أشكال تجريم الفساد في ظل قانوني العقوبات والوقاية من الفساد ومكافحته

أشكال تجريم الفساد في ظل قانوني العقوبات والوقاية من الفساد ومكافحته

أشكال تجريم الفساد في ظل قانوني العقوبات والوقاية من الفساد ومكافحته

تبنى المشرع الجزائري صوار إجرامية حديثة للفساد بموجب القانون رقم 06 /01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته والمؤرخ في 20 فبراير 2006 خصوصا بعد تصديق الجزائر على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتحفظ وذلك بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 128/ 04 المؤرخ في 19 /04 /2004. 

وبهذا التوجه يكون المشرع الجزائري قد إقتنع بضرورة التصدي السريع والفعال لكل الأشكال الفساد ،وتأكيدا منه على الأهمية القصوى لتفعيل سبل الوقاية من الفساد الداخلي ومكافحته، قام بسن القانون رقم 06 /01 المذكور، كقانون مستقل بذاته حتى وٕإن إستلهم بعض أحكامه من القوانين ذات الصلة كقانون العقوبات الجزائري، قانون الجمارك.... وتظهر ذاتية هذا القانون من خلال تنظيمه لصور إجرام مستحدثة وجديدة تختلف عن تلك الصور الإجرامية الكلاسيكية التي نظمتها باقي القوانين الأخرى في هذا المجال، وعليه سنتعرض فيما يلي:

المطلب الأول: صور الانحرافات المالية في جرائم الفساد

المطلب الثاني: صور الانحرافات السلوكية في جرائم الفساد

المطلب الأول: صور الانحرافات المالية في جرائم الفساد

يقصد بالانحرافات المالية عدم الالتزام بالقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، ومخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية، ومن ضمن هذه الطرق وأشهرها جريمة الرشوة التي تمثل أهم أحد الأفعال المكونة لهذه الانحرافات، ذلك أنها تنطوي على الاتجار بالوظيفة العامة أو الخاصة، وأكثر من ذلك فهناك من يقرن الفساد بالرشوة ويعتبرهما مترادفين.

إضافة إلى الرشوة، فثمة أفعال أخرى من الانحرافات المالية في قانون مكافحة الفساد والتي لا تقل أهمية عنها وتتمثل في سلوكيات تعتبر من قبيل التلاعب والاستثمار في الوظيفة ونخص بالذكر الإثراء غير المشروع وتلقي الهدايا، ولأن المال العام هو أحد أهم الموارد الاقتصادية للدولة كان يتوجب أيضا حمايته من جريمة الاختلاس وباعتبار الصفقات العمومية أهم وسيلة لتجسيد البرامج التنموية للدولة فقد اهتم المشرع بتجريم وقمع كل المخالفات والتجاوزات التي ترتكب أثناء إبرام أو تنفيذ الصفقة العمومية، وعليه سنتعرض لهذه الانحرافات المالية التي حظرها المشرع الجزائري على الموظف أو من حكمه في إطار قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فيما يلي:

الفرع الأول: جريمة الرشوة في صورتها المستحدثة بموجب قانون 06-01 

عملت الجزائر على إستحداث نصوص قانونية جديدة تتكفل بالأوضاع الجديدة المستجدة والمستحدثة والتي من بينها جريمة الرشوة، وهذا ما تجسد بموجب القانون رقم 06 /01 المؤرخ في 6 فبراير  2006 المتعلق بالوقاية جرائم الفساد ومكافحته.

أولا: الرشوة في القطاع العام

تجدر الإشارة إلى أن المواد 126، 126 مكرر و127 من قانون العقوبات والمتعلقة بهذه الجريمة تم إلغاؤها لتعوض بالمادة 25 من القانون رقم 06 /01، كما ظهرت حالة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية لذا نص المشرع الجزائري في القانون رقم 06 /01 على هذا النوع من الرشوة، وذلك من خلال المادة 28 منه.

1. رشوة الموظف العمومي: بالرجوع إلى المادة 25 من القانون 06- 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومحاربته نجد أنه نصّ في الفقرة الأولى من هذه المادة على الجريمة السلبية وهي جريمة الراشي، أما في الفقرة الثانية منها، فقد نصّ على الجريمة الإيجابية وهي جريمة المرتشي، ويتضح من خلال هذه المادة جليا أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب الجريمة الثنائية حيث فصل بين جريمتي الرشوة ويستشف من خلال نص المادة المذكورة الركنين المادي والمعنوي لكل جريمة على حدى، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن المشرع الجزائري فصل من الناحية الموضوعية بين الجريمتين.

إلى جانب ذلك نلاحظ أن المشرع الجزائري أناط جريمة الرشوة بالموظف العمومي، بمعنى أنه تتوفر صفة الشخص المرتشي في الموظف العمومي ويبدو أن عبارة الموظف العمومي يشوبها نوع من الغموض، فهل تؤخذ بمعناها الضيق وفقا لما جاء في القانون الإداري أم بمعناها الواسع بمعنى أن الموظف العمومي هو كل شخص مكلف من هيئات الدولة بتقديم خدمة عمومية، ولكن بالرجوع إلى قانون العقوبات ومن خلال المواد 126، 126 مكرر ،127 الملغاة بالقانون 06 -01 السالف الذكر، نجد أن الموظف العمومي أخذها المشرع بالمعنى الواسع حيث عدد صفات المرتشي في الموظف، صاحب ولاية نيابية، طبيب ،قاضي، كاتب ضبط، المحكمون، الخبراء.

وصفوة الكلام أن المشرع الجزائري وفقا لما جاء في صياغة المادة 25 من القانون 06 -01 قد أخذ بالتعريف الذي جاءت باتفاقية الأمم المتحدة للوقاية من الفساد ومكافحته حيث نصّت في المادة 15 منها على صفة المرتشي وألحقتها بالموظف العمومي.

تظهر رشوة الموظف العمومي في صورتين وهما الرشوة الإيجابية، والرشوة السلبية أو جريمة الموظف المرتشي.

جدير بالذكر أن المشرع في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته قد جمع بين صورتي الرشوة في نص واحد مع إفراد كل صورة بفقرة.

أ. جريمة الرشوة الإيجابية: هي تلك الجريمة المنصوص عليها في المادة 25 فقرة 1 من القانون رقم 06 /01 وتتمثل في قيام شخص بالعرض على موظف عمومي، مزية غير- مستحقة أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر سواء كان ذلك لصالح الموظف أو لصالح شخص أو كيان آخر لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، ولا تقوم هذه الجريمة إلا بتوفر القصد الجنائي العام الذي يتكون من عنصري العموم والإرادة ،ونفس الشيء بالنسبة لجرائم الفساد الأخرى لا تقوم إذا انتفى عنصر العموم والإرادة.

أما عناصر الركن المادي، فيمكن تلخيصها في طلب الجاني (الموظف العمومي)، أو قبوله مزية غير مستحقة نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.

فأما طلب الرشوة فهو تعبير عن إرادة منفردة صادرة عن الموظف بغية الحصول على مقابل نظير قيامه بعمل معين أو امتناعه عن القيام بعمل معين.

ولا تأثير لشكل الطلب في قيام المسؤولية الجنائية، فيستوي في ذلك أن يكون طلبا كتابيا أو شفهيا أو يكون صريحا أو ضمنيا، وسوء قام الجاني بالطلب لنفسه أو عهد بهذه المهمة إلى شخص آخر باسمه ولحسابه.

والحكمة من الاكتفاء بالطلب لقيام الجريمة، تكمن في أن الموظف بفعله هذا يكون قد عبر عن نفسية إجرامية وعرض وظيفته كسلعة للاتجار بها واستغلالها، وبالتالي فالجريمة تقوم حتى ولو لم يلقى هذا الطلب قبولا من ذي الحاجة، وهنا لا فرق بين الشروع والجريمة التامة.

والحقيقة أن الأمر الذي يمكن أن تنشأ عنه صعوبات في العمل هو إثبات ذلك الاتفاق الذي يحصل بين الراشي والمرتشي، فإذا كان قبض المرتشي للعطاء يجعل من السهل إقامة الدليل على الاتفاق بينهما، فإنه وبالعكس، إذا كانت الرشوة قائمة على مجرد وعد بشيء ما ،فإن إثبات الاتفاق يكون من أصعب الأمور ،فيجب على سلطة الاتهام أن تقيم الدليل على أن الموظف تعاقد مع صاحب المصلحة، وقبل ما عرض عليه.

وأما العنصر الثاني المكون للركن المادي، فيتمثل في قبول الموظف العمومي المزية غير المستحقة ،التي عرضها عليه الراشي، وما قيل بشأن شكل الطلب آنفا ينطبق على شكل القبول، على أنه لا يكون لهذا الأخير اعتبار في قيام جريمة الرشوة إلا إذا كان جديا، فلو تظاهر الموظف بقبوله لعرض الراشي ،حتى يمكن السلطات من القبض عليه متلبسا، لا تقوم جريمة الرشوة في شأن الموظف لأن إرادته اتجهت إلى المساعدة في القبض على الراشي.

وأما العنصر الآخر المكون للركن المادي، فيتمثل في المنفعة أي الفائدة أي المقابل الذم يسعى الموظف المرتشي إليه، وقد عبرت عنه المادة 25 /2 ب" المزية غير المستحقة"، كما قيل بشأن المزية غير المستحقة في جريمة إساءة استغلال الوظيفة كجريمة استغلال النفوذ ينطبق على جريمة الرشوة.

ويكون مقابل هذه المزية هو قيام الموظف بأداء عمل أي الامتناع عن عمل، يندرج ضمن أعمال وظيفته، ومثاله ضابط الشرطة الذم يتلقى رشوة مقابل امتناعه عن تحرير محضر مخالفة لسائق السيارة.

ولما كانت الرشوة السلبية جريمة قصدية، فهي تتطلب كقصد جنائي توافر عنصري الإرادة كالعلم، أي اتجاه إرادة المرتشي إلى إتيان أحد المظاهر السلوكية المشار إليها أعلاه، والمكونة للركن المادي، ويجب أن تنصرف نية الفاعل إلى الاستيلاء على المزية غير المستحقة بقصد التملك أو الانتفاع.

ب- جريمة الرشوة السلبية: وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة 25 فقرة 2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته تتمثل في طلب الموظف العمومي أو قبول مزية غير مستحقة بشكل مباشر أو غير مباشر، مقابل قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنيا .الحقيقة أن رشوة الموظف العمومي تعتبر من أخطر الأفعال التي تمس بنزاهة الوظيفة العامة، كما تؤدي إلى إهدار أحكام القانون لما تضع شروطا لإنتفاع الأفراد بالخدمات العامة بمقابل، فكما تاجر الموظف بوظيفته ،واستغلالها لمصلحته الخاصة كمما انتشر الفساد وضعفت هيبة الدولة.

من أجل هذا لم يشترط المشرع الجزائري أن يتوفر لدى الفاعل صفة معينة، ذلك أنه صاحب الحاجة أو المصلحة الذي يقوم إما بوعد الموظف العمومي بمزية غير مستحقة أو يمنحه إياها، أو عرضها عليه.

ومن منطوق المادة السابقة، يتضح لنا العناصر المكونة للجريمة، والمتمثلة في الركن المادي الذي يتطلب قيام الراشي بعرض المزية غير المستحقة أو منحه أو حتى وعده بها للموظف، وهي العبارات نفسها التي تضمنتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003.

يكون من المهم في هذا المقام أن نشير إلى أن قانون العقوبات لم يتضمن نصا يجرم فعل الوسيط ،أي ما يسمى بالمتدخل في بعض القوانين، وذلك سواء في قانون العقوبات أو حتى في القانون 06 /01، وما هذا إلا قصور في التشريع، ذلك أن الوسيط أي المتدخل أي الرئش لا يقل إجراما عن مثيله الراشي والمرتشي، بل ربما لولا سعيه بينهما لما أفلحا في ارتكاب الجريمة.

غير أن عدم ذكر المركز القانوني للوسيط في جريمة الرشوة لا يعني عدم خضوعه للعقاب وفقا للقواعد العامة للتجريم، فالوسيط يعد شريكا في الجريمة وفقا للمادة 42 من قانون العقوبات التي أحالت عليها المادة 52 بنصها على ما يلي: "تطبق الأحكام المتعلقة بالمشاركة المنصوص عليها في قانون العقوبات على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون".

أما بخصوص الركن المعنوي الذي تتطلبه هذه الجريمة، فهي تتفق مع عناصر الركن المعنوي في جريمة الرشوة السلبية، وعليه فهي تتطلب توافر عنصري العلم كالإرادة، أي أن تتجه إرادة الراشي إلى فعل الإعطاء أو العرض أو الوعد وهو عام بكافة عناصر الجريمة وفي هذا قضت المحكمة العليا بأن : "الراشي لا يعفى من العقاب إلا إذا كان مضطرا على ارتكاب الجريمة بقوة ليس في استطاعته مقاومتها وفقا لأحكام المادة 48 من قانون العقوبات.

أما عن العقوبات، فقد وحدها المشرع الجزائري في كلتا الصوريتين من التجريم (الرشوة الإيجابية، الرشوة السلبية)، وتتمثل في الحبس من سنتين إلى عشر سنوات، وبغ ارمة من 200.000 د.ج إلى  1000.000دج.

هذا إذا كان الفاعل شخصا طبيعيا، أما إذا كان شخصا معنويا، فيعاقب بالعقوبات المقررة في المادة 18 والمتمثلة في الغرامة التي تساوي مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي، إضافة إلى جواز الحكم بعقوبات تكميلية.

وجدير بالملاحظة بأن جريمة الرشوة تمتاز عن بقية الجرائم بميزتين: ترتبط الميزة الأولى بخاصية تقادم الدعوى العمومية، حيث تطبق على الرشوة في مختلف صورها ما نصت عليه المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته والتي تقضي بعدم تقادم الدعوى العمومية في جرائم الفساد بوجه عام في حالة ما إذا ما تم تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج، وفي غير ذلك من الحالات تطبق أحكام قانون الإجراءات الجزائية .وبالرجوع إلى المادة 08 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية، تنص على أنه: "لا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في الجنايات والجنح. ..المتعلقة بالرشوة." وبناء عليه، فإن جريمة الرشوة غير قابلة للتقادم.

أما الميزة الثانية التي تتميز بها جريمة الرشوة عن باقي جرائم الفساد، هي أن العقوبات المنطوق بها في هذه الجريمة غير قابلة للتقادم وفقا لما نصت عليه المادة 612 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية.

وعليه جرم المشرع كل فعل يقوم هو الموظف العمومي بغرض قبض أو محاولة قبض لنفسه أو لغيره بصفة مباشرة أو غير مباشرة أجرة أو منفعة ميما كان نوعيا بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو الجماعات المحمية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو المؤسسات العمومية الاقتصادية.

ما يلاحظ في هذا الصدد أن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته قد جعل من الموظف العمومي الصفة الواجب توافرها في الجاني المرتكب لرشوة في الصفقات العمومية، وبتعبير آخر الموظف العام هو الركن المفترض في جريمة الرشوة خاصة وجرائم الفساد عامة.

إن السؤال الذي قد يطرح في هذا الصدد يكمن في مدى تضييق أو توسيع قائمة الجناة في جريمة الرشوة، فبعد أن عدّد المشرع في قانون العقوبات من خلال المواد الملغاة للأشخاص الذين تتوفر فيهم صفة المرتشي، إلا أنه اكتفى في المادة 25 من القانون 06 -01 بعبارة الموظف العمومي.

إن في تقديرنا الخاصّ نرى أن المشرع قد وسّع قائمة الأشخاص الذين تتوفر فيهم صفة المرتشي، فإن كان قد عدد تلك الفئة على سبيل الحصر في المواد الملغاة من قانون العقوبات فإن الأمر يختلف في المادة 25 من القانون 06 -01 حيث أن كل (موظف) شخص يكلف بتقديم خدمة عمومية وبالأحرى كل شخص تعيّنه جهة عمومية للقيام بعمل معين تتوفر فيه صفة المرتشي متى توافرت أركان هذه الجريمة.

إلى جانب هذا نجد أن المشرع الجزائري قد نصّ في المادة 25 من القانون 06 -01 على أن الموظف المتابع بجريمة الرشوة هو من قام بعمل أو الامتناع عن عمل يكون من واجباته، فماذا لو تلقى موظف مزية غير  مستحقّة عن عمل لا يدخل في اختصاصه؟

هناك من يرى أن الموظف يكون مرتشيا ولو كان العمل المطلوب أداؤه خارجا عن اختصاصه الشخصي، ولكن بمناسبة وظيفته مما يسهل الأمر أمامه من أجل أداء هذا العمل، والأمر يختلف إذا انتحل شخص صفة الموظف في حين أنه لا علاقة بهذه الوظيفة أي ما يعرف بالموظف الوهمي، ويقوم بتلقي رشوة مقابل وعود وهمية من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، ففي هذه الحالة نكون أمام جريمة نصب واحتيال.

وجاء في قرار المجلس الأعلى بشأن هذه القضية أن كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات إما باستعمال أسماء أو صفة كاذبة أو سلطة خيالية، يعدّ مرتكبا لجريمة النصب ويعاقب على هذا الأساس وفقا لأحكام المادة 372 من قانون العقوبات.

كما تجدر بنا الإشارة إلى أنه لا يمكن الاحتماء والتنصل من جريمة الرشوة تحت غطاء أي عذر كأن يدعي شخص راشي أن هناك أسباب دفعته إلى انتهاج هذا الطريق، وقد جاء في قرار المحكمة العليا بتاريخ 12 /04 /1992 في قضية رقم 77162 حيث جاء في هذا القرار ما يلي:

من المقرر قانونا أن كل من يلجأ للعطايا أو الهبات أو غيرها من المزايا أو استجاب لطلبات يكون الغرض منها الإرشاد للحصول على مزايا أو منافع أو خدمات تمنحها السلطة العمومية يتحمل المسؤولية الجزائية، ولا يعفى من العقوبة إلا الشخص الذي اضطرته إلى ارتكابها قوة لا قبل له بدفعها وفقا للمادة 48 من قانون العقوبات.

2. رشوة الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية : كما إن الفساد بمظاهره المختلفة ليس حبيس الدولة الواحدة بل تعداها ليصبح ذا بعد دولي، ممّا جعل أمر مكافحته من الصعوبة بما كان متطلبا ضرورة تكاثف الجهود الدولية لتوحيد الرؤى والمفاهيم، وهذا ما حصل فعلا حيث كللت الجهود الدولية بإبرام العديد من الاتفاقيات في هذا الشأن أهمها على الإطلاق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2003 وتعتبر الجزائر أول دولة عربية صادقت على الاتفاقية وذلك سنة 2004. 

ومن هذا المنطلق قام المشرع الجزائري بإصدار قانون الوقاية من الفساد ومكافحته متضمنا مجمل جرائم الفساد المنصوص عليها في الاتفاقية السابقة الذكر، بالإضافة إلى قوانين تكميلية أخرى، وكان من بين أهم الجرائم التي تضمنها قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06 -01 جريمة الرشوة والتي لها عدّة صور من بينها رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظف المنظمات الدولية والتي انتقيناها كعنوان لمداخلتنا.

حيث نص المشرع الجزائري في القانون رقم 06 – 01 على هذا النوع من الرشوة، وذلك من خلال المادة 28 منه، وهو ما يدفعنا لهذا التساؤل ما هو الإطار القانوني لجريمة الرشوة المرتكبة من طرف الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية؟.

 أ. مفهوم الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية 

تستدعي دراسة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية التطرق إلى تعريف الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية (فقرة أولى)، والتطرق إلى صورها (فقرة ثانية)، والبحث عن أركانها (فقرة ثالثة).

الفقرة الأولى: تعريف الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية 

عرفّ المشرع الجزائري الموظف العمومي وذلك في المادة الرابعة من القانون 06 – 03 يتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية على أنه كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة ورسم في رتبة السلم الإداري، والترسيم هو الإجراء الذي يتم خلاله تثبيت الموظف في رتبته، والمشرع الجزائري لم يكتفي بتعريف الموظف العمومي إنّما تطرق لتعريف الموظف العمومي الأجنبي فعرفه بموجب المادة 2 فقرة ج من القانون 06 – 01 على أنّه كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد أجنبي، سواء كان معينا أو منتخبا، وكل شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي، بما في ذلك لصالح هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية.

وما يلاحظ على التعريف الذي قدمه المشرع الجزائري للموظف العمومي الأجنبي أنّه قد تأثر بالتعريفات التي قدمتها اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، ولما هو متبنى في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بالنسبة لتعريف الموظف العمومي الأجنبي حيث عرفته الأولى بموجب المادة الأولى الفقرة الرابعة على أنّه أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد أجنبي، سواء كان معينا أو منتخبا، أو أي شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية.

وعرفته الثانية بموجب المادة 2 فقرة ب حيث احتفظت بنفس التعريف الوارد في اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية على أنه أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد أجنبي، سواءأ كان معينا أو منتخبا؛ وأي شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي، بما في ذلك لصالح جهاز عمومي أو منشأة عمومية.

ويقصد بالبلد الأجنبي جميع مستويات الحكومة وتقسيماتها الفرعية من وطنية ومحلية.

أمّا موظفي منظمة دولية عمومية فيقصد به كل مستخدم دولي أو كل شخص تأذن له مؤسسة من هذا القبيل بأن يتصرف نيابة عنها".

وهي تعد صورة مميزة للرشوة، نصت على أحكامها المادة 285 من قانون مكافحة الفساد، وما يلاحظ من خلال تحليل هذه المادة أن المشرع قد حافظ على نفس الصورة التقليدية لجريمة الرشوة المرتكبة من طرف الموظف العمومي الوطني من حيث الأركان المكونة لهذه الجريمة والجديد الوارد في قانون مكافحة الفساد يتعلق بصفة الجاني.

حيث أورد صورتين لصفة الجاني، وهما:

أ‌- صفة موظف عمومي أجنبي: وهنا ينعقد الأشكال حول كيفية تحديد هذه الصفة فهل يتم تحديدها وفق التعريف الوارد في التشريع الجزائري أم وفق تشريع البلد الذي ينتمي إليه الجاني.

وبالرجوع إلى نص المادة 02 في الفقرة جـ من قانون مكافحة الفساد فقد عرفت هذه الأخيرة الموظف العمومي الأجنبي وفق ما جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والمؤرخة في 31 أكتوبر 2006 كالتالي: "كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدى بلد أجنبي سواء كان معينا أو منتخبا وكل شخص يمارس وظيفة عمومية لصالح بلد أجنبي، بما في ذلك لصالح هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية".

ب‌- صفة موظف في المنظمات الدولية العمومية: ويمكن إدراج تساؤل حول المقصود من صفة الموظف في هذه الصورة الجديدة للتجريم هل هو الموظف fonctionnaire أم الموظف العمومي publicagent؟ والمقصود هو الموظف في نظر المنظمات الدولية العمومية وليس ما هو وارد ضمن المادة 2 في فقرتها الخامسة من قانون مكافحة الفساد.

ودليل ذلك ما ورد ضمن المادة 02 في فقرتها الخامسة حول تعريف موظف المنظمة الدولية العمومية إذ جاء فيها "كل مستخدم دولي أو كل شخص تأذن له مؤسسة من هذا القبيل بان يتصرف نيابة عنها".

الفقرة الثانية: صور جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية

جريمة الرشوة تفترض وجود راشي ومرتشي، وهذا ما أدى بأهل الفقه تبنى التقسيم الثنائي لجريمة الرشوة ،وهما الجريمة السلبية حيث تقوم جريمة الرشوة السلبية بمجرد عرض أو وعد أو منح الموظف العمومي سواء كان ذلك لصالح الموظف ذاته أو شخص آخر أو كيان آخر بميزة غير مستحقة بهدف أداء أو امتناع هذا الأخير عن عمل من صميم واجباته ،والجريمة الإيجابية وتقوم جريمة الرشوة الايجابية بمجرد أو قبول بأي صورة من الصور كانت مزية مستحقة من طرف الموظف العمومي سواء لنفسه أو لغيره أولصالح كيان آخر وذلك لأداء أو امتناع عن أداء عمل.

والمشرع الجزائري تبنى النظام الثنائي لجريمة الرشوة بمختلف أنواعها سواء جريمة الرشوة في القطاع الخاص أو القطاع العام بمختلف صورها، ومن ذلك جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية، وذلك بموجب المادة 28 فقرة 1 و2 من القانون رقم 06 – 01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، حيث تنص:"كل من وعد موظفا عموميا أجنبيا أو موظفا في منظمة دولية عمومية بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر، سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، وذلك بغرض الحصول على أو المحافظة على صفقة أو أي امتياز غير مستحق ذي صلة بالتجارة الدولية.

2- كل موظف عمومي أجنبي أو موظف في منظمة دولية عمومية، يطلب أو يقبل مزية غير مستحقة ،بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لنفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته".

والمشرع الجزائري قد أصاب في ذلك إلى حد بعيد لأن الراشي مهما كانت النتيجة التي يسعى لتحقيقها لا يخول له الأمر اللجوء إلى الرشوة، وهذه الحقيقة تسلم بها الأقلية من المجتمع لكن الأغلبية تلمس له الأعذار خاصة إذا شاع الفساد في المجتمع.

وبتجريم الرشوة بصورتيها السلبية والإيجابية (الراشي والمرتشي) يعني أنّ جريمة الرشوة أضحت جزءا من ثقافة المجتمع، فلا بد من أن ينال كل من الراشي والمرتشي جزاؤه ولا يستوجب وفقا لهذا المنطلق متابعة الراشي والمرتشي في آن واحد وفي هذا الشأن قضت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 05 – 01 – 1971 بأن الفصل بين الجرائم المنسوبة إلى الفاعلين يسمح بدون صعوبة بعدم متابعة الراشي والمرتشي في وقت واحد، ولا يمكن لأحد الفاعلين أن يعرقل ممارسة الدعوى العمومية بإلحاحه على متابعة الفاعل الآخر في وقت واحد معه.

ب - الأركان التي تقوم عليها جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية

تقوم جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية على مجموعة من الأركان أولها توفر صفة الجاني فجريمة الرشوة من جرائم الصفة بحيث لا يمكن ارتكابها قانونا إلا من طرف طوائف من الأشخاص آتى بذكرها، فصفة الجاني في هذه الجريمة أن يكون الموظف العمومي المرتكب لجريمة الرشوة أجنبيا أو موظفا لدى مؤسسات دولية، فتقتضي هذه الجريمة في صورتها السلبية أن يكون للجاني إحدى الصفتين صفة الموظف العمومي الأجنبي أو موظف المنظمات الدولية، وتعتبر جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية جريمة مستحدثة بموجب القانون 06 – 01. 

وثانيها توفر الركن المادي والمشرع قد نص على جريمتين وهما الرشوة السلبية (جريمة المرتشي) حيث يتحقق الركن المادي في الجريمة السلبية في حالة ما قام الموظف العمومي الأجنبي أو موظفي المنظمات الدولية بطلب أو قبول مزية غير مستحقة بشكل مباشر أو غير مباشر لنفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر مقابل القيام بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته وهو ما يستنج من خلال المادة 28 من القانون 06 –01 بالنص:". ..طلب أو يقبل مزية غير مستحقة، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لنفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته".

أما الركن المادي لجريمة الرشوة الإيجابية أو ما يسمى بجريمة الراشي فيتحقق عندما يقوم شخص بوعد موظفا عموميا أجنبيا أو موظفا في منظمة دولية عمومية بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر سواء كان ذلك لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص آخر أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل من واجباته، وذلك بغرض الحصول على أو المحافظة على صفقة أو أي امتياز غير مستحق ذي صلة بالتجارة الدولية.

وثالثها تحقق الركن المعنوي وعلي أساس أنّ جريمة الرشوة إما أن تكون سلبية أو معنوية فإن الركن المعنوي لجريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية يختلف من الجريمة السلبية والجريمة الإيجابية، فالركن المعنوي لجريمة الرشوة السلبية يشترط لقيامه القصد الجنائي العام من خلال العلم بأنه يخالف قواعد قانونية معاقب عليها جزائيا حينما يقوم بهذه الوقائع المادية والنشطات الإجرامية وذلك غير كاف بل يشترط القصد الجنائي الخاص القائم على إدراكه أنه موظف أجنبي أو موظف يعمل لدى هيئة دولية وأن صفته في محل اعتبار عند الطلب والقبول لمزية غير مستحقة لنفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر وأن تصرفه هذا متاجرة بوظيفته متى كان الفعل يدخل قي نطاق واجباته.

أما الركن المعنوي لجريمة الرشوة الايجابية يشترط لقيامه القصد الجنائي العام وهو علم الراشي بالعناصر المادية للجريمة من وعد وعرض ومنح لهذه المزية غير المستحقة وأنها تمس بمصلحة من يحميها القانون وأن هذه الوقائع المرتكبة يتحقق فيها النموذج الإجرامي المعاقب عليها قانونا وهذا غير كاف بل لا بد أن يعلم الراشي بأن الذي يتعامل معه موظف أجنبي أو يعمل لدى هيئة دولية وأن تتجه إرادته إلى حمل الموظف الأجنبي أو الموظف في منظمة دولية عمومية على الإخلال بالتزام قانوني  وهو القيام بعمل الامتناع عن القيام بعمل من واجباته ويكون العمل أو الامتناع يدخل في مجال الحصول والمحافظة على صفقة أو امتياز غير مستحق متعلق بالتجارة الدولية وغيرها.

ج- الآثار المترتبة على جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية 

تترتب على ارتكاب جريمة رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية مجموعة من الآثار من بينها توقيع الجزاء على مرتكبيها وهو ما سنراها في الفقرة الأولى من هذا المحور، وكذا الإعفاء من العقوبة وهو ما تتم دراسته في الفقرة الثانية من هذا المحور.

الفقرة الأولى: الجزاء المترتب على رشوة الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية 

تطرق المشرع الجزائري بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته إلى العقوبة المقررة في حالة ارتكاب جريمة الرشوة من طرف الموظف العمومي الأجنبي ومن طرف موظفي المنظمات الدولية حيث سوى في العقوبة بينهما، فمن العقوبات المقررة لجريمة الرشوة التي يقوم بها الموظف العمومي الأجنبي السلبية أو الايجابية وموظفي المنظمات الدولية عقوبة سلب الحرية والممثلة في الحبس لمدة تتراوح من سنتين إلى عشرة سنوات، وهو ما نص عليه المشرع الجزائري بموجب المادة 28 /2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

وإضافة إلى العقوبة السالبة للحرية والتي تتراوح من سنتين إلى عشرة سنوات يحكم على الجاني بدفع غرامة مالية تتراوح من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج، وهو ما نص عليه المشرع الجزائري بموجب المادة 28 /1 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، فالسلطة التقديرية في تحديد العقوبة السالبة للحرية والغرامة تعود للقاضي.

واستنادا إلى المادة 50 من القانون 06 – 01 يجوز الحكم على الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات حيث تنص المادة السالفة الذكر: "في حالة الإدانة بجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، يمكن الجهة القضائية أن تعاقب الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات".

وبالعودة إلى قانون العقوبات نجد أن المادة 9 منها تطرقت إلى سرد العقوبات التكميلية، وتتمثل في: الحجر القانوني، الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية، تحديد الإقامة، المنع من الإقامة ،المصادرة الجزئية للأموال، المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط، إغلاق المؤسسة، الحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع، تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاؤها مع المنع من استصدار رخصة جديدة، سحب جواز السفر، نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة.

كما يمكن لقاضي الحكم على مرتكبي جريمة الرشوة بتجميد أو حجز العائدات والأموال الغير المشروعة الناتجة عن تلك الجريمة، وهو ما يستنتج من خلال المادة 51 من القانون رقم 06 – 01 التي تنص:" يمكن تجميد أو حجز العائدات والأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، بقرار قضائي أو بأمر من سلطة مختصة.

في حالة الإدانة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تأمر الجهة القضائية بمصادرة العائدات والأموال غير المشروعة، وذلك مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية.

وتحكم الجهة القضائية أيضا برد ما تم اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح، ولو انتقلت إلى أصول الشخص المحكوم عليه وفروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى".

فقط يجب أن نشير أنّ جريمة الرشوة كغيرها من الجرائم يمكن أن تأتي في صورة المساهمة الجنائية، حيث يعاقب القانون الشريك في جريمة الرشوة وكذا على الشروع في الجريمة، وذلك استنادا للمادة 52 من القانون 06 – 01 والّتي تنص:" تطبق الأحكام المتعلقة بالمشاركة المنصوص عليها في قانون العقوبات على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمثل الجريمة نفسها"، فقد يكون للراشي والمرتشي شركاء في جريمتة، وهو ما يسمح بمعاقبتهم كفاعل أصلي.

والغالب الأعم في جريمة الرشوة هو اشتراك شخصين في اقترافها، وهما الراشي والمرتشي، فالمرتشي هو من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه أو للإخلال بواجبات الوظيفة أو بعبارة أخرى هو الشخص الذي يستغل وظيفته، أما الراشي فهو صاحب الحاجة الذي يسعى إلى شراء ذمة المرتشي وٕإفساده كي يجعله يميل عن جادة الصواب وذلك بعرض أو تقديم وعد أو عطية بغية الوصول إلى هدفه وهو حمل المرتشي على أن يؤدي له عملا من أعمال وظيفته أو يمتنع عن أدائه أو يخل بواجبات وظيفته، هذا وقد يتوسط بين الراشي والمرتشي شخص ثالث وهو الرائش أو الوسيط حسبما أطلق عليه المشرع الذي قد يكون ممثلا للراشي أحيانا أو ممثلا للمرتشي أحيانا أخرى أو ممثلا لهما معا، فالرائش ليس له عملا مستقلا في جريمة الرشوة إذ هو رسول أحد الطرفين إلى الآخر أو رسول مشترك.

وسعيا من المشرع العقابي لتطويق الرشوة من جميع الجوانب ووضع حد لها بأسهل الطرق وأيسر السبل فقد أغنى وسائل المتابعة الجزائية بأساليب التحري الخاصة المتمثلة في التسليم المراقب والترصد الالكتروني والاختراق وضيق الخناق على من يريد الهروب بأموال الرشوة إلى خارج البلاد بأن منع التقادم في حقهم ونص على التعاون الدولي في مجال التحريات والمتابعات والإجراءات القضائية وتجميد الأموال وحجزها.

الفقرة الثانية: إعفاء الموظف العمومي الأجنبي وموظفي المنظمات الدولية من العقوبة 

الأصل أنّ مرتكب جريمة الرشوة لا يفلت من العقاب غير أنّ لهذه القاعدة استثناء حيث أنّه قد تتحقق بعض الأعذار القانونية تؤدي إلى رفع العقاب أو التخفيض منه، وهذا الإعفاء يقوم على أساس مجموعة من الاعتبارات وهي:

- النظر إلى الاعتبارات النفعية المستمدة من سياسة العقاب ومبناها تقدير أن المنفعة الاجتماعية التي يجلبها عدم العقاب في حالات معينة تربو على المنفعة التي يحققها العقاب، فيقرر بناء على ذلك استبعاد العقاب جلبا للمنفعة الأهم اجتماعا.

- الإعفاء من العقاب يعتبر استثناء من نصوص التجريم، والهدف منه تحقيق مصلحة عامة تكون أولى بالرعاية من المصلحة التي يحميها نص التجريم حيث يتعلق أمر الإعفاء بأهداف السياسة الجنائية التي يعتنقها.

- الإعفاء من العقوبة يغرس الريبة وعدم الثقة بين أطراف الرشوة بحيث يجعل الموظف يتراجع عن ارتكاب الجريمة خشية أن يوشي به الراشي أو الوسيط إلى السلطات، ويعترف بالجريمة في زج به إلى السجن وينجو هو بالاعتراف أو الإبلاغ.

