دور الاتفاقيات والمنظمات الدولية في مجال مكافحة جرائم الفساد

دور الاتفاقيات والمنظمات الدولية في مجال مكافحة جرائم الفساد

دور الاتفاقيات والمنظمات الدولية في مجال مكافحة جرائم الفساد

سايرت الدولة الجزائرية الجهود الدولية لمكافحة الفساد بانضمامها إلى اتفاقية الأمم لمتحدة لمكافحة الفساد بتحفظ بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04/128 عام 2004، وٕإتباعا لذلك عملت على إصدار القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته المؤرخ في 20 فبراير 2006 والذي يهدف إلى دعم التدابير الرامية إلى تعزيز النزاهة في تسيير القطاعين العام والخاص من جهة وعلى تسهيل ودعم التعاون الدولي والمساعدة، وانضمت إلى جميع الاتفاقيات المناهضة للفساد بغرض تكامل أفضل وتعاون أنجع في هذا المجال. 

كذلك، يلاحظ أنّ الجزائر كانت حاضرة على المستوى العالمي، إلا أنها كانت أكثر حضورا على الصعيد القاري، وذلك بمشاركتها الفعالة في بلورة إستراتيجية إفريقية لمكافحة الفساد، فبموجب المرسوم الرئاسي رقم 06 -137 صادقت على اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته المعتمدة في مابوتو بتاريخ 11 يوليو 2003. وصادقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد بموجب المرسوم الرئاسي رقم 14-249 عام 2014، وقامت بإنشاء هيئات للوقاية من الفساد ومكافحته وفقا لإستراتجية مؤسساتية واضحة المعالم تهدف لوضع إجراءات وقائية وعقابية شفافة تتصدرها أولوية وضع حد للفساد وبغية التطبيق الفعال لهذا القانون.

ولم تكتفي الجزائر بالانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، بل ترجمت التزاماتها الدولية بتبنيها لقانون خاص يتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ،إذ قام المشرع الجزائري باستحداث النص التشريعي المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بموجب القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20 فيفري 2006، فقد عمد المشرع الجزائري من خلال القانون 06/01 المتعلق بمكافحة الفساد والوقاية منه إلى التوسع من دائرة صور تجريم هذه الآفة، وذلك بحصرها وتبيانها، ومن ثمّ رصد العقوبات المقررة لها، وذلك كله في إطار خطة وطنية متكاملة الجوانب لمحاربة هذه الظاهرة، ولهذا لم تبقى الجزائر بمعزل عن الحركية الدولية المتعلقة بإجراءات مواجهة الفساد ،وتبعا لذلك، نجد أن المشرع الجزائري أعطى أهمية كبيرة لمكافحة ظاهرة الفساد بكافة أنواعه وفي مختلف مستوياته في إشارة منه إلى خطورة وحساسية الآثار المترتبة عن استفحال وانتشار هذه الآفة المدمرة للمجتمع، أما على الصعيد الإجرائي، فقد تم تعديل قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 06/22 الصادر في 20/12/2006. 

وبما أن النشاط الدولي المتعلق بمكافحة الفساد وٕإرساء دعائم الحكم الصالح يمس الكثير من الجوانب التي تتعلق بعملية تجسيد الشفافية والنزاهة، التي تسعى إلى تكريسها المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية وذلك بتدخلاتها المتكررة في سبيل تحقيق ذلك، فتنصب هذه الدراسة على بحث الأشكال التالي: ما هو الإطار القانوني والآليات التي يمكن من خلالها تم تفعيل التعاون لمكافحة الفساد دوليا وٕإقليميا وحتى داخليا؟، وإلى أي مدى استطاع المشرع الجزائري من خلال المنظومة القانونية الناظمة لمكافحة ظاهرة الفساد مواكبة الجهود الدولية في مجال مكافحة الفساد عند إصداره للقانون 06-01 والقوانين المرتبطة به؟. 

وبغرض توضيح الموضوع ارتأينا إتباع المنهج التحليلي لإجراء دراسة تحليلية دور الاتفاقيات والمنظمات الدولية في مجال مكافحة جرائم الفساد المالي وأثرها على القانون الجزائري والربط بينها، لتبيان مدى تمكن أو إخفاق المشرع في وضع آليات كفيلة لمواجهة الفساد.

للإجابة التساؤل السابق سوف نقسم البحث إلى محورين أساسيين: نبين في الأول التعاون الدولي لمكافحة الفساد بموجب الاتفاقيات الدولية، أما الثاني سوف نتطرق فيه إلى دور المنظمات والمؤسسات المالية الدولية في مكافحة الفساد. 

المطلب الأول: التعاون الدولي لمكافحة الفساد بموجب الاتفاقيات الدولية 

حرص المجتمع الدولي على مكافحة الفساد بإيجاد آليات تعاون تتمثل في إبرام اتفاقيات على الصعيدين الدولي والإقليمي، منها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 واتفاقية الاتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد وكذا اتفاقية الدول العربية لمكافحة الفساد؛ حيث أصبحت هذه الاتفاقيات مصدر أساسي لقواعد مكافحة الفساد على المستوى الدولي والإقليمي، وعليه سوف نتعرض لها تباعا فيما يلي:

الفرع الأول: دور الاتفاقيات الدولية الحكومية لمكافحة الفساد 

إنّ مكافحة الفساد والوقاية منه يتطلب من المجتمع الدّولي إيجاد آليات للتعاون بين الدّول الأطراف للقضاء على هذه الظاهرة، والعمل على محاربتها ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق سن تشريعات لتفعيل تلك الآليات من أجل مكافحة جرائم الفساد وهو ما تجسد من خلال نصي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. 

أولا: إسهام اتّفاقية الأمم المتحدة في مكافحة الفساد 

تم التفاوض على اتفاقية مكافحة الفساد في سبع جلسات عبر فترة امتدت لثلاث سنوات في مكتب الأمم المتحدة في فيينا من قبل ممثلين عن أكثر من مئة بلد، ومن بين أهم قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي سبقت قرار اعتماد اتفاقية مكافحة الفساد، نجد القرار رقم 55/61 المؤرخ في 1 ديسمبر 2000 الذي أنشأ بموجبه لجنة مختصة للتفاوض بشأن صك قانوني دولي فعال لمكافحة الفساد تلاه بعد ذلك القرار رقم 65/186 المؤرخ في 1 ديسمبر 2001 بشأن منع ومكافحة الممارسات الفاسدة، ثم القرار رقم 65/260 المؤرخ في 02 يناير 2002 الذي حددت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية سنة 2003 كأقصى أجل للإعلان عن اتفاقية مكافحة الفساد. 

وقد قام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) بدور الأمانة العامة للمفاوضات ،كما شارك في هذه العملية ممثلون عن منظمات المجتمع المدني بما في ذلك منظمة الشفافية الدولية ،وعقب اختتام المفاوضات في أكتوبر 2003 تم تقديم نص الاتفاقية لإقراره من قبل الجمعية العامة بتاريخ 31 أكتوبر 2003 وبعد إقراره بموجب القرار رقم 58/04 تم فتحه للتوقيع عليه من طرف الدول والمنظمات في مؤتمر خصص لهذا الغرض في مدينة مريدا في المكسيك في الفترة الممتدة من 9 ديسمبر إلى 11 ديسمبر 2003. 

وتم الاحتفاء بيوم 9 ديسمبر الذي يصادف ذكرى التوقيع كيوم عالمي لمكافحة الفساد، وبعد ذلك في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك، وبعد مرور حوالي سنتين دخلت الاتفاقية حيز النفاذ بتاريخ 14 ديسمبر 2005، وحتى تاريخ 1 جانفي 2015، فإن هناك 174 عضو صادق على الاتفاقية تشمل 171 دولة عضو في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى جزر كوك وفلسطين والاتحاد الأوروبي. 

فقد جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لتمنع وتردع الحالات الدولية للموجودات المكتسبة بصورة غير مشروعة ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك استرداد الممتلكات. 

تتضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 إحدى وسبعين مادة، مقسمة إلى ثمانية فصول، تسبقها ديباجة تشرح مدى الحاجة الماسة لاعتماد هذه الاتفاقية تبعا لتنوع أساليب الفساد وتعدد صوره ومساسه بكافة المستويات، وتحث الدول الأطراف على تنفيذ عدة تدابير وإجراءات تهدف إلى الوقاية من الفساد ومنعه وتجريم بعض التصرفات، وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائي الدولي وتوفير آليات قانونية فعالة لاسترداد الموجودات والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات. 

وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان في معرض حديثة عن تبني الأمم المتحدة لتلك الاتفاقية، بأنها: "تقدم مجموعة شاملة من المعايير والتدابير والقوانين التي يمكن لكافة الدول تطبيقها من أجل تعزيز أنظمتها القانونية والتنظيمية لمكافحة الفساد". 

فقد حرصت اتفاقية مكافحة الفساد على مواكبة التغيرات التي شملت جميع النظم سواء إدارية اقتصادية وتكنولوجيا، بغرض وضع أسس ومناهج تتمثل أساسا في التوسيع من دائرة حظر أفعال الفساد، ولقد شملت أطر موسعة من دائرة التجريم، نذكر من أهم هذه الأطر ما يلي: 

- التوسع في دائرة الأفعال التي يشملها التجريم وذلك تبعا لتعدد صور وأنماط الفساد.

- اشتمال الاتفاقية على عدد من الصور التي يمكن أن يقع حولها الاتفاق بالنظر إلى خطورتها، وتبعا إلى الآثار التي يمكن أن تخلفها في شتى المجالات.

- مسائلة الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا أفعالا مجرمة، والمبينة في المادة 16 من الإتفاقية.

- إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية حيث يمكن مساءلتهم وٕإخضاعهم للعقوبات الجنائية أو غير الجنائية.

- إقرار نظام جزائي لمواجهة جرائم الفساد يتسم بالفاعلية من ناحية والتنوع من ناحية أخرى. 

أما عن صور التجريم التي تضمنتها الاتفاقية، فقد شملت على ما يلي: 

الفصل الأول: الأحكام العامة (المواد من 01 إلى 04): أين تم توضيح أهداف الاتفاقية والتعريف بالمصطلحات المستخدمة فيها ونطاقها، وتؤكد الأحكام العامة من خلال نص المادة الرابعة على مبدأي تساوي الدول في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. 

الفصل الثاني: التدابير الوقائية العامة (المواد من 05 إلى 14): وهي مجموعة السياسات العامة الهادفة إلى منع الفساد ويتعين على الدول العمل بها أو تفعيلها، ومن أهم السياسات التي وردت في الاتفاقية إنشاء هيئات مستقلة تضطلع بمكافحة الفساد، وتشمل هذه التدابير كذلك وضع نظم ولوائح تلزم الموظفين العموميين بالإفصاح عن مكتسباتهم من العمل ومن أية أنشطة خارجية أخرى. 

الفصل الثالث: التجريم وٕإنفاذ القانون (المواد من 15 إلى 42): نلاحظ أنّها لم تعرف الفساد ولكنها استعرضت بعض مظاهره التي تعتبر صوار للفساد الواجب على أعضاء المجتمع الدولي الوقاية منه ومكافحته، ومن هذه الصور: غسيل الأموال (المادة 14)، رشوة الموظف العام (المادة 15)، رشوة الموظف الأجنبي (المادة 11)، اختلاس الممتلكات أو تبديدها (المادة 11)، استغلال النفوذ (المادة 12)، إساءة استغلال الوظيفة (المادة 11)، الإثراء غير المشروع (المادة 20)، الرشوة في القطاع العام (المادة 20)، الرشوة في القطاع الخاص (المادة 21)، اختلاس ممتلكات القطاع الخاص (المادة 22)، وٕإعاقة سيرالعدالة (المادة 25). 

فهذه الأمور كلها أدرجت في إطار الفساد وفقا للمادة 63 من اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003. 

الفصل الرابع: التعاون الدولي (المواد من 43 إلى 50): هو أحد أهم المحاور القاضي بتفعيل الاتفاقية ،ويعتبر التعاون الدولي هو الأداة المحركة لهذه الاتفاقية أو حلقة الوصل التي تربط جميع نصوص وأحكام هذه الاتفاقية، ويعمل على استفادة الدول بخبرات بعضها البعض، وفي مجال إنفاذ القانون والتجريم لا غنى عن التعاون الدولي على اعتبار أن جريمة الفساد في ظل مستجدات العقود الأخيرة أضحت تشكل جريمة منظمة تتخطى حدود الدولة الواحدة، وتبعا لذلك، فإن متابعة هذه الجريمة وضبط مرتكبها والسيطرة على عائداته يتطلب بطبيعة الحال تفعيل آليات التعاون الدولي لأن مكافحة الفساد بصورة جدية، يتطلب من الدول الأعضاء إجراء تحقيقات مشتركة وٕإتباع أساليب تحري خاصة كالترصد الإلكتروني وغيره من أشكال الترصد والعمليات السرية. 

الفصل الخامس: استرداد الموجودات (المواد من 51 إلى 59): والمقصود به مجموعة النصوص الإجرائية والتنسيقية الواردة في الفصل الخامس من الاتفاقية، وتهدف هذه النصوص إلى إعادة الأموال المتحصلة عن جرائم الفساد إلى بلدان الأصل التي نهبت منها هذه الأموال من خلال آليات للتعاون بين الدول الأطراف في الاتفاقية. 

