أهمية الإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة وموقف المشرع الجزائري منه بقلم د. حمزة عبد الوهاب

الصفحة الرئيسية

أهمية الإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة وموقف المشرع الجزائري منه بقلم د. حمزة عبد الوهاب

أهمية الإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة وموقف المشرع الجزائري منه بقلم د. حمزة عبد الوهاب

ملخص:

أصبح موضوع الإفصاح المالي محل اهتمام المتخصصين في عالم المال والمؤسسة, وكذا المنظمات والهيئات الدولية الحكومية منها وغير الحكومية, بل وأصبح مقياسا يعرف به مدى تطور كل منشأة مالية, ومعيارا لمدى تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة للمؤسسات, ولكفاءة الأسواق المالية, ليس فقط لمنافعه الاقتصادية والمالية على المؤسسة, بل لأن التقيد الصارم به يمنع تصرفات غير قانونية تحدث من حين لآخر في أسواق المال, لأجل هذا فقد كان أحد أهم المبادئ الأساسية للمنظمة الدولية لهيئات سوق المال.

وقد أخذت التشريعات الوطنية المنظمة لأسواق المال بهذا المبدأ, تبعا للظروف الاقتصادية والسياسية لكل دولة, ولكن مع تعاظم أهمية المبدأ في الوقاية من التصرفات غير القانونية و التي هي مجرمة في كثير من الأحيان, فإن الاتجاه السائد حاليا هو نحو عالمية قواعد الإفصاح المالي, وإلى أن يتحقق ذلك سوف نبحث في هذا المقال هذه الأهمية المعترف بها للإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة, ونرى موقف التشريع الجزائري من الأخذ بهذا المبدأ على غرار بعض نماذج التشريعات المقارنة.

Résumé:

Devenu l'objet de la divulgation des intérêts financiers à des spécialistes dans le monde de l'argent et de l'organisation, ainsi que les organisations et organismes intergouvernementaux et organisations non gouvernementales, et devient même une mesure définie par l'évolution de chaque établissement, financier et standard pour l'application des principes des institutions de bonne gouvernance et l'efficience des marchés financiers, non seulement pour les avantages du développement économique et financière l'institution, mais parce qu'elle empêche le strict respect des actes illégaux se produisent de temps en temps dans les marchés de capitaux, car c'était l'un des principes les plus fondamentaux de l'Organisation internationale pour les autorités des marchés financiers. Ayant pris la législation nationale régissant les marchés financiers de ce principe, en fonction des conditions économiques et politiques de chaque pays, mais avec l'importance croissante du principe de la prévention d'actes illégaux qui sont criminelles dans de nombreux cas, la tendance actuelle est à des règles mondiales de l'information financière, et que ce résultat est obtenu, nous allons examiner cet article ont reconnu l'importance de l'information financière dans la prévention des crimes, le marché boursier, et de voir la position de la législation algérienne depuis l'introduction de ce principe, comme le font certains modèles de législation comparée.

مقدمة:

يتوقف قرار الاستثمار على الحصول على المعلومة التي تؤثر بالأخص على نفسية متخذ القرار، لأجل ذلك فقد قيل بأن البورصة لا تعبر عن حالة اقتصاد ما بقدر ما تعبر على نفسية المستثمر.

ونفسية المستثمر تتحكم فيها المعلومات المتوفرة عن السوق والتي كثيرا ما تكون أرضا خصبة للشائعات وترويج للأخبار المضللة، لأجل هذا كثيرا ما نجد في سوق الأوراق المالية ما يسمى بسياسة القطيع والتي عصفت بكثير من الأسواق المالية، ومن هنا كانت الحاجة ملحة للإفصاح المالي، وأصبح من الضروري لمتخذ قرار الاستثمار الحصول على المعلومة اللازمة في الوقت المناسب ليتخذ قراره بطريقة صحيحة.

وعليه سوف نتناول في هذا البحث أهمية الإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة وموقف المشرع الجزائري منه، وذلك بتعريف الإفصاح المالي وإبراز دوره في منع حدوث ممارسات تضر بسوق الأوراق المالية والتي هي سلوكات مجرمة قانونا، ثم نتطرق إلى بيان موقف التشريعات المقارنة من الإفصاح المالي ومدى اخذ المشرع الجزائري به لاسيما بعد تبني الجزائر معايير المحاسبة الدولية من خلال إقرار النظام المحاسبي المالي إبتداءا من: 01/01/2010 بعد حوالي 32 سنة من تطبيق المخطط المحاسبي الوطني، وهذا للتماشي مع متطلبات الإفصاح المالي، الأمر الذي يجعل القوائم المالية غير مضللة وملائمة لمستخدميها من الأطراف الخارجية التي ليس لها سلطة الاطلاع على الدفاتر والسجلات للشركة (1) . ونخلص في ختام هذا البحث إلى النتائج المتوصل إليها.

أولا- تعريف الإفصاح المالي:

يرتبط مفهوم الإفصاح المالي بالشركات التجارية التي تصدر الأوراق المالية وهي شركات المساهمة والتوصية بالأسهم والتي تنشط في الميدان الاقتصادي والإفصاح المالي التزام دوري يقع على عاتق هذه الشركات، نص عليه القانون التجاري بالأساس بنشر وإعلان البيانات والمعلومات المتعلقة بأنشطتها التجارية المختلفة وتقديمها بصفة دورية للجهات المشرفة والرقابية، وحملها إلى علم الجمهور وبشكل خاص إلى المساهمين بكافة الوسائل التي تمكنهم من الاطلاع عليها(2).

