مفهوم القانون التجاري
ينظمّ القانون
التجاري مجموعة من العلاقات والأنشطة المحددة على غرتر باقي القوانين بالنظر إلى
مضمونه كما أنه ينطوي على جملة من الخصائص فرضتها طبيعة المعاملات التجارية (المطلب
الأول)، ويتأكد ذلك من خلال الإطلاع على مراحل نشأته التي تبين الأسباب التي أدّت
إلى ظهوره واستقلاليته تدريجيا عن القانون المدني (المطلب الثاني)، ولأنه قانون
خاص يهتم بمجال محدد ويطبق على أشخاص من القانون الخاص فكان نطاق تطبيقه محددا دون
أن يمنع ذلك من وجود صلة له مميزة بالقوانين الأخرى (المطلب الثالث).
المطلب الأول: تعريف القانون التجاري وخصائصه
يتحدد تعريف
القانون التجاري من خلال معرفة مضمونه مبدئيا وما هو موقعه بين مختلف تقسيمات
القوانين الأخرى ويتسنى ذلك بالتعرض لأهم التعاريف التي تناولت مصطلح القانون
التجاري (الفرع الأول)، كما أنّه يتفرد بخصائص دون سواه من القوانين نتيجة الطابع
المميز للنشاط الذي ينظمه وهو النشاط التجار ي (الفرع الثاني).
الفرع الأول: تعريف القانون التجاري
يعرّف القانون
عموما بأنه مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في علاقات بعضهم البعض، وكذلك
علاقات السلطة العامة بعضها ببعض وعلاقاتها بالمواطنين وعليه يقسم القانون إلى
قانون عام وقانون خاص.
وقد وردت
للقانون التجاري بوصفه واحدا من القوانين عدة تعريفات تتفق في جلها على مضمون واحد
من بين هذه التعريفات نورد ما يلي:
عرّف العميد
"Rebert" القانون التجاري بأنه: "ذلك
الجزء من القانون الخاص المتعلق بالعمليات القانونية التي يقوم بها التجار سواء
كان ذلك فيما بينهم أو مع زبائنهم، وترد هذه العمليات على ممارسة التجارة وتدعى
لهذا السبب بالأعمال التجارية، كما يمكن أن يقوم بأحد هذه الأعمال –عرضيا- شخص ليس
تاجرا ويحكم القانون التجاري الأعمال التجارية دون اعتداد بشخص القائم بها".
يعرّف القانون
التجاري أيضا بأنه:" فرع من فروع القانون الخاص يشمل مجموعة القواعد
القانونية التي تنطبق على الأعمال التجارية والتجار، بينما القانون المدني فهو
الشريعة العامة وتطبق أحكامه على جميع الأشخاص وبالتالي فالقانون التجاري أضيق
نطاقا مقارنة بالقانون المدني، يعنى أن القانون التجاري ينطبق على طائفة محددة من
الأشخاص هم التجار، وطائفة معينة من الأعمال هي الأعمال التجارية".
نستنتج من
التعريفين السابقين ان القانون التجاري هو
قانون خاص حيث يعرف هذا الاخير بأنه مجموعة القواعد التي تحكم علاقات الأفراد
بعضهم ببعض وعلاقات الأفراد بالدولة ومؤسساتها ولكن ليس باعتبار الدولة سلطة عامة
ذات سيادة وإنما بوصفها فردا من الأفراد عكس القانون العام، وهذا يتفق مع مضمون
القانون التجاري الذي يطبق على فئة هي التجّار لأنه يضم مجموعة من القواعد الخاصة
المتعلقة بممارسة مهنة ما وهو الطابع الشخصي له، وهو قانون الأعمال التجارية لأنه
يشتمل على قواعد تنظم العلاقات القانونية الناشئة بين التجار من جهة وبين التجار
والعملاء من جهة أخرى وهو الجزء الذي يمثل الطابع الموضوعي للقانون التجاري.
وللعلم فإن
مصطلح "التجارة" يجد تاريخيا أصله في الكلمة اللاتينية (Commerce)
التي يقصد بها في المفهوم الاقتصادي العمليات المتعلقة بتداول الثروات وتوزيعها
دون إنتاجها أو استهلاكها فلا يدخل في هذا المفهوم الصناعة كنشاط تجاري، أما من
الناحية القانونية فالمفهوم أوسع فيشمل تداول الثروات بما فيها إنتاجها أي النشاط
الصناعي، إلا أنه بقي جانبا من النشاط الاقتصادي خارجا عن دائرة القانون التجاري
كالأعمال الزراعية ونشاط أصحاب المهن الحرة وأصحاب الحرف.