- إن جريمة الرشوة تعتبر من الجرائم التي تتسم بالسرية والتكتم والحذر الشديد والحيطة الأمر الذي يصعب معه كشفها بسهولة وٕإقامة الأدلة ضد الجناة، فيكون في الإبلاغ عنها من أحد المساهمين فيها يسهل مهمة السلطات في ضبطها والتوصل إلى سائر مرتكبيها، وعلى ذلك يحظى المبلغ بميزة الإعفاء نظير الخدمة التي يسديها للمجتمع.

- من المتصور أن تتم ارتكاب جريمة الرشوة فلا تصل إلى علم السلطات أو لا يكتشف مرتكبيها، فتأتي سياسة حض أو إغراء الجناة على الإبلاغ عن الجريمة والمساهمين فيها بوسيلة الإعفاء.

والمشرع الجزائري قام بإتباع سياسة التحفيز للإبلاغ والكشف عن الجريمة، ويظهر ذلك من خلال صورتين أولها الإعفاء وذلك في حالة قيام من ارتكب أو شارك في جريمة الرشوة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبيها وذلك قبل مباشرة إجراءات المتابعة ،وتعود سياسة الإعفاء من العقاب مثلما سبقت الإشارة إليه إلى تشجيع المجرمين على مشروعهم الإجرامي وإرادة كشف غطاء الجريمة خاصة وأن نوعها يصعب كشفها لدقتها وٕإتمامها عادةً في طي السر والكتمان.

وتتمثل الصورة الثانية في تخفيض العقوبة إلى النصف لكل شخص ارتكب أو شارك في جريمة الرشوة بعد مباشرة إجراءات المتابعة وساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها، وهو ما كرسه المشرع بموجب المادة 49 من القانون 06 -01 حيث تنص: "يستفيد من الأعذار المعفية من العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات، كل من ارتكب أو شارك في جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وقام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية، عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبيها.

عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة أعلاه، تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة لكل شخص ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والذي، بعد مباشرة إجراء المتابعة ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها".

ثانيا: الرشوة في القطاع الخاص 

تم استحداث هذا النوع من الجرائم بموجب المادة 40 من قانون مكافحة الفساد، وفيما يتعلق باركان هذه الجريمة تجدر الإشارة إلى أنه فيما عدا صفة الجاني في صورة الرشوة السلبية فإن أركان جريمة الرشوة في القطاع الخاص والمنصوص عليها في المادة 40 لا تختلف عن رشوة الموظفين العموميين المنصوص عليها في المادة 25.

تعتبر الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد أول من تعرضت لتجريم الرشوة في القطاع الخاص وذلك بنص المادة 21 من الاتفاقية، ومادام أن الجزائر قد صادقت على هذه الاتفاقية؛ فكان لازماً عليها أن تتبنى ذلك في قوانينها الداخلية، ويكون بذلك المشرع قد ساير ذلك واستحدث في القانون رقم 06-01 هذا النوع الجرائم.

ويعتبر تحول الجزائر من الاقتصاد الاشتراكي إلى نظام اقتصاد السوق القائم على تحرير السوق من سيطرة الدولة وٕإشراك الخواص في الحياة الاقتصادية من خلال تشجيعهم والسماح لهم بإنشاء مؤسسات اقتصادية صغيرة ومتوسطة وطنية وأجنبية، مما نشأ عنه الاقتصاد الخاص الذي لم يسلم هو الآخر من آفة الرشوة؛ وهذا ما قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في الاقتصاد الوطني رغم أن البعض يعتبرها وسيلة تقوم بتسهيل الخدمات التي تستحقها الشركات الخاصة والأفراد على حد سواء، وكونها تضمن عقود حكومية مربحة، لكن ما قد تعتبره شركة مكسباً جراء الرشوة فإنه في الأصل يضر بالأعمال بشكل عام؛ كونه يخلق جو من المنافسة غير النزيهة والعادلة، وتحمل الرشوة الأعمال تكاليف إضافية، إضافةً إلى أنها تؤدي إلى إضعاف سيادة القانون، وتقلل من الكفاءة الإنتاجية نظًراً لأنها وسيلة لتحقيق أغراض شخصية دون النظر إلى الأغراض الاقتصادية للمؤسسة.

ولذلك فقد تم النص على هذه الجريمة في نص المادة 40 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، وهذا نظراً للأهمية التي ترجاها المشرع من القطاع الخاص، ولذلك كان على المشرع أن يتدخل لإسداء حماية لحسن سير المصالح الاقتصادية وضمان نزاهة عمال القطاع الخاص؛ لأن الرشوة في القطاع الخاص تعتبر من أخطر الجرائم التي تعاني منها الدول نظراً لتأثيرها السلبي البليغ على الجانب الاقتصادي والاجتماعي.

1.تعريف الرشوة في القطاع الخاص وتكييفها  

لم يعرف المشرع الجزائري الرشوة في نص المادة 40 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته مكتفياً بذكر صفة الجاني والأفعال المكونة للجريمة وحسن ما فعل المشرع الجزائري. ولهذا فقد تكفل الفقه بتعريف هذه الجريمة والتي تعتبر من صميم عمله. فقد عرف البعض على أنها "انحراف المستخدم في أداء عمله عن الهدف المسطر من أجل تحقيق مصلحة شخصية له وهي كسب غير مشروع من الوظيفة" فيما عرفها آخرون على أنها:" اتفاق بين شخصين يعرض أحدهما على الآخر عطية أو وعد أو فائدة فيقبلها لأداء عمل أو للامتناع عن عمل يدخل في أعمال وظيفته".

وما يميز الرشوة في القطاع الخاص أنها تشترط في صفة الجاني أن يكون مستخدم أو مدير كيان تابع للقطاع الخاص، أو يعمل لديه بأية صفة وتقع الجريمة غلى نظام الخدمة؛ وبالتالي اختلاف في المستفيد من الرشوة الإيجابية.

ولهذا، فإن المشرع الجزائري على غرار بعض التشريعات قد أخذ بنظام ثنائية الرشوة رغم أنه نص في المادة 52 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على أنه: "تطبق الأحكام المتعلقة بالمشاركة المنصوص عليها في قانون العقوبات على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون. يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمثل الجريمة نفسها". هذه الثنائية التي تقتضي أن تكون هناك جريمة الرشوة السلبية وجريمة الرشوة الايجابية وفيها فعل الراشي مستقل؛ ولا يعد من قبل عمل الشريك ،فلكل من جريمة الرشوة الايجابية والسلبية أركان خاصة تؤدي إلى إمكانية قيام إحداهما دون الأخرى.

والملاحظ أنه وكما وجهت انتقادات لنظام أحادية الرشوة على اعتبار إمكانية إفلات الراشي من العقاب إذا عرض الرشوة على الموظف ولم يقبلها، وهذا السلوك يدخل في التكييف الخاص بالشروع في الاشتراك. فقد وجهت انتقادات لنظام ثنائية الرشوة على اعتبار أن هذا النظام غير طبيعي كونه يقسم واقعة واحدة إلى جريمتين فهي تجزئة مصطنعة، وما الدافع إليه إلا تفادي صعوبات قانونية تظهر حين لا يستجيب أحد أطراف الجريمة للآخر، فالراشي الذي يَعِدُ أو يَعْرضُ أو يمنح المرتشي المزية فهو يبادر باقتراح أو يقبل عرض هذا الأخير؛ ما يمكن القول في هذه الحالة أن هناك رشوة ايجابية، وٕإن كان في حالة قبول العرض يكون الراشي أقل ايجابية من المرتشي؛ بل أن عمل الراشي هو السلبي على اعتبار أنه يقتصر على قبول ما يطلبه المرتشي.

وسبب أخذ المشرع بنظام ثنائية الرشوة كون هذا النظام يسمح بتسليط العقاب على حالات لا يمكن المعاقبة عليها في ظل نظام أحادية الرشوة، ويظهر ذلك من خلال تقسيم جريمة الرشوة سواءً في القطاع العام أو الخاص إلى جريمة الرشوة الايجابية وجريمة الرشوة السلبية.

2. صور جريمة الرشوة في القطاع الخاص وأركان كل منهما

من خلال نص المادة 40 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته يتضح لنا أن جريمة الرشوة في القطاع الخاص تشمل فعلين مستقلين عن بعضهما البعض بحيث يشكل أحدهما والمنصوص عليه في الفقرة الأولى بالرشوة الايجابية، بينما يشكل الفعل المنصوص عليه في الفقرة الثانية بالرشوة السلبية.  

الصورة الأولى: الرشوة الايجابية في القطاع الخاص وأركانها

 جرم المشرع الجزائري فعل الراشي وهو الشخص الذي يقوم بعرض المال أو المزية غير المستحقة على المدير أو المستخدم أو العامل من أجل أن يقوم بعمل أو الامتناع عن عمل، وهذه الجريمة لا تقتضي صفة معينة في الجاني وهي أن يكون مدير أو مستخدم أو عامل، فالمشرع لم يشترط صفة معينة في جريمة الرشوة الايجابية.

أ. العنصر المفترض في جريمة الرشوة الايجابية

عبر المشرع على الجاني في نص المادة 40 من القانون 06/01، بأنه: "كل شخص وعد أو عرض أو منح..." وعليه فإنه لم يشترط المشرع صفة معينة في الراشي فالكل معني بالرشوة الايجابية، فيمكن إلا يكون منتمياً للخدمة، كما لا يلزم أن يكون الراشي هو نفسه صاحب المصلحة في الاستفادة من العمل أو الامتناع الذي يطلبه من المستخدم فقد تكون المصلحة للغير كابنه أو زوجه.

تقتضي المادة 40 في فقرتها الثانية من قانون مكافحة الفساد أن يكون الجاني شخصا يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص أو يعمل لديه بأية صفة كانت علما وأن المشرع لم يحصر في جريمة الرشوة محل الدراسة مجال نشاط الكيان في المجالات الاقتصادية، المالية والتجارية، كما فعل في جريمة الاختلاس بل ترك المجال مفتوحا بما يسمح بوسم صفة التجريم على كل من يدير أو يعمل في تجمع بغض النظر عن شكله القانوني وهدفه، سواء تعلق الأمر بشركة مدنية أو تجارية جمعية، حزب، نقابة، تعاونية. ومهما كانت وظيفة الجاني فيه سواء مدير أو مستخدم.

كما نستخلص من تعريف الكيان الوارد في نص المادة 02 والذي يشمل مجموع العناصر المادية وغير المادية المنظمة بغرض بلوغ هدف معين أن أحكام المادة 40 في فقرتها الثانية تنطبق كذلك على الشخص الذي يعمل بمفرده لحسابه الخاص أن طلب أو تلقى مزية لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عنه ومثال ذلك المحامي، الطبيب، المهندس، التاجر...

غير أن الدكتور أحسن سنقوقة يقول إن هذا الشخص يفلت من العقاب إن هو طلب أو تلقى مزية لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عنه.

ب - الركن المادي لجريمة الرشوة الايجابية

يتمثل الركن المادي في صور الرشوة الايجابية في القطاع الخاص في فعل ايجابي يصدر من الراشي يتخذ في صورة تقديم عطية أو وعد أو عرض إلى المرتشي كما لو قدم للمستخدم ظرفاً به مال أو وعده شفوياً بتقديم المال له عند تقديم خدمة أو منفعة له. وهذا الركن المادي يتحلل إلى العناصر التالية:

-السلوك الإجرامي: ويتحقق باستعمال الوسائل التالية:

الوعد: يتمثل في قيام الراشي بوعد المستخدم أو المدير في القطاع الخاص بمزية غير مستحقة مقابل أداء عمل أو الامتناع عن عمل، وذلك بدفعه إلى الإخلال بواجباته، بالرغم من عدم التحقق بوفاء الراشي لوعده؛ لأن هذا لا يؤثر مطلقاً على قيام الجريمة، كما يستوي أن يقابل الوعد بالرفض أو القبول فبمجرد الوعد تقوم الجريمة، وفي حالة قيام الوعدان يجب أن يكون الوعد جدياً متناسباً مع العمل المقدم ومحدد، ولا تقوم الجريمة إذا كان الوعد تافهاً وجاء غير محدد.

العرض: وهو اتجاه إرادة الجاني إلى إدخال مقابل في حيازة المرتشي فهو سلوك ايجابي يظهر فيه الراشي نيته في تقديم فائدة للمرتشي نظير ما يريده، ويستوي في العرض أن يكون  ضمنياً أو صريحاً وسواءً تم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فيكفي أن تدل ظروف الحال على توافر القصد الجنائي كما لو ترك نقوداً على مكتب المدير بقصد الرشوة ثم يظهر بأنه قد تركها سهوًاً، كما يشترط أن يكون العرض جدي وغرضه تحريض المستخدم على الإخلال بواجبات وظيفته، كما لم يشترط المشرع أن يكون عرض الراشي في صورة محددة فقد يكون شفوياً كما قد يكون مكتوباً.

المنح: هو تسليم أو إعطاء الراشي للمزية سواءً بعد طلب المرتشي وفي هذه الحالة تتحقق الجريمتين الرشوة الايجابية والسلبية معاً، أما إذا تم الإعطاء أو التسليم من تلقاء نفسه وقام المرتشي إما بالقبول أو الرفض فهنا تعتبر الجريمة قائمة في حق الراشي حتى في حالة الرفض من طرف المرتشي. كما قد يلجأ الراشي إلى الوعد بالمزية أو عرضها أو منحها سواءً كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.

- المستفيد من المزية والغرض منها: قد يكون المستفيد في القطاع الخاص المدير أو المستخدم كما يمكن أن يكون شخص آخر طبيعي أو معنوي، فالمشرع لم يفرق بين الفائدة التي يحصل عليها المرتشي لنفسه أو لغيره لقيام الجريمة. وكغرض من المزية يجب أن يكون للراشي هدف معين من وراء قيامه بإرشاء المدير أو المستخدم حتى يمكن تطبيق العقوبة الواردة في المادة 40 من قانون 06-01 والتي كانت صريحة وواضحة، حيث بينت أن الرشوة يجب أن تمنح أو تعرض من أجل أداء عمل أو الامتناع عنه.

ولا يهم أن يتحقق الهدف الذي أراده الراشي؛ فتقوم الجريمة حتى ولو رفض المدير أو المستخدم العرض.

ج. الركن المعنوي في جريمة الرشوة الايجابية

لابد من توافر القصد الجنائي لدى الراشي والمتمثل في عنصري العلم والإرادة لاكتمال الجريمة. فالنسبة للعلم يجب أن يكون الراضي عالماً بأنه يتعامل مع مدير أو مستخدم في كيان تابع للقطاع الخاص، بمعنى علمه بصفة المرتشي، وأن العطية مقابل اتجار الراشي بوظيفته، فإذا كان يعتقد أنه يتجه بنشاطه إلى غير المدير أو المستخدم، أو اعتقد أن ما قدمه هو تسديد لدين عليه، أو ما طلبه هو قيمة الرسوم التي كانت عليه؛ فهنا لا يتوفر القصد الجنائي لانتفاء عنصر العلم. كما يجب أن تتجه إرادة الراشي إلى تحقيق رشوة المدير أو المستخدم العامل بالقطاع الخاص، ويجب أن تكون هذه الإرادة واعية وحرة، أما إذا كان واقع تحت تهديد وانعدمت إرادته فلا يقوم القصد الجنائي، والهدف الذي يريده الراشي هو قصد خاص ومحدد لأنه يريد عملاً خاصاً.

الصورة الثانية: الرشوة السلبية في القطاع الخاص وأركانها

هو فعل المرتشي الذي يدير كياناً للقطاع الخاص أو المستخدم الذي يعمل لديه بأية صفة، الذي يقبل المزية غير المستحقة بشكل مباشر أو غير مباشر سواءً لنفسه أو لفائدة شخص آخر أو كيان، لكي يقوم هذا المدير أو المستخدم بأداء عمل أو الامتناع عن عمل مما يشكل إخلالاً بواجباته، وهي بذلك تتوفر على عدة أركان ركن مفترض وهو صفة الجاني، وركن مادي، وركن معنوي.

أ. العنصر المفترض في جريمة الرشوة السلبية

الرشوة من الجرائم التي تقتضي الصفة في فاعلها، وأن يكون هذا الفاعل مختص في إطار عمله ضمن القطاع الخاص.

- صفة المستخدم: تقتضي هذه الجريمة أن يكون الفاعل مديراً تابعاً للقطاع الخاص أو يعمل لديه بأية صفة كانت، وهذه الصفة تقتضي توافر علاقة تبعية بين الجاني وبين صاحب العمل؛ سواءً كانت هذه التبعية دائمة أو مؤقتة، كما يشترط أن يكون العمل بأجر. ويقصد بالكيان مجموعة من العناصر المادية أو مجمعة من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المنظمين بغرض بلوغ هدف معين، فهذه الجريمة تطبق كذلك على من يعمل لحسابه الخاص إن هو طلب أو تلقى مزية لكي يقوم بأداء عمل أو الامتناع عنه، فالمشرع لم يحصر الكيان في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية، وٕإنما ترك المجال مفتوحاً مما يسمح بتطبيق هذه الجريمة على كل من يدير أو يعمل في كيان.

- اختصاص المستخدم بالعمل: لم يكتفي المشرع بشرط أن يكون الشخص مستخدم؛ بل يجب أن يكون العمل الذي طلب منه من الراشي مختص به، ويتم تحديد مصدر الاختصاص بموجب قانون أو نصوص تنظيمية أو لائحة كما قد يحدد بقرار إداري فردي صادر عن رئيس مختص سواءً أكان  شفوياً أو كتابياً، فالأساس أمن يكون هناك مدير أو مستخدم يتاجر بوظيفته التي تدخل في اختصاصه أو جزء من اختصاصه.

ب- الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية 

عناصره تتمثل في طلب عطية أو قبولها مع وعده لأداء عمل أو الامتناع عنه بدون علم ورضا صاحب الحاجة، ونشاط له صوره وموضوعه يستهدف تحقيق غرض معين يجعله مخلاً بواجباته، فالعناصر الثلاثة للركن المادي في جريمة الرشوة السلبية هي:

- السلوك الإجرامي: يتمثل هذا السلوك في طلب المستخدم أو قبوله بغير حق لمزية أو وعد أو هبة أو أية فائدة أخرى؛ مقابل عمل أو الامتناع عن عمل من الأعمال التي تدخل في اختصاصه بغير علم رب العمل.

أ.الطلب: هو اتجاه إرادة المرتشي إلى طلب المقابل في المستقبل جراء قيامه بعمل أو الامتناع عنه ،فتقع الجريمة بمجرد الطلب حتى ولو لم يستجب صاحب الحاجة، أو سارع إلى إخبار السلطات. والهدف من التجريم هو حماية أمانة العمل في القطاع الخاص الذي أؤتمن عليه المدير أو المستخدم، وكذا حماية للمعاملات بين الأفراد.

ب. القبول: هو اتجاه إرادة المرتشي إلى تلقي المقابل في المستقبل من وراء القيام بعمل أو الامتناع عنه ،ويكون ذلك أثناء وجود عرض من صاحب المصلحة بصفة جدية في ظاهره، ويكون قبول المستخدم جدي كذلك، وفي حالة انتفاء الجدية في العرض وكان هناك قبول من جانب المستخدم فلا تقوم جريمة الرشوة. ويكون التعبير عن القبول الجدي أما بالإشارة أو ضمنياً أو شفوياً أو كتابياً. وهذا ما يفهم من القول الوارد في نص المادة 40 من قانون 06 -01 التي نصت على: "...يطلب أو يقبل بشكل مباشر أو غير مباشر مزية غير مستحقة..".

- محل النشاط الإجرامي: يتمثل في الهدية أو الوعد أو المنفعة أو المزية أو غيرها مما له قيمة مادية أو معنوية كالنقود أو غيرها ويكون بذلك المشرع قد توسع في تحديد المنفعة سواءً من ناحية طبيعتها أو صورها أو من ناحية تلقيها.

أ. طبيعة وصور المنفعة: قد تكون منفعة مادية كالنقود أو الشيك أو السفتجة أو فتح حساب لصالح المرتشي، أو دفع دين في ذمة المرتشي، أو تكون منفعة معنوية تجعل المرتشي في وضع أحسن مما كان عليه نتيجة سعي من الراشي كحصول الموظف على ترقية له أو أحد أقاربه، وقد تكون منفعة صريحة ظاهره كإعارته سيارة، وقد تكون ضمنية مستترة كاستئجار سكن دون تقديم أجرة، ويستوي الأمر في كون المنفعة مشروعة أو غير مشروعة كالمخدرات أو سهرة في الملاهي، كما لا يشترط أن تكون المنفعة محددة بل يكفي مجرد قابليتها للتحديد.

ب. المستفيد من الرشوة: يمكن أن يكون المدير أو المستخدم المرتشي مقابل قيامه أو امتناعه عن أداء عمل من صميم واجباته، لكن يمكن أن تقدم للغير؛ أي أن المنفعة تقدم إلى شخص آخر كأن يكون قريب له أو لزوجه أو صديق له، وبالتالي لا يمكنه الاحتجاج أما القضاء بأن الطلب لم يكن له.

- الغرض من الرشوة: أي أمن يكون الغرض منها قيام المرتشي بأداء عمل أو الامتناع عنه بما يضر بسمعة رب العمل ومؤسسته.

أ. أداء عمل أو الامتناع عن أدائه: ويقصد بها أعمال الوظيفة التي تتطلبها الطبيعة المباشرة للوظيفة، فالأداء يستوجب القيام بسلوك ايجابي تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة، كما يمكن أن يكون سلوك سلبي كالامتناع عن أداء الوظيفة. وقد يكون الامتناع جزئياً كالتأخير في إنجاز العمل إذا كانت المصلحة تقتضي التأخير.

ب. الإخلال بواجبات العمل: كأداء العمل بشكل مخالف للقانون، ويكون ذلك بقصد إلحاق الضرر المادي أو المعنوي بصاحب العمل أو بمصالح العمل، وهو ما يفرض أن يكون صاحب العمل غير عالم بذلك، فإن كان على علم فلا تقوم الجريمة.

ثالثاً: الركن المعنوي في جريمة الرشوة السلبية

الرشوة في القطاع الخاص جريمة عمدية تتطلب القصد الجنائي.

1 -عناصر القصد الجنائي في جريمة الرشوة السلبية: يقوم عل عنصرين هما:

أ. العلم: فالمرتشي يجب أن يكون على علم بجميع أركان الجريمة، وبصفة خاصة يجب أن يعلم بأنه يدير أو مستخدم لحساب القطاع الخاص، وأنه مختص بالعمل المطلوب منه، وأن المزية التي طلبها نظير عمله غير مستحقة، ويجب أن يعلم بكل هذا عند الطلب أو القبول فإذا انتفى العلم انتفى القصد الجنائي. وينتفي القصد إذا كان ما يقوم به يعلم به رب العمل وبموافقته. فإذا افتقر علم الموظف كأن لم يبلغ بقرار تعيينه؛ أو ظن أنه قد تم عزله من منصبه أو اعتقد أنه غير مختص؛ أو أن المزية قد قدمت لهدف بريء لا مقابل أداء عمل فلا يعد القصد متوافًراً.

ب. الإرادة: وهو إرادة إتيان السلوك المحقق للجريمة، والمتمثل في اتجاه إرادة المستخدم إلى الطلب أو القبول، فينتفي القصد حينما يدس صاحب الحاجة مالاً في جيب أو مكتب المستخدم، كما يجب أن تتجه إرادته إلى الاستيلاء على المنفعة بقصد التملك أو الانتفاع.

2- لحظة الارتشاء في جريمة الرشوة السلبية: فالقصد الجنائي يجب أن يتوافر لحظة الطلب أو القبول. 

أ. في حالة الطلب: يجب أن يثبت في حق المرتشي وقت طلبه المنفعة بأن ذلك كان مقابل الاتجار بالوظيفة، فإذا كان ثبت أن سببه الاقتراض ثم عرضت مصلحة الدائن أمامه فقام بها فلا تقوم جريمة الرشوة.

ب. في حالة القبول: يتعين أن يكون المرتشي عالما باستغلاله في تلك الوقت لوظيفته، فإذا جاء القبول غير مرتبط بهذا العلم فلا تقم جريمة الرشوة في حلة مباشرة المستخدم عملاً يتعلق بوظيفته.

الفرع الثاني: الجرائم ذات الصلة بجريمة الرشوة

إضافة إلى الرشوة، فإنه توجد أفعال أخرى مكونة للفساد، لا تقل أهمية عنها في الإضرار بالوظيفة تتمثل في سلوكيات تعتبر من قبيل الاتجار بالوظيفة، إذ تتميز بكونها قائمة على القيام بأفعال منعها القانون لاسيما قانون مكافحة الفساد، نشير إليها فيما يلي:

أولا: جريمة تلقي الهدايا

وهي جريمة تم استحداثها، وتتعلق بارتكاب الفعل المنصوص عليه بموجب المادة 38 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بحيث يمنع على كل موظف أن يقبل من شخص هدية أو أية مزية غير مستحقة من شأنها أن تؤثر في سير إجراء ما أو معاملة لها صلة بمهامه. ويشترط لقيامها توفر الأركان التالية: 

أ- الصفة: ويشترط أن يكون مرتكب هذه الجريمة موظفا عموميا.

‌ب- الركن المادي: ويقتضي توفر عنصرين:

1 - قبول هدية أو مزية غير مستحقة: وهو الفعل المادي ولم يشترط المشرع ربطه بأداء عمل أو الامتناع عن أدائه وتعد هذه المسألة الفرق الجوهري بين جريمة تلقي الهدايا وجريمة الرشوة السلبية والتي تقتضي وجود عرض جدي لهدية أو مزية من صاحب الحاجة على الموظف العمومي مقابل قضاء حاجته. 

أما إن كانت الهدية مستقلة عن أي قصد مشروع وصادرة عن حسن نية ففي هذه الحالة لا تقوم الجريمة. 

كما يفهم من صياغة المادة 38 من خلال عبارة: "تلقي الهدايا" أن المقصود هو استلام الهدايا وليس مجرد صدور القبول من الموظف العام كما هو الشأن بالنسبة لجريمة الرشوة السلبية.

2- تأثير الهدية أو المزية التي قبلها الموظف في معالجة ملف أو سير إجراء أو معاملة لها صلة بمهامه، وهي نقطة خلاف بين هذه الجريمة وجريمة الرشوة السلبية التي ربط فيها المشرع قبول الهدايا بأداء عمل أو الامتناع عن أدائه.

‌ج- القصد الجنائي: تعتبر من الجرائم العمدية، إذ تقتضي علم الموظف العام بأن الشخص الذي قدم له الهدية أو المزية لديه حاجة لديه وٕإتجاه إرادته إلى تلقيها.

وباستحداث هذه الجريمة يكون المشرع قد ضبط العديد من التصرفات التي كان يصعب إدخالها ضمن نطاق جريمة الرشوة باعتبارها هدايا وهي ما تعتبره الشريعة الإسلامية من جرائم الرشوة.

ثانيا: جريمة الإثراء غير المشروع 

وقد تم استحداث هذه الجريمة من طرف المشرع الجزائري بموجب المادة 37 من قانون مكافحة الفساد متأثرا بما جاءت به اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد من خلال المادة 20 حول تجريم الإثراء غير المشروع.

وتشترط لقيام هذه الجريمة توفر العناصر التالية:

1. أركان جريمة الإثراء غير المشروع

باستقراء نص المادة 37 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نتطرق إلى أركان هذه الجريمة وهي:

الركن الشرعي، الركن المفترض، الركن المادي، الركن المعنوي.

أ. الركن الشرعي: أي لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون، والحديث عن الركن الشرعي معناه الحديث عن نص يخرج الفعل من دائرة الأفعال المباحة، فلا يمكن أن تشكل مجالا للمتابعة القضائية ولا لقيام المسؤولية الجزائية الأفعال التي لم يرد نص القانون عليها بالتجريم.

وقد جُرم فعل الإثراء غير المشروع بنص المادة 37 من قانون 06-01، كما جاء التعديل الدستوري الجديد بالقانون 16-01 المؤرخ في 06 مارس 2016، الجريدة الرسمية رقم 14 المؤرخة في 07 مارس 2016، بالتطرق إلى هذه الجريمة في المادة 23 منها بقولها: "لا يمكن أن تكون الوظائف والعهدات في مؤسسات الدولة مصدرا للثراء، ولا وسيلة لخدمة المصالح الخاصة..."، ولكن وبالعودة لهذا التعديل الدستوري في المادة 188 منه والتي تنص على الحق في الدفع بعدم الدستورية من طرف أي شخص أمام  الجهة القضائية التي يمثل أمامها، وبالتالي يستطيع كل من يتم متابعته بجريمة الإثراء غير المشروع أن يقوم بهذا الدفع والتخلص من الجريمة، بحجة عدم دستوريتها لأنها تخالف مبدأ الإثبات الوارد في الدستور نفسه حسب المادة 56 منه والتي تنص على أن عبء الإثبات يقع على سلطة الاتهام وليس على المتهم كما هو الحال في هذه الجريمة.

‌ب- الركن المفترض: يشترط في الشخص المرتكب لجريمة الإثراء غير المشروع، أن يكون موظفا عموميا وفقا لنص المادة 37 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، حيث يجب على القاضي أن يثبت تلك الصفة في الحالتين قبل إدانته للمتهم، وٕإلا كان حكمه معيبا يستوجب النقض لأن جريمة الإثراء غير المشروع هي من الجرائم ذوات الصفة، ولا تفترض هذه الصفة في الشريك أو المساهم.

ولقد عرفت الفقرة ب من المادة 02 من قانون الوظيف العمومي، الموظف العمومي تعريفا أوسع بكثير من مفهومه في قانون الوظيف العمومي، وهذا بهدف تجنب الثغرات التي كانت تعتري قانون العقوبات فيما يخص تحديد صفة الجاني أي الركن المفترض في الجرائم ذات الصفة كجريمة الإثراء غير والتي أدت إلى خروج بعض الفئات وعدم خضوعها لقانون الفساد.

‌ج الركن المادي: عناصر الركن المادي لهذه الجريمة تقع بتحقق شيئين: أولا: حصول زيادة معتبرة في الذمة المالية للموظف العمومي مقارنة بمداخيله المشروعة؛ فلا بد أن تكون هذه الزيادة كبيرة نوعا ما أي ذات أهمية مقارنة بمداخيله المشروعة، حيث تكون ملفتة للنظر من خلال ما يطرأ ويظهر في تغير نمط عيش الجاني وتصرفاته كشراء سيارة فاخرة أو فيلا. ..، وقد لا يحدث أي تغيير في نمط عيش الجاني فتقوم الجريمة بمجرد ما تطرأ زيادة في رصيده البنكي أو اقتنائه عقارات أو أصول مالية، أما إذا كانت الزيادة غير معتبرة مقارنة مع المداخيل التي يجنيها الموظف انتفت الجريمة، فالزيادة البسيطة لا يعتد بها ،وهي مسألة تقديرية ترجع للقاضي بحسب كل موظف ودخله.

والملاحظ أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى ذكر الذمة المالية لزوج الموظف وأولاده القصر، والجدير بالإشارة أن استبعاد الذمة المالية للزوج من التجريم وٕإن كان يمكن تبريره في إطار استقلالية ذمته المالية، فإن استبعاد الذمة المالية للأولاد القصر لا مبرر قانوني له ولكن وبالرجوع إلى محتوى التصريح بالممتلكات، حيث أشارت المادة 05 من هذا القانون إلى أن التصريح يتضمن أيضا الذمة المالية للأولاد القصر، وهذا يعطي دلالة على أن المشرع يعاقب الموظف ويسائِله عن هذه الذمة المالية (ذمة أولاده القصر المالية).

ثانيا: العجز عن تبرير الزيادة؛ حيث لا تقوم هذه الجريمة إلا إذا عجز هذا الموظف عن تبرير الزيادة المعتبرة في ذمته المالية، وهو عنصر أساسي تنتفي الجريمة بعدم توافره، ويستوي الأمر هنا فيما إذا كان مصدر هذه الأموال مشروعا أو غير مشروع فالركن المادي يتحقق بمجرد اكتشاف هذه الزيادة وعجز الموظف عن تبرير ذلك تبريرا معقولا، وبالتالي على كل موظف أن يثبت ويبرر الزيادة في ذمته المعتبرة المالية وٕإلا كان محل متابعة جزائية. وما يعاب هنا على المشرع من وجهة رأيي هو عدم تحديد مقدار الزيادة في الذمة المالية للموظف حتى تكون معتبرة وتقوم على أساسها الجريمة، فالأمر هنا تقديري يخضع لاجتهاد قاضي الموضوع.

أمّا عن كيفية معرفة الزيادة المعتبرة في الذمة المالية للموظف؟ فذلك من خلال آلية التصريح بالممتلكات وسنتطرق لها بالتفصيل لاحقا.

ويمكن القول بأن العلاقة السببية غير متوفرة في جريمة الإثراء غير المشروع، أي أن هناك علاقة سببية تختلف عما هو موجود في الجرائم الأخرى التي تتطلب وجود رابطة سببية ذات طابع معنوي أو نفسي متعلقة بالجاني، وهي رابطة مادية بحته، فبمجرد اكتشاف الزيادة المعتبرة في الذمة المالية للموظف ولا يمكنه تقديم تبرير معقول لهذه الزيادة فتقوم عليه المسؤولية الجزائية ويعاقب على هذا الفعل.

د- الركن المعنوي: تعد جريمة الإثراء غير المشروع من الجرائم العمدية والتي تتطلب توافر القصد الجنائي العام: علم  إو رادة حتى يمكن القول بتوافر أركانها، إذا فالقصد الجنائي والعلم مفترضان في هذه الجاني بمجرد اكتشاف الزيادة المعتبرة في الذمة المالية للموظف دون أن يمكنه تقديم تبرير معقول لهذه الزيادة مقارنة بمداخيله المشروعة، وحيث لا يعذر بجهل، كما لم يشترط المشرع الجزائري التعمد حتى يعاقب على هذه الجريمة عكس ما ذهبت إليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهو بذلك يوسع من إمكانية المتابعة الجزائية لهذه الجريمة.

والإرادة أن تتجه إرادة الجاني إلى الإثراء والزيادة في ذمته المالية زيادة معتبرة مقارنة بمداخيله المشروعة وبالتالي فالإرادة أيضا مفترض وجودها في هذه الجريمة، ويختلط في هذا المقام القصد الجنائي العام بالقصد الجنائي الخاص.

الفرع الثالث: جريمة اختلاس الممتلكات في القطاعين العام والخاص 

ميز المشرع الجزائري في القانون رقم 06 -01 بين جريمة الاختلاس في القطاع العام والقطاع الخاص: 

أولا: جريمة اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي

1. أركان جريمة اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي

- الركن الشرعي: يتمثل الأساس القانوني للجريمة في المادة 29 من القانون رقم 06 -01.

- صفة الجاني: موظف عمومي في القطاع العام.

- الركن المادي: يتمثل في الاختلاس أو التبديد العمدي أو الإتلاف أو الاحتجاز على نحو غير شرعي.

- الاختلاس: هو تحويل المال من حيازة مؤقتة باسم الإدارة إلى حيازة دائمة بنية التملك.

- التبديد: هو استهلاك الموظف العمومي للمال المعهود به إليه فيتصرف فيه برهنه مثلا.

- الإتلاف: هو إفقاد الشيء لقيمته القانونية بالتمزيق أو الحرق مثلا.

- الاحتجاز بدون وجه حق: يتحقق الفعل عندما لا يقوم الموظف العمومي بالتزاماته اتجاه المال ويبقيه محتجزا في حسابه الخاص، وبدون نية تملكه أو إتلافه.

- الاستعمال على نحو غير شرعي: هو كل فعل من شأنه المساس بالمصلحة التي خصص لها ذلك المال المؤتمن عليه أو عهد به إلى الجاني ،مثل استعمال سيارة الوظيفة لقضاء حاجيات شخصية للموظف أو لصالح غيره.

كما أن بعض التشريعات حصرت السلوك الإجرامي في فعل الاختلاس فقط منها المشرع المصري، إلا أن المشرع المغربي سار على نفس نهج المشرع الجزائري فحدد السلوك الإجرامي في التبديد ،الاختلاس، الاحتجاز بدون وجه حق، وعنصر الإخفاء.

