المحل التجاري

المحل التجاري

المحل التجاري

إن فكرة المحل التجاري هي فكرة جديدة لم تظهر للوجود إلا في اواخر القرن التاسع عشر. قبل ذالك، لا تعترف القواعد العرفية للقانون التجاري التي كانت سائدة قبل ذالك الوقت بفكرة المحل التجاري كوحدة مستقلة عن التاجر المالك، وانما تعتبر العناصر المعنوية للمحل (السمعة، الشهرة، الاسم التجاري....) بأنها مملوكة للتاجر ومتصلة به.

ظهـرت أول إشـارة للمحـل التجـاري فـي القـانون الفرنسـي الصـادر بتـاريخ 28 فبرايـر 1872 والـذي فـرض ضـريبة الدمغـة علـى بيـع المحـل التجاري، ثـم صـدر قـانون آخـر فـي أول مـارس 1898 و الـذي أضـاف إلـى المـادة 2075 مـن التقنـين المـدني فقـرة جديـدة توجب قيد رهـن المحـل التجـاري فـي سـجل يحفـظ بقلـم المحكمـة التجاريـة التـي يقـع بـدائرتها المحـل التجـاري وإلا كـان الـرهن غيـر نافـذ فـي مواجهـة الغيـر، وأخيـرا صـدر قـانون 17 مـارس 1909 ليـنظم بيـع و رهـن المؤسسـات التجاريـة، وجـاء هـذا القـانون بمبـادرة البرلمـاني كوردلي (Cordelet).

كان لتطور التجارة وظهور قيمة العناصر المعنوية تأثيرا على تطور فكرة المحل التجاري فأصبحت مختلف التشريعات عبر العالم تفرد تنظيما خاصا للمحل التجاري منفصلا عن تلك القواعد العامة التي تخص التاجر والأعمال التجارية.

تعرض المشرع الجزائري الى موضوع المحل التجاري في الكتاب الثاني من القانون التجاري الصادر سنة 1975. خصص له حيزا مهما بين المواد من 78 الى 214. 

نتناول هذا الموضوع في ثلاثة مباحث، حيث ندرس في الأول مفهوم المحل التجاري وفي الثاني سنتعرض الى العمليات الواردة على المحل التجاري. يخصص المبحث الثالث الى دراسة الطرق القانونية المعتمدة لحماية المحل التجاري من المنافسة غير المشروعة.

المبحث الأول: مفهوم المحل التجاري

رغم احاطته بأهمية تشريعية وفقهية معتبرة منذ بداية القرن العشرين، إلا أن المحل التجاري لم يحظ بتعريف جامع. أغلب الآراء الفقهية تعرفه على أساس عناصره مبينة أن المعنوية منها هي الأكثر أهمية.

سنتعرض في المطلب الأول من هذا المبحث الى المقصود بالمحل التجاري قبل دراسة طبيعة المحل التجاري، والتي هي محل جدل فقهي متواصل (مبحث ثاني). بعد ذالك سندرس الخصائص المميزة للمحل التجاري (مبحث ثالث) قبل أن نسرد، بنوع من التفصيل، عناصر المحل المادية منها والمعنوية (مبحث رابع). 

المطلب الأول: المقصود بالمحل التجاري

اختلف الفقهاء في وضع تعريف دقيق للمحل التجاري، فذهب رأي إلى القول بأنّ المحل التجاري هو أداة المشرع التجاري، وهي تتألف من مجموع عناصر مادية ومعنوية مخصصة لممارسة مهنة تجارية تسمى بالمتجر أو المصنع"، وعرّفه اتجاه آخر على أنّه: "مجموع من أموال مادية أو معنوية تخصص لمزاولة أعمال تجارية".

إقتصر رأي آخر على القول بأنّ عنصر الاتصال بالعملاء كافي لتكوين المحل التجاري لأنه العنصر المشترك والأساسي في المتجر وذلك بغض النّظر عن النّشاط الممارس فيه. أما الرأي الراجح فهو رأي حديث وبموجبه: "المحل التجاري وحدة متكاملة تشمل مجموعة عناصر منقولة مادية ومعنوية يجمعها التاجر وينظمها ليستغلها في ممارسة نشاطه التجاري". 

أمّا المشرع الجزائري فأغفل تعريف المحل التجاري مكتفيا بذكر بعض عناصره في المادة 78 من القانون التجاري.

المطلب الثاني: طبيعة المحل التجاري 

لم يحض التكييف القانوني للمحل التجاري باتفاق فقهي وعلة الخلاف هي فيما يتميز به المحل التجاري من أحكام. هذا ما يفسر إنقسام الفقه في تكييف الطبيعة القانونية للمحل التجاري إلى ثلاث مذاهب:

الفرع الأول: نظرية الذمة المالية المستقلة أو المجموع القانوني

يعتبر أنصار هذه النظرية المحل التجاري ذمة مالية مستقلة عن ذمة التاجر و لها حقوق و إلتزامات متعلقة بالمتجر مستقلة عن بقية حقوق و التزامات التاجر. بمقتضى هذه النظرية لا يستطيع الدائن بدين شخصي للمدين ولا علاقة له بالمحل التجاري التنفيذ به على المحل ومن ثم ينفرد دائنوا المحل التجاري بالتنفيذ عليه دون مزاحمة الدائنين الآخرين للتاجر. هذا ما يجعل المحل التجاري وحدة قانونية مستقلة عن شخص التاجر لها حقوقها وعليها إلتزاماتها الناشئة عن الإستغلال التجاري والمستقلة عن بقية حقوق وإلتزامات التاجر.

الفرع الثاني: نظرية المجموع الواقعي

يرى أنصار هذه النظرية أن المحل التجاري ليس وحدة قانونية مستقلة بديونه وحقوقه وانما هو اتحاد عناصر فعلية أو واقعية، أي أن عدة عناصر اجتمعت لمباشرة استغلال تجاري دون أن يترتب على ذلك ذمة مالية مستقلة عن ذمة مالكه ولا وجود قانوني مستقل. بالتالي لا يترتب على التنازل عن المحل التجاري التنازل عن الحقوق والالتزامات الشخصية للتاجر والمتعلقة بالمحل التجاري ونشاطه التجاري إلا إذا اتفق على ذلك صراحة. يذكر أنصار هذا الرأي أنه اتحاد عناصر المتجر هو نتيجة حتمية لوجود مال منقول ذو طبيعة خاصة، مستقلة عن طبيعة العناصر المكونة له.

الفرع الثالث: نظرية الملكية المعنوية

تقوم هذه النظرية أساسا على ضرورة التفرقة بين المحل التجاري ومختلف العناصر المكونة له، تطبيقا للمبدأ القائل بأن المحل التجاري هو وحدة مستقلة عن العناصر التي تكونه، وأن حق التاجر على محله ليس إلا حق ملكية معنوية يرد على أشياء غير مادية مثله في ذلك مثل حقوق الملكية الصناعية والفنية ويختلف بالتالي عن حقه على كل عنصر من عناصر المحل التجاري. تمنح هذه النظرية للتاجر حق الانفراد في محله التجاري والاحتجاج به على الكافة، وحمايته من المنافسة غير المشروعة وتسمى هذه الملكية المعنوية بالملكية التجارية.

تعد هذه النظرية الأرجح بين كل النظريات و ذالك لنجاحها في إيجاد تفسير منطقي لطبيعة المحل التجاري.

المطلب الثالث: خصائص المحل التجاري 

من مجمل التعريفات الواردة سالفا، يمكننا أن نستخلص أنّ للمحل التجاري مميزات وخصائص وهي: أنه مال منقول (فرع أول)، أنه مال معنوي (فرع ثاني)، أنه ذو طبيعة تجارية (فرع ثالث)، أنه وحدة مستقلة عن العناصر المكونة له (فرع رابع).

