات من عدة أوجه :
الأول: يتعلق بالقاعدة العامة لميعاد التبليغ
أن الميعاد المقرر بمقتضى هذا النص كقاعدة عامة، هو شهران تسري من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار المطعون فيه، يستوي في ذلك  أن يكون موطن المبلغ له في الخارج موجودا في دولة قريبة من  الجزائر ،كالمغرب وتونس مثلا أو بعيدة عنها كإندونيسيا أو البرازيل أو غيرهما، وعلة ذلك تكمن في كون تطور المواصلات بين الأقطار جميعها أصبحت تقتضي عدم التفرقة فيما بينها .
الثـاني : يتعلق بعدم جواز الجمع بين ميعاد المسافة والميعاد المقرر لإجراء التبليغ
يقتضي تطبيق هذا النص عدم جواز الجمع بين ميعاد المسافة لمن كان موطنه  في الخارج، والميعاد المقرر لإجراء التبليغ داخل الجزائر، لذلك فمن يقيم  في الخارج وحضر إلى الجزائر ، فلا يمكن إفادته سوى بميعاد الشهرين المقرر قانونا.
الثالث : يتعلق باقتصار العمل بهذا الميعاد على المقيم بالخارج
 من مقتضيات العمل بهذا الميعاد، أنه  لا يطبق  على المقيم بالخارج الممكن تبليغه بالجزائر أثناء وجوده بها، فيتعد في هذه الحالة بالميعاد الأصلي المقرر للتبليغ داخل الجزائر ، على أن يتم التبليغ في هذه الحالة لشخص المطلوب تبليغه، وذلك من دون الإخلال بسلطة المحكمة في تمديد تلك المواعيد، على ألا يتجاوز التمديد مهلة الشهرين في جميع الأحوال
الرابع : يتعلق بسلطة المحكمة في انتقاص الميعاد
على الرغم من أن التبليغ يكون قد حصل للشخص المبلغ في الخارج، فان ذلك لا يحول دون إعمال قاضي الإستعجال في استعمال سلطته، وإنقاص ميعاد الشهرين لضرورات الإستعجال من جهة، ولسهولة  المواصلات من جهة أخرى، على أن يبلغ المعلن إليه بأمر المحكمة في هذه الحالة مع الورقة المبلغة.
الخامس : يتعلق بحالة وجود موطن بالجزائر وآخر بالخارج
إذا كان للشخص موطن أصلي في الخارج، وله موطن خاص ومختار في الجزائر، وتم تبليغه بأحدهما على النحو الذي يجيزه القانون، فان الميعاد الذي يعتد به في هذه الحالة، هو الميعاد الجاري به العمل داخل الجزائر، وتظهر أهمية إعمال هذه القاعدة، عند تبليغ  الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، سواء تم  التبليغ لوكيلها العام أو الخاص أو النائب عنها أو لأي فرع من فروعها حسب الحالة.

الفرع الثاني : امتداد الميعاد بسب العطلة الرسمية

نصت المادة 405 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه: (إذا كان اليوم  الأخير من الأجل ليس يوم عمل كليا أو جزئيا، يمدد الأجل إلى أول  يوم عمل موالي)، فيما نصت الفقرة الأولى من نفس المادة على أن: ( تحسب كل الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة ، ولا تحسب يوم التبليغ أو التبليغ الرسمي، ويوم انقضاء الأجل).
و بمقتضى هذا النص فالميعاد الممنوح للقيام بالعمل الإجرائي خلاله ، يجب أن تكون الإستفادة منه كاملا ، الأمر الذي  يقتضي إتاحة  الفرصة ، لمن تقرر الميعاد لمصلحته، في أن يتروى ويستطيع القيام بالعمل الإجراء في أي يوم من أيام سريان الميعاد.
أما إذا  كان اليوم الأخير هو يوم عطلة رسمية، كأيام الأعياد الرسمية الوطنية منها أو الدينية، أو أيام الراحة الأسبوعية ، فان استفادة الكاملة  للمبلغ إليه من الميعاد ، يقتضي تعويضه عن أيام العطل، وذلك بتمديد الميعاد بقدر هذه الأيام، أي تمديده  إلى أول يوم عمل موالي.
وخلافا لذلك فالمشرع وبمقتضى نص المادة 405/2، التي نصت على أنه: (يعتد بأيام العطل الداخلة  ضمن هذه الآجال عند حسابها)، لم يسمح بتمديد الميعاد بسبب العطلة الرسمية، التي تقع داخل الميعاد ، لأنه لا يمكن للخصم  أن يقع بسببها في موقف حرج، وهذا خلافا  للعطلة  الرسمية التي تقع في آخر الميعاد، لذلك وأمام توقف الجهات القضائية عن العمل أيام  العطل الرسمية، يكون المشرع بتمديده الميعاد إلى أول يوم عمل يلي العطلة، قد مكن صاحب المصلحة من الإستفادة بالميعاد الممنوح له على نحو معقول ، لاسيما اذا ما عرفنا وأن بعض العطل الرسمية، عادة ما يتحدد بشكل مفاجئ (ومن ذلك أن الأعياد الدينية تحسب بالتقويم الهجري ، وعلى أساسه يتم تحديد بداية كل شهر فيه ونهايته في اليوم التاسع والعشرين من كل شهر هجري )، وهو التحديد الذي يكون المشرع، قد اعتمده في تمديد الميعاد إلى أول يوم عمل، إذا صادف آخره يوم عطلة، وذلك بمقتضى المادة 405/4 من:ق.ا.م.ا.
google-playkhamsatmostaqltradent