ويختلف مفهوم الإفصاح والشفافية عن مفهوم الالتزام بالنصيحة والالتزام بالتبصير اللذين يقعان على عاتق الوسيط في سوق رأس المال(3).

كما أن مفهوم الإفصاح والشفافية يتداول كثيرا في أوساط المتعاملين في الأوراق المالية و لكن دون وجود مفهوم موحد له و ذلك راجع إلى اختلاف المصالح بين المتعاملين في سوق الأوراق المالية و لهذا امتد الخلاف أيضا إلى حدود الإفصاح والشفافية وبيان المعلومات التي يجب الإفصاح عنها من تلك التي تشكل معلومات احتكارية أو امتيازيه أو تلك التي من شأنها الإضرار بمصالح الشركة.

ويعرف البعض الإفصاح بأنه تعهد الجهات المصدرة للأوراق المالية بنشر وإعلان البيانات والمعلومات والتقارير المتعلقة بنشاطاتها وأوضاعها المالية والاقتصادية وتقديمها بصفة دورية وكذلك في الحالات الاستثنائية للجهات المشرفة والرقابية بما فيها الهيئات العامة للأوراق المالية وإرادات البورصات وحملها إلى الجمهور وبشكل خاص إلى المساهمين الحاليين و المحتملين وغيرهم بكافة الوسائل التي تمكنهم من الاطلاع عليها(4)، ويضيف البعض شرطا آخر لتحقيق الشفافية وهو أن تكون هذه المعلومات و البيانات المفصح عنها معبرة عن المركز الحقيقي والواقعي للشركة(5) وكحد أدنى يجب أن يتضمن الإفصاح معلومات تساعد مستقبلها على اتخاذ قرار الاستثمار وهو ما يعرف بفكرة الأهمية أو مادية المعلومة و التي يمكن تعريفها بأنها المعلومات التي قد يؤدي حذفها أو تحريفها إلى التأثير على القرارات الاقتصادية التي يتخذها مستخدمو المعلومات.

والإفصاح المالي تبعا لوظائفه وأهميته لكونه يعتبر أساس أي سوق مالي ناجح فإنه يتعدد إلى عدة أنواع(6) ففيه الإفصاح الكامل، الإفصاح العادل، الإفصاح الكافي، الإفصاح الملائم، الإفصاح التثقيفي، الإفصاح الوقائي، وبالنظر إلى ميعاده فإن هناك الإفصاح التمهيدي والذي يتم قبل إدراج الشركة المصدرة أوراقها في البورصة والإفصاح الدوري الذي يتم في فترات محددة وهو عادة في نهاية كل سنة مالية وهناك الإفصاح الفوري والذي يتم عند وقوع أي حدث هام في حياة الشركة.

ونظرا لما للإفصاح المالي من دور فعال في سوق الأوراق المالية بصفة خاصة كما سنرى لاحقا، فإن التشريعات المقارنة المتعلقة بالبورصات فقد خصته بحماية جزائية مزدوجة فقد تم تجريم عدم الإفصاح في صورتين واحدة ايجابية واخرى سلبية.

فالحماية الايجابية تحققت بتجريم عدم الإفصاح المالي وعدم احترام الشركات المقيدة في البورصة لهذا الالتزام وفرضت عليها جزاءات مدنية ومالية وجزائية.

والحماية السلبية تتحقق في تجريم نشر معلومات خاطئة بمناسبة الإفصاح المالي.

نظرا لما للإفصاح المالي من أهمية فقد أقرت له بعض التشريعات قانونا خاصة به من ذلك القانون الكويتي رقم 02 لسنة 1999 في شان الإعلان عن المصالح في أسهم الشركات المساهمة المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية والذي أدرج في أحكام القانون رقم:07 لسنة2010 في الفصل العاشر منه ،فحدد آليات الإفصاح وشروطه وقواعده ، وحدد الجزاءات المترتبة على المخالفات المتعلقة بالإفصاح.

وقد أصبحت عبارة الإفصاح والشفافية عبارتان متلازمتان تدلان على مفهوم جديد في تسيير الشركات و هو حوكمة الشركات الاقتصادية. وترتبط عبارة الإفصاح والشفافية من جهة أخرى بمفهوم كفاءة السوق المالية، فالإفصاح والشفافية معيارا لحوكمة الشركات و لكفاءة الأسواق المالية.

لأجل هذه الأهمية المتعاظمة للإفصاح المالي فقد كثر الحديث عنه في الأوساط المالية والاقتصادية و محل بحث ودراسة من طرف الباحثين و الاكادميين.

و ارتبط مفهوم كفاءة سوق الأوراق المالية بمدى توفر الانفتاح المالي في هذه السوق و اعتبرت سوق الأوراق المالية الكفوءة السوق الذي يعكس سعر السهم الذي تصدره منشاة ما , كافة المعلومات المتاحة عنه سواء تمثلت تلك المعلومات في القوائم المالية أو معلومات تبثها وسائل الإعلام و بالتالي فإن كفاءة السوق المالية تعكس نظام المعلومات عن أداء الشركة المصدرة للأوراق المالية(7).

1/ الإفصاح والشفافية معيارا لحوكمة الشركات:

لقد ظهر مفهوم حوكمة الشركات منذ عقدين من الزمن و بالرغم من ذلك لا يوجد تعريف موحد أو متفق عليه, فتعرفه مؤسسة التمويل الدولية IFC بأنها النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات و التحكم في أعمالها، و تعرفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بأنها مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من المساهمين.

وتتعدد التعاريف والمفاهيم لكننا نأخذ منها فقط ما يرتبط بموضوع بحثنا الأساس هو الإفصاح والشفافية حيث عرفه البعض بأنه وضع معايير وآليات حاكمة لأداء كل الأطراف من خلال تطبيق الشفافية وسياسة الإفصاح عن المعلومات وأسلوب لقياس الأداء ومحاسبة المسؤولين ومشاركة الجمهور في عملية الإدارة والتقييم.

وتعتبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الشفافية والإفصاح أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها مفهوم الحوكمة.

وقد حمت التشريعات مبدأ الإفصاح والشفافية كأداة لحوكمة الشركات, فجرمت بعض السلوكات مثل: المخالفات المتعلقة بجمعيات المساهمين والمخالفات التي تطرأ على رأس مال الشركة, أو تنقص من ممارسة المساهمين لحقوقهم وغيرها, وهي المخالفات التي أصبحت تشكل في الفقه فرعا جديدا من فروع القانون الجنائي يعرف بالقانون الجنائي للشركات(8).

ولقد بدأ مفهوم الحوكمة يظهر بعد سلسلة الانهيارات المالية والاقتصادية بعدد من أسواق المال العالمية و ارجع المحللون الاقتصاديون أسباب هذه الأزمات الاقتصادية إلى أسباب عديدة أهمها عدم كفاءة الإدارة بالشركات و عدم الإفصاح على المعلومات و غياب الشفافية في التسيير.

وباستخدام مفهوم الحوكمة الرشيدة بمبادئه ولا سيما الشفافية والإفصاح من شأنه أن يحافظ على الثقة في أسواق المال و أن غياب هذا المعيار معيار الإفصاح والشفافية يؤدي إلى ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية وتكون نتائجه وخيمة ليس بالنسبة للشركة فحسب بل ولإقتصاد الدول ككل من خلال إعاقة الأسواق على أداء عملها.

ولتحقيق مبدأ الإفصاح و الشفافية الذي يبنى عليه مفهوم الحوكمة كما هو معلن عنه في مبادئ الحوكمة لدى منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية ينبغي توفير المعلومات عن المنشأة الاقتصادية فيما يتعلق بالأساس بالنتائج المالية للمؤسسة أهداف المؤسسة، أعضاء مجلس الادراة و رواتب كبار المسؤولين، هيكل وسياسات الحوكمة السابقة في المؤسسة ويتم إعداد ومراجعة المعلومات والإفصاح عنها طبقا لمعايير المحاسبة المتعارف عليها عالميا(9).

2/ الإفصاح والشفافية معيارا لكفاءة الأسواق المالية:

للسوق المالية الكفؤة دور فعال في جلب التمويل للمؤسسة الاقتصادية، خاصة بعد تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي واللجؤ إلى الخوصصة، بالإضافة إلى عدم قدرة القنوات البنكية على التمويل اللازم، كل ذلك جعل للسوق المالية الكفؤة دور فعال في تمويل المؤسسة، ويظهر ذلك من خلال الشروط التي فرضها المشرع على شروط التسجيل في سوق الأوراق المالية(10).

والسوق الكفؤة هي التي توفر إذن رؤوس أموال لاستثمارها في مشاريع مربحة، ولا يتم ذلك إلا من خلال توفر المعلومات عن تلك الأصول المالية وتمكين المتعاملين في السوق المالي من التعامل في الوقت المناسب بهذه المعلومات .ويجمع الباحثون على أن توفر المعلومات ووصولها إلى كافة المستثمرين بأقل تكلفة من أهم الشروط الضرورية لكفاءة الأسواق المالية .فالتغيير في المعلومات حول العرض والطلب يؤدي حتما إلى التغيير في سعر الورقة المالية ،مما يعني أن الأسعار تعكس كافة المعلومات المتاحة عن الأوراق المالية، أو ما يسمى بالكفاءة الخارجية أو كفاءة المعلومات(11).

وعليه، فإن كفاءة سوق الأوراق المالية تتوقف على كفاءة نظم المعلومات المالية(12) وإتاحتها أمام المتعاملين في السوق المالي من مستثمرين وإدارة هذه السوق، وكذا الجهات الحكومية، ومراقبي الحسابات, فالمعلومة المالية هي القلب النابض في السوق المالي(13).

من جهة أخرى فإن من الأسباب التي تجعل من الشفافية والإفصاح معيارا لكفاءة السوق المالي ما نشهده اليوم من تطور لما يسمى بالهندسة المالية وشيوع مصطلحات دون إدراك لمحتواها عند كثير من المتعاملين في السوق المالي، مثل بيان بيتا وجاما وغيرهما وهذه المؤشرات الرياضية مصممة لقياس درجة الخطر تبنى على ما يتوفر من معلومات، واستعمال هذه المؤشرات انتهى إلى أن كثيرا من الأوراق المالية آمنه بينما هي في منتهى الخطورة. وعليه فإنه إذا كانت تلك النماذج قائمة على معلومات غير صحيحة فإنها ستؤدي إلى استنتاجات خاطئة مما يؤدي إلى زعزعة الثقة في هذه السوق، وبالعكس فإنه كلما كانت المعلومات المتوفرة صحيحة أي التقيد بمبدأ الإفصاح والشفافية فإن تلك النماذج الرياضية تؤدي إلى استنتاجات صحيحة مما يعزز الثقة في السوق ويكرس كفاءتها.

كذلك فإن الإفصاح والشفافية يعززان كفاءة السوق المالي لما توفره المعلومات المتاحة إمام صغار المستثمرين، مما يؤدي إلى التقليل نوعا ما مما يسمى بسياسة القطيع التي يتبعها صغار المستثمرين نظرا لعدم قدرتهم على التحليل المالي من جهة، ولعدم توصلهم بالمعلومات من جهة أخرى.

ثانيا: دور الإفصاح المالي في الوقاية من الجرائم البورصية:

تهدف التشريعات المقارنة إلى حماية سوق الأوراق المالية من كل الممارسات التي تؤثر في أداء هذه الأسواق التي لوحدث ما يسيء أدائها لأدت إلى كوارث اقتصادية ومالية لا يمكن توقع آثارها.

ولعل المتتبع للازمات الاقتصادية العالمية يرى أن السبب الأساسي لحدوثها وقوع ممارسات غير قانونية حدثت في سوق الأوراق المالية وبالتحديد فإن السبب الرئيسي في حدوث الأزمات المالية العالمية على مر التاريخ المالي العالمي يعود إلى عدم احترام قواعد الإفصاح المالي والشفافية.

و ما تجدر الإشارة إليه منذ البدء أن هذه السلوكات غير المشروعة التي تحدث في الأسواق المالية  والمسببة للازمات المالية العالمية ليس سببها  هذه المرة الدول النامية كما جرت العادة على إرجاع أي أسلوب غير مرضي إلى  هذه الدول بل أن اغلب الأزمات المالية العالمية  كانت متأتية من ممارسات ارتكبت داخل البورصات الغربية الأكثر تقدما و لعل أشهر الأمثلة على ذلك ما يسمى بأزمة فقاعة شركات الانترنيت و لا سيما شركة وورلدكوم worldcom التي أفلست سنة 2002 بسبب فضائح التزوير في الحسابات.

كما يرجع الباحثون أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعرف بأزمة الكساد الكبير سنة 1929 و التي كادت أن تعصف بالنظام الرأسمالي إلى انعدام الشفافية و الإفصاح و الرقابة الداخلية على أسواق الأوراق المالية الأمريكية حيث قامت عدة شركات بالتلاعب بالأرقام المحاسبية المنشورة لإظهار أنها في وضعية جيدة فإرتفعت قيمة أسهم هذه الشركات إلا انه سرعان ما انكشفت حقيقة تلك الأرقام فانخفضت قيمة أسهم هذه الشركات و انهيارها بالتبعية مما خلق حالة كساد كبير في الولايات المتحدة الأمريكية بعدما واصل مؤشر دوجونز في الانخفاض لمدة ثلاث سنوات إلى غاية 1932 . أين إنتهى الأمر بإنشاء هيئة تداول أوراق مالية وتم إصدار قانون الأوراق المالية عام 1932 والذي يعد قانونا للإفصاح(14).

لقد دلت هذه الإشارات التاريخية إلى أن الأزمات العالمية مرتبطة بالانهيارات التي حدثت في البورصات المختلفة، هذه الانهيارات يعود السبب الرئيسي في حدوثها إلى مخالفات مبدأ الإفصاح سواء في جانبه الايجابي أو السلبي، أي عدم التقيد بهذا المبدأ أصلا من الشركات المستثمرة في البورصة أو تقوم بنشر معلومات خاطئة.

والمعلومة الاقتصادية والمالية هي جوهر التعامل في سوق الأوراق المالية والتي يتم الحصول عليها عن طريق الإفصاح المالي من طرف المتعاملين في هذه السوق فالإفصاح يوفر مناخا عادلا للاستثمار ويزيد من فرصة نمو السوق وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي في البلد فقد أثبتت الدراسات الاقتصادية أن معدل النمو الاقتصادي يمكن رفعه برفع معدل التداول في البورصة.

والتقيد بمبدأ الإفصاح كما ينص عليه القانون يمنع القائمين على إدارة الشركة المسعرة في البورصة من استغلال المعلومات الامتيازية قبل إعلانها للجمهور وذلك تحت طائلة الجزاءات العقابية، وهكذا فرض القانون على المطلعين على المعلومات التزام بعدم استغلال المعلومة التي لم يطلع الجمهور عليها بموجب واجب الإفصاح.

وعليه فإنه كلما ازداد العمل بمبدأ الإفصاح والشفافية أي كلما كانت المعلومات متاحة للجمهور وللمستثمرين خصوصا كلما نقص التعامل المحظور لهذه المعلومات الامتيازية، فالعلاقة إذن علاقة طردية. فالبورصة التي لا تفرض قواعد صارمة للإفصاح المالي تظهر فيها سلوكات غير مشروعة أهمها استغلال معلومات سرية لم تعلن للجمهور لتحقيق مكاسب أو لدرء خسائر، وهو ما يعرف بجريمة العالم بأسرار الشركة.

وما يلاحظ في تاريخ الجرائم البورصية أن جريمة استغلال معلومات امتيازيه لم تكن لتحدث إلا بخرق لواجب الإفصاح وهي من أكثر أنواع الجرائم البورصية حدوثا.

ومن جهة أخرى فإن التحايل على مبدأ الإفصاح بنشر معلومات خاطئة فإنه سلوك مجرم في حد ذاته وهو ما يعرف بجريمة نشر معلومات خاطئة، ذلك أن بعض المشاركين في البورصة قد يعمدون إلى نشر معلومات غير دقيقة وغير صحيحة عن وضعية تلك الأسهم المتداول فيها مما يهز ثقة السوق.

كما أن التقيد بمبدأ الإفصاح يجعل من المعلومات متاحة عن الشركات المسعرة في البورصة بشكل رسمي الأمر الذي يمنع حدوث الإشاعات داخل سوق البورصة، كذلك فإن مبدأ الإفصاح والشفافية وما يوفره من عدالة في الاستثمار يمنع التلاعب بأسعار الأوراق المالية أو ما يسمى بالمضاربة غير المشروعة.