الفرع الأول: أنه مال منقول

كونه مجرّد من وجود مادي ملموس فإن المحل التجاري لا يمكن إدراجه ضمن العقارات وبالتالي يدرج كمنقول تبعا لنص المادة 683 من القانون المدني والتي تنص على أنّ : "كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار وكل ما عداه ذلك من الّشيء فهو منقول".

تستخلص الطبيعة المنقولة للمحل التجاري أيضا من طبيعة العناصر المادية والمعنوية المكوّنة له والتي كلها منقولات كما سنتعرض إليه لاحقا.

الفرع الثاني: أنه مال معنوي

يعتبر المحل التجاري أيضا مالا معنويا لأنّ ليس له وجود مادي رغم أنّ بعض عناصره مادية مثل البضائع والآلات...إلخ، لكن كون المحل التجاري وحدة مستقلة عن العناصر المكوّنة له يجعله مالا معنويا وبالتالي لا تطبق عليه القواعد الخاصة بالمال المادي.

الفرع الثالث: أنه ذو طبيعة تجارية

لا يعتبر المحل التجاري كذلك إلاّ إذا وجد لغاية تجارية وإستغل في نشاط تجاري أو مخصص للقيام بالأعمال التجارية. يستبعد هذا المبدأ الصفة التجارية على المحلات ذات الاستغلال المدني مثل مكاتب المحامين، عيادات الطّب رغم توفرها على بعض عناصر المحل التجاري مثل الاتصال بالعملاء، المعدات، الأثاث...إلخ، لكن كون العمل القائم به في هذه المحلات ذو طابع مدني ولا يندرج ضمن الأعمال التجارية ينفي عليها أن تكون محلات تجارية.

الفرع الرابع: أنه وحدة مستقلة عن العناصر المكونة له

من أهم خصائص المحل التجاري أنّه يشكل وحدة مستقلة عن العناصر المكونة له، هذا ما يجعل التصرفات القانونية التي تقع على المحل تستقل وقد تختلف عن تلك التي تقع على أحد عناصره، فبيع أحد عناصر المحل أو تأجيرها لا يؤثر على المحلّ كله ككيان مشترك.

المطلب الرابع: عناصر المحل التجاري

إضافة إلى الأمثلة المذكورة في نص المادة 78 من القانون التجاري، يحتوي المحل التجاري على عناصر أخرى مادية كانت (فرع أول) أو معنوية (فرع ثاني).

الفرع الأول: العناصر المادية للمحل التجاري ونذكر منها:

أولا: المعدات والآلات

يقصد بها تلك المنقولات المادية التي تستعمل للاستغلال التجاري دون أن تكون معروضة للبيع، وانّما وجودها راجع إلى ضرورة استعمالها في النّشاط التجاري مثل الآلات التي تستعمل في الصناعة، أدوات الكيل أو الميزان، المكاتب والأثاث، الأجهزة الإلكترونية...

ثانيا: البضائع

ويقصد بها المنقولات المعدة للبيع سواء كاملة الصّنع أو نصف مصنعة أو مادة أولية، والبضائع تكون عنصرا أساسيا في المحل التجاري عندما يكون نشاط المحل مركزا في البيع، سواء البيع بالجملة أو بالتجزئة.

ثالثا: العقار

اختلف الفقه حول مسألة إعتبار العقار الممارس عليه النشاط التجاري ضمن عناصر المحل التجاري، وينصب الرأي الراجح إلى إستبعاد العقار من عناصر المحل لأنّ من خصائص المحل التجاري أنّه مجموعة أموال منقولة، لكن المحل الذي ينصب نشاطه على شراء العقارات من أجل بيعها يستوجب إدخال العقارات محل التصرف التجاري ضمن العناصر المادية المكونة للمحل التجاري.

الفرع الثاني: العناصر المعنوية للمحل التجاري

لم يحدد الفقه تحديدا حصريا للعناصر المعنوية للمحل التجاري لكن بعض العناصر تذكر عند العديد من الفقهاء وحتى في مختلف التشريعات التجارية عبر العالم. نذكر من بين هذه العناصر ما يلي:

أولا: الاتصال بالعملاء

ويقصد به الاتصال بمجموعة من الأشخاص الذين اعتادوا على زيارة المحل التجاري المعني، ويتطلب تحقيق قيمة معتبرة للمحل التجاري جهدا كبيرا من طرف التاجر قصد بعث الثّقة في نفوس المتعاملين معهم.

ان الاتصال بالعملاء لا يعتبر حقا، ولكن فائدة تنتج عن الروابط المحتملة التي تنشأ بين التاجر و زبائنه، و له في ذالك قيمة اقتصادية و وزنا كبيرين تراعى في تقدير قيمة المحل التجاري. ان مفهوم الاتصال بالعملاء مفهوم صعب التحديد، بسبب تغييره وقابليته للتجديد المستمر ويبقى دائما عنصرا افتراضيا. 

ثانيا: السمعة (الشهرة) التجارية

ألزم المشرع وجود هذا العنصر ضمن عناصر المحل التجاري وذلك بنصه في المادة 78 من القانون التجاري على "... ويشمل المحل التجاري إلزاميا عملائه وشهرته"، ويقصد بالشّهرة التجارية درجة قدرة المحل على جذب العملاء إمّا بسبب موقعه الحسن، حسن عرضه للمنتوجات أو لصفات خاصة بالتاجر أو لنوعية الخدمات ونظافة المحل... إلخ.

ثالثا: الإسم التجاري

وهو الإسم الذي يستخدمه التاجر قصد تمييز محله عن المحلات المشابهة وقد يكون هذا الاسم مطابقا للاسم المدني للتاجر مثل: شركة حمود بوعلام التي تأخذ إسم مؤسسها، أو إسما مبتكرا مثل La Paix، نسر الجنوب، Tifra Lait، Tazidhant...الخ. يحظى الاسم التجاري بحماية قانونية متى إعترف به من طرف الجهات المختصة وأي تقليد لهذا الاسم يعد تصرفا مغشوشا ومنافسة غير مشروعة ويجدر الذكر أنه يحق التصرف في الاسم التجاري بصفة مستقلة عن المحل التجاري ككل.

رابعا: العلامات أو النماذج الصناعية (Les Logos)

ويقصد بها الرسومات أو المجسمات المستخدمة لتمييز منتج مصنوع أو منجز ما عن غيرها من السلع المماثلة ويمكن الذّكر في هذا المقام المجسم على شكل أسد الذي يميز سيارات Peugeot أو على شكل معين المميز لسيارات  Renault...إلخ.  

خامسا: الحق في الإيجار

إن المقصود بالحق في الإيجار حق التاجر في تجديد إيجاره بعد انقضاء العقد أو الحصول على تعويض عادل ومنصف في حالة تضرره جراء عدم التجديد (تعويض الاستحقاق). وهذا الحق له أهمية بالغة في الحالة التي يكون فيها التاجر مستأجرا للمحل الذي يزاول فيه تجارته.

سادسا: حقوق الملكية الصناعية والملكية الأدبية

يقصد بالملكية الصناعية للمحل التجاري الحقوق التي ترد على الرسومات أو النماذج الصناعية والعلامات التجارية المميزة للمحل التجاري، أما حقوق الملكية الأدبية والفنية فهي حقوق دار النشر على عمل المؤلفين الذين تتعامل معهم سواء في الميدان العلمي، الأدبي أو الفني وتخضع حماية هذه الحقوق إلى نظام قانوني خاص.

سابعا: الاختراعات والابتكارات

وهو كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء كان متعلقا بمنتجات صناعية جديدة أو يتعلق بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أو بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة. يسمى هذا الحق الذي يمارسه صاحبه بالحق في براءة الإختراع.

