النظام الشبه الرئاسي الفرنسي

النظام الشبه الرئاسي الفرنسي

النظام الشبه الرئاسي الفرنسي

من الناحية النظرية لا وجود لهذا النظام وإنما المقصود به نوع من النظام البرلماني أدخلت عليه تعديلات بحيث عدل جانب السلطة التنفيذية لاسيما توسيع صلاحيات رئيس الدولة٬ حيث أصبح له اختصاصات كبيرة مقارنة باختصاصاته في النظام البرلماني٬ وعادة ما يؤخذ دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958 كنموذج لهذا النظام الذي ابتعد عن النظام البرلماني واقترب إلى النظام الرئاسي فأطلق عليه تسمية النظام شبه الرئاسي.

من عملية المزاوجة التي قام بها الجنرال ديغول في النظام الفرنسي رغبة منه في الاستقرار السياسي جمعت بين إيجابيات النظام الرئاسي والبرلماني وليست فرنسا وحدها التي أخذت بهذا النظام وإنما أخذت به كذلك النمسا٬ البرتغال٬ فنلندا وايرلندا...الخ.

فإذا كان النظام البرلماني يتفق مع الملكيات الدستورية حيث ترتكز السلطة في يد رئيس الوزراء بينما الملك يملك ولا يحكم٬ ولكن في النظام شبه الرئاسي عندما يوجد رئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة فإنه من الصعب تقييد سلطاته.

الفرع الأول: ثنائية السلطة التنفيذية في النظام شبه الرئاسي الفرنسي

يعرف النظام شبه الرئاسي بثنائية السلطة التنفيذية٬ أي تتكون من رئيس جمهورية ووزارة٬ ولكن الجديد الذي أتى به هذا النظام هو تقوية صلاحيات ومركز رئيس الجمهورية دون رئيس الوزراء ولعل أهم ميزات النظام المختلط هي المساواة في الشرعية بين الرئيس المنتخب شعبيا بطريقة مباشرة والبرلمان المنتخب كذلك.

أولا: رئيس الجمهورية

إن النظام شبه الرئاسي لا يمكن أن يكون الحكم وراثي وإنما يحكمه رئيس جمهورية منتخب ذو صلاحيات واسعة.

1. انتخاب رئيس الجمهورية في ظل الدستور الفرنسي لسنة 1958:

كان رئيس الجمهورية في ظل الجمهورية الرابعة ينتخب من البرلمان٬ في تعديل الدستور الفرنسي لسنة 1954 أصبح ينتخب من هيئة انتخابية واسعة حيث أضاف إلى البرلمان ممثلين الأقاليم ما وراء البحار٬ وفي ظل مشروع دستور 1958 كان ديغول يتوخى نظام انتخاب الرئيس من الهيئة الموسعة٬ ولكن عند إنشاء لجنة وزارية كلفت  بإعداد مشروع الدستور 1958 وعند مناقشة اللجنة  لهذا المشروع بعد صياغته كان فرانسوا ميشال كلف بتقديم مناقشة وملاحظات حول كيفية انتخاب الرئيس٬ حيث توصل إلى أن مبدأ  الفصل بين السلطات يقضي بانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة٬ حيث قال كذلك إذا أردنا أن يكون لرئيس دور فعال و يسمح له بأداء دوره كامل اتجاه الغرفتين فإنه يجب أن يستمد سلطاته مباشرة من الشعب كما قال أن الشرعية تكتسب عن طريق الاقتراع العام من الشعب.

ولكن دستور 1958 في المادة 07 منه اختار طريقة الهيئة الانتخابية  حيث ينتخب الرئيس من الجمعية الوطنية  مجلس الشيوخ ومجالس المقاطعات والممثلون البلديات ومجالس أقاليم ما وراء البحار غير أن هذه الطريقة عدلت بعد التعديل الذي لحق الدستور في 07 نوفمبر 1962 إذ ينص على أن رئيس الجمهورية  ينتخب عن طريق الاقتراع العام من الشعب٬ وللفوز بالمنصة يجب أن يتحصل المترشح  على الأغلبية المطلقة٬ وإلّا تكون دورة ثانية بين المترشحين اللذين تحصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى٬  ومنح الدستور لرئيس عدة اختصاصات سواء في ظل الظروف العادية أو في ظل الظروف الاستثنائية٬ وينتخب لمدة 07 سنوات٬ إلّا أنها عدلت في 2008 إلى 05 سنوات.

2. اختصاصات رئيس الجمهورية في ظل الظروف العادية:

- يتولى تعيين رئيس الحكومة كما يمكن له عزله٬ أما الوزراء يعينهم بعد اقتراحهم من رئيس الحكومة.

- بالنسبة لكبار الموظفين فيعين البعض منهم بقرار كما يعين البعض الآخر بقرار منه كذلك وبعد موافقة مجلس الوزراء.

- في المجال الدبلوماسي يعين السفراء٬ ويقبل اعتماد أوراق السفراء الأجانب.

- يتولى إبرام المعاهدات الدولية والمصادقة عليها٬ كما يطلع على الاتفاقيات الأخرى أي التي لا تحتاج إلى تصديق رئيس الجمهورية٬ وهناك بعض المعاهدات لا يصادق عليها الرئيس إلا بعد إقرارها من البرلمان.

- يتولى الرئيس رئاسة مجلس الوزراء ويحق له التصويت ويدير مناقشات المجلس.

- يقوم بالتوقيع على الأوامر والمراسيم التي يتم مداولتها في مجلس الوزراء والتي لا بد وأن تمضي أيضا بالمقابل من طرف الوزير الأول.

- أمّا في المجال التشريعي فله بعض الاختصاصات منها له حق الاعتراض على القوانين وله صلاحية  دعوة البرلمان إلى الانعقاد سواء لدورة عادية أو غير عادية٬ كما يمكن له فض اجتماع البرلمان ولو حق مخاطبته أي توجيه له  رسالة من أجل لفت انتباهه إلى مواضيع معينة  تحتاج إلى قانون لكي ينظمه٬ له حق حل الجمعية الوطنية بعد استشارة كل من الوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ دون أن يكون ملزما بآراء هؤلاء٬ له حق اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي الدستوري أو التشريعي أو بقصد التصديق على الاتفاقيات وذلك بناء على اقتراح الحكومة أثناء انعقاد دورات البرلمان وبناء على اقتراح البرلمان  في حد ذاته.

- أمّا اختصاصاته في مجال السلطة القضائية فهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء وهو الذي يعين أعضاء هذا المجلس.

- له حق إصدار العفو البسيط أو الخاص بعد استشارة مجلس القضاء الأعلى٬ أما العفو الشامل يصدره البرلمان عن طريق قانون.

- له حق تعيين ثلاثة من أعضاء المجلس الدستوري ورئيس هذا المجلس٬ كما له حق أخطاره لرقابة دستورية قانون معين.

3. اختصاصات رئيس الجمهورية في ظل الظروف الاستثنائية:

وهذه الصلاحيات نصت عليها المادة 16 من الدستور الفرنسي لسنة ٬1958 ولكن حتى يلجأ الرئيس إلى تطبيق هذه المادة يجب أن تتوفر جملة من الشروط:

- أن يكون تهديد خطير وفوري لمؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة.

- أن يشكل هذا التهديد توقف العادي لنشاطات السلطات العامة.

وعليه أن يستشير رئيس المجلس الدستوري٬ رئيسي غرفتي البرلمان٬ رئيس الحكومة٬ ولكن رأيهم غير ملزم له٬ وينعقد البرلمان بحكم القانون٬ ولا يمكن حل الجمعية الوطنية في ظل هذه الظروف واختصاصاته شبه مطلقة في ظل الظروف الاستثنائية.

ولكن رغم هذه الاختصاصات الواسعة٬ لا يسأل سياسيا رئيس الجمهورية الفرنسي أمام البرلمان٬ يسأل جنائيا في حالة الخيانة العظمى٬ من قبل البرلمان بالأغلبية المطلقة وتجري محاكمته أمام الهيئة العليا.

ثانيا: الحكومة (الوزارة)

يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة أو الوزير الأول ويقوم هذا الأخير باقتراح الطاقم الوزاري ويعيّنون بمرسوم رئاسي٬ ونجد تشكيلتين للحكومة الأولى مجلس الوزراء الذي يضم مجموع الوزراء ويرأسه رئيس الجمهورية٬ وهو يعتبر التشكيل الحكومي الأكثر أهمية لأن السلطات الحكومية تباشر من خلال هذا المجلس٬ والثاني هو مجلس الحكومة  ويقصد به اجتماع مجموع الوزراء تحت رئاسة الوزير الأول٬ ودوره للتحضير والإعداد لمجلس الوزراء٬ ويمكن أن نلاحظ أن في هذا النظام لا يمكن الجمع بين منصب الوزير والعضوية في البرلمان على خلاف النظام البرلماني وللحكومة عدة اختصاصات منها رسم وتوجيه سياسة الأمّة وتسيير شؤون الإدارة والمساهمة في مناقشة مشاريع القوانين٬ كما للوزير الأول حق إصدار المراسيم التنظيمية المستقلة والمراسيم التنظيمية التنفيذية ...إلخ.

الفرع الثاني: السلطة التشريعية في النظام الفرنسي

 يتميّز النظام الفرنسي بالفصل المرن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية٬ وهو المظهر المأخوذ من النظام البرلماني٬ قلنا سالفا أن النظام الشبه الرئاسي٬ هو نظام برلماني معقلن فاحتفظ بأركانه ولكنه اتجاه نحو النظام الرئاسي في صلاحيات رئيس الجمهورية فقط٬  وتتكون السلطة التشريعية في النظام الفرنسي من غرفتين الجمعية الوطنية  تضم 487  نائب  ينتخبون لمدة خمسة (05) سنوات٬ ومجلس الشيوخ يتكون من 283 عضوا ينتخبون لمدة تسعة (09) سنوات٬ يتم تجديد ثلثهم كل ثلاثة (03) سنوات٬ ويتم انتخابهم بطريقة غير مباشرة٬ فيتولى انتخابهم هيئة انتخابية تتكون من أعضاء الجمعية الوطنية٬ المستشارون العامون ومندوبي البلديات.

وللبرلمان عدة اختصاصات منها سن القوانين نجد دستور 1958 قد قيد من نطاق القانون لصالح التشريع في المسائل التنظيمية التي هي من صلاحيات الوزير الأول٬ كما له حق إقرار الميزانية٬  ولكن دوره يقتصر في التصويت على الميزانية٬ كما أنّه في حالة فشل البرلمان في المصادقة على قانون الميزانية ومرة سبعين يوما من تاريخ تقديمه إليه٬ يحق للحكومة أن تشرع  في تنفيذ الميزانية بواسطة مرسوم أو قانون.

ومن أهم اختصاصات البرلمان الرقابة السياسية على الحكومة والملاحظ أن الجمعية الوطنية هي التي تختص بمفردها بالرقابة السياسية على أعمال الحكومة وتكون الرقابة إما عن طريق توجيه الأسئلة أو تحريك المسؤولية إمّا عن طريق ملتمس الرقابة٬ وإمّا عن طريق رفض منح الثقة للحكومة.

المرجع:

  1. د. خلوفي خدوجة، محاضرات في مقياس القانون الدستوري والنظم السياسية، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس جذع مشترك، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية: 2019 – 2020، ص87 إلى ص93. 
google-playkhamsatmostaqltradent