الفرع الثاني: خصائص القانون التجاري
يعتبر القانون
التجاري وليد البيئة التجارية نشأ وتطور استجابة لحاجات التجارة والضرورات العملية
لم يكن في وسع القانون المدني استيعابه، وأهم متطلبات التجارة السرعة في المعاملات
والثقة، وهي الخصائص والمبررات التي دفعت إلى وجوده إضافة إلى أنه قانون يتماشى مع
المتغيرات الخارجية.
أولا-
الائتمان والثقة: يحتلّ الائتمان والثقة مقدمة الخصائص المتعلقة بالنشاط
التجاري وهذا يعني أنّ معظم المعاملات التجارية تعتمد على منح الأجل، فقوام
التجارة هو تيسير الائتمان لذا تسعى كل القوانين إلى تحقيق ذلك بفرض قواعد صارمة
تحمي الائتمان والثقة عن طريق زيادة ضمانات الدائن، فالعلاقات التجارية متشابكة
فكل تاجر يكون دائنا ومدينا في الوقت ذاته وتخلف أحد التجار عن أداء ديونه يؤدي
حتما إلى تخلف تاجر آخر عن الوفاء بديونه.
تلعب هذه
الضمانات دورين بالنسبة للدائن تحمله على منح الائتمان إلى الغير، وبالنسبة للمدين
تتيح له فرصة الحصول على ائتمان سهل بمعنى إمكانية منحه أجلا محددا للوفاء بثمن
البضائع أو ما تبقى من ثمنها فغالبية الأعمال التجارية تقوم على الأجل وبإجراءات
مبسطة لكن تبقى هذه الضمانات مكفولة بحماية قانونية تضمن احترامها وأي إخلال بها
يؤدي إلى تطبيق جزاءات صارمة.
أهم هذه
الضمانات هو تضامن المدينين عند تعددهم دون الحاجة إلى اتفاق مسبق، فهو تضامن
مفترض قانونا، أيضا من أهم الضمانات نظام الإفلاس وهو ترجمة لقسوة نظام الصرف لمن
يخلّ بالثّقة الواجب توافرها وهو طريق للتنفيذ على أموال المدين الذي توقف عن دفع
ديونه التجارية فتمكّن الدائنين في سبيل حماية مصالحهم من حجز أموال هذا المدين
وفق إجراءات مبسطة لتحصيل حقوقهم.
ثانيا- السرعة
في المعاملات ومرونتها: تتسم المعاملات التجارية بالسرعة وبساطة
الإجراءات حيث يمكن للتاجر أن يبرم عدة صفقات في فترة وجيزة، فالتاجر لا يشتري
البضائع بغرض استهلاكها الشخصي وإنما من أجل إعادة بيعها وتحقيق الأرباح منها هذا
على عكس المعاملات المدنية التي تتصف بالبطء والتأني والتروي في اتخاذ المبادرة
ومراجعة شروط العقد ومناقشته لمعرفة الفائدة التي تعود منه بعيدا عن المضاربة
لإتمام المعاملة.
يتعاقد
التاجر، على نقيض ما سبق، بسرعة وبدون تردد حتى ولو حملت قدرا من المجازفة حتى لا
تفوته فرصة الربح فالتجارة تتأرجح بين تقلبات الأسعار وقد تكون البضاعة سريعة
التلف وحتى تتم هذه المبادلات بشكل سريع ابتعد القانون التجاري قدر المستطاع عن الشكليات
في إبرام العقود التي تتم عادة شفاهة أو عبر الهاتف أو التلكس...إلخ ، الأمر الذي استدعى
إيجاد طرق للإثبات تتلاءم مع البيئة التجارية، فأوجد نظام الإثبات بكافة الطرق
منها الدفاتر التجارية، وبالقرائن والبينة... إلخ عملا بالمادة 30 ق إلاّ ما
استثني قانونا.
من مظاهر
السرعة في المعاملات أيضا تداول الأوراق التجارية بالمناولة بعيدا عن إجراءات نقل
الحقوق عن طريق الحوالة المدنية كذلك شمول الأحكام الخاصة بالمواد التجارية
بالنفاذ المعجل وتقادم الديون التجارية بمدد قصيرة من أجل استقرار الأوضاع.