ثامنا: الرخص والإجازات 

يقصد بالرخصة صدور قبول من هيئة إدارية معينة قصد ممارسة نشاط تجاري معين مثل الرّخص المطلوبة لفتح نوع من المصانع أو المتاجر التي قد تضّر بالبيئة مثل محطات غسل و تشحيم السيارات (Station lavage et graissage)، محلات بيع غاز البوتان (dépôt de gaz)، محطات البنزين pompes à essence...إلخ ويمكن التنازل عن هذه الرّخص عند بيع المحل التجاري باستثناء إذا كانت هذه الرّخص شخصية. أمّا الإجازات (Licenes) فهي تلك الوثائق المطلوبة قبل فتح متجر معين مثل: إجازة الطاكسي، إجازة المقاهي... والحصول عليها أو كرائها عادة من المجاهدين و ذوي الحقوق.

المبحث الثاني: العمليات الواردة على المحل التجاري 

إن العديد من العمليات التجارية يمكن ان تنصب على المحل التجاري. هذه العمليات افرد لها المشرع الجزائري تنظيما خاصا بها. يمكن أن نذكر من بين هذه العمليات بيع المحل التجاري (مطلب أول)، رهن المحل التجاري وايجار التسيير الحر للمحل التجاري (مطلب ثاني) و رهن المحل التجاري (مطلب ثالث).

المطلب الأول: بيع المحل التجاري

نظم المشرع الجزائري بيع المحل التجاري بموجب المواد من 79 الى 117 من القانون التجاري. كونه أهم عناصر المحل التجاري، يؤثر عنصر الاتصال بالعملاء تأثيرا مهما في تحديد ثمن التنازل عن المحل. 

الفرع الأول: الشروط الشكلية لبيع المحل التجاري

إضافة الى الشروط الموضوعية العامة المشترطة عند ابرام كل العقود (الأهلية ،الرضا، المحل و السبب) فان استيفاء ركن الشكلية ضروري لاستكمال إجراءات بيع المحل، وهذا ما أكدته المادة 79 من القانون التجاري.

أولا: الكتابة كشرط جوهري لانعقاد بيع المحل التجاري

باعتبار عقد بيع المحل التجاري من التصرفات القانونية الناقلة للملكية و بالنظر للاهمية الاقتصادية التي يتمتع بها المحل في عصرنا الراهن ،فان المشرع خصه بحماية قانونية وإشترط إفراغه في قالب شكلي.

إتباعا لذالك فان عقد بيع المحل التجاري يجب كتابته في عقد رسمي و إلا كان باطلا، وهذا ما تطرقت اليه الفقرة الاولى من المادة 79 من القانون التجاري و التي تنص بأنه: "كل بيع اختياري أو وعد بالبيع وبصفة أعم كل تنازل عن محل تجاري ولو كان معلقا على شرط أو صادرا بموجب عقد من نوع آخر أو كان يقضي بانتقال المحل التجاري بالقسمة أو المزايدة أو بطريق المساهمة به في رأس مال شركة يجب إثباته بعقد رسمي و إلا كان باطلا".

هذه المادة القانونية أكدت ما ذهبت اليه المادة 324 مكرر1 من القانون المدني والتي نصت :"زيادة عن العقود التي يأمر القانون  باخضاعها الى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان ،تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار او حقوق عقارية او محلات تجارية او صناعية او كل عنصر من عناصرها، عن اسهم من شركة او حصص فيها، او عقود ايجار زراعية او تجارية او مؤسسات صناعية في شكل رسمي، و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد".

إضافة الى هذين النصين، لعب القضاء دوار مهما في حسم الخلاف القائم بين مختلف الأراء حول الشكلية التي فرضها القانون على بيع المحل التجاري وهل هي ضرورية لاثبات بيع المحل التجاري ام لانعقاده، حيث أصدرت المحكمة العليا قرارا بتاريخ 18 فيفري 1997 والذي وضع حدا للتناقض الذي كان قائما بين مختلف الغرف (المدنية، التجارية و البحرية)، و أكد على أن الشكلية ضرورية لانعقاد بيع المحل التجاري اذ تعد ركنا فيه و تخلفها يؤدي الى بطلان العقد بطلانا مطلقا. اعتبرت المحكمة العليا العقد العرفي المتضمن بيع المحل التجاري باطلا بطلانا مطلقا لكونه يخضع لإجراءات قانونية تخص النظام العام و لا يمكن للقاضي أن يصححها بالحكم على الأطراف بالتوجه أمام الموثق لتصحيح الوضع.

أكثر من ذلك يتعين على قضاة الموضوع في حالة رفع دعوى رامية الى صحة عقد عرفي يثبت بيع محل تجاري أو عقار أن يقضوا ببطلان هذا العقد و الأمر بإرجاع الاطراف الى الحالة التي كانوا عليها قبل ابرامه وفقا لأحكام المادة 103 من القانون المدني.

تشترط الفقرة الثانية من المادة 79 من القانون التجاري ذكر العديد من البيانات المتعلقة بالمحل في عقد البيع وهي:

- إسم البائع السابق وتاريخ سنده الخاص بالشراء ونوعه وقيمة الشراء بالنسبة للعناصر المعنوية والبضائع والمعدات،

- قائمة الامتيازات والرهون المترتبة على المحل التجاري،

- رقم الأعمال التي حققها في كل سنة من سنوات الاستغلال الثلاث الأخيرة أو من تاريخ شرائه إذا لم يقم بالاستغلال مند أكثر من ثلاث سنوات،

- الأرباح التي حصل عليها في نفس المدة،

- وعند الاقتضاء الإيجار وتاريخه ومدته وإسم وعنوان المؤجر والمحيل.

والجدير بالذكر فان الشكلية مطلوبة أيضا في عقد ايجار المحل التجاري وهذا طبقا لنص المادة 187 مكرر من القانون التجاري والتي تنص فقرتها الأولى: "تحرر عقود الإيجار المبرمة ابتداء من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، في الشكل الرسمي، وذلك تحت طائلة البطلان، وتبرم لمدة يحددها الأطراف بكل حرية".

ثانيا: القيد والشهر كشرطان اخران لاستكمال بيع المحل التجاري

إضافة الى الكتابة، أوجب المشرع الجزائري قيد وشهر عقد بيع المحل التجاري وهذا نظرا لأهمية هذا التصرف القانوني. اشترط المشرع نشر ملخص العقد أو اعلانه في النشرة الرسمية للاعلانات القانونية بالإضافة الى قيام المشتري بإعلانه في جريدة مختصة بالإعلانات القانونية في الدائرة أو الولاية التي يستغل فيها المحل. أما فيما يتعلق بالمحلات التجارية المتنقلة فإن مكان إلإستغلال هو المكان الذي يكون البائع مسجلا فيه بالسجل التجاري وهذا بموجب المادة 83/1 من القانون التجاري.

طبقا للفقرة الثانية من المادة 83 فإنه يجب ان يكون الملخص أو الاعلان مسبوقا بتسجيل عقد بيع المحل التجاري أو التحويل في قانون التسجيل، وذلك في حالة عدم وجود عقد وإلا كان باطلا. يجب ان يشتمل الملخص على تواريخ ومقادير التحصيل، اسم كل من المالك الجديد والمالك القديم و لقبه و عنوانه و نوع المحل التجاري ومركزه والثمن المشروط ،بما فيه التكاليف او التقديرات المستعملة كقاعدة لاستيفاء حقوق التسجيل.

ان اشهار عقد البيع يهدف أيضا الى حماية حقوق دائني البائع الذين يحق لهم استيفاء ديونهم من ثمن هذه العملية. 

الفرع الثاني: التزامات الاطراف

ينجر عن بيع المحل التجاري العديد من الالتزامات التي تقع على الاطراف و التي نتطرق اليها في ما يلي:

أولا: التزامات البائع

تقع على البائع العديد من الالتزامات تستخلص من القواعد العامة المتعلقة بعقد البيع والمنصوص عليها في القانون المدني وسنستعرضها فيما يأتي.