الفصل السادس: المساعدة التقنية وتبادل المعلومات (المواد من 60 إلى 62): وتهدف هذه النصوص إلى توجيه الدول إلى ضرورة استحداث وتطوير برامج لموظفيها لمنع الفساد ومكافحته، فضلا عن قيام الدول بدراسة وتحليل اتجاهات الفساد داخل إقليمها وتبادل الخبرات والمساعدات التقنية بين الدول الأطراف. 

الفصل السابع: آليات التنفيذ (المواد من 63 إلى 64): وذلك من خلال إنشاء آلية متابعة وتنفيذ أطلق عليها مؤتمر الدول الأطراف الذي ينعقد بشكل دوري وفقا لنظامه الداخلي، وهو بمثابة منبر عام للدول الأعضاء للتباحث حول أنجع السبل لتنفيذ الاتفاقية وتعزيز التعاون فيما بينها، ويتولى الأمين العام للأمم المتحدة عقد مؤتمر الدول الأعضاء الأول في موعد أقصاه سنة واحدة من تاريخ دخول الاتفاقية حيز النفاذ، ويختص المؤتمر بتسيير الأنشطة التي تقوم بها الدول الأطراف، وتيسير تبادل المعلومات بين الدول الأطراف عن أنماط واتجاهات الفساد وعن الممارسات الناجحة في منعه ومكافحته وفي إرجاع العائدات الإجرامية.

الفصل الثامن: الأحكام الختامية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (المواد من 65 إلى 71): تتناول أحكام تنفيذ الاتفاقية، بحيث تتخذ كل دولة طرف وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها الداخلي ما يلزم من تدابير بما فيها التدابير التشريعية والإدارية لضمان تنفيذ التزاماتها بمقتضى هذه الاتفاقية، وتسوية المنازعات ،والتوقيع والتصديق والقبول والإقرار والانضمام. 

وبهذا تلزم اتفاقية مكافحة الفساد في فصولها الثمانية وموادها الإحدى والسبعين الدول الأطراف بتطبيق تدابير واسعة النطاق ومفصلة لمكافحة الفساد تؤثر على قوانينها ومؤسساتها وممارساتها، وتهدف هذه التدابير إلى تعزيز الوقاية من أفعال الفساد ومعاقبة مرتكبيها. 

وتضم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مجموعة شاملة من أحكام التجريم الإلزامية والاختيارية وتغطي مجموعة واسعة من أعمال الفساد، وتعرض المعاهدة برنامجاً ليس فقط لتنسيق الأحكام الوطنية الجوهرية، ولكن أيضا لضمان الحد الأدنى من الردع من خلال أحكام معينة حول الملاحقة القضائية، المقاضاة والعقوبات في القضايا المتعلقة بالفساد، وبهذا فإن الدول الأطراف في الاتفاقية تكون مضطرة إلى أن تضع كجرائم جنائية رشوة الموظفين العموميين الوطنيين، رشوة الموظفين العموميين الأجانب، الاختلاس وسـوء استعمال السلـطة من الجرائم (المـادة 15 إلى المادة 25). 

ولقد نصت المادة السادسة من هذه الاتفاقية على ضرورة إحداث هيئة أو هيئات لمكافحة الفساد، وذلك بالنص: "تكفل كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وجود هيئة أو هيئات حسب الاقتضاء تتولى منع الفساد... كما تلتزم بوظائفها بصورة فعّالة، كما توفر لها ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين وما يحتاجونه من لوازم لذلك وبغرض مواكبة أحكام هذه الاتفاقية".

وقد اقتضت ضرورة الإشراف على تنفيذ السياسات العمومية المتعلقة بمكافحة الفساد وتنسيقها واعتبارا لكون مكافحة الفساد يتطلب عملا منسقا، النص في إطار هذه الاتفاقية وبخاصة المادة السادسة منها على تكفل كل دولة طرف على إحداث هيئة أو هيئات مكافحة الفساد تتولى السهر على تحقيق عملية التنسيق. 

وحتى تتمكن هذه الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها وبمهامها بصورة فعالة وبعيدا عن أي تأثير غير مستساغ ولا مبرر له من الناحية القانونية والواقعية وضمانا لاستقلاليتها، نصت هذه الاتفاقية على أنه يتعين منحها ما يلزم من الاستقلالية وتمكينها من الموارد البشرية والمادية، كما نصت أيضا على ضرورة إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم وعنوان السلطة أو السلطات التي يمكن أن تساعد الدول الأطراف الأخرى على وضع وتنفيذ تدابير محددة لمنع الفساد وفقا للفقرة الثانية من المادة السادسة من نفس الاتفاقية. 

ثانيا: اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ضد رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية

تضمنت مقدمة الاتفاقية بعض العبارات مفادها أنه بالنظر إلى أن الرشوة هي ظاهرة واسعة الانتشار في المعاملات التجارية الدولية بما في ذلك التجارة والاستثمار، الأمر الذي يستوجب معه الاهتمام البالغ الأهمية أخلاقيا وسياسيا، فالرشوة تقوض الإدارة الجيدة للشؤون العامة والتطور الاقتصادي الدولي والإقليمي والوطني وتشوه قيم المنافسة الدولية، كما أن التواطؤ والحث والتحريض على ارتكاب أي فعل من أفعال رشوة الموظف العمومي الأجنبي أو الإذن له بارتكابها يشكل جريمة جنائية.

ومن بين المبادئ الأساسية التي قامت عليها الاتفاقية هي فكرة أو مفهوم التوسع في المزية التي يمكن أن يتلقاها الموظف العمومي الأجنبي في المعاملات التجارية الدولية وهي تشمل كل مزية مالية أو غير مالية سواء كانت عطية أو غير عطية أو هبة أو هدية أو أي منفعة أخرى يستفيد منها الموظف العمومي الذي يتلقى الرشوة، وقد تكون مادية أو معنوية. 

وقد أحدثت اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ضد رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية بعداً دوليا لظاهرة الفساد الاقتصادي، وبفضل هذه الاتفاقية أصبحت رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية جريمة في منظور القوانين الداخلية للدول المصادقة على هذه الاتفاقية. 

تقوم الاتفاقيّة على خمسة مبادئ أساسيّة، نذكر أهمها: 

1- المعالجة الدولية للفساد: إنّ الوظيفة الأساسية لاتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، توسيع التشريع الجنائي الدولي ضد الفساد، فجاء في ديباجة الاتفاقية على أنه: "...بالنظر إلى أن الرشوة هي ظاهرة واسعة الانتشار في المعاملات التجارية الدولية، بما في ذلك التجارة والاستثمار، الأمر الذي يستوجب اهتمام بالغ الأهمية أخلاقيا وسياسيا، فالرشوة تقوض الإدارة الجيدة للشؤون العامة، والتطور الاقتصادي وتشوه قيّم المنافسة الدولية".

وجاء في نص المادة الأولى فقرة 2 من نفس الاتفاقية أن: "... التواطؤ، بما فيه الحث والمساعدة والتحريض، على ارتكاب فعل من أفعال رشوة الموظف العمومي الأجنبي أو الإذن بارتكابه يشكل جريمة جنائية، وتكون محاولة رشوة الموظف العمومي الأجنبي والتآمر على رشوته جريمة جنائية".

2- التوسيع من فكرة المزية: حسب اتفاقية رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، تم التوسيع من نطاق"المزية"، لتشمل كل مزية مالية أو غير مالية، فالمزية حسب نص المادة الأولى من الاتفاقية تشمل كل عطية أو وعد بها أو هبة أو هدية أو أي منفعة أخرى يستفيد منها المرتشي. 

وتأخذ المزية عدة صور فقد تكون ذات طبيعة مادية مثل المال المنقول أو العقار وقد تكون ذات طبيعة معنوية كترقية مثلا، وقد تكون صريحة أو ضمنية وقد تكون مشروعة أو غير مشروعة كمنح المرتشي مواد مخدرة، وقد تكون محددة أو قابلة للتحديد، ويجب أن تكون المزية غير مستحقة أي ليس من حق الموظف العمومي الأجنبي تلقيها. 

3- التوسيع من صفة الموظف العمومي: إن مفهوم الموظف العمومي الأجنبي وفقاً لاتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب له مدلول أوسع عما هو مستقر في القانون الإداري، والحكمة من ذلك حماية الثقة العامة التي يوليها الأفراد للخدمة العامة ونزاهتها من جهة ومن جهة أخرى إخضاعهم لأحكام النصوص القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد، فاعتبر في حكم الموظف العمومي الأجنبي في جريمة الرشوة حسب المادة الأولى فقرة الرابعة من الاتفاقية المذكورة أعلاه، طوائف معينة من الأشخاص يمكن حصرها في هؤلاء:

- كل شخص يشغل منصباً تشريعياً أو إدارياً أو قضائياً من بلد أجنبي، سواء كان معيناً أو منتخباً.

- أي شخص يمارس وظيفة عامة لصالح بلد أجنبي، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو مؤسسة عمومية.

- وأي موظف أو وكيل لمنظمة دولية.

ثالثا: مدى فعالية أحكام اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في مجال مكافحة الفساد

لقد تم اتخاذ إجراء الرقابة والتقييم عند صياغة أحكام الاتفاقية حول مدى التزام الدول بإدماج نصوص هذه الاتفاقية في النظام القانوني الداخلي للدول، وهذا الإدماج لا يجب أن يتأثر باعتبارات المصلحة الاقتصادية الوطنية، أو التأثير المحتمل على العلاقات مع دولة أخرى، فتنص المادة 12 من الاتفاقية على أنه:  "تتعاون الأطراف على تنفيذ برنامج للمتابعة المنهجية لرصد التنفيذ الكامل لهذه الاتفاقية والتشجيع عليه". 

هذا يعني أن فريق العمل المعني بالرشوة في المعاملات التجارية الدولية التابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يقوم بإعداد تقرير عام لكل دولة عضو صادقت على الاتفاقية بخصوص مدى ملائمة إطارها القانوني الداخلي لأحكام الاتفاقية، ثم يقوم خبراء أحد الدول الأعضاء المصادقة من قبل على الاتفاقية بمناقشة هذا التقرير مع الدولة التي تريد الانضمام لهذه الاتفاقية، وتكون المناقشة في إطار فريق العمل التابع للمنظمة من أجل التقييم والرقابة على مدى احترام هذه الدولة لالتزاماتها، ويظهر ذلك  جلياً من خلال القوانين الداخلية للدول بعد المصادقة على الاتفاقية وصياغة أحكام هذه الأخيرة في تلك القوانين، فعلى سبيل المثال، صادقت فرنسا على الاتفاقية بموجب القانون رقم 595 - 2000 المؤرخ في 30  جوان 2000، الذي يعدل قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية المتعلقان بمكافحة الفساد، الذي أحدث فصل جديد مخصص لمكافحة فساد الموظفين الرشوة الإيجابية في المعاملات التجارية الدولية؛ فهذا التعديل الجديد لقانوني العقوبات والإجراءات الجزائية. ما هو إلى تعبير عن رغبة الدول الأطراف منها فرنسا في مواجهة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألزمت الاتفاقية الدول بضرورة الإسراع في صياغة أحكام هذه الأخيرة في القوانين الداخلية لإضفاء فعاليتها في سبيل مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب. 

كذلك، أحدثت اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ضد رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية بعداً دوليا لظاهرة الفساد الاقتصادي، وبفضل هذه الاتفاقية أصبحت رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية جريمة في منظور القوانين الداخلية للدول المصادقة على هذه الاتفاقية، وكان هدفها محاربة هذه الظاهرة العالمية وتجسيد مبدأ المنافسة النزيهة في المعاملات التجارية الدولية، ولكن الملاحظ أن هذه الاتفاقية تناولت بالتجريم الرشوة الإيجابية فقط، هذا ما يعني أن المؤسسات الاقتصادية والشركات التجارية هي المستهدفة بالتجريم دون الموظف العمومي الأجنبي؛ بحيث تركت تجريم هذا الأخير لاختصاص القوانين الداخلية للدول التي ينتمي إليها الموظف، بهذا حاذت الاتفاقية حذو القانون الأمريكي المتعلق بالممارسات الفاسدة بالخارج. 

الفرع الثاني: الاتفاقيات الإقليمية لمكافحة الفساد

اقتضت خطورة وأبعاد هذه الظاهرة تضافر الجهود لمكافحتها والوقاية منها ،ولعل أهمها الجهود الإقليمية التي ساهمت في وضع السياسات والأسس الكفيلة بصيانة ورعاية وحماية المميزات التي تجمع بين عدد من الدول في إقليم معين.

أبرز هذه الجهود الإقليمية، جهود الإتحاد الإفريقي في مكافحة الفساد، المترجمة من خلال اتفاقية منع الفساد ومكافحته التي جاءت تتويجا لجهودها في التصدي لهذه الظاهرة على مستوى القارة، وكذا الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد لعام 2007.

أولا: اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته لعام 2003 

تمّ اعتماد اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته بمابوتو في 11 يوليو من سنة 2003، صادقت عليها 38 دولة، تميزت هذه الاتفاقية بتنصيب هيئة لمتابعة مدى تنفيذ الاتّفاقية من طرف الدول الأطراف والمتمثل في المجلس الاستشاري حول الفساد داخل الاتحاد الإفريقي، وذلك كثمرة للعديد من الجهود أهمها إصدار التحالف العالمي لأفريقيا (GCA) مبادئ لمكافحة الفساد في 23 فيفري 1999. 