ثالثا- قانون
متطور: يضيف البعض هذه الخاصية إذ أنّ القانون التجاري أشدّ
تأثرا بالمتغيرات الخارجية السياسية والاقتصادية والاجتماعية مقارنة بالقانون
المدني الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى خلق نظام قانوني مستقر عكس أحكام القانون
التجاري التي تتماشى أكثر مع ما هو متعامل به دوليا، فالعلاقات التجارية لا تعرف
حدودا لذا قد تكون أحكامه ذات طابع دولي أكثر من كونها وطنية ودليل ذلك هو أن
أحكامه طبقت قديما على اغلب دول البحر الأبيض المتوسط التي مارست التجارة وحاليا
هناك سعي حثيث إلى توحيد قواعده على الصعيد الدولي.
المطلب الثاني: نشأة القانون التجاري وتطوره
تساعد الدراسة
التاريخية لنشأة القانون التجاري في تفسير وفهم أنظمته وتطورها المستمر وذلك منذ
بداية الإنسان لممارسة التجارة في ابسط صورها في العصور القديمة (الفرع الأول)
ومختلف مراحل تكريس قواعد الممارسات التجارية بدءا بالعصور الوسطى (الفرع الثاني)
وصولا إلى وضع قانون تجاري بالشكل المعمول به حاليا (الفرع الثالث) إذ يرتبط تاريخ
نشأة هذا القانون بتاريخ تطور التجارة بحد ذاتها.
الفرع الأول: العصور القديمة
يعود الفضل في
هذه الحقبة الزمنية إلى الحضارات المطلة على البحر الأبيض المتوسط في ممارسة
التجارة، وكانت القواعد التي تحكم النشاط التجاري بين شعوب هذه المنطقة عرفية
النشأة إذ تكونت من العادات والأعراف التي كان يتبعها التجار في تعاملهم وهذه
القواعد العرفية كان لها الطابع الدّولي بما أنها كانت تحكم المبادلات التجارية
بين شعوب تختلف في العادات والأديان وتمتد إلى القبائل المجاورة.
أقدم الحضارات
التي مارست التجارة وتركت بصمتها هم قدماء المصريون والأشوريين والكلدانيين الذين
تعاملوا بالنقد والاقتراض واستخدام بعض الصكوك التي تشبه السفتجة إلى جانب الحضارة
السومارية والسامية وهي أولى الحضارات التي ظهرت على ضفاف نهر الرافدين بالعراق
أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.
أهم أثر ترك
في هذه الفترة كذلك هو ما خلفه البابليون وهي أهم وثيقة تشريعية تضمنت العديد من
القواعد القانونية والمعروفة بـ" شريعة حمورابي" نسبة إلى سادس ملوك
بابل (1792- 1750 ق م) التي تضم 282 مادة منها 44 مادة تناولت أحكاما تجارية ولا
تزال سارية المفعول حاليا منها عقد الشراكة، والقرض بفائدة والوكالة بالعمولة.
انتقلت
المعاملات التجارية بعدها إلى الحضارة الفينيقية التي ظهرت على السواحل الشرقية
للبحر الأبيض المتوسط (1200 ق م) والدّور الفعال لهم في تطوير نظم التجارة البحرية
باعتبارهم من أفضل البحارة أهمها نظام الرمي في البحر ويقابله حاليا نظام الخسارات
المشتركة وامتدت التجارة بفضلهم الى مستعمراتهم في قبرص وجزيرة رودس.
حلت بعدهم
الحضارة الإغريقية في السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط بفضل قوتها
واتساع مساحتها، وبعد انقسامها إلى دويلات ومدن منافسة ازدادت التجارة البحرية
ازدهارا، وأهم نظام ظهر هو نظام عقد القرض البحري أو ما يسمى بنظام قرض المخاطرة
الجسيمة وهو أصل نظام التأمين البحري حاليا.
تلتها في
الظهور الحضارة الرومانية لكن المعروف انّ الرومان كانوا يحتقرون التجارة
واعتبروها لا تليق بمقام الأشراف وتركوها للأجانب والعبيد والعتقاء الذين طبقوا
عليهم قانونا مخالفا هو قانون الشعوب (jus gentium)
المتسم آنذاك بالبساطة والمرونة عكس القانون المطبق عليهم المعروف بالصرامة
والشكلية وهو القانون المدني.