محل الجريمة: ممتلكات، أو أموال، أو أوراق مالية عمومية، أو خاصة، أو أي أشياء ذات قيمة عهد لهبها بحكم أو بسب وظيفته.

ويقصد بحكم الوظيفة أي يكون إبقاء المال عند الموظف المختص به مثل المدير.

ويقصد بسبب الوظيفة بمعنى أن الوظيفة نفسها تسهل عليه ليصل المال إليه.

الركن المعنوي: تتحقق الجريمة بعلم وٕ إرادة الجاني بكافة أركانها وبإرادة تامة لارتكابها، وعن قصد خاص في نية التملك أو الاستعمال غير الشرعي لها.

2. العقوبات المقررة للجريمة

بالنسبة للشخص الطبيعي: يعاقب بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة مالية من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج.

بالنسبة لعقوبات الشخص المعنوي والعقوبات التكميلية وظروف التشديد والإعفاء والتخفيف والشروع والتقادم سبق ذكرها.

لا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في الجنايات والجنح المتعلقة بالرشوة واختلاس الأموال العمومية طبقا للمادة 8 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.

كما نصت المادة 56 على أساليب التحري الخاصة لجمع الأدلة باللجوء إلى التسليم المراقب أو الترصد الإلكتروني والاختراق وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.

وقد قضت المحكمة العليا في قرارها رقم 388620 بتاريخ 21 سبتمبر 2005: أن يحدد محل جريمة الاختلاس ويتعين على محكمة الجنايات بخصوص جريمة اختلاس أموال عمومية في حالة عدم تحديد المبلغ المختلس في منطوق قرار الإحالة استخلاص المبلغ الذي هو ركن من أركان الجريمة من القرار القاضي بالإحالة.

وفي قرار آخر للمحكمة العليا رقم 33168 المؤرخ في 03 أبريل 1984: قضت المحكمة العليا بأنه لا يكفي لمعرفة صفة الجاني لتطبيق المادة 119 من قانون العقوبات الجزائري الملغاة، بل يجب أن يكون                                                              

بدون حق أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها".

المال محل الجريمة موضوع تحت يد الموظف بحكم وظيفته أو بسببها، وهذا ما تنص عليه المادة 29 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته حاليا.

كما قضت المحكمة العليا في القرار رقم 55018 المؤرخ في 02 فبراير 1988: لما كان من الثابت ،أن غرفة الاتهام عندما قضت بألا وجه للمتابعة المتهمين المحالين إليها بتهمة اختلاس أموال عمومية على أساس عدم توافر عنصر الاستفادة من الأموال المختلسة تكون بقضائها أساءت تطبيق القانون مما يستوجب نقض وٕابطال القرار المطعون فيه، لذا تقوم الجريمة بمجرد توافر أركانها دون النظر إلى ما استفاد المتهم من المال المختلس أو لم يستفد منه.

ثانيا: جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع لخاص

تم استحداث هذا النوع من الجرائم بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ضمن المادة 41 منه كحكم مميز لاختلاس الممتلكات في القطاع الخاص ولجديد الذي تضمنه قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فيما يتعلق بهذه الجريمة مرتبط بصفة الجاني إذ يشترط المادة 41 منه أن يكون كل شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص أو يعمل فيه بأية صفة، على خلاف جريمة اختلاس المال العام والذي يشترط فيها أن تتوافر في الجاني صفة الموظف العام.

وباستقراء نص المادة 41 السابقة الذكر يلاحظ أنها اشترطت أن ترتكب الجريمة أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري، فمجال تطبيق الجريمة جاء محصورا في الكيان الذي يهدف إلى تحقيق الربح على خلاف جريمة الرشوة في القطاع الخاص والتي تنطبق على أي كيان مهما كان هدفه ويتضح من خلال ذلك أن مجال تطبيق جريمة الرشوة في القطاع الخاص أوسع مقاربة بمجال تطبيقه في جريمة اختلاس الممتلكات في ذات القطاع.

كما لا تنطبق أحكام المادة 41 على الشخص الذي يرتكب جريمة الاختلاس بمفرده وهو لا ينتمي إلى أي كيان يسعى للربح وهو الشأن ذاته بالنسبة لأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي كيان ويرتكبون جريمة الاختلاس مجتمعين، فمثل هؤلاء تسري على أفعالهم أحكام قانون العقوبات وعلى أساس وصف أفعالهم سرقة وخيانة الأمانة.

كما إشترط المشرع بشأن هذه الجريمة أن يتبوأ الجاني مركزا معينا في القطاع الخاص سواء كان مدير ،عاملا، أو مستخدما وأيا كان التكييف القانوني للعلاقة التي يرتبط بها سواء كانت عقد وكالة أو عقد عمل ،كما لا يشترط أن تكون علاقته بها دائمة، ويتعين نتيجة ذلك أن تكون علاقته بالجهة التي تعمل بها لم تنقض بعزل أو غير ذلك وقت ارتكاب فعله.

1. تعريف جريمة إختلاس الممتلكات في القطاع الخاص 

لقد جرّم المشرع الجزائري في القانون رقم 06 -01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، إختلاس الممتلكات في القطاع الخاص وذلك من خلال نص المادة 41 منه.

إنّ الاختلاس هو النشاط الغير مشروع الذي يؤدي إلى سيطرة الجاني على الشيء المسروق والظّهور عليه بمظهر المالك، ولتحديد مفهوم الإختلاس، فإن الفقه قد بذل مجهودات كبيرة لتحديد مفهومه وفق نظريتان وهما:

1) النظرية التقليدية: عرّف الفقه التقليدي الإختلاس بأنّه "نزع الشيء أو نقله أو أخذه بدون رضاء مالكه بقصد تملكه".

2) النظرية الحديثة: يرى الفقيه "جارسون" في تعريف الاختلاس على أنّه أخذ المال أو نزعه من صاحبه دون رضاه أو نقله من مكانه لا يكفي لبيان حقيقة الاختلاس، واقترح حتى يكون معيار الاختلاس محدّدا، أن يتم الربط بين فعل أخذ المال وبين الحيازة القانونية وفق القانون المدني.

ثالثا: التعريف القانوني 

لم يحدّد القانون معنى الإختلاس، وهو الركن الأساسي في جريمة السّرقة، وفي غياب تعريف صريح يتفق الفقه والقضاء على أنّ الاختلاس هو الإستيلاء على شيء بغير رضا مالكه أو حائزه.

عرفه الأستاذ الدكتور أحسن بوسقيعة بقوله: "أنه تحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك".

وهناك من عرفه بأنّه: "استيلاء العاملين والموظفين، في مكان ما على ما بأيديهم من اموال نقدية ونحوها بسند شرعي"، أو هو :" أخذ المولى بغير وجه شرعي مالا حازه بسبب وظيفته".

2. أركان جريمة إختلاس الممتلكات في القطاع الخاص

أ- الركن المفترض (صفة الجاني)

بالرجوع إلى نص المادة 41 من قانون 06-01 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، نجد أنها إشترطت في صفة الجاني أن يكون كل شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص، أو يعمل فيه بأي صفة ،ويطبق النص على كل من ينتمي إلى أي كيان مهما كانت صفته والوظيفة التي يشغلها. وعند الرجوع لمحتوى نص المادة 22 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد نجد أنّ ما جاء في نصّ المادّة 41 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته هو مستمدّ من هاته الإتفاقية.

كما أنّ المشرع الجزائري ذكر مصطلح الكيان في نص المادة الثانية في فقرتها الخامسة من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فجاء فيها: "الكيان مجموعة من العناصر المادية أو غير المادية أو من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المنظمين بغرض بلوغ هدف معين"، فالملاحظ من نص المادة أنها قصدت كافة التجمعات باختلاف أشكالها القانونية كالشركات التجارية أو المدنية أو جمعيات أو تعاونيات أو نقابات....إلخ، لكن في نفس الوقت نجد أنّ نص المادة 41 من قانون 06 -01 اشترطت ارتكاب الجريمة أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري، كما يلاحظ أن نطاق تطبيق الجريمة هو محدد في الكيان الذي ينشط بغرض الربح أي الشركات التجارية والشركات المدنية والتعاونيات.

ويستنتج كذلك من تعريف الكيان في المادة أعلاه، أن نص المادة 41 لا تنطبق على الشخص الذي يرتكب جريمة الاختلاس بمفرده وهو لا ينتمي إلى أي كيان ولا علاقة له بأي كيان مثل التاجر في المحل التجاري، كما لا ينطبق على الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي كيان ويرتكبون جريمة اختلاس مجتمعين ،فمثل هؤلاء الأشخاص يخضعون للقانون العام وتطبق عليهم العقوبات المقررة في قانون العقوبات كالسرقة وخيانة الأمانة حسب الأحوال.

وتشترط المادة 41 من قانون مكافحة الفساد أن يدير الجاني الكيان أو يعمل فيه بأية صفة، ممّا يجعل النص يطبق على كل من ينتمي إلى أي كيان مهما كانت صفته والوظيفة التي يشغلها.

ب - الركن المادي 

حصرت المادة 41 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته السلوك المجرم في صورة الإختلاس دون باقي الصور المذكورة في المادة 49 من قانون الفساد، كما اشترطت المادة 41 أن يرتكب الاختلاس أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري،  ويستخلص من هذا أن مجال تطبيق الجريمة محصورا في الكيان الذي ينشط بغرض الربح، أي الشركات التجارية وبعض الشركات المدنية والتعاونيات، في حين لا يشمل باقي الكيانات مثل الجمعيات والأحزاب والنقابات التي تنشط لغرض غير الربح.

ومن نصّ المادة نستنتج أن الركن المادي يضم ثلاثة عناصر هي: وهي السلوك المجرم، محل الجريمة ،وعلاقة الجاني بمحل الجريمة:

السلوك الإجرامي ( فعل الإختلاس): ما يلاحظ من نص المادة 41 من قانون .ف أن المشرع الجزائري قد حصر السلوك الإجرامي لهذه الجريمة في فعل الاختلاس فقط، ويتحقق فعل الاختلاس بتحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك.

محل الجريمة: يتمثل محل الجريمة في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص طبقا للمادة 41 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، في الممتلكات أو الأموال أو الأوراق المالية العمومية والخاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة، والتي سنشرحها في الآتي:

- الممتلكات (Biens): وقد عرفتها المادة 2 في فقرتها (و) من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته كالآتي: "الموجودات بكل أنواعها، سواء كانت مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة ،ملموسة أو غير ملموسة، المستندات والسندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود الحقوق المتصلة بها".

ويقصد بالمستندات الوثائق التي تثبت حقا كعقود الملكية والأحكام القضائية وشهادة المنح. ..الخ، أما السندات فيقصد بها كل المحررات التي تثبت صفة كالبطاقات والشهادات، كما يشمل هذا المصطلح الأرشيف وكل الوثائق التي تكون له قيمة ولو معنوية.

وتشمل الممتلكات على سعتها كافة الأموال المنقولة ذات قيمة كالسيارات والأثاث والمصوغات المصنوعة من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، كما تشتمل العقارات من مساكن وعمارات وأراضي، وقد استمد المشرع الجزائري تعريفه للممتلكات من المادة 2 فقرة (د) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

- الأموال: ويقصد بها النقود سواء كانت ورقية أو معدنية، وقد يكون محل الجريمة من الأموال العامة التي ترجع ملكيتها للدولة أو من الأموال الخاصة كالمال المودع من قبل الزبائن لدى كتابة الضبط.

- الأوراق المالية (valeurs): ويقصد به أساسا القيم المنقولة المتمثلة في الأسهم والسندات والأوراق التجارية.

- الأشياء الأخرى ذات قيمة: يتسع محل الجريمة ليشمل أي شيء آخر غير الممتلكات والأموال والأوراق المالية متى كان لهذا الشيء قيمة معينة، ولم يحدد المشرع الجزائري نوع ما إذا كانت هذه القيمة مادية أو معنوية وبالتالي فهي تشملهما، ومن قبيل هذه الأشياء الأخرى التي لا يشملها تعريف الممتلكات الأعمال الإجرائية القضائية كالمحاضر التي تحرر في إطار الدعاوى القضائية المدنية أو الجزائية وشهادة الإستئناف أو المعارضة وعقود الحالة المدنية وكذا مختلف الوثائق التي يدفعها الأطراف للإدارات العمومية لإثبات حالة على حق.

- علاقة الجاني بمحل الجريمة: يشترط لقيام الركن المادي لجريمة الاختلاس في القطاع الخاص توفر علاقة السببية بين حيازة الجاني لمحل الجريمة وبين وظيفته، ولكن هذه العلاقة تختلف بين ما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو في القطاع الخاص.

ففي جريمة الاختلاس في القطاع الخاص تحصر المادة 41 من نفس القانون العلاقة السببية في محلّ الجريمة الذي يعهد به إلى الجاني بحكم مهامه فقط.

وبناء على ما سبق فلكي تتحقق علاقة السببية بين الجاني ومحل الجريمة يتعين أن يتوفر الشرطين التاليين:

- يجب أن يكون محل الجريمة قد سلم للجاني: أي أن يكون محل الجريمة قد دخل في الحيازة الناقصة للجاني التي تتحقق بسيطرته الفعلية عليه، وتفترض الحيازة الناقصة أن تسلم الجاني لمحل الجريمة ليس على أساس أنه صاحبه وٕانما يحوزه باسم صاحبه ولحسابه، وأنه ملزم بالمحافظة عليه واستعماله في الغرض الذي عينه صاحبه في حدود ما يرخص به القانون.

ولا يهم الأساس الذي يتم عليه تسليم محل الجريمة ولا الطريقة أو الوسيلة التي يستلم بها، فقد يتم التسليم مقابل وصل رسمي أو عرفي أو بدون وصل.

والأصل أن يستلم الجاني محل الجريمة بمحض إرادة واختيار صاحبه، كما في التسليم الذي يتم بناء على عقد من عقود الائتمان، ولكن من الجائر أن يعهد بمحل الجريمة إلى الجاني بناء على طلبه ثم يستولي عليه بعد ذلك، كما هو الحال بالنسبة لرجل الشرطة القضائية الذي يحجز محل الجريمة كدليل إثبات ثم يختلسه بعد ذلك.

- يجب أن يتم التسليم بحكم المهام: أي أن وظيفة الجاني أو عمله هي التي جعلته يتسلم محل الجريمة،  ويأخذ هذا الشرط صورتين:

- أن يتم التسليم بحكم المهام: ومفادها أن استلام المال من مقتضيات العمل ويدخل في اختصاص الجاني استنادا إلى نص قانوني أو لائحة تنظيمية أو استنادا إلى مجرد أمر إداري صادر من رئيس إلى مرؤوسه، ومن قبيل التسليم بحكم الوظيفة المال الذي يستلمه المحاسب العمومي أو أمين صندوق لحساب هيئة عمومية، والمال الذي يستلمه كاتب الضبط من المتقاضين بعنوان مصاريف رفع الدعوى.

ولا تتحقق العلاقة بين الجاني والفعل المجرم إذا سهلت فقط المهام للجاني الوصول إلى محل الجريمة دون أن يكون هذا الوصول بحكمها أو بسببها لأن المادة 41 السالفة الذكر حصرت علاقة الجاني بمحل الجريمة بحكم المهام.

- مناسبة ارتكاب الفعل المجرم: إن هذه الصورة تخص جريمة الاختلاس في القطاع الخاص، ومفادها أن المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته تشترط أن يرتكب الركن المادي أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري.

يستخلص مما سبق، أن مجال تطبيق الجريمة محصور في الكيان الذي ينشط بغرض الربح أي الشركات التجارية وبعض الشركات المدنية والتعاونيات في حين لا يشمل التجريم باقي الكيانات كالجمعيات والنقابات والاتحاديات والأحزاب التي لا تنشط بغرض الربح

ج- الركن المعنوي 

إنّ جريمة الاختلاس تعتبر من الجرائم العمدية، لأنّ طبيعتها لا تتفق مع الخطأ، والأصل في الأفعال العمدية هو العقاب على العمد إذا اقترن القصد بالفعل، وهذا ما يعني أنّ الموظف المختلس يجب أن يتعمد إتيان فعل الاختلاس وهو مدرك لماهية الفعل وطبيعته، وبالتّالي يجب أن يتوافر في فعل الاختلاس القصد الجنائي العامّ والخاصّ والذي سنشرحه في الآتي:

القصد الجنائي العام: يتحقق القصد العام بتوافر عنصرين فالأول منهما هو أن يعلم الجاني بأركان الجريمة وعناصرها، ويعلم بأنه يستولي على مال منقول مملوك للغير وأنّ هذا الاستيلاء بدون رضاء صاحبه، أمّا الثاني منهما فهو أن تتجه إرادته إلى القيام بالفعل وتحقيق نتيجته الجرمية.

القصد الجنائي الخاص: في جريمة الاختلاس لابدّ من قصد خاصّ وهو التملك، بصرف النظر عن البواعث التي قد تدفع الجاني إلى الإختلاس، فليس له تأثير على قيام المسؤولية الجنائية، فالمهمّ أن يختلس الشيء بنية التملك وممارسة سلطات المالك عليه.

3.العقوبات المقررة لجريمة إختلاس الممتلكات في القطاع الخاص

أ- العقوبات الأصلية المطبقة في جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص

تطبق عقوبات معيّنة على الشخص الطبيعي وعلى الشخص المعنوي في حال اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص والتي سنشرحها في الآتي:

- العقوبات الأصلية المطبقة على الشخص الطبيعي: 

تعاقب المادة 41 ق.  ف على اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص بالحبس من (6) ستة أشهر إلى

 (5) خمس سنوات، وبغرامة من 50000 إلى 500000 دج وهي تعدّ عقوبة مخففة مقارنة بما هو مقرر للموظف العمومي الذي يأتي نفس الفعل.

وعدا ذلك تخضع جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص لجل الأحكام المقررة لجريمة الاختلاس التي يرتكبها الموظف العمومي، سواء تعلق الأمر بإجراءات المتابعة أو بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أو بتطبيق العقوبة.

وتطبق على هذه الجريمة كافة الأحكام المقررة لجريمة الاختلاس المرتكبة من قبل الموظف العمومي بشأن الإعفاء من العقوبة وتخفيضها والعقوبات التكميلية والمصادرة  والرد وإبطال العقود والامتيازات  والمشاركة والشروع.

أما بخصوص التقادم فتطبق على اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص ما نصت عليه المادة 54 من الوقاية من الفساد ومكافحته في فقرتيها الأولى والثانية وتنص الفقرة الأولى على أنه: "لا تتقادم الدعوى العمومية ولا العقوبة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته في حالة ما إذا تم تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج".

وتنص الفقرة الثانية على أنه: "تطبق الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية وتحديدا المادتين 8 و614 منه".

- تشديد العقوبة:

تشدّد العقوبة طبقا لنصّ المادّة 48 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وذلك بفرض عقوبة الحبس من عشر(10) سنوات، إلى عشرين (20) سنة، مع فرض نفس الغرامة المقررة للجريمة ونعني بها هنا جريمة الاختلاس، إذا كان مرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته من:

القضاة: وهم القضاة التابعين لنظام القضاء العادي وكذا القضاء الإداري، والمحلفون المساعدون في محكمة الجنايات والمساعدون في قسم الأحداث وفي القسم الاجتماعي، وقضاة مجلس المحاسبة وأعضاء مجلس المنافسة، بل ويشمل أيضا الوزراء والولاة ورؤساء البلديات، كما تنطبق صفة القضاي على رئيس الجمهورية.

موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة: وهم الموظفين المعينين بموجب مرسوم رئاسي، الذين يشغلون على الأقل وظيفة نائب مدير بالإدارة المركزية لوازرة أو ما يعادل هذه الرتبة في المؤسسات العمومية أو في الإدارات غير الممركزة أو في الجماعات المحلية.

ضابط عمومي: وهم ممثلين في الموثق والمحضر القضائي ومحافظ البيع بالمزاد العلني والمترجم.

عضو في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته: إن هذه الهيئة تتشكل طبقا للمادة الخامسة للمرسوم الرئاسي رقم 06 /413 بتاريخ 22 نوفمبر2006 من رئيس وستة أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

ضابط أو عون شرطة قضائية: لقد نصت المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية على الأشخاص الذين منحهم القانون صفة الضبطية القضائية ويتعلق الأمر خصوصا برؤساء المجالس الشعبية البلدية، ضباط الدرك الوطني، محافظي وضباط الشرطة وضباط الجيش التابعين للمصالح العسكرية للأمن.

ولقد نصت المادة 19 من قانون الإجراءات الجزائية على الأشخاص الذين منحهم القانون صفة عون الشرطة القضائية وهم موظفو مصالح الشرطة وذوو الرتب في الدرك الوطني ورجال الدرك ومستخدمو مصالح الأمن العسكري الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية.

من يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية: ولقد نصت عليهم المادتين 21و 27 من قانون الإجراءات الجزائية ويتعلق الأمر أساسا برؤساء الأقسام والمهندسين والتقنيين المختصين في الغابات وحماية الأراضي واستصلاحها وبعض الموظفين وأعوان الإدارات والمصالح العمومية كأعوان الجمارك  وأعوان الضرائب والأعوان التابعين لوازرة التجارة المكلفين بضبط ومعاينة المخالفات المتعلقة بالمنافسة  والممارسات التجارية.

موظف أمانة الضبط: ونعني به هنا الموظف التابع لإحدى الجهات القضائية والمصنف في الرتب الآتية: رئيس قسم، أمين ضبط رئيسي، أمين ضبط ومستكتب ضبط.

ب - العقوبات الأصلية المطبقة على الشخص المعنوي:

جاء في نص المادة 53 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد على أن الشخص الاعتباري يكون مسؤولا جزائيا عن الجرائم المنصوص عليها في قانون الفساد بما فيها اختلاس الأموال في القطاع العام والقطاع الخاص، وذلك وفق القواعد المقررة في قانون العقوبات.

وعند الرجوع للقواعد العامة في قانون العقوبات، نجد أنّه يسأل جزائيا طبقا لنص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات كل الأشخاص المعنوية باستثناء الدولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، ويكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك.

ولقد نصت الفقرة الثانية من نفس المادة أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.

يستنتج بأن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمسائلة الشخص المعنوي، فكل منهما مستقل عن الآخر من حيث توقيع العقوبة عليهما.

كما تطبق على الشخص المعنوي المدان بجنحة الاختلاس للعقوبات المقررة في المادة 18 مكرر من قانون العقوبات، حيث جاء فيها، العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح هي: الغرامة التي تساوي من مرة (1) إلى خمس مرات (5) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة.

وبالتالي نفهم من نص المادة 18 مكر ق.ع أنه تكون عقوبة الشخص المعنوي إذا وقع الاختلاس في القطاع الخاص بعد الرجوع إلى المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته هي الغرامة من 500.000 دج إلى 2.500.000دج.

ب - العقوبات التكميلية المطبقة في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص 

- العقوبات التكميلية المطبقة على الشخص الطبيعي: 

في الأصل تطبق على الجاني المرتكب لفعل الاختلاس في القطاع الخاص نفس العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات ولقد نص عليها المشرع العقابي في المادة التاسعة من نفس القانون وهي:

- الحجر القانوني.

- الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية.

- تحديد الإقامة.

- المنع من الإقامة.

- المصادرة الجزئية للأموال.

- المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط.

- إغلاق المؤسسة.

- الإقصاء من الصفقات العمومية.

 الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع.

- تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة. 

- سحب جواز السفر.

- نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة.

كما نص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على عقوبات تكميلية وذلك في الفقرة الثانية من المادة 51 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته أنه في حالة إدانة المتهم، تأمر الجهة القضائية بمصادرة العائدات والأموال غير المشروعة، مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية.

فالأصل أن العقوبات التكميلية هي جوازية، ولكن مصادرة العائدات والأموال غير المشروعة هي عقوبة إلزامية، ويستنتج ذلك من استخدام المشرع عبارة "تأمر الجهة القضائية..." في المصادرة دون العقوبات التكميلية الأخرى وتجدر الملاحظة في هذا المقام أن الأموال المختلسة تعتبر بالنسبة للجاني أموال غير شرعية، ولكن لا يتم مصادرتها لأنها تدخل في إطار حقوق الغير حسن النية، وتكون محل إجراء آخر هو الرد الآتي بيانه.

كما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 51 السالفة الذكر على أن تحكم الجهة القضائية برّدّ ما تم اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح ولو انتقلت إلى أصول الشخص المحكوم عليه أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره، سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى.

والتساؤل الذي يمكن طرحه هنا، هو أنه الأصل في الرد هو طلب يقدمه الطرف المدني وهي الجهة التي تم اختلاس الأموال منها في الدعوى المدنية التبعية أو دعوى مدنية أخرى مستقلة في شكل المطالبة بالتعويض، والحكم بالتعويض الصادر ينفذه الطرف المدني بطرق التنفيذ المدنية، ولما كان الرد قد تم النص عليه كحكم إلزامي يصدره القاضي الجزائي من تلقاء نفسه من جهة، ولما كانت النيابة هي التي تتولى تنفيذ الشق الجزائي في الحكم، فكيف يمكن الحكم بالرد إذا لم يتأسس المتضرر كطرف مدني، أو في حالة تأسسه كطرف مدني ولكن تنازل على طلب التعويض، وكيف يتم هذا التنفيذ عن طريق النيابة  وبأية طرق، كل هذه أشكالات يتعين على المشرع الجزائري أن يوضحها.

في الأخير نجد في مدلول نصت المادة 55 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على أنه يمكن للجهة القضائية عند إدانة الجاني التصريح ببطلان وانعدام آثار كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.

فنلاحظ بأنه حكم جديد في القانون الجزائي الجزائري، فالأصل أن يكون إبطال العقود من اختصاص الجهات القضائية التي تبث في المسائل المدنية وليس من اختصاص الجهات التي تبت في المسائل الجزائية....

-العقوبات التكميلية المطبقة على الشخص المعنوي:

ولقد نص عليها البند الثاني من المادة 18 مكرر السالفة الذكر بقوله أنها تطبق على الشخص المعنوي واحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية الآتية:

- حل الشخص المعنوي.

- غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز (5) سنوات.

- الإقصاء من الصفقات العمومية.

- المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر، نهائيا أولمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات.

- مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.

- نشر وتعليق حكم الإدانة.

- الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات، وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى ارتكاب الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.

وبالتالي يستنتج أنه زيادة على تطبيق العقوبات الأصلية على الشخص المعنوي، تطبق عليه عقوبات تكميلية وذلك في محالة لقمع جريمة الاختلاس التي ترتكب في القطاع الخاص، وكنتيجة مكافحة وردع الفساد على مستوى هذا القطاع.

الفرع الاربع: جرائم الفساد في الصفقات العمومية 

لما كانت الصفقات العمومية تشكل أهم مسار تتحرك فيه الأموال العامة والوسيلة القانونية التي وضعها المشرع في يد الإدارة العمومية من أجل تسيير هذه الأموال، فإنها تعد بذلك المجال الخصب للفساد بكل صوره، وتبعا لذلك فقد نص قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على مختلف صور الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية من خلال كل من: المادة (26) فقرتين1 و2 التي جاءت تحت عنوان "الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية" –المادة (27) التي جاءت تحت عنوان " الرشوة في مجال الصفقات العمومية"، إضافة إلى ما نصت عليه المادة (35) والمتعلقة بجريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية التي تعد صورة من صور الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية. وهي نفس المواد والجرائم التي كان يشملها قانون العقوبات من خلال المواد: (123) و(124) و(125) و(128 مكرر1) التي ألغيت بموجب المادة (71) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

وما تجدر الإشارة إليه، أن المشرع قد أعاد تنظيم هذه الجرائم بموجب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ،بعد أن كان قد جرمها سابقا ورصد لها عقوبات محددة بموجب نصوص قانون العقوبات، وقد تم إلغاء المادتين (128) و(128 مكرر1) من قانون العقوبات بموجب نص المادتين (71) و(72) من القانون رقم 06 /01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.

وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار الأحكام المستحدثة بموجب هذا القانون والمتعلقة بتحديد مفهوم الموظف العمومي الذي يأخذ صفة الجاني في أغلب جرائم الفساد، وكذا تحديد أساليب المتابعة والتحري للكشف عن هذه الجرائم على المستوى الوطني وعلى المستوى الدولي.

وعليه سنخصص هذا الجزء لتحديد جرائم الصفقات العمومية والأركان المميزة لكل جريمة على حدى ،فكل جريمة تستلزم ركن مادي الذي يمثل السلوك الخارجي الذي يقوم به الجاني ويرتب نتيجة ضارة تمثل اعتداء على مصلحة محمية قانونا، بالإضافة إلى الركن المعنوي والمتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بتوافر أركانها قانونا وأن ذلك الفعل يشكل جريمة يعاقب عليه القانون.

أولا: جريمة الامتيازات غير المبررة وكيفية قمعها

تكون جريمة الامتيازات غير المبررة في شكل صورتين، هما:

الصورة الأولى: تتمثل في مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها في مجال الصفقات العمومية، من أجل إعطاء الغير امتيازات غير مبررة، وتسمى هذه الصورة بالمحاباة.

الصورة الثانية: تتمثل في استغلال نفوذ أعوان الدولة من أجل الحصول على امتيازات غير مبررة، وهذا بمناسبة إبرام صفقة أو عقد مع الدولة أو إحدى هيئاتها العمومية.

ويقصد بالامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية، الامتيازات التي لا تستند إلى أساس قانوني أي الامتيازات المتحصل عليها من دون وجه حق نتيجة مخالفة التشريع والتنظيم المعمول بهما في مجال الصفقات العمومية.

1. جريمة المحاباة في مجال الصفقات العمومية 

تعرف المحاباة، في مجال الصفقات العمومية بأنها مخالفة التشريع والتنظيم الذي يحكم الصفقات العمومية من طرف الموظف العمومي المكلف بإبرام الصفقة أو تنفيذها أو مراجعتها، من أجل إعطاء أحد المتعاملين مع الدولة أو أحد هيئاتها العمومية امتيازات غير مبررة، وهذا الفعل يشكل جريمة وفقا لقانون الوقاية من الفساد ومكافحته، ويعد إفادة الغير من الامتيازات غير المبررة عنصرا أساسيا في جريمة المحاباة، فلا تقوم الجريمة لمجرد خرق الأحكام القانونية واللوائح التنظيمية التي تحكم إبرام الصفقات العمومية، وٕإنما يشترط زيادة على ذلك أن يكون الهدف من خرق هذه النصوص تبجيل أحد المتنافسين وتفضيله على غيره، ذلك أن الغاية من تجريم هذا الفعل هو ضمان المساواة بين المرشحين للفوز بالصفقة ومكافحة التمييز بين المتعاملين الاقتصاديين في المعاملات ذات الطابع الصناعي والتجاري.

.I أركان جريمة المحاباة في مجال الصفقات العمومية 

ينبغي في هذا المقام معرفة ركنيي جريمة المحاباة وهما الركن المادي والمعنوي.

أ- الركن المفترض (صفة الجاني): يفترض أن يكون الجاني في جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية وفقا لنص المادة 26 فقرة 1 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المذكور أعلاه، موظفا عموميا، وهذه الصفة تمثل الركن المفترض في هذه الجريمة وفي باقي جرائم الفساد التي يقوم بها الموظفون العموميون، لذلك سنوضح تعريف الموظف العمومي وفقا لقانون الفساد في هذه الجريمة مع الإحالة إليه في باقي الجرائم التي سنتطرق لها التي تكون فيها صفة الجاني موظفا عموميا.

عرّف قانون الوقاية من الفساد ومكافحته من خلال المادة 2 فقرة ب، منه الموظف العمومي بـ: 

1- كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، سواء أكان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.

2- كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا، وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.

3- كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما.

وهذا التعريف مستمد من المادة 02 فقرة1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك يوم 31 أكتوبر 2003، التي صادقت عليها الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04 -128 المؤرخ 19 أفريل 2004 ويختلف تماما عن تعريف الموظف العمومي الذي جاء به الأمر 06 /03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي نص على تعريفه في المادة 04 فقرة 01 منه، وتنص على: "يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة، ورسم في رتبة في السلم الإداري".

ب -الركن المادي لجريمة المحاباة

يتحقق الركن المادي في جريمة المحاباة بقيام الجاني والذي هو الموظف العمومي، بإبرام عقد أواتفاقية أو صفقة عمومية أو ملحق أو تأشيرة أو مراجعة دون مراعاة الأحكام التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل، من أجل إعطاء الغير امتيازات غير مبررة، وعليه يكون مجال النشاط الإجرامي في جريمة المحاباة في:

- الإبرام: ويكون الإبرام هنا بتعاقد رئيس المصلحة أو المؤهل قانونا مع غيره باسم الدولة أو باسم الهيئة العمومية التي يمثلها، والمخالفة تتمثل أساسا في مخالفة إجراءات اختيار المتعامل المتعاقد أو عن طريق مخالفة كيفيات إبرام الصفقات العمومية.

- المراجعة: ويتعلق الأمر أساسا بمخالفة إجراءات مراجعة الأسعار وهذا بقصد منح الغير إمتيازات غير مبررة.

- مخالفة أحكام التأشير: حيث أنه لا يمكن تنفيذ أي عقد أو صفقة من دون تأشيرة وهذا يكون موضوع رقابة لجان الصفقات العمومية غير أن هذا التأشير ينبغي أن يكون متوافقا والقانون من دون أي تواطؤ مع المتعاملين المتعاقدين أو موظفي مصالح الهيئة المتعاقدة، وبالتالي تقوم جنحة المحاباة في حالة مخالفة أحكام التأشير من أجل إعطاء الغير امتيازات غير مبررة.

- الملحق: وهو وثيقة تعاقدية تابعة للصفقة، ويبرم في جميع الحالات إذا كان هدفه زيادة الخدمات موضوع الملحق أو تقليلها أو تعديل بند أو عدة بنود تعاقدية في الصفقة الأصلية.

وغالبا ما يستغل الملحق استغلالا غير مشروع من أجل إعطاء الغير امتيازات غير مبررة، كتقليل بعض الالتزامات المفروضة على المتعامل المتعاقد والإبقاء على نفس الحقوق المذكورة في الصفقة، أو الزيادة في بعض الالتزامات بصفة وهمية مقابل الزيادة في الحقوق المالية.

تقتضي الجريمة القيام بإحدى الأنشطة ويجب أن يكون الغرض من النشاط إفادة الغير بامتيازات غير مبررة:

الأنشطة محل الجريمة: تقتضي الجريمة القيام بإحدى الأنشطة الآتي بيانها:

- إبرام الصفقة: يقصد بالإبرام التوقيع على الوثيقة التي يفرغ فيها مضمون العقد بمفهومه الواسع الذي يشمل الصفقة والاتفاقية والملحق، والأمر هنا يتعلق برئيس المصلحة المتعاقد المؤهل قانونا للتعاقد مع غيره باسم الهيئة أو المؤسسة التي يمثلها أو وكيله المعتمد من قبله.

- تأشيرة صفقة: ويقصد به الموافقة على الصفقة بعد التأكد من مراعاتها للشروط الإجرائية والقانونية.

- مراجعة الصفقة: ويقصد بها تحيين الصفقة وفق الصيغ والكيفيات المتفق عليها والمحددة في العقد أو الصفقة أو إذا تطلبت الظروف الاقتصادية ذلك.

- مخالفة الأحكام القانونية والتنظيمية التي تحكم هذه العمليات: تقتضي جنحة المحاباة مخالفة الأحكام القانونية والتنظيمية التي تحكم إبرام الصفقات العمومية وتأشيرها ومراجعتها.

وفي هذا الصدد، يجب التمييز بين الصفقات العمومية التي تخضع لقانون الصفقات العمومية بمفهوم المرسوم الرئاسي رقم 02 /250، المعدل والمتمم بالمرسوم الرئاسي رقم 03 /301، وباقي الصفقات والعقود التي يبرمها الموظف العمومي، كما هو معرف في قانون الفساد.