وما يلاحظ أن النصوص المجرمة للسلوكات الماسة بشفافية المعاملات داخل سوق البورصة، إنما هي نصوص نستطيع القول أنها نصوص احتياطية لمبدأ الإفصاح والشفافية، الذي يجعل التقيد الصارم به من السوق المالي سوقا كفؤة خالية من أية ممارسات غير قانونية أو غير أخلاقية كذلك، لان الهدف الأسمى من مبدأ الشفافية والإفصاح هو جعل السوق المالي تراعى فيها المعايير الأخلاقية في التعامل وهو أساس كل تطور(15).

ثالثا: موقف التشريعات المقارنة من الإفصاح المالي:

يعد موضوع الإفصاح المالي من أهم الموضوعات المطروحة على الساحة العالمية، ومحط اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية، وذلك لأسباب عديدة يطول المقام لشرحها، لكن نذكر فقط أن حماية المستثمر على رأس الأولويات التي يهدف مبدأ الإفصاح والشفافية لتحقيقها.

وبالفعل، فقد جاءت مبادئ المنظمة الدولية لهيئات سوق المال (IOSCO) في هذا المضمار حيث نصت تحت عنوان المبادئ الخاصة بالشركات المصدرة للأوراق المالية على مبادئ فرعية تصب كلها في هدف واحد؛ وهذه المبادئ الفرعية هي أن يتوافر إفصاح كامل ودقيق وفي توقيت مناسب عن المؤشرات المالية، وكذلك المعلومات الأخرى التي تساعد المستثمرين في اتخاذ قراراتهم، ويتعين أن يعامل مالكو الأسهم بأسلوب يتسم بالعدل والمساواة، وأخيرا يجب أن تكون معايير المحاسبة والمراجعة في أعلى المستويات المقبولة عالميا.

إن هذه الأهمية الكبرى للإفصاح المالي جعلت الدول تتبنى هذا المبدأ وفقا لظروف كل دولة ودرجة تطورها الاقتصادي إلى درجة أن بعضا من الدول قد أفردت قانونا خاصا بالإفصاح المالي فقد أقر المشرع الكويتي في أول الأمر قانونا خاصا بالإفصاح المالي(16)، إلا انه كان محل انتقاد لعدم وضوح بنوده، وصعوبة تفسيرها نظرا لكثرة الإحالات من القانون إلى ما تحدده هيئة سوق الكويت للأوراق المالية، ونتيجة لذلك ولما أدى التطبيق العلمي لهذا القانون من أضرار لصغار المستثمرين فقد تم إلغاء هذا القانون بالقانون رقم: 07 لسنة 2010 المتعلق بإنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية، ونص على واجب الإفصاح في الفصل العاشر منه تحت عنوان: الإفصاح عن المصالح في المواد 100 إلى 107 وألزم المشرع الإفصاح فيه عن المصالح من طرف مديري الشركات المساهمة في البورصة وكذلك إفصاح المستفيد، وهو الشخص الذي له مصلحة تمثل: 05% فأكثر من رأسمال الشركة المدرجة في البورصة، كما أشار القانون إلى أن الملتزم بالإفصاح يتحمل المسؤولية عن عدم الإفصاح.

وفي القانون القطري، فقد نص المرسوم الأميري رقم: 14 لسنة 2007 المتعلق بإنشاء هيئة قطر للأسواق المالية، حيث اشترطت المادة 18 منه الإفصاح الدوري والفوري على نتائج التشغيل والتطورات والأحداث الجوهرية ذات التأثير على أسعار الأوراق المالية وشفافية التداول وعدالة ونزاهة التعامل في السوق، إذ عاقب المشرع في المادة 37 من المرسوم على الإفصاح الكاذب.

وفي القانون الإماراتي فقد نص القانون رقم: 04 لسنة 2000 المتعلق بإنشاء هيئة سوق الإمارات للأوراق والسلع(17) على واجب الإفصاح في المواد: 33 إلى 35, حيث أعطى للمجلس (مجلس هيئة السوق) الصلاحية التامة في إلزام أي شخص ذي صلة بنشاط الأوراق المالية بالإفصاح العلني، وبتقديم أية بيانات، وله أن يأمر بإجراء أي تحقيق في ذلك، كما تلزم المادة 34 من القانون الشركات التي تم قبولها في البورصة إبلاغ المجلس بأية معلومة تؤثر على أسعار تلك الأوراق حال توفرها لديها.

وفي القانون الأردني فإنه نظرا لأهمية الإفصاح المالي، فإنه أقر له حماية خاصة، فنص المشرع الأردني على مخالفة عدم الإفصاح في المادة 42 من القانون رقم: 76 لسنة 2002 المتعلق بقانون الأوراق المالية، وفرض على عدم الإلتزام بواجب الإفصاح غرامة مالية تحدد قيمتها هيئة الأوراق المالية(18).

وفي القانون المصري فقد أولى المشرع عناية خاصة للإفصاح المالي وتعزيز شفافية المعاملات داخل سوق البورصة بإدخال قواعد الحوكمة وفرضها على الشركات المسعرة في البورصة، فقد صدر القانون رقم: 123 لسنة 2008 وادخل بعض التعديلات على قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم: 95 لسنة 1992 وأهم ما جاء به التعديل هو رفع قيمة الغرامات إلى حد 20 مليون جنيه مصري في بعض المخالفات لقواعد السوق، وقد جاء في التعديل أيضا إنشاء سجل خاص بمراقبي الحسابات الذي يجوز لهم مراقبة ومراجعة الشركات الفاعلة في مجال الأوراق المالية، وكانت هيئة الأوراق المالية قد أصدرت قرارا رقم: 11 لسنة 2007 بشأن القواعد التنفيذية لحوكمة الشركات العاملة في مجال الأوراق المالية وضرورة التزام هذه الشركات بها، كأحد متطلبات استمرار الترخيص بمزاولة النشاط، وقد شملت هذه القواعد بالخصوص ما يسمى بقواعد الحوكمة للالتزامات العامة بالإفصاح. 

وفي القانون الأمريكي، فقد نص على ضرورة الإفصاح عن المعلومات التي تطلبها لجنة الأوراق المالية، إبتداءاً من إصدار الأوراق المالية إلى التقارير الدورية، فقد نصت المادة 05 من قانون الأوراق المالية لسنة 1933 على وجوب تسجيل كافة المعلومات الضرورية بشكل سليم ودقيق وتسجيل هذه المعلومات لدى لجنة الأوراق المالية التي تقوم بالتأكد من هذه المعلومات(19).

وفي القانون الفرنسي، فإن لواجب الإفصاح والشفافية مصدرين، قانوني نص عليه قانون الشركات الفرنسي الصادر في 24 يونيو 1966 الذي نظم خصائص حق الإطلاع للمساهمين أو الشركاء، وكذلك ما نصت عليه لوائح لجنة عمليات البورصة التي ما انفكت تلح على واجب الإفصاح في كل قرار تصدره وأما المصدر الآخر لواجب الإفصاح والشفافية في القانون الفرنسي فهو امتداد للأول وهو مصدر أخلاقي وترجمة للإلتزام بحسن السلوك ومبادئ الشرف والصدق(20).

رابعا: موقف المشرع الجزائري من إقرار مبدأ الإفصاح المالي:

ظلت الشركات التجارية في الجزائر إلى وقت قريب تعيش في مناخ الاقتصاد الموجه، ومع بداية الإصلاحات الاقتصادية منذ 1988 وما تلاها من إصلاح، تم التركيز في مسار كل  الإصلاحات المقترحة على المؤسسة الاقتصادية باعتبارها أداة لتكوين الثروة ، وبالرغم من أن القطاع العام كان هو المهيمن، فقد تم إعادة هيكلة المؤسسات العمومية في الشكل التجاري وإعطائها قدرا من الحرية والتمتع بالاستقلالية في التسيير، وإدخال بذلك فكرة المتاجرة بالتزامن مع تقليص دور الدولة، أي دور الخزينة العمومية في تمويل الاقتصاد وهذا لصالح القطاع الخاص.

وهذا المسعى الجزائري من أجل الانتقال إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد العالمي شيئا فشيئا، حتم على السلطات الالتزام بخوصصة القطاع العام والانفتاح على المبادرات الخاصة الوطنية منها والأجنبية.

وفي ظل حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي باشرتها وتباشرها الجزائر لم تكن مبادئ الاقتصاد الجديد غائبة عن اهتمامات السلطات العمومية، فقد كانت الجزائر من أول المبادرين لمشروع النيباد الذي يقضي بضرورة التقييم الدوري للدول الأعضاء فيما يتعلق بتطبيق معايير الحوكمة وجعلت المبادرة تأتي من القطاع الخاص لتطوير تسيير المؤسسة تماشيا مع المفهوم الحديث ألا وهو حوكمة الشركات.

فلقد قامت السلطات العمومية بتشجيع ورعاية مبادرة فريق العمل الجزائري لحوكمة الشركات، والذي توج نشاط أعماله بإصدار ميثاق الحكم الراشد للمؤسسة في الجزائر العام 2009؛ وهو عبارة عن ميثاق ذو صبغة تعليمية يهدف إلى مساعدة رؤساء الشركات على التحكم في الأدوات الأساسية للقيام بتطبيق مبادئ حوكمة الشركات بشكل فعال.

ولقد زاد الوعي بقضايا الحكم الراشد للمؤسسة في الجزائر على إثر المرور نحو اقتصاد السوق حديث وفعال قائم على خلق الثروة وبديل لاقتصاد النفط مما يحتم الانتقال النوعي إلى عالم الأعمال والمؤسسة، خاصة بالنظر إلى ما يملكه الاقتصاد الجزائري من طاقة كامنة للنمو والتطور خارج نطاق المحروقات ولا سيما من القطاع الخاص حيث وصلت نسبة الناتج المحلي إلى أقصاها سنة 2006(21).

وبغير ما نص عليه القانون التجاري من وجوب نشر الحصيلة السنوية لنشاط المؤسسة طبقا لنص المادة 716 من القانون التجاري وما أقر له المشرع من حماية جزائية في المادة 811 التي تعاقب على نشر ميزانية غير مطابقة للواقع لإخفاء حالة الشركة الحقيقة أو توزيع أرباح صورية، وكذلك المادة 813 التي تعاقب على التخلف عن وضع التقرير المالي عن السنة المالية المنصرمة، فإن المشرع الجزائري لم يفرد نصا خاصا بالإفصاح المالي بالرغم من أهميته.

وحتى بعد صدور المرسوم التشريعي رقم:93-10 المؤرخ في: 23/05/1993 المتعلق ببورصة القيم المنقولة المعدل والمتمم لم ينص المشرع بشكل صريح على واجب الإفصاح المالي إلا ما يفهم من القسم الثالث تحت عنوان وظيفة المراقبة والرقابة للجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها، فنصت المادة 35 على أن تتأكد اللجنة من تقيد الشركات المسعرة في البورصة بالأحكام التشريعية والتنظيمية ولا سيما في مجال النشر القانونية.