بالإضافة إلى بروتوكول مجموعة التنمية الإفريقية الجنوبية (SADC) ضد الفساد لسنة 2001، وقد حظيت هذه الاتفاقية بموافقة المؤتمر الوزاري للاتحاد الإفريقي الذي عقد بأديس أبابا في سبتمبر 2002، ثم أجازها المجلس التنفيذي الذي عقد بأنجامينا العاصمة التشادية في مارس 2003، وفي الدورة العادية الثانية لمؤتمر الاتحاد الإفريقي اعتمدت اتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته، وقد لاقت الاتفاقية ترحيبا من معظم الدول الإفريقية -38 دولة- ودخلت حيز النفاذ عام 2006. 

لقد تبنت اتفاقية "مابوتو لعام 2003، جملة من المبادئ والأسس لمنع الفساد ومحاربته وتتجلى أساسا فيما يلي:

- احترام المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية وسيادة القانون والحكم الرشيد. 

- احترام حقوق الإنسان والشعوب طبقا للميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والوثائق الأخرى ذات الصلة. 

- الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة. 

- تعزيز العدالة الإجتماعية من أجل كفالة تنمية اجتماعية واقتصادية متوازنة. 

- إدانة ورفض أعمال الفساد، والجرائم ذات الصلة والإفلات من العقاب. 

- تنسيق وموائمة السياسات والتشريعات بين الدول الأطراف لأغراض منع الفساد والمعاقبة والقضاء عليه. 

وفي هذا الإطار أكدت هذه الإتفاقية على أن مكافحة الفساد يقتضي انتهاج سياسة جنائية موحدة لدول الإتحاد وكذا التعاون بينها، وعليه ركزت على موضوعات أساسية لهذا الغرض وتتمثل في تجريم أعمال الفساد، والمعاقبة عليها، وهذا على المستوى الداخلي لكل دولة ثم التعاون ما بين دول الإتحاد لمنع هذا الفساد ومكافحته. 

تهدف هذه الإجراءات إلى منع الفساد وتجريم بعض التصرفات وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائي الدولي وتوفير آليات قانونية فعالة لاسترداد الموجودات والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وآليات لتنفيذ الاتفاقية بما في ذلك مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

عرفت الاتفاقية كلمة الفساد في مادتها الأولى وتعني الأعمال أو الممارسات بما فيها الجرائم ذات الصلة التي تحرمها هذه الاتفاقية، وبموجب الفصل الرابع من اتفاقية مكافحة الفساد يجب على الدول الأطراف أن تساعد بعضها بعضا في مكافحة الفساد بما في ذلك الوقاية والتحقيق وملاحقة الجناة. 

تنص اتفاقية الإتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته في المادة الخامسة منها على أن تتخذ الدول الأطراف التدابير اللازمة لجعل الأعمال المنصوص عليها في الفقرة الأولى من الرابعة من هذه الإتفاقية ،مندرجة ضمن الجرائم الجنائية أي بمعنى آخر تجريمها في قانونها الداخلي، وٕإضافة إلى هذا ،جرمت الإتفاقية تبييض عائدات الفساد ودعت الدول الأطراف لإدراج الأعمال التالية ضمن الأعمال الإجرامية وذلك في قانونها الجزائي. 

ولقد شملت الإتفاقية حتى الفساد الذي يستند إلى الأحزاب السياسية، فنصت المادة العاشرة منها على أنه: "تقوم كل دولة طرف بإقرار تدابير تشريعية وغيرها من الإجراءات بغية : 

 - تحريم استخدام الأموال المكتسبة عن طريق الممارسات غير المشروعة والفاسدة لتمويل الأحزاب السياسية". 

هكذا تبين لنا أن الإتفاقية هذه، قد توسعت بشأن تحديدها للأفعال المكونة لجرائم الفساد، وٕإستجابة من الدولة الجزائرية لجهود الإتحاد الإفريقي الرامية لمكافحة هذه الأفعال، صادقت على هذه الإتفاقية في سنة 2006 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06 -137 السالف الذكر، وكانت سباقة في تجريمها لأفعال الفساد بإصدارها للقانون رقم 06 -01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث جرمت من خلال الباب الرابع منه العديد من أفعال الفساد كرشوة الموظفين العموميين، والإمتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية وأكدت على تشديد العقوبة في حالة الرشوة في مجال الصفقات العمومية وجرمت أيضا الإختلاس واستغلال النقود وٕإساءة استغلال السلطة والإثراء غير المشروع وتلقي الهدايا وكذا التمويل الخفي للأحزاب السياسية وغيرها من جرائم الفساد مؤكدة في نفس الوقت على العقوبات الشديدة التي تنجر عنها. 

فضلا عن هذه الأساليب المقررة في اتفاقية الإتحاد الإفريقي لمكافحة الفساد ومنعه، نجد أنها قد دعت الدول الأطراف إلى كشف أخطر أوجه الفساد وهي تلك التي تتم من خلال العمليات التجارية الدولية التي لا يكفي للتصدي لها جهود دولة واحدة، وٕإنما لابد من تحقيق التعاون الدولي بشأنها، وهو ما اتجهت إليه الإتفاقية بنصها في الفقرة الأولى من المادة 18 على أنه: "...تلتزم الدول الأطراف بما يأتي: 

1- التعاون مع البلدان الأصلية للشركات المتعددة الجنسيات على إضفاء طابع الجرائم الجنائية ومعاقبة العمولات السرية أو أي شكل آخر من أشكال الممارسات التي تتسم بالفساد خلال العمليات التجارية الدولية ومنعها. 

2- تعزيز التعاون الإقليمي والقاري والدولي لمنع ممارسات الفساد خلال العمليات التجارية الدولية..".  

وأهم إجراء تناولته الإتفاقية وأكدت على إمكانية تحقيقه بالتعاون الدولي، هو إجراء تجميد حسابات الموظفين العموميين التي اكتسبوها عن طريق الرشوة أو الإختلاس أو أية صورة غير مشروعة مع تسهيل عملية إعادتها إلى بلدانها الأصلية. 

ولا شك في أن هذه الإجراء ينطوي على أهمية كبيرة ذلك أنه يقضي على هدف هؤلاء المجرمين ويحرمهم من تحقيقها وكذا تهريبها أو تبييضها، كما يسمح أيضا للدولة من استرجاع هذه الأموال لخزينتها ،وعليه نصت الفقرة الثالثة من المادة 18 من هذه الإتفاقية، على أنه: "تلتزم الدول الأطراف.... تشجيع جميع البلدان على اتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة لمنع الموظفين العموميين من التمتع بالممتلكات التي اكتسبوها عن طريق الرشوة وذلك بتجميد حساباتهم المصرفية في الخارج وتسهيل إعادة المبالغ المختلسة أو المكتسبة بصورة غير شرعية إلى بلدانها الأصلية". 

هكذا تبين لنا أن هذه الإتفاقية، قد توسعت بشأن تحديدها للأفعال المكونة لجرائم الفساد، واستجابة من الدولة الجزائرية لجهود الإتحاد الإفريقي الرامية لمكافحة هذه الأفعال، صادقت على هذه الإتفاقية في سنة 2006 بموجب المرسوم الرئاسي رقم 06-137 سالف الذكر، وكانت سباقة في تجريمها لأفعال الفساد بإصدارها للقانون رقم 06 -01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث جرمت من خلال الباب الرابع منه العديد من أفعال الفساد كرشوة الموظفين العموميين، والإمتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية وأكدت على تشديد العقوبة في حالة الرشوة في مجال الصفقات العمومية وجرمت أيضا الإختلاس واستغلال النقود وٕإساءة استغلال السلطة والإثراء غير المشروع وتلقي الهدايا وكذا التمويل الخفي للأحزاب السياسية وغيرها من جرائم الفساد مؤكدة في نفس الوقت على العقوبات الشديدة التي تنجر عنها. 

هذا، ولقد كانت الدولة الجزائرية سباقة في وضع آليات للتعاون الدولي لمكافحة الفساد ولإسترداد الموجودات، وذلك بموجب القانون رقم 06-01 سالف الذكر، وبالتحديد في بابه الخامس المعنون "التعاون الدولي واسترداد الموجودات"، لتدعم موقفها هذا بعد مصادقتها على اتفاقية الإتحاد الإفريقي لسنة 2003، وذلك بتصديقها على العديد من الإتفاقيات الثنائية للتعاون القضائي ولمكافحة الجريمة بصفة عامة. 

ثانيا: الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد لعام 2007 

أقر مجلس وزراء العرب في 24 أبريل 2007 مشروع اتفاقية عربية لمكافحة الفساد أهدافها تعزيز التدابير الرامية للوقاية من الفساد ومكافحته وكشفه بكل أشكاله، ودفعت جامعة الدول العربية إلى تبني اتفاقية إقليمية خاصة لمكافحة الفساد في 21 ديسمبر 2010. تتضمن الاتفاقية على ديباجة قصيرة و 35 مادة دون تقسيمها إلى فصول موزعة بين 8 مواد بين تعريفات وأحكام عامة وختامية و27 مادة تضمنت أحكام موضوعية وتضمنت كل مادة بنودا عدة تراوحت بين 5 إلى25 بند. 

نصت هذه الاتفاقية على العديد من آليات التعاون الدولي منها:

- التزام الدول بالتعاون في مجال نفاذ القانون ،- المساعدة القانونية المتبادلة ،- التعاون لأغراض المصادرة ، - نقل الإجراءات الجنائية ، - تسليم المجرمين ، - نقل الأشخاص المحكوم عليهم، التحقيقات المشتركة، التعاون في استرداد الممتلكات. 

المطلب الثاني: دور المنظمات والمؤسسات المالية الدولية في مكافحة الفساد

بذلت المؤسسات المالية الدولية جهوداً معتبرة لمكافحة الفساد لاسيما الوقاية منه بتكريس الشفافية المالية الدولية التي تعتبر من ركائز نزاهة الاقتصاد العالمي، تفاديا لانحرافها خاصة وأنها اكتشفت ضياع أموال طائلة التي كانت قد خصصتها كمساعدات مالية للدول النامية بسبب الفساد، وهذا ما سنتعرض له فيما يلي:

الفرع الأول: دور المنظمات والمؤسسات المالية الدولية الحكومية في مكافحة الفساد

ساهم كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بدور جوهري معتبرة لمكافحة الفساد لاسيما، بحيث أصبحت تطبق آليات رقابية وردعية جديدة في متابعة مشاريعها وتنفيذ برامجها، وهو ما سنفصله فيما يلي: 

أولا: مساهمة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مكافحة الفساد 

البنك الدولي هو أحد الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة التي تعنى بالتنمية، وقد بدأ نشاطه بالمساعدة في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. اتفق على إنشائه مع صندوق النقد الدولي في المؤتمر الذي دعت إليه هيئة الأمم المتحدة في جويلية 1944 

1. البنك الدولي ومكافحة الفساد المالي 

يعتبر البنك الدولي من أهم المنظمات الدولية التي ألقيت الضوء على مشكلة الفساد المالي ،وهو من أول المؤسسات الدولية التي وضعت لائحة سوداء بأسماء الشركات التي جُرٌدت من عقود البنك بسبب ضلوعها في ممارسات فاسدة، كما أشار خبراء البنك إلى أن الفساد المالي في الدول النامية أدى إلى ضياع مساعدات مالية وقروض بقيمة تصل إلى تريليون دولار دون أن يستفيد الفقراء من هذه المساعدات ومن خلال هذا أشار البنك إلى ضرورة الالتزام بمعايير الشفافية والمحاسبة من أجل ضمان إنفاق أمثل للأموال، ولقد اعتمد البنك برامج تحقق مساعدة المؤسسات والأشخاص وتساعد في نفس الوقت على الكشف عن ممارسات الغش والرشاوى التي ترتبط بالمشاريع التي يقوم بها البنك أو تلك التي يمولها، كما ركز تقرير التنمية في العالم لعام 1998 والصادر عن البنك على ضرورة الحد من الفساد المالي والإلحاح على ضرورة تكامل الجهود الوطنية والدولية في هذا المجال لأن محاربة الفساد لا يقوم على الصعيد الداخلي فحسب؛ بل الدولي أيضا وذلك يكون من خلال تبني تعريفات ومعايير موحدة من قبل الهيئات والمنظمات الدولية للفساد المالي. 

كما أن البنك الدولي يعد من أكثر الأطراف اهتماما بمكافحة الفساد لكونه من أكبر الجهات الراعية لبرامج تنمية المجتمعات وتمويلها على المستوى الدولي ،فهذا الأخير من أكثر الجهات إدراكا لمخاطر الفساد، ففي دراسة أجراها البنك الدولي وجد أن الفساد يقضي على حوالي 07 بالمئة من الإقتصاد العالمي سنويا، ومن هذا المنطلق فقد أعلن البنك الدولي حملته ضد ما أطلق عليه (سرطان الفساد) وشدد على ضرورة تكامل الجهود الوطنية والدولية في هذا المجال. 

بالإضافة إلى ما سبق، فقد قام البنك الدولي بالعديد من الآليات والإجراءات من أجل مكافحة الفساد والقضاء على الجرائم المالية، ويمكن تقسيمها إلى نوعين هما: 

1. تكمن الإجراءات الوقائية للبنك في كونه يتمتع بنطاق التحرًي واستعمال أساليب قوية تمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة، كما يقوم بتقديم العون للدول من أجل محاربة الفساد، لذلك، فإنه يسعى دوما لإجراء التحقيق بهدف التصدي للإجرام البنكي عموما ومواجهة الفساد خصوصا، كما يقوم البنك الدولي بإجراء مراجعات لحسابات المتعهدين وهي السبيل الوحيد الذي تشكله الرشاوي حيث يتعهدون بمقتضاه منع ممارسة الفساد، كما يقوم بالتوفيق بين المصالح الاقتصادية للدول الفقيرة والغنية وبذل جهد للحد من الفساد والقضاء على الجرائم المالية. 

بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية التي يتمتع بها البنك الدولي نجد أيضا أن هذا الأخير يتمتع باختصاص ردعي من خلال إنشائه دائرة خاصة للقيام بالتحقيق فيما يعتبر سلوكا فاسدا من قبل كل من له علاقة بالمشاريع التي يموُلها البنك، واستبعاد كل من تثبت إدانته من المشاركة في هذه المشاريع، وكذلك مراقبة سلوك المتعهدين الذين يلجئون إلى الرشوة والفساد فكلها تؤثر على سمعة الشركات في الأسواق العالمية. 

2. يتمتع البنك الدولي باختصاص ردعي من أجل الاستجابة السريعة لمقتضيات كشف الفساد وقمعه بالنسبة للمشاريع التي يشترط للبنك تمويلها بحق إلغاء القرض أو جزء منه وكذا بحق رفض الاقتراح المتعلق بتعيين من ترسو عليه المناقصة، مع حقه في التحقيق في المخالفات التي يبلغ البنك بها بالنسبة إلى كل متعهد أو مترشح أو شريك يتهم بمخالفة القواعد التي يفرضها البنك، أما عن الإجراءات الردعية التي قام بها البنك الدولي أنه أعلن عن إقصاء شركة (SNC.LAVALINE.INC) وفروعها لمدة 10 سنوات من كل المشاريع التي يمولها وذلك بسبب الفساد أثناء إنجاز مشاريعها حيث دفعت الشركة أموالا غير مستحقة للموظفين العموميين من أجل الحصول على عقد ممول من طرف البنك الدولي. 

ومن أهم المبادرات التي قام بها البنك الدولي لمكافحة الفساد المالي، إنشاء لجنة مراقبة الإحتيالات والفساد في ماي 1988 والتي تهدف إلى إضفاء رقابة داخلية للبنك وذلك من خلال فتح خط تلفوني مباشر لتلقي أي معلومات يمكن أن يستفيد منها أعضاء لجنة مراقبة الإحتيال والفساد. 

هذا إضافة إلى قيام البنك بتنظيم دورات تدريبية حول الصفقات العمومية وحول القانون الجديد للنزاهة، وٕإنشاء ورشات للدروس التدريبية بعد إرساء برامج التمهين من قبل معهد البنك الدولي ،كما اعتمد على مجموعة من الوثائق كتقريره عن التنمية العالمية حول التسيير العمومي لسنة 1983 والدراسة حول الآفات طويلة المدى لإفريقيا سنة 1989،وتقريره للتسيير لسنتي 1996 و1997 الذي يعتبر منعرج جديد إذ تم تجديد إجراءات جديدة متعلقة بمحاربة الفساد المالي وذلك بإرساء مبادئ خاصة للحد من هذه الآفة والتخفيف منها. 

فيما يخص الإختصاصات فنجد أن البنك اعتمد مجموعة من الإختصاصات تهدف لمكافحة الفساد المالي ومن أهم هذه الإختصاصات نجد ما يلي: 

مراقبة موظفي البنك المسؤولين عن تقديم القروض والتحقق من أن الأموال المقرضة؛ قد استخدمت فعلا طبقا للأهداف المسطرة لها وبشكل منطقي وٕإقصاء الشركات بصفة نهائية أو مؤقتة المتورطة في الفساد المالي. 

مساعدة الدول على محاربة الفساد ومنح مساعدات خاصة للدول الراغبة في وضع إجراءات رادعة للفساد المالي وٕإصلاح القطاع العام والحكم الراشد لدى البلدان الزبونة للبنك.

المساعدة والتنسيق ما بين الجهود الرامية إلى محاربة الفساد المالي على المستويين الدولي والوطني وجمع ونشر المعلومات الخاصة بالفساد الدولي، ربط تعاون استراتيجي مع منظمات أخرى كصندوق النقد الدولي ،تعزيز الحوار بين الدول من أجل إرساء دعائم لمحاربة الفساد المالي. 

وقد وضع البنك مجموعة من الإستراتيجيات لمساعدة الدول على مواجهة الفساد وتمثل أساسا هذه الإستراتيجية في تدابير وقائية وتدابير ردعية. لقد تبنى البنك الدولي منذ عام 1996 خطة للوقاية من الفساد قوامها الأهداف التالية:

 - منع الاحتيال والفساد في المشروعات الممولة من قبل البنك.

- تقديم العون لدول الأعضاء للخبرات إذا ما طلبت المساعدة في حربها ضد الفساد.

- أخذ مسألة الفساد بعين الاعتبار في خطط التنمية التي يضعها البنك بشأن الدول الأعضاء.

- تقديم العون والدعم لكل الجهود الدولية لمحاربة الفساد.

في الأخير نشير إلى أنه تبقى الجهود المبذولة من طرف البنك الدولي، في مواجهته للفساد رهينة المصالح السياسية للدول، خاصة الدول العظمى إذ ينعكس ذلك على سياسة البنك الدولي تجاه البلدان التي يتعامل معها، فإذا تطابقت سياسة بلد ما مع شروط البنك الدولي ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في مساندته، فإنه يتم التغاضي عن حالات الفساد في هذا البلد أما إذا كان هناك عدم توافق بين بلد ما والبنك فإنه يتم العمل على محاربة الفساد ووقف المساعدات والقروض لهذا البلد تحت مبرر وجود الفساد. 

2. صندوق النقد الدولي ومكافحة الفساد المالي 

أنشئ صندوق النقد الدولي بموجب معاهدة دولية في عام 1944 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويقع مقر الصندوق في واشنطن العاصمة وهو مؤسسة ضمن منظومة الأمم المتحدة. وأكد الصندوق سنة 1997 رغبته في مكافحة الفساد المالي من خلال إعلانه عن إيقاف مساعدته المالية للدول التي يثبت أن الفساد المالي فيها يعيق تجاوز مشاكلها الإقتصادية لأن تلك المساعدات المالية تضيع وتتحول إلى مجالات غير تلك التي المحددة لها بسبب الإنحراف والفساد المالي، وهذا ما اكتشفه الصندوق بحيث أقر بأن هناك ملايين الدولارات تضيع بسبب الممارسات الفاسدة التي يقوم بها الموظفين الرسميين والحكوميين دون أن تستفيد منها الشعوب المحتاجة، وبهذا نجد أن الصندوق طرح مجالين رئيسيين لمكافحة الفساد المالي هما: 

المجال الأول: تطوير إدارة الموارد العامة بإصلاح الخزينة ومديرية الضرائب وٕاجراء نظم المحاسبة والتدقيق. 

المجال الثاني: خلق بيئة اقتصادية مستقرة وشفافة وبيئة أعمال نظامية تشمل تطوير القوانين المتعلقة بالضرائب والأعمال التجارية. 

وقد بدأ صندوق النقد الدولي بإدراج موضوعات جهود مكافحة تبييض الأموال في عمله بشأن الأنظمة المالية، حيث يقوم بإعداد منهج مشترك شامل للتقييم من أجل وضع معيار دولي لمواجهة الفساد، كما كثف صندوق النقد الدولي من تقييماته لأنظمة دول الأعضاء في جهود مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب كجزء من تقييمات القطاع المالي، وقد شرع البنك وصندوق النقد الدوليين سنة 2002 لتنفيذ برامج لتفعيل جهود الدول بشأن مكافحة الفساد والقضاء على الجرائم المالية ويتضح أهم معالمه في النقاط التالية: 

زيادة مستوى وعي الدول بمخاطر تبييض الأموال، وآثاره على مناحي الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. 

تطوير منهجية شاملة لتقييم مكافحة تبييض الأموال من خلال التعاون مع مجموعة العمل المالي الدولية. 

بناء القدرات المؤسسية حيث قام البنك وصندوق النقد الدوليين بالعمل على توفير المؤسسات والأشخاص المؤهلة والقادرة على القيام بمهام مكافحة الفساد والقضاء على الجرائم المالية ،وذلك من خلال تنظيم مؤتمرات وتنسيق والتدريب وتقديم المساعدة الفنية للدول العالم. 

ويتمتع صندوق النقد الدولي بصلاحيات واسعة في مجال مكافحة الفساد المالي تشمل مجالات الإقتصاد الكلًي وتتمثل أساسا فيما يلي: 

إدارة شؤون النقد والإئتمان وسعر الصرف وما يتعلق بها من السياسات الهيكلية التي تؤثر بها على سياسات القطاع المالي الذي يرتكز على تنظيم البنوك والمؤسسات المالية والرقابة عليها. 

حق تقديم المشورة والملاحظات اللازمة لتنظيم السياسات الإقتصادية والمالية والوظيفية الإقراضية التي تتيح للصندوق إمكانية التدخل لإقراض البلدان المتعثرة وتقديم معونة فنية وتدريجية للدول الأعضاء الراغبة في مكافحة الفساد المالي ومساعدة الدول الأعضاء على تحسين تسييرها لمواردها العمومية ووضع إطار قانوني مستقر وشفاف لأنشطة القطاع الخاص، وتبسيط أنظمتها الجبائية وقانون الأعمال وتدعيم إدارة الضرائب والجمارك. 

قيام الصندوق بترقية المؤسسات المالية والإقتصادية وجعلها أكثر نجاعة للتصدي للفساد المالي. 

تدخل الصندوق لإشعار السلطات المختصة عندما تكون أموال كبيرة محل إهدار. 

ثانيا: منظمة الشرطة الجنائية الدولية 

منظمة الشرطة الجنائية الدولية (Organization International Criminal Police) التي تم إنشاؤها سنة 1923 تحت تسمية اللجنة الدولية للشرطة القضائية مكونة من قوات الشرطة لـ 190 دولة، ومقرها الرئيسي في مدينة ليون بفرنسا، ثم اتخذت اسمها الحالي"الإنتربول" عام 1956، حين يوجد مقرها في مدينة "ليون" بفرنسا، ويبلغ عدد أعضائها 177 دولة، وتقوم هذه الأخيرة ببعث وسائل التعاون في مجال مكافحة الجريمة، ويحظر عليها التدخل في الشؤون السياسية أو الدينية أو العرقية للدول الأعضاء، وتمارس مهمتها من خلال مكاتبها الموجودة في كل الدول الأعضاء. 

إن الإنتربول بصفته جهة جنائية لتقصي الجرائم والبحث عنها هو أهم منظمة من أجل تحقيق التعاون الدولي لمكافحة الفساد والقبض على المجرمين وذلك من خلال خدمة الاتصال الشرطي العالمي المأمون وخدمة البيانات الميدانية وقواعد بيانات الشرطة وكذا خدمة الإسناد الشرطي الميداني. 

تبذل المنظمة الدولية للشرطة الجنائية جهودا مهمة وفعالة في مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ،وللإنتربول اهتمام خاص بجرائم غسيل الأموال؛ وقد أصدر في عام 1995 خلال الدورة الـ13 إعلانا ضد غسيل الأموال. 

وقد قرر الإنتربول عام 2007 اعتبار مكافحة الفساد من أولوياته اعترافا منه بما تمثله هذه الجريمة من تهديد بالغ للأمن العالمي والسلامة العامة .وتسعى المنظمة لتكون جهة مرجعية ميدانية دولية لمبادرات مكافحة الفساد، دعما منها لجميع أجهزة إنفاذ القانون والمنظمات والسلطات والأجهزة المسؤولة عن منع الفساد وكشفه والقضاء عليه ومقاضاة الضالعين فيه.

يضطلع الإنتربول بمجموعة واسعة من الأنشطة الداعمة للشرطة وغيرها من السلطات المختصة بمكافحة الفساد، ونذكر منها:

1. استحداث منبر عالمي لتبادل المعلومات مخصص للكيانات الوطنية المعنية بمكافحة الفساد؛ (UMBRA) وٕإنشاء قاعدة بيانات فنية وٕإستراتيجية تتضمن معلومات عن مكافحة الفساد.

2. تشجيع تبادل المعلومات والبيانات الدولية المتعلقة بالفساد وتنسيق ورودها عبر منظومة الإنتربول؛

3. إجراء دراسات عالية المستوى لما تملكه البلدان الأعضاء من قدرات عملية وٕإستراتيجية، مع تقديم إرشادات متخصصة، وبناء هذه القدرات.

4. تشكيل فرق عمل رفيعة المستوى وتنظيم المنتديات والمؤتمرات في مختلف المجالات الفنية والمتخصصة مثل العمليات السرية اوٕدارة الموارد البشرية والاستخبار المضاد وحماية الشهود.

5. التشجيع على اعتماد أفضل الممارسات وتكريس المعايير الدولية المعتمدة لمكافحة الفساد وذلك من خلال تقديم معلومات عالية الجودة وتنظيم دورات تدريبية بهذا الشأن دعما لتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وقانون مكافحة الفساد وفقا لأحكام الاتفاقية المذكورة.

وٕإن مكافحة الفساد سواء من الجانب الداخلي أو الدولي يتطلب تضافر الجهود والتعاون، لمنعه من الانتشار في المجتمع الدولي، وقد حملت المنظمة على عاتقها جهد كبير من أجل محاربة ظاهرة الفساد عن طريق اعتماد إعلان النوايا لإنفاذ القانون (بروتوكول سيوول) لعام 1999 هذا الأخير الذي أقر الأثر السلبي للفساد على المجتمعات ،كما اعتبر السبيل الوحيد لمكافحة الفساد يتمثل في إتباع إستراتيجية عمل في إطار جهد وطني ودولي ،شامل يشمل مبادئ محددة على ثلاث مستويات، هي : 

1. التوعية والوقاية.

