جريمة العدوان

جريمة العدوان

جريمة العدوان

كاد أن يجهض إدراج جريمة العدوان في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية٬ نتيجة اقتراح تأجيل البث في جريمة العدوان وعدم إدراجها في النظام الأساسي٬ بحجة التوصل إلى تعريف محدد ومتفق عليه٬ رغم تأييد غالبية الدول وسعي الدول العربية الحثيث وقتها لاعتماد تعريف الأمم المتحدة للعدوان٬ إلا أن ضغوط أخرى أبدتها  أطراف أدت إلى تأجيل البث بالموضوع  لحين الاتفاق على تعريف موحد جديد لجريمة العدوان٬ وكاد رفض معظم الدول المشاركة  أن يؤدي إلى إفشال إعمال المؤتمر وهذا باشتراطها إدراج جريمة العدوان كشرط لموافقتها على النظام الأساسي٬ وعليه تم إيجاد صيغة توفيقية بإعادة جريمة العدوان إلى المادة (5) كإحدى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بجانب جريمة الإبادة الجماعية٬ الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب٬ على أن يرجأ  تعريفها إلى وقت آخر عن طريق جمعية الدول الأعضاء للتوصل إلى اتفاق على تعريف جريمة العدوان.

لم يواجه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مسألة جريمة العدوان٬ بل أجل الحسم فيها بتبني حل سياسي على حساب العدالة القانونية الدولية٬ وهو ما كان محلّا للانتقاد من جانب الدول العربية٬ الأمر الذي كان من أهم أسباب إحجام الدول العربية عن الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة.

رغم نجاح الدول العربية في إدراج جريمة العدوان ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية٬ إلا أنها لم تقم بأي خطوة أخرى للانضمام لجمعية الدول الأطراف التي يحق لها المشاركة في وضع تعريف جريمة العدوان.

ظل موضوع تعريف العدوان كجريمة يشملها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية محل أخذ ورد حتى انعقاد المؤتمر الاستعراضي للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المنعقد في كمبالا بأوغندا في الفترة الممتدة بين 31 ماي-11 جوان 2010.

فما مفهوم جريمة العدوان (الفرع الأول)٬ وما شروطها حسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (الفرع الثاني)٬ وما أركانها (الفرع الثالث).

الفرع الأول: مفهوم جريمة العدوان

آثار تعريف جريمة العدوان وضبط أحكامها جدلًا واسعا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية٬ (أولا)٬ كما نجد أن مفهوم جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مر بمرحلتين: الأولى أثناء انعقاد المؤتمر المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1988 (ثانيا)٬ والمرحلة الثانية في مؤتمر "كامبالا" سنة ٬2010 حيث تم الاتفاق على تعريف الجريمة٬ وتحديد اختصاص المحكمة للنظر في هاته الجريمة (ثالثا).

أولا: تعريف جريمة العدوان وفقا لقرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة رقم 3314 المؤرخ في 12/ 14/ 1974

يتضمن القرار ديباجة وثمانية مواد٬ تحوي التعريف العام للعدوان٬ وقرينة البدء في استخدام القوة٬ ثم صور العدوان٬ والعلاقة بين العدوان والدفاع عن النفس من جهة٬ وبينه وبين تقرير المصير من جهة أخرى٬ ثم سلطات مجلس الأمن في ظل التعريف.

تنص المادة الأولى بإيراد تعريف للعدوان٬ مقررة في أنه يتمثل في استخدام القوة المسلحة بواسطة دولة ضد السيادة٬ أو السلامة الإقليمية٬ أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى٬ أو بأي شكل آخر يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وفقا لنص هذا التعريف.

تشير المادة الثانية بأن المبادأة باستخدام القوة المسلحة من طرف دولة خلافا لما يقضي به الميثاق يشكل دليل على وقوع العمل العدواني.

أما المادة الثالثة فقد قررت أنه تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال الآتية٬ سواءً بإعلان حرب أو دونه٬ وأوردت صورا للعمل العدواني تتمثل في:

1. الغزو أو الهجوم بواسطة القوات المسلحة لإحدى الدول ضد إقليم دولة أخرى٬ أو استخدام أية أسلحة بواسطة إحدى الدول ضد إقليم دولة أخرى٬ أو أي احتلال عسكري -ولو كان مؤقتا- ينشأ عن هذا الغزو أو الهجوم٬ أو أي ضم لإقليم دولة أخرى باستعمال القوة؛

2. ضرب القنابل بواسطة القوات المسلحة لإحدى الدول ضد إقليم دولة أخرى؛

3. حصار موانئ أو شواطئ إحدى الدول بواسطة القوات المسلحة لدولة أخرى

4. هجوم القوات المسلحة لإحدى الدول على القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو الأساطير البحرية أو الجوية لدولة أخرى.