1 - الالتزام بالتسليم

يعد التسليم من أهم التزامات البائع حتى يتمكن المشتري من حيازة المحل والانتفاع به كما يلتزم البائع بالمحافظة على المحل الى غاية تحقق التسليم عملا بأحكام المادة 364 من القانون المدني و التي تنص: "يلتزم البائع بتسليم الشيء المبيع للمشتري في الحالة التي كان عليها وقت البيع".

2- ضمان الاستحقاق

يقصد به التزام البائع عتى تعويض المشتري في حالة ما اذا كان هذا الأخير محلا للتعرض من طرف الغير الذي يطالبه مثلا بامتلاك المحل كليا او جزئيا أو امتلاك أحد عناصر المحل هذا الالتزام يأخذ أساسه القانوني من المادة 371 من القانون المدني والتي تقضي: "يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في إلانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري. ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حق ذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه".

3- ضمان العيوب الخفية

يضمن البائع العيوب الخفية في المحل التجاري طبقا للمادة 379 من القانون المدني والتي تنص: "يكون البائع ملزما للضمان إذا لم يشتمل المبيع على الصفات التي تعهد بوجودها وقت التسليم إلى المشتري أو إذا كان بالمبيع عيب ينقص من قيمته، أو من الانتفاع به بحسب الغاية المقصودة منه حسبما هو مذكور بعقد البيع، أو حسبما يظهر من طبيعته أو استعماله. فيكون البائع ضامنا لهذه العيوب ولو لم يكن عالما بوجودها.

غير أن البائع لا يكون ضامنا للعيوب التي كان المشتري على علم بها وقت البيع، أو كان في استطاعته أن يطلع عليها لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي ،إلا إذا اثبت المشتري أن البائع أكد له خلو المبيع من تلك العيوب أو أنه أخفاها غشا عنه".

نستنتج من هذا النص أن العيوب التي يضمنها البائع يجب أن تكون خفية، غير معلومة من طرف المشتري، أن تكون موجودة في المبيع وقت البيع أو وقت التسليم و يجب أيضا أن تكون مؤثرة في المبيع و منقصة من قيمته.

4- ضمان عدم التعرض الشخصي

إذا كان من واجب البائع أن يضمن عدم التعرض من الغير فانه ملزم هو نفسه بعدم التعرض للبائع. بالتالي فهو ممنوع من القيام بكل أعمال تتعرض للمشتري مثل فتح تجارة مماثلة بقصد منافسة المشتري. كثيرا ما يكون عقد البيع متضمنا لشرط عدم فتح البائع لمتجر مماثل في نطاق محدد ولمدة زمنية محددة. لكن لا يجب أن يكون هذا المنع عاما ومطلقا و شاملا لكل أنواع التجارة لأن في ذالك مساسا بحرية التجارة والصناعة.

ثانيا: التزامات المشتري

تقع على مشتري المحل التجاري عدة التزامات وهي الالتزام بالتسلم (أولا)، الالتزام بدفع الثمن (ثانيا) و الالتزام بدفع نفقات العقد (ثالثا).

1- الالتزام بالتسلم

يلتزم المشتري بتسلم المحل في الأجل المتفق عليه في العقد وإن لم يحدد العقد ذالك فيتسلمه حسب العرف التجاري المعمول به في هذا الشأن فإذا لم يوجد حكم عرفي فتوجب على المشتري تسلم المحل مباشرة بعد ابرام العقد وفي كل الاحوال يتحمل مصاريف التسلم ،كما تقضي به المادة 395 من القانون المدني: "أن نفقات تسلم المبيع تكون على المشتري ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي بغير ذلك".

إذا امتنع المشتري عن تنفيذ هذا الالتزام يكون البائع مخيرا باتخاذ أحد الاجرائين سواء التنفيذ العيني أو فسخ العقد وفي كلتا الحالتين يحق له المطالبة بالتعويض عما تكبده من خسائر. 

2- الالتزام بدفع الثمن

من التزامات المشتري دفع الثمن في الزمان والمكان المتفق عليهما في عقد البيع ويحدد العقد كيفية دفع الثمن وهل يكون ذالك دفعة واحدة أو بالتقسيط.

3 -الالتزام بدفع نفقات العقد

يقع على عاتق المشتري تحمل نفقات العقد من نفقات التسجيل والطابع وهي رسوم الدمغة و رسوم الاعلان العقاري طبقا للمادة 393 من القانون المدني: "أن نفقات التسجيل، والطابع ورسوم الاعلان العقاري، والتوثيق وغيرها تكون على المشتري ما لم تكن هناك نصوص قانونية تقضي بغير ذلك".                                                          

المطلب الثاني: ايجار التسيير الحر للمحل التجاري

بالإضافة الى التنازل عن ملكية المحل، يمكن أن يكون المحل التجاري في صلب عملية أخرى ألا وهي ايجار التسيير الحر. تتمثل هذه العملية في عقد يسمح بموجبه مالك المحل لشخص اخر يسمى "مستأجر المحل التجاري" باستغلال المحل استغلالا حرا وتحمل كل ما ينجر عن مخاطر و أضرار و كل ذالك مقابل دفع مبلغ نقدي يسمى "الإتاوة" أو "ثمن ايجار التسيير الحر".

سنتعرض في الفرع الأول الى أهمية اللجوء الى عقود التسيير الحر للمحل التجاري قبل أن نتطرق الى الطبيعة القانونية لهذا النوع من العقود (فرع ثاني) والتي تستوجب استيفاء العديد من الشروط لصحتها (فرع ثالث) وتنتج العديد من الاثار سواء على طرفي العقد أو على الغير (فرع رابع). 

الفرع الأول: أهمية اللجوء الى التسيير الحر للمحل التجاري

إن هذا النوع من العقود يعود بالفائدة على الطرفين. فبنسبة لمالك المحل هذه العملية تسمح له بالحصول على ايرادات مالية في شكل بدل ايجار مع بقائه محتفظا بملكية المحل الذي أصبح لا ينوي استغلاله بنفسه أو لم يعد قادرا على الاستغلال.

هذه العملية بوسعها أيضا أن تشكل عملا تحضيريا للتنازل عن المحل التجاري. هذه العملية تعد أيضا حلا بين أيدي مالك المحل التجاري اذ تعذر عليه مزاولة نشاطه التجاري بنفسه أو لا يتمتع بالخبرة اللازمة لممارسة النشاط أو تحولت ملكية المحل الى قاصر عن طريق الميراث، أو الى شخص يمتهن نشاطا يتعارض مع التجارة. ففي كل هذه الحالات، وحفاظا منه على حماية مختلف عناصر محله، خاصة تلك المتعلقة باسمه التجاري وشهرته التجارية من جهة، والاحتفاظ بعملائه الذين اكتسبهم من خلال مدة ممارسته للتجارة من جهة أخرى، منحه المشرع إمكانية تأجير تسيير محله للغير.

أما بالنسبة لمستأجر التسيير الحر فان هذا العقد يسمح له بتسيير واستغلال بكل حرية محلا تجاريا دون شرائه في الحين أو حتى شراء بعض عناصره التي قد تكون غالية الثمن مثل الابتكارات، الرخص... هذه العملية تسمح أيضا للمستأجر أن يتمعن قيمة هذا المحل التجاري إذ هو أراد شرائه في المستقبل.

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية لعقد ايجار التسيير الحر

إن عقد ايجار التسيير الحر هو ذالك العقد الذي بموجبه يستأجر شخصا محلا تجاريا لأجل مزاولة نشاطا تجاريا لحسابه الخاص، يتحمل كل أعباء تجارته، في حين أن المؤجر لا يكون ملزما بتعهدات المستأجر. يتميز هذا العقد عن عقد الايجار البسيط في الحرية التي يتمتع بها المستأجر في نشاطه التجاري دون أدنى اشراف او رقابة عليه من مالك المحل، ولذلك سمي بعقد الادارة الحرة.