2. العمل الميداني التحقيقي.

3. العلاقات العامة من خلال:

أ- سن تشريعات فعالة لتتبع عائدات الفساد، والجرائم المتصلة بها ومصادرتها.

ب- تطوير التدابير التشريعية والإدارية، والقضاء على الفساد في قوات الشرطة

ت- توسيع صلاحيات الشرطة في إجراء التحقيقات وتقديم المتورطين إلى العدالة.

ث- إنشاء آليات للرقابة كالهيئات لرصد النظم والتدابير التي تم إقرارها، منع وكشف، ومعاقبة والقضاء على الفساد داخل قوات الشرطة.

ج- لإبلاغ مرة واحدة على الأقل كل سنتين، الجمعية العامة التدابير المتخذة، والآليات والنظم المعمول بها لتنفيذ المعايير المنصوص عليها في هذا البروتوكول وفعالية الآلية.

كما أنشأ الإنتربول فرق التحرك لمكافحة الفساد التي تتكون من مجموعات صغيرة من الخبراء الذين يضمون موظفين متخصصين من الإنتربول، ومن جهات شريكة تعنى بالمحاسبة الجنائية والتدقيق ،وبالكثير من المجالات الأخرى، وقد ساعدت هذه الأفرقة عدة بلدان مثل إثيوبيا والكامرون في التحقيق في قضايا فساد بالغة الأهمية، وهي تتجسد فيما يلي: 

1. فريق خبراء الإنتربول المعني بالفساد (IGEC). 

2. مكتب مكافحة الفساد (LACO ). 

3. البرنامج العالمي للإنتربول المتعلق بمكافحة الفساد واسترداد الأصول.

وقد انضمت الجزائر إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية الإنتربول أثناء انعقاد الجمعية العامة للإنتربول بهلسنكي، فنلندا خلال شهر أوت 1963 بمشاركة 53 بلدا مشكلة بالمكتب المركزي؛ حيث يعمل المكتب المركزي الوطني تحت الوصاية المباشرة لمديرية الشرطة القضائية والمديرية العامة للأمن الوطني ويباشر مهامه وفقا لنصوص التشريعات الوطنية ملتزما بالأطر القانونية المسيرة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية الإنتربول.  

أما بالنسبة لتدابير التعاون الشرطي على المستوى الإقليمي في الجزائر، هناك "الأفريبول" والتي تم إنشاؤها مؤخرا، حيث تعمل على مكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود في إفريقيا، حيث يوجد مقرها بالجزائر.

ومن ناحية أخرى، يسير المكتب المركزي الوطني بالجزائر نشاطاته ضمن إستراتيجية واضحة ومحددة المعالم وفقا لما تقتضيه الاحتياجات الأمنية المسجلة على الصعيد الوطني، وضروري أن تكون في سياق الوظائف الأساسية المقررة من طرف المنظمة الدولية للشرطة الجنائية خدمات اتصالات شرطية عالمية مأمونة -خدمات بيانات ميدانية وقواعد بيانات شرطية، خدمات إسناد شرطي، التدريب وٕإنماء القدرات.

ومن مهام المكتب المركزي الوطني للإنتربول بالجزائر:

1. مباشرة التحقيقات الدولية من وٕإلى خارج الوطن بالتنسيق مع المصالح الوطنية ونظرتها الأجنبية.

2. تقديم الدعم الفني والتقني إلى كافة الأجهزة والمصالح الوطنية المكلفة بإنفاذ القانون.

3. التبادل السريع والآلي للمعلومات الشرطية والجنائية ما بين المكاتب المركزية الوطنية بالتنسيق مع الأمانة العام لمنظمة الإنتربول.

4. إصدار نشرات البحث حول التحف الفنية محل السرقة بغية إجراء أعمال التحري والتحقيق قصد استرجاعها.

5. تجميع المعلومات العملياتية: تحليلها وتبليغها للتحري والاستغلال إلى المصالح الوطنية المختصة.

6. البحث والتحري حول المركبات محل السرقة بغرض وضع اليد عليها.

7. ملاحقة المجرمين المبحوث عنهم دوليا بغرض الإيقاف والتسليم.

8. التقصي والتحري في جوازات السفر المزورة محل بحث دولي أو وطني.

الفرع الثاني: دور منظمة الشفافية الدولية في مكافحة الفساد 

تأسست منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) كمنظمة دولية غير حكومية غير ربحية سنة 1993 من طرف المدير العام السابق للبنك الدولي السيد (بيتر إيغن)، والذي حاول التنويه إلى خطورة الفساد خاصة في الدول النامية حيث إعتبره وفق تقديره أنه أكبر عائق أمام التطور الإقتصادي ،والديمقراطي في دول العالم إلا أن الأفكار التي جاء بها صادفت معارضة كبيرة من الدول الغربية لنهبها المستمر ولعقود طويلة ثورات هذه الدول ونتيجة لهذا التضييق قدم إستقالته من البنك الدولي سنة 1993، وأنشأ منظمة الشفافية الدولية التي تقع أمانتها في مدينة برلين وتضم حاليا أكثر من 100 فرع يتوزع عبر دول العالم. 

تصدر منظمة الشفافية الدولية مجموعة متنوعة من البحوث والإحصائيات والمؤشرات المتعلقة بمكافحة الفساد التي يطلق عليها تسمية المؤشرات، والتقارير الخاصة بقياس مستويات الفساد والتي تستخدمها الدول كدليل إسترشادي عند وضعها لسياسات الوطنية لمكافحة الفساد بأنواعه المختلفة ومن أهم هذه المؤشرات ،والتقارير التي تصدر عن تلك المنظمة الدولية نجد في طليعتها مؤشر مدركات الفساد (CPI Corruption Perceptions Index)،  والتقرير العالمي الشامل عن الفساد (GCR Global Corruption Report)، الذي يركز في كل عام على دراسة الفساد في قطاع حيوي من قطاعات الحيوية في الدول ومؤشر دفع الرشوة (BPI Bribe Payers index)، بالإضافة إلى تقييمات نظام النزاهة الوطني (National Integrity System assessments) والتي سنتطرق لها بنوع من التفصيل فيما يلي: 

أولا: مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perceptions Index)

أطلق مؤشر مدركات الفساد (CPI) لأول مرة سنة 1995 ليصبح أحد أهم إصدارات منظمة الشفافية الدولية ؤأ برز المؤشرات العالمية لتقييم ظاهرة إنتشار الفساد في القطاع العام، حيث لا يفرق هذا المؤشر التجميعي للبيانات بين الفساد الإداري والفساد السياسي الناتج على تمويل الأحزاب ،أو إستغلال المناصب العامة للأغراض الحزبية حيث تتراوح قيمة تصنيفاته من 1 إلى 10 درجات، كما يعمل أيضا حسب مقياس يتراوح بين 0 و100 نقطة وكلما إرتفعت الدرجة كلما كان ذلك مؤشرا على إرتفاع درجة الفساد في تلك الدولة، ويتضمن المؤشر كل سنة ترتيب الدول من الأقل فسادا إلى الأكثر فسادا من خلال الإعتماد على بحوث عالمية تصدر سنويا تحتوي على إستقصاءات متخصصة تقيم وترتب الدول التي يتم تجميعها من مؤسسات مختلفة، ومستقلة وذات سمعة حسنة ومكونة من مجموعة من الخبراء والمختصين ،بالإضافة إلى الشركات المحلية والعالمية ورجال الأعمال الأجانب وشبكة المراسلين وتقييم الموظفين، كما يعتمد المؤشر أيضا على المعلومات المتوفرة لدى البنك الإفريقي للتنمية والبنك الأسيوي للتنمية وغيرهم. 

تقدم المنظمة من خلال هذا المؤشر مقارنة لمدركات الفساد في مختلف بلدان العالم، فالمدركات نفسها يتم جمع بياناتها وفق مقاييس لمستويات الفساد تقدمها منظمات أخرى مثل منظمة فريدم هاوس الأمريكية والأحزاب المحافظة الجديدة الأمريكية ويثير هذا شكوكا حول موضوعية تلك البيانات، ومن الناحية المنهجية فإن المدركات تركز على متعاطي الرشوة أكثر من معطيها ونتيجة لذلك فإن مدركات الفساد لعام 2007 تبين علاقة ترابطية قوية بين الدول النامية والفساد وعلاقة أوثق مع الاختلاف العالمي في مستوى الثروات ومقدار القوة التي تملكها الدول، فقد تم تصنيف أغلب الدول الغنية على أنها خالية من الفساد بينما الدول الفقيرة تعد الأكثر فساداً . 

كذلك، فإن هذا المؤشر يقيم ويرتب الدول طبقاً لدرجة إدراك وجود الفساد بين المسؤولين السياسيين في الدولة وهو مؤشر مركب يعتمد على بيانات ذات صلة بالفساد، ويستند إلى دراسات متنوعة يرصد من خلالها آراء المستثمرين المحليين والأجانب والمتعاملين مع الإدارة الحكومية المعنية حول الإجراءات المتبعة التي تعترضهم في تنفيذها ونظرياتهم ومدى انتشار الفساد والرشوة.

ويضم أيضاً معلومات مستمدة من إحصائيات خلال السنتين الماضيتين، كما يقيم حجم الفساد في البلاد من قبل خبراء مقيمين في البلاد أو خارج البلاد، وبناءً على ذلك تقوم المنظمة بنشر مؤشرات الفساد حسب تقدير درجات الفساد في مختلف دول العالم من خلال ترتيب الدول حسب الدول الأقل  فساداً. 

ولابد لكل مصدر تعتمد عليه منظمة الشفافية الدولية إستيفاء الشروط الآتية حتى يتم قبوله وهي: 

- أن يكون المصدر يعتمد على القياس الكمي لظاهرة الفساد في القطاع العام في دولة معينة. 

- أن يعتمد المصدر على نتائج ذات مصداقية عالية وغير مغلوطة. 

- أن تكون صاحبة المصدر مؤسسة ذات مصداقية عالمية. 

وفي حالة توفر كل المعايير السابقة تدخل الدولة في عملية المسح ويعتمد ذلك على مدى توفر معلومات علنية حول الفساد في هذه الأخيرة، وفي هذا الصدد أصدرت مؤخرا منظمة الشفافية الدولية بتاريخ 21 -02 -2018 مؤشر مدركات الفساد الذي يتزامن مع الذكرى الخامسة، والعشرين لتأسيس هذه المنظمة حيث كشف هذا المؤشر عن معلومات تبعث على القلق، في مجال مكافحة الفساد الذي صنفته بالمتعثر في العديد من الدول في العالم ويتولى مؤشر الفساد لسنة 2017 تصنيف 180 بلدا، وٕإقليميا وفقا لمدركات إنتشار الفساد في قطاعها العام إستنادا لأراء الخبراء في هذا المجال وذلك حسب مقياس يتراوح بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر البلدان أكثر فسادا في حين تمثل النقطة 100 البلدان أكثر نزاهة ،وخلوا من هذه الظاهرة حيث توصل المؤشر هذه السنة إلى أن أكثر من ثلثي البلدان قد حصلت على درجة تقل عن 50 نقطة، بمعدل درجات بلغ 43 نقطة، وقد حققت نيوزيلندا والدنمارك هذه السنة أعلى الدرجات ،حيث حصلتا على درجتي 89 و88 نقطة تباعا، ومن جهة أخرى، حصلت سوريا وجنوب السودان والصومال على أدنى الدرجات وهي 14 12و و9 تباعا، أما على مستوى المناطق أُسند أفضل معدل لمنطقة أوروبا الغربية حيث بلغ معدل درجاتها 66 نقطة، أما عن المناطق التي حصلت على أسؤأ الدرجات فهي كل من إفريقيا جنوب الصحراء (معدل الدرجات 32 نقطة) ؤأوروبا الشرقية، وأسيا الوسطى (بمعدل الدرجات بلغت 34 نقطة) وسنوضح من خلال الخريطة أدناه أكثر الدول فسادا في العالم حسب التدرج اللوني من (اللون الأصفر) الذي يمثل الدول الخالية من الفساد وصولا (للون الأحمر الغامق) الذييمثل أكثر الدول فسادا.

