انقضاء الحق

انقضاء الحق

لا تبقى الحقوق قائمة إلى الأبد، بل لا بد من حصول وقائع أو تصرفات یترتب علیها انقضاء هذه الحقوق، لذا نقول أن الحقوق تتصف بالتأقیت.

فبالنسبة للحقوق الملازمة للشخصیة فبالرغم من أنها تثبت للكافة دون فرق بینهم وبصفة دائمة، ومع ذلك فقد یحرم الشخص منها بصفة مؤقتة نتیجة الحكم علیه بعقوبة جنائیة، وقد یحرم منها بصفة نهائیة كما في الحقوق السیاسیة التي تتأثر بالعقوبات الجنائیة، مما قد یؤدي إلى الحرمان من تولي الوظائف العامة، أو العضویة في المجالس المنتخبة، لذا فانقضاء مثل هذه الحقوق لن یكون موضوع دارستنا لكونها حقوق غیر مالیة.

أما الحقوق المالیة فتختلف أسباب انقضاؤها وزوالها باختلاف أنواع هذه الحقوق، سواء كانت حقوق شخصیة أم حقوق عینیة أم حقوق فكریة، وهذا موضوع دارستنا في هذا الفصل.

المبحث الأول: انقضاء الحقوق الشخصیة

الحق الشخصي أو حق الدائنیة هو علاقة اقتضاء بین شخصین أو أكثر یلتزم أحدهما وهو الدائن في مواجهة الآخر ویسمى المدین بالقیام بعمل، أو الامتناع عن عمل، أو إعطاء شيء.

تتمیز الحقوق الشخصیة بأنها حقوق مؤقتة بطبیعتها، ذلك أنها تنشيء علاقات بین الأفراد وتجعل بعضهم ملتزما في مواجهة البعض الآخر، ولا یمكن أن یكون هذا الالتزام أبدیا.

وتنقضي الحقوق الشخصیة بعدة أسباب قسمها القانون إلى ثلاث أسباب: الوفاء، ما یعادل الوفاء، وانقضاء الحق دون الوفاء به.

المطلب الأول: انقضاء الحق الشخصي بالوفاء

ینقضي الحق الشخصي بالوفاء، وقد نظم المشرع الجزائري طریقة الوفاء في المواد من 258 إلى 284 ق م ج.

الفرع الأول: تعریف الوفاء Du paiement

یقصد بالوفاء قیام المدین بالوفاء بعین ما التزم به اختیارا، والا كان للدائن أن یلجأ إلى السلطة العامة لإجباره على تنفیذ ما التزم به.

الفرع الثاني: شروط صحة الوفاء

یشترط القانون لصحة الوفاء شروط نصت علیها المادة 258 ق م ج والمادة 260 ق م ج وهي:

أولا: الوفاء اتفاق بین طرفین هما الموفي والموفى له: ویشترط في الموفي أهلیة التصرف فإذا كان ناقص أهلیة كان وفاؤه باطلا بطلانا نسبیا لمصلحته. كما یشترط في الموفي أن تكون إرادته سلیمة وخالیة من عیوب التراضي ویشترط فیه كذلك أن یكون مالكا للشيء محل الوفاء، وهذا م جاء بنص المادة 260 ق م ج: "یشترط لصحة الوفاء أن یكون الموفي مالكا للشيء الذي وفى به، وأن یكون ذا أهلیة للتصرف فیه".

ویشترط في الموفى له - الذي قد یكون الدائن أو من ینوب عنه أو خلفه العام أو خلفه الخاص- الأهلیة، فإذا كان ناقص الأهلیة فإن الوفاء یحصل لنائبه.

ثانیا: أن یكون الغرض من الاتفاق قضاء الدین: الوفاء یكون بقضاء دین واجب النفاذ مفروض على المدین لصالح الدائن، فإذا كان الدین نقدا وجب الوفاء به نقدا، واذا كان الالتزام عینا وجب الوفاء به عینا. وقد أعطت المادة 276 ق م ج الحق للدائن في عدم قبول الوفاء بغیر الشيء المستحق أصلا.

الفرع الثالث: نطاق الوفاء

یتحدد نطاق الوفاء من حیث الزمان ومن حیث المكان، فمن حیث الزمان، فالأصل أن یتم الوفاء فورا بمجرد الاستحقاق ما  لم یكن مؤجلا بنص قانوني أو قضائي أو اتفاقي.

ومن حیث المكان فإن مكان الوفاء یتحدد عبر الاتفاق كما قد یحدده القانون في حالة عدم الاتفاق، وهنا یجب الوفاء في المكان الذي انعقد فیه التصرف القانوني أو في موطن المدین.

الفرع الرابع: إثبات الوفاء

یثبت الوفاء بالكتابة إذا تجاوز مقدار الدین مائة ألف (100.000) دینار ج عملا بنص المادة 333 ق م ج، ویتخذ شكل المخالصة أو عن طریق البینة إذا وجد مبدأ ثبوت الكتابة حتى ولو لم یكن لها تاریخ ثابت.

كما یثبت الوفاء في حالة امتناع الدائن عن قبوله عن طریق إجراءات عرض الوفاء، ویجوز القیام بالإیداع أو بكل إجراء مماثل في حالات حددها القانون وتتمثل في:

- جهل المدین شخصیة أو موطن الدائن.

- إذا كان الدائن عدیم الأهلیة أو ناقص الأهلیة ولم یكن له نائب قانوني یقبل عنه الوفاء.

- إذا كان الدین محل نزاع بین عدة أشخاص.

ویحصل الایداع لدى أمانة ضبط المحكمة المختصة التي یقع في دائرة اختصاصها موطن المدین أو موطن المعروض علیه الوفاء أو مكان الوفاء.

المطلب الثاني: انقضاء الحق الشخصي بما یعادل الوفاء

قد لا ینقضي الحق بذاته عن طریق الوفاء، فقد یزول بطرق أخرى تقوم مقام الوفاء في انقضاء الحق، وهي: الوفاء بمقابل،

الفرع الأول: الوفاء بمقابل La dation en paiement

قد یستوفي الدائن حقه بشيء آخر بدلا من المحل الأصلي، وذلك باتفاق الدائن والمدین كاستیفاء مبلغ من النقود بدلا من ملكیة عقار أو العكس، فیكون الثاني عوضا عن محل الحق الأصلي، حیث جاء بنص المادة 285 ق م ج ما یلي: "إذا قبل الدائن في استیفاء حقه مقابلا استعاض به عن الشيء المستحق، قام هذا مقام الوفاء".

الفرع الثاني: التجدید La novation

باعتبار التجدید وسیلة لانقضاء الحق الشخصي، فماذا نقصد بالتجدید؟ وما هي صوره؟

أولا: تعریف التجدید: یقصد بالتجدید اتفاق صاحب الحق والملزم به على استبدال حق قدیم بحق جدید، فیترتب على ذلك انقضاء الحق القدیم وانشاء حق جدید یختلف عنه، إما في محله أو سببه أو أحد أشخاصه.

ثانیا: صور التجدید: یتم تجدید الحق وفقا نص المادة 287 ق م ج بإحدى الصور الثلاث الآتیة:

أ/ تغییر الدین في محل الحق أو مصدره بین طرفي الحق، فینقضي بذلك الحق الأصلي ویحل محله الحق الجدید.

ب/ تغییر المدین وذلك باتفاق بین الدائن مع الغیر بأن یحل هذا الأخیر محل المدین الأصلي، أو باتفاق بین الدائن والمدین على أن یحل شخص أجنبي محل المدین الأصلي، وهنا لا بد من رضاء الدائن بالمدین الجدید.

ت/ بتغییر الدائن عن طریق اتفاق بین الدائن والمدین والغیر، بأن یكون هذا الأخیر هو الدائن الجدید.

الفرع الثالث: الإنابة La délégation

سنتناول تعریف الإنابة وصورها فیما یلي:

أولا: تعریف الإنابة

تتم الإنابة باتفاق ثلاثة أشخاص: الغیر ویسمى المناب، والمدین ویسمى المنیب، والدائن ویسمى المناب لدیه. وتكون هذه الإنابة وفقا لنص المادة 294 ق م ج، في الحالات التي یحصل فیها المدین على موافقة الدائن بقبول الوفاء بالحث من قبل شخص ثالث أجنبي، غیر أنه لا یشترط أن تكون هناك علاقة مدیونیة سابقة على عقد الإنابة، بل قد تكون لاحقة علیه.

ثانیا: صور الإنابة

قد تكون الإنابة وفق صورتین هما:

أ/ الإنابة الكاملة: وهي التي تبرأ فیها ذمة المدین، فیكون هناك استبدال المدین، ویمكن فیها استبدال الدائن أیضا إذا وجدت علاقة دائنیة سابقة بین المنیب والمناب. ومثال ذلك أن یكون هناك بائع (أ) ودائن للبائع (ب)، ومشتري (ج)، فیقوم البائع (أ) بإنابة مشتري (ج) في دفع الثمن الذي علیه تجاه البائع إلى دائنه (ب). فالمشتري (ج) یصبح مدینا ل (ب) في دین جدید حل محل دین البائع (أ) السابق، فیكون قد تغیر الدین وتغیر الدائن في نفس الوقت.

ویشترط في وجود الإنابة الكاملة توافر شروط التجدید السابقة الذكر، إضافة إلى كون الشخص المناب موسرا وقت الإنابة، واذا ثبت إعساره وقت الإنابة فلا تبأر ذمة المدین (المنیب)، تجاه الدائن. أما إذا أعسر المناب بعد الإنابة، تحمل الدائن تبعة هذا الإعسار، ولا یجوز له الرجوع على المدین (المنیب) ما لم یكن قد اتفق معه على غیر ذلك في عقد الإنابة، وهذا ما نصت علیه الفقرة الأولى من المادة 295 ق م ج.

ب/ الإنابة الناقصة: وهي التي یبقى فیها المدین ملتزما إلى جانب المناب، فیصبح للدائن مدینان، فله أن یطالب أي منهما بالدین الذي له على المدین الأصلي، وهو ما یستنتج من الفقرة الثانیة من المادة 295 ق م ج.

الفرع الرابع: المقاصة La compensation

سنتناول تعریف المقاصة وشروطها فیما یلي:

أولا: تعریف المقاصة

نظم المشرع الجزائري المقاصة في المواد من 297 إلى 303 ق م ج، وقد عرفها على أنها: عبارة عن تصفیة حسابیة بین الحقوق والالتزامات من جانب الطرفین، إذا كان أحدهما دائنا للآخر، ومدینا له في الوقت نفسه، فینقضي الدینان بقدر الأقل منهما.

ثانیا: شروط المقاصة

تتمثل شروط المقاصة فیما یلي:

أ/ وجود دینین متقابلین أي یكون كل طرف دائن ومدین في نفس الوقت للطرف الآخر.

ب/ أن یكون محل الدینین من النقود أو من المثلیات المتحدة النوع والجودة.

ت/ أن یكون الدینین صالحین للمطالبة بهما قضائیا.

ث/ أن یكون الدینین خالیین من النزاع أي محققي الوجود ومعیني المقدار.

ج/ أن یكون الدینین مستحقي الآداء، یعني یحل أجل استحقاق الدینین معا.

ح/ أن یكون الدینین قابلین للحجز علیهما.

خ/ أن لا یكون الشيء محل المقاصة منتزع من ید مالكه دون حق.

الفرع الخامس: إتحاد الذمة La confusion

نظم المشرع إتحاد الذمة بموجب الفقرة الأولى من المادة 304 ق م ج التي جاء فیها: "إذا اجتمع في شخص واحد صفتا الدائن والمدین بالنسبة إلى دین واحد انقضى هذا الدین بالقدر الذي اتحدت فیه الذمة.

واذا زال السبب الذي أدى لإتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعي عاد الدین إلى الوجود بملحقاته بالنسبة إلى المعنیین بالأمر ویعتبر إتحاد الذمة كأنه لم یكن".

فاتحاد الذمة هو اجتماع الدائن والمدین في شخص واحد بالنسبة لدین واحد، فینقضي بذلك هذا الحق بالقدر الذي اتحدت فیه الذمة.

وغالیا ما یتحقق اتحاد الذمة عن طریق المیراث، كأن یرث الدائن المدین أو یرث المدین الدائن، والحقیقة أن اتحاد الذمة لیس سببا لانقضاء الالتزام بقدر ما هو مانع من موانع المطالبة به، ولذلك إذا زال المانع الذي أدى إلى اتحاد الذمة یعود الدین إلى الوجود، ویعتبر اتحاد الذمة كأن لم یكن.

وقد یحصل اتحاد الذمة حال الحیاة، كأن یهب الدائن المرتهن الدین إلى المدین المرتهن، أو أن یهب المدین الراهن المال المرهون إلى الدائن المرتهن، فینقضي الرهن باتحاد الذمة.

وسبب انقضاء الحقوق والالتزامات راجع إلى سبب بسیط هو أنه لا یمكن للشخص الذي اتحدت فیه الذمة أن یطالب نفسه بالتزام أو دین.

ویترتب على إتحاد الذمة انقضاء الدین بالقدر الذي حصل إتحاد الذمة بالنسبة له، وانقضاء تأمینات الدین المنقضي بالإتحاد بصفة تبعیة.

المطلب الثالث: انقضاء الحق الشخصي دون استیفائه

قد ینقضي الحق رغم عدم استیفاء صاحبه له سواء بذاته أو بما یعادله، ویكون ذلك في حالة الإبراء، استحالة الوفاء، والتقادم المسقط.

الفرع الأول: الإبراء La remise de l’obligation

سنتناول فیما یلي تعریف الإبراء وشروطه.

أولا: تعریف الإبراء

الإبراء هو تنازل الدائن بإرادته المنفردة وباختیاره، عن حقه بدون عوض أو مقابل، و یعتبر من أعمال التبرع، وتسري علیه الأحكام الموضوعیة التي تسري على التبرع ، أما الشروط الشكلیة فإنه لا یشترط شكل خاص في الإبراء حتى ولو كان الالتزام محل الإبراء یتطلب في وجوده شكلا خاصا لأنه لیس ناقلا للحق بل سبب في انقضاء الالتزام. فإذا أبرأ الدائن مدینه فإن التزام المدین ینقضي، وتوابعه من تأمینات عینیة وشخصیة وحسب مقدار الإبراء حیث یجوز أن یكون الإبراء كلیا أو جزئیا.

وقد نظم المشرع الجزائري الإبراء  في المادتین 305 ق م ج والمادة 306 ق م ج.

ثانیا: شروط الإبراء

یشترط كي یرتب الإبراء آثاره ما یلي:

أ/ تمتع الدائن بأهلیة التبرع والتي هي أهلیة أداء كاملة خالیة من العیوب.

ب/ مشروعیة محل وسبب الإبراء.

ت/ عدم اشتراط الشكلیة في الإبراء ولو كان الالتزام الأصلي صادرا بعقد رسمي فقد یتم إثباته بورقة عرفیة.

الفرع الثاني: استحالة الوفاء واستحالة التنفیذ L’impossibilité d’exécution

ینقضي الالتزام طبقا لنص المادة 307 ق م ج ، إذا أصبح تنفیذه مستحیلا لسبب أجنبي لا ید للمدین فیه، وهذا السبب الأجنبي هو الحادث المفاجيء أو القوة القاهرة، أو خطأ الدائن أو فعل الغیر، فهذه الأمور لم تكن متوقعة أو لا یمكن دفعها، وحدوثها جعل تنفیذ مستحیلا، الأمر الذي أدى إلى انقضاء الحق وزواله دون استیفائه.

غیر أنه في العقود الملزمة للجانبین یترتب على استحالة التنفیذ انفساخ العقد بقوة القانون طبقا لنص المادة 121 ق م ج ، ویتحمل المدین بالالتزام تبعة الاستحالة.

وحتى لو استحال تنفیذ الالتزام بسبب أجنبي، یبقى المدین مسؤولا عن عدم التنفیذ،

فیكون التنفیذ عن طریق التعویض، وهذا إذا ما اتفق الطرفان على تشدید المسؤولیة طبقا لنص المادة 178/1 ق م ج.

ویترتب على إثبات واقعة الاستحالة براءة ذمة المدین من الدین وتوابعه من تأمینات عینیة وشخصیة.

الفرع الثالث: انقضاء الحق الشخصي بالتقادم المسقط La prescription

یقصد بالتقادم المسقط طبقا لنصوص المواد من 308 إلى 322 ق م ج، مضي مدة معینة في القانون على استحقاق الدین دون مطالبة الدائن به، ویترتب على مضي المدة بهذا الوضع انقضاء الدین بالتقادم المسقط.

وقد نص المشرع على مدة خمسة عشرة سنة (15) كمدة تقادم مسقط للدین. وهناك دیون أخرى تنقضي بمرور مدة أقصر نظار لطبیعتها الخاصة.

وهنا یتحول الحق من حق تام إلى حق ناقص خاص، أي من إقرار وحمایة قانونیة إلى إقرار دون حمایة القانون.

المبحث الثاني: انقضاء الحقوق العینیة

الحقوق العینیة وكما هو معلوم مذكورة في القانون المدني على سبیل الحصر, إما أن تكون حقوقا عینیة أصلیة أو حقوقا عینیة تبعیة، والحقوق العینیة الأصلیة هي حق الملكیة وما یتفرع عنها من انتفاع وارتفاقات, و قد تكون الحقوق العینیة تبعیة كالرهن الرسمي، الرهن الحیازي، حق التخصیص، وحق الامتیاز.

وعلیه ومن خلال هذا المطلب سنتناول انقضاء الحقوق العینیة الأصلیة في المطلب الأول ثم بعدها انقضاء الحقوق العینیة التبعیة في المطلب الثاني.

المطلب الأول: انقضاء الحقوق العینیة الأصلیة

هناك حالات تنقضي بها الحقوق العینیة الأصلیة, فحق الملكیة ینتهي بوفاة المالك أو بالطرق التي حددها القانون, أما الحقوق المتفرعة عنها فتنتهي بحسب طبیعة كل شيء, وعلیه سنتناول انقضاء الحقوق العینیة الأصلیة أولا، ثم انقضاء الحقوق المتفرعة عن حق الملكیة ثانیا.

الفرع الأول: انقضاء حق الملكیة

یعد حق الملكیة أوسع الحقوق العینیة نطاقا، وكما هو معروف فان حق الملكیة یخول صاحبه سلطة كاملة على الشيء، ویتمیز بأنه حق دائم، والمقصود بذلك انه حق دائم بالنسبة إلى الشيء المملوك لا بالنسبة إلى الشخص المالك.

وحق الملكیة حق جامع ومانع ولا یسقط بعدم الاستعمال، فإذا ترك المالك حقه ولم یستعمله مدة طویلة، فإن هذا لا یؤدي إلى انقضاء حق الملكیة مهما طالت مدة الاستعمال.

إلا أن حق الملكیة یسقط بوفاة المالك حیث ینقل حق الملكیة بعده إلى ورثته أو الموصى إلیه ویسقط أیضا بعدم الاستعمال إذا اقترنت الملكیة بحیازة الغیر، وتوافرت لهذا الغیر شروط التقادم المكسب فانه یكتسب هذا الشيء بالتقادم لان حق الملكیة یكتسب بالتقادم ولا یسقط بالتقادم.

كما أن حق الملكیة یسقط أیضا إذا تم التصرف فیه مثل البیع أو التنازل عنه كالهبة كما انه یسقط أیضا بالتخلي عنه.

الفرع الثاني: انقضاء الحقوق المتفرعة عن حق الملكیة

من المعروف أنه یتفرع عن حق الملكیة العدید من الحقوق منها حق الانتفاع وحق الارتفاق فهل یختلف سبب انقضاء كل حق باختلاف طبیعة هذا الحق أم لا؟

أولا: انقضاء حق الانتفاع

ینقضي حق الانتفاع بوفاة المنتفع أو بانقضاء المدة أو بهلاك الشيء المنتفع مثل حق الانتفاع، وحق الاستعمال، وهذه الحقوق جمیعا تنقضي بهلاك الشيء الذي یقع علیه الحق، فإذا كان للشخص حق الملكیة على سیارة واحترقت هذه الأخیرة فان هذا یؤدي إلى انقضاء الحق، حیث نصت المادة 853 ق م ج على ما یلي: "ینتهي حق الانتفاع بهلاك الشيء انه ینتقل من الشيء الهالك إلى ما قد یقبل قیمته...".

أ/ حلول الأجل وموت المنتفع

إن حلول الأجل أي انتهاء مدة الاستغلال مثلا یؤدي إلى زوال الحق كما لو تصورنا أننا أمام حق الانتفاع من عقار متمثل في استغلال ارض فلاحیه خلال مدة انتهاء المدة یؤدي بالضرورة إلى زوال الحق في الانتفاع من الأرض وانقضاؤه، حیث نصت المادة 852 ق م ج على ما یلي: "ینتهي حق الانتفاع بانتهاء الأجل المعین، فان لم یعین اجل عد مقررا لحیاة المنتفع، وهو ینتهي على أي حال بموت المنتفع حتى قبل انقضاء الأجل المعین...".

ب/ عدم الاستعمال

إن عدم استعمال الحق مدة زمنیة قد یؤدي إلى زواله، وهذا بترك المنتفع حقه دون استعماله مدة زمنیة معینة، غیر أن حق الملكیة مستثنى من هذه القاعدة لأنه حق دائم لا یسقط بعدم الاستعمال، فإذا ترك المالك حقه ولم یستعمله مدة طویلة، فإن هذا لا یؤدي إلى انقضاء حق الملكیة مهما طالت مدة عدم الاستعمال. وقد نصت المادة 854 ق م ج على ما یلي: "ینتهي حق الانتفاع بعدم الاستعمال مدة خمسة عشر(15) سنة".

ثانیا: انقضاء حق الارتفاق

ینتهي حق الارتفاق للأسباب التي حددت في نص المادة 878 ق م ج، حیث نصت على ما یلي: "تنتهي حقوق الارتفاق بانقضاء الأجل المحدد، وبهلاك العقار المرتفق به هلاكا تاما أو باجتماع العقار المرتفق به والعقار المرتفق في ید مالك واحد، ویعود حق الارتفاق إذا زال اجتماع العقارین".

ومنه نستنتج انه إذا تقرر حق الارتفاق على عقار لمدة خمس سنوات فانه بانتهاء المدة ینتهي الارتفاق، كما حددت كل الحالات التي قد ینتهي بها، كما ینقضي الارتفاق بهلاك العقار المرتفق كلیا، وكذلك ینقضي باجتماع العقار المرتفق به والعقار المرتفق، وكذلك ینقضي بفقد المنفعة الموجودة للعقار المرتفق.

المطلب الثاني: انقضاء الحقوق العینیة التبعیة

تنقضي الحقوق العینیة التبعیة بانقضاء الالتزام الشخصي الذي تضمنه، كما أنها تقضي بعدم تجدید الرهن و ینقضي الرهن كذلك بنزول المرتهن على الرهن، وینقضي بانتقال المال المرهون إلى الراهن وینقضي كذلك بهلاك العقار المرهون أو تطهیره.

وعلیه  سنتناول انقضاء الرهن الرسمي، انقضاء حق الاختصاص، انقضاء الرهن الحیازي، وانقضاء حق الامتیاز.

الفرع الأول: انقضاء حق الرهن الرسمي

ینشأ الرهن الرسمي ضمانا لدین معین ولا یسقط إلا بسقوط هذا الدین وهذا ما نصت علیه المادة 933 ق م ج على ما یلي: "ینقضي حق الرهن الرسمي بانقضاء الدین المضمون، ویعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدین، دون إخلال بالحقوق التي الغیر حسن النیة كسبها في الفترة ما بین انقضاء الحق وعودته".

وتضیف المادة 934 ق م ج أنه: "إذا تمت إجراءات التطهیر انقضى حق الرهن الرسمي نهائیا، ولو زالت لأي سبب من الأسباب ملكیة الحائز الذي طهر العقار".

فمن خلال هاذین النصین یتبین أن الرهن الرسمي ینقضي بانقضاء سبب إنشائه دون المساس بالحقوق التي اكتسبا الغیر حسن التي، إما تطهیر تخلیص العقار المرهون یقصد به تحریره من القیود التي تثقله، سواء تعلق الأمر بنوعیه أو بحق التخصیص، أو بحقوق الامتیاز العقاریة الخاصة، وهو نوعین تطهیر اختیاري وتطهیر بحكم القانون.

الفرع الثاني: انقضاء حق التخصیص

ینقضي حق التخصیص بنفس الأسباب التي ینقضي بها الرهن الرسمي، وهذا عملا بنص المادة 947 ق م ج التي نصت على ما یلي: "تكون للدائن الذي حصل على حق التخصیص نفس الحقوق التي للدائن الذي حصل على رهن رسمي، ویسري على التخصیص ما یسري على الرهن الرسمي من أحكام وخاصة ما یتعلق بالقید و تجدیده وشطبه وعدم تجزئة الحق وأثره وانقضائه، وذلك كله مع عدم الإخلال بما ورد من أحكام خاصة".

وبناءا علیه فان حق التخصیص ینقضي بتمام إجراءات التطهیر، وبیع العقار بیعا جبریا بالمزاد العلني، و بنزول الدائن عن حق التخصیص، وباتحاد الذمة في العقار وبهلاك العقار.

الفرع الثالث: انقضاء حق الرهن الحیازي

ینقضي الرهن الحیازي بانقضاء الدین، حیث تنص المادة 964 ق م ج على انه:

"ینقضي حق الرهن الحیازي بانقضاء الدین المضمون ویعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدین، دون الإخلال بالحقوق التي یكون الغیر حسن النیة قد كسبها قانونا في الفترة ما بین انقضاء الحق وعودته".

یستشف من هذا النص أن الرهن الحیازي ینقضي ویزول بانقضاء الدین الأصلي المضمون بالرهن، كون عقد الرهن تبعي نشا  لضمان حق أصلي، وبصفة آلیة إذا زال الدین زال معه الرهن، غیر أن عودة الرهن لا تضر بالغیر حسن النیة الذي اكتسب حقوقا في الفترة ما بین نشوء الرهن وانقضاءه.

رابعا: انقضاء حق الامتیاز

بخصوص انقضاء حق الامتیاز نصت المادة 988 ق م ج على انه "ینقضي حق الامتیاز بنفس الطرق التي ینقضي بها حق الرهن الرسمي وحق رهن الحیازة، ووفقا لأحكام انقضاء هذین الحقین، ما لم یوجد نص یقضي بغیر ذلك".

وبناءا على نص هذه المادة ینقضي حق الامتیاز على العقار بما ینقضي به كذلك حق الرهن الرسمي، أي بالتطهیر، والبیع الجبري، وبنزول الدائن عن حق امتیازه، وهلاك الشيء محل الحق، واتحاد الذمة، أما في المنقول فینقضي بما ینقضي به الرهن الحیازي،  ومن ثم فحق الامتیاز ینقضي ویزول في الحالات المذكورة.

المبحث الثالث: انقضاء الحقوق الذهنیة

الحقوق الذهنیة كباقي الحقوق عرضة للانقضاء، وتتعدد وتختلف أسباب الانقضاء بالنسبة لبعض أنواع الحقوق الذهنیة التي سنتناولها بالدراسة على سبیل المثال حق المؤلف الذي یعتبر من حقوق الملكیة الفنیة والأدبیة، حق صاحب العلامة وحق صاحب براءة الاختراع اللذین یعتبران من حقوق المالكة الصناعیة.

المطلب الأول: انقضاء الحق المادي للمؤلف

ینقضي الحق المادي للمؤلف في حالتین هما:

- وفاة المؤلف.

- مرور خمسین سنة لذوي حقوقه ابتداء من مطلع السنة المدنیة التي تلي وفاته.

المطلب الثاني: انقضاء حق صاحب العلامة

ینقضي حق صاحب العلامة سواء كانت تجاریة أو صناعیة في الحالات التالیة:

- العدول عن تسجیل العلامة.

- إبطال العلامة.

- إلغاء العلامة.

المطلب الثالث: انقضاء براءة الاختراع

تنقضي براءة الاختراع للأسباب التالیة:

- التخلي عن براءة الاختراع في أي وقت بطلب من صاحبها.

- بطلان البراءة بموجب حكم قضائي.

- سقوط براءة الاختراع عند عدم تسدید رسوم الحمایة.

- سقوط براءة الاختراع لعدم استعمالها لفترة سنتین إذا كانت البراءة محل رخصة إجباریة للاستغلال.

المرجع

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في نظرية الحق، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة العقيد آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، السنة الجامعية 2021/2022، الجزائر، من ص96 إلى ص112.

google-playkhamsatmostaqltradent