محل الحق

محل الحق

محل الحق

محل الحق أو موضوع الحق يقصد به كل ما ينصب عليه الحق من أشياء مادية عقارات مثل المنازل والأراضي أو المنقولات، كالسيارات والآلات المختلفة أو عمل ما سواءا كان القيام به أو الامتناع عنه، أو قد يكون شيء معنوي كما هو الحال في الحق الذهني، إذن فمحل الحق قد يكون عملا كما هو الحال بخصوص الحق الشخصي، وقد يكون شيئا ماديا كما هو الحال بخصوص الحق العيني. 

وهو القيمة التي تثبت للشخص صاحب الحق والتي بسبب ثبوتها يكون له ممارسة السلطات التي يخولها كل حق، ومحل الحق بهذا المعنى إما أن يكون شيئا وفي هذه الحالة يجب تحديد طبيعة الشيء، أو عملا فيجب أن يكون وفق الشروط التي تفرضها النظم القانونية السارية المفعول، فإذا كان عينيا فمحله شيئا ماديا، واذا كان الحق شخصيا فمحله عمل يقوم به المدين، لذلك فالحديث عن محل الحق يقتضي الحديث عن الأشياء والأعمال.

وعليه فمحل الحق هو ما يرد عليه الاستئثار، ويختلف محل الحق باختلاف الأشياء التي يرد عليها، وهذا ما تناولته في المطلب الأول، وقد يكون الحق شخصيا يتجسد في صورة القيام بعمل معين أو امتناع عن عمل وهو ما تم معالجته في المطلب الثاني.

المطلب الأول: الأشياء كمحل للحق  

للأشياء تقسيمات عديدة فهي تختلف عن بعضها البعض باختلاف طبيعة الأشياء، فالأشياء الثابتة هي كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه، لا يتحرك ويشغل حيزا معينا كالأراضي والسكنات والمحلات والمصانع  والتي لها خاصية الاستقرار بمكانها وتسمى بالعقارات، أما الأشياء المنقولة فهي كل شيء يمكن نقله من مكان إلى آخر دون تلف، وتسمى منقولات بطبيعتها لأنها قابلة للتحرك دون تلف، مثال ذلك الطائرات  والسيارات ومختلف الآلات المستعملة في الحياة اليومية. 

وعليه تناولت الأشياء الثابتة والمنقولة في الفرع الأول، ثم تطرقت للأشياء المثلية والقيمية في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الأشياء الثابتة والمنقولة

الأشياء الثابتة تأخذ دائما وصف العقار فإذا ما آلت إلى منقول أصبحت تسمى منقولا بمعنى الأشياء الثابتة وحتى تظل تحت هذا الوصف يجب بقائها على حالها مثل: المنزل يسمى عقار ثابت ولكن بعد هدمه يسمى منقول، وعليه تناولت الأشياء الثابتة أولا، والمنقولة ثانيا.  

أولا- الأشياء الثابتة:

يقصد بالشيء كل مالا يعد شخصا مما يكون له كيان ذاتي منفصل عن الإنسان ماديا أو معنويا، ومحل الحق لا يشترط فيه دائما أن يرد على ذو قيمة مالية، وبالمقابل نجد شيئا واحدا يرد عليه أكثر من حق كأن يتعلق الأمر بملكية عقار، وحق الملكية ينتج عنه حقوق أخرى فرعية كحق الانتفاع وحق الرهن وحق الارتفاق، وتقسم الأشياء إلى أشياء قابلة للتعامل وأشياء غير قابلة للتعامل، وهذا ما حددته نص المادة 682/ 1 من القانون المدني "كل شيء غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصلح أن يكون محلا للحقوق المالية" ومن خلال هذا النص يتبن أن كل الأشياء قابلة للتعامل إلا ما ستثني بحكم طبيعته أو بنص قانوني. 

1- الأشياء الخارجة عن التعامل بطبيعتها:

الأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي التي لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها ويدخل تحت هذا المعنى مثلا: مياه البحر والأنهار وأشعة الشمس والرياح، فهذه الأشياء لا يستأثر بحيازتها لأن طبيعتها لا تقبل الحيازة المنفردة، أما إذا استأثر شخص بجزء قليل منها فيصح ذلك ويكون قابلا للتعامل فيه، كمن يستعمل الهواء المضغوط ويبيعه في معدات مخصصة لذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 682/ 2 من القانون المدني.

2- الأشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون:

هي الأشياء التي لا يجيز القانون أن تكون محلا للحقوق المالية وهي الأموال العامة مهما كانت طبيعتها و أموال الوقف بحث لا تسقط بالتقادم وتكتسب كذلك، حيث نصت المادة 689 من القانون المدني على انه "لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم غير أن القوانين التي تخصص هذه الأموال لإحدى المؤسسات المشار غليها في المادة 688، تحدد شروط إدارتها، وعند الاقتضاء شروط عدم التصرف فيها".  

ثانيا- الأشياء المنقولة:

الأشياء المنقولة هي التي يمكن نقلها من مكانها دون تلف كالسفن والطائرات وغيرها من الأشياء، بحيث نصت المادة 683 من القانون المدني "كل شيء مستقر في حيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار، وماعدا ذلك من شيئ فهو منقول." ومن خلال هذا نستنتج نوعين من المنقولات وهي:

1- المنقول بطبيعته:

هو كل شيء مستقر ويمكن نقله دون تلف، أي الأشياء القابلة للحركة والنقل من مكان إلى آخر بحكم طبيعتها، ولا تتأثر بهذا النقل سواء كان النقل ذاتيا أو بقوة أجنبية، مثل المواد الخشبية والحديدة المعدة للاستعمال المنزلي والتجاري والصناعي، كما يعد أيضا من المنقولات الأشياء المعنوية كالاختراعات والعلامات التجارية.

2- المنقول بحسب المآل:

أحيانا يعامل القانون العقار بطبيعته معاملة المنقول، إذًا من المتوقع أن يصير العقار منقولا ولذا سمي العقار في هذه الحالة منقولا بحسب المآل، فالقانون يفرض أن الشيء منقولا مع أنه عقار طبيعته، فالمنقولات بحسب المآل هي العقارات بطبيعتها ولكن تفقد صفتها كعقار بمجرد انفصالها عن الأرض، أو المنازل إذا بيعت بقصد هدمها فإن البيع يعتبر وارداً على منقول بحسب المآل، وتأخذ حكم المنقول اعتبارا لمآلها القريب.

الفرع الثاني: الأشياء المثلية والقيمية

الأشياء المثلية هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، أما الأشياء القيمية فهي التي تقدر عادة في التعامل بالعدد أو المقاس، وعلى هذا الأساس تم تقسيم الأشياء من حيث تعيينها إلى مثلية وقيمية، وعليه تناولت الأشياء المثلية أولا، والأشياء القيمية ثانيا. 

أولا- الأشياء المثلية:

الأشياء المثلية ويقصد بها الأشياء التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء، بمعنى أن المال المثلي هو ما يوجد له مثل ونظير في السوق وقت حلول الأجل من غير تفاوت في أجزائه أو وحداته يعتد به في التعامل، ولا يكون سببا في نشوء نزاع بين المتعاقدين، وقد حددتها المادة 686 من القانون المدني "الأشياء المثلية هي التي يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء والتي تقدر عادة بين الناس بالعدد أو الكيل أو الوزن".

ومن خلال هذا النص نستنتج أن الأشياء المثلية هي التي يوجد لها نظير وتقدر عادة بين الناس بالعدد كالخردوات أو المقياس كالأقمشة أو الكيل كالحبوب والموزونات، فإذا التزم الشخص بتسليم عدد معين من الحديد المخصص للبناء عن طريق الإعارة إلى أجل معين ،فإنه يستطيع أن يوفي به عند حلول الأجل لأنه موجود في الأسواق.

ثانيا- الأشياء القيمية:

الأشياء القيمية يقصد بها الأشياء الغير متشابهة أو المعينة بالذات، فهي التي تتفاوت تفاوتا كبيرا فيما بينها يعتد به عند التعامل فيها، ولذا لا يقوم بعضها مقام بعض عند الوفاء لعدم وجود مثل لها من جنسه في السوق كمنزل معين أو أرض معينة أو حيوان معين، فهذه الأشياء تتعين بذاتها عن طريق تعيين مواصفاتها تعيينا دقيقا نافيا للجهالة كسيارة معينة بلونها وسنة بداية سيرها عدد مقاعدها وعلامة مصنعها مثلا، أو منزل معين بكل الأوصاف من حيث الطوابق وعدد الغرف والمساحة الإجمالية، فإذا التزم شخص بتسليم منزل معين فإن الوفاء لا يصح عن طريق تسليم منزل آخر حتى ولو كان مشابها تماما للمنزل المتفق عليه.

الفرع الثالث: الأشياء القابلة وغير القابلة للاستهلاك

تقسم الأشياء بحسب الأثر الذي يحدثه الاستعمال فيها، إلى أشياء قابلة للاستهلاك أولا ،وأشياء غير قابلة للاستهلاك ثانيا.

أولا- الأشياء القابلة للاستهلاك:

ويقصد بها الأشياء التي ينحصر استعمالها بحسب ما أعدت له في استهلاكها أو إنفاقها والتي لا ينتفع بها إلا باستهلاكها وهي التي لا تحتمل سوى استعمال مرة واحدة فقط، ولا ينفق بها إلا بهذا الاستهلاك ويكون استهلاك هذه الأشياء على صورتين.

الاستهلاك المادي: ويكون بالقضاء على مادة الشيء كالأكل بالنسبة للطعام والحرق بالنسبة للمواد التي أعدت للحرق أي فناء الشيء تماما.    

الاستهلاك القانوني: أما الاستهلاك القانوني للأشياء فيكون بالتصرف فيها كإنفاق النقود وبيع البضائع المعروضة في المحلات والمتاجر، فيعد هذا النوع من الاستهلاك استهلاكا قانونيا لا ماديا، أي حصول المستهلك على المنفعة مقابل هذا النوع من الاستهلاك.   

ثانيا- الأشياء غير القابلة للاستهلاك:

وهي التي لا تستهلك بأول استعمال لها بل تبقى قابلة للاستعمال مرات عديدة دون أن تستهلك، وان كانت قيمتها أو متانتها تنقصان من جراء هذا الاستعمال كالأرض والمنازل والسيارات وغيره ،ويمكن الإشارة إلا أن بعض الأشياء القابلة وغير القابلة للاستهلاك لا ترجع دائما إلى طبيعة الشيء، بل قد ترجع أحيانا إلى إرادة الشخص نفسه في جعله قابل أو غير قابل، كمن يملك أشياء فإذا عرضها للبيع أصبحت قابلة للاستهلاك، واذا احتفظ بها للاستعمال الشخصي أصبحت غير قابلة للاستهلاك.  

المطب الثاني: الأعمال كمحل للحق

يعد العمل محلا للحق الشخصي أي حقوق الدائنية وقد يأخذ صورة إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ما، قد تكون الأعمال إما إيجابية أو سلبية وذلك بحسب اعتبارها محلا أو موضوعا للحقوق الشخصية ،فيجب أن تكون هذه الأعمال ممكنة ومعينة أو قابلة للتعيين ومشروعة، ويجب أن نميز بين الحق ومحله، ومضمون الحق هو سلطات صاحب الحق والأعمال التي تخولها له هذه السلطات وهذا يختلف باختلاف الحقوق.

الحق الشخصي هو الاستئثار الذي يقره القانون لشخص من الأشخاص ويكون له بمقتضاه أداء معين، وهو أي نشاط يبذله الشخص سواء جسميا أو عقليا، ويعد العمل محلا للحق في الحقوق الشخصية عامة بخلاف الحق العيني الذي يرد على الأشياء، والعمل محل الحق الشخصي قد يكون إيجابيا كالتزام المقاول بالبناء أو الالتزام المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، وقد يكون الالتزام سلبيا كتعهد تاجر لتاجر آخر بعدم بيع نوع معينا من السلع خشية المنافسة أو الامتناع عن عمل معين.

وعليه تطرقت إلى الالتزام بالقيام أو الامتناع عن العمل في الفرع الأول، ثم تناولت شروط العمل كمحل للحق في الفرع الثاني.

الفرع الأول: الالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل

سبقت الإشارة إلى أن محل الحق قد يكون شيئا وقد يكون عملا، وفي الحالة الأخيرة تكون هناك علاقة دائنية بين شخصين يلتزم أحدهما أو كلاهما اتجاه الآخر بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وقد يكون العمل محلا للحق، في هذه الحالة تكون هناك علاقة دائنية بين شخصين يلتزم أحدهما، أو كلاهما اتجاه الآخر بالقيام بعمل أو الامتناع، كما أن الأعمال هي وقائع تحدث بفعل الإنسان وتدخل إرادته في حدوثها،  وتنقسم إلى أعمال مادية وأعمال قانونية.

وعليه وفي إطار هذا المطلب تطرقت إلى تعريف العمل في الفرع الأول، ثم تناولت التزام المدين بالقيام بعمل في الفرع الثاني، وفي الأخير التزام المدين بالامتناع عن عمل وهذا في الفرع الثالث. 

أولا- تعريف العمل:

العمل هو ذلك النشاط الذي يقوم به الفرد من أجل تلبية رغباته، سواء كان هذا العمل ذهني فكري أو نشاط عضلي، وقد يقوم به الفرد نتيجة التزامه تجاه الغير بالقيام بعمل أو الامتناع عنه فيكون هذا العمل وفاء للتزامه، وعليه نتطرق في هذا الفرع إلى تعريف العمل لغة واصطلاحا أولا، ثم نتناول الأعمال المادية ثانيا، والأعمال القانونية ثالثا.   

1- لغة واصطلاحا

نتطرق إلى التعريف اللغوي للعمل أولا، ثم التعريف الاصطلاحي ثانيا.

أ‌- العمل لغة:

يعرف العمل من الناحية اللغوية بأنه "الحركة، الجهد، فعل حرفة، وظيفة وهو نتاج حركة جميع الكائنات الحية" أي الجهد الموجه نحو إنجاز هدف معين. 

ب‌- العمل اصطلاحا:

أما اصطلاحا "هو كل جهد فكري أو عضلي يبذله الفرد للحصول على مقابل بغية تلبية رغباته واحتياجاته وهو وسيلة تساعد على إدماج الفرد داخل المجتمع وتكوين شخصيته".

فمن خلال التعريف اللغوي والاصطلاحي نستنتج أن العمل هو بذل جهد ذهني أو عضلي، كما انه نشاط اجتماعي يربطه بالمجتمع لتحقيق غاية ما. 

ثانيا- أنواع الأعمال:

تنقسم الأعمال إلى أعمال مادية وأخر قانونية، سنبينه فيما يأتي: 

1- الأعمال المادية:

الأعمال المادية هي تلك التي يأتيها الإنسان دون قصد ترتيب أثار قانونية عليها ومع ذلك فقد يقصد من إتيان هذه الأعمال ترتيب أثار قانونية عليها، ومثال ذلك إذا صدم شخص بسيارته شخص آخر فهذه الواقعة مادية أو هذا العمل مادي غير مقصود يرتب عليه القانون تعويض الضرر لا ينشأ عن إرادته،  وانما ينشأ عن واقعة العمل الذي حدث وتعويض الشخص المصاب، أما الأعمال التي يأتيها الشخص قصد أثارها القانونية، بأن يقوم بوضع يده على شيء غير مملوك له ومملوك لغيره، فهو يقصد بهذا العمل المادي أن يترتب عليه أثره القانوني وهو تملكه لهذا المال بوضع اليد إذا توفرت شروطه القانونية، وبذلك يرتب القانون مثل هذا الأثر على الفعل المادي المقصود الآثار القانونية.  

2- الأعمال القانونية:

العمل القانوني هو تصرف قانوني، وقد يكون العمل القانوني عبارة عن اتجاه إرادة واحدة نحو ترتيب أثر قانوني معين وهي الأعمال القانونية التي تتجه فيها الإرادة إلى إحداث أثر قانوني، كإنشاء حق شخصي أو عيني أو إنهائه، فالإرادة المنفردة تتمثل في الوصية أو الوعد بالجائزة مثلا، وهي إرادة من طرف واحد دون تدخل إرادة الطرف الآخر وهو المستفيد من هذا الأثر القانوني، والتصرفات القانونية تكون ثنائية كعقد الإيجار مثلا، فالمؤجر في عقد الإيجار تتجه إرادته نحو تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، وكذلك فإن المستأجر تتجه إرادته إلى الوفاء بالأجرة في ميعادها للمؤجر، فهنا الأثر القانوني يترتب بمقتضى توافق الإرادتين على إحداث الأثر المطلوب، ونتيجة ذلك تسمى التصرفات القانونية بالمصادر الإرادية للالتزام، وعليه تقسم الأعمال القانونية إلى قسمين رئيسيين، قسم يصدر من جانب واحد وقسم آخر يلزم لكي يترتب أثاره أن يصدر هذا العمل من جانبين أي إرادة مشتركة.

ثالثا- التزام المدين القيام بعمل

الالتزام بالقيام بعمل، ويقصد بالالتزام بعمل التزام المدين تجاه الدائن ببذل مجهود عضلي أو ذهني أو عضلي وذهني في الوقت نفسه، وقد تكون لشخص المدين في هذا النوع من الالتزامات أهمية واعتبار خاص، وتبعا لذلك يتوجب على المدين أداء التزامه شخصيا ولا يجوز أن ينيب أي شخص آخر لينفذ الالتزام بدلا عنه والا اعتبر مخلا بالتنفيذ، ومثال ذلك الحلّاق والرسّام والممثل والمغني حيث يعتبر شخصه ذو اعتبار خاص في تنفيذ الالتزام، ذلك أن التعاقد مع أي منهم جاء نتيجة الكفاءة الشخصية لكل منهم، وكذلك التزام الوكيل بما تتضمنه الوكالة، وعليه يكون الملتزم إما الالتزام ببذل العناية، أو بتحقيق نتيجة.

1- الالتزام ببذل عناية: 

الالتزام ببذل عناية هو أن ينتظر الدائن من وراء التنفيذ السليم الالتزام الذي يتحمله المدين مسألة محددة، فإذا اقتصر نطاق هذه المسألة على بذل العناية اللازمة في تنفيذ الالتزام، كان هذا الالتزام هو التزاما ببذل عناية، بمعنى أنه إذا كانت نتيجة تنفيذ الالتزام بالشكل السليم غير محققة أو على الأقل غير محددة بشكل دقيق، كان الالتزام التزاما ببذل عناية، لأن العبرة هنا في المجهود المبذول من طرف المدين، بغض النظر عن النتيجة التي قد تتحقق وقد لا تتحقق فيقع على المدين في هذا النوع من الالتزامات بذل العناية التي يفرضها عليه القانون، وهي عناية الرجل العادي، أو ما يطلق عليه كذلك بعناية الرجل المعتاد.

كما يكون ملزما باستعمال أفضل الوسائل الممكنة، وباستعمال أكبر قدر من الحيطة والجهد، فلا يكون ضامنا لتحقيق نتيجة ولكن ببذل عناية ،فالطبيب لا يكون ملزما بشفاء المريض ولكن يلتزم بعمل ما في وسعه لتحقيق الغرض، وفي جميع هذه الصور يجب على المدين أن يقوم بالوفاء بالتزامه هذا والا حقت عليه مسئولية أداة التعويض.

2- الالتزام بتحقيق نتيجة:

الالتزام بتحقيق نتيجة الالتزام يجعل منها محل الاعتبار في تنفيذ المدين لالتزامه، فعلى خلاف الالتزام ببذل عناية، فإن الدائن في الالتزام بتحقيق نتيجة لا يكتفي بالعناية المبذولة في سبيل تنفيذ الالتزام، وانما ينتظر من المدين تحقيق النتيجة المحددة في الالتزام، بمعنى أنه يكون في الالتزام بتحقيق النتيجة مضمون الأداء الذي يقوم به المدين هو بذاته الغاية المحققة والتي يسعى إليها الدائن، مثال ذلك ففي عقد البيع يلتزم البائع بنقل الملكية إلى المشتري، ويلتزم في المقابل المشتري بدفع الثمن إلى البائع، ولا يكون كل من البائع والمشتري منفذا لالتزامه إلا بتحقيق هاتين الواقعتين أي نقل الملكية ودفع الثمن، كما لا يعتبر رب العمل منفذا لالتزامه الا بتحقق نتيجة دفع الأجرة.

واذا كان محل الالتزام بعمل المحافظة على الشيء كما في حالة التزام المودع لديه أو المستأجر بالمحافظة على العين المؤجرة، فإن المدين يكون قد نفذ التزامه عينيا إذا بذل عناية الرجل العادي في المحافظة على هذا الشيء، حيث نصت المادة 172 من القانون المدني على ما يأتي "في الالتزام بعمل، إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء، أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود. هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك".

وتضيف الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه على ما يأتي "وعلى كل حال يبقى المدين مسؤولا عن غشه أو خطئه الجسيم"، أي إذا حدث الخطأ وتبين عدم تحقيق الغرض المقصود من الالتزام يرجع إلى غش أو خطأ وقع من المدين أثناء التنفيذ كان المدين هو المسؤول عن النتيجة المحققة.

ومن خلال ما تم التعرض له، فإن محل الحق الشخصي الذي موضوعه الالتزام بالقيام بعمل، وهذا العمل قد يكون التزاما بتحقيق نتيجة، وقد يكون التزاما ببذل عناية، أما الالتزام بتحقيق نتيجة فيكون كذلك إذا كان موضوعه محددا فيكون المدين ملزما بتحقيق نتيجة معينة كالمورد فهو ملتزم بتسليم البضاعة في المكان وفي الزمان المحددين، ويعتبر مخلا بالتزامه إذا لم يحقق هذه النتيجة، أما بذل العناية تكون وفق معيار الرجل العادي والملتزم غير مجبر على النتيجة بل بذل العناية فقط، ويتبين من خلال ذلك أن الالتزام بتحقيق نتيجة أو بذل عناية هو في جوهره وحقيقته التزام بعمل.

رابعا- إلتزام المدين بالإمتناع عن القيام بعمل:

الالتزام بالامتناع عن عمل قد يلتزم المدين في مواجهة الدائن بعدم القيام بعمل معين ومثل ذلك تعهد ممثل لصاحب مسرح أن يتوفق عن التمثيل دوره في مسرحية لمدة معينة لكي يفسح المجال أمام ممثل ثاني، كما يمكن أن يكون الالتزام بالامتناع عن عمل هو الالتزام الرئيسي في العقد ويرى بعض الشراح أن عقد الصلح هو أحسن مثال على ذلك، إذ أن محل الالتزام الرئيسي فيه هو النزول عن الحق في الدعوى، أي أن التزام كل من الطرفين بعدم الالتجاء إلى القضاء أمر ضروري لاعتبار الوضع المتنازع عليه قد زال.  

وهذا النوع من الالتزام أي التزام بعدم القيام بعمل كان مسموحا له قبل التعاقد، وعلى هذا فإن القول بالامتناع عن عمل لا يقصد منه الامتناع عما يحظره القانون بمعنى الأفعال غير المشروعة، بل بالعكس يقصد منه الامتناع عن عمل يسمح القانون بالقيام به، ومثال ذلك التزام مغني بالامتناع عن الغناء لشركة معينة ولمدة معينة.

ومحل هذا الالتزام هو امتناع المدين عن القيام بعمل، وبهذا الامتناع يضيق المدين من مجال نشاطه الطبيعي المسموح له قانوناً، وقد يكون هذا الامتناع امتناعاً عن عمل مادي كالتزام الجار بعدم البناء على مسافة معينة من منزل جاره، وقد يكون امتناعاً عن عمل قانوني كالتزام العامل الامتناع عن منافسة رب العمل بعد انتهاء العقد.

وفي حالة عدم الوفاء من المدين بالت ازمه نصت المادة 173 من القانون المدني على ما يأتي "إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام جاز للدائن أن يطالب بإزالة ما وقع مخالف للالتزام ويمكنه أن يحصل من القضاء على ترخيص  للقيام بهذه الإزالة على نفقة المدين".

فبخصوص هذا النوع من الالتزامات وبالرجوع لنص المادة المذكورة أعلاه نستنتج بأن التنفيذ العيني للالتزام يكون بامتناع المدين عن القيام بذلك العمل، واذا خالف المدين التزامه الامتناع عن القيام بعمل أجاز القانون للدائن طلب إزالة المخالفة، أو أن يقوم بإزالة المخالفة على نفقة المدين.

الفرع الثاني: شروط العمل كمحل للحق

لكي يكون العمل محل للحق لابد من توافر شروط في هذا العمل ليكون محلاً  للحق ويشترط في هذا العمل ليكون محلا للحق أن يكون ممكنا غير مستحيل استحالة مطلقة وموضوعية لا ذاتية، وأن يكون معينا أو قابل للتعيين غير مجهول أي نافيا للجهالة، وأن يكون مشروعا غير ممنوع قانونا أو أخلاقيا، أو يمنعه النظام العام والآداب العامة، وهذا العمل يأخذ صورة القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. 

وعليه ومن خلال هذا الفرع تطرقت إلى إمكانية العمل أولا، وأن يكون العمل معينا أو قابلا للتعيين ثانيا، وأن يكون مشروعا وغير مخالف للنظام العام ثالثا.  

أولا- أن يكون العمل محل الالتزام ممكنا:

يقصد بالإمكان أن يكون المحل ليس مستحيلا، والاستحالة نوعان استحالة مطلقة واستحالة نسبية، ومعناه أن يكون عمل محل الحق ممكنا فإذا كان مستحيلا لا يقوم الالتزام لأنه لا التزام بمحل بمستحيل ويقصد بالاستحالة أن لا يكون في استطاعة أحد القيام بالعمل سواء كانت استحالة مادية أو قانونية.

فالاستحالة المطلقة هي التي يكون فيها المحل مستحيلا وغير ممكن في الحاضر أو في المستقبل، ومثال هذه الاستحالة أن يعد شخص بعلاج شخص تبين أنه قد توفي منذ لحظات فلا يمكن تصور قيام عقد في هذا الشأن، وهذه الاستحالة مطلقة ولا يمكن وجود المحل الملتزم به لا في الحال أو في المستقبل وعليه تجعل التصرف باطلا.

أما إذا كانت الاستحالة نسبية فإن هذا لا يمنع من قيام الالتزام فقد يلتزم شخصا ما بالقيام بعمل ما ويكون مستحيلا عليه، ولكن لا يستحيل على شخص آخر ففي هذه الحالة يوجد الالتزام ويقوم على محل صحيح، فإن العقد لا يكون باطلا لأن الاستحالة ليست مطلقة. 

القاعدة في هذا الصدد أنه لا التزام بمستحيل أي لا يمكن إبرام عقد تكون نتيجته مستحيلة استحالة مطلقة، بل يقصد به استطاعة الطرف الآخر تنفيذ هذا الالتزام والمتمثل في العمل محل الحق، حيث نصت المادة 93 من القانون المدني على ما يلي"إذا كان محل الالتزام مستحيلا في ذاته أو مخالفا للنظام العام أو الآداب كان باطلا بطلانا مطلقا" فالاستحالة التي تمنع من أن يكون العقد صحيحا هي الاستحالة المطلقة دون النسبية ويراعي أن تكون الاستحالة المطلقة وقت إبرام العقد حتى تمنع من قيام العقد، فمثلا إذا كان المحل أرضا وقت إبرام العقد، ثم أصبح مستحيلا بسبب نزع ملكية هذه الأرض من أجل المنفعة العامة، في هذه الحالة البيع لا يعتبر باطلا وانما يفسخ العقد.

وان كان المشرع الجزائري قد أباح التعامل في الأشياء المستقبلية إلا أنه قد استثنى من ذلك التعامل في التركة المستقبلية للإنسان حال حياته فقد نصت المادة 92/ 2 من القانون المدني على ما يأتي: "غير أن تعامل في تركة إنسان على قيد الحياة باطن ولو كان برضاه ،إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون". فنستنتج من هذا النص أن التعامل في تركة الإنسان قبل وفاته لا تجوز ولو برضاه، وهذا خروجا على القاعدة التي تقضي بجواز التعامل في الأشياء المستقبلية محققة الوجود.   

ثانيا- أن يكون العمل معينا أو قابلا للتعيين:

لكي يكون العمل محلا الالتزام يجب أن يكون العمل معينا ،أو على الأقل قابلا للتعيين، أي يجب أن يكون التعيين تعيينا دقيقا نافيا للجهالة، لأنه إذا كان محل الالتزام مجهولا وغير معين تعذر الوصول على تحديده، والغاية من تعيين محل الالتزام هو تفادي المشاكل التي قد تنشأ من عدم تحديد المحل، والتعيين واجب سواء كان محل الالتزام عملا أو إعطاء شيء لتجنب المنازعات التي قد تثار بين أطراف العقد فلا ينشأ الالتزام وبالتالي لا يقوم العقد.

فإذا تعهد مقاولا ببناء منزل وجب أن يكون هذا البناء معين أو أن يكون قابلا للتعيين فإذا اقتصر التزام الشخص على إقامة بناء فقط دون تعيينه أو دون أن يستخلص من الظروف إمكان تعيينه لا يوجد محل ويكون في حكم المعدوم، وفي عقد البيع مثلا يلتزم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع إلى المشتري، فإذا كان الشيء معينا بذاته انتقلت الملكية بمجرد البيع دون أن يكون البائع ملزما بشيء، كما يسمح بحصول التوافق بين الإرادتين على هذا الالتزام.

ويتحدد معنى هذا الشرط بحسب طبيعة الأداء الذي يلتزم به المدين، فإذا تحقق تعيين المحل سواء حاضرا أو مستقبلا عملا كان أو امتناع عن عمل كان محل الالتزام صحيحا وقام العقد، واذا كان هذا المحل غير محدد ولا قابلا للتحديد ينهار ويبطل العقد.

ثالثا- أن يكون محل العمل مشروعا:

ويقصد به أن يكون العمل غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، أي يجب أن تكون كل تصرفات الأشخاص وعقودهم واتفاقاتهم في كنف المشروعية والقانونية، ولا تخرج عن هذا الإطار وتبطل كل الأعمال المخالفة لذلك، فإذا التزم شخص بإتلاف مال شخص ما أو قتله مثلا مقابل مبلغ مالي يدفع له كان هذا الاتفاق باطلا بطلانا مطلقا. 

لا يقوم الالتزام إذا كان محله غير مشروع، ويكون المحل غير مشروع إذا كان مخالفا لقواعد القانون الآمرة أو النظام العام والآداب العامة، فإذا لم يتوفر ذلك فإنه لا يصح أن يكون محلا للحق، كالالتزام بارتكاب جريمة فهو باطلا لمخالفته للنظام العام، وكذلك الالتزام بتوريد المخدرات فهو باطلا أيضا، بمعنى أن يكون العمل محل الالتزام مشروعا وغير مخالف للنظام العام حتى يقوم العقد صحيحا.

وفي هذا الصدد نصت المادة 97 من القانون المدني الجزائري على ما يأتي: "إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو للآداب كان العقد باطلا"، حيث يتضح من خلال هذا النص أنه يلزم توافر شرط المشروعية في محل الالتزام بمعنى أن يكون سائغا قانونا، فإذا كان المحل غير مشروع لا يقوم الالتزام وبطل العقد لانتفاء محله، أي وجوب أن  يكون محل ضمن دائرة التعامل.

المرجع:

  1. د. غنيمي طارق، نظرية الحق، مطبوعة مقدمة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج- البويرة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر ، السنة الجامعية: 2020/2021، ص50 إلى63. 
google-playkhamsatmostaqltradent