تشير المادة 203 من القانون التجاري على أنه يكون للمستأجر المسير صفة التاجر أو الحرفي إذا كان الأمر يتعلق بمؤسسة ذات طابع حرفي وهو يخضع لكل الالتزامات التي تنجم عن ذلك. كما يجب عليه أن يمتثل حسب الأحوال لأحكام القواعد المتعلقة بالسجل التجاري.

يحرر عقد ايجار التسيير الحر للمحل التجاري في شكل رسمي وينشر خلال خمسة عشر يوما من تاريخه على شكل مستخرج أو إعلام في النشرة الرسمية للإعلانات القانونية وفضلا عن ذلك في جريدة مختصة بالإعلانات القانونية.

يتعين على المؤجر، عملا بنص الفقرة الاخيرة من المادة 203 من القانون التجاري، إما تسجيل نفسه في السجل التجاري أو تعديل تقيده الخاص مع البيان صراحة بتأجير التسيير. وينتهي تأجير التسيير بنفس الإجراءات التي تم بها النشر.

الفرع الثالث: الشروط المطلوبة لصحة عقد ايجار التسيير

لصحة عقد ايجار التسيير يجب توافر العديد من الشروط. تتعلق هذه الشروط سواء بالمؤجر، بالمستأجر أو بالعين المؤجرة. 

أولا: الشروط المطلوبة في المؤجر

تعرضت لها المادة 205 من القانون التجاري وهي كالآتي:

- أن يكون قد اكتسب صفة التاجر لمدة خمس سنوات على الاقل،

- أو أن يكون قد مارس عمل مسير أو مدير تجاري أو تقني لنفس المدة (خمس سنوات)، وهو شرط خاص بالأشخاص الطبيعيين.

لكن مدة الخمس سنوات يمكن أن تلغى أو تخفض، وذلك بموجب أمر من رئيس المحكمة بناء على طلب من المعني بالأمر، وبعد الاستماع الى النيابة العامة، وخاصة اذا اثبت هذا الاخير بأنه يتعذر عليه أن يستغل متجره شخصيا أو بواسطة منذوبين عنه.

عندما يكون مؤجر المحل هو الدولة أو أحد فروعها (الولايات والبلديات) أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات المالية فإن المدة المشار اليها في المادة 205 لا تسري. نفس الشيء عندما يكون المؤجر هو أحد الاشخاص المحجور عليهم أو الأشخاص الذين يعين لهم وصي قضائي، و ذلك فيما يتعلق بالمحل التجاري الذي كانوا يملكونه قبل فقدانهم للأهلية، كما لا تسري نفس المدة على الورثة والموصى لهم من تاجر أو من حرفي متوفي.

ثانيا: الشروط الخاصة بالمستأجر المسير

إن هذه الشروط يمكن استخلاصها من نص المادة 204 من القانون التجاري، والتي تبين أنه يجب على المستأجر المسير أن يكون اهلا لممارسة الأعمال التجارية المنوط بها للمحل. يشترط عليه أيضا ان يقيد نفسه في السجل التجاري، كما يتعين عليه أيضا أن يشير في عناوين جميع الأوراق الموقعة من طرفه أو باسمه، رقم تسجيله في السجل التجاري ومقر المحكمة التي سجل لديها وصفته كمستأجر مسير للمحل التجاري. يجب عليه كذألك أن يبين اسم ،صفة، عنوان و رقم التسجيل التجاري لمؤجر المحل التجاري.

ثالثا: الشروط المتعلقة بالعين المؤجرة

وهي أن بكون موضوع الايجار يتمثل في محلا تجاريا تتوفر فيه العناصر المادية والمعنوية وفق ما نصت عليه المادة 78 من القانون التجار ي. كما يشترط أيضا أن يكون المؤجر مكتسبا لحق الايجار.

الفرع الرابع: اثار عقد ايجار التسيير الحر

يرتب عقد ايجار التسيير الحر العديد من الاثار سواء على طرفي العقد (المؤجر والمستأجر) أو على الغير.       

أولا: الاثار المترتبة على طرفي العقد

إن إنعقاد ايجار التسيير الحر يرتب العديد من النتائج و الاثار على طرفي العقد (مؤجر المحل التجاري و مستأجره) سنستعرضها فيما يلي.

1- الاثار المترتبة على مؤجر المحل التجاري

طبقا لأحكام المادة 208 من القانون التجاري فانه يجوز للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المحل، أن تحكم حين تأجير التسيير بأن ديون المؤجر المتعلقة باستغلاله حالة الاداء فورا اذا رأت أن ايجار التسيير يعرض للخطر تحصيل الديون. يجب أن ترفع الدعوى خلال الأشهر الثلاثة الموالية لنشر عقد التسيير الحر وإلا كانت باطلة.

كما نصت المادة 209 من القانون التجاري على أن مؤجر المحل التجاري مسؤولا بالتضامن مع المستأجر المسير عن الديون التي يعقدها هذا الأخير بمناسبة إستغلال المتجر وذالك لغاية نشر عقد تأجير التسيير وطيلة مدة ستة أشهر من تاريخ النشر.

2- الاثار المترتبة على مستأجر المحل التجاري

من أهم الاثار المترتبة على مستأجر المحل التجاري إكتسابه صفة التاجر اذا لم يكن متمتعا بهذه الصفة سابقا، ويخضع بالتالي لكافة الأحكام المتعلقة بالتجار (يلتزم بالقيد في السجل التجاري، مسك الدفاتر التجارية، ويشهر افلاسه متى توقف عن دفع ديونه التجارية).

يلتزم المستأجر بالإستمرار في مواصلة إستثمار وإستغلال المحل موضوع عقد الايجار وفقا للنشاط المخصص لأجله، للمحافظة على العنصرين الرئيسين للمحل التجاري ألا وهما الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية. إضافة إلى ذالك، يتعين على المستأجر إستغلال كافة عناصر المحل التي إتفق عليها في عقد الايجار. يقع على المستأجر إلتزام المحافظة على المحل والعناصر المكونة له كما تسلمها.

يلتزم المستأجر بالوفاء بالأجرة وهو من الالتزامات الجوهرية لعقد الايجار ويجب على المستأجر أن يقوم بالوفاء بها في الميعاد المتفق عليه.

يلتزم مستأجر المحل التجاري بعدم تأجير الاستغلال للغير دون موافقة المؤجر ولذلك ينص في أغلب الاحيان في عقود ايجار المحلات التجارية للاستغلال على حظر التأجير من الباطن. فاذا خالف المستأجر هذا الحظر كان للمؤجر الحق في فسخ عقد الايجار مع مطالبة المستأجر بالتعويض عن الأضرار التي تلحقه من هذا الايجار من الباطن.

ثانيا: الاثار المترتبة على الغير

بالإضافة للآثار التي تترتب على طرفي العقد، ينتج عقد تأجير التسيير الحر العديد من الاثار على الغير. 

1- الاثار على دائني المؤجر

إن ايجار المحل للإستغلال قد يؤثر على دائني المؤجر الذين من الممكن أن يخافوا على ضمانهم وهو أساس التعامل مع المؤجر، كما يمكن ان تتزعزع ثقتهم مع المؤجر خوفا من الاضرار بحقوقهم. لهذا الغرض، وحماية لدائني المؤجر، اجاز المشرع صراحة في المادة 208 من القانون التجاري لدائني المؤجر أن يطلبوا من المحكمة اسقاط اجل الديون واعتبارها مستحقة الأداء فوار، اذا أرت في تأجير التسيير تعريضا لتحصيل الديون للخطر. يجب أن ترفع الدعوى خلال مهلة ثلاثة اشهر ابتداء من تاريخ نشر عقد التسيير في النشرة الرسمية للاعلانات القانونية، تحت طائلة سقوط الحق فيها.

2- الاثار بالنسبة لدائني المستأجر المسير

تنص المادة 209 من القانون التجاري على أن "مؤجر المحل التجاري مسؤولا بالتضامن مع المستأجر المسير للمتجر عن الديون التي يعقدها هذا الأخير بمناسبة إستغلال المتجر، وذلك لغاية نشر عقد تأجير التسيير وطيلة مدة  6 أشهر من تاريخ النشر". 

إن أساس هذه المسؤولية هو فكرة المظهر التي يحل محل الحقيقة ويقوم مقامها حماية للغير الذي انخدع به، ذلك أنه قبل شهر العقد يحق للغير أن يعتقد بأن المالك مستمر في استثمار محله التجاري، وأن المستأجر ليس إلا وكيلا عنه. لا يصح زوال هذا الاعتقاد الا بعد شهر العقد، ومن ثم يكون المستأجر مسؤولا لوحده عن الديون المنعقدة بعد الشهر.

يجب الأداء فوار كل ديون المستأجر المسير والتي قام بعقدها طيلة مدة التسيير والخاصة باستغلال المحل التجاري أو المؤسسة الحرفية.

المطلب الثالث: رهن المحل التجاري

بتنظيمه لرهن المحل التجاري أراد المشرع الجزائري السماح للتجار باستعمال المحل كضمان لتسديد ديونهم مع المواصلة في استغلاله إستغلالا عاديا. إن رهن المحل التجاري لا يعطي للدائن المرتهن الحق في إستعمال أو إستغلال الحق المرهون إلا إذا حلت اجال الدين دون التسديد. يخضع هذا الضمان العيني لقواعد خاصة سواء فيما يتعلق بإنشائه أو فيما يتعلق بآثاره.

الفرع الأول: شروط الرهن الحيازي للمحل التجاري

إضافة للشروط الموضوعية اللازمة لانعقاد العقد بوجه عام (الرضا، المحل والسبب)، وسلامة الرضا من كل العيوب) مثل الغلط، التدليس، الاكراه او الاستغلال)، أضاف المشرع شروطا خاصة لهذا النوع من العقود وهي شروط متعلقة بالمدين الراهن والمتجر محل الرهن.

أولا: تبيان العناصر التي يرد عليها الرهن

يجب أن يظهر عقد الرهن عناصر المحل التي يشملها الرهن مع العلم أن ذالك لا يمكن أن يقع إلا على العناصر التي حددتها المادة 119 من القانون التجاري ألا وهي: عنوان المحل، الاسم التجاري، الحق في الإيجار، الزبائن، الشهرة التجارية ،الأثاث التجاري ،المعدات ، الآلات التي تستعمل في إستغلال المحل، براءات الاختراع، الرخص، علامات الصنع أو التجارة، الرسوم والنماذج الصناعية وعلى وجه العموم حقوق الملكية الصناعية والأدبية أو التقنية المرتبطة به. تبين هذه المادة وبصفة صريحة أن البضائع لا يمكن ان يشملها الرهن.

نستنتج من دراسة هذه المادة ما يلي:

- أنه في حالة سكوت العقد عن تبيان العناصر التي يشملها الرهن ،فانه لا يرد إلا على العناصر المعنوية للمحل التجاري وهي العنوان و الاسم التجاري والحق في الايجار والزبائن والشهرة التجارية، التي هي عناصر جوهرية يستلزم ان  يشملها العقد الرهن.

- أنه توجد عناصر يجب أن تكون محلا لشرط صريح في العقد حتى تدخل في نطاق الرهن وهي المعدات والالات التي تستعمل في إستغلال المحل وبراءات الاختراع والرخص، العلامات التجارية ، الرسوم و النماذج الصناعية وعلى العموم كل حقوق الملكية الصناعية والأدبية المتعلقة بالمحل التجاري.

ثانيا: الشروط المتعلقة بالمدين الراهن

اضافة الى الشرط البديهي أنه لإنشاء عقد رهن لمحل تجاري يجب أولا التأكد من وجود دين، يشترط في راهن المحل التجاري أن يكون مالكا للمحل أو لأحد عناصره، بحيث لا يستطيع أن يكون راهنا له اذا كان مستأجر للمحل. اذا كنت ملكية المحل مشتركة فان الرهن لا ينعقد إلا باتفاق كافة الشركاء. كما يجب أن يكون الراهن للمحل متمتعا بالأهلية القانونية التي تمكنه من القيام بمختلف التصرفات القانونية.

يجب أن يثبت الرهن الحيازي في عقد رسمي وإلا كان باطلا، حسب المادة 120 من القانون التجاري ويجب أن يظهر العقد عناصر المحل التي يشملها الرهن. تضيف نفس المادة أن العقد يجب أن يشهر في السجل الخاص المفتوح لدى المركز الوطني للسجل التجاري في غضون الثلاثين (30) يوما الموالية لاكتتاب الرهن وإلا كان العقد باطلا ولا يجوز التمسك به أمام الغير.

الفرع الثاني: اثار رهن المحل التجاري

رغم أن رهن المحل التجاري لا يمنح للدائن المرتهن الحق في طلب استعمال المحل المرهون لكن ذالك لا يمنع من تمتعه بالعديد من الحقوق. يتمتع من جهة بحق التتبع وحق الأفضلية ومن جهة أخرى من الحق في اتخاذ اجراءات للحفاظ على المحل والتصدي لبعض التصرفات التي قد يقوم بها المدين والتي قد تضر بقيمة المحل. 

أولا: حق الافضلية وحق التتبع

يسمح حق الأفضلية للدائن المرتهن أن يتحصل على ديونه من ثمن بيع المحل التجاري وذالك بأفضلية على الدائنين الاخرين. هذا ما يمنح للدائن المرتهن أن يحجز على المحل قصد إسترداد مبلغ دينه يستعمل حق الافضلية بالخصوص عند مباشرة اجراءات الافلاس والتسوية القضائية ضد المدين. في هذا الصدد رغم كونه دائن سابق يجد الدائن المرتهن نفسه في مركز متأخر بالمقارنة مع الدائنين المفضلين مثل مستخدمي المدين والخزينة العمومية.

إن حق التتبع الممنوح للدائن المرتهن يسمح لهذا الأخير في الحجز على المحل المرهون وبيعه قضائيا حتى وإن إنتقلت ملكيته إلى شخص اخر بموجب عقد بيع أو عقد هبة. لكن هذه الحالة نادرة الوقوع لأن اجراءات تسجيل نقل ملكية المحل التجاري تقتضي تسوية كل الديون العالقة على المحل قبل ترسيم نقل الملكية.

ثانيا: حماية حقوق الدائن المرتهن

قصد حماية حقوق الدائن المرتهن يجب إخطار هذا الأخير بكل العمليات التي قد تؤثر على ثمن المحل المرهون. يحق للدائن المرتهن الإعتراض على عملية إذا رأى بانها تضر بمصالحه.

في حالة نقل المحل التجاري تصبح الديون المقيدة مستحقة الأداء بحكم القانون إذا لم يقم مالك المحل التجاري بإبلاغ الدائنين المقيدين في المحل المختار خلال خمسة عشر يوما من قبل وعن طريق غير قضائي، عن رغبته في نقل المحل التجاري وعن المركز الجديد الذي يريد أن يقيمه فيه. يجب على البائع أو الدائن المرتهن في خلال ثلاثين يوما التالية لعلمه بالنقل أن يشير بهامش القيد على المركز الجديد الذي انتقل إليه المحل التجاري. كما يجب، في حالة النقل إلى دائرة إختصاص محكمة أخرى، على نقل قيده الأول في تاريخه الأصلي بسجل المحكمة التي نقل إليها وبيان مركزه الجديد.

إذا أقام البائع دعوى بفسخ عقد إيجار المحل الذي يستغل فيه محل تجاري مثقل بقيود مرسمة، وجب عليه إبلاغ الدائنين السابقين المقيدين سابقا بطلب الفسخ وذلك في المحل المختار والمعين في قيد كل منهم، ولا يجوز أن يصدر الحكم قبل شهر من تاريخ هذا التبليغ. ولا يصبح فسخ الإيجار بالتراضي نهائيا إلا بعد شهر من تاريخ التبليغ الحاصل للدائنين المقيدين في المحل المختار لكل منهم. وفي هذه المدة يجوز لكل دائن مقيد أن يطلب بيع المحل التجاري بالمزاد العلني على حسب الأوضاع المقررة بالمادة 127 من القانون المدني.

يحق لكل دائن يباشر إجراء حجز تنفيذي وللمدين المعرض لهذا الإجراء، أن يطلب من المحكمة التي يقع بدائرتها المحل التجاري، بيع المحل المحجوز عليه مع المعدات والبضائع التابعة له، وتقرر المحكمة بطلب من الدائن القائم بالملاحقة أنه في حالة عدم قيام المدين بالدفع في المهلة المحددة يقع بيع المحل التجاري بناء على طلب الدائن وذلك بعد إتمام الإجراءات المقررة في المادة 127. يجري مثل ذلك، بالنسبة للدعوى المرفوعة من المدين، فيما إذا طلب الدائن متابعة بيع المحل التجاري، واذا لم يطالب الدائن ذلك، تحدد المحكمة المهلة التي يجب أن يتم فيها البيع بناء على طلب المدين حسب الأوضاع المقررة في المادة 127، وتأمر بأنه إذا لم يباشر المدين البيع في المهلة المذكورة يستأنف السير بإجراءات الحجز التنفيذي وتتابع ابتداء من آخر إجراء وقفت عنده.

المبحث الثالث: حماية المحل التجاري من المنافسة الممنوعة ومن المنافسة الغير مشروعة

إن أهمية المحل التجاري في الحقل الاقتصادي جعلته يحظى بحماية متينة من طرف المشرع التجاري. تتجلى هذه الحماية في منع المنافسة في بعض الحالات سواء كان المنع قانونيا أو إتفاقيا (مطلب أول) و تأطيرها تأطيرا صارما لتفادي المنافسة الغير مشروعة في حالات أخرى (مطلب ثاني).

المطلب الأول: حماية المحل التجاري من المنافسة الممنوعة

هناك حالات تمنع فيها كلية المنافسة التجارية ويكون أساس ذالك سواء نص تشريعي (فرع أول) أو إتفاق الطرفين على منع المنافسة (فرع ثاني).  

الفرع الأول: المنافسة الممنوعة بنص القانون

يشترط المشرع في المنتسبين إلى بعض المهن كالصيدلة الحصول على مؤهلات عملية معينة وبالتالي فإذا قام شخص بمباشرة هذه الاعمال دون الحصول على الدرجة العملية المطلوبة لذلك فإن عمله أعتبر من قبيل المنافسة الممنوعة.

قد تتدخل الدولة بقوانين تمنع المنافسة في مجال معين وتحتكره هي كالإتجار بالأسلحة والذخيرة، النقل بالسكك الحديدية...الخ.

الفرع الثاني: المنافسة الممنوعة بإتفاق الطرفين

يمكن أن تمنع المنافسة بموجب إتفاق بين طرفين أو مجموعة من الأطراف. من صور المنافسة الممنوعة باتفاق الطرفين ما يأتي:

1ـ إلتزام مؤجر العقار بعدم منافسة المستأجر: يحدث هذا في حالة ما إذا اشترط المستأجر على المؤجر الامتناع عن تأجير جزء من العقار، الذي يحوي العين المؤجرة، للغير لممارسة نشاط مماثل للنشاط الذي يمارسه.

2ـ الإتفاق بعدم المنافسة ناشئا عن عقد بيع المحل التجاري ذاته: وذالك بالتزام بائع المحل التجاري بعدم إنشاء تجارة مماثلة. هذا الإلتزام يقع على عاتق البائع دون حاجة إلى النص عليه في عقد البيع.

3ـ الإتفاقات بين المنتجين والتجار: وذالك باتفاق الطرفين على أن يشتري التاجر السلع التي ينتجها المصنع دون غيره من المصانع التي تنتج نفس السلعة أو ألا يبيع المصنع لغير التاجر حتى يتفادى هذا الأخير منافسة غيره من التجار. هذا النوع من الاتفاقيات كثيرة الانعقاد في الوقت الراهن تحنت تسمية الحصرية (l’exclusivité)، وهذا بالتعهد على التعامل مع متعامل معين دون غيره من المتنافسين، مثل تعهد محل للمواد الكهرومنزلية على عدم التعامل إلا مع علامة Condor، أو اتفاق محل لبيع الهواتف على التعامل فقط مع منتجات OPPO ...

4ـ إلتزام العامل بعدم منافسة رب العمل : قد يتضمن عقد العمل بين العامل و رب العمل إلتزاما على الأول بعدم منافسة رب العمل بإنشاء تجارة مماثلة بينهما وهو ما يطلق عليه بند عدم المنافسة.

5ـ حالة الإتفاق بين المتعاملين على تنظيم إنتاج السلع من حيث كميتها وتحديد أسعارها لتحديد النشاط الذي يقوم به كل مصنع وعدم تجاوزه بقصد تنظيم المنافسة بين المنتجين. تكون مثل هذه الاتفاقيات صحيحة في حدود الفرض الذي تنظمه أمّا إذا قصد من ورائها أو ترتب عليها خلق احتكارات حقيقية أو إرتفاع كبير في أسعار بيع هذه السلع فهذه الاتفاقيات تكون باطلة لمخالفتها النظام العام.

المطلب الثاني: حماية المحل التجاري من المنافسة الغير مشروعة

إن تكريس المنافسة الحرة وتجسيد ضمان حرية التجارة والاستثمار يتطلب وضع اطار قانوني لدحر الممارسات المنافية لهذه المبادئ. لهذا الغرض وضعت مختلف التشريعات العالمية اطارا قانونيا للحد من المنافسة الغير مشروعة.

سنتعرض في الفرع الأول إلى تعريف المنافسة الغير مشروعة والأساس القانوني الذي تستند عليه قبل ان نتطرق إلى صور المنافسة الغير مشروعة (فرع ثاني) ثم إلى شروط قيام دعوى المنافسة الغير مشروعة (فرع ثالث) و إلى أطراف هذه الدعوى التي تتمخض إلى دفع تعويض للمتضرر(فرع رابع).

الفرع الأول: تعريف المنافسة الغير مشروعة وأساسها القانوني

تختلف التعريفات المعطاة لمصطلح المنافسة الغير مشروعة، حيث يعرفها الفقيه الفرنسي ألارت Allart  بأنها: "كلّ تصرف أو وسيلة مستعملة لتحقيق غرض معين وهو اغتصاب العملاء من منشأة صناعية أو محل تجاري" كما هناك من يعرفها على أساس الوسيلة المستعملة والتي تفتقر إلى المبادئ والسلوك الشريف الذي ينبغي أن يكون هدفًا في الحياة التجارية، وهذا ما ذهب اليه جوسروند Josserand الذي يعرف المنافسة غير المشروعة بأنها: "أعمال المنافسة غير المشروعة هي التي يستهجنها الضمير الاجتماعي والتي لا يتسامح عنها الصالح العام ولا يتجاوز عنها بشكل أو بآخر بل يضعها تحت صورة تامة من صور المسؤولية".

إلى جانب هذين التعريفين يمكن أن نذكر أيضا التعريف الذي رصدته لجنة تنظيم التجارة بفرنسا للمنافسة غير المشروعة والتي تشتمل حسب هذه اللجنة: "كل عمل يقع من تاجر سيء النية ويكون من شأنه صرف عملاء تاجر آخر عنه، أو محاولة صرفهم عنه، أو الإضرار بمصالح التاجر المنافس، أو محاولة الإضرار بها بوسائل مخالفة للقوانين والعادات أو بوسائل تتنافى وشرف المهنة".

في كل الأحوال ،لا يمكن أن نكون أمام حالة منافسة غير مشروعة إلا بين شخصين يمارسان نشاطا مماثلا أو على الأقل متشابهين وتقدير ذلك متروك للقضاء. لا يكفي وجود المنافسة لأن تترتب المسؤولية بل يجب أن يتلاقى مع خطأ. بتعبير اخر، لا تكون هناك منافسة غير مشروعة إلا اذا ارتكزت هذه المنافسة على خطأ إنجر عنه ضررا للضحية.

إن الأساس القانوني للمنافسة الغير مشروعة نجده في المادة 124 من القانون المدني والتي تقضي بأنّ "كل عمل أيا كان يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه للتعويض". 

الفرع الثاني: صور المنافسة الغير مشروعة

تعد كل ممارسة تهدف إلى المساس بحقوق ومصالح تاجر منافس وتضر به من بين الممارسات الغير مشروعة ويحق للمتضرر منها رفع دعوى التعويض. صور المنافسة الغير مشروعة عديدة ومتعددة يمكن أن نذكر منها ما يلي:

- الإعتداء على سمعة تاجر منافس ونشر ادعاءات كاذبة عنه: وهذا بسرد معلومات غير صحيحة أو إشاعات كاذبة عنه كبيعه لسلع فاسدة أو مقلدة contrefaçon، افلاسه أو عزمه على تصفية متجره أو بيعه أو نقله. كل هذا قصد صرف العملاء عن هذا المتجر.

- تقليد الإسم التجاري أو الاعتداء عنه: كإتخاذ المحل المنافس إسما تجاريا مشابها أو مماثلا لإسم محل آخر أو إعتدائه على التسمية لمحل آخر.

- الإعتداء على العلامة التجارية أو النماذج الصناعية: وهذا بالتعرض للعلامة التجارية التي يتخذ منها المتجر شارة لتمييز منتجاته أو بضائعه logo وذالك بتقليدها أو تزويرها. 

- التقليد والاعتداء على التصاميم وبراءات الاختراع: تحظى هذه العناصر بحماية قانونية خاصة من قبل المشرع. هذا الأخير سن، في 2003، تشريعين يتعلق الأول ببراءات الاختراع و يهدف إلى تحديد شروط حماية الاختراعات، كما يحدد وسائل هذه الحماية و آثارها أما الثاني يتعلق بحماية التصاميم الشكلية للدوائر المتكاملة ويهدف إلى تحديد القواعد المتعلقة بحماية التصاميم الشكلية للدوائر المتكاملة. 

- وضع بيانات تجارية كاذبة أو مغشوشة: يعد من أعمال المنافسة غير المشروعة وضع بيانات تجارية مغايرة للحقيقة بقصد منافسة الخصم وإيهام الجمهور بتوافر شروط معينة في البضائع المتنافس عليها كإذاعته أمور مغايرة للحقيقة خاصة بمنشأ بضاعته أو أوصافها أو كون المنتوج حائزا على إعتراف أو شهادة دولية... كل هذا بقصد إنتزاع عملاء تاجر منافس.

- تقليد طرق الإعلان والترويج: و ذالك بتقليد طريقة الطبع أو طرق الإعلان أو البيع بتقليد الالوان أو الكلمات و الشعارات المستعملة... فمثلا في قطاع الهاتف النقال في الجزائر تتميز الألوان المستعملة في الاعلانات بين المتعاملين الثلاث فجيزي و أوريدو يستعملان اللون الأحمر في حين موبيليس يستعمل الاخضر. التقليد في طرق الإعلان يؤثر لا محالة في إستمالة الزبائن.

- التأثير على عمال المنافس وتحريضهم مثلا على ترك العمل أو تشجيعهم على الإضراب أو إغرائهم للعمل لديه حتى يجذب العملاء، وقد يعمد المنافس إلى إغراء مستخدمي متجر منافس بالمال للوقوف على الأسرار المهنية خاصة تلك المتعلقة بصناعة معينة أو تركيب معين للمواد.

- تخفيض أسعار البيع بطريقة غير قانونية: ولا يعد ذالك من قبيل المنافسة الغير مشروعة إلا إذا إستمر لمدة طويلة مدعوما بحملات إعلانية موضحا بها الأسعار التي يعتمدها المنافسون.  فهنا يتضح أن المقصود هو تحطيم تجارة الغير بطريقة غير مشروعة. يعد أيضا منافسة غير مشروعة البيع بأقل من السعر المتفق عليه بين التجار، خاصة عندما يكونون منضويين تحت لواء جمعية أو اتحاد مهني مثل ناقلي المسافرين ...

الفرع الثالث: شروط قيام دعوى المنافسة الغير مشروعة

كما هو معمول به في القواعد العامة لقيام المسؤولية فانه يشترط في قيام دعوى المنافسة الغير مشروعة توافر عناصر الخطأ، الضرر والعلاقة السببية وهو ما سنفصله فيما يأتي.

- توافر عنصر الخطأ و ذالك بوقوع عمل ينطبق عليه وصف المنافسة غير المشروعة، ويحدث ذلك عندما يقوم الفاعل والمضرور بنشاط مماثل أو متشابه ويقوم المنافس بتحويل العملاء عن المحل الذي يستهدفه وجلبهم الى محله.

- أن يحدث هذا الفعل ضررا للمنافس: بما أن المنافسة غير المشروعة تقوم على أساس المسؤولية التقصيرية إذن لابد من توافر ركن الضرر لقيام المسؤولية. لا يشترط وقوع الضرر فعلا لقيام الدعوى بل يكفي أن يكون محتمل الوقوع ذلك لأن غرض الدعوى لا يتمثل في حصول المضرور عن التعويض بل حماية المحل من المنافسة غير المشروعة بالنسبة للمستقبل. صحيح أن الضرر الموجب للتعويض هو الضرر المحقق أي الذي وقع فعلا أو سيقع حتما أمّا الضرر الاحتمالي فلا يوجب التعويض عنه إلاّ إذا وقع فعلا.

- وجود العلاقة السببية: أي الربط بين الفعل الغير مشروع المكون للمنافسة غير المشروعة، والضرر الواقع المؤدي الى التعويض.

الفرع الرابع: أطراف دعوى المنافسة الغير مشروعة والحكم بالتعويض

يحق للمتضرر من أعمال المنافسة الغير مشروعة رفع دعوى ضد مرتكب العمل المنافس وكل من إشترك معه قصد الحصول على تعويض عن الأضرار التي تكبدها.

نشير في هذا الصدد أنه يمكن رفع الدعوى حتى على الشخص المعنوي، الذي يتحمل  تبعات قيام المسؤولية المدنية ضده و يؤديها من ماله و يتحمل الشخص المعنوي، بطريقة غير مباشرة، كل الأعمال التي تصدر عن ممثليه على أساس مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه. غير أنه يمكن مسائلة الشخص المعنوي ذاته وينسب الخطأ إليه مباشرة، وذالك في حالة قيام شركة تجارية بأعمال منافسة غير مشروعة، بناء على قرار صادر من إحدى هيئاتها كمجلس الإدارة أو جمعية المساهمين...

من جهة المدعي، لا يحق رفع الدعوى إلا من طرف المضرور أو نائبه.

يحكم في دعوى المسؤولية بالتعويض النقدي لكل من أصابه الضرر وتحكم المحكمة بالتعويض عن الضرر الفعلي فقط الذي لحق المتضرر.  يقدر القاضي مبلغ التعويض تبعا للظروف والضرر الناجم عن الفعل الغير مشروع ويشمل التعويض ما لحق الضحية من خسارة وما فاتها من كسب طبقا للمادة 182 ق م ج.

المرجع:

  1. د. مصاد رفيق، محاضرات في مقياس القانون التجاري، موجهة لطلبة السنة الثانية ليسانس حقوق، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة- ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/2020، ص56 إلى ص91. 
google-playkhamsatmostaqltradent