تضمن قانون
الشعوب جملة من القواعد الخاصة بتنظيم التجارة لكن بعد فترة تم إلغاء الفوارق
وتوحّد القانون المدني وقانون الشعوب كما تمّ نقل بعض قواعد التجارة البحرية
المتعامل بها في الحضارة الإغريقية والفينيقية كنظام الخسارات المشتركة ونظام
الإفلاس ويعود الفضل لهم في صياغة قواعد الالتزامات المعمول بها في القانون
التجاري حاليا.
الفرع الثاني: العصر الوسيط
تميزت هذه
الفترة بسقوط الحضارة الرومانية على يد قبائل البربر (القرن الخامس ميلادي) وظهور
جمهوريات صغيرة مستقلة منها إيطاليا وجنوا والبندقية اعتمدت على التجارة وانتظم
فيها التجّار في طوائف كانت لهم السيطرة السياسية وأنشأت عادات وقواعد جديدة أخضعت
نفسها لأحكامها، واختارت كل طائفة شخصا يسمى "القنصل" أسندت له مهام
الفصل في أي نزاع قد ينشأ بين التجّار أي أنّ دوره شبيه بدور القاضي، بعد فترة
دونت تلك القواعد والأعراف في شكل لوائح مهدت لظهور "قانون التجار" يطبق
على فئة التجّار فقط فعرف آنذاك بأنه قانون طائفي.
تميزت هذه
المرحلة أيضا بظهور الحضارة الإسلامية (القرن السابع ميلادي) التي كان لها الأثر
البالغ في ازدهار التجارة وانتشارها في أنحاء العالم مرسخة مبادئ الشريعة
الإسلامية في المعاملات التجارية من ثقة وائتمان وترسيخ لمبدأ الرضائية وحرية
الإثبات وخير دليل على ذلك ما جاءت به الآيات 281، و282 و283 من سورة البقرة، وكان
العرب آنذاك يعرفون نظام الإفلاس والتعامل بالسفتجة، كما أن اتساع الرقعة الجغرافية
للحضارة الإسلامية عزّز المبادلات التجارية مع الكثير من البلدان منها الصين
والهند.
لعبت الكنيـسة
خلال هذه الحقبة الزمنية دورا في توجيه التجارة ولو بشكل غير مباشر بتحريمها للقرض
بالفائدة متأثرة بالشـريعة الإسـلامية بعد اندلاع الحروب الصليبية فتحايل التجار
على ذلك بإتباع نظام التوصية حيث يقدم شـخصا مبلغا من المال للتاجر لقاء حصوله على
أرباح في حدود ما قدمه ممهدا بذلك لظهور شركات التوصية.
ظهرت أيضا في
هذا العصر البنوك في إيطاليا التي كان لها الفضل في صياغة وظيفة النقود (القرن 13
إلى 16 ميلادي) وتدريجيا استقل القضاء التجاري ثم القانون التجاري في أوروبا لتبدأ
البوادر الأولى لاستقلال القانون التجاري المعروف حاليا وأصبح قانونا ينظم المهن
التجارية وله طابع دولي.
الفرع الثالث: العصر الحديث
شهدت هذه
المرحلة عدة تغييرات ومستجدات أهمها اكتشاف القارة الأمريكية وتدفق المعادن خصوصا
الذهب والفضة منها وإقبال الأفراد على إيداع النقود من هذه المعادن في البنوك خشية
سرقتها مما أدى إلى ازدهار النشاط المصرفي، إلى جانب اكتشاف رأس الرجاء الصالح
الذي أدّى إلى حركة جديدة للتجارة من حيث موضوعها وهي تجارة التوابل وجغرافيا بفتح
أسواق جديدة في دول المحيط الأطلسي.
ظهور الحضارة
العثمانية التي بسطت سيادتها على البحر الأبيض المتوسط مما أدى إلى تطوير التجارة،
وظهور شركات كبرى يتكون رأسمالها من مساهمة للبيوتات المالية الكبيرة كشركة الهند
الشرقية وإقبال الدّول على الاقتراض منها لتمويل تجارتها.