5. استخدام القوات المسلحة لإحدى الدول الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بمقتضى الاتفاق مع الإخيرة خلافا للشروط الواردة في هذا الاتفاق٬ أو أي امتداد لوجودها في هذا الإقليم بعد انقضاء مدة هذا الاتفاق؛

6. موافقة إحدى الدول على استخدام إقليمها الذي وضعته تحت تصرف دولة أخرى في ارتكاب العمل العدواني بواسطة الأخير ضد دولة ثالثة؛

7. إرسال العصابات أو الجماعات أو المرتزقة المسلحين بواسطة إحدى الدول أو لحسابها٬ مع ارتكاب أعمال القوة المسلحة ضد دولة أخرى٬ متى كانت هذه الأفعال منطوية على قدر من الجسامة يعادل الأفعال المشار إليها سابقا.

تقتضي المادة الرابعة بأن الأفعال السالفة الذكر ليست واردة على الحصر٬ بمعنى أنها ليست جامعة لجميع صور العدوان٬ وبالتالي فإن مجلس الأمن يستطيع أن يعتبر سواها عدوانا طبقا لأحكام الميثاق.

أما المادة الخامسة فقد قررت:

- أنه لا يصلح تبريرا للعدوان٬ أي اعتبار مهما كان باعثه سياسيا٬ أو اقتصاديا٬ أو عسكريا٬ أو غير ذلك؛

- أن حرب الاعتداء جريمة ضد السلم العالمي٬ وينتج عن العدوان مسؤولية دولية؛

- لا يمكن الاعتراف بالصيغة القانونية لأية مكاسب إقليمية٬ أو غيرها من المكاسب الناتجة عن العدوان.

أما نص المادة السابعة فقد قرر أنه ليس في هذا التعريف -و بصفة خاصة ما ورد في المادة الثالثة-  ما ينطوي-  بأي حال- على الإخلال بحق تقرير المصير والحرية والاستقلال المنصوص عليه بالميثاق٬ وذلك بالنسبة للشعوب التي جردت من هذا الحق بالقوة على النحو المتعلق  بالإعلان الخاص بمبادئ القانون الدولي في شأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق منظمة الأمم المتحدة٬ وبصفة خاصة تلك الدول الخاضعة للأنظمة الاستعمارية٬ أو العنصرية٬ أو أي شكل آخر من أشكال السيطرة الأجنبية٬ كما لا يوجد في التعريف ما يخل بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل هذه الغاية وفي تلقي المساعدة والتأييد طبقا لمبادئ الميثاق والإعلان المشار إليه.

إن توصل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة إلى تحديد تعريف لجريمة العدوان في تلك الفترة يعتبر خطوة هامة في سبيل وضع حد لسياسة اللاعقاب التي استفاد منها مرتكبو جريمة العدوان طيلة عقود من الزمن بسبب عدم تحمس الدول العظمى آنذاك لفكرة تحديد مفهوم لجريمة العدوان.

تستمد هذه المبادرة أهميتها من أهمية الجهاز الذي اعتمدها وهو الجهاز الوحيد من أجهزة منظمة الأمم المتحدة الذي تشترك في عضويته جميع الدول الأعضاء في المنظمة٬ مما يجعل من الجمعية العامة الممثل الحقيقي للرأي العام٬ وأن عدم اتصاف قراراتها بالطابع الملزم غير أن ذلك لا ينفي عنها قيمتها الأدبية والسياسية٬ وخير دليل على قيمة هذا القرار اقتباس إعلان كمبالا للتعريف المقترح لجريمة العدوان من التعريف المتضمن بالقرار والذي ستناوله بالشرح لاحقا.