كما لم ينص المشرع على واجب الإفصاح في هذا القانون إلا على الشركات التي تصدر قيما منقولة بالتجائها على التوفير العلني؛ بأن تنشر قبل ذلك مذكرة لإعلام الجمهور تتضمن البيانات الإجبارية المنصوص عليها في القانون التجاري، إلا انه بعد التعديل الصادر سنة 2003 بموجب القانون 03-04 المؤرخ في: 17/02/2003 المعدل للمرسوم التشريعي 93-10 المذكور حيث نصت المادة 41 على انه يجب على كل شركة  أو مؤسسة عمومية تصدر أوراقا مالية أو أي منتوج مالي آخر باللجوء العلني للادخار أن تنشر مسبقا مذكرة موجهة إلى إعلام الجمهور تتضمن تنظيم الشركة ووضعيتها المالية وتطور نشاطها.

كما ألزم التعديل كل شركة تطلب قبول سنداتها  للتداول في البورصة أن تنشر مسبقا مذكرة، كما استحدث التعديل المادة 65 مكرر التي نصت على التزام كل شخص طبيعي أو معنوي امتلك عددا من الأسهم أو حقوق التصويت بما يمثل أكثر من الجزء العشرين أو العشر أو الخمس أو الثلث أو النصف أو الثلثين من رأس مال الشركة التي تكون أسهمها متداولة في البورصة, أوجبت عليه أن يصرح بذلك للجنة تنظيم عمليات البورصة, ولشركة تسيير بورصة القيم المنقولة في أجل خمسة عشر يوما من تاريخ تجاوز الحد الأدنى للمساهمة, عدا ذلك فقد خلا المرسوم التشريعي 93-10 من الإشارة إلى واجب الإفصاح المالي الذي هو أساس كل سوق مالي.

وبالرجوع إلى الأنظمة التي أصدرتها لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها، فإنها قد أصدرت النظام 96-02(22) المؤرخ في: 22 يونيو 1996 والمتعلق بالإعلام الواجب نشره من طرف الشركات التي تلجأ للادخار علانية عند إصدارها قيما منقولة، وهو النظام المعدل بموجب نظام رقم: 04/01 المؤرخ في: 08 يونيو 2004(23).

وجاء هذا النظام حسب المادة الأولى منه بتعريف الشروط والإجراءات العملية المرتبطة باللجوء العلني إلى الادخار عند إصدار القيم المنقولة  طبقا لأحكام المواد:31- 40 إلى 43 من المرسوم التشريعي 43-10 المؤرخ في 23 مايو1993 والمتعلق ببورصة القيم المنقولة، وقد ألزم النظام في المادة 03 منه كل شركة أو مؤسسة عمومية تقوم بإصدار قيم منقولة باللجوء العلني إلى الادخار، بوضع مذكرة لأعلام الجمهور وتتضمن مجموعة من العناصر الإعلامية التي من شانها تمكين المستثمر اتخاذ قراره عن دراية، وفضلا عن البيانات المنصوص عليها في القانون التجاري يتعين أن تتضمن المذكرة الإعلامية:

- تقديم مصدر القيم المنقولة وتنظيمه.

- الوضعية المالية.

- تطور النشاط.

- موضوع العملية المزمع إنجازها وخصائصها.

ويجب أن تودع هذه المذكرة الإعلامية لدى لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها شهرين على الأقل قبل تاريخ الإصدار وللجنة الصلاحية في فرض تعديلات على المذكرة الإعلامية فيما يخص نوعية الإعلام المقدم أو أن تشترط توضيح المعلومات أو تعديلها أو تحيينها(24).

كما يمكن للجنة أن ترفض منح تأشيرتها للأسباب التي عددتها المادة 06 من النظام والتي من أهمها إذا كانت متطلبات حماية المدخرين تقتضي ذلك.

وفضلا عن المذكرة الإعلامية المشار إليها سابقا فإنه يتعين على المصدر بطبع بيان إعلامي ملخصا لما جاء في المذكرة ونشره, وفي حالة حدوث تغير هام في المعلومات المقدمة في المذكرة الإعلامية يجب إدخال التعديل على المذكرة وإيداعه لدى اللجنة، التي إن رفضت التعديل يوقف توظيف القيم المنقولة . كما صدر نظام رقم 2000-02 المؤرخ في 20 جانفي 2000 المتعلق بالمعلومات الواجب نشرها من طرف المؤسسات التي تكون قيمها مسعرة في البورصة.

وما يلاحظ على قانون البورصة الجزائرية وأنظمتها أنها لم تفرد لموضوع الإفصاح المالي المكانة التي يستحقها، فإذا كان الإفصاح المالي هو من الشروط الأكيدة في عالم الإعمال والمؤسسة فإنه من أوكد الشروط في عالم البورصة، وبالرغم من ذلك لم ينص عليه المشرع إلا في حالة الشركات التي تلجا للادخار العلني عند إصدارها قيما منقولة.

وإذا كان المشرع قد أشار باقتضاب شديد إلى شرط نشر مذكرة إعلامية من طرف الشركات التي تريد طرح أسهمها في البورصة فإنه كان على لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها على الأقل إفراد نظاما خاص بالإفصاح المالي يخص كل شركة تريد طرح أسهمها في البورصة.

الخاتمة:

نصل في ختام هذا البحث لأهمية الإفصاح المالي في الوقاية من جرائم البورصة إلى الدور الفعال للإفصاح المالي وانعكاساته الإيجابية على شفافية المعاملات داخل سوق الأوراق المالية الأمر الذي يعزز عدالة هذه المعاملات، مما يقوي الثقة في السوق ويجعل منها سوقا كفؤة تضمن التمويل الكافي والدائم للمؤسسة المسعرة في البورصة، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسبة التبادلات في السوق، وبالتالي زيادة معدلات النمو في الاقتصاد.