الغرض من النشاط الإجرامي: لا يكفي لتحقيق الركن المادي لجريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية قيام الموظف العمومي بإبرام عقد أو صفقة أو اتفاقية أو ملحق أو مراجعتها أو التأشير عليها مخالفة للتشريعات والتنظيمات المعمول بها، وٕإنما يشترط أن يكون الغرض من هذا العمل هو إفادة الغير بامتيازات غير مبررة، كما يشترط أن يكون الغير هو المستفيد من هذه الامتيازات وليس الجاني ،وٕإلا عد الفعل رشوة‘ وهي جريمة قائمة بحد ذاتها في مجال الصفقات العمومية سنتطرق لها لاحقا.

وعليه، لا تقوم الجريمة بمجرد مخالفة الأحكام القانونية واللوائح التنظيمية، التي تعد من الأخطاء المهنية التي يحاسب عليها الموظف من قبل السلطة المكلفة بالرقابة أو السلطة الوصية، وٕإنما يشترط زيادة على ذلك أن يكون الهدف من مخالفة هذه النصوص هو تبجيل ومحاباة أحد المتنافسين على غيره، مثل: تعمد زيادة تنقيط العروض التقنية والمالية بالنسبة لأحد المتنافسين على الصفقة بصفة غير مستحقة.

وبعنصر الغرض، يتضح أن الغاية من تجريم هذا الفعل هو ضمان مبدأ المساواة بين المرشحين للفوز بالصفقة أو العقد، وٕإرساءً لمبدأ الشفافية في مجال إبرام الصفقات العمومية، وهي المبادئ التي تقوم عليها الصفقات العمومية سواء في المرسوم 02/250 أو المادة 09 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

وتجدر الإشارة إلى أنه على القاضي إبراز العنصرين المكونين للركن المادي لهاته الجريمة وذلك بتبيين الإجراء المخالف للقانون، وربطه بمن رست عليه الصفقة مبرزا العلاقة بين الإجراء المخالف  وإجراء منح الصفقة لأحد المرشحين، ويتضح له ذلك من خلال ملف الصفقة المدرج بملف القضية.

ج- الركن المعنوي في جريمة المحاباة

الركن المعنوي في الجريمة يتطلب قيام القصد بعنصريه العلم والإرادة وتعتبر المحاباة في الصفقات العمومية من الجرائم العمدية، تتطلب لقيامها توافر القصد العام، أي اتجاه إرادة الجاني إلى مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها في مجال الصفقات العمومية، مع العلم بأن هذا الفعل مجرم قانونا ،فبتوافر كل من عنصري العلم والإرادة يتحقق القصد الجنائي العام، إلى جانب القصد الجنائي العام، تتطلب جريمة المحاباة توفر القصد الجنائي الخاص، ويتمثل هذا الأخير في إعطاء امتيازات غير مبررة للغير مع العلم بأن هذا الفعل يشكل جريمة، هذا ويشترط أن يكون المستفيد من هذه الامتيازات غير المبررة من الغير وليس الجاني، وٕإلا كان الفعل رشوة.

وتجدر الإشارة إلى أنه لابد من إبراز عنصر القصد الجنائي في الحكم، ويمكن استخلاصه من اعتراف المتهمين أو اللجوء إلى القرائن، فمثلا في حالة تكرار العملية يمكن استخلاص القصد الجنائي من الوعي التام بمخالفة القواعد الإجرائية أو استحالة تجاهلها بالنظر إلى الوظيفة التي يمارسها الجاني، وهكذا قضي في فرنسا بقيام القصد الجنائي على أساس أن الجاني يمارس وظائف انتخابية مدة طويلة وله تجربة كبيرة في إبرام الصفقات العمومية، وبالتالي يجب على القضاة أن يتوخوا الحذر ويستلزم الحكمة من أجل الكشف عن الصفقات المشبوهة خاصة إذا علمنا أن المجرمين يتخذوا كل ما يلزم من أجل إخفاء آثار الجريمة بالإضافة إلى استعمال طرق وحيل يصعب بها الكشف عن الصفقات المشبوهة.

وقد أثيرت مسألة الدافع الباعث إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة فهل يشترط أن تتحقق الفائدة للغير أم لا؟.

الجواب أنه لا يؤخذ بعين الاعتبار الدافع الباعث على مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية للصفقات العمومية فتقوم الجريمة حتى ولو أفاد الجاني الغير بامتيازات غير مبررة لفائدة المؤسسة التي يمارس وظيفته فيها، لأن العلة من تجريم المحاباة هي مخالفة القواعد التشريعية والتنظيمية المنظمة للصفقات العمومية، بغرض إفادة الغير من امتيازات غير مبررة ولا يهم بعد ذلك إن تحققت فائدة للغير أم لا، ويفهم هذا من خلال قول المشرع (...إبرام عقد أو يؤشر أو يراجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير)، فالمهم أن يكون المستفيد من هذه الامتيازات الغير وليس الموظف العمومي، وٕإلا لا نكون أمام جريمة المحاباة ،بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون هناك مخالفة للتشريع المعمول به في مجال إبرام أو تأشير أو مراجعة العقد أو الصفقة أو الملحق.

يمكن القول أن الركن المعنوي في جريمة المحاباة هو ركن مفترض، فبمجرد مخالفة الأحكام التشريعية والتنظيمية التي تحكم الصفقات العمومية من أجل إفادة الغير بامتيازات غير مبررة، تقوم هذه الجريمة ودون الحاجة إلى البحث عن القصد الجنائي لأن الخطأ غير محتمل وقوعه خصوصا أن الإجراءات التي تقوم عليها الصفقة تكون من موظف لديه الخبرة في مجال الصفقـات العمومية.

2. قمع جريمة المحاباة في مجال الصفقات العمومية

تطبق على هذه الجريمة الأحكام المقررة لجريمة رشوة الموظف العمومي سواء تعلق الأمر بالتابعة أو بالجزاء، مع اختلاف طفيف بالنسبة للعقوبة الأصلية وتقادم الدعوى العمومية والعقوبة، وعليه سنتطرق من خلال عنصر الجزاء إلى العقوبات المقررة للشخص الطبيعي، والشخص المعنوي، ومسألتي الشروع والمشاركة ومسألة الأفعال المبررة، إضافة إلى مسألة الإثبات المتعلقة بجنحة المحاباة.

أ- العقوبات المقررة للشخص الطبيعي 

العقوبات الأصلية: تنص المادة 26 فقرة 01 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على الجزاء المقرر لمن يرتكب جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية وهو الحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 200.000 دج إلى 1000.000دج.

- تشديد العقوبة: تنص المادة (48) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على تشديد عقوبة الحبس، لتصبح مدتها من 10 سنوات إلى 20 سنة، دون تشديد الغرامة، إذا ارتكب الجريمة أحد الأشخاص المذكورين في هذه المادة- وهو نص يطبق على جميع جرائم الفساد- وهم:

* القاضي بمفهومه الواسع (MAJISTRAT)، وبالتالي فهو يشمل جميع قضاة القضاء العادي والإداري، وقضاة مجلس المحاسبة ومجلس المنافسة والمجلس الدستوري. 

* الموظف الذي يمارس وظيفة عليا في الدولة، ويقصد به كل موظف سام يعين بموجب مرسوم رئاسي.

* الضباط العموميون، وهم المحضرين القضائيين، الموثقين، محافظي البيع بالمزايدة، والمترجمين الرسميين.

* أعضاء الهيئة، ويقصد بهم أعضاء هيئة مكافحة الفساد المعرّفة بنص المادة 02 فقرة –م - من قانون الفساد.

* ضباط وأعوان الشرطة القضائية، وهم كل من يجوز على صفة الضبطية القضائية من أعوان أو ضباط حسبما هو وارد في المادتين (15) و(19) من قانون الإجراءات الجزائية.

* من يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية، وهم الأشخاص المذكورة في المادتين (21) و(27) من قانون الإجراءات الجزائية، والذين يخول لهم صلاحيات الشرطة القضائية كل في مجال اختصاصه.

* موظفي أمانة الضبط، ويتعلق الأمر بأمناء الضبط الرئيسيون، ورؤساء أقسام الضبط، وأمناء الضبط المساعدين العاملين في مختلف الجهات القضائية وكذا العاملين في مصالح أمانة الضبط في المؤسسات العقابية.

- الإعفاء من العقوبة: يستفيد من الأعذار المعفية من العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات وفقا لنص الفقرة 01 من المادة (49) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، كل من ارتكب أو شارك في جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وقام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية أو الجهات المعنية عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبيها.

- التخفيض من العقوبة: تخفض العقوبة بالنسبة لجرائم الفساد بما فيها جنحة المحاباة، وفقا للفقرة 02 من المادة (49) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته إلى النصف، لكل شخص إرتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والذي بعد مباشرة إجراءات المتابعة ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكابها.

- تقادم العقوبة: ينص على تقادم عقوبة الجرائم المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بوجه عام بما فيها جنحة المحاباة نص المادة (54) فقرتين 01 و02، إذْ تقضي بأن لا تتقادم العقوبة في حالة تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن.

أما في غير هذه الحالة فتطبق أحكام قانون الإجراءات الجزائية، وبما أن جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية تشكل جنحة، فينطبق عليها في هذه الحالة نص المادة (614) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أن تقادم العقوبة في مواد الجنح يكون بمضي 05 سنوات، ابتداءً من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا، غير أنه إذا كانت عقوبة الحبس المحكوم بها تزيد عن 05 سنوات كما هو جائز حصوله في جنحة المحاباة فإن مدة التقادم تكون مساوية لهذه المدة المحكوم بها.

-العقوبات التكميلية: تقضي المادة (05) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بإمكانية معاقبة الجاني في حالة إدانته بجريمة أو أكثر من جرائم الفساد بوجه عام بإحدى العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات والذي نص عليها في المادة (09) منه، ومن هذه العقوبات: المنع من الإقامة. تحديد الإقامة. الحرمان من ممارسة الحقوق المدنية والوطنية. سحب جواز السفر. نشر أو تعليق حكم الإدانة. 

* مصادرة العائدات والأموال غير المشروعة: تنص الفقرة 02 من المادة (51) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على ما يلى: "في حالة الإدانة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تأمر الجهة القضائية بمصادرة العائدات والأموال غير المشروعة، وذلك مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية".

يستنتج من هذا النص أن الحكم بمصادرة العائدات أو الأموال غير المشروعة سواء في جريمة منح امتيازات غير مبررة أو غيرها من جرائم الفساد، إلزامي بالنسبة للقاضي، وعبارة "تأمر" المستعملة في النص تدل على ذلك، هذا بالرغم من أن المصادرة عقوبة تكميلية.

* إبطال العقود والصفقات والبراءات والامتيازات والتراخيص: جاء قانون الفساد بحكم جديد لم يعرفه التشريع الجزائي الجزائري من قبل، وذلك من خلال المادة 55 منه التي جاءت تحت عنوان "آثار الفساد"، ومفادها ما يلي: "كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه من ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يمكن التصريح ببطلانه وانعدام آثاره من قبل الجهة القضائية التي تنظر في الدعوى مع مراعاة حقوق الغير حسن النية".

فبالنسبة للجرائم المتعلقة بالصفقات خاصة، وباقي جرائم الفساد عامة، إذا تم إدانة الجاني بإحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون الفساد، جاز للقاضي إبطال هذه الصفقات أو العقود أو الامتيازات، وتصبح في حكم العدم، بالرغم من أن إبطال العقود هو من اختصاص جهات القضاء المدني.

وعليه فالقاضي ملزم بعد الحكم بالإدانة بجريمة منح امتيازات غير مبررة للغير في مجال الصفقات العمومية، بتبيين الامتيازات الممنوحة وعدم شرعيتها، ليحكم بإبطال هذه العقود والامتيازات في نفس الحكم وفي الشق الجزائي لا المدني.

ب- العقوبات المقررة للشخص المعنوي: أحالت المادة (53) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته بخصوص مسؤولية الشخص المعنوي عن ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص فيه على أحكام قانون العقوبات.

ففيما يتعلق بعقوبة الشخص المعنوي تنص المادة (18) مكرر من قانون العقوبات على أن تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح غرامة تساوي من مرة (10) إلى خمس (05) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي ،وبالإسقاط على عقوبة جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، تصبح عقوبة الغرامة فيها بالنسبة للشخص المعنوي تساوي من 1000.000دج وهو الحد الأقصى للغرامة إلى 5000.000 دج.

كما نصت نفس المادة على العقوبات التكميلية التي توقع على الشخص المعنوي، فنصت على تطبيق واحدة أو أكثر من العقوبات الآتية:

- حل الشخص المعنوي. 

- غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

- الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات.

- المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 05 سنوات.

- مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.

- نشر وتعليق حكم الإدانة.

- المشاركة والشروع: تقضي المادة (52) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على الإحالة على قانون العقوبات، فيما يتعلق بالشروع أو المشاركة في مختلف جرائم الفساد.

المشاركة: بما أن صفة الجاني هي ركن قائم بذاته في جنحة المحاباة كما أرينا سابقا. فإن مسألة الشريك تأخذ إحدى الاحتمالات الآتية:

- إما أن يكون الشريك موظفا عموميا حسب ما هو معرف بالمادة 02-ب - من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، فيأخذ حكم الفاعل الأصلي وتطبق عليه نفس العقوبة المقررة للفاعل.

- وٕإما أن لا يكون الشريك موظفا، فتطبق في هذه الحالة القواعد العامة للمشاركة المنصوص عليها في قانون العقوبات، وبالرجوع إلى المادة (44) منه، نجدها تعاقب الشريك بنفس عقوبة الفاعل الأصلي سواء في الجنايات أو الجنح كما هو الحال في جنحة المحاباة، وذلك بصرف النظر عن صفة الشريك.

الشروع: يمكن تصور الشروع في جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية ،ومن ذلك ما قضي به في فرنسا بأن إلغاء الصفقة أثر الملاحظات التي أبدتها مصالح الولاية بمناسبة مراقبة شرعية الصفقة، لا يؤثر في شيء في توافر نية ارتكاب الجريمة باعتبار أن تنفيذ الصفقة لم يتوقف بإدارة صاحب المشروع، وٕإنما توقف بفضل يقظة الإدارة.

وهو نفس الوضع الذي يمكن حدوثه في الجزائر، فيمكن تصور الشروع في جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، إذا أقدم الجاني على تبجيل أحد المتنافسين المترشحين للصفقة على غيره، غير أن لجنة الصفقات سواء الوطنية أو الولائية أو البلدية امتنعت عن تأشيرها وتم إلغائها، فالجريمة هنا قائمة لأن إلغائها تم بصفة خارجة عند إرادة الجاني مما يعد شروعا طبقا لقانون العقوبات. 

وتجدر الإشارة إلى إن نص المادة (52) فقرة 02 يقضي بتطبيق نفس عقوبة الجريمة على الشروع وهذا وفقا للقواعد العامة.

- مسألة الأفعال المبررة: غالبا ما يتحجج المتهمين في جنحة المحاباة بأفعال مبررة لتجنب المساءلة والإفلات من العقاب ومنذ أمثلتها:

- عادة ما يتحجج المتهمين خاصة أثناء مرحلة التحقيق في جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية بأن قرار منح الصفقة قد اتخذ من قبل أعضاء لجنة تقييم العروض بغرض إبعاد المسؤولية عنهم، غير أن المرسوم 02 /250 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية واضح في هذا المجال، إذْ يقضي بأن أعضاء اللجنة المذكورة، يقدمون اقتراحات إلى مسؤول المصلحة المتعاقدة فيما يخص اختيار المتعامل المتعاقد، ويبقى رئيس المصلحة المتعاقدة وحده المسؤول عن منح الصفقة.

- كما قد يتذرع الجاني بتوافر حالة الضرورة لتبرير اختيار إجراء التراضي في إبرام الصفقة دون مراعاة إجراءات إبرامها عند طريق المناقصة، لذلك على القاضي تقدير مدى توافر حالة الضرورة أو الخطر الملح التي تبرر اللجوء إلى إجراء التراضي.

وبالنسبة للقضاء المقارن فقد قضي في فرنسا بمناسبة معالجة القضايا المتعلقة بجنحة المحاباة باستبعاد ما أثاره رئيس البلدية الذي ادعى بأنه غير مسؤول، إذْ اقتصر دوره على التوقيع على عمل اتخذ نائبه القرار بشأنه، على أساس أنه يتعين على رئيس البلدية مراقبة كل ما يوقع عليه.

قد تتلازم أو تتصاحب جنحة المحاباة مع جنحة أخذ فوائد بصفة غير قانونية، عرضت على القضاء الفرنسي قضايا تخص أمناء السلطة العامة (dépositaires de l'autorité publique) كانت لهم مصالح في المؤسسات التي استفادت من الصفقات العمومية، ومع ذلك فقد تمسك القضاء بجنحة المحاباة فحسب.

ثانيا: جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة 

وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة (26/2) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته التي حلت محل المادة (128 مكرر الفقرة 2) من قانون العقوبات الملغاة،  ولقد أشارت المادة (26/02) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته إلى جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة، وجاء فيها: "يعاقب......2- كل تاجر أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص، أو بصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم، ولو بصفة عرضية، بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات العمومية الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات العمومية الاقتصادية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، ويستفيد من سلطة أو تأثير أعوان الهيئات المذكورة من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقونها عادة أو من أجل التعديل لصالحهم في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين".

1. أركان جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة 

تقوم جريمة إستغلال نفوذ الأعوان العموميون للحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية على 03 أركان هي: صفة الجاني، الركن المادي، الركن المعنوي.

أ- الركن المادي في جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة

تقوم هذه الجريمة من قبل شخص عادي، حيث يكون تاجرا أو صناعيا أو مقاولا في القطاع الخاص ،وبصفة عامة تقوم الجريمة من قبل كل شخص طبيعي أو معنوي، يقوم باستغلال نفوذ عون من أعوان الدولة من أجل الحصول على امتيازات غير مبررة، وبالتالي لا يكون الجاني موظـفا عموميا، حيث يكون الموظف العمومي طرفا في العلاقة أو عنصـرا مستلزما لقيـام الجريمة.

ويتحقق بإبرام الجاني عقدا أو صفة مع الدولة أو إحدى الهيئات التابعة لها ويستفيد من سلطة أو تأثير أعوان هذه الهيئات للحصول على امتيازات غير مبررة تتمثل في الزيادة في الأسعار التي يطبقها الجاني عادة أو تعديل لصالحه في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين.

النشاط الإجرامي: يتمثل السلوك الإجرامي في جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميون للحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية حسب نص المادة (26/2) في استغلال الجاني لسلطة أو تأثير أو نفوذ أعوان الدولة أو المؤسسات والهيئات التابعة لها بمناسبة إبرام صفقة أو عقد مع هذه المؤسسات أو الهيئات.

ويقصد بأعوان الدولة من خلال هذه المادة كل من يشتغل في هذه المؤسسات وتكون له سلطة أو تأثير في إبرام العقود أو الصفقات أو يساهم في الإعداد لها وتحضيرها، وتشمل: مديري هذه المؤسسات أو الهيئات، رؤساء المصالح ورؤساء المكاتب والمهندسين والتقنيين والأعوان الإداريون بمختلف رتبهم.

وبالنسبة للصفقات العمومية فإن يوجد عادة في كل هيئة إدارية أو مؤسسة تابعة للقطاع العام مصلحة أو مكتب خاص بالصفقات العمومية يشرف عليه رئيس المصلحة أو المكتب ويتكون من مهندسين وتقنيين وأعوان إداريون توكل لهم مهمة تحضير إجراءات الصفقة أو أي عقد تبرمه هذه الإدارة، مثل: تحضير الإعلان عن النداء للمنافسة - تحضير اجتماعات لجنتي فتح الأظرف وتقييم العروض وٕإرسال لاستدعاء إلى أعضائها -مراجعة دفتر الشروط  -إعداد الدراسات الخاصة بالعروض المقدمة وترتيبها....، وهذا تحت أشراف مدير الهيئة أو المؤسسة.

وغالبا ما يكون هؤلاء الأعوان، هم من لهم صلة مباشرة بالصفقة أو العقد ولهم سلطة أو تأثير في إبرامها كونهم يتوفرون على جميع المعطيات الخاصة بالصفقة خاصة ما تعلق منها بإمكانيات المتنافسين عليها. 

وتجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط أن يكون النفوذ حقيقيا، فالجريمة تقع حتى ولو كان النفوذ مزعوما سواء كان الجاني عالما بزعمه أو يعتقد خطأ بصحته.

الغرض من استغلال نفوذ الأعوان العموميين: تشترط المادة 26 /2 من القانون 06 /01، لكي يتحقق الركن المادي للجريمة، يجب أن يستغل الجاني نفوذ أو سلطة أو تأثير أعوان الدولة أو الهيئات التابعة لها من أجل الزيادة في الأسعار التي يطبقها عادة أو التعديل لصالحه في نوعية المواد أو الخدمات أو آجال التسليم أو التموين. 

- الزيادة في الأسعار: كما لو أبرم تاجر عقدا مع بلدية لتزويدها بأجهزة كمبيوتر، وكان السعر المعمول به عادة لا يتجاوز 50.000 دج للوحدة، في حين طبق التاجر على البلدية 70.000 دج مستغلا بذلك علاقته المتميزة مع رئيس البلدية.

- التعديل في نوعية المواد: ويتعلق الأمر بتعديل نوعية المواد التي تطلبها الإدارة من حيث الجودة والنوعية (في مجال الصفقات العمومية نوعية المواد المطلوبة يتم النص عليها في دفتر الشروط) فيعمد الجاني إلى تقديم مواد أقل جودة وبنفس الأسعار مستغلا في ذلك سلطة أو تأثير أعوان الإدارة، كما في المثال السابق لو تم إبرام عقد لتزويد البلدية بأجهزة من نوع: إ -ب-م ( IBM) الأصلي فتم تزويدها بأجهزة من نوع آخر أقل جودة وعلى أساس نفس السعر.

- التعديل في نوعية الخدمات: والأمر هنا يتعلق بصفقات وعقود الخدمات، إذْ يقوم الجاني بإبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى المؤسسات أو الهيئات التابعة لها والمذكورة بالمادة (26 /2) من القانون 06 /01، تخص نوعية معينة من الخدمات مثل: أعمال الصيانة الدورية لأجهزة الكمبيوتر كل شهرين فيقلص الجاني من هذه المدة لتصبح مرة واحدة كل 04 أشهر مستغلا في ذلك علاقته مع أحد أعوان هذه المؤسسات، كما لو تم إبرام عقد لصيانة أجهزة البلدية فصليا على أن يقوم بها مهندسون مختصون، فلا يقوم المتعامل المتعاقد مع البلدية إلا بصيانة واحدة في السنة يجريها تقنيون.

- التعديل في آجال التسليم أو التمويل: آجال التسليم أو التموين تخص عقود وصفقات اقتناء اللوازم ،وعادة ما يتم النص عليها في دفتر الشروط الخاص بها، وٕإذا أخل المتعامل المتعاقد بإلتزاماته أو تأخر في تسليم ما هو مطلوب منه تفرض عليه غرامات التأخير، فيقوم الجاني بتأخير أجل التسليم أو التموين دون فرض غرامات عليه، مستغلا في ذلك سلطة أو تأثير مسؤول الهيئة أو المؤسسة الذي تربط به علاقة صداقة مثلا، كذلك الأمر بالنسبة لصفقات إنجاز الأشغال، حيث يقترح المتعامل المتعاقد مدة لانجاز هذه الأشغال يتم النص عليها في الصفقة؛ فيعمد إلى التأخر في إنجازها دون أسباب جدية.

- كما في المثال السابق لو تم الاتفاق على تسليم أجهزة الكمبيوتر للبلدية في ميعاد أقصاه شهر من تاريخ إبرام العقد، غير أنه لا يتم تسليمها إلا بعد مرور أشهر على إبرام العقد.

ويرى الفقه الفرنسي أنه يستوي أن يكون النفوذ حقيقيا أو حكميا، فلا يمنع من قيام الجريمة إذا كان لعون الدولة نفوذ افتراضي غير حقيقي، غير أن الفقه الجزائري لم يبين ذلك نظرا لغياب المؤلفات الخاصة بجرائم الصفقات العمومية، فجوهر هذه الجريمة يكمن في أن يتقدم شخص عادي أو معنوي لعون من أعوان الدولة ليستغل نفوذه من أجل الحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، وقد عدد المشرع هذه الامتيازات في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وهذه الامتيازات هي: الزيادة في الأسعار، التعديل في نوعية المواد، التعديل في نوعية الخدمات، التعديل في آجال التسليم، التعديل في آجال التموين.

فعون الدولة أو الموظف العم ومي ليس من يعرض استغلال نفوذه، وٕإنما صاحب الحاجة هو الذي يلتمس منه استغلال نفوذه، وفي هذه الحالة نكون أمام استغلال نفوذ سلبي.

ب -الركن المفترض (صفة الجاني) 

تقتضي المادة 26 فقرة 2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، أن يكون الجاني في هذه الجريمة إما تاجرا أو صناعي أو حرفي أو مقاول من القطاع الخاص، وبصفة عامة كل شخص طبيعي أو معنوي من القطاع الخاص، ويطلق على هؤلاء تسمية: الأعوان الاقتصاديون كما يطلق عليهم اسم: المتعامل المتعاقد في حالة إبرام صفقة عمومية وفقا لأحكام المرسوم 02 /250 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية.

ويتضح من خلال المادة، أن المشرع حصر في بداية الأمر صفة الجاني في التاجر أو الصناعي أو المقاول أو الحرفي، ثم عمّمها على كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بإبرام صفقة أو عقد مع إحدى الهيئات المذكورة في المادة.

والمقصود بالشخص الطبيعي، كل شخص يبرم عقد مع المؤسسات والهيئات العمومية، ويحوز على صفة تاجر أو حرفي، سواء بتملكه سجل تجارى أو بطاقة الحرفي، وعادة ما يتم التعاقد معهم بشأن إنجاز بعض الأشغال أو تقديم خدمات بسيطة مثل ما يتعلق بأشغال الترميم أو إقتناء تجهيزات بسيطة للإدارة أو يكون متعامل ثانوي في صفقة عمومية، وفقا لأحكام المرسوم 02 /250.

أما الشخص المعنوي، فيتمثل عموما في شركات الخدمات والتجهيز ومقاولات الأشغال والذين يحوزون على سجل تجاري ولهم إمكانيات ومؤهلات مالية ومادية تسمح لهم بإبرام صفقات أو عقود مع المؤسسات والهيئات العمومية.

وتجدر الإشارة إلى أن صفة الجاني الذي يمكن مساءلته في جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميون من أجل الحصول على امتيازات غير مبررة، تقتضي أن يكون شخص طبيعي أو معنوي من القطاع الخاص دون الأشخاص المعنوية من القطاع العام.

ج-الركن المعنوي في جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة

يقوم الركن المعنوي لجريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، لذلك فجريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة هي جريمة عمدية تتطلب توفر عنصري العلم والإرادة، فهذه الجريمة تشترط توافر القصد الجنائي العام المتمثل في علم الجاني بنفوذ أعوان الدولة واستغلال هذا النفوذ لفائدته، وينصرف علمه كذلك إلى العناصر المكونة للواقعة الإجرامية فيلزم أن يعلم الجاني أن الجهة التي يسعى للحصول على المزية منها هي سلطة عامة أو جهة خاضعة لإشرافها، وٕإلى جانب ذلك، فإنها تتطلب توافر القصد الجنائي الخاص المتمثل في نية الحصول على امتيازات مع العلم أنها غير مبررة وهذه الامتيازات هي: الزيادة في الأسعار، التعديل في نوعية المواد، التعديل في نوعية الخدمات، التعديل في آجال التسليم، التعديل في آجال التموين.

والجدير بالذكر أنه، لا يشترط أن يفي عون الدولة بوعده للجاني، فهذا يشكل عنصرا خارجا عن القصد بعنصريه العلم والإرادة، فالقصد الجنائي متوافر بمجرد اتجاه إرادة الجاني إلى استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على الامتيازات غير المبررة.

ولابد من إبراز عنصر القصد الجنائي في الحكم، ويمكن استخلاصه من اعتراف المتهمين أو اللجوء إلى القرائن، فمثلا في حالة تكرار العملية يمكن استخلاص القصد الجنائي من الوعي التام بمخالفة القواعد الإجرائية أو استحالة تجاهلها بالنظر إلى الوظيفة التي يمارسها الجاني.

2. قمع جريمة استغلال نفوذ أعوان الدولة للحصول على امتيازات غير مبررة

تعاقب المادة 26 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته مرتكب جريمة استغلال نفوذ الأعوان العموميون للحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000 دج، هذا بالنسبة للشخص الطبيعي.

أما بالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي، فبإحالة المادة 53 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أحكام قانون العقوبات، فإن المادة 18 مكرر منه تنص على أن تكون عقوبة الشخص المعنوي مساوية من مرة (01) إلى خمس مرات (05) الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي، وبالتالي تصبح عقوبة الشخص المعنوي بالنسبة لجريمة استغلال نفوذ الأعوان العمومية غرامة من 1000.000 دج إلى 5000.000دج.

وتطبق على هذه الجريمة نفس الأحكام المطبقة على جنحة المحاباة والمتعلقة بتشديد العقوبة والإعفاء أو التخفيض منها ومصادرة العائدات الإجرامية وٕإبطال العقود والصفقات والمشاركة والشروع وتقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة، بإعتبار أن أحكامها جاءت في نصوص في قانون الفساد تطبق على جميع جرائم الفساد، كما تطبق عليها الأحكام المطبقة على جنحة المحاباة بخصوص تقادم الدعوى العمومية والعقوبة.

وتطبق العقوبات سواء حصل الجاني على الامتيازات فعلا أو لم يحصل عليها كما لو خاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني كأن يحرر فاتورة بسعر الأجهزة المباعة ويصادق عليها رئيس البلدية ثم ترفضها المصالح المالية المكلفة بتسديد الثمن، وعلى ذلك كانت الفقرة الأخيرة بالمادة 128 مكرر من قانون العقوبات الملغاة، تنص على معاقبة الشروع في ارتكاب الجريمة بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة التامة.

ثالثا: جريمة الرشوة في الصفقات العمومية 

نصت على هذه الجريمة المادة 27 من القانون 06 /01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته التي تنص على أنه: "يعاقب بالحبس من عشر(10) سنوات إلى عشرين (20) سنة وبغرامة من 1000.000 دج إلى 2000.000 دج كل موظف عمومي يقبض أو يحاول أن يقبض لنفسه أو لغيره بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منفعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد أبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق بإسم الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو المؤسسات العمومية الاقتصادية".

كما يطلق على هذه الجريمة كذلك تسمية قبض العمولات من الصفقات العمومية، وهي الجريمة التي كان ينص عليها قانون العقوبات من خلال المادة 128 مكرر 1 منه والملغاة بموجب قانون الفساد وتعتبر من جرائم المتاجرة بالوظيفة.

تشترك هذه الجريمة مع جريمة رشوة الموظفين العموميين في صورة الرشوة السلبية المنصوص عليها بالمادة 25 فقرة 2 من نفس القانون في بعض أحكامها وتختلف عنها في البعض الآخر، ومن خلال تناولنا لأركان هذه الجريمة والجزاء المقرر لها سنجري مقارنة بسيطة بينها.

1. أركان جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية

وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه في المادة (27) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الذي وصفه بالرشوة في مجال الصفقات العمومية، وكان هذا الفعل منصوصا عليه في المادة 128 مكرر 1 من قانون العقوبات، الملغاة.

وقد نصت المادة (27) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، على ما يلي: "يعاقب...... كل موظف عمومي يقبض أو يحاول القبض لنفسه أو لغيره، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، أجرة أو منفعة مهما يكن نوعها بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات قصد إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري أو المؤسسات العمومية الاقتصادية"، وكغيرها من جرائم الفساد تقوم جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية على ثلاثة أركان هي: صفه الجاني (الركن المفترض)، الركن المادي، الركن المعنوي.

الركن المادي في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية

يتحقق الركن المادي في جريمة الرشوة في الصفقات العمومية بسلوك إجرامي يرتكبه الموظف العمومي ،بحيث يتخذ هذا السلوك إحدى الصور الثلاثة التي تتمثل في طلب أو قبول عطاء أو أخذ لهدية أو فائدة. 

أما بالنسبة للركن المادي في مجال الصفقات العمومية فيتحقق بقبض أو محاولة قبض عمولات (أجرة أو فائدة) بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات أو إبرام أو تنفيذ عقد أو صفقة أو ملحق باسم الدولة أو إحدى الهيئات الخاضعة للقانون العام، ويتحلل الركن المادي إلى عنصرين وهما النشاط الإجرامي والمناسبة.

تقوم جريمة الرشوة من جانب الموظف ومن في حكمه، متى طلب أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، ويتمثل النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية فيقبض أو محاولة قبض الجاني عمولة، وقد عبر عنها المشرع بعبارتي الأجرة والفائدة.

أما عن عناصر النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة، فهي تتجسد في الطلب والقبول والأخذ. 

1. الطلب: هو تعبير يصدر عن الإرادة المنفردة للموظف العمومي يطلب فيها من صاحب الحاجة مقابلا لأداء عمله الوظيفي، ويكفي تحقق الطلب على هذه الصورة حتى تتحقق جريمة الرشوة متى توافرت بقية أركانها، حتى ولو لم يصدر قبول من صاحب الحاجة، ويشترط أن يكون الطلب جديا ويستوي في الطلب أن يكون للموظف نفسه أو للغير.

2.القبول: يفترض القبول من جانب الموظف العمومي أن هناك إيجابا أو عرضا من صاحب الحاجة ،يعبر فيه عن إرادته بتعهده بتقديم الهبة أو المنفعة إذا قضيت له مصلحته، وليس للقبول شكل خاص ،فيصح أن يقع بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة، كما يستوي أن يكون صريحا أو ضمنيا.

وٕإثبات القبول جائز بكافة طرق الإثبات، لكنه على أية حال من أصعب صور النشاط إثباتا باعتباره إرادة، وعلى القضاة توخي الحذر لاسيما حينما يكون ضمنيا، إذْ لا يكفي أن يكون الموظف قابلا للوعد لمجرد السكوت، لأن السكوت قد يدل على الرفض أو عدم الاكتراث، وٕإنما يلزم أن يكون السكوت ملابسا أي محاطا بعدد من القرائن مما يوحي بقبول الموظف العمومي، والرشوة عموما من المسائل الصعبة الإثبات خاصة في العقود الدولية.

3.الأخذ: وهو أخذ للأجرة أو الفائدة، وهذه الفائدة لم يحدد المشرع طبيعتها، وهي عموما لا تختلف عن الأجرة أو الفائدة التي يقبضها المرتشي لقاء أدائه عملا أو الإمتناع عن أدائه، فالفائدة هي المحل الذي يرد

عليه طلب المرتشي أو قبوله أو أخذه، وللفائدة معنى واسع يشمل كل ما يشبع حاجة أيا كان اسمها أو نوعها وسواء أكانت مادية أو معنوية، لذلك يندرج تحت مفهوم العطية أو الفائدة النقود والهدايا العينية والحصول على تسهيلات أو مزايا دون وجه حق.