ثانيا: جريمة العدوان أثناء انعقاد المؤتمر المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998:

مع إصرار غالبية الدول وحركة عدم الانحياز وبعض الدول الأوروبية٬ ورغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض الدول الأخرى٬ فإن جريمة العدوان قد أدرجت ضمن المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية٬ ورغم أن إدراجها في النظام الأساسي للمحكمة يعتبر انجازا كبيرا٬ إلا أن نتائج الإدراج جاءت بالشكل الذي يرضي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. فالمادة (2/5) أجلت ممارسة المحكمة لاختصاصها بنظر جريمة العدوان إلى حين اعتماد حكم يعرف الجريمة٬ ويضع الشروط والأركان اللازمة لقيامها ودخولها في اختصاص المحكمة.

نجد وهذا بالرجوع إلى أحكام المادتين (121) و(123) من النظام الأساسي للمحكمة أنها قد عالجت المسائل المتعلقة بكيفية إيجاد تعريف العدوان٬ والأغلبية المطلوبة لذلك في جمعية الدول الأطراف٬ والاستثناءات بالنسبة للدول التي ترفض الموافقة على التعريف٬ وبالتالي واستنادا لذلك فإنه يلزم لاعتماد التعريف٬ ومن ثم دخول هذه الجريمة في اختصاص المحكمة ما يأتي:

- انقضاء مدة سبع سنوات على بدء نفاذ نظام روما الأساسي؛

أن يتم ذلك في مؤتمر استعراضي لجمعية الدول الأطراف

- قبول تعريف العدوان بإجماع دول جمعية الدول الأطراف٬ أو بأغلبية ثلثي هذه الدول؛

- إرجاء ممارسة المحكمة الجنائية الدولية اختصاص النظر في الجرائم العدوان إلى ما بعد مضي سنة واحدة من تاريخ إيداع وثائق التصديق٬ أو الموافقة بالنسبة للدول التي وافقت عليه؛

- عدم جواز ممارسة المحكمة الجنائية الدولية اختصاص النظر في العدوان فيما يتعلق بالدول التي ترفض التعريف٬ وذلك عندما يرتكب العدوان في إقليمها٬ أو يتهم بارتكابه أحد رعاياها

يعد كل هذا إرضاء وامتيازا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل٬ لأن المادتين تقتضيان مرور سبع سنوات لنفاذ النظام٬ و مرور سنة بعد إيداع صك التصديق٬ أي (8) سنوات لتمارس المحكمة اختصاصها٬ وهي مدة طويلة وفرصة مناسبة للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة٬ وتؤدي إلى ضياع الأدلة والإثباتات٬ وما يزيد من فرص الإفلات من العقاب أن (5/121) قد علقت ممارسة المحكمة لاختصاصها على إرادة الدول٬ فهي ستمارس هذا الاختصاص تجاه الدول التي ستوافق على التعريف٬ وبالتالي حتى ولو انضمت الولايات المتحدة وإسرائيل للنظام الأساسي٬ ورفضتا التعريف فلن تمارس المحكمة اختصاصها على الجرائم التي يرتكبها رعاياها.

ثالثا: تعريف جريمة العدوان حسب المؤتمر الاستعراضي لعام 2010 بكمبالا:

ورد تعديل على جريمة العدوان٬ وذلك بحذف نص الفقرة (2) من المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية٬ ونص على وجوب إدراج تعريف جريمة العدوان بموجب نص المادة (8 مكرر) كالتالي:

1. لأغراض هذا النظام الأساسي تعني "جريمة العدوان": قيام شخص ما له وضع يمكنه فعلا من التحكم في العمل السياسي٬ أو العسكري للدولة٬ أو من توجيه هذا العمل بتخطيط٬ أو إعداد٬ أو بدء٬ أو تنفيذ عمل عدواني يشكل بحكم طابعه٬ وخطورته٬ ونطاقه انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة؛

2. لأغراض الفقرة (1) يعني "العمل العدواني": استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى٬ أو سلامتها الإقليمية٬ أو استقلالها السياسي٬ أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة٬ وتنطبق صفة العمل العدواني على أي عمل من الأعمال التالية سواء بإعلان حرب أو بدونه٬ وذلك وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314 (د 29) المؤرخ في 14 ديسمبر 1974:

أ- قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى٬ أو الهجوم عليه٬ أو أي احتلال عسكري ولو كان مؤقتا ينجم عن مثل هذا الغزو٬ أو الهجوم٬ أو أي ضم لإقليم دولة أخرى٬ أو لجزء منه باستعمال القوة؛

ب- قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل٬ أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى؛

ج- ضرب حصار على موانئ دولة ما٬ أو على سواحلها٬ من جانب القوات المسلحة لدولة أخرى٬

د- قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية٬ أو البحرية٬ أو الجوية٬ أو الأسطولين البحري والجوي لدولة أخرى؛ 

ه- قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق٬ أو أي تمديد لوجودها في الاقليم المذكور الى ما بعد نهاية الاتفاق٬

و- سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة؛

ز- إرسال عصابات أو جماعات مسلحة٬ أو قوات غير نظامية٬ أو مرتزقة من جانب دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة٬ تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعدودة أعلاه٬ أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.