تطلب الأمر
تنظيم كل تلك الأنشطة ووضع حد للفوضى والطائفية في المجال التجاري لتكون البادرة
الأولى من الملك "لويس الرابع عشر" على يد وزيره الأول "Colbert"
الذي كلف هو الآخر أحد كبار التجار آنذاك بجمع مختلف الأعراف والقواعد المعمول بها
في مجموعة حملت اسمه وهو "جاك سفاري" استعدادا لصدور أول أمر ملكي فرنسي
سنة 1673 نظم أحكام ممارسة النشاط التجاري.
استمر العمل
على وضع قانون بعيد عن الطائفية ليتحقق ذلك بعد الثورة الفرنسية من خلال
"تقنين نابليون لسنة 1807" الذي طبق على كافة الإمبراطورية الفرنسية
ونظم شؤون التجارة والتجّار وتمّ إحداث قضاء تجاري مستقل والأهم بعدها إقرار مبدأ
حرية التجارة وكان له الأثر على العديد من الدول.
المطلب الثالث: نطاق تطبيق القانون التجاري وعلاقته بالقوانين الأخرى
ينظم القانون
المدني في الأصل كافة الروابط بين مختلف الأفراد بينما يقتصر القانون التجاري على
حكم روابط معينة ناتجة عن القيام بالأعمال التجارية لذا وجب أن نحدد نطاق تطبيقه
لنبين الحدود التي تفصل بينه وبين القانون المدني (الفرع الأول).
كما يستند
القانون التجاري في تطبيقه إلى قوانين أخرى محددة وتكمله ويظهر ذلك من خلال دراسة
علاقته بقوانين أخرى معينة دون سواها لوجود روابط قوية مقارنة بالقوانين المتبقية
(الفرع الثاني).
الفرع الأول: نطاق تطبيق القانون التجاري
تحديد نطاق
تطبيق القانون التجاري ليس بالأمر اليسير فلا توجد حدود واضحة بين الأعمال
التجارية والأعمال المدنية في كثير من الأحيان وهناك تأثير متبادل بينهما فيتسع
مجال احدهما أو يضيق على حساب الأخر والمعلوم أنّ القانون المدني بوصفه الشريعة
العامة يتضمن المبادئ الأساسية التي يستمد القانون التجاري أصوله العامة منها
خصوصا ما لم يرد به نص خاص، وقد ساد في هذا الخصوص معياران مختلفان لتحديد ما يدخل
ضمن دائرة الأعمال التجارية وما يخرج منها فيعدّ عملا مدنيا وتباينت التشريعات في
مدى الأخذ بالمعيارين وهما المعيار الموضوعي والمعيار الشخصي.
أولا: المعيار
الموضوعي (أو المعيار المادي): يعتمد أنصار هذه النظرية على العمل التجاري
كمحور تدور حوله مختلف قواعد القانون التجاري بصرف النظر عن صفة الشخص القائم به،
بمعنى انه وفق هذا المعيار القانون التجاري يطبق على الأعمال التجارية حتى لو كان
القائم بها غير تاجر ويطبق القانون المدني على الأعمال المدنية حتى ولو كان القائم بها تاجرا، فالقانون التجاري
استنادا إلى هذا المعيار هو قانون الأعمال التجارية لا التجّار.
يسمح هذا
المعيار بتحقيق فكرة المساواة ومبدأ حرية التجارة فيسمح لكل فرد أن يزاول التجارة
مع تطبيق القانون التجاري.
النقد: يساعد هذا
المعيار إلى حد كبير في التمييز بين الأعمال التجارية والمدنية لكن يعاب عليه انه
يتطلب تحديدا مسبقا لقائمة الأعمال التجارية أو وضع على الأقل ضابطا يستند إليه
للتميز بين أنواع الأعمال وهذا أمر صعب جدا إذ ليس ممكنا حصر جميع الأعمال
التجارية والتنبؤ بما يستجدّ منها لأنها أعمال سريعة التطور.
ثانيا:
المعيار الشخصي (أو الذاتي): يرى أنصار هذه النظرية أنّ القانون التجاري
هو قانون التجارة أو قانون محترفي التجارة أو قانون مهني، فالمعيار المعتمد من
طرفهم هو التاجر في تحديد مجال تطبيق القانون التجاري، أي لا يطبق إلاّ على كل
محترف للتجارة وأمّا غير التاجر فلا تسري عليه قواعد القانون التجاري ولو قام
بأعمال تجارية وكان هدفه تحقيق الربح.