وقد تكون المنفعة صريحة ظاهرة كما قد تكون ضمنية مستترة، كأن تتمثل في استئجار الموظف مسكنا دون أداء الأجرة أو بأجرة منخفضة أو نظير أداء الراشي له عملا دون أجر كصنع الأثاث، ويستوي أن تكون المنفعة مشروعة أو غير مشروعة في ذاتها، فيمكن أن تكون مواد مخدرة أو أشياء مسروقة، فالنشاط الإجرامي في جريمة الرشوة بمجال الصفقات العمومية، يكون بقبول هدايا أو الحصول على وعود أو هبات أو أي امتيازات أخرى أيا كانت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

4.المناسبة: تتطلب جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية أن يقبض الجاني عمولته بمناسبة تحضير أو إجراء مفاوضات أو إبرام أو تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق باسم الدولة أو إحدى الهيئات التابعة لها، حيث يحدد الركن المادي لجريمة الارتشاء التي تقع من الموظف العمومي، عندما يقوم بنشاطات مادية كقبض أجرة أو عمولة سواء لنفسه أو لغيره، والمشرع لم يكتف بهذا بل جرم كذلك كل محاولة للحصول على هذه العمولة أو الفائدة، واعتبرها جريمة تامة، ولابد أن تقع هذه الأفعال أثناء عملية التحضير لإبرام الصفقات العمومية، إبتداء من إعداد دفتر الشروط إلى الإعلان عن الصفقات إلى فتح الأظرف إلى الاحتفاظ بأسرار التفاوض وأهداف الصفقة ونفس الأمر بالنسبة إلى مرحلة تنفيذ صفقة أو عقد أو ملحق، فمثلا فإن الكثيرين من القائمين على المشاريع يلجئون إلى أخذ رشوة مقابل التلاعب مثلا في مشاريع الطرق والذي يكون عن طريق وجود ثغرات في القياسات عند إعداد جداول الكميات، فالطرق التي تمتد أحيانا إلى مئات الكيلومترات وعرض عشرات الأمتار يمكن أن يتم فيها الغش المتفق عليه في أحيان كثيرة بسهولة، بألا تكون هذه القياسات متطابقة مع الجداول المعدة مسبقا، وٕإن كانت مطابق فقد تكون تربة الأساس ونوعية الفرشة لا تتطابق مع المواصفات والشروط الواجب توافرها أو قد يكون الغش بشكل آخر بألا يتم إخضاع المواد للفحص واختبار الجودة أو قد يكون على شكل السماح بالعمل في أوقات غير مناسبة، كأن يتم صب الخرسانة في أوقات غير ملائمة من حيث درجة الحرارة وشروط الصب دون أخذ الاحتياطات اللازمة ودون تأمين شروط السلامة العامة أثناء التنفيذ أو قد يتم عن طريق استخدام عامل الوقت لصالح المتعهد، وذلك بتمرير بعض المواد بحجة ضيق الوقت وٕإنهاء المشروع.

الركن المفترض (صفة الجاني): تقضي المادة (27) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المذكورة أعلاه أن يكون الجاني في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية موظفا عموميا حسب ما هو معرف بالمادة 02 -ب - من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته وذلك على النحو الذي سبق بيانه في جنحة المحاباة التي تطرقنا إليها في أولا: من هذا الفصل، وهي نفس الصفة التي يشترط توافرها في جريمة رشوة الموظفين العموميين في صورة الرشوة السلبية.

الركن المعنوي: من المعلوم أن جريمة الرشوة من الجرائم العمدية مما يقتضي توافر القصد الجنائي ،ومن المقرر أيضا أن القصد الجنائي في الرشوة عموما يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة، أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباته وأن تلك العطية هي ثمن لاتجاره بوظيفته واستغلالها.

لقيام القصد الجنائي في جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية لابد من توافر عنصر العلم، إذْ يجب أن يعلم المرتشي بتوافر جميع أركان الجريمة، فيعلم أنه موظف عمومي أو من في حكمه وأنه مختص بالعمل المطلوب منه، ويجب أن يعلم كذلك عند الطلب أو القبول بأن المنفعة أو الفائدة التي تقدم إليه هي نظير العمل الوظيفي، أي أن يعلم الموظف العمومي بأن الفعل الذي قام به يشكل جريمة وفقا للقانون وهذا شرط مفترض، فإذا انتفى العلم بالعناصر السابقة انتفى القصد الجنائي.

ويجب أن تتجه إرادة الموظف أو من في حكمه إلى الطلب أو القبول، إلى الإخلال بمبادئ سير الصفقات العمومية، وكذا الإخلال بواجب النزاهة والشفافية الذي تقتضيه الوظيفة العمومية والصفقات العمومية، بالإضافة إلى هذا اتجاه إرادة الجاني إلى المتاجرة بالوظيفة العامة واستغلالها لمصالحه الشخصية، فإذا ما انتفت الإرادة انتفى القصد الجنائي، ومن ثم، فإن القصد الجنائي ينتفي حين يدس صاحب الحاجة مبلغا من المال في يد الموظف أو في ملابسه ويسارع على الفور أو بعد تردد إلى رفض هذا المبلغ، كما لا يتوافر القصد الجنائي إذا تظاهر الموظف أو من في حكمه بقبول عرض الراشي، ناويا في الحقيقة إبلاغ السلطات العامة بعرض الرشوة وضبط الراشي متلبسا بجريمة الرشوة، بالإضافة إلى هذا كله، فإن الرشوة في مجال الصفقات العمومية ينبغي لقيامها توافر القصد الجنائي الخاص المتمثل في نية مخالفة قواعد سير الصفقات العمومية.

وقيام القصد الجنائي أو انتفاؤه يرجع إلى وقائع كل دعوى على حدة، ولما كان هذا القصد ظاهرة نفسية باطنية، فإن إثباته يقتضي في الغالب الاستعانة بالقرائن، لذلك يجب على قاضي الموضوع التنقيب عنه من خلال دراسته لوقائع الدعوى واستخلاص النتائج التي تساعده على القول بتوافره أو انتفائه.

2. قمع جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية 

تعاقب المادة (27) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته مرتكب جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية بالحبس من عشرة (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة وبغرامة من1000.000 دج إلى 2000.000 دج، هذا فيما يتعلق بعقوبة الشخص الطبيعي. 

أما بالنسبة للشخص المعنوي فبإحالة المادة (53) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فيما يخص العقوبة المقررة له على أحكام قانون العقوبات، فإن المادة (18 مكرر) منه تنص على أن تكون عقوبة الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح بغرامة تساوي من مرة (01) إلى خمس (05) مرات الحد الأقصى لعقوبة الغرامة المقررة للشخص الطبيعي، وبما أن جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية تأخذ وصف الجنحة، فإن عقوبة الشخص المعنوي فيها تكون غرامة من 2000.000 دج إلى 10.000.000دج.

وتمثل هذه الأحكام العقوبات الأصلية لجريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية المقررة للشخص الطبيعي أو المعنوي، ويلاحظ عليها أنها تمثل أقصى عقوبات الجرائم المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته سواء بالنسبة لعقوبة الحبس أو الغرامة، إذْ أصبحت عقوبة الحبس المقدرة ب: من 10 سنوات إلى 20 سنة مساوية للعقوبة المقررة لباقي جرائم الفساد في حالة تطبيق الظروف المشددة المنصوص عليها بالمادة (48) منه، كما أن عقوبة الغرامة في هذه الجريمة رفعت إلى الضعف سواء في حدها الأدنى أو الأقصى مقارنة بباقي عقوبات الغرامة المقررة لجرائم الفساد الأخرى، وبذلك تختلف

الجزاءات المقررة لهذه الجريمة عند تلك المقررة لجريمة الرشوة السلبية التي يعاقب عليها بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000 دج بالنسبة للشخص الطبيعي وتطبيق عليها نفس الأحكام فيما يتعلق بعقوبة الشخص المعنوي. 

وما يستنتج من ذلك أن المشرع إعتبر فعل قبض أو محاولة قبض أجرة أو منفعة في مجال الصفقات العمومية ظرفا مشددا.

وتطبق على جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية نفس الأحكام المطبقة على جنحة المحاباة فيما يتعلق بالإعفاء أو التخفيض من العقوبة، والعقوبات التكميلية، ومصادرة العائدات الجرمية، والمشاركة ،وٕإبطال العقود والصفقات، وكذا الأحكام المتعلقة بإجراءات المتابعة والتحري.

وتجدر الإشارةـ، إلى إن المادة (27) نصت على محاولة قبض الأجر أو المنفعة من قبل الجاني وعبارة المحاولة هنا تعنى الطلب لهذه الأجرة أو المنفعة بشكل مباشر أو غير مباشر أو اتخاذ موقف يدل على أن الجاني سعى للحصول على المنفعة أو الأجر، وبذلك يكون المشرع قد نص بشأن هذه الجريمة على الجريمة التامة والشروع في ارتكاب ركنها المادي بنفس النص، وهذا خلافا لباقي النصوص المتعلقة بجرائم الفساد، وعموما يطبق عليها أحكام الشروع المذكورة في المادة (52) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته لأنه نص يطبق على جميع جرائم الفساد، وذلك على النحو السابق ذكره في جنحة المحاباة. 

* الرد: تنص الفقرة 03 من المادة (51) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على:" وتحكم الجهة القضائية برد ما تم اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح، ولو إنتقلت إلى أصول الشخص المحكوم عليه أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره، سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى"

وعليه ففي حالة الحكم بإدانة الجاني بجريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية يحكم القاضي برد ما تم قبضة من عمولة نظير تقديمه للخدمة سواء كان في يد الجاني أو في يد أحد الأشخاص المذكورين في المادة (51) فقرة 03، ويفهم من سياق النص أن الرد إلزامي حتى وان خلا من عبارة "يجب". 

* تقادم الدعوى العمومية: تنص المادة (54) في فقرتيها 1 و2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته ،على أن لا تتقادم الدعوى العمومية في الجرائم المنصوص عليها في هذه القانون في حالة ما إذا تم تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج، وفي غير هذه الحالة تطبق أحكام قانون الإجراءات الجزائية. 

وبما أن جريمة الرشوة في مجال الصفقات العمومية تلحق بجريمة رشوة الموظفين العموميين نظرا لكون المشرع أعطى لكليهما صفة الرشوة، فيطبق عليهما نص المادة 08 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية التي تقضي ب: "لا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في الجنايات والجنح الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية وتلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والرشوة واختلاس الأموال العمومية"، وعليه فإن الدعوى العمومية في جنحة الرشوة في مجال الصفقات العمومية غير قابلة للتقادم. 

* تقادم العقوبة: كما هو الحال بالنسبة لتقادم الدعوى العمومية، فإن نص المادة (54) فقرة 1 و2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته تنص على عدم تقادم العقوبة إذا تم تحويل العائدات الجرمية إلى الخارج، وتطبق أحكام قانون الإجراءات الجزائية في غيرها من الحالات.

وبالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية نجده ينص من خلال المادة (612 مكرر) على أنه: "لا تتقادم العقوبات المحكوم بها في الجنايات والجنح الموصوفة بأفعال إرهابية وتخريبية وتلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية والرشوة". 

وعليه فإن العقوبة المحكوم بها في حالة الإدانة بجرم الرشوة في مجال الصفقات العمومية لا تخضع للتقادم. 

تجب الإشارة، فإن نص المادة 128 مكرر -1- من قانون العقوبات الملغاة بموجب قانون الفساد كانت تصف جريمة قبض العمولات من الصفقات العمومية بوصف الجناية، وتعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 سنوات إلى 20 سنة وبغرامة من 100.000دج إلى 5000.000دج.

رابعا: جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية 

نصت على هذه الجريمة المادة (35) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته التي تقضي ب:" يعاقب بالحبس من سنتين (02) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1000.000 دج كل موظف عمومي يأخذ أو يتلقى إما مباشرة وٕإما بعقد صوري، وٕإما عن طريق شخص آخر فوائد من العقود أو المزايدات أو المناقصات أو المقاولات أو المؤسسات التي يكون وقت إرتكاب الفعل مديرا لها أو مشرفا عليها بصفة كلية أو جزئية، وكذلك من يكون مكلفا بتصفية أمر ما ويأخذ منه فوائد أيا كانت".

وقد حلت هذه المادة محل المادة (123) من قانون العقوبات، الملغاة بموجب قانون الفساد، ويطلق عليها في التشريع الفرنسي مصطلح:" جنحة التدخل" كما يطلق عليها في إطار التشريع المصري مصطلح "جريمة التربح".

وتكمن هذه الجريمة في تدخل الموظف في الأعمال التي أحيلت عليه إدارتها أو رقابتها، وهو ما يؤدي إلى إستغلال الموظف للوظيفة العامة من خلال العمل على تحقيق مصلحة خاصة من ورائها، وعليه تعد هذه الجريمة من جرائم المتاجرة بالوظيفة، كما أنها تعد مظهر من مظاهر الرشوة، وهي أقرب كذلك إلى الجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية لأنها تعد صورة من صورها.

وسنتطرق في دراستها إلى البحث في أركان الجريمة، ومن ثم الوقوف على لقمعها.

1. أركان جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية

تقوم هذه الجريمة على ثلاثة أركان هي: صفة الجاني (الركن المفترض)، الركن المادي، الركن المعنوي. 

أ- الركن المادي في جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية 

يتحقق الركن المادي في جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية، بتلقي الجاني أو قبضه فائدة من العقود والمزايدات والمناقصات والمقاولات والمؤسسات التي يكون فيها وقت ارتكاب الفعل مديرا أو مشرفا على العملية، كما يمكن أن يكون الجاني مكلفا بإصدار أذونات دفع في عملية ما أو تصفية أمر ما، بمعنى أن الجاني يتمتع بسلطة عامة أو مكلف بخدمة في مرفق عام أو شخص في عهدة انتخابية، فهذه الوظيفة أو السلطة تعطيه الحق في المداولة والإدارة أو التصفية أو حراسة العملية باسم السلطة العامة.

ويقصد بالإشراف، الإشراف المزود بسلطة كافية تمكن الموظف أو تسمح له بمزيد من التدخل في العمليات أو المعاملات التي تهم الدولة والمؤسسات التابعة لها. 

وتقتضي هذه الجريمة أن يكون العمل داخلا في اختصاص الموظف وقت ارتكاب الفعل فلا تقوم الجريمة إذا تجاوز الموظف اختصاصه أو أقحم نفسه في عمل لا يدخل في اختصاصه ولو حصل على فائدة من ورائه، وهكذا قضي في فرنسا بعدم قيام الجريمة في حق قابض الضرائب على مستوى البلدية شارك في مزايدة لإنجاز أشغال لا لسبب إلا لكونه غير مكلف بمراقبة هذه المزايدة.

فتتحقق إذن جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية، بأخذ أو قبول هذه الفوائد غير القانونية إما بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، حين يكون الجاني مكلفا بالحراسة أو الإدارة أو التصفية أو الدفع، وبالتالي لا تقوم الجريمة في غياب الرقابة أو الحراسة.

ولم يشترط المشرع نوعا محددا من الفوائد، حيث جاء لفظ الفائدة عاما بقوله: "....أي فائدة كانت"، وهذا يعني أنه يستوي أن تكون الفائدة مادية أو معنوية المهم أن تكون من تلك العقود أو المقاولات أو المزايدات أو المناقصات يحصل عليها الموظف العمومي في الوقت الذي يكون مديرا لها أو مشرفا عليها أو مكلفا بالدفع، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن أكثر الفوائد شيوعا متمثلة في الفوائد عن عقود التوريد، فوائد عقود الاقتراض لمصلحة المرفق العام وشراء الأراضي، ولا تهم الطريقة التي تتحقق بها المنفعة أوالفائدة، فقد تتحقق مباشرة بقبض مبلغ من المال أو الحصول على أسهم في شركة أو بمجرد وعد. 

وقد تتحقق بعقد صوري كأن يبرم الجاني عقدا مع مؤسسة مملوكة له وتحمل إسم غيره، فالجريمة تكمن في حقيقة الأمر في تدخل الموظف في الأعمال التي هو مكلف بإدارتها والإشراف عليها، هذا التدخل يصرفه إلى التحري في المصلحة الخاصة عن القيام بالواجب الذي تقتضيه المصلحة العامة. 

إن قيام جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية ليس مرتبطا بكسب فائدة مؤكدة، إذا أخطأ الموظف التقدير أو ظن أن عملية ما ستدر عليه أرباحا في حين أنها لم تعد عليه بأية فائدة، فإن الجريمة قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة للفائدة المستترة، حيث يكون من الظاهر أنه لا توجد جريمة.

والجدير بالذكر أن مثل هذه الجرائم تكون أكثر شيوعا في الهيئات البرلمانية عموما، فبالرغم من أن القانون قد منع الموظف العمومي أيا كان سواء كان منتخبا أو معينا من ممارسة نشاط تجاري أو مهني آخر، أثناء فترة الوظيفة أو العهدة كون الأمر يؤدي إلى عدم التوفيق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، إلا أن كثيرا من البرلمانيين تكون لهم شركات مستترة وفي كل مرة يتدخلون ويمنحون فيها صفقة عمومية إلى شركة تكون لهم فيها أغلبية الحصص، في حين لا يتلقون أي مقابل عن هذه العملية، وهذا الأمر يكون من الناحية الظاهرية فقط لأنه في حقيقة الأمر يكونون هم المستفيدون من الصفقة. 

ومن بين القرارات الكثيرة الصادرة عن القضاء الفرنسي بشأن جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية التي لا نتعجب لحجم الأعمال المتابع بشأنها التي أغلبيتها تكون فيها الفائدة لعائلة الجاني أو شخص قريب منه، قرار أدين بموجبه رئيس بلدية من أجل جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية من صفقة، حيث وقع بصفته هذه، عقدا مع مؤسسة قام فيها زوج ابنته بإنجاز عملية أداء خدمات على أساس أن رئيس البلدية حصل عمدا على مصلحة في عملية هو مكلف بها، بصرف النظر عما إذا كان رئيس البلدية لم يحصل على أية فائدة مالية مباشرة من هذه العملية.

ب - الركن المفترض صفة الجاني 

تشترط المادة (35) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته المذكورة آنفا أن تتوفر في الجاني صفة الموظف العمومي، لكنها حصرت الأمر في الموظف الذي يدير أو يشرف بصفة كلية أو جزئية على العقود أو المزايدات أو المناقصات أو المقاولات أو الموظف الذي يكون مكلفا بإصدار إذن بالدفع في عملية أو يكون مكلفا بتصفية أمر ما.

وعليه فإن صفة الجاني في هذه الجريمة تشمل الموظف العمومي، كما هو معرف بنص المادة (02/ب) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على النحو السابق بيانه في جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، غير أن الأمر محصور في الفئتين الآتيتين:

1.الموظف الذي يدير أو يشرف بحكم وظيفته على العقود أو المناقصات أو المزايدات أو المقاولات التي تبرمها المؤسسة أو الهيئة التابع لها: وتشمل هذه الفئة كل موظف يتولى مسؤولية الإشراف أو الإرادة على هذه العقود أو العمليات المذكورة، وتمنحه هذه المسؤولية سلطة فعلية بشأن هذه العمليات التي يتلقى أو يأخذ منها فوائد بصفة غير مشروعة، وذلك في أية مرحلة كانت عليها العملية سواء أثناء تحضير العقد أو المناقصة أو المزايدة أو أثناء مرحلة التنفيذ، ويتعلق الأمر أساسا بمدير الهيئة أو المؤسسة أو رئيس المصلحة أو رئيس المكتب أو أي مهندس أو تقني أو عون إداري له دور في هذه العمليات.

2. الموظف الذي يكون مكلفا بإصدار إذن بالدفع في عملية ما أو مكلفا بتصفية أمر ما: ويعني به كل موظف يمنح له منصب المسؤولية الذي يتولاه سلطة إصدار إذن بالدفع، وهو بمعنى آخر الأمر بالصرف على مستوى المؤسسة أو الهيئة التي يعمل بها، ويأخذ بمقتضى عمله هذا فائدة غير مشروعة، وينحصر الأمر في مدير الهيئة أو المؤسسة الذي يكون عادة هو الآمر بالصرف أو من ينوب عنه إذا خوله القانون ذلك صراحة، كما يدخل فى هذه الفئة كذلك رؤساء مصالح المحاسبة أو المراقبين الماليين، ولا يهم مصدر إختصاص الموظف بالعمل الذي انتفع منه، فقد يتحدد إختصاصه بناءا على قانون أو لائحة أو قرار أو تكليف من رئيس مختص.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المادة (124) من قانون العقوبات الملغاة بموجب قانون الفساد كانت تقضي بتجريم فعل أخذ فوائد بصفة غير قانونية حتى بعد انتهاء الموظف العمومي من الخدمة بأية طريقة كانت، وهذا خلال الخمس سنوات التالية لتاريخ انتهاء توليه أعمال وظيفته، حيث يحظر عليه خلال هذه الفترة تلقي فائدة من عملية من العمليات التي أشرف عليها أو كانت له سلطة عليها.

ج- الركن المعنوي في جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية 

تعتبر جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية جريمة عمدية أيضا، لابد لقيامها توافر القصد الجنائي، والقصد المتطلب هنا هو القصد الجنائي العام، وقد أقرت محكمة النقض الفرنسية أنه يكفي لقيام جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية توافر القصد الجنائي العام، ويتمثل هذا الأخير في أخذ فوائد بصفة غير قانونية. 

ويتحقق القصد الجنائي العام بتوافر العلم والإرادة، حيث يتوافر العلم إذا كان الجاني يعلم أنه المشرف أو المدير بصفة كلية أو جزئية على العملية، أو مكلف بإصدار أذونات دفع في عملية ما أو مكلفا بتصفية ،ويعلم أن الفائدة التي تحصل عليها من العقود أو المناقصات أو المزايدات أو المقاولات هي فائدة غير مشروعة، أما الإرادة فتتوافر باتجاه إرادة الجاني إلى أخذ تلك الفوائد غير القانونية، فأما عن علم الجاني أنه هو المشرف أو المدير للعملية أو مكلف بإصدار أذونات الدفع فإنه بداهة شرط مفترض لأنه لا يستطيع ارتكاب هذه الجريمة وهو لا يحمل هذه الصفة أو لا يعلمها، غير أن القصد الجنائي ينتفي إذا انتفت إرادة المتلقي أو كانت إرادة الجاني معيبة طبقا للقواعد العامة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجريمة آنية بمعنى أنها تتم منذ اللحظة التي يأخذ فيها الجاني فائدة في صفقة خاضعة لإشرافه ومن ناحية أخرى تقوم الجريمة بمجرد مخالفة الموظف عمدا نص المادة (35) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وٕإذا قام القصد الجنائي، فلا عبرة بعد ذلك بحصول الجاني على فائدة أو لم يحصل عليها، فمتى توافرت أركان الجريمة قامت هذه الجريمة واستحق المذنب العقاب، ولما كان القصد الجنائي ظاهرة نفسية، فإن القاضي عند تحديد فكرة القصد الجنائي كفكرة قانونية يخضع لرقابة المحكمة العليا.

والجدير بالذكر أن جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية في مجال الصفقات العمومية عموما من المسائل الصعبة الإثبات على غرار جريمة الرشوة، حيث يكون أطرافها قد درسوا خطواتهم بدقة وقاموا بتغطية حقيقة أفعالهم بشكل أدق، مما يستحيل ضبطهم بالجرم المشهود يتحصلون على فائدة غير قانونية، لذلك يكون لزاما على القاضي الاستعانة بالقرائن التي تستخلص من وقائع الدعوى، ويجب أن يكون متفطنا ومتنبها للحيل التي يستعملها مثل هؤلاء المجرمين والذين في غالب الأمر ما يكونون محتـرفين، فالركن المعنوي يصبح مفترض، وهذا على غرار الجرائم الاقتصادية التي يكون فيها الركن المعنوي مفترض. 

2. قمع الجريمة: تنص المادة (35) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على أن يعاقب مرتكب جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية بالحبس من سنتين (02) إلى عشر سنوات (10) وبغرامة من 200000 دج إلى 1000000 دج.

وبالنسبة لعقوبة الشخص المعنوي، تنص المادة (53) من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على تطبيق أحكام قانون العقوبات بشأنها، وتنص المادة 18 مكرر منه على أن يطبق على الشخص المعنوي عقوبة الغرامة تساوي من مرة واحدة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي، وعليه تصبح عقوبة الشخص المعنوي هي الغرامة من: 1000.000 دج إلى 5000000 دج.

وتطبق على هذه الجريمة كافة الأحكام المطبقة على جريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية والمتعلقة بالظروف المشددة للعقوبة والإعفاء أو التخفيض منها، والعقوبات التكميلية ومصادرة عائدات الجريمة والمشاركة والشروع وٕإبطال العقود والصفقات، وكذا الأحكام المتعلقة بإجراءات المتابعة والتحري.

قد يحدث وأن يتابع الجاني بجريمتي أخذ فوائد بصفة غير قانونية وجريمة منح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية، غير أنه قضي في فرنسا بالمتابعة بجنحة المحاباة فحسب، ومن أمثلة ذلك ،قضي بإدانة رئيس البلدية من أجل جنحة المحاباة في قضية بوشرت فيها المتابعة من أجل جريمة أخذ فوائد بصفة غير قانونية، بالرغم من أن الصفقة قد خصصت لحرفيين كانوا أعضاء في المجلس البلدي ،وذلك إثر مخالفات تتمثل أساسا في اللجوء إلى مناقضة ضيقة المجال غير مبررة وتعديل العروض بعد فتح الأظرف، كما أدين بجنحة المحاباة دون سواها رئيس البلدية الذي منح بطريقة تعسفية صفقات إلى مؤسسات يديرها ابنه ومن بينها واحدة كانت ملكه، بالرغم من أن الأمر يتعلق بأخذ فوائد بصفة غير قانونية.

الفرع الخامس: جريمة الغدر

الغدر هو الفعل المنصوص والمعاقب عميه في المادة 30 من قانون مكافحة الفساد، وكانت تحكمه المادة121 من قانون العقوبات قبل إلغائها، والتي تنصل على أنه: "يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة كمن 50000 إلى 1000000 دج كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الافراد الذين يقوم بالتحصيل لحسابهم".

تتعلق جريمة الغدر بالموظف الذي يطلب أو يأخذ غير المستحق من الأعباء المالية العامة ويكون لو شأن في تحصيلها سواء لصالحه الخاص أو لصالح الإدارة أو لصالح الأطراف الذين يقوم بالتحصيل لحسابهم فالقانون يمنح بعض الموظفين سلطات وامتيازات تسهيلا لأداء مهامهم التي يقومون بها لصالح الدولة ولكن في مقابل ذلك ألزمهم التقيد بالقانون، ويدخل في هذا المجال تحصيل الرسوم والضرائب ومختلف الفوائد الواجب تحصيلها من ذوي الشأن.

فعلى الموظف أن يتقيد أثناء قيامه بالتحصيل بما أمر به القانون فلا يأمر بما هو غير مستحق أو يتجاوز ما هو مستحق وفعله لذلك يشكل مخالفة للقانون وارتكابه لجريمة الغدر، حين يكون قد أثقل كاهل الأفراد بغير حق.

الهدف من تجريم المشرع لأخذ أو طلب أو تجاوز المستحق من الأعباء المالية هو حماية الأفراد من دفع مبالغ غير مستحقة عماهم ولضمان حسن سير الإدارة العامة وزرع الثقة في القائمين عليها.

الجدير بالذكر أن جريمة الغدر تتميز عن الرشوة في سند التحصيل، فالموظف في الحالتين يطلب أو يقبض ما ليس مستحقا ولكن في الغدر يكون عمى أساس أن المال المطلوب من قبيل الرسوم أو الحقوق أو الضرائب ونحوها ...أما في الرشوة فسند الإعطاء هو الهبة.

كما يختلفان من حيث أن المطلوب بالهدية أو العطية في جريمة الرشوة حر في تسليمها أو عدم تسليمها لمطالب، في حين أن المطلوب بالمبلغ المالي في جريمة الغدر يكون في مركز المجبر عمى الدفع عمى أساس أن المال المطلوب واجب الأداء قانونا باعتباره حقا أو ضريبة أو رسم مستحقا للدولة.

وتكمن أهمية التفرقة بين الجريمتين في أن مقدم المال في الرشوة يعاقب باعتباره راشيا، في حين أن مقدم المال في الغدر هو مجني عليه ومن ثم لا مجال لمعاقبته.

تقوم جريمة الغدر على الأركان الآتية:

1. الركن المفترض (صفة الجاني) 

جريمة الغدر من جرائم ذوي الصفة، ففاعلها موظف عام له شأن في تحصيل الأموال كالضرائب  والرسوم أو العوائد والغرامات المالية أو نحوها كقابض الضرائب، قابض الجمارك، ومن ثم لا تقوم جريمة الغدر إذا كان الفاعل غير موظف الإطلاق أو في حالة ما إذا كان موظفا عاما لكن لا شأن له في تحصيل المبالغ المالية، إذ يتابع في هاتين الحالتين بجريمة النصب. فالقاضي ملزم بالتحقق من صفة الجاني ومن اختصاصه في تحصيل الأعباء وذلك بالرجوع إلى اختصاصات المنصب الذي يشغله. 

2.الركن المادي

يتحقق الركن المادي قي جريمة الغدر إما بطلب أو تلقي أو اشتراط أو الأمر بتحصيل مبالغ مالية غير مستحقة الأداء أو تجاوز ما هو مستحق، ويكون الطلب بعبارات تدل على رغبة الموظف في تحصيل ما هو غير مستحق.

أما التلقي فيقصد به أخذ المال أي تناوله الفوري سواء سبق ذلك الطلب أو وقع تلقائيا من المكلف بالأداء بخطأ في حساباته.

في هذا الصدد، انتهى القضاء الفرنسي إلى عدم قيام الجريمة في صورة إصدار أمر بالدفع لعدم وروده في النص الذي يتحدث عن الأمر بالتحصيل وليس عن الأمر بالدفع، وعلى ذلك قضي بعد قيامة جريمة الغدر في حق رئيس البلدية الذي أمر بدفع مبالغ مالية لأشخاص لا صلة لهم بالبلدية وهو يعلم أن البلدية غير مدينة لهم بتلك المبالغ.

كما قضي بإدانة مدير صندوق احتياط الذي قبض علاوات غير مستحقة باعتبار أن تلك العلاوات لم تمنح له على أساس أنها أجرة، وٕإنما على أساس أنها حقوق.

كما قضي بإدانة الموظف العمومي الذي قام بمناسبة تحرير أوامر الصرف الشهرية بزيادة مبلغ أحد الرواتب.

ومن قبيل تحصيل ما هو غير مستحق الأداء، المحضر القضائي الذي يطالب المدين بدفع مبالغ مالية لصالح الدائن بما يفوق ما هو مستحق الأداء، وكذا كاتب الضبط المكلف بتحصيل الحقوق لحساب الخزينة.

الذي يزيد في تلك الحقوق  وتقوم الجريمة سواء دفع المجني عليه المال برضاه أو بدون رضاه وسواء كأن المبلغ المحصل كبيرا أو بسيطا.

ولا يشترط القانون أن يحٰقق الجاني لنفسه أو لغيره رٕبٕحا ما ،فتقوم الجريمة سواء قبض المال لنفسه أو للخزينة العامة أو لأي جهة أخرى.

3. الركن المعنوي 

تقتضي هذه الجريمة كسابقتها توافر القصد الجنائي العام، المتمثل في علم الجاني بأن المبلغ المطلوب أو المتحصل عليه غير مستحق، أو أنه يجاوز ما هو مستحق، واتجاه إرادته إلى تلقي أو تحصيل أو المطالبة بهذه الأموال غير المستحقة.

ويثار الإشكال في مدى اعتقاد المشرع الجزائري بأخطاء في القانون كسبب لانتقاد القصد الجنائي؟ ،فلو فرضنا مثلا أن موظف مصلحة الضرائب أخطأ في تقدير قيمة الضريبة المستحقة، أو أنه مثلا كأن يجهل بصدور قانون ألغى الضريبة التي طالب بها المعني فهل يتابع بجرم الغدر؟.

إذا كان الموظف في الحالة الأولى لا يتوافر لديه القصد الجنائي مما يحميه من المتابعة الجزائية، فإنه على العكس من ذلك لا ينفي القصد الجنائي عنه الجهل بقوانين المالية أو الضريبة لديه، فالمشرع الجزائري يفترض فيه العلم بالقانون.

الفرع السادس: جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية

يفرض قانون الأحزاب السياسية لسنة 2012 في بابه الرابع وبشكل واضح مصادر تمويل الأحزاب السياسية ويحصرها ويحدد الالتزام القانوني الواجب على الأحزاب الالتزام بهـ  وبالعودة إلى نص المادة 52من القانون العضوي رقم 12/04 تتحدد مصادر تمويل الحزب السياسي حصرا فيما يلي:

- مصادر تمويل داخلية: تتمثل في اشتراكات الأعضاء كالعائدات المرتبطة بنشاطه وممتلكاته.

- مصادر تمويل خارجية: تتمثل في الهبات كالوصايا ومساعدات الدولة.

وقد تم استحداث جريمة التمويل الخفي للأحزاب السياسية بموجب المادة 39 من قانون مكافحة الفساد ويشترط لقيامها توفر العناصر التالية:

من خلال استقراء المادة 39 من القانون 06 /01 يتجلى لنا أن هذه الجريمة تقتضي توافر العناصر التالية: المستفيد من الفعل المجرم (أولا)، الفعل المجرم (ثانيا) القصد الجنائي (ثالثا)، سنقوم بتحليلها تباعا فيما يلي:

أولا- المستفيد من التمويل الخفي

وهو الحزب السياسي، المتمثل في حزب سياسي وتعريفه مدرج ضمن القانون رقم 12 -04 الذي يتعلق بالأحزاب السياسية في مادته الثالثة وهو تجمع مواطنين يتقاسمون نفس الأفكار ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي مشترك حيز التنفيذ للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية".

ثانيا- الفعل المجرم

يتمثل في عملية تمويل خفي للحزب السياسي، ويثار التساؤل حول ما إذا كان الفعل المجرم يقتصر على تمويل حزب كما يتبين ذلك من نص المادة 39 في نسختها بالفرنسية، أم أن الفعل ينصب على التمويل الخفي لنشاط حزب، كما يستفاد ذلك من النص في نسخته بالفرنسية؟.

فعبارة  "تمويل حزب" تنطبق على حياة الحزب بوجه عام، أما عبارة "أنشطة الحزب" فتنحصر فيما يقوم به الحزب من أعمال  ومبادرات في إطار تنفيذ برامجه.

نرى أن النص في نسخته بالفرنسية هو الذي يخدم عنوان الجريمة كما هو وارد في نص المادة 39، تحت عنوان "التمويل الخفي للأحزاب السياسية"، فعبارة تمويل حزب أوسع من عبارة تمويل نشاط حزب أي تنحصر فيما يقوم به الحزب من أعمال ومبادرات في إطار تنفيذ برامجه.

وبالتالي الفعل المجرم: يتمثل في عملية تمويل شكل خفي لحزب سياسي ويشترط لقيامه توفر عنصرين: 

أ- التمويل المخالف للقانون: وهو كل تمويل يكون على إحدى الصور التالية:

- اشتراكات الأعضاء.

- الهيئات والوصايا والتركات.

- مساعدات الدولة.

- العائدات المرتبطة بنشاطه (قانون الأحزاب).

ب- إخفاء عملية التمويل: بمعنى أن تتم بصورة خفية وسرية.

وبالرجوع إلى التحليل الحرفي لنص المادة 39 فإن الجريمة تنتفي إذا ما تتم عملية التمويل بشكل معلن لانتفاء شرط الخفية.

ثالثا- القصد الجنائي

تعتبر هذه الجريمة جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي العام القائم على نية إخفاء التمويل مع علم الجاني أنها غير مشروعة، أي تقوم على شرط العلم بكونه سلوكا مجرما ونية الإخفاء واتجاه الإرادة إليها، فإذا ما توافرت الأركان السابقة، قامت جريمة التمويل الخفي في للأحزاب السياسية والتي عاقب عليها المشرع بعقوبات مثيلة للعقوبات المقررة لجرائم الاختلاس كالرشوة وهي الحبس من سنتين أي عشرة سنوات وبغرامة مالية من 200.000 دج ألى 1.000.000دج.

والجدير بالذكر أن الجريمة المذكورة قد تم تنظيمها بموجب قانون الأحزاب السياسية فما الداعي إلى إعادة تنظيمها بموجب قانون مكافحة الفساد. 

المطلب الثاني: صور الانحرافات السلوكية في جرائم الفساد 

يفرض الواجب على الموظف أن يكون له سلوك نزيه أثناء الخدمة وخارجها، ملائم للمهام المخولة إليه، كأن يسلك في ذلك مسلكا يتفق ويلائم مركزه الوظيفي، كأن يكون سلوكه مثالا وقدوة لباقي الموظفين، فأي انحراف عن هذا السلوك يعد مساسا بنزاهة الوظيفة، وقد يشكل في جوهره جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي، فضلا على القوانين والتنظيمات المتعلقة بالوظيفة العامة بالنسبة للمنتمين إليها. فالانحرافات السلوكية هي تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفاته المحضة.

والواجبات التي تفرضها الوظيفة العامة كثيرة، بعضها إيجابي يقتضي أداء عمل معين، وبعضها سلبي يستلزم الامتناع عن القيام بعمل معين، وهذه الواجبات والمحظورات تكاد تكون محل اتفاق في كثير من أنظمة الوظيفة العامة، ذلك أن الهدف منها هو المحافظة على نزاهة الوظيفة، وعليه سنتعرض لبعض الانحرافات السلوكية التي حظرها المشرع الجزائري على الموظف أو من حكمه في إطار قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فيما يلي:

الفرع الأول: جريمة إساءة استغلال الوظيفة 

تم استحداثها بمقتضى المادة 33 من قانون مكافحة الفساد، حيث نصت: "يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج، كل موظف عمومي أساء استغلال وظائفه أو منصبه عمدا من أجل أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل في إطار ممارسة وظائفه ،على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وذلك بغرض الحصول على منافع غير مستحقة لنفسه أو لشخص أو كيان آخر. وبما أنها جريمة مستحدثة فسيتم التطرق إليها من حيث أركانها.

فبعدما كانت للجريمة صورتين فقط، استغلال النفوذ والتحريض على استغلال النفوذ، أضاف المشرع صورة ثالثة لم يعرفها القانون القديم وهي إساءة استغلال الوظيفة، تقوم هذه الجريمة بمجرد أداء أو الامتناع عن عمل من طرف الموظف، يأمر القانون واللوائح التنظيمية بأدائه بغرض الحصول من صاحب الحاجة على مزية غير مستحقة. وعليه تتطلب جريمة إساءة استغلال الوظيفة لقيامها توافر الأركان الآتية: 

1. الركن المفترض

طبقا لنص المادة 33 من القانون 06/01 التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس من. . كل موظف عمومي أساء استغلال وظيفته"...،لذا فإنه يتوجب توافر صفة الموظف العام كركن مفترض في هذه الجريمة، التي تدخل في هذا المعنى في طائفة جرائم "ذوي الصفة " التي تخضع لأحكام خاصة، لعل أهمها أنه لا يتصور أن يعد فاعلا رئيسيا إلا من يحمل تلك الصفة التي يشترطها القانون..

ويشترط أن يكون موظفا عموميا على خلاف جريمة استغلال النقود والتي لا يشترط صفة معينة في الجاني، أن يكون موظفا عموميا على النحو الذي سبق بيانه وهذا خلافا لجريمة- استغلال النفوذ بصورتيها التي لا تشترط صفة معينة في الجاني. 

وقد توسع المشرع الجزائري في تعريف الموظف في المادة 2/4 من القانون 06/01، حيث عرفه بأنه: " 1- كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا في أحد المجالس الشعبية المحلية، المنتخبة سواء كان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته؛

2- كل شخص آخر يتوبٔ كله مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أم مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية؛

3- كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع كالتنظيم المعمول به. 

ويثار التساؤل بصدد الموظف الفعلي، وهو حالة الشخص الذي يتصدى للقيام ببعض الأعمال الوظيفية دون أن يصدر قرار بتعينه، أو شاب تعيينه سبب للبطلان سواء كان شكليا أو موضوعيا، أو مارس عملا وظيفيا قبل استيفاء الإجراءات اللازمة لإمكان ممارسة اختصاصاته الوظيفية، فهل تترتب المسؤولية الجزائية للموظف الفعلي في حالة ارتكاب جريمة إساءة استغلال الوظيفة؟.

إن الإجابة عن هذا التساؤل ليست سهلة خاصة في ظل انعدام اجتهادات قضائية منشورة أو نصوص قانونية تبت في هذه النقطة، وعليه فإن الإجابة عن هذا التساؤل تكون بالعودة أي جذور القضية التي تمتد إلى القانون الإداري، حيث أن الأصل العام في القانون الإداري ما كان يقضي بطلان الأعمال التي يقوم بها الموظف الفعلي لصورهما عن شخص دون سند قانوني، فهو إما متعصب للسلطة أو شخص عادم أو موظف غير مختص بها قام به من أعمال، لكن القضاء الإداري يعتبر تصرفات هذا الشخص سليمة في بعض الأحيان ضمانا لحسن سير المرافق العامة بانتظام، وحماية للجمهور الذي يتعامل مع هذا الشخص على أنه يمثل سلطات العدالة دون إن تمكنه الظروف من معرفة حقيقة من يتعامل معه.

وفي إطار الركن المفترض يشترط أن يكون هذا الموظف مختصا بالعمل الوظيفي الذي يساء استعماله، أو يدخل في إطار اختصاصاته الوظيفية التي يستمدها من المنصب أو الوظيفة، والقدر الأدنى من الاختصاص الذي يتطلبه القانون يجب أن يكون بدرجة تسمح للموظف بالتأثير في إحدى المراحل التي تمر بها العملية منذ وقت التخطيط لها حتى الفراغ من تنفيذها، وبالتالي تحتمل مظنة تداخل المصلحة الشخصية للموظف في مجريات العملية.

2. الركن المادي

يمثل هذا الركن ماديات الجريمة وأثارها الملموسة كمظاهرها الخارجية، ومن خلال قراءة المادة 33 من القانون 06/01 تستخلص عناصره المتمثلة في:

1- أداء عمل أو الإمتاع عن أدائه على نحو يخرق القوانين والتنظيمات

تقتضي الجريمة سلوكا ايجابيا من الموظف العمومي، يتمثل في أدائه لعمل ينهى عنه القانون أو مخالفا للوائح التنظيمية، أو سلوكا سلبيا يتمثل في امتناعه عن أداء عمل يأمره القانون أو اللوائح التنظيمية بأدائه، على سبيل المثال، رئيس البلدية الذي يمتنع عن إعفاء مواطن رخصة البناء بعد انتهاء المهلة القانونية دون أي سبب.

ويعتبر الموظف مخالفا للقوانين والتنظيمات متى كان مخالفا للواجبات الوظيفية، هذه الأخيرة التي يقصد بها حسب محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 1990 بأنه: "كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف، ككل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال، ويعد واجبا من واجبات أدائها على الوجه السليم الذي يكفل لها دائما أن تجري عن سنن قويمة، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة.

كما تقتضي هذه الجريمة أن يكون العمل المطلوب من الموظف العمومي أداؤه أو الامتناع عنه من الأعمال التي يختص بها، وأن يكون السلوك المادي المخالف للقانون قد صدر منه أثناء بممارسة وظيفته كما يستشف ذلك من خلال عبارة "قي إطار بممارسة وظائفه" التي استعملها المشرع. 

ب- الغرض: أن يكون الهدف من السلوك المخالف هو الحصول على منفعة أو خدمة غير مستحقة لصالح موظف عمومي أو غيره، كما يستشف ذلك من عبارة النص " في إطار ممارسة وظائفه".

بمعنى أن يكون الغرض من هذا السلوك الذي قام به الموظف العمومي هو الحصول على منافع غير مستحقة أيا كان المستفيد منها، سواء كان الموظف العمومي هو الذي قام بنفسه بالنشاط المادي المخالف للقانون أو كأن غيره.

وهذا الذي يميز جريمة إساءة استغلال الوظيفة عن جريمة الرشوة وجريمة استغلال النفوذ، إذ لا يشترط المشرع في الجريمة محل الدراسة أن يطلب الجاني أو يقبل المزية أو الوعد بها، بل تقوم الجريمة بمجرد أداء عمل أو الامتناع عن أداءه على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، بغرض الحصول من صاحب الحاجة على منافع غير مستحقة، فنية المشرع باتت واضحة في كونه أراد من خلال المادة 33 استيعاب ما تبقى من صور لا يشملها وصف الرشوة.

وٕإذا كانت جريمتي الرشوة واستغلال النفوذ تقومان على الطلب أو القبول أو عرض أو وعد، فهذه الصورة غير متواجدة في جريمة إساءة استغلال الوظيفة التي تقوم على مجرد أداء أو الامتناع عن أداء عمل أمر هو القانون أو التنظيم لغرض تحقيق مزية غير مستحقة لموظف أو لشخص آخر أو كيان آخر.

وقد استعمل المشرع الجزائري عبارة "المنافع غير المستحقة" للدلالة على الغرض من جريمة إساءة استعمال الوظيفة، ويعتبر هذا الشرط أساسيا وجوهريا لقيام الجريمة، فإذا كانت المنافع مستحقة– عندما يجيزها القانون- فإن الجريمة تنتفي، فالمشرع الجزائري كان واضحا عندما نص على عدم أحقية المنفعة لقيام الجريمة.

وتختلف المنافع بطبيعتها وتتعدد على نحو يصعب معه اختزالها بنص قانوني ولكن يمكن القول أن هذه المنافع لا تخرج من أن تكون منافع مادية أو معنوية. ومن أمثلة المنافع غير المستحقة، سعي الموظف لحصول ابنه على مقعد دراسي لا يمكن الحصول عليه بُالأحوال العادية.

وٕإن كان المشرع لم يشرط حدا معينا لقدر المنفعة التي يحصل عليها الموظف، إلا أنه ينبغي توافر صلة التناسب بين قيمة المنفعة وأهمية العمل الذي يقوم أو يمتنع عن القيام به الموظف، لأن تضاؤل هذه المنفعة قد يبلغ الدرجة التي تنفي عنها الغرض المكون لهذه الجريمة، وفي جميع الأحوال يخضع أمر تقدير المنفعة إلى قاضي الموضوع الذي يقدر جدية المنفعة من عدمها.

وعليه، فإنه لا يكفي الاستدلال على حصول المنفعة وٕإثباتها، بل يجب أيضا أن يرتبط حصولها بالنشاط المادي الذي ارتكبه الموظف، ويقع على النيابة العامة عبء التحقق من حصول المنفعة غير المستحقة، وذلك بمختلف وسائل البحث والتحري التي نص عليها القانون.

3. الركن المعنوي 

تقتضي الجريمة محل الدراسة توافر القصد الجنائي العام بعنصريه (العلم والإرادة) إذ يشترط أن يعلم الموظف بجميع عناصر وأركان الجريمة التي سبقت الإشارة إليها، وأن تتجه إرادته حقا إلى أداء عمل أو الامتناع عن أدائه على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، مقابل الحصول على منافع غير مستحقة.

فإذا اكتملت جميع الأركان اعتبرت الجريمة قائمة بذاتها وأستحق الجاني العقوبة المتمثلة في الحبس من سنتين إلى عشر سنوات، وغرامة مالية من 200.000 د.ج أي  1000.000دج.

الفرع الثاني: جريمة استغلال النفوذ 

 تناول المشرع الجزائري هذه الجريمة في نص المادة 32 من قانون مكافحة الفساد وقد أعاد تنظيم أحكامها في شكل جديد بعد ما نصت عليها المادة 61 من قانون العقوبات. وباستقارء نص المادة 26 من قانون مكافحة الفساد نجد أن المشرع صنف استغلال النفوذ إلى جريمتين مستقلتين؛ إحداهما سلبية يرتكبها أي شخص يستغل نفوذه في مواجهة إدارة أو سلطة عمومية ليستفيد أو يقيد غيره بمنافع غير مستحقة لقاء مزية غير مستحقة، والأخرى إيجابية يسأل عنيا أي شخص يحرض شخص آخر على استغلال نفوذه في مواجهة إدارة أو سلطة عمومية.

وبناء على ما سبق يمكن تعريف استغلال النفوذ بأنه: اتجاه الشخص لاستعمال نفوذه الفعلي والوهمي للمحصول على ميزة غير مستحقة لصاحب المصلحة من أي سلطة عامة خاضعة لإشرافه".

تم تجريم استغلال النفوذ في المادة 128 من قانون العقوبات الملغاة، وقد عوضت بنص" المادة 32 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته التي نصت على ما يلي: "يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشرة سنوات  وبغرامة من 200.000 دج إلى  1.000.000دج:

 1- كل من وعد موظفا عموميا أو أي شخص أخر بأية مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشرة، لتحريض ذلك الموظف العمومي أو الشخص على هدف الحصول من إدارة أو من سلطة عمومية على مزية غير إستغلال نفوذه الفعلي أو المفترض مستحقة لصالح المحرض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص أخر.

 2- كل موظف عمومي أو شخص أخر يقوم بشكل مباشر أو غير مباشر، بطلب أو قبول أية مزية غير مستحقة لصالحه أو لصالح شخص أخر لكي يستغل ذلك الموظف العمومي أو هدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية وفقا لنص المادة تصنف جريمة إستغلال النفوذ في ضوء قانون الفساد إلى جريمتين تأخذ صورتين، إحداهما سلبية: استغلال النفوذ (المادة 32 فقرة 02) والأخرى ايجابية: تحريض على استغلال النفوذ (المادة 32 الفقرة 01).

فجريمة استغلال النفوذ السلبية يرتكبها الموظف العام أو أي شخص أخر يستغل نفوذه في مواجهة إدارة أو سلطة عمومية ليستفيد أو يفيد غيره بمنافع غير مستحقة.  

أما إستغلال النفوذ في صورته الايجابية، يسأل عنه الشخص الذي يحرض الموظف العام أو شخص آخر على إستغلال نفوذه في مواجهة إدارة أو سلطة عمومية.

كل سلوك مادي خارجي ايجابي كان أو إذا كانت الجريمة في عمومها تعرف بأنه وفق هذا المفهوم تقتضي سلبي صادر عن إرادة الجاني جرمه القانون  وقرر له جزاء جنائي، فعناصر أو أركان منها ما هو عام، والبعض الأخر خاص فالركن الشرعي الذي يعتبر شرطا أوليا للتجريم والمتمثل في النموذج القانوني للفعل المكون للجريمة كموضوع دراسة "جريمة إستغلال النفوذ" المنصوص عليها في المادة 32 من قانون مكافحة الفساد. وعن ماديات الجريمة، أو مظهرها الخارجي والمعبر عنه بالركن المادي، يقوم عادة على عناصر ثلاث: السلوك الإجرامي ،والنتيجة الإجرامية ،والعلاقة السببية بين السلوك والفعل والنتيجة، والركن المعنوي فهو الإرادة التي يقترن أو السلوك، سواء اتخذت صورة القصد، أو اتخذت صورة الخطأ، أما الركن الخاص للجريمة فهو ركن إضافي بالنظر إلى تكوينها الخاص ويسمى الشرط المفترض، والذي يفترض في جريمة إستغلال النفوذ.

ونجد أن المادة لا تنطبق فقط في مجال الوظيفة العمومية وإنما تطبق على أي شخص يقوم بفعل استغلال النفوذ على النحو الوارد في النص حتى ولو لم يكن من أرباب الوظائف العمومية، لذلك فإن الفعل المجرم في هذه المادة ينطبق على كل من له نفوذ حتى ولو كان مجاله القطاع الخاص طالما توافر بشأنه الفعل وهو طلب أو قبول المزية أو العطية وهي مزية أخرى تضاف إلى المزايا الواردة بنصوص التجريم في التشريع الجزائري.

وتتجسد أركان جريمة إستغلال النفوذ، فيما يلي:

1. أركان جريمة إستغلال النفوذ الايجابي  

2. أركان جريمة إستغلال النفوذ السلبي

أولا: جريمة استغلال النفوذ الايجابية

يتمثل الركن المادي في الصورة الأولى لجريمة استغلال النفوذ فيما يلي:

1.الركن المفترض (صفة الجاني)

يرى المشرع في جريمة إستغلال النفوذ في شكلها السلبي عدم اشتراط صفة معينة في الجاني وهذا يعني أن مرتكب الجريمة لا يكون بالضرورة الموظف العام ومن في حكمه بل يتعدى ذلك إلى شخص أخر، بخلاف جريمة الرشوة السلبية التي تقتضي أن يكون الجاني موظفا عموميا، وعلى هذا النحو ندرس الصفة المفترضة في الجاني، فغالبا ما يكون موظفا عاما، يكتسي أهمية كبيرة في تحديد الفساد الإداري من الناحية القانونية سواء تعلق الأمر بالجانب الإداري أو الجنائي.

وعرفت صفة الجاني التي تشكل الركن المفترض في جرائم الفساد بأكملها وليس الفساد الاداري فقط، عدة تطورات ومرت بمراحل تعكس في مجملها محاولة المشرع مواكبة الأوضاع السياسية للجزائر منذ الاستقلال والاقتصادية والاجتماعية التي مرت إلى أن انتهج المشرع ضمن قانون مكافحة الفساد أسلوب التعداد الحصري في تحديده لمفهوم الموظف العام بأن أورد فئات وطوائف معينة واعتبرها بناءا على نظرة موضوعية للمهام التي يتولاها موظفين عموميين تسري عليهم سائر أحكامه، مدرجا ضمنهم أشخاص ليسوا من الموظفين العموميين طبقا لقواعد القانون الإداري، مما يظهر اتجاهه إلى توسيع في تحديد مفهوم الموظف العام بعدم الوقوف عند مفهومه الإداري.

والطوائف التي اعتبرها قانون مكافحة الفساد 06 /01 في حكم الموظفين العموميين ورد ذكرها - في الفقرة (ب) من المادة الثانية من قانون مكافحة الفساد.

2. الركن المادي 

أ- السلوك الإجرامي

نجد السلوك الإجرامي في الفقرة الأولى من "المادة 32 /1 المتعلق بجريمة استغلال النفوذ الايجابية أو جريمة التحريض على جريمة استغلال النفوذ أي قيام الشخص بالتأثير على إرادة الجاني وتوجيهها الوجهة التي يريدها وذلك من خلال الوعد بمزية أو عرضها أو منحها فالسلوك الإجرامي في هذه الصورة يتمثل فيما يلي: الوعد بمزية أو عرضها أو منحها: ويقصد بالوعد قيام المحرض بوعد الجاني سواء كان موظف عمومي أو أي شخص آخر بأية مزية غير مستحقة لتحريضه على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض.

ويشترط أن يكون الوعد جديا ويكون الغرض منه تحريض الموظف العمومي أو أي شخص آخر على الإخلال بواجباته الوظيفية وأن يكون محددا. وهنا فعل الوعد يكون موجها لموظف عمومي، أي شخص من القطاع العام كما يستوي كونه كذلك شخص عادي من القطاع الخاص. 

ولا تختلف هنا الأعمال المكونة للسلوك المجرم عن وسائل التحريض المنصوص عليها في"المادة 41 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، وهكذا قضي في فرنسا بقيام الجريمة في حق من سّلم مبلغا من المال إلى مسؤول في مؤسسة عمومية للفوز بمشروع، وكذا في حق مدير شؤون الجنائز الذي ربط علاقات تميزه مع مستخدمي مستشفى العاملين بقاعة حفظ الجثث والموتى وسلمهم نقودا لقاء توجيه عائلات الموتى نحوه.

ويستوي في الوعد أن يكون مباشرا أو غير مباشر، فحتى لو تم عن طريق الغير فإن الجريمة تقوم في حق صاحب المصلحة.

أما الفعل الثاني المكون للسلوك الإجرامي فيقصد به إيجاب ينتظر القبول من طرف الموظف العمومي أو شخص آخر ويشترط فيه كونه محددا وجديا سواء كان بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمعنى أنه في هذه المرحلة الموظف العمومي أو الشخص العادي لم يستلم بعد المزية غير المستحقة ولم يتحصل بعد على الفائدة.

أما الفعل الثالث فهو منح المزية ويمكن أن تكيف هذه الصورة على أنها لاحقة للعرض أي نتصور في هذه الحالة بعد تطابق الإرادتين بالتوافق إلى وجود وعد أو عرض من طرف المحرض على استغلال النفوذ وبقبول من الموظف العمومي أو شخص من آحاد الناس وهنا يتم استلام المزية. 

‌ب- محل الجريمة

يتمثل في المزية غير المستحقة ونجد أن المشرع الجزائري لم يحدد المقصود بهذه العبارة مثله مثل اتفاقية الأمم المتحدة، وكذا التشريع اللبناني حيث أورد النص عبارة غير مستحقة دون إي ايراده تعريفا لها أو بذكر صور تدل عليها، ومع ذلك فقد أتى استخدام هذه العبارة في الاتفاقية ونص المادة 32 من التشريع الجزائري مناسبا وذلك حتى يكون شاملا ولا يدع مجال لوجود ثغرات فيه يستغلها الفاسدون للإفلات من العقاب، غير أنه يمكن الأخذ هنا على أن عبارة غير مستحقة مع شموليتها إلا أنها تفتح بابا للمراوغة مع عبارات النص العقابي وٕإمكانية الإفلات من الجريمة من قبل العارفين بفنون استغلال النفوذ.

والمزية قد تكون إما عطية أو هبة أو هدية أو أية منفعة أي قد تكون ذات منفعة مادية أو معنوية وقد تكون صريحة أو ضمنية، مشروعة أو غير مشروعة كما قد تكون محددة أو غير محددة، فقد تكون المزية مادية ومن أمثلتها اعتماد مالي وقد تكون معنوية مثلا ترقية ويشترط فيها أن تكون غير مستحقة بمعنى ليس لمستغل النفوذ حق بها.

‌ج- الغرض من جريمة استغلال النفوذ

يتمثل في حمل الشخص المقصود سواء الموظف العمومي أو شخص عادي على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض من أجل الحصول من إدارة أو سلطة عمومية على منفعة غير مستحقة لصالح غيره أو لصالحه اعتماد على نفوذه مقابل العطية التي حصل عليها منه، وهذا يعني الارتباط بين ما يأخذه صاحب النفوذ وبين ما يعد القيام به لصاحب المصلحة وأن الجريمة لا تتحقق إذا كان ما يأخذه صاحب النفوذ لغرض آخر غير الحصول أو محاولة الحصول على الميزة أو الفائدة التي يعد صاحب المصلحة بتحقيقها، فالحصول على الميزة أو الفائدة هو غرض أو غاية استغلال النفوذ الحقيقي أو المزعوم.

يشترط لقيام جريمة استغلال النفوذ، كون النفوذ حقيقيا، إذ يمكن قيامها حتى لو كان النفوذ مزعوما،أي تتحقق جريمة استغلال النفوذ سواء كان للجاني نفوذ حقيقي أو لا يكون له على الإطلاق، بل أوهم الغير بأنه له مثل هذا النفوذ، ونص المادة 52 قانون العقوبات الجزائري، قاطع الدلالة على هذا المعنى فقد جاء فيه...) على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض (... وكذلك نص المادة 106 مكرر ق.ع المصري والمادة  187 فرنسي، وفيما يلي نقف على معنى كلا من النفوذ الحقيقي أو الفعلي  والنفوذ المزعوم:

* نفوذ حقيقي: ويقصد به تمتع الفاعل بسلطة يستمدها إما من الوظيفة العامة أو من صفته الخاصة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك من الصفات والمقامات المؤثرة على الموظف العام، فمتى كان النفوذ فعليا ومؤثرا ومستجابا من قبل السلطة العامة نكون أمام النفوذ الحقيقي أيا كان مصدره سواء كان مستمدا من الناحية السياسية وهو النفوذ المستمد من المركز السياسي للشخص المستغل داخل حزب أو تجمع سياسي ويعتبر نفوذه حسب مكانة وتأثير الحزب السياسي على الحكومة ومرافق الدولة بشكل عام.

تكون سطوة رجال السياسة والحزب أكبر وأكثر وقعا ونفوذا وتؤسس لهؤلاء نفوذا وكلاما مسموعا لدى السلطة العامة .أما في الدول التي يقل فيها تدخل الأحزاب السياسية في شؤون الدولة والحكومة، يقل معها النفوذ السياسي أو الحزبي، لذا هناك نفوذ سياسي يستمد من الأحزاب والحركات السياسية داخل المجتمع  ويكتسب رجال السياسة نفوذا وتأثيرا على الآخرين واستغلال هذا النفوذ لتحقيق منافع شخصية أو حزبية غير مستحقة تحت لافتة الحزب والسياسة، مثل: قضية تمويل حملة انتخابات بتمويل الرئاسة الفرنسية للمرشح ساركوزي عندما قاضته السيدة (Bettencourt) الذي قام بتمويل حملة ساركوزي بمبلغ 150.000 يورو، حيث أعطى هذا المبلغ للسيد (Woerth) الذي كان أمين صندوق لحزب (UMP party) ثم صار وزيرا للعمل واتهم فيما بعد بالتستر على التهرب الضريبي للسيدة Bettencourt أو من الناحية الاقتصادية وهو النفوذ الذي يستمده الشخص من مركزه المالي كالنفوذ الذي يتمتع به أصحاب الشركات الكبرى في مجال العقود والصفقات الضخمة على المستوى الدولي المتعلقة بالاستيراد  والتصدير وفي شتى المجالات الأخرى التي يلعب النفوذ الدور البارز في حسمها، فهذه الشركات تمارس نفوذها على السلطة العامة وعلى الموظف العام المختص للحصول على الصفقات والامتيازات الأخرى غير المستحقة وبطرق غير قانونية، أو من الناحية الاجتماعية، وهو النفوذ الذي يستمده الشخص من واقعه العائلي والاجتماعي مثل الرئاسة العائلية والدينية كنفوذ الأب على ابنه والزوج على زوجته ورجل الدين على أفراد رعيته. وقد يستمد النفوذ من الناحية الوظيفية، وهو الذي يستمده المستغل من صفته كموظف عام، والأصل أن يستخدم هذا النفوذ لغرض تحقيق المصلحة العامة التي وجدت الوظيفة العامة لتحقيقها، أما إذا استغل المواطن نفوذه الوظيفي لغرض تحقيق مصلحة للغير نظير فائدة يتقاضاها منه، فإن فعله هذا يكون مخالفا للتنظيم الإداري السليم الذي يكفل النزاهة ومساواة المواطنين أمام المرافق العامة، ومخالفا لنص قانوني عقابي.

* النفوذ المزعوم: يتحقق هذا النوع بمطلق القول به، أي الزعم والتظاهر ولا يشترط اقترافه بعناصر أو وسائل احتيالية، أي يدعي الجاني بوجوده، معتقدا في ذلك أو كذبا والمهم أن لا يدعم هذا الاعتقاد بوسيلة من وسائل النصب والاحتيال، وٕإلا سئل عن جريمة النصب بجانب هذه الجريمة، وكما هو مقرر طبقا للقواعد العامة، تطبق عقوبة جريمة استغلال النفوذ عندما ينسب شخص نفوذا لنفسه كأن يتظاهر بمكانة رئاسية أو اجتماعية مثلا وأن بمقدرته قضاء حاجة للغير لدى السلطة العامة، بمعنى إيهام الناس بوجود نفوذ وفي الواقع ليس الأمر كذلك.

وعليه فجريمة استغلال النفوذ تقع تامة بمجرد تذرع الجاني في طلب العطية أو قبولها بنفوذ حقيقي أو مزعوم محاولة منه للحصول من سلطة عامة على مزية من أي نوع، ولا يلزم أن يكون الزعم بالنفوذ صريحا بل يكفي كون سلوك الجاني منطويا ضمنيا على زعم منه بذلك النفوذ، مثلا نجد مساعد قاضي تحقيق يطلب أو يقبل مبلغا نقديا من المجني عليه، مقابل سعيه لدى الطب الشرعي لتعديل التقرير الطبي لصالحه، فهذا ينطوي ضمنيا على زعم منه بالنفوذ لدى هذه الجهة وطلبه للنفوذ أو قبوله لم يكن إلا بناءا على هذا النفوذ المزعوم.

فهنا بمجرد زعم مساعد قاضي التحقيق بأن باستطاعته تعديل تقرير الطب الشرعي وٕإن كان كذبا لأن مجرد الكذب يحقق الزعم المطلوب قد ألزم صاحب الحاجة بدفع المبلغ، فهذا كان كافيا لتحقيق جريمة استغلال النفوذ وأن الجاني هنا لم يعتمد على طرق أو وسائل احتيالية لأنه إذا لجأ إلى شيء من ذلك جاز اعتبار فعله مكونا لجريمة النصب بجانب جريمة استغلال النفوذ وتطبق بشأنه عقوبة الجريمة الأشد وهي جريمة استغلال النفوذ.

ويتطلب هذا الزعم بالنفوذ إتيانا بعمل أو نشاط إيجابي من الجاني، لأن الزعم بالنفوذ شأنه شأن الزعم بالاختصاص في جريمة الرشوة، ولا يشترط كون الزعم صريحا بل يتحقق بمجرد أن يزعم لنفسه نفوذا ضمنيا.

وتتحقق الجريمة أيضا حينما يدعى الجاني بالنفوذ على غير الواقع بصفة مهمة أو مكانة راقية في الأجهزة العليا أو الخاصة والزعم بوجود علاقات وصداقات واسعة مع كبار المسؤولين في داخل السلطة العامة، غير أن الزعم لا يتحقق إلا إذا أمكن نسبته للمتهم نفسه فإن لم يكن له حظ من النفوذ ولم يكن قد زعم لنفسه شيئا من ذلك فإن الجريمة لا تقع لتخلف أحد عناصرها وهو مقابل الفائدة، أي النفوذ الحقيقي أو المزعوم وكذلك ليس من النفوذ المزعوم عندما يقوم شخص ببذل مسعاه لينجز للغير حاجة لدي السلطة العامة اعتمادا على خبرته في هذا المجال مقابل فائدة منه لتخلف عنصر النفوذ ومنه يظهر لنا النفوذ المزعوم أقرب ما يكون لجريمة الاحتيال والنصب حيث يستغل الثقة التي يضعها الأفراد في الوظيفة العامة، أو في مركز اجتماعي، أو سياسي معتبر، كي يستولي ودون وجه حق على فائدة من صاحب الحاجة لذلك يرى البعض أن فعل استغلال النفوذ المزعوم للحصول على فائدة أو مال الغير يعتبر جريمتين الأولى جريمة النصب والثانية استغلال النفوذ ونطبق بحقه العقوبة المقررة للجريمة ذات الوصف الأشد، وهي الجريمة الثانية في حين نجد أن هناك من يرى بأن النص التشريعي لا يشمل الزعم بالنفوذ ممن ليس له نفوذ حقيقي أو مفترض، فالزعم نوع من الإدعاء ويصبح نصبا واحتيالا إذا ما ارفقته بعض المظاهر والطرق الكاذبة لاستغلال صاحب المصلحة.

ولا يمنع من تحقيق الجريمة إلا يكون في استطاعة صاحب النفوذ حقيقة الحصول على هذه المزية لطالبها، كما تتم الجريمة حتى ولو لم ينوِ الفاعل منذ البدء تنفيذ الغرض الذي تناول المزية من أجله، لأن النص يقرر العقاب سواء كان الفاعل صاحب نفوذ حقيقي أو مزعوم. ويجب أن لا يكون عدم الحصول على المزية من قبل صاحب النفوذ بسبب استحالة تحقيقها تحقيقا مطلقا لأنه في هذه الحالة لا يكون هناك وجود للمزية المطلوبة في الواقع، وهذا يدل على اشتراط إمكانية تحقيق أو وجود المزية التي هي غرض استغلال النفوذ فإن كان مستحيل الحصول عليها امتنع تحقيق الجريمة ومثال ذلك: أن يوهم الفاعل شخصا بأنه سيعينه في وظيفة رئيس الجمهورية أو في وظيفة لا وجود لها في الواقع. 

وعليه نجد أنه يرد على المزية قيود واجبة المراعاة باعتبارها غرضا لجريمة استغلال النفوذ:

1. أن تكون المزية حقيقة وممكنة التحقيق، أما إذا كانت وهمية فلا تقوم الجريمة بل نكون بصدد جريمة النصب والاحتيال متى توافرت سائر أركانها.

2. أن تكون هذه المنافع غير مستحقة، وهذا الشرط أساسي وجوهري لقيام جريمة استغلال النفوذ. فإن كانت المنافع مستحقة- تكون كذلك إذا كان استصدارها والحصول عليها من إدارة أو سلطة عامة مبررا أو مشروعا ويجيزه القانون- فإن الجريمة تنتفي إذا كان القرار المطلوب استصداره مشروعا كما لو تدخل الجاني لدى قاضي التحقيق للإفراج عن محبوس بعدما انتهت مدة الحبس المؤقتة المقررة قانونا للجريمة التي حبس مؤقتا من أجلها.

3. أن تكون المزية صادرة من سلطة عامة وطنية موجودة سواء كانت هذه السلطة جزءا من الحكومة المركزية أو من جهة خاضعة لرقابتها الإدارية ويكفي أن تكون للجهة نصيب ولو برأي استشاري في المزية المطلوبة وعليه يجب أن تكون هذه المنفعة الموعود بها من أية سلطة عامة بشرط تكون وطنية.

وبالتالي لا تقوم الجريمة بحق الجاني إذا استغل سلطته ومركزه من أجل قضاء مصلحة لشخص لدى جهة خاصة كشركة خاصة أصلا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا يرتكب الجريمة الموظف الذي يستغل نفوذه الحقيقي أو المزعوم من أجل الحصول على المنفعة من سلطة غير وطنية كسفارة أو قنصلية أو أية مؤسسة أجنبية داخل الدولة، فصاحب النفوذ الحقيقي على قنصلية دولة أجنبية لا يرتكب الجريمة التي نحن بصددها إذا أخذ مبلغا من المال لتسهيل حصول أحد المواطنين على تأشيرة دخول لتلك الدولة أو لإلحاقه لوظيفة شاغرة في القنصلية لأنه لا يستغل نفوذه لدى لسلطة وطنية.

وما نخلص إليه أن جريمة استغلال النفوذ في صورتها تقوم بالوعد أو المنح أو العرض بمزية غير مستحقة مقابل استغلال الموظف أو الشخص نفوذه الحقيقي أو المزعوم، فهنا جريمة استغلال النفوذ حتى  وإٕن لم يقدم فعلا المزية فبمجرد الوعد بها يحقق الركن المادي للجريمة ويعتبر الواعد محرضا أصليا على ارتكاب الجريمة. وينبغي إثبات علاقة سببية مباشرة بين المزايا والعمل المطلوب من صاحب النفوذ الذي يرتبط بها أو يسبقها فمثلا في حالة الوعد بمزية غير مستحقة، فهنا نجد أن العمل المطلوب يسبق العطية أو المزية غير المستحقة وهي المقابل وٕإثبات العلاقة السببية ضروري لقيام الجريمة لأنه إذا لم تكن المزية التي حصل عليها صاحب النفوذ من السلطة العامة -وبغير وجه حق -ويقصد بالسلطة العامة كل جهة تتولى إدارتها الدولة عن طريق موظفيها وكل جهة خاضعة لإشراف الدولة كالمؤسسات العامة مقابل العطية المأخوذة أو الموعود بها فلن تكتمل عناصر جريمة استغلال النفوذ فلابد من ظهور علاقة سببية مباشرة بين العطية والحصول على المزية المطلوبة لدى السلطة العامة أو الإدارة العمومية.

3. الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ السلبي 

لا يكفي لقيام جريمة استغلال النفوذ أن يحقق الموظف العام ما طلبه صاحب المصلحة من حيث وجود الركن المادي، ووجود الركن المفترض على نحو ما تقدم بل يلزم فضلا عن ذلك أن تكون تلك الأركان قد صدرت عن علم إو ارادة آثمة أي إرادة مجرمة قانونيا. وتعد جريمة إستغلال النفوذ من الجرائم العمدية التي يتطلب قيامها توافر القصد الجرمي لدى مستغل النفوذ كقصد جنائي عام.

 العلم: ويتوافر العلم إذا كان المتهم يعلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الادعاء من بالنفوذ، ويعلم بنوع المزية التي يعد صاحب المصلحة بالحصول عليها، ويعلم كذلك بأنها سلطة عامة وطنية. فصاحب الحاجة مثلا قد يقدم هدية أو مزية للموظف على أساس أن غرضها بريء فإذا تبين للموظف بعد ذلك أن الغرض منها ليس بريئا مثل القاضي الذي تلقى هدية من صديق له ،وبعد مدة عرضت عليه قضية تورط فيها ذلك الصديق وطلب من القاضي مراعاة مركزه في الحكم، واتضح لدى القاضي أن القضية القديمة عند الصديق اوٕ انما قدم الهدية تمهيدا ليطالب بمقابل لها بعد ذلك ،لذلك ينبغي لقيام الجريمة قانونا معاصرة القصد الجنائي لماديات الجريمة. 

كما يشترط أن لا يكون العمل أو المصلحة المرجوة داخلة في اختصاص صاحب النفوذ الوظيفي وٕإلا كيفت بأنها رشوة لا استغلال نفوذ، زيادة على ذلك ما يتطلبه القصد العام اتجاه إرادة المتهم إلى طلب أو قبول المزية غير المستحقة ويقع عبئ إثبات توافر القصد بعنصريه على النيابة العامة تطبيقا للقواعد العامة، فلا يشترط أن تتجه نية المتاجر بالنفوذ إلى انجاز العمل الذي استغل نفوذه من اجل بلوغه لأن الجريمة تقع ماديا ولو لم يتحقق هذا العمل.

أما عنصر الإرادة في الجريمة فينبغي أن تتجه إرادة صاحب النفوذ إلى طلب أو قبول العطية أو الوعد أو المزية، وليس من الضروري أن تتجه نية الفاعل إلى استعمال النفوذ للحصول لمحاولة الحصول على المزية المطلوبة، فلا يؤثر في قيام الجريمة أن يكون الفاعل قاصدا منذ البداية عدم استعمال نفوذه لدى السلطة العامة والدليل على ذلك أن المشروع يسوي بين النفوذ الحقيقي والمزعوم مما يفيد ضمنا أنه يستوي اتجاه نية الفاعل الحقيقية إلى استعمال نفوذه أو عدم اتجاهها إلى ذلك.

ثانيا: جريمة استغلال النفوذ الايجابي

نظم المشرع الجزائري من خلال قانون الفساد ومكافحة وتحديدا بنص المادة 32 ضمن الفقرة الأولى صورة لاستغلال النفوذ، والتي عرفت باستغلال النفوذ الايجابي ولكي تتضح هذه الصورة والتي تقابل صورة الرشوة الايجابية يتوجب علينا التوجه إلى مفهوم الرشوة الايجابية، التي يقترفها شخص الراشي من غير أن تشترط فيه صفة معينة كما هو الحال في جريمة الرشوة السلبية بل تتعلق بالغرض الذي يقدمه الراشي كالمزية المعروضة على الموظف ومساومته على أعمال وظيفته.

وحتى يكتمل مفهوم جريمة استغلال النفوذ الايجابي نسلك نفس النهج المعتمد في الصورة الأولى جريمة استغلال النفوذ السلبي من الناحية الموضوعية حيث تشتمل على ركنين فضلا عن صفة الجاني، احدهما مادي يضم عناصر من بينها السلوك المحرم، الشخص المقصود والغرض من استغلال النفوذ الايجابي، ثم الركن المعنوي، عبر الخطوات التالي:

1. الركن المادي

يتخذ الركن المادي لهذه الجريمة أربع عناصر أساسية وهي:

- السلوك المجرم: وهو عنصر يتحقق به الركن المادي، يلجأ فيه المحرض إلى اعتماد الوسائل التي تتحقق بها جريمة الرشوة الايجابية كالوعد بمزية أو عرضها أو منحها على المحرض، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (الوسيط)، بغية تحريضه على استغلال نفوذه الفعلي بهدف الحصول من إدارة أو من سلطة عمومية على مزية غير مستحقة لصالحه أو المفترض المحرض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص أخر.

ويشترط أن يكون الوعد جديا، وأن يكون الغرض منه تحريض الموظف العمومي على الإخلال بواجبات الوظيفة وأن يكون محددا ويستوي أن يقدم العطاء أو المزية غير المستحقة إلى الموظف العام أو من هو في حكمه، مباشرة أو عن طريق غير مباشر أي عن طريق الوسيط، أو شخص أخر يمثله.

وفي ظل قانون العقوبات السابق كان السلوك المادي يتم بطريقتين: 

الطريقة الأولى: تتمثل في لجوء الجاني إلى التعدي أو التهديد أو الوعد أو العطايا أو الهبات أو الهدايا أو غيرها من الميزات، وهي وسائل ترغبية باستثناء التعدي والتهديد اللذين يفيدان الترهيب. 

الطريقة الثانية: تتمثل في استجابة الجاني لطلبات صاحب النفوذ وهي الطلبات التي يكون الغرض منها عطية أو وعد أو أية منفعة أخرى. 

- الشخص المقصود: قد يكون موظفا عموميا أو أي شخص أخر، غير انه يشترط أن يكون صاحب نفوذ فعلي أو مفترض، ويعني ذلك أن خطورة التمتع بالنفوذ الحقيقي تتمثل في أن مرتكبه غالبا ما يكون موظفا عاما، غير مختص بالعمل المطلوب انجازه لا حقيقة ولا زعما ولا بناءا على اعتقاد خاطئ به ،ولكن له سلطة حقيقة أو تأثير فعلي على الموظف المختص لحمله على القيام بالعمل المطلوب والذي يعد بتسخيره لمصلحة صاحب الحاجة، بل من الجائز أن يكون الجاني المتمتع بالنفوذ الحقيقي شخصا عاديا لا علاقة له بالوظيفة، كأن يكون للأب على ابنه الموظف نفوذا حقيقيا،  وعندما يكون النفوذ مزعوما، فإن فعل الجاني ينطوي على الغش والخداع، فضلا عن أنه يمثل اعتداء على الاحترام الواجب لجهة الإدارة العامة،  وٕاخلالا بالثقة في أنشطتها المختلفة كما يعني ذلك أن خطورة النفوذ المزعوم – على عكس النفوذ الحقيقي  –تتمثل في أن مرتكبه لا يباشر نفوذا على الموظف المختص، ولكنه يوهم صاحب الحاجة بأن له هذا النفوذ.

-الغرض من استغلال النفوذ: ويتمثل في عمل الشخص المقصود، أي المحرض على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض من اجل الحصول من إدارة أو من سلطة عمومية على منفعة غير مستحقة لصالحه أو لصالح غيره، وعن المستفيد من المنفعة فلا يهم المستفيد من المنفعة المتوخاة فقد يكون الجاني نفسه أو غيره.

2. الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ الايجابي 

تعد هذه الجريمة من الجرائم العمدية، فيلزم لقيامها توافر القصد الجنائي الذي يقوم على عنصري العلم  والإرادة، وهو نفس القصد تتطلبه جريمة الرشوة الايجابية فيجب أن يعلم المتهم بأنه يقدم العطية أو الوعد إلى شخص يمارس وظيفة عامة أو أي شخص أخر مقابل استغلال نفوذه الحقيقي أو المزعوم للحصول على مزية أو فائدة أي كانت من إدارة أو من سلطة عمومية كما يتطلب القصد اتجاه الإرادة نحو استعمال الوسائل المكونة للفعل المادي والمتمثلة أساسا في، الوعد بالمزية أو عرضها أو منحها على الموظف العمومي أو من في حكمه أو لشخص أخر.

وينتفي القصد الجنائي حين يدس صاحب الحاجة مبلغا من المال في يد الموظف أو في ملابسه أو في مكتبه، فيسارع على الفور إلى رفض هذا المبلغ وإعادته أو تبليغ السلطات عنه، ولا يتوافر القصد في حالة ما إذا تظاهر الموظف باتجاه الإرادة لديه إلى قبول العرض الذي يقدمه الراشي قاصدا في الحقيقة الإيقاع بعارض الرشوة والعمل على ضبطه متلبسا بالجريمة من قبل السلطات العمومية.

ويقع عبء إثبات القصد الجنائي في جريمة استغلال النفوذ على جهة الاتهام ويتم الإثبات بكافة الطرق ووسائل الإثبات ومنها البينة والقرائن.

وخلاصة القول أن المشرع الجزائري أقر لجريمة إستغلال النفوذ نص المادة 32 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، بالنظر لمدى خطورتها على الوظيفة والموظف العام فلم يحدد لها تعريف معين بل ترك كل ذلك للفقه الذي عني بذلك. 

3. الجزاء المقرر لجريمة استغلال النفوذ

وقد تعدد العقوبات إلى عقوبات أصلية وأخرى تكميلية، رصدها المشرع ضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته في المادة 32 منه  .

1. العقوبة الأصلية والتكميلية للشخص الطبيعي

أ- العقوبة الأصلية: حددت المادة 32 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته العقوبة الأصلية لجريمة استغلال النفوذ بنصها: "يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات  وبغرامة من 200000 دج إلى 1000000 دج."

يستشف من نص المادة أن المشرع الجزائري وضع عقوبة لمرتكب جريمة استعمال النفوذ، إذ تكيف أنها جنحة معاقب عليها بعقوبة أصلية حدها الأدنى سنتين ويصل كحد أقصى إلى عشر سنوات مع غرامة مالية من 200.000 دج إلى 1000.000دج.

- الظروف المشددة: تشدد العقوبة الأصلية من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبنفس الغرامة المالية في إجراء الفئات المنصوص عليها في المادة 48 من القانون 06/01 إذا كان مرتكب الجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاضيا، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة أو ضابطا عموميا، أو عضوا في الهيئة، أو ضابطا أو عون شرطة قضائية، أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية أو موظف أمانة ضبط. 

1. القاضي: بالمفهوم الواسع الذي يشمل علاوة على قضاة النظام العادي والإداري، أعضاء مجلس المنافسة.

2. موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة: ويتعلق الأمر بالموظفين المعنيين بمرسوم رئاسي الذين يشغلون على الأقل وظيفة نائب مدير بالإدارة المركزية لوازرة أو ما يعادل هذه الرتبة في المؤسسات العمومية أو في الإدارات غير الممركزة أو في الجماعات المحلية. 

ويتمتع بصفة ضابط الشرطة القضائية حسب المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية ج :

 1- كل من رؤساء السلطة الشعبية البلدية.

 2- ضباط الدرك الوطني.

 3- الموظفون التابعون للأسلاك الخاصة للمراقبين، ومحافظي وضباط الشرطة للأمن الوطني.

 4- ذو الرتب في الدرك، ورجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك الوطني ثلاث سنوات على الأقل والذين تم تعيينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الدفاع الوطني، بعد موافقة لجنة خاصة.

5- الموظفون التابعون للأسلاك الخاصة للمفتشين وحفاظ وأعوان الشرطة للأمن الوطني والذين تم تعينهم بموجب قرار مشترك صادر عن وزير العدل ووزير الداخلية والجماعات المحلية بهذه الصفة أمضوا ثلاث سنوات على الأقل، بعد موافقة لجنة الخاصة.

6- ضباط وضباط الصف التابعين للمصالح العسكرية للأمن الذين تم تعينهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني ووزير العدل.

أما عن العضو في الهيئة فيقصد به من ينتمي للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته تلك الهيئة التي استحدثت بموجب المادة 17 منه: "تنشأ هيئة وطنية مكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحته، قصد تنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد"

- الإعفاء من العقوبة وتخفيضها: يمنح هذا الحق والممثل في الإعفاء من العقوبة وتخفيضها لكل من ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وقام قبل مباشرة إجراءات المتابعة بإبلاغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة وساعد على معرفة مرتكبيها عدا الحالة المنصوص عليها في الفقرة 01 من المادة 49 أعلاه، تخفض العقوبة إلى النصف في الفقرة 02 من المادة بالنسبة لكل شخص ارتكب أو شارك في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والذي بعد مباشرة إجراءات المتابعة ساعد في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكاب الجريمة.

فمن خلال نص المادة يستخلص ما يلي:

 1- استفادة كل من الفاعل الأصلي أو الشريك الذي بلغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية والممثلة في مصالح الشرطة القضائية من العذر المعفي من العقوبة على أن يتم التبليغ قبل مباشرة إجراءات المتابعة في الدعوى العمومية.

 2- الاستفادة من تخفيض العقوبة إلى النصف في حالة مساعدة مرتكب الجريمة أو شريكه في القبض على الشخص أو الأشخاص وهذا بعد مباشرة إجراءات المتابعة ضد الضالعين في ارتكاب فيها.                                            

ب- العقوبات التكميلية للشخص الطبيعي:

يجوز الحكم على الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الملحق المتعلق، وهي العقوبات المنصوص حسب المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته عليها في المادة 09 المعدلة بموجب قانون 2006 وتكون إما إلزامية أو اختيارية.

 1-العقوبة التكميلية الإلزامية: وهي ثلاثة:

- الحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية المنصوص عليها في المادة 09 مكرر 01.

- الحجز القانوني.

- المصادرة الجزئية للأموال.

الحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية: نصت المادة 09 في البند رقم 02 على عقوبة الحرمان من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية، وحددت المادة 09 مكرر 1 المستحدثة إثر تعديل قانون العقوبات في 2006 مضمون هذه الحقوق وتتمثل في:

 - العزل أو الإقصاء من جميع الوظائف والمناصب العمومية أو إسقاط العهدة الانتخابية.

 - الحرمان من حق الانتخاب والترشح أو حمل أي وسام

 -عدم الأهلية لتولي مهام مساعد محلف أو خبير أو الإدلاء بالشهادة على عقد أو أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال.

 - الحرمان من حق حمل الأسلحة أو التدريس في مدرسة أو خدمة في مؤسسة للتعليم بصفة أستاذ أو مدرس أو ناظر.

 -عدم الأهلية للاضطلاع بمهام الوصي أو المقدم

 - سقوط حقوق الولاية كلها أو بعضها.  

 - تأمر المحكمة وجوبا بهذه العقوبة في حالة الحكم بعقوبة جناية، وتكون مدة الحرمان بعشر سنوات على الأكثر، تسري من يوم انقضاء العقوبات الأصلية أو الإفراج عن المحكوم عليه.

الحجز القانوني: وهي عقوبة تكميلية، نصت عليها المادة 09 مكرر المستحدثة إثر تعديل قانون العقوبات في 2006 على أنه في حالة الحكم بعقوبة جنائية تأمر المحكمة وجوبا بالحجز القانوني .فالحجز القانوني يتمثل في حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المالية أثناء تنفيذ العقوبة الأصلية، وتدار أموالا لمحكوم عليه وفق الفقرة الثانية من المادة طبقا للإجراءات المقررة في حالة الحجز القضائي.

المصادرة الجزئية للأموال: المصادرة عقوبة وجوبية لا بد من الإشارة إليها في نص الحكم، وتشمل المصادرة كل ما حصل عليه الموظف المستغل لنفوذه من مقابل مادي، ومن ثمة فلا محل للمصادرة إذا لم يكن هناك تسليم للمال على الإطلاق بأن اقتصرت الجريمة على وعد أو طلب، و لا يعني ذلك اشتراط التسليم الحقيقي، بل يكفي التسليم الحكمي كوضع المال تحت تصرف الموظف العمومي ليستولي عليه حينما يشاء ولا تتم المصادرة إلا على مال مضبوط في حوزة الجاني مستغل النفوذ، كما لا تقع المصادرة في حالة ما إذا واستهلكت أو هلكت. ولو تم تسليم مفتاح السيارة لينتفع سلمت الفائدة على أنه في حالة الإدانة لارتكاب - فقد نصت المادة 15 مكرر 1 من القانون رقم 06/23 جناية تأمر المحكمة بمصادرة الأشياء التي استعملت أو كانت ستستعمل في تنفيذ الجريمة أو التي تحصلت منها، وكذلك الهبات أو المنافع الأخرى التي استعملت لمكافأة مرتكب الجريمة مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.

ج –العقوبة التكميلية الاختيارية: علاوة على العقوبات التكميلية الإلزامية السالفة الذكر، يجوز للجهات القضائية الحكم على الجاني بالعقوبات التكميلية الاختيارية الممثلة في: تحديد الإقامة، نهائيا أو مؤقتا، ومن إصدار والمنع من الإقامة، والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط وإغلاق المؤسسة الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع، والإقصاء من الصفقات العمومية وسحب أو توقيف رخصة السياقة أو إلغاؤها من المنع من استصدار رخصة جديدة وسحب جواز السفر وتكون هذه العقوبات لا تتجاوز 10 سنوات، عدا تعليق أو سحب رخصة السياقة وسحب جواز السفر التي لا تتجاوز مدتها 05 سنوات. 

مصادرة العائدات والأموال غير المشروعة: تأمر الجهة القضائية عند إدانة الجاني بمصادرة العائدات  والأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب الجريمة، مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية، حسب نص المادة 51 ف 2 من قانون مكافحة الفساد، ويستفاد وفق نص المادة أن الأمر الذي تقضي به الجهة القضائية والممثل في مصادرة العائدات والأموال غير المشروعة إلزامي حتى وٕإن لم يكون صريح العبارة" يجب ".

الرد: تقتضي إدانة الجاني بجريمة استغلال النفوذ إصدار حكم قضائي من الجهة القضائية التي تحكم فيه، برد ما تم أخذه أو رد ما قد حصل عليه من منفعة أو ربح. ويشمل هذا الحكم أصول الجاني أو فروعه أو إخوانه أو زوجه أو أصهاره في حالة انتقال المال إليهم، ويستوي في ذلك إذا بقيت الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى، وفق ما ورد في المادة 51 في الفقرة الثالثة، وما يلاحظ أن الرد شأنه شأن المصادرة، فالحكم فيهما إلزامي.

إبطال العقود والصفقات والبراءات والامتيازات: أجازت المادة 55 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته للجهة القضائية التي ثبت في الدعوى التصريح ببطلان كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه من ارتكاب إحدى جرائم الفساد وانعدام أثاره.

د- المشاركة والشروع

المشاركة: بالرجوع إلى نص المادة 52من قانون مكافحة الفساد، يتبين أنها قد أحالت إلى قانون العقوبات أمر المشاركة في جرائم الفساد. 

 "تطبق الأحكام المتعلقة بالمشاركة المنصوص عليها في قانون العقوبات على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون".

يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمثل الجريمة نفسها"، إعمالا لما ورد في الفقرة الأولى من المادة  52أعلاه، يستخلص ما يلي:

أن مرتكب جريمة استغلال النفوذ قد يكون له شريك وإن كان الفاعل الأصلي ذو صفة اشترطها المشرع وجعلها ركنا مكونا للجريمة، الأمر الذي يستدعي طرح التساؤل بشأن الشريك في الجريمة المنصوص عليها في المادة 32 فالفرضية السابقة، تجعل من المتصور وجود ثلاث احتمالات.

أ- الشريك في الجريمة، موظفا أو من حكمه ووفق هذا يعاقب بذات العقوبة المقررة للفاعل الأصلي.

ب – يحتمل أن يكون الشريك من عامة الناس إذا لا تتوافر فيه صفة الموظف أو من في حكمه لذا نطبق في شأنه الإحكام المنصوص عليها في قانون العقوبات حسب المادة 44من قانون العقوبات بنصها: "يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة" إذن يعاقب الشريك الذي ارتكب جنحة استغلال النفوذ بالعقوبة المقررة للجنحة وفيما يتعلق بالفقرة الثانية المتعلقة بالظروف الموضوعية فلا تطبق باعتبار أن صفة الجاني في جريمة استغلال النفوذ ليس ظرفا شخصيا ينتج عنه تشديد العقوبة وٕإنما هي ركن من أركان الجريمة.

ت–  وقد يكون الفاعل من عامة الناس والموظف أو من في حكمه شريكا لذلك نطبق القواعد العامة للاشتراك، كما هي مبينة أعلاه، حيث يخضع الشريك "الموظف أو من في حكمه" للعقوبة المقررة للفاعل الأصلي.

الشروع: الأصل انه لا يتصور الشروع في جريمة استغلال النفوذ فإما أن تقع كاملة وإما أن لا تقع وهو الأمر الذي جعل المشرع لا ينص على المحاولة في ظل قانون العقوبات، ومع ذلك فقد جاء في قانون مكافحة الفساد الذي تضمنته الفقرة الثانية من المادة 52 التي تنص على معاقبة الشروع في جرائم الفساد يمثل الجريمة نفسها.

هذا ويضيف محمد عبد الحميد مكي، انه مجرد طلب المتهم الفائدة أو العطية أو الوعد لاستغلال نفوذه لدى السلطة العامة، ورفض صاحب المصلحة طلبه تقوم به جريمة تامة لا وبالمثل تتم هذه الجريمة بمجرد القبول للعطية أو الهدية أو الهبة أو شروع فيها، أو الوعد أو الفائدة أيا كانت مقابل الحصول من أي سلطة عامة على مزية من أي نوع لصاحب المصلحة حتى ولو لم يستغل الجاني نفوذه فعلا في تنفيذ الغرض الذي تناول العطية من أجله.

2. العقوبة الأصلية والتكميلية للشخص المعنوي

أ- العقوبات الأصلية للشخص المعنوي: 

تكون عقوبة الشخص المعنوي مرتكب جريمة استغلال النفوذ الغرامة، كجزء جنائي، فحسب تعديل المادة 18 مكرر1 من قانون العقوبات بموجب القانون رقم 06/23 أين أصبحت الفقرة الثانية منها تنص على" الغرامة التي تساوي من مرة1 إلى 5مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة".  وبذلك أصبح من الممكن القول أن المادة 18 مكرر تقسم العقوبات المقررة للشخص المعنوي.             

فيما يخص الجنايات والجنح تشير المادة إلى عقوبات أصلية وعقوبات تكميلية وتتمثل العقوبة الأصلية في المادة 18 مكرر فقرة الأولى أي الغرامة ونصها التالي "الغرامة التي تساوي من مرة(1) إلى (5 )مرات الحد الأقصى للغرامة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة".

ولهذا يلتزم الشخص المعنوي مرتكب جنحة استغلال النفوذ بدفعها إلى الخزينة العمومية للدولة بحسب ما هي مقدرة في الحكم، وهذا ما أكدته المادة 53 من القانون 06/01. 

ب -العقوبة التكميلية للشخص المعنوي: 

تطبق على الشخص المعنوي عند ارتكاب الجريمة عقوبة تكميلية وهي كالتالي:

 1- حل الشخص المعنوي: وهي عقوبة تتمثل في وقف نشاطه، يعتبرها الكثير من الفقهاء بمثابة عقوبة الإعدام بالنسبة للشخص المعنوي. 

 2- غلق المؤسسة أو فرع من فروعها المدة لا تتجاوز 05سنوات أي وقف النشاط المؤسسة أو احد فروعها مؤقتا لمدة لا تتعدى 05 سنوات. 

 3- الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات.

 4- المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 05 سنوات.  

 5- مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها. 

 6- تعليق نشر حكم الإدانة.

 7- الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 05 سنوات وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته.

الفرع الثالث: جريمة عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات 

يعد التصريح بالممتلكات كإجراء وقائي من بين الآليات القانونية التي كرس المشرع الجزائري لمكافحة الفساد، ويأتي هذا الإجراء كاستجابة لما أوصت به المادة 39 في فقرتها الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي نصت عمى: "تنظر كل دولة طرف في إنشاء نظم فعالة لإقرار الذمة المالية، وفقا لقانونها الداخلي ،شأن الموظفين العموميين المعنيين، وتنص على عقوبات ملائمة عمى عدم الامتثال". 

وهو ما قام المشرع الجزائري بتجسيده فعلا في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته قصد ضمان الشفافية في الحياة السياسية والشؤون العمومية، وحماية للممتلكات العامة، وصون نزاهة الأشخاص المكلفين بالخدمة العمومية.  وهو ما أكده نص المادة 36 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته التي تتضمن الشروط الواجب توافرها لاكتمال البنيان القانوني لهذه الجريمة:

ويمكن القول أن مخالفة هذا الالتزام أي عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات ينجر عنه ثبوت قيام جريمة أخرى تتعلق بالإثراء غير المشروع (المادة 37 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته 06/01).

وينبغي لقيام هذه الجريمة توفر الأركان التالية:

1- صفة الجاني: وقد ذكرنا سابقا أنها تقتضي أن يكون مرتكبها موظفا عموميا دون تحديد خصوصا بعد إلغاء القانون رقم 79/04 والمتعلق بالتصريح بالممتلكات، وقد حددت المادة 06 من قانون مكافحة الفساد الفئات المكلفة بالتصريح بممتلكات وكيفيات ذلك.

ومع ذلك فقد نصت المادة 4 من ذات القانون على فئة من الموظفين العموميين الذين يخضعون لواجب التصريح وأحالت بالنسبة للبقية إلى التنظيم.

الفئة الأولى: رئيس الجمهورية، أعضاء البرلمان، رئيس المجلس الدستوري وأعضائه، ورئيس الحكومة وأعضائه، رئيس مجلس المحاسبة، محافظ بنك الجزائر، السفراء، القناصلة، الولاة.

الفئة الثانية: رؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحمية المنتخبة.

الفئة الثالث: القضاة.

الفئة الاربعة: هي كل ما يبقى من الموظفين العموميين.

أما الجهات التي تتلقى التصريح، نصت عليها المادة 4 من قانون مكافحة الفساد، حيث يكون التصريح أمام الرئيس الأول للمحكمة العليا بممتلكات الفئة الأولى والفئة الثالثة، ويكون التصريح أمام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته بممتلكات رؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحمية المنتخبة.

تجدر الإشارة أن القانون أغفل تحديد الجهة المخولة بتلقي تصريح الرئيس الأول للمحكمة العليا للممتلكات، مع العلم إن القضاة يصرحون بممتلكاتهم أمامه وهو ينتمي إلى هذه الفئة. 

2- الركن المادي: ويكون على إحدى الصورتين: 

أ‌- عدم التصريح بالممتلكات: وتقتضي هذه الصورة امتناع الموظف عن اكتتاب التصريح بالممتلكات لدى الجهة المعنية وذلك بعد مضي المدة القانونية والمحددة بشهرين حسب المادة 36 من قانون مكافحة الفساد وذلك بعد تذكير المعني بالتصريح بالطرق القانونية.

ب‌- التصريح الكاذب بالممتلكات: وهي الحالة التي لا يمتنع الموظف من خلالها عن التصريح وٕإنما يقوم بإدلاء تصريحات غير كاملة أو غير صحيحة أو خاطئة أو يدلي عمدا بملاحظات خاطئة أو خرق الالتزامات التي يفرضها عليه القانون.

2- القصد الجنائي: تعتبر هذه الجريمة عمدية يشترط لقيامها عنصر تعمد الموظف العمومي عدم التصريح أو التصريح الكاذب وبالتالي فلا يتصور قيامها في حال كان عدم التصريح نتيجة إهمال غير مقصود.

الفرع الرابع: جريمة إخلال الموظف العمومي بالتزام الإبلاغ عن تعارض المصالح

وهي جريمة مستحدثة بموجب نص المادة 34 من قانون مكافحة الفساد، وهي وضعية أشارت إليها أحكام المادة 08 من قانون مكافحة الفساد بعدما أحالت عليها المادة 34 من نفس القانون، ونشير إلى أن المشرع أحال إلى نص المادة 09 سهوا، لأن المقصود هو الإشارة إلى نص المادة 08 باعتبار هذه الأخيرة تلزم الموظف العمومي بإخبار السلطة الرئاسية التي يخضع لها في حال تعارضت مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة أو كان من شأن ذلك التأثير على ممارسته لمهامه بشكل عادي، وبالتالي ففي حال امتناع الموظف عن التزامه الإخبار اتجاه رئيسه الإداري عن كل تعارض بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة مما يؤثر على حياده ونزاهته تعد مرتكبا لجريمة تعارض المصالح.

أولا: مفهوم جريمة عدم الإخبار عن المصالح المتعارضة 

كما سبق ذكره فإن جريمة عدم التبليغ عن تعارض المصالح، هي صورة من صور جرائم الفساد الإداري المستحدثة، أي أن الخوض في محاولة إيجاد إطار تعريفي لها يقودنا حتما إلى أصولها، حيث عرفت أول مرة من خلال التوصيات الرئيسية للتقرير العالمي حول الفساد لسنة 2004 الذي أكد على انه: على الحكومات تفعيل القوانين المتعلقة بتعارض المصالح بما فيها القوانين التي تشرع لإمكانية انتقال الموظف الحكومي إلى مؤسسات القطاع الخاص أو إلى الشركات التي تمتلكها الحكومة.

فرض قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على الموظف العمومي واجبات تتمثل أساسا في التصريح بالممتلكات وٕإخبار السلطات عن تعارض المصالح، جرم الإخلال بها من خلال تجريم عدم الإبلاغ عن تعارض المصالح.

1: تعريف تعارض المصالح 

وتعارض المصالح مصطلح يستخدم لوصف وضع ما يستغل فيه مسؤول حكومي أو شخص مؤتمن موقعه لتحقيق منافع شخصية وعوائد مادية على العكس من الالتزام المنوط به وهو خدمة المصلحة العامة.

ويمكن تعريف "تعارض المصالح" بالوضع أو الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار موظف/ة في الوظيفة العامة بمصلحة شخصية مادية أو معنوية تهمه شخصيا أو أحد، أقاربه أو أصدقائه المقربين أو عندما يتأثر أداؤه للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة أو بمعرفته بالمعلومات التي تتعلق بالقرار.

يتحمل الموظف في الموقع العام مسؤولية ضمان عدم وجود أي تعارض للمصالح في الأعمال التي يقوم بأدائها. ففي العديد من الحالات لا يكون تعارض المصالح ظاهرا للعيان، أو معروفا في المجتمع المحيط بالموظف، ولكن يكفي أن تكشف قضية واحدة لتهز ثقة المواطنين ليس بالموظف ومؤسسته فحسب بل في الجهاز التنفيذي ككل. 

وعرفه آخرون على انه: أي وضع تنحرف فيه المصلحة الشخصية للشخص، أو مصالح أقاربه، أو أشخاص آخرين تربطه بهم مصالح شخصية أو تجارية، عن مصلحة الموقع الوظيفي الذي يشغله، بحيث يمكن أن يؤثر على القرار الذي يتخذه حتى دون ملاحظة هذا التأثير، وبما يؤدي إلى خلق انطباع لدى الآخرين بعدم نزاهة هذا الشخص واستقامته.  

ويتوسع قانون تضارب المصالح في ولاية تكساس الأمريكية في تعريف عدم الإخبار عن المصالح المتعارضة حيث يعرفه على أنه: تضارب المصالح يحصل عندما يقوم موظف حكومي أو أحد أفراد عائلته المقربين بالتعامل مع مؤسسة ما من أجل الكسب المالي مستغلا بذلك منصبه الحكومي. 

هي جريمة جديدة استحدثت بموجب المادة 9 من قانون مكافحة الفساد تتمثل في كل خرق لأحكام المادة   1 من قانون مكافحة الفساد: «: فبالرجوع إلى أحكام المادة 9 نجدها تنص على أنه يلتزم الموظف العمومي بأن يخبر السلطة الرئاسية التي يخضع ليا إذا تعارض مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة، أو يكون من شأن ذلك التأثير على ممارسته لمهامه بشكل عادي وبذلك فكل امتناع من الموظف العام عن إخبار سلطته الرئاسية عن تعارض بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة من شأنه أن يؤثر على أداء علمه ونزاهته وحياده، فإنه يعد مرتكبا لجريمة تعارض المصالح.

الجدير بالذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المصادق عليها من طرف الجزائر أشارت إلى هذا الفعل ولكن لم تجرمه، إذ نصت الفقرة 2 من المادة 8 إلى تعارض المصالح، على: "تسعى كل دولة طرفا عند الاقتضاء ووفقا لمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي إلى وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين أن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء من مالهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات  وهبات أو منافع كبيرة، قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين".

وعرفه المشرع الجزائري في المادة: 34 من القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ،المعدّل والمتمم التي تحيلنا إلى نص المادة: 09 من نفس القانون وباستقراء هاته المادة نجدها تتحدث أسس إبرام الصفقات العمومية.  

لكن بالرجوع إلى نص المادة 08: من نفس القانون نجدها تنص على: يلتزم الموظف العمومي بان يخبر السلطة الرئاسية التي يخضع لها إذا تعارضت مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة، أو يكون من شأن ذلك التأثير على ممارسته لمهامه بشكل عاد"، وهي المادة المقصودة بالإحالة لان محتواها ينطبق ومع نص المادة 34 /01.

مما سبق ذكره نخلص إلى تعريف تعارض المصالح يتجسد في تعارض مصلحتين أحدهما خاصة وأخرى عامة يتعين فيها على الموظف إخبار السلطة الرئاسية المباشرة التابع لها بالوضع وان عدم الاخبار ينتج عنه مسألة جزائية. 

ثانيا: أركان جريمة عدم الإبلاغ عن المصالح المتعارضة  

إن جريمة عدم الإبلاغ تقوم على أركان تقليدية: ركن شرعي، ركن المادي، الركن المعنوي بالإضافة إلى الركن المفترض فيها وهو صفة الموظف، وعليه لا تقوم جريمة عدم الإبلاغ عن تعارض المصالح إلا بتوافر العناصر الآتية: 

1. الركن الشرعي 

نص على جريمة عدم الإبلاغ عن المصالح المتعارضة في التشريع الجزائري بنص المادة 34 من القانون رقم: 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، المعدّل والمتمم، حيث تنص المادة على: يعاقب بالحبس من ستة -06 – أشهر إلى سنتين  -02 - سنة وبغرامة مالية من: 50.00دج إلى 200.000دج كل موظف عمومي خالف أحكام المادة: 09 من هذا القانون ".  

من استقراء المادة السالفة الذكر نخلص إلى أن المشرع خص هذه الجريمة بعقوبات جدّ صارمة وصلت إلى حد الحبس بالإضافة إلى الغرامات المالية، وذلك في حالة عدم قيام الموظف العمومي بإخبار السلطة الرئاسية التي يخضع لها، عند تعارض مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة، ويكون ذلك من شأنه التأثير على ممارسة مهامه بشكل عاد.

2. الركن المادي 

يتجسد الركن المادي لجريمة عدم الإبلاغ عن تعارض المصالح في عدة أعمال مجرمة قانونا يقوم بها الموظف على النحو التالي: 

- تعارض المصلحة الخاصة للموظف مع المصلحة العامة 

يكون الموظف في وضعية تعارض المصالح عند التقاء مصالحه الشخصية المباشرة وغير المباشرة مع المصالح العامة التي يتكفل بتحقيقها وتنفيذها، فقد يكون للموظف العام وظائف وأنشطة أخرى غير العمل الوظيفي، كالاستثمارات والمقاولات وممارسة الأعمال التجارية بأسماء مستعارة أو باسم الزوج أو الأصول والفروع، وقد يحدث وان تلتقي هذا الأنشطة مع المهام والواجبات العمومية التي يزاولها. 

والمشرع لم يحدد المقصود بالمصالح في المادة 08 من القانون رقم: 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، لان هذه المصطلح مرن وقابل للتأويل والتفسير الموسع، على عكس ما فعله في قانون الإجراءات الجزائية والمتعلق برد القضاة ،إذ ألزمتهم بضرورة التصريح وٕإعلام رئيس المجلس القضائي بأي تعارض المصالح، وحددت بدقة الأسباب التي أساسها يتم رد القضاة، أي حالات تعارض المصالح، وهو ما لم يفعله في جريمة تعارض المصالح المنصوص عليها في المادة 34 المذكورة أعلاه.  

- أن يكون من شأن تعارض المصالح الموظف التأثير على ممارسة مهامه 

التقاء المصالح وتطابقها غير كاف لوحده لقيام الجريمة، فالمشرع يشترط بالإضافة إلى ذلك أن يكون من شأن تقاطع المصلحتين الخاصة والعامة التأثير في سير مهام الموظف العام بشكل عاد، فقد يحدث وان تلتقي المصلحتين الخاصة والعامة ولكن ذلك لا يؤثر في سير الإجراءات والمعاملات التي يقوم بها الموظف العام، وبالتالي لا وجود للجريمة في هذه الحالة.  

- عدم إخبار السلطة الرئاسية

تقتضي الجريمة ان يخل الموظف العمومي بواجب الإخبار أو التبليغ أو الإخطار أو الإعلام، بأنه هناك تعارض للمصالح الذي قد يحدث أثناء ممارسته ومباشرته لمهامه ووظائفه الإدارية، والذي فرضه عليه المشرع بموجب المادتين: 34 و08 من القانون رقم :06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته.  

فالمشرع لا يجرم تعارض المصالح في حد ذاته ،وٕإنما يجرم عدم التصريح به للسلطة الرئاسية، بمعنى أخر إذا كان هناك تعارض للمصلحة الخاصة للموظف العام مع المصلحة العامة بمناسبة أداء مهامه غير كاف لقيام الجريمة ،وٕإنما يتطلب المشرع شرطا غاية في الأهمية، وهو عدم إخبار الموظف العام رئيسه الإداري بهذا التعارض.  

معنى أن الموظف العام إذا قام بهذا الالتزام وأعلم سلطته الرئاسية، فلا يمكن متابعته بجرم تعارض المصالح، حتى ولو كان هناك حقيقة تقاطع للمصلحة الخاصة مع المصلحة العامة، وكان من شأن هذا التقاطع التأثير السيء على أداء الموظف العام لمهامه الوظيفة لأنه سينحاز لمصلحته لا محالة.  

3. الركن المعنوي 

أن جريمة عدم التصريح بتعارض المصالح هي جريمة عمدية يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، حيث يقتضي العلم أن يكون الجاني عالما بأنه موظفا عموميا كما هو مشار اليه في المادة: 02 الفقرة ب من القانون رقم: 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته وبان يعلم بأنه موجود في وضعية تعارض المصالح، أي تعارض مصلحته الخاصة مع المصلحة العامة، وان من شأن هذا التعارض التأثير على سير مهامه بشكل عادي، كما يجب أن يكون عالما بأنه مطالب بإخبار السلطة الرئاسية، ورغم ذلك امتنع عن إبلاغها ،فإذا انتفى عنصر العلم كما هو مبين أعلاه، انتفت الجريمة.  

أما الإرادة فيشترط فيها أن تكون حرة ومختارة وقد اتجهت إلى ارتكاب السلوك المادي والمتمثل في مخالفة واجب والتزام الإبلاغ بتعارض المصالح.  

4. الركن المفترض صفة الجاني

يشترط لقيام جريمة عدم الإبلاغ عن تعارض المصالح أن يرتكب الجريمة موظف عام "وهو صفة الجاني، فهاته الجريمة لا تقوم من أي كان، وٕإنما يلزم لقيامها توفر صفة الموظف العمومي في الجاني ،على النحو الذي حددته المادة الثانية من قانون مكافحة الفساد، وهو الشرط الموجود أيضا في المادة 119 من القانون المصري، حيث أطلق المشرع المصري حكم النص ليشمل كل موظف أو مستخدم عمومي يختلس مالا مما تحت يده متى كان المال المختلس مسلما إليه بسبب وظيفته والنص يشير إلى جميع موظفي الحكومة لا فرق بين الدائمين منهم وغير الدائمين، ولا بين ذوي الحق في المعاش ومن لا حق لهم فيه.  

ولقد عرفت المادة 02 فقرة ب من القانون رقم: 06/01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الموظف العمومي كما يلي: 

01 - كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا، أو عضو في أحد المجالس الشعبية المنتخبة، سواء أكان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.

02- كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية، أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.  

03 - كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، وهذا التعريف مستمد من المادة :02 فقرة "أ "من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31 أكتوبر 2003، والتي صادقت عليها الجزائر في 19 أبريل 2004، بموجب المرسوم الرئاسي رقم 24/228 ويختلف تعريف الموظف العام تماما عن تعريف الموظف العمومي كما جاء في الأمر رقم 06/03 المؤرخ في 15 يوليو 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة. فالقانون الجنائي وسع كثيرا من مفهوم الموظف العام كما هو معروف عليه في القانون الإداري، وهذا ما يبرز ويؤكد لنا ذاتية قانون العقوبات. 

كما يدخل في هذا الإطار كل من يحمل صفة الموظف الحكمي ويقصد بهده الفئة كل شخص أخر معرف بأنه موظف عمومي أو في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما وينطبق هدا المفهوم على المستخدمين العسكريين والمدنيين للدفاع الوطني والضباط العموميين فأما المستخدمون العسكريون المدنيون للدفاع الوطني فقد استثنتهم المادة: 02 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية من مجال تطبيقه ويحكمهم الأمر رقم 06 -02 المؤرخ في 28 فبراير المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين. 

ثالثا: العقوبات المقررة لجريمة عدم الإبلاغ عن المصالح المتعارضة 

جرم المشرع الجزائري فعل عدم الإبلاغ عن المصالح المتعارضة وقرر له عقوبات بموجب المادة 34 من القانون رقم: 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، المعدّل والمتمم، والتي خصّها المشرع بعقوبات جدّ صارمة وصلت إلى حد الحبس بالإضافة إلى الغرامات المالية، وذلك في حالة عدم قيام الموظف العمومي بإخبار السلطة الرئاسية التي يخضع لها، عند تعارض مصالحه الخاصة مع المصلحة العامة، ويكون ذلك من شأنه التأثير على ممارسة مهامه بشكل عاد. 

و قرر لها عقوبات سالبة للحرية تقدر بالحبس من ستة-06 – أشهر إلى سنتين -02 سنة- و اخرى عقوبات مالية من: 50.00دج إلى 200.000دج كل موظف عمومي خالف أحكام المادة: 09 من هذا القانون، حيث تنص المادة المذكورة أعلاه على ما يلي: يعاقب بالحبس من ستة-06 – أشهر إلى سنتين -02 - سنة وبغرامة مالية من: 50.00دج إلى 200.000دج كل موظف عمومي خالف أحكام المادة: 09 من هذا القانون ".

الفرع الخامس: جريمة تبييض عائدات جرائم الفساد وٕإخفائها

تعد المادة 42 من قانون 06/01 المتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته الإطار المحدد لجريمة تبييض العائدات المحصلة من جريمة الفساد أين تحيلنا إلى ".....التشريع المعمول به في هذا المجال "، أي قانون العقوبات المواد 389 مكرر إلى 389 مكرر 7،  وكذا القانون 05/01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، نتكلم على جريمة تبييض الأموال عند توافر  وقيام أركانها كما تقتضيه القواعد العامة في دراسة أركان الجرائم المختلفة، أين نتكلم أولا عن الركن المفترض للجريمة أو الجريمة الأصلية باعتباره المصدر المولد للفعل الجرمي والذي على أساسه تحدد الأركان الأخرى وهي الجريمة الأولية ثم الركن المادي ثم الركن المعنوي أخيرا. 

أولا: أركـان الجريمة

1 - الركن المفترض للجريمة: أن فعل تبييض عائدات الفساد محل دراستنا المنصوص عليها بالمادة 42 من القانون 06 -01 المتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته يستند إلى تبييض عائدات جريمة أخرى أصلية منصوص عليها في قانون الفساد، وان تم تبييض أموال المحصلة من جنحة بيع المخدرات نكون أمام جريمة تبييض الأموال التي تجد ركنها الشرعي في نص المواد 389 مكرر إلى 389 مكرر 7 من قانون العقوبات أو القانون 05 -01. 

أن شرط وجود جريمة أولية يستشف من المادة 389 مكرر من قانون العقوبات والمادة 42 من القانون 06/01 أين يتم الحديث عن تبييض أموال محصلة من جريمة منصوص عليها بقانون الفساد سواء جريمة الرشوة (المادة 25)، جنحة الامتيازات غير المبررة في مجال الصفقات العمومية (المادة 26)، استغلال النفوذ (المادة 30)، جنحة الاختلاس بالقطاع العام أو العاص (المادة 29 41).

ان مفهوم تبييض العائدات الإجرامية محدد من قبل المشرع الجزائري بدقة بقوله: "يعتبر تبييضها للأموال تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل أنّها عائدات إجرامية..."، كما نجد أيضا تعريفا للعائدات الإجرامية في نص المادة 02 فقرة ز من القانون 06/01 المتعلق بمكافحة الفساد، إذ تنص على أن: " العائدات الإجرامية: كل الممتلكات المتأتية والمتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر في ارتكاب الجريمة "، واصطلح على استعمال مصطلح: عائدات جرائم الفساد. يثور التساؤل باعتبار أن جريمة تبييض عائدات الفساد تعد جريمة تبعية للجريمة الأصلية المحددة بقانون الفساد 06/01، فهل يشترط صدور حكم بالإدانة أم للقاضي إثبات أركان الجريمة الأصلية والتبعية في محاكمة واحدة وحكم واحد؟

ثانيا - الركن المادي للجريمة: بالرجوع للمادة 389 مكرر من ق.ع التي تحيلنا اليها المادة 42 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته نجدها وسعت من مجال التجريم، بنصها على صور عديدة لنشاط تبييض عائدات الفساد حرصا منها على تغطية كافة أنماط السلوك الإجرامي، ومحل السلوك الإجرامي ،نتناول فيما يلي صور هذا السلوك الإجرامي، ثم محل هذا السلوك. 

السلوك الإجرامي: حصرت المادة 389 مكرر من ق.ع سابقة الذكر السلوك الإجرامي في أربع صور أساسية:

- تحويل الممتلكات أو نقلها: يقصد بالتحويل القيام بعمليات تحويل العملة الوطنية المحصلة من جريمة من جرائم الفساد إلى مجوهرات أو لوحات زيتية أو عقارات أو إلى عملة صعبة (ما يعبر عنه بتحويل العملة الوطنية إلى عملات قوية أجنبية)، وقد يكون التحويل باستعمال القنوات المصرفية كان يقوم المتهم بتحويل المال المتأتي من جريمة إلى حساب آخر، محلي أو أجنبي بعد أن يختلق معاملات تجارية وهمية أو إنشاءه مسبقا لشركة أو فشور (شركات تنشأ بالبلدان التي تعتبر ملجأ للتهرب الضريبي)، ويتم التحويل غالبا باستخدام وسائل الكترونية حديثة، مثل السويفت التي تمتاز بالسرعة والسرية المطلقة أين يقوم البنك بتنفيذها دون معرفة الغرض من التحويل، بل أصبح هناك ما يسمى بالتحويل الالكتروني للأموال أين أصبح يمكن تحويل الأموال أو الممتلكات إلى العملة الافتراضية "البيتكوين" والتي لها قيمة خيالية في العالم الافتراضي للانترنيت، وقد تم تحريم التعامل بها مؤخرا من قبل المشرع الجزائري. 

أما النقل فيعني انتقال الأموال والمتحصلات من ملكية أو مكان إلى آخر سواء كان ماديا أو بأية وسيلة، كالتهريب للعملات دون التصريح بها لدى مصالح الجمارك والذي يعد من أكثر الطرق شيوعا لنقل الأموال غير المشروعة.

- إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات: المقصود هنا منع كشف الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو حركتها، ويقتضي الإخفاء صدور سلوك ايجابي من الجاني في شكل حيازة الأموال أو تسلمها ،وعلى ذلك الدور الذي يقوم به البنك في تلقي أو إيداع أو تحويل أو استثمار أو استخدام الأموال أو المتحصلات الناتجة عن نشاط إجرامي المرتبط بجرائم الفساد، كما قد يشمل الإخفاء بعض السلوكيات غير المادية كاستخدام اسم غير حقيقي في شركة وهمية، أو إدخال الممتلكات أو الأموال في رأسمال ما يطلق عليه بشركات الواجهة والتي تعرف بأنها شركات تنشأ من أجل هدف ونشاط قانوني ومشروع مع اضطلاعها بمهام غسل الأموال نظرا لقيامها بمهمة الوسيط في تحويل الأنشطة الإجرامية إلى أموال مشروعة كان تقوم بتزوير المستندات لإثبات أن الأموال دخلت للشرطة من صفقة تجارية. 

أما التمويه المقصود به تغيير طبيعة هذه الأموال باصطناع مظهر المشروعية لممتلكات غير مشروعة ،ومن أمثلة التمويه "القرض مقابل الحساب" والذي يتمثل في إيداع أموال غير نظيفة في حساب بنكي خارج البلاد يكن بالعملة الصعبة بطبيعة الحال، مع استخدام رصيد ذلك الحساب كضمان للحصول على قرض في بلد آخر. 

- اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال المحصلة عن الجريمة: المقصود باكتساب الممتلكات هو الحصول على سند ملكية الممتلكات مهما كانت الطريقة، أما الحيازة فتعني الاستئثار بالشيء على سبيل التملك  والظهور بصفة المالك أو السيطرة الفعلية التي تتحقق بواسطة مباشرة أعمال يقوم بها عادة المالك ،أما الاستخدام فهو استعمال الممتلكات والتصرف فيها. 

- المشاركة في أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها أو محاولة ارتكابها والمساعدة والتحريض على ذلك وتسهيله وإسداء المشورة بشأنه: تمتد هذه جريمة تبييض الأموال إلى كل شخص طبيعي أو معنوي ساهم في أية ترتيبات أو إجراءات وفي أي مرحلة من مراحل تبييض الأموال، وهي الصورة الجرمية التي يجري على أساسها في غالب الأحيان متابعة المؤسسات المالية والمصرفية، إذا ما كانت متورطة في ذلك، وتطبق على الاشتراك القواعد العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات بالمادة 42، كما يأخذ حكم الشريك وفق المادة 43 من قانون العقوبات، كما تطبق القواعد العامة المتعلقة بالعلم بالظروف الشخصية والموضوعية للفاعل الأصلي، وتأثيرها إيجابا أو سلبا على معاقبة الشريك المادة 44 من ق ع، أما التحريض فهو صورة مستقلة عن الاشتراك لاعتبار أن المحرض سواء حسب القواعد العامة وفقا للمادة 41 من ق.ع أو حسب المادة 389 مكرر من ق.ع يعتبر فاعلا أصليا ويعاقب على التحريض بصفة مستقلة حتى  ولو امتنع المحرض عن ارتكاب الفعل حسب المادة 46 من ق ع. 

ومن أجل هذا نتصور أن الشخص الذي اعتاد أن يتوسط بين الراشي والمرتشي مقابل عمولة مع علمه بان الموظف العمومي المرتشي يقوم بتبييض الأموال بشراء عقارات تقوم في حقه وصف جنح المشاركة في تبييض عائدات الفساد بمفهوم المادة 42 من قانون الفساد. 

محل السّلوك الإجرامي: إن محل السلوك الإجرامي في جريمة تبييض الأموال هي كل الأموال المتأتية من ارتكاب جريمة وتشمل الأموال المنقولة وغير المنقولة كالأموال المادية مثل عمليات التحويل أو النقل للعائدات الإجرامية كالمجوهرات مثلا، إذ يكيف كمحل لجريمة تبييض الأموال كل ما تحصل من جناية أو جنحة، أيا كان نوعها. 

والملاحظ أن المشرع الجزائري لم يعرف المقصود بالممتلكات ولا عائدات الجريمة لا بقانون العقوبات  ولا بالقانون 05/01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال، بل اكتفى بالنص في قانون تبييض الأموال  ومكافحة الإرهاب بإعطاء مدلول لمفهوم الأموال "أي نوع من الأموال المادية وغير المادية، المنقولة  وغير المنقولة، والوثائق أو الصكوك الالكترونية أيا كان شكلها.. "، إلا انه بالمقابل نجد أن قانون 06/01 المتضمن بقانون الفساد تضمن تعريفا ولو دقيقا للمصطلحين: إذا أن المادة 2 فقرة ز عرفت العائدات الإجرامية" بانها كل الممتلكات المتأتية أو المتحصل عليها بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة "، ثم بالفقرة  ومن نفس المادة عرف الممتلكات بأنها "الموجودات بكل أنواعها سواء كانت مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أو غير ملموسة،  والمستندات أو السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود حق فيها "،  وبمقارنة تعريف الممتلكات المنصوص عليه بقانون الفساد مع الوارد بقانون تبييض الأموال نجد أن التعريف الوارد بالمادة 4 فقرة 1 من القانون 05/01 أكثر تفصيلا  وتضمن مصطلحات قانونية علمية دقيقة (الشكل الالكتروني أو الرقمي للأموال، الائتمانات المصرفية أو شيكات السفر والمصرفية والحوالات والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات وخطابات الاعتماد) وهي الصور والوسائل التي جاءت على سبيل المثال لا الحصر باعتبار أن المشرع استعمال مصطلح " بما فيها... ". 

2.الركن المعنوي يعنى به الجانب النفسي للجريمة ،اذ لا تكتمل الجريمة لمجرد إتيان العناصر المادية التي تخضع لنص التجريم، بل أن تصدر هذه الأفعال عن إرادة فاعلها. 

وتعتبر جريمة تبييض الأموال جريمة قصدية تتطلب توافر القصد الجنائي بنوعيه العام والخاص، 

- فأما القصد العام فهو علم الجاني بأن الممتلكات محل الجريمة عائدات محصلة من جريمة من جرم الفساد، واتجاه إرادته إلى اضفاء شرعية العائدات الإجرامية.

- وأما القصد الجنائي الخاص فهو تعمد نتيجة معينة، وهو ما يطلق على تسميته بالباعث على الجريمة، أي الغاية من تحويل الممتلكات ونقلها: اما إخفاء المصدر غير المشروع أو تمويه المصدر.

ثانيا: السياسة العقابية الوطنية المقررة في جريمة تبييض العائدات المحصلة عن جرائم الفساد 

سوف نسلط الضوء على هذه الخصوصية من خلال التطرق إلى العقوبات المقررة للأشخاص المعنية بالعقاب كالآتي: 

1. السياسة العقابية للأشخاص الطبيعية: 

أفرد المشرع الجزائري في المواد من 389 مكرر1 إلى 389 مكرر 7 ق.ع قائمة طويلة للعقوبات الواجب تطبيقها على الضالعين في جريمة تبييض الأموال تتلاءم مع طبيعتهم، وذلك بتحيين الجزاءات تماشيا مع ما نصت عليه الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الجزائر، حيث نصت الفقرة 04 من المادة 03 من اتفاقية فيينا على: "على كل طرف أن يخضع ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة لجزاءات تراعي فيها جسامة هذه الجرائم كالسجن وغيره من العقوبات السالبة للحرية ،والغرامة المالية والمصادرة ".

أ. العـقوبات الأصلية

يخضع تبييض عائدات جرائم الفساد للعقوبات المنصوص عليها في المادة 389 مكرر 1 من قانون العقوبات  وما بعدها، وكذلك للمواد 51 من قانون مكافحة الفساد، أين ميّز المشرع في العقوبات ما بين تلك المقررة للتبييض البسيط أو المشدد، ومنه تعاقب المادة 389 مكرر1 مرتكب التبييض البسيط بالحبس من (5) إلى (10) سنوات وبغرامة مالية قدرها من مليون إلى ثلاثة ملايين دينار جزائري. 

وتنص المادة 389 مكرر2 على أنه يعاقب مرتكب جريمة تبييض الأموال المقترنة بظرف مشدّد من الظروف التالية (إذا كان الجاني معتاد على ارتكاب جريمة تبييض الأموال - إذا ارتكبت الجريمة باستعمال التسهيلات التي يمنحها له نشاطه المهني - إذا ارتكب الجاني الجريمة في إطار جماعة إجرامية) فإنه يعاقب عليها بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة، وبغرامة مالية قدرها أربعة ملايين دينار جزائري. 

تجدر الإشارة إلى أن قانون مكافحة الفساد، قد نصّ كما سبق ذكره في المادة 42 منه، على ان جريمة تبييض الأموال كجريمة من جرائم الفساد، ونصّ في المادة 48 منه على ظروف مشدّدة عند ارتكاب مثل هذه الجرائم من طرف قاضي أو موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة، أو ضابطا عموميا أو عضوا في الهيئة أو ضابطا أو عون شرطة قضائية أو ممن يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية أو موظف أمانة ضبط، أين يعاقب بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة وبنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة. 

وبالتالي بجريمة تبييض العائدات الإجرامية يحكما نصين في التشديد: المادة 48 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته 06/01 والمادة 389 مكرر2 من قانونا لعقوبات، وهما نصين متناسقين إلى حد ما. 

ب. العقوبات التكميلية 

هي عقوبات تضاف إلى العقوبة الأصلية وقد نصّ قانون العقوبات عليها في المادة 09، كما نصّ عليها في المادة 50 -51 من قانون الفساد، وكذا المادة 389 مكرر4 والمادتين 5 و6 من قانون العقوبات كذلك ،ونلاحظ باستقراء هذه النصوص أنّ المشرع جعل بعض العقوبات التكميلية إجبارية(إلزامية) كالمصادرة والبعض الآخر جعلها جوازيه للقاضي، ابن بنجد المصادرة هي العقوبة التكميلية الإلزامية الوحيدة إذ يعتمد التشريع الحديث في مكافحة الجريمة المنظمة على ضرب أصحابها في النفع العائد عليهم  والحيلولة دون استفادتهم من أثار الجريمة، ولو آجلا، لذلك نصّ في المادتين 51 /2 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته  والمادة 389 مكرر4 من قانون العقوبات على وجوب الحكم بالمصادرة عندما ينطق القاضي بالإدانة في جريمة تبييض الأموال، وهذا مواكبة من المشرّع لما نصت وأكدت عليه اتفاقية فيينا، فيما يخص عقوبة المصادرة، ويلاحظ أنّ المشّرع أتى بأحكام خاصة بعقوبة المصادرة في المادة 389 مكرر 4 ق.ع: 

1 - أنّ مصادرة الأموال موضوع جريمة التبييض تكون في أي يد كانت إلا إذ اثبت حائزها أنه حسن النية.

2 - إن الحكم بالمصادرة يكون في جميع الأحوال وحتى لو انتهت المتابعة إلى إصدار قرار الحفظ.

3- الحكم بالمصادرة في حدود ضعف هذه العائدات ذات المصدر غير المشروع.

وتجدر الإشارة أن النص على مصادرة جزء من الأموال المشروعة في حالة اختلاطها واندماجها مع عائدات إجرامية هو نص فريد من نوعه، ولا مثيل له في معظم النظم التشريعية، مستوحى من نص المادة 5/6 ب من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية "اتفاقية فيينا 1988".

أما العقوبات التكميلية الجوازية: لقد أحالت المادة 389 مكرر 5 من قانون العقوبات، بالنسبة لإخضاع المحكوم عليه في جريمة تبييض الأموال لعقوبات تكميلية إلى المادة 9 من ق.ع بمعنى القواعد العامة المطبقة في هذا الشأن، ضف إلى ذلك نصت المادة 55 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته على عقوبة تكميلية خاصة (إبطال العقود والصفقات والبراءات والامتيازات).

2. السياسة العقابية بالنسبة للأشخاص المعنوية

وفيما يخص العقوبات المقررة للمؤسسات المالية أو البنكية أي شخص معنوي تقاسم النص عليها كل من قانون العقوبات، وكذا القانون رقم 06/01 المتعلق بالفساد ومكافحته في المادة 42 و53 منه، بأن العقوبة الأصلية الوحيدة المطبقة على البنك هي الغرامة، طبقا لما نصت عليه المادة 18 مكرر الفقرة الأولى من قانون العقوبات، ونصت المادة 389 مكرر7 ق.ع ،فيما العقوبات التكميلية فهي نفسها العقوبات المقررة

للشخص الطبيعي نصّ عليها قانون العقوبات في المادة 09 منه، فهي نفسها مع مراعاة خصوصية الشخص المعاقب كالمنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط، إغلاق المؤسسة أو البنك، لإقصاء من الصفقات العمومية، الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع.

الفرع السادس: جريمة الإهمال الواضح

يلتزم الموظف بواجبات عديدة، تبدأ من تاريخ تسلمه العمل، بحيث إذا خرج عن هذه الواجبات أمكن مساءلته ومن صور هذا الخروج، الإهمال الواضح الذي يعتبر بمثابة تواني وتكاسل الموظف في الحفاظ على مصلحة الإدارة العامة، لدرجة يتعطل معها الانتفاع بالمال العام ،لدرجة قد يتسبب في ضياعه أو سرقته أو اختلاسه .

والإهمال من جوانب متعددة يمكن رصدها بسهولة في كل موقع، ولعل بيئة العمل هي أكثر البيئات التي يظهر فيها الإهمال جليا، خاصة الحكومية منها، ويمكن ملاحظة الجهة المقصرة من أول زيارة لها، حبْ تتعطل المصالح بسبب ضياع الأوراق أو غياب الموظفين، أو إهمال الموظفين لمكاتبهم، ويستفحل الأمر حين يصبح ذلك سمة مدير الإدارة نفسها، وحين يلجأ المواطن إليه ليشتكي فيجده أسوأ ممن يشتكي منه. 

وهذا الإهمال من الموظف العام يقع بأفعال متعددة إيجابية أو سلبية.

يتحقق الإهمال بالسلوك الايجابي عندما يمارس الموظف اختصاصه على  وجه يغفل فيه إتباع القواعد القانونية أو الفنية التي كان يتعين عليه الالتزام بها كي يؤدي عمله على الوجه الصحيح، بينما يتحقق الإهمال بالسلوك السلبي، بالامتناع عن ممارسة اختصاصه.

وكم تسبب الإهمال في سرقة أموال عمومية بسبب تراخي المسؤولين عنها بحراستها بالقدر اللازم من الحيطة والحذر والأمثلة على ذلك كثيرة ،نذكر منها ما تعرض له البنك الجزائري الخارجي وكالة المرادية بتاريخ 2012 / 04 / 30 من عملية سطو، طالت مبالغ مالية قيمتها مليار سنتيم بالعملة الوطنية  والأورو والدولار، كان بطلها عون أمن بالمؤسسة "أمنال" المسؤولة على توصيل الأموال إلى البنوك، الذي هرب إلى المغرب، حيث لا يزال في حالة فرار، في حين ألقي القبض على الأشخاص الذين قدموا له يد المساعدة، كما مثلت نائبة مدير البنك كمتهمة. وقد ركزت النيابة العامة خلال مرافعتها، على الإهمال الواضح في البنك، خاصة وأن المتهم تمكن من الولوج إلى غاية مكتب نائبة المدير، دون أي جهد، مما يعني أن المكتب كان مفتوحا، أو أنه في وقت سابق تحصل على مفتاح المكتب، وتمكن من استنساخه لتلتمس توقيع عقوبة 18 شهرا حبسا نافذا، على نائبة المدير بتهمة الإهمال الواضح. 

فلهذه الأسباب دأب المشرع على محاربة هذا النوع من الجرائم، كذلك بسنه للمادة 119 مكرر من قانون العقوبات التي نصت على أنه:  "يعاقب بالحبس من ستة أشهر أي ثلاث سنوات  وبغرامة من 500.00 دج أي 200.000دج كل موظف عمومي في مفهوم المادة 2 من القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 والمتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته تسبب بإهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو كوثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضاعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها."

وقد استمد المشرع الجزائري أحكام جريمة الإهمال الواضح من قانون العقوبات الفرنسي الجديد في مادته 432/ 16 كما يميز نص المادة 119 مكرر، هو أن المشرع الجزائري أعطاها وصفا جنحيا، مهما كان الضرر الحاصل، كما أنه وسع من محل الجريمة ليشمل المال الخاص. 

يمكن استخلاص أركان الجريمة من خلال نص المادة 119 مكرر ذاتها، وهي: صفة الجاني (أولا) ،الركن المادي (ثانيا)، الركن المعنوي(ثالثا).

أولا: الركن المفترض

ينظر إلى الركن المفترض في جريمة الإهمال الواضح من زاوية صفة الجاني الموضوعة تحت حراسته الأموال المحددة في المادة 119 مكرر، بحيث يشترط القانون أن تتوفر فيه صفة "موظف عمومي"عند وقوع فعل الإهمال الواضح الذي يلحق ضرار بتلك الأموال، سواء بسرقتها أو اختلاسها أو تلفها أو ضياعها، وأنه بخلو هذه الصفة من شروطها أو انتفائها سيترتب عنه حتما انتفاء الطابع الإجرامي عن الفعل بصيغة الإهمال الواضح.

والشيء الملاحظ هنا هو تعديل المشرع الجزائري للمادة 119 مكرر بها يتماشى مع قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، حيث كانت المادة 119 مكرر تشترط في الجاني أن يكون قاضيا أو ضابطا أو موظفا عموميا أو شخصا ممن أشارت إليهم المادة ( 119 الملغاة من قانون العقوبات وهؤلاء الأشخاص يتمثلون في الأشخاص الذين يمارسون نشاطهم في الهيئات العمومية والمؤسسات العمومية التي تخضع للقانون العام كالمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجا ري، والمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي، والثقافي والمهني،  والمؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي  والتكنولوجي.

ثانيا: الركن المادي

يقوم الركن المادي في الجريمة على سلوك مجرم يتصف بالإهمال الواضح، على محل جريمة يتمثل في مال عام أو خاص، كتكون نتيجته إحداث ضرر مادي مع توفر العلاقة السببية بين السلوك والضرر المحقق.

أ-السلوك المجرم (الإهمال الواضح)

إن الفعل الذي يصدر عن الموظف العمومي ومن حكمه في جريمة الإهمال الواضح يكيف على أساس فعل سلبي، كذلك لوجود الإحجام عن القيام بسلوك معين يوجبه القانون وهو المحافظة على الأموال العامة والخاصة ودرء الضرر عنها.

فالسلوك السلبي قد يكون في صورة اتخاذ موقف مغاير لما يتطلبه القانون أو في صورة امتناع كلي عن السلوك، وعليه فإن الجرائم التي يكون ركنها المادي على الدوام سلوكا سلبيا حتى وان كان لا يخلو دائما من حركة مثل جريمة الإهمال الواضح المنصوص عليها في المادة 119 مكرر، تعدٌ من جرائم الامتناع ذات النتيجة. 

ولا يكفي وجود الإهمال في حق الأشخاص المبينين في المادة أعلاه، بل يجب أن يكون إهمالا واضحا أم مبينا وجليا بحيث لا يختلف اثنان على تقدير وجوده بل يمكن إدراكه والوقوف عليه دونما تعقيد، وهنا ننبه أن المعيار المستعمل في ذلك هو معيار الرجل العادي في الظروف التي وجد فيها الجاني.  

ب- محل الجريمة

نص المشرع على طائفة من الأموال واعتبرها بمثابة محلل جريمة الإهمال الواضح وهي: 

- الأموال: ويقصد بها جميع النقود ورقية أو معدنية؛

- الأشياء التي تقوم مقام الأموال: كالشيكات بمختلف أنواعها والسفاتج...الخ؛

- الوثائق: جميع الوثائق ذات القيمة المالية كالمخالصات الإيجارية وحوالات الدفع؛

- السندات: يقصد بها جميع القيم المنقولة كالأرباح التي تعود للدولة بفائدة الأسهم، الالتزامات، القروض؛

- العقود: جميع العقود مهما كان شكلها رسمي أو عرفي بشرط أن تكون لها قيمة مالية معينة كعقد الرهن وعقد البيع...الخ؛

- الأموال المنقولة: جميع المواد والأشياء التي لها قيمة مالية كالمواد الأولية ، التجهيزات، الوسائل...الخ.

وبالرجوع أي المادة 119 مكرر من قانون العقوبات، اشترط المشرع أن تكون الأموال محل الجريمة في حيازة الجاني وأنها سلمت إليه بمقتضى الوظيفة أو بسببها، وأن الموظف ومن في حكمه يجب أن يكون مختصا بحيازة المال العام أو الخاص. 

كما يشترط أن يدخل المال في حوزة الموظف بصورة قانونية أي أنه لا يكفي اختصاصه بالحيازة وفقط وٕإنما أيضا، أن تكون هذه الحيازة والتسليم قد تم بطريقة مشروعة أي لابد من وجود نص قانوني يخوله ذلك، فأفراد الضبطية القضائية لا يجوز لهم حيازة الأشياء الموجودة في المنازل إلا بعد إذن بالتفتيش أو توفر حالات الاستعجال، فلابد من بيانها في المحضر.

في كل الأحوال يجب أن تتوافر صلة السببية بين حيازة الموظف للمال وبين وظيفته، وهذا ما حرص المجلس الأعلى للقضاء على التأكيد عليه في أحد قراراته الصادر بتاريخ 03.04.1948 الذي جاء فيه:  "لا تكفي معرفة صفة الجاني لتطبيق المادة 119 من قانون العقوبات، بل يجب أن يكون المال محل الجريمة موضوع تحت يد الموظف بمقتضى الوظيفة وبسببها.

ج- النتيجة

وهي إحداث ضرر مادي بمال الغير، ولكن ليس أي ضرر، فحسب المادة 119 مكرر بل لابد إن يتجسد الضرر في سرقة المال أو اختلاسه أو ضياعه أو تلفه.، فمن هنا فإن يحقق النتيجة (الضرر) يعدٌ شرطا لازما للعقاب عن الإهمال الواضح، لأن الغاية من العقاب في هذه الحالة هو لإعادة ضبط ما تم فقدانه نتيجة الإهمال، أم المساس بالثقة بالاقتصاد الوطني، فإن لم تتضرر الأموال العامة أو الخاصة، ولم تتزعزع الثقة الوظيفية فنرى أنه لا داعي للمساءلة الجزائية بل يكفي فقط المساءلة التأديبية. 

د- العلاقة السببية بين الإهمال والضرر

إن البحث في العلاقة السببية يفترض وجود العلاقة بين السلوك والنتيجة، فإذا تواجد السلوك ولم تتواجد النتيجة فلا مجال للبحث عن هذه الرابطة لأن هذه الأخيرة لا تقوم إلا بين السلوك والنتيجة (الضرر الحاصل) التي يعتد بها المشرع في التكوين القانوني للجريمة.

فإذا ما تعرض المال للسرقة أو الضياع أو الإتلاف أو الاختلاس لأسباب أخرى غير الإهمال، فلا تقوم الجريمة، والمشكلة التي تطرح عند دراسة العلاقة السببية في جريمة الإهمال هي في حالة تعدد الأسباب، أم أنه قد يجتمع إلى جانب الإهمال عوامل أخرى ساعدت على إيقاع الضرر بالمال، فأي سبب نأخذ به؟ .

أنه وبالرجوع إلى نص المادة 119 مكرر ع يتبين اشتراطها الصريح بأن يكون الإهمال الواضح هو السبب المباشر لا غير في حدوث الضرر بالمال العام أو الخاص، فبانتفاء هذا السبب تنتفي معه العلاقة السببية كمنه الجريمة.

ثالثا: الركن المعنوي 

جريمة الإهمال جريمة غير عمدية تقوم على الخطأ الذي يتوفر بمجرد حصول ضرر مادام بفعل إهمال الجاني فلا يشترط فيها توافر قصد جنائي ولا نية إضرار.

ويقوم الخطأ غير العمدي على إرادة الجاني نحو تحقيق النتيجة، معنى ذلك أنها تتحقق بالرغم عنه  ويستوي بعد ذلك أن يكون الجاني قد توقعها فعلا أو كان باستطاعته توقعها، كما أن الجاني يجب أن يكون له موقف نفسي مرتبط بهذه النتيجة يرجع أساسا للإهمال وعدم مراعاة الواجبات المفروضة عليه. 

فالخطأ غير العمدي في جريمة الإهمال الواضح يقوم عند عد متوقع الجاني النتيجة الضارة بالأموال  وكان بإمكانه توقعها لو كان أكثر انتباها ومبالاة، فالموظف العمومي يقوم في حقه قرينة ضرورة التوقع بأن إهمال القيام بالواجب المطلوب سيؤدي حتما أي الإضرار بالأموال المعهود إليها حراستها أو تسييرها  وإدارتها.

المرجع:

  1. د. امحمدي بوزينة آمنة، محاضرات في مقياس مكافحة الفساد، مقدمة لطلبة السنة الثالثة ليسانس، تخصص القانون العام، جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف، كلية الحقوق والعلوم السياسية القسم العام، السنة الدراسية 2019-2020، ص37 إلى ص157. 

google-playkhamsatmostaqltradent