يتبين من نص المادة (8 مكرر) أنها استندت إلى تعريف الجمعية العامة لجريمة العدوان في قرارها رقم 3314 لعام 1974.

الفرع الثاني: شروط حدوث جريمة العدوان حسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية

خص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة العدوان بخصائص محددة٬ منها ما تشترك فيه مع الجرائم الأخرى التي تدخل في اختصاص المحكمة والمنصوص عليها في المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة٬ ومنها ما تميزت به جريمة العدوان دون غيرها من الجرائم الأخرى٬  وهي: الشرط الزمني (أولا)٬ الشرط المكاني (ثانيا)٬ الشرط الشخصي (ثالثا)٬ تقرير وقوع العدوان من طرف مجلس الأمن الدولي (رابعا).

أولا: الشرط الزمني:

أخذ النظام الأساسي بالقاعدة الجنائية العامة فيما يتعلق بالاختصاص الزمني للمحكمة الجنائية الدولية ٬ ومفاده عدم جواز المعاقبة على الأفعال التي تسبق صدور القانون الذي يجرمها؛ أي عملا بمبدأ "التطبيق الفوري والمباشر للقانون"٬ إذن

المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها أن تختص٬ أو أن تنظر في جرائم العدوان التي ارتكبت قبل 17 جويلية 2018.

ثانيا: الشرط المكاني:

القاعدة أن يعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية بنظر الجرائم التي تدخل في اختصاصها طبقا للمادة (5) من نظامها الأساسي؛ إذا وقعت واحدة من هذه الجرائم على إقليم دولة طرف٬ وحسب قرار تعديل النظام الأساسي للمحكمة المتعلق بجريمة العدوان٬ فإن هذه الأخيرة تشترك مع الجرائم الأخرى في هذا الشرط٬ أي وقوع العدوان على إقليم دولة طرف يعقد الاختصاص مباشرة للمحكمة٬ وهو ما نصت عليه الفقرة (1) من المادة (12) من النظام الأساسي للمحكمة.

وضع النظام الأساسي استثناء لهذه القاعدة مضمونة؛ أنه لا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها بنظر جريمة العدوان -دون سواها- حتى وإن وقعت هذه الجريمة على إقليم دولة طرف٬ إذا أعلنت هذه الأخيرة مسبقا عدم قبول اختصاص المحكمة بنظر جريمة العدوان التي وقعت على إقليمها؛ وهو ما نصت عليه الفقرة (5) من نص المادة (15 مكرر) من النظام الأساسي للمحكمة حيث نصت: "فيما يتعلق بدولة ليس طرف في هذا النظام الأساسي٬ لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها المتعلق بجريمة العدوان عندما يرتكبها مواطنو تلك الدولة أو ترتكب على إقليمها".

ثالثا: الشرط الشخصي:

اعتمد النظام الأساسي للمحكمة قاعدة عامة في موضوع الاختصاص الشخصي مضمونها " التصديق أو القبول" الدول الأطراف من أجل ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لصلاحياتها٬ وتشترك كل الجرائم المنصوص عليها في المادة (5) منه في هذه القاعدة؛ ويعني ذلك - وبمفهوم المخالفة- أنه لا يجوز للمحكمة أن تنظر في جريمة العدوان إلا إذا كانت إحدى دول الأعمال العدوانية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة٬ أو قبلت باختصاص المحكمة لنظر هاته الجريمة٬ حتى ولو لم تكن طرفا٬ عملا بمبدأ الأثر النسبي  للمعاهدة الدولية٬ وهو ما نصت عليه الفقرتان (2و3) من المادة (12) من النظام الأساسي للمحكمة.

أورد قرار تعديل النظام الأساسي للمحكمة المتعلق بجريمة العدوان استثناء لهذه القاعدة مفاده أنه يجوز للدول الأطراف أن تعلن عدم قبول اختصاص المحكمة بنظر جريمة العدوان التي يرتكبها مواطنوها٬ بالرغم من أنها دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة٬ إلا أنها لا تقبل اختصاص المحكمة فيما يتعلق بجريمة العدوان التي يرتكبها مواطنوها دون سواها٬ أي أن الجرائم الأخرى غير معنية  بهذا الاستثناء؛ ويكون لها ذلك عن طريق إعلان يودع لدى مسجل المحكمة٬ تعلن فيه صراحة عدم اختصاص المحكمة  بنظر جريمة العدوان٬  على أن تنظر فيه خلال ثلاث سنوات كما يجوز لها سحبه في أي وقت.

رابعا: تقرير وقوع العدوان من طرف مجلس الأمن الدولي:

نظرا لخصوصية جريمة العدوان مقارنة بالجرائم الأخرى التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية؛ فقد خص أيضا مجلس الأمن بصلاحيات خاصة٬ حيث قيد القرار المعدل للنظام الأساسي للمحكمة بعدم ممارسة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة العدوان بشرط شكلي وزمني في نفس الوقت؛ وهو صدور قرار من مجلس الأمن يقرر فيه وقوع العدوان من عدمه٬ وهو ما نصت عليه الفقرة (6) من المادة (15 مكرر).

 يكون له ذلك خلال ستة (6) أشهر التي تلي تبليغه من طرف المدعي العام لدى المحكمة بعد أن خلص المدعي العام إلى وجود أساس معقول لبدء التحقيق في أعمال ارتكبت من طرف دولة ما تشكل عدوانا٬ وهو ما نصت عليه الفقرة (8) من المادة (15 مكرر).

الفرع الثالث: أركان جريمة العدوان

أن جريمة العدوان كغيرها من الجرائم الدولية وعليه يتوجب لقيامها توافر أربعة أركان٬ الركن المادي (أولا)٬ الركن المعنوي (ثانيا)٬ الركن الشرعي (ثالثا)٬ الركن الدولي (رابعا).

أولا: الركن المادي: 

يشمل كل ما يدخل في تكوينها وتكون له طبيعة مادية في السلوك المادي٬ تتمثل في السلوك المادي (الفعل) الذي تقوم به دولة ضد دولة أخرى٬ وقد يأخذ إحدى الصورتين الإيجابية أو السلبية على أن يؤدي ذلك السلوك إلى نتيجة مجرمة بموجب أحكام القانون الدولي الجنائي٬ كما ينبغي أن تربط علاقة بين النتيجة التي تحققت وذلك السلوك.

يتمثل هذا الركن في الأعمال المذكورة في الفقرة (2) من المادة (8) مكرر من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تشكل "فعل العدوان"٬ وقد ذكرت على سبيل المثال لا الحصر٬ أي أنه توجد أفعال أخرى تشكل جريمة عدوان وهي غير مذكورة في نص المادة أعلاه٬ وهو ما أكدته الفقرة (2)  ذاتها حيث نصت:"... أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة…  وكذلك وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314".

ثانيا: الركن المعنوي:

لقد أكد القرار رقم Rc/ RES 06 المعدل للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على عنصر القصد الجنائي لتوافر الركن المعنوي لقيام جريمة العدوان٬ وكان ذلك في المرفق الثاني من القرار والمتعلق بالتعديلات على الأركان المدمجة في المادة (8) مكرر والفقرة (3 مكرر) من المادة (25) حيث حدد المرفق الثاني تحت عنوان؛ "تعديلات على الأركان" المواصفات الواجب توافرها في شخص الجاني من أجل إثبات القصد الجنائي لديه لارتكاب فعل العدوان٬ وهي كالآتي:

- قيام مرتكب الجريمة بتخطيط عمل عدواني٬ أو بإعداده٬ أو بدئه٬ أو تنفيذه؛

- كون مرتكب الجريمة شخص في وضع يمكنه من التحكم فعلا في العمل السياسي٬ أو العسكري للدولة التي ارتكبت العمل العدواني٬ أو من توجيه هذا العمل.

- ارتكاب العمل العدواني المتمثل في استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى٬ أو سلامتها الإقليمية٬ أو استقلالها السياسي٬ أو بأي صورة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.

- كون مرتكب الجريمة مدركا للظروف الواقعية التي تثبت أن استعمال القوة المسلحة على هذا النحو يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.

- العمل العدواني يشكل بحكم طابعه٬ وخطورته٬ ونطاقه انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة

- كون مرتكب الجريمة مدركا للظروف الواقعية التي تثبت هذا الانتهاك الواضح لميثاق الأمم المتحدة.

ثالثا: الركن الشرعي:

أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو الأساس الشرعي (القانوني) لجريمة العدوان.

رابعا: الركن الدولي:

مهما كانت الصورة التي يتخذها السلوك الإجرامي في الركن المادي لجريمة العدوان٬ فإنه يتوجب أن يكون هذا السلوك المجرم صادر من قبل دولة معتدية ضد دولة معتدى عليها٬ وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط فإن الركن الدولي لجريمة العدوان يعتبر متخلفا٬ وبالتالي جريمة العدوان تعتبر غير قائمة بمفهوم القانون الدولي الجنائي٬ وهذا ما أكدت عليه المادة (8 مكرر فقرة 2) من القرار المعدل للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على صفة الدولية في جريمة العدوان.

لا شك أن جريمة العدوان تشكل أقسى وأفظع الجرائم في حق البشرية لما يصحبه من ارتكاب انتهاكات خطيرة أخرى للقانون الدولي لحقوق الإنسان٬ والقانون الدولي الإنساني٬ ووصفت هذه الجريمة بأنها (أم الجرائم) إذ كثيرا ما تكون هي السبب الأصلي لارتكاب الجرائم الأخرى٬ والاعتداء على حقوق الإنسان٬ والجرائم الأخرى (الجرائم ضد الإنسانية جرائم الحرب٬ جرائم الإبادة) غالبا ما تكون فرعية لجريمة العدوان٬ ونظرا لخطورتها فهي يجب أن ألا تترك دون عقاب لتحقيق العدالة الجنائية الدولية في المجتمع الدولي.

إن عدم إدراج تعريف لجريمة العدوان ضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية٬ عطل اختصاص المحكمة بنظرها لسنين عديدة خلفا لباقي الجرائم الدولية٬ وذلك بسبب طبيعة الجريمة السياسية٬ التي أدت ببعض الدول؛  خاصة منها الكبرى - إلى الاعتراض بشدة على إدراج التعريف ضمن نظام المحكمة٬ وبالتالي عدم تفعيل اختصاصها بمحاكمة مرتكبي جريمة العدوان٬ مبررة اعتراضها بحجج واهية؛ غير أن سبب اعتراضها على ذلك  يعود في الواقع إلى تعارض ذلك مع مصالحها المتمثلة في تحقيق منافعها على حساب دول أخرى بصور تتعارض مع الشرعية الدولية٬ عن طريق تحكمها في مجلس الأمن الذي يعد الجهاز الدولي الوحيد المنوط به التصدي لجرائم العدوان في العالم.

 ما يعاب على مؤتمر "كامبالا" رغم وصوله إلى اتفاق بشأن تعريف جريمة العدوان إلا أنه أبقى على المواد التي تخول لمجلس الأمن التدخل في عمل المحكمة٬ عن طريق طلب إرجاء التحقيق أو المقاضاة في قضايا العدوان المطروحة عليها لمدة (12) شهرا قابلة للتجديد دون وضع حد لعدد مرات التجديد٬  واستحداث إجراء يقيد المدعي العام للمحكمة لمدة (6) أشهر عن القيام بأي إجراء تحقيق٬ في انتظار قرار يصدر عن مجلس الأمن بوقوع حالة عدوان.

يؤدي كل ذلك أن تفويض عمل المحكمة٬ ويهدد حيادها بإخضاعها لهيئة سياسية غير محايدة٬ تتحكم فيها رغبات الدول الدائمة العضوية فيه٬ حيث لا تعترف أربع دول من أعضائه الدائمين بالنظام الأساسي للمحكمة ومنحهم سلطة المحاكمة من يعترفون بالنظام٬ ليكرس مفهوم أن المحكمة وجدت للأفارقة٬ ولدول العالم الثالث٬ وإبقاء الدول الكبرى وأتباعها فوق القانون٬ وكذلك تقييد صلاحيات المدعي العام بقيود من حديد٬ وبالتالي تكريس العدالة الانتقائية على حساب العدالة الدائمة.

المرجع:

  1. د. لونيسي علي، محاضرات في مادة الجرائم الدولية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ماستر، جامعة آكلي محند ولحاج – البويرة- كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2019/2020، ص110 إلى ص122. 
google-playkhamsatmostaqltradent