النقد: يبدو تأثر
أصحاب هذا المعيار بالنشأة الشخصية والحرفية للقانون التجاري لكن يعاب عليه أنه
غير دقيق لأنه يستلزم وضع ضابط يفرق بين التاجر وغير التاجر وما هو المقصود
بالحرفة، فليس كل من احترف نشاطا معينا كان بالضرورة من الأعمال التجارية أضف إلى
ذلك أنه يمكن لغير التاجر القيام بأعمال تجارية قصد تحقيق الربح والمنطق يقتضي
إخضاعه للقانون التجاري لكن تطبيق هذا المعيار يؤدي إلى تطبيق القانون المدني،
بالإضافة إلى أنّ تطبيق هذا المعيار يؤدي الى التضييق من مجال القانون التجاري
بجعله قانونا خاصا بالتجار دون بقية الأفراد.
ثالثا: موقف
المشرع الجزائري: من خلال ما تقدم يبدو أنه من الصعب الأخذ بأحد
المعيارين في تحديد مجال تطبيق القانون التجاري فطبيعة موضوعاته مختلفة ومتنوعة
تقتضي الجمع بين المعيارين، وأفضل دليل على ذلك هو الاعتماد على تقسيم الأعمال
التجارية كما أوردها المشرع الجزائري على غرار أغلب التشريعات، فالأعمال المنفردة
مثلا تعدّ تجارية حتى لو قام بها غير تاجر وهو تطبيق للمعيار الموضوعي، تقابلها
أعمال لا توصف بالتجارية إلا إذا قام بها شخص تاجر وهي الأعمال التجارية بالتبعية
تطبيقا للمعيار الشخصي الذي يظهر كذلك من خلال تعريف التاجر في المادة الأولى
قانون تجاري بأن اعتبر تاجرا كل من امتهن (أ, احترف) الأعمال التجارية.
نستخلص عموما
أنه يوجد تكامل وتفاعل بين المعيارين في تحديد نطاق القانون التجاري الذي يتميز
يتنوع مواضيعه والاتساع والتطور في الأنشطة التي يحكمها.
الفرع الثاني: علاقة القانون التجاري بالقوانين الأخرى
يقرّ اغلب
الفقهاء باستقلالية القانون التجاري بسبب خصوصيته لكن هذا لا يعني انه مستقل على
الإطلاق فهو قانون تربطه علاقات تتفاوت في الأهمية مع قوانين أخرى أهمها القانون
المدني والقانون الاقتصادي والقانون الدولي.
أولا- علاقة
القانون التجاري بالقانون المدني: ينظم القانون الخاص
العلاقات بين الأفراد بوجه عام وبالتالي ينتمي كل من القانون المدني والقانون
التجاري إلى القانون الخاص إلاّ أنّ القانون المدني ينظم الحياة المدنية التي لا
ترمي إلى تحقيق الربح بل حيازة الأموال بالدرجة الأولى على عكس القانون التجاري
الذي يعتبر قانون الثروة المتداولة غايته تحقيق الربح.
من هذا
المنطلق يظهر الفرق بين القانونين حيث يعرف القانون المدني انه قانون شكلي ومحافظ
مثلا لا يأخذ بالتعهدات إلاّ إذا كانت مكتوبة وهو أمر مستبعد في القانون التجاري
لأن التاجر يقوم بإبرام عدة صفقات متتالية بين بيع وشراء وإعادة بيع، فالحياة
المدنية تتسم بالبطء على نقيض الحياة التجارية التي تعرف تطورات وتغيرات سريعة.
رغم الفوارق
الكبيرة بين القانون التجاري والقانون المدني إلا انه لا يمكن الاستغناء عنه
فالقانون المدني هو الشريعة العامة والقانون التجاري له أحكام خاصة صدرت لمصلحة
التاجر لا يمكن فهمها إلا في إطار الشريعة العامة حتى ولو لم يكن ممكنا تطبيقها
نظرا لخصوصية الحياة التجارية كالعقود والشركات ...إلخ.
كما أنّ للقانون التجاري تأثير على القانون
المدني في مواضع مختلفة منها انتقال مفهوم الشخصية المعنوية من الشركات التجارية،
إلى الشركات المدنية وسريان مفعول السفتجة على كل موقّع عليها سواء كان تاجرا أو
غير تاجر.