ولأجل هذه الأهمية فإن الإفصاح المالي يمنع حدوث ممارسات غير قانونية داخل السوق المالي مما يضمن ديمومتها ويجعلها بمنأى عن الأزمات المالية مما حدا بالتشريعات المقارنة إلى إعطاء دور فعال للإفصاح المالي بالنص عليه وتحديد مجاله والأشخاص الملزمين به وتحديد فترات القيام به وجزاءات الإخلال بهذا الواجب الذي يصل إلى حد سحب الترخيص من التداول داخل البورصة.

وبالرغم من كل ذلك فإن المشرع الجزائري لم يعطي لموضوع الإفصاح المالي داخل البورصة الأهمية المعترف بها له عالميا، ونقترح أن يتدخل المشرع، أو على الأقل تدخل لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها بسن النظم اللازمة والمؤطرة لواجب الإفصاح المالي على غرار التشريعات المقارنة، مادامت الجزائر بصدد فتح باب الاستثمارات، والذي لن يكون مجديا إلا بتشجيع العمل في سوق الأوراق المالية.

الهوامش

1- محمد أبو زيد- المحاسبة الدولية وانعكاساتها على الدول العربية- القاهرة 2005- ص: 578. ذكره : د/ زغدار احمد وأ/ صغير محمد في مقال : خيار الجزائر بالتكيف مع متطلبات الإفصاح وفق معايير المحاسبة الدولية- مجلة الباحث عدد: 07- 2009-2010 ص: 84.

2- جمال عبد العزيز لقمان: الإخضاع إلى الشفافية في المعلومات المتعلقة بالإدارات المالية المتداولة في البورصة – دراسة مقارنة – دار النهضة العربية القاهرة 2010- ص :124.

3- د/ جمال عبد العزيز لقمان مرجع سابق ص 129.

4- جمال عبد العزيز لقمان: مرجع سابق ص 124

5- د/عبد المجيد قدي – إمكانية تطبيق مبادئ منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية بخصوص حوكمة الشركات في البلاد العربية – الجزائر نموذجا- مقال منشور على الموقع الالكتروني: www.kamtakji.com/fight/files/manade/911.doc

6- د /لطيف زيود – د/ حافظ قيطم – نغم احمد فؤاد معنية – دور الإنتاج المحاسبي في سوق الأوراق المالية في ترشيد قرار الاستثمار – مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية عدد:01-2007.

7- د/مفتاح صالح – أ معارفي فريدة: متطلبات كفاءة سوق الأوراق المالية – دراسة لواقع الأوراق المالية العربية و سبل رفع كفاءتها – مقال نشرته مجلة الباحث عدد:07-2009/2010 ص 181

8 Coralie Amboise –castérot Droit penal special et des affaires- lextenso editions      page 413 et s.

9- د/ عبد المجيد قدي :مرجع سابق.

10- أ سويسي الهواري ، أ دبون عبد القادر –مداخلة بعنوان:الخوصصة والسوق المالية في سياق التحولات الاقتصادية في الجزائر –مقدمة خلال الملتقى الوطني الأول حول المؤسسة الاقتصادية الجزائرية وتحديات المناخ الاقتصادي الجديد أيام:22-23 أفريا 2003.

11- د- لطيف زيود و د حافظ قيطم- مرجع سابق.

12- د/مفتاح صالح –أ معارفي فريدة –مرجع سابق ص:182.

أنظر كذلك في هذا المعنى مقال : أهمية تطوير هيئة الرقاية على الأوراق المالية لرفع كفاءة السوق المالي من إعداد د/ دريد شبيب د/ عبد الرحمان الجبوري مقدم في المؤتمر العلمي الرابع بجامعة فيلادلفيا 15 و16 مارس 2005 مقال متاح على موقع جامعة فيلدلفيا.

13 Annie Mauduit- obligation d'information et responsabilité des intermédiaires financière. Thèse  de master 2 professionnel . Droit des affaires université panthéon -Assas paris II 2008

14- احمد مخلوف – الازمة المالية العاليمة و استشراف الحل باستخدام مبادئ الافصاح و الشفافية و حوكمة الشركات من منظور اسلامي – مداخلة قدمت في الملتقى العلمي الدولي حول الازمة المالية و الاقتصادية الدولية و الحوكمة العالمية ايم 20 – 21 اكتوبر  2009 جامعة فرحات عباس سطيف

15 Paul U Ali – greg n .gregoriou- insider trading global developments and analysis.CRC press-2008 page:35

16-  قانون رقم: 02 لسنة 1999 في شأن الإعلان عن المصالح في أسهم شركات المساهمة.                        

17- أنظر-خالد علي صالح الجنيبي- الحماية الجنائية الخاصة لسوق الأوراق المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة- منشورات الحلبي الحقوقية- الطبعة الأولى -2007- ص: 41.

18- د/ أحمد محمد اللوزي- الحماية الجزائية لتداول الأوراق المالية – دراسة مقارنة- الطبعة الأولى- 2010- ص: 144.

19- د/ أحمد محمد اللوزي- مرجع سابق- ص: 138.

20- د/ صالح أحمد البربري- بورصة الأوراق المالية والممارسات التي تؤثر في كفاءة آداء وظائفها وقواعد الضبط- رسالة دكتوراه- جامعة الإسكندرية 2001 – ص 29.

21- د/ عبد المجيد قدي- مرجع سابق.

22- جريدة رسمية عدد 36 سنة 1996.

23- جريدة رسمية عدد 22 سنة 2005.

24- المادتين 4 و5 من النظام 96-02 المتعلق بالإعلام الواجب نشره من الشركات التي تلجا للادخار علانية عند إصدارها قيما منقولة.

google-playkhamsatmostaqltradent