نلاحظ من خلال هذه الخريطة أن اللون الأصفر الذي يرمز إلى خلو الدولة من الفساد لونت به كل من خريطة دولة نيوزلندا التي إحتلت المرتبة الأولى في النزاهة لتليها الدانمارك في الم رتبة الثانية، وفنلندا في المرتبة الثالثة والسويد وكندا ولكسمبورغ وألمانيا وأستراليا في المراتب 6-8 -8 -12 -13 على التوالي، بينما تتصدر الدول العربية أعلى معدلات الفساد ماعدا دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، ويرجع التفشي الخطير لهذه الظاهرة نظرا لغياب الشفافية ونظام المسائلة والمحاسبة لإنتشار الأنظمة الدكتاتورية في البلدان المتبقية، والتضييق على الصحافة والحقوق الإنسانية والحريات العامة وعدم التفعيل الحقيقي لدور الأجهزة الرقابية على المال العام بأنواعها الوقائية والقمعية والمالية والسياسية، وتغييب دورها العمدي في الكثير من الأحيان وفيما يلي سنوضح ترتيب الدول العربية في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2017 من خلال الجدول الأتي:


نلاحظ من خلال الجدول السابق الإشارة إليه أن دولة الإمارات حلت في المرتبة الواحد والعشرين بين الدول الأقل فساداً في العالم حيث تصدرت القائمة عربياً وفقاً للمؤشر، وبحسب المنظمة فإن الإمارات العربية المتحدة هي الأفضل عربيا في مجال محاربة الفساد بالرغم من التراجع الذي سجلته عن نتائج العام الماضي، بينما سجلت قطر أكبر إنحدار لها حيث خسرت 10 نقاط على المؤشر بإحتلالها المرتبة الثانية عربيا، والمركز الـ92 عالمياً وجاءت السعودية وعمان، والكويت، والبحرين على الترتيب في المراكز 57، 85، 68، 103 عالمياً، كما جاءت بعض الدول العربية متقدمة في مؤشر الأكثر فساداً، كالجزائر في المرتبة 112 من بين 180 دولة مما يثير الجدل والاستغراب خاصة بعد الاطلاع على كل المجهودات التي بذلتها هذه الأخيرة في مجال مكافحة الفساد من خلال إنضمامها للعديد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها إتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة لسنة 2000 بإعتبار الفساد المالي جريمة عابرة للحدود إذا إقترن بجرائم أخرى كتهريب وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى مصادقتها على إتفاقية مكافحة الفساد لسنة 2003، مما حتم عليها تكييف تشريعاتها الداخلية مع إلتزاماتها الدولية وتجسد ذلك من خلال إصدار العديد من القوانين، وفي مقدمتها القانون 06 -01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المعدل والمتمم وغيره، كما أنشأت بالموازاة مع الإطار القانوني العديد من الأجهزة الرقابية التي تنوعت من حيث الاختصاص (أجهزة وقائية وأجهزة قمعية وأجهزة مالية وأجهزة سياسية ممثلة في البرلمان بغرفتيه عن طريق إستجواب أعضاء الحكومة ولجان التحقيق البرلمانية وغيرها. 

من خلال ما سبق ذكره، يمكن القول أن مؤشرات مدركات الفساد (Corruption Perceptions Index) التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية سنويا تلعب الدور الكبير في كشف واقع الفساد في العديد من دول العالم من خلال هذه التقارير السنوية الإحصائية، التي يتم نشرها على موقع المنظمة إلا أن هذه المؤشرات محل (إنتقادات) من طرف العديد من دول العالم والتي إعتبرتها في الكثير من الأحيان أنها إحصائيات عامة، وغير دقيقة لأنها تعتمد على بيانات وأرقام تجمعها مؤسسات مختلفة تختلف في منهج ،وطريقة عملها ومعايير تقييمها مما سيؤدي حتما إلى تقييمات مختلفة وتفتقر للدقة. 

ثانيا: مؤشر دافعي الرشوة (Bribe Payers Index)

صدر مؤشر دافعي الرشوة لأول مرة سنة 1999 وهو مؤشر غير سنوي خاص حيث صدر للأعوام ( 1999، 2002، 2006، 2008، 2011 ) يتعلق بتصنيف أهم الدول المحتمل أن يتم إرتشاء شركاتها في الخارج، ويخص الأمر الشركات الصناعية والمتعددة الجنسيات التي تدفع الرشاوى للمسؤولين الحكوميين لتسهيل أعمالها وتبسيط الإجراءات الإدارية والمالية، بالإضافة إلى تسهيل تصدير منتجاتها وتعتمد المنظمة في تصنيف الدول وٕإحتساب النقاط على مقياس موحد عام بين 1و10، حيث تمثل (الدرجة القصوى 10) الرأي القائل أن الشركة لم تمارس الرشوة، ويعتمد هذا المؤشر على مسح للجهات التنفيذية مع التركيز على الممارسات التجارية للشركات الأجنبية في بلادها فأدى دور المورد للفساد، وبالتالي فإن المؤشر يصنف الدول وليس الشركات العاملة. 

وتمثل (الدرجة1 ) الرأي القائل أن هذه الشركة قد مارست الرشوة بشكل دائم ويتم تنفيذ العمل الإحصائي للمنظمة في هذا المجال قبل الأستاذ (جيرترود موز مولر) رئيس قسم الإحصاء بكلية الإقتصاد في جامعة باسو الألمانية حيث يتم إختيار الدول للدخول إلى تصنيف مؤشر دافعي الرشوة وفق المعايير التالية: 

- العضوية في المجموعة العشرين. 

- الأهمية التجارية للدولة على الصعيد الإقليمي أو الدولي. 

- مدى الإنفتاح التجاري على السوق العالمية بالإضافة إلى حجم الاستثمار الأجنبي وحجم الصادرات في هذه الدولة. 

وفي هذا الإطار أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقرير سنة 2011 حول تصنيف 28 دولة تمثل أكبر إقتصادات العالم عن إحتمال دفع شركات تلك الدول رشاوى في الخارج، بالاستناد إلى آراء التنفيذيين في قطاع الأعمال لسنة 2011 حيث جاءت الصين وروسيا وفقا لبيانات المؤشر صدارة الدول التي كانت الشركات فيها مستعدة لدفع الرشاوى في الدول الأخرى خاصة في عقود الأشغال العامة والإنشاءات، في حين جاءت الشركات الهولندية والسويسرية والبلجيكية والألمانية واليابانية في المراتب الأولى، كما إحتلت الشركات البريطانية والأمريكية المرتبتين الثامنة والتاسعة على التوالي، إلا أنه بالرغم من أهمية هذا المؤشر في كشف حالات الرشوة والشركات التي تمارسها في بلدان العالم، إلا أن هذا لم يمنع الدول من توجيه عدة (إنتقادات) لمؤشر دافعي الرشوة Bribe Payers Index ومن أهمها إقتصار عمله وٕإحصائياته على مجموعة 20 فقط بينما جريمة الرشوة هي وباء خفي متفشي في كل دول العالم المتقدمة منها، والنامية والتي هي أكثر حاجة لهذا المؤشر لأنها تفتقر للتفعيل الحقيقي لدور أجهزة الرقابة خاصة إذا تعلق الأمر بالمؤسسات الإقتصادية أوبالشركات التنقييبة أو المجمعات البترولية، وأحسن مثال على ذلك فضيحة القرن في قضية مجمع سونطراك الجزائري في قضية سونطراك 01 و02 في الجزائر التي أتهمت فيها شخصيات نافذة بالنّصب، وخيانة الأمانة والتزوير في محرّرات مصرفية، والرّشوة بمبالغ ضخمة واستغلال النّفوذ ،والإفلاس بالتدليس في محررات رسمية وٕإستعمالها. 

ثالثا: تقرير الفساد العالمي (Global Corruption Report)

صدرت هذه الوثيقة لأول مرة عام 2001 وهي عبارة على تقرير تقدمه منظمة الشفافية الدولية حول درجة الشفافية في التعاملات المالية والإدارية والسياسية وغيرها في قطاع معين في الدولة، وتقييم مدى المصداقية في الموازنات العامة وفي الخطاب السياسي والحكومي ومدى مخالفة القوانين، والتشريعات في هذا المجال حيث يتم تجميع المعلومات اللازمة لكبار الباحثين والأكاديميين والخبراء في الميدان ويغطي كل تقرير فترة 12 شهر إبتداء من شهر جويلية إلى شهر جوان من العام الموالي، حيث يعطي التقرير الدرجة النهائية (10 من 10) للدولة التي لم تظهر فيها أي حالة فساد طول السنة، وتبدأ الدرجة في الانخفاض بمعايير دقيقة كلما إزداد الفساد في الدولة وفيما يلي سنوضح المواضيع التي تناولتها تقارير الفساد العالمي في السنوات الماضية من خلال الجدول الآتي:  

نلاحظ من خلال الجدول السابق الإشارة إليه أن التقارير الواردة فيه عبر كل هذه السنوات إحتوت على العديد من المواضيع المتنوعة، والهامة إلا أن تقرير الفساد العالمي تم تصنيفه كوثيقة غير ملزمة للدول مما يفقده وزنه على الساحة الدولية، إلا أنه يعكس من جهة أخرى صورة الدول أمام المجتمع الدولي ومدى إحترامها لمبدأ الشفافية في مختلف القطاعات مما يعزز من مكانتها الدولية ويفتح باب الاستثمارات الأجنبية في أراضيها أو يقلصه. 

رابعا: تقييمات نظام النزاهة الوطني (National Integrity System assessments)

صدرت هذه الوثيقة لأول مرة سنة 2001 وعي عبارة على سلسلة من الدراسات تقوم بها الدول لتقييم أنظمة حكمها وٕإحترام مبادئ النزاهة والشفافية، وتعزيز الحكم الراشد على المستوى القانوني من خلال إصدار القوانين الداخلية والنصوص التنظيمية الخاصة بمكافحة الفساد إستجابة لنداءات منظمة الشفافية الدولية، التي تدعو لتعميم نظام المحاسبة من القاعدة للقمة من خلال العمل على خلق عدة هيئات رقابية ،يتنوع دورها بين الوقائية والقمعية والمالية والسياسية ممثلة في البرلمان وهيئات الرقابة العامة ووسائل الإعلام، والنقابات المهنية بهدف تعزيز التشريعات دوريا بأخرى محينة تحمي المواطنين من كل صور الفساد المالي، والإداري بالإضافة إلى إصلاح الأطر المؤسسية الرقابية أو الحكومية، والعمل الجاد على إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في هذه المهمة دون إغفال دور المدرسة، والمؤسسات الدينية من خلال نشر الوعي العام بمخاطر الفساد على المجتمع، والعمل على ترسيخ القيم والنزاهة من خلال سيادة القانون، وتحقيق التنمية المستدامة بكل أبعادها الإقتصادية والإجتماعية والبيئية، والثقافية دون إغفال دور الأجهزة القضائية ،باعتبارها أجهزة لتنفيذ القانون ومعاقبة المخالفين لقواعده ولن يتم ذلك إلا باحترام القواعد المرتبطة بأركان نظام النزاهة الوطني المحددة في الجدول الآتي:

صدر هذا المقياس لأول مرة سنة 2003 وهو عبارة على وثيقة تصدر سنويا بإستثناء سنتي 2008- 2016 وهو عبارة على إستطلاع لأراء المواطنين حول قضايا الفساد، وتجاربهم الخاصة معه سواء في فيما يتعلق بدفع الرشاوى أو الابتزاز المالي الذي يتعرضون له وغيره من الممارسات السلبية والمرتبطة إرتباطا مباشرا بالفساد، بالإضافة إلى إبراز دور المؤسسات الوطنية في مكافحة الفساد، وتقييمهم مدى فعالية الجهود المبذولة من طرف حكوماتهم للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، ومنه فمقياس الفساد العالمي هو عبارة على إستقصاء لرأي الجمهور من خلال الإستعانة بمؤسسات تنشط في مجال إستقصاء رأي الشعوب، والتي لها عدة فروع في العديد من دول العالم وفي حالة إستحالة الإستعانة بمثل هذا النوع من المؤسسات يمكن للمنظمة الإستعانة بمنظمات مسحية لإجراء الإستبانة، والتي توجه من خلالها العديد من الأسئلة للمواطنين ،عن طريق الهاتف أو عن طريق الإنترنت عن طريق البريد الإلكتروني وغيره من وسائل الإتصال أو عن طريق المقابلة وجها لوجه لترسل بعدها هذه المعلومات إلى أمانة منظمة الشفافية الدولية في برلين لتحليل البيانات والتحقق منها حيث يقبل منها فقط الايجابية (بنعم أو لا) فقط وتقصى الإجابات التي توضع فيها عبارة (لا أعرف). 

من خلال ما سبق التطرق له، نستنتج أن منظمة الشفافية الدولية هي المرآة العاكسة لحالات الفساد في دول العالم سواء في الدول المتقدمة أو المتخلفة، من خلال ما تصدره من وثائق وتقارير ومؤشرات إحصائية يشارك في إعدادها الخبراء والأكاديميون ،كما يتم إشراك أيضا العديد من المؤسسات المسحية للبيانات من مختلف دول العالم لامتلاكها فروع عديدة والتي تمكنها من الإتصال بمختلف الأجهزة والمؤسسات، والأفراد اللذين يعانون من الفساد على المستوى الوطني عن طريق إستعمال الاستبيانات سواء بتوجيه الأسئلة كتابيا أو المقابلة المباشرة، بالإضافة إلى إستعانة المنظمة بالتقارير الوطنية على أنظمة النزاهة. 

كل هذه المجهودات صنفت هذه الأخيرة من بين أنشط المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال مكافحة الفساد وكشفه، إلا أن هذه الأخيرة كانت عرضة للعديد من الانتقادات التي تعتبر تصنيفاتها في الغالب لا تتسم بالحقيقة، والدقة لأنها تعتمد على إحصائيات العديد من المؤسسات الخاصة التي تعمل في هذا المجال مما يجعل معايير التصنيف تختلف من مؤسسة لأخرى، ومن دولة أيضا لأخرى مع إمكانية إغواء هذه الشركات لوضع تصنيفات مغايرة للحقيقة مما يجعل هذه المنظمة في تحدي حقيقي لإثبات عكس هذه الادعاءات التي ازدت حدتها في السنوات الأخيرة. 

سجلت الجزائر 3.2 نقاط في عام 2008 على مؤشر مدركات الفساد الخاص بمنظمة الشفافية العالمية، وتتدرج درجات المقياس من صفر(فساد مرتفع/مستشري) إلى 10 (غياب الفساد) وحلت في المرتبة 92 من بين 180 دولة في العالم متقدمة على لبنان ولكن متخلفة عن المغرب.

وفي هذا المجال، فإن التقرير الصادر عن منظمة الشفافية لسنة 2012 صنفت الجزائر في المرتبة 105 في مؤشر الدول الأكثر فسادا في العالم، وأكد تقرير منظمة الشفافية بأن البرامج التنموية التي اعتمدت في الجزائر منذ سنة 1999 والمستمرة إلى غاية سنة 2014، التهمت 400 مليار دولار من دون تحقيق الأهداف المسطرة. 

كما أكدت الجمعية الجزائرية لمكافحة الرشوة في بيان لها سنة 2012، أن الإدارات الجزائرية تعاني من تفاقم مشكلة الفساد البيروقراطي، والأخطر من ذلك وجود وزراء حاليين ومسؤولين إداريين متورطون في قضايا الفساد الإداري والاقتصادي، ومع ذلك يتمتعون بحصانة كلية من المتابعة وعقوبات قانون الفساد، وبهذا أصبحت مشكلة الفساد البيروقراطي تهدد أمن الدولة واستقرارها. 

وعليه، فإن نجاح أي برنامج إصلاحي في الجزائر اليوم لابد أن يتعلق بالإصلاح الشامل، ببناء إستراتيجية تضع قضية الإصلاح الإداري والسياسي على سلم أولويات مكافحة الفساد، والإسراع في رسم خطة شاملة للتغيير الجذري، إذ لا بد من ترسيخ دعائم الحكم الديمقراطي وبناء دولة القانون.

المطلب الثالث: تدابير التعاون الدولي لمكافحة الفساد  

لقد استلهم معظم قواعد قانون الوقاية من الفساد ومكافحته معظم مبادئه من اتفاقية مكافحة الفساد، والتي تتمحور حول مظهرين من مكافحة الفساد في المجال الدولي. 

الفرع الأول: التعاون الشرطي بين الدول لمكافحة الفساد 

يعتبر التعاون الدولي شرطا أساسيا لنجاح السياسة الجنائية في مكافحة الجريمة المنظمة عموما والفوساد على وجه الخصوص، لاسيما في صوره العابرة للحدود الوطنية، لذلك فالطابع المحلي أو الوطني الذي تتّسم به الوسائل التي تتخذها كل دولة على حدا في تشريعاتها الداخلية، انطلاقا من مبدأ السيادة الإقليمية الذي يتناقض مع اتساع نطاق صفة العالمية لجرائم الفساد، مما دفع بالمجتمع الدولي إلى تبني اتفاقية مكافحة الفساد، والتي تعد من أكثر الاتفاقيات الدولية شمولا وتفصيلا لموضوع الفساد، حيث دعت إلى إيجاد التدابير القانونية من أجل تسهيل تبادل المعلومات والإجراءات القضائية التي تفضي إلى التعرف على مرتكبي هذه الجرائم، في إطار الإجراءات المتعارف عليها عالميا، ومن بين هذه الإجراءات  والتدابير ،تلك التي تتعلق بالتعاون الشرطي، والتعاون القضائي في مجال مكافحة جرائم الفساد، وكانت الجزائر من بين الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية، مما دفع بالدولة الجزائري إلى إصدار القانون 06 -01 المتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته. 

يترتب على مبدأ السيادة الإقليمية نتائج مهمة، أهمها أنه لا يمكن لأي شرطة لدولة أخرى أو حتى شرطة دولية أن تخترق السيادة الإقليمية للدولة من أجل القيام بعمليات البحث والتحري، وٕإنما عملت الدول على التعاون فيما بينها لمكافحة الجريمة منذ زمن بعيد، واهتمت بتعزيز وسائله، ومن بين هذه الشرطة سواء كانت دولية والتي تشرف عليها الشرطة الجنائية الدولية التي تم إنشاؤها سنة 1923 تحت تسمية اللجنة الدولية للشرطة القضائية، ثم اتخذت اسمها الحالي "الإنتربول" عام 1956، حين يوجد مقرها في مدينة "ليون" بفرنسا، ويبلغ عدد أعضائها 177 دولة، وتقوم هذه الأخيرة ببعث وسائل التعاون في مجال مكافحة الجريمة، ويحظر عليها التدخل في الشؤون السياسية أو الدينية أو العرقية للدول الأعضاء، وتمارس مهمتها من خلال مكاتبها الموجودة في كل الدول الأعضاء،

أما بالنسبة لتدابير التعاون الشرطي على المستوى الإقليمي، هناك "الأفريبول" والتي تم إنشاؤها مؤخرا ،حيث تعمل على مكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود في إفريقيا، حيث يوجد مقرّها بالجزائر.

الفرع الثاني: التعاون القضائي بين الدول لمكافحة الفساد

يكتمل التعاون الشرطي بالتعاون القضائي في مجال الجرائم العابرة للحدود، وذلك من خلال التعاون القضائي الذي يتمثل في تعاون السلطات القضائية لمختلف الدول من أجل تقريب وتبادل الإجراءات الجنائية، وذلك من خلال إجراءات التحقيق والمحاكمة، إلى حين صدور الحكم عليه وضمان عدم إفلاته من العقاب ،ويظهر هذا التعاون القضائي في مجال المساعدة القضائية وتسليم المجرمين، نتطرق للإجراءين فيما يلي: 

أولا: التعاون في إطار المساعدة القضائية المتبادلة:

يجد هذا النوع من التعاون سنده القانوني في المادة 46 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد كما يلي: "على الدول الأطراف أن تقدم كل منها للأخرى أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القضائية المتصلة بالجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية". 

يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع الدولي عمل على إيجاد الآليات القانونية المساعدة في الكشف عن الجرائم المتعلقة بالفساد.

ثانيا: تسليم المجرمين والمتهمين 

يعرف هذا الإجراء بأنه عمل قانوني يتم بمقتضاه تسليم مجرم أو متهم من الدولة التي يوجد بها هذا الأخير إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه، ويصنّف هذا الإجراء ضمن القانون الدولي العام، لأنه يقتضي وجود دولتين بمناسبة جريمة من جرائم القانون العام، ويشترط لتطبيق هذا الإجراء، أن يكون الفعل الذي قام به هذا الشخص مجرّما في بموجب القوانين الداخلية والدولية لكلا الدولتين، وهو ما يطلق عليه بازدواج التجريم، وهذا طبقا للمادة 44/4 من نفس الاتفاقية المذكورة أعلاه والتي تنص على ما يلي: "تلتزم الدول الأطراف بإدراج الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية ضمن الجرائم التي يجوز التسليم في اتفاقيات تسليم المجرمين التي تعقد فيما بينها". 

- كما أن القانون الدولي أضاف العديد من الآليات الحديثة من أجل تعميم التعاون الدولي في جرائم الفساد، وذلك من خلال الإجراءات التالية: 

- إقرار نظام الاتصال المباشر بين السلطات القضائية المختصة، بدون اللجوء للطرق الدبلوماسية. 

- انتقال أعضاء النيابة العامة أو القضاة من دول معيّنة إلى دولة أخرى -بناء على موافقتها-، لاتخاذ  والمساهمة في الإجراءات الجنائية المتعلقة جمع الأدلة وسماع الشهود واستجواب المشتبه فيهم أو المتهمين. 

- استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة قصد تسهيل التعاون القضائي بين الدول. 

الفرع الثاني: تدابير استرداد العائدات والممتلكات المتأتية من جرائم الفساد ومصادرتها 

إلى جانب تقديم المعلومات والتي نص عليها المشرع في المادة 60 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، هناك العديد من الإجراءات المتعلقة بالتدابير الخاصة باسترداد العائدات والممتلكات من جرائم الفساد، إضافة إلى مصادرتها من قبل الجهات القضائية المختصة. 

أولا: تدابير استرداد الممتلكات المتأتية من الفساد  

لقد خصّص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المواد من 63 إلى 70 لتبيان وضبط آلية استرداد عائدات جرائم الفساد، بما فيها جرائم الصفقات العمومية، لأنه من خلال هذه الإجراءات يتم تجريد المجرمين من جميع العائدات المتأتية من هذه الجرائم، مما يسمح بردع المفسدين، وطبقا للمادة 63 من نفس القانون، يمكن حصر هذه الطرق القانونية في تجميد وحجز العائدات من الجرائم، ومصادرتها بإتباع جملة من الإجراءات المنصوص عليها في المادة 63 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، إضافة إلى التجميد والحجز للأموال والعائدات الناتجة عن الجرائم المتعلقة بالفساد، ومن بينها الصفقات العمومية ،باعتبارها من أكثر المجالات عرضة للفساد، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، وذلك طبقا للمادة 64 من نفس القانون. 

ثانيا: مصادرة الأملاك والأموال المتحصلة من الفساد

تعتبر المصادرة من الجزاءات الجنائيـة الأكثـر فعاليـة فـي مكافحـة الفسـاد، لأن مصـادرة الأمـوال الناتجـة عـن جرائم الفسـاد ،تعنـي القضـاء علـى الغـرض الـذي تسـعى التنظيمـات الإجراميـة إلـى تحقيقـه وهـو الـربح  ولـذا فإن التعاون الدولي في مجال هذه العقوبة ينطوي على أهمية بالغة سـيما وأن هـذه التنظيمـات تعمـد فـي كثيـر مـن الأحيـان إلـى الحفـاظ علـى أموالهـا أو اسـتثماراتها فـي دول أخـرى غيـر تلـك التـي ترتكـب فيهـا الجريمة. 

وقبل التطرق إلى ما تضمنته الاتفاقيات الدولية في شأن المصادرة، فسوف نتناول ماهية هذه العقوبة، والمحل الذي ترد عليه وإجراءاتها، ثم الجهة التي تملك الحكم بالمصادرة. 

1. تعريف عقوبـة المصـادرة

المصـادرة هـي عقوبـة ماليـة تتمثـل فـي نـزع ملكيـة المـال جبـرا بغيـر مقابـل وٕإضـافته إلـى ملـك الدولـة، وتـرد المصـادرة علـى الأمـوال المتحصــلة مـن الجريمـة وكـذلك علـى الأمـوال أو الأشـياء التـي تعـد حيازتهـا أوصياغتها أو استعمالها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة فـي ذاتهـا، كـالمواد المخـدرة والنقـود المزيفـة، وتعتبـر المصـادرة حجـر الزاويـة فـي قلـب النظـام العقـابي لجـرائم الفسـاد حيـث لا تقـل ردعـا عـن العقوبـات السـالبة للحريـة، لأنها تعنـي ببسـاطة حرمـان الجنـاة مـن كـل عائـدات مشـروعهم الإجرامـي، وقـد نصـت الفقـرة (ز) مـن المـادة الثانيـة لاتفاقيـة مكافحـة الفسـاد علـى مصـطلح المصـادرة بقولهـا "يقصـد بتعبيـر المصـادرة التـي تشـمل التجريـد حيثمـا أنطبـق الحرمـان الـدائم مـن الممتلكـات بـأمر صـادر عـن محكمـة أو سـلطة مختصـة أخـرى" ثـم أفـردت الاتفاقيـة المـادة 31 منهـا لعقوبـات التجميـد والحجـز والمصـادرة حيـث نظمـت علـى وجـه الخصـوص المحل الذي ترد عليه المصادرة وما يجب اتخاذه أحيانا من تدابير أخرى لأجل تنفيذ المصادرة.  

2. المحـل الـذي تـرد عليـه المصـادرة. 

 يستفاد من نـص الفقـرة الأولـى مـن المـادة 31 مـن الاتفاقيـة أن المصـادرة كعقوبـة تطبـق بشـأن جـرائم الفسـاد المشمولة بالاتفاقية وتشمل ما يلي : 

1: العائـدات الإجراميـة المتأتيـة مـن أفعـال مجرمـة وفقـا لهـذه الاتفاقيـة أو ممتلكـات تعـادل قيمتهـا قيمـة تلـك العائدات.  

ويقصـد بتعبيـر العائـدات الإجراميـة وفقـا للفقـرة (هـ) مـن المـادة الثانيـة مـن الاتفاقيـة "أي ممتلكـات متأتيـة أو متحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جرائم".  

ومـؤدى ذلـك أن المصـادرة لا تنصـب فقـط علـى الأمـوال المتحصـلة مباشـرة عـن إحـدى جـرائم الفسـاد مثـل الأمـوال التـي يختلسـها الموظـف أو مبلـغ الرشـوة الـذي حصـل عليـه، بل تشـمل أيضـا مـا يعـادل قيمـة هـذه الأمـوال، ويعني ذلـك أن المصـادرة يمكـن أن تـرد مـثلا علـى العقـارات أو السـيارات التـي اشـتراها الموظـف بالأموال المختلسة أو أموال الرشوة، وبصفة عامة كافة الممتلكات التي آلت إليها عائدات الفساد. 

2: الممتلكـات أو المعـدات أو الأدوات التـي اسـتخدمت أو كانـت معـدة للاسـتخدام فـي ارتكـاب أفعـال مجرمـة وفقا لهذه الاتفاقية، وهي صورة تقليدية للأشياء التي ترد عليها المصادرة.

3. مظاهر التوسع في مفهوم محل المصادرة. 

على الرغم مما ورد في الفقرة الأولى المشار إليها في المادة 31 من الاتفاقية من مفهوم واسع للمحل الـذي تـرد عليـه المصـادرة علـى النحـو السـابق إيضـاحه، فإن الفقـرات التاليـة مـن المـادة 31 قـد أكـدت صـراحة علـى ذات المفهـوم الموسـع لمحـل المصـادرة، وهـو مفهـوم يبلـغ اتسـاعه أحيانـا حـدا يصـعب قبولـه علـى صـعيد المبادئ القانونية، ولا حتى تصوره على صعيد الواقع مثل ما نصت عليه الاتفاقية من مصادرة المنافع. 

1: شمول المصادرة لكل الممتلكات الأخرى التـي حولـت إليهـا أو بـدلت بهـا بصـورة كليـة أو جزئيـة العائـدات المتحصلة من إحدى جرائم الفساد، ففي هذه الحالة يجب إخضاع تلك الممتلكات بدلا من العائدات للمصادرة وكافة التدابير الأخرى مثل التجميد والحجز وغيرها، المنصوص عليها في المادة 31 من الاتفاقية. 

2: إمكانيـة تجزئـة حقـوق الملكيـة أو الحسـابات المصـرفية فيمـا لـو تكونـت مـن مصـادر ماليـة غيـر مشـروعة متحصلة عن جرائم الفساد ومصادر مالية مشروعة.  

3: شـمول المصـادرة للإيـرادات والمنـافع المتحصـلة مـن إحـدى جـرائم الفسـاد، وهذا مظهـر آخـر مـن مظـاهر التوسع في مفهوم المحل الذي ترد عليه المصادرة.  

رابعا: إجراءات المصادرة 

تتطلـب مصـادرة الأمـوال المتحصـلة مـن إحـدى جـرائم الفسـاد، أو أي عائـدات أو ممتلكـات أخـرى إتخـاذ بعـض الإجـراءات التمهيديـة علـى المصـادرة كالتجميـد والحجـز، أو اللاحقـة عليهـا مثـل إدارة الأمـوال أو الممتلكات المشمولة بالمصادرة، وقد أشارت لذلك كل من الفقرتين 2 و3 من المادة 31 من الاتفاقية. 

 فتنص الفقرة الثانية على أن تتخذ كل دولة طرف ما قد يلـزم مـن تـدابير للـتمكن مـن كشـف أي مـن الأشـياء المشار إليها في الفقرة الأولى أو اقتفاء أثره أو تجميده أو حجزه لغرض مصادرته فـي نهايـة المطـاف، ثم تضيف الفقرة الثالثة" تتخذ كل دولة طرف وفقا لقانونها الداخلي ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتنظـيم إدارة السـلطات المختصـة للممتلكـات المجمـدة أو المحجـوزة أو المصـادرة المشـمولة فـي الفقـرتين 2،1 من هذه المادة. 

وفيما يتعلق بالإجراءات التمهيدية للمصادرة والتي تستهدف الكشف عن الأموال أو العائدات المتحصلة من جرائم الفساد، بغية مصادرتها فقد يتوجـب اتخاذهـا فـي مواجهـة الأفـراد مـن ناحيـة، أو فـي مواجهـة الجهـات والمؤسسـات التـي تحـوز مـا يفيـد فـي كشـف وتعقـب هـذه الأمـوال مـن ناحيـة أخـرى، فمن ناحيـة أولـى ثمـة إجـراءات تتخـذها الدولـة فـي مواجهـة الأفـراد عمـا يحوزونـه مـن أمـوال وممتلكـات بهـدف الكشـف عـن تلـك المتحصلة من إحدى جرائم الفساد ( الفقرة الثامنة من المادة 31) ، ومن ناحية أخـرى فـإن إجـراءات الكشـف عن المصدر غير المشروع للأموال أو الممتلكات بغية مصـادرتها قـد يقـع علـى عـاتق المؤسسـات المصـرفية أو غيرها التي تحوز المعلومات والسجلات التي يمكن بواسطتها معرفـة هـذا المصـدر غيـر المشـروع (الفقـرة السابعة من ذات المادة 31).  

خامسا: الجهة التي تملك الحكم بالمصادرة

على الرغم من أن المصادرة عقوبة، ولا عقوبة إلا بحكم قضائي، فإن اتفاقيـة مكافحـة الفسـاد تجيـز المصـادرة أيضـا بقـرار إداري صـادر عـن سـلطة غيـر قضـائية، وهذا هـو المعنـى الـذي يسـتخلص مـن الفقـرة السـابعة مـن المـادة 31، والفقـرة (ر) مـن المـادة الثانيـة مـن الاتفاقيـة حيـث أجازت هـذه الأخيـرة أن تكـون المصـادرة بـأمر صادر عن محكمة (أي بموجب حكم أو قرار قضائي)، وكذلك استنادا إلى قرار صادر عن سلطة مختصة أخرى، ولا شك أن هذه الأخيرة تستوعب القرار الإداري بالمصادرة. 

وٕإذا كـان حكـم الفقـرات السـابقة يقتصـر علـى إجـراءات مصـادرة أمـوال الفسـاد التـي تـتم فـي إطـار نفـس الدولـة ،فإن المـادة 55 مـن الاتفاقيـة تشـمل إجـراءات التعـاون الـدولي لأغراض المصـادرة، ولتحقيق أهـداف التعاون فقد تضمنت المادة 31/ف7 السالفة الذكر على مجموعة من القواعد منها:  

" أنـه علـى كـل دولـة طـرف أن تخـوَل محاكمهـا أو سـلطاتها المختصـة الأخرى، سـلطة الأمـر بإتاحـة تقـديم السـجلات المصـرفية أو الماليـة أو التجاريـة، ولا يجـوز الاحتجـاج بسـرية الحسـابات المصـرفية لـرفض العمـل بهذا الحكم ". 

كذلك، على كل دولة طرف يقع في إقليمها متحصلات إجراميـة أو أمـوال أو أدوات أو أشـياء أخـرى متعلقـة بالجريمة، قدم إليها طلب بالمصادرة مـن طـرف آخـر لـه اختصـاص قضـائي بنظـر إحـدى الجـرائم المنصـوص عليهـا فـي هـذه الاتفاقيـة أن تتخـذ فـي إطـار نظامهـا القـانوني الـداخلي مـا يلـزم لتحويـل الطلـب إلـى سـلطاتها المختصـة، إما لاستصـدار حكـم بالمصـادرة، أو تنفيـذه إذا كـان قـد صـدر فعـلا، أو بغـرض تنفيـذ الحكـم الصـادر بالمصادرة من المحكمة المختصة فـي الدولـة الطالبـة فـي حـدود الطلـب (المـادة 55 / ف 1 مـن الاتفاقيـة)

وعلـى الدولـة المطلـوب إليهـا أن تتخـذ مـا يلـزم مـن تـدابير لكشـف وتحديـد المتحصـلات والأمـوال الناتجـة عـن الجريمة ،وتجميدها أو ضبطها لاحتمال مصادرتها. 

وعلى كل دولـة طـرف أن تقـدم للأمـين العـام للأمـم المتحـدة صـوار مـن تشـريعاتها الداخليـة ذات الصـلة بهـذه المادة (م55)، وبالتعديلات التي تدخلها لاحقا على تلك التشريعات.

لقد أخذ المشرع الجزائري بهذا الإجراء بموجب المادة 63 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته: "تعتبر الأحكام القضائية الأجنبية التي أمرت بمصادرة ممتلكات اكتسبت عن طريق إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو الوسائل المستخدمة في ارتكابها نافذة بالإقليم الجزائري، طبقا للقواعد والإجراءات المقررة، كما يمكن للجهات القضائية أثناء نظرها في جرائم تبييض الأموال أو جريمة أخرى من اختصاصها وفقا للتشريع الجاري به العمل، أن تأمر بمصادرة الممتلكات ذات المنشأ الأجنبي  والمكتسبة عن طريق إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وتلك المستخدمة في ارتكابها،  ويقضي بمصادرة الممتلكات المذكورة في الفقرة السابقة حتى في انعدام الإدانة بسبب انقضاء الدعوى العمومية أو لأي سبب آخر. 

إجراءات التعاون الدولي لمكافحة الفساد من التدابير العلاجية والتي تعتمد عليه أغلبية الدول الأعضاء سواء في اتفاقية مكافحة الفساد أو في الاتفاقيات المرتبطة بها، إلا أن هذه الإجراءات لا يمكن تجسيدها على أرض الواقع إلا بتطبيق العديد من المبادئ وعلى رأسها مبدأ المعاملة بالمثل من قبل الدول الأعضاء، إلا أنها تعتبر من بين التدابير المهمة والأساسية في مجال مكافحة الفساد بين الدول وفي حالة امتداد الجريمة إلى خارج الرقعة الجغرافية للموقع الجريمة. 

الفرع الثالث: الاعتراف بأحكام العقوبات الأجنبية 

عنـدما تتضـمن معاهـدة المسـاعدة القانونيـة المتبادلـة، أو أيـة اتفاقيـة متعـددة الأطـراف التزامـا يقضـي بتجميد عوائد نابعة من أنشطة غير مشروعة تمهيدا لمصادرتها، فإن ذلك يتطلب من دولة ما في وقت معين أن تعترف بأحكام العقوبات لدولة أخرى.  

وهو ما يتشابه في نتيجته مع تنفيذ أمر المصادرة بناء على نصوص اتفاقية تعنى بالاعتراف للأحكام الأجنبية بقوة تنفيذية، وٕإن ظل الاختلاف قائما، ذلك أن التجربة في هذه الحالة الأخيرة عادة ما تطالعنا بوجود بعـض الصـعوبات والمعوقات، وكمـا توضـح اتفاقيـة المجلـس الأوروبـي لغسـل الأمـوال، فإنـه وفقـا لمعاهـدات المساعدة القانونية وغيرها من الوثائق التي تهدف إلى تنفيذ أوامر المصادرة، فإن أسلوب المسـاعدة القانونيـة المتبادلـة يتـداخل مـع أسـلوب الاعتـراف بتنفيـذ أحكـام المصـادرة الأجنبيـة. وتقـوم المعاهـدة التـي تقضـي بالاعتراف بأحكام المصادرة الأجنبية على عدد من المبادئ.  

فوفقـا لمثـل تلـك المعاهـدة، يمكـن أن يطلـب مـن دولـة مـا أن تنفـذ أيـا مـن أنـواع العقوبـات والتـدابير المتعـددة بمـا فـي ذلـك أحكـام المصـادرة، وذلك شـريطة الالتـزام بمجموعـة مـن الضـوابط مثـل الاعتـداد بمبـادئ التجريم المزدوج، وعـدم جـواز المحاكمـة عـن ذات الجـرم مرتين، وحتـى يتسـنى للدولـة المطلـوب منهـا المسـاعدة أن تنفذ أحكام المصادرة الأجنبية فإن الشخص المحكوم عليه يجب أن يكون قد توافرت له الفرصة في دفاع كـاف ضـمن محاكمـة تعتـرف بالمبـادئ الأساسـية للعدالـة وحقـوق الإنسـان، وكل قـرار يجـب أن يكـون نهائيـا وقـابلا للتنفيـذ، كما يجـب إلا تكـون الجريمـة التـي نتجـت عنهـا المصـادرة ذات طبيعـة سياسـية أو عسـكرية أو مالية وعلى الدولة بصفة عامة أن تتقدم بالآتي عند تقديم الطلب:

1: نسخة معتمدة من القرار أو الأمر بالمصادرة. 

2: وصف الجريمة التي تم بموجبها إصدار العقوبة، مع وصف العقوبة وتحديدها. 

3: بيان هوية ومكان الشخص المطلوب.  

4: في حالة المصادرة يجب الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالملكية المطلوبة.

وبالرجوع إلى التشـريع الجزائـري بشـأن تنفيـذ أحكـام المصـادرة الصـادرة عـن جهـات قضـائية أجنبيـة، فإن قـرار المصـادرة الصـادر مـن جهـة أجنبيـة يوجـه مباشـرة إلـى وازرة العـدل التـي تحولـه للنائـب العـام لـدى الجهـة القضائية المختصة، بشرط أن يكون الطلب موجه من قبل دولة طرف فـي اتفاقيـة مكافحـة الفسـاد، كما يشـترط أن يـنص الطلـب المتضـمن قـرار أو أمـر المصـادرة علـى عائـدات الجريمـة أو الممتلكـات أو العتـاد أو أيـة وسائل استعملت لارتكاب إحدى جرائم الفساد المنصوص عليها في القانون.   

ثم ترسل النيابة العامـة هـذا الطلـب (الحكـم الأجنبـي) إلـى المحكمـة المختصـة مرفقـا بطلباتهـا، ويكون حكـم المحكمة قابلا للاستئناف والطعن بالنقض وفقا للقانون.  

وتنفـذ الأحكـام الصـادرة علـى أسـاس الطلبـات الموجهـة بمعرفـة النيابـة العامـة بكافـة الطـرق القانونية، وبـذلك نسـتخلص أن المشـرع الجزائـري وبغـرض اعترافـه بالأحكـام الأجنبيـة الصـادرة بشـأن مصـادرة عائـدات جـرائم الفساد يستوجب تحقق الشروط السـابقة والمحـددة بالمـادتين 67و 68 مـن قـانون الوقايـة مـن الفسـاد ومكافحتـه وهو بمثابة تصديق على هذا النوع من الأحكام.

المرجع:

  1. د. امحمدي بوزينة آمنة، محاضرات في مقياس مكافحة الفساد، مقدمة لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص القانون العام، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، كلية الحقوق والعلوم السياسية القسم العام، السنة الدراسية 2019-2020، ص215 إلى ص257. 
google-playkhamsatmostaqltradent