ثانيا: علاقة
القانون التجاري بالقانون الاقتصادي: توجد علاقة
وثيقة بين القانون التجاري والقانون الاقتصادي وحتى علم الاقتصاد بينما يبحث هذا
الأخير عن كيفية إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق البحث عن الموارد فإنّ القانون
التجاري ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات، فالعلاقات الاقتصادية مهما اختلفت
الغاية منها كخلق الثروة أو تداولها أو توزيعها أو استهلاكها تحتاج منطقيا إلى
إطار قانوني ينظمها يتولاه القانون التجاري من الناحية الاتفاقية والقانونية
والقضائية.
ثالثا: علاقة
القانون التجاري بالقانون الدولي: تربط كل من القانون
التجاري والقانون الدولي علاقة وطيدة تحديدا القانون الدولي العام حيث تتدخل
الدولة في الحياة الاقتصادية عن طريق إبرام اتفاقيات تجارية توجّه من خلالها
السياسة الاقتصادية حسب متطلبات الدولة حفاظا على النظام العام، كما أن له صلة
بالقانون الدولي الخاص حيث يقوم بتنظيم العلاقات التجارية التي يكون أحد أطرافها
أجنبيا بسبب تزايد المبادلات التجارية على الصعيد الدولي وتوحيد، نتيجة لذلك،
لأغلب قواعد الممارسات التجارية لتفادي الوقوع في مشكل تنازع القوانين.
يرتبط كما سبق
ذكره القانون التجاري أيضا بقوانين أخرى نذكر منها على سبيل المثال قانون الإجراءات
المدنية والإدارية خصوصا عند تعلق الأمر برفع دعوى قضائية والإجراءات الواجب
إتباعها والاختصاص القضائي، إضافة إلى قانون العقوبات بتجريم بعض الأفعال وفرض جزاءات
جزائية في المجال التجاري منها الإفلاس عن طريق التدليس، وله علاقة وطيدة بقانون
المالية، وقانون الضرائب وغيرها كما سنرى من خلال هذه الدراسة.
مصادر القانون التجاري
يقصد بمصدر
القانون المنبع الذي تخرج منه القاعدة القانونية وتتعدد هذه المصادر للقانون
التجاري كغيره من القوانين لتنقسم عموما إلى مصادر رسمية (المطلب الأول) وأخرى
تفسيرية (المطلب الثاني) ومع السعي الدولي إلى توحيد قواعد القانون التجاري بعدما
أصبحت المعاملات التجارية في كثير من الأحيان لها طابع دولي الأمر الذي دفع إلى
الارتكان إلى بعض المصادر الدولية (المطلب الثالث).
المطلب الأول: المصادر الرسمية
تنقسم المصادر
الرسمية أو الرئيسية بدورها إلى مصادر رسمية أصلية (الفرع الأول) ومصادر رسمية
احتياطية (الفرع الثاني) وهذا عملا بنص المادة الأولى مكرر قانون تجاري.
الفرع الأول: المصدر الرسمي الأصلي (التشريع)
يعدّ التشريع
أول مصدر رسمي لمصادر القانون، ويقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تصدرها
السلطة المختصة في الدولة ويلتزم القاضي بالأخذ به دون باقي المصادر إلا عند وجود
فراغ قانوني فيمكنه عندئذ اللجوء إلى مصادر أخرى لحل النزاع المعروض أمامه.
عملا بنص
المادة الأولى مكرر من القانون التجاري المضافة بتعديل سنة 1996 التي تنص على
الأتي: "يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار، وفي حالة عدم وجود نص
فيه يطبق القانون المدني وأعارف المهنة عند الاقتضاء"، فإن التشريع التجاري
يأتي في طليعة مصادر القانون التجاري وقد صدر أول قانون تجاري جزائري سنة 1975
بموجب الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26/09/1975 بعد أن طبق التشريع الفرنسي قبل ذلك،
وكان محل عدة تعديلات أهمها كان سنة 1993، بعدها سنة 1996. (السالف ذكره)، وآخرها كان بموجب قانون رقم
15-20 المؤرخ في 30/12/ 2015.
صدر القانون
التجاري مقسما إلى خمسة أجزاء تخص التجارة عموما والشركات التجارية والمحل التجاري
والإفلاس والتسوية القضائية والسندات التجارية، على أنه يطبق إلى جانبه قوانين
أخرى مرتبطة بالتجارة ومكملة له منها قانون السجل التجاري، والقانون المتعلق بشروط
ممارسة الأنشطة التجارية، أيضا قانون رقم 04-02 الذي يحدد القواعد المطبقة على
الممارسات التجارية المعدل والمتمم، بالإضافة إلى ما تحمله قوانين المالية
والجبائية بخصوص المعاملات التجارية والضرائب المفروضة على هذا النشاط وقانون
برءاة الإختراع والعلامات التجارية...الخ.
الفرع الثاني: المصادر الرسمية الاحتياطية
يستند القاضي
إلى المصادر الاحتياطية عند عدم وجود نص يفصل في المسألة ذلك أن القانون عمل
إنساني يشوبه دوما النقص فلا يمكن أن يكون كاملا ولا يمكن للقاضي ان يحتج بالنقص
أو الفراغ للامتناع عن الحكم، وتنقسم هذه المصادر في المواد التجارية إلى:
أولا- القانون
المدني: التشريع كمصدر أول للقانون التجاري لا يقتصر على
المجموعة التجارية والنصوص المكملة لها بل يمتد إلى التشريع المدني إذ يعدّ الشريعة العامة لفروع القانون الخاص الذي يطبق
على الأفراد جميعا بغض النظر عن صفاتهم أو مهنهم، وعلى هذا الأساس يرجع له القاضي
فيما لا نص فيه، وفي حالة وجود تعارض بين نصي القانون التجاري والمدني في مسألة
معينة يرجّح النص التجاري لأنه يتضمن الحكم الخاص في المسائل التجارية مقارنة
بالقانون المدني المتضمن الأحكام العامة وهذا بصرف النظر عن تاريخ صدور النصين.
ثانيا: العرف
التجاري والعادات التجارية: يعتبر العرف عموما مصدرا من مصادر القانون وان
تباينت مكانته كمصدر من دولة لأخرى، وللعرف التجاري على وجه التحديد أهمية خاصة ،فمالمقصود
به، وماهي مكانته مقارنة بالمصادر الأخرى، وما يميزه عن العادات التجارية؟
1- المقصود
بالعرف التجاري: يقصد بالعرف التجاري تلك السلوكيات التي اعتاد (أو
تواتر) عليها التجار في تنظيم معاملاتهم التجارية وهو بذلك يشكل الركن المادي له
،ومع مرور الوقت وتكرار العمل اكتسبت الطابع الإلزامي الذي يعدّ الركن المعنوي
للعرف حتى استقرت كقواعد واجبة الاحترام.
يحتل العرف
التجاري حيزا كبيرا في القانون التجاري لأنه في الأصل نشأ نشأة عرفية وفي القانون
الجزائري يعد ثالث مصدر رسمي احتياطي حسب المادة الأولى من القانون المدني التي
كان معمول بها، لكن يبدو أن المشرع الجزائري قد عدل عن موقف وجعله يحتل المرتبة
الثانية بموجب المادة الأولى مكرر من التقنين التجاري المذكورة أنفا.
2- التميز بين
العرف والعادة التجارية: يتفق العرف والعادة في توافر عنصر الإضطراد
(أي تكرار العمل بها)، لكن يختلفان عن بعضهما في كون العادة تفتقد إلى الاعتقاد
بقوة إلزامها ،هذه الأخيرة لا تجد مصدر الإلزامية إلا باتفاق الأطراف لأنها مؤسسة
على الاتفاق ويجوز مخالفتها بنص صريح في العقد لذا تسمى بالعادة الاتفاقية، ومن
خصائص العرف التجاري أنه يفترض علم القاضي به فلا يضطر الخصم إلى إثباته عكس
العادة التجارية ولا يطبق إذا كان يتعارض مع قاعدة قانونية آمرة مهما كانت مكانته،
وقد تتحول العادة التجارية إلى عرف إذا درج الناس على التعامل بها وشعروا بأنها
أصبحت تتمتع بقوة إلزامية، ومن أمثلة الأعراف التجارية افتراض التضامن بين المدينين
بدين تجاري إذا تعددوا.
3- أولوية
العرف التجاري على القانون المدني: للعرف أهمية من بين
مصادر القانون
التجاري ذلك
انه تعبير عن القواعد التي ارتضى التجار الخضوع لها دون أن تفرضها عليهم السلطات
التشريعية في الدولة لذا يجب تطبيق العرف التجاري قبل القانون المدني- خارج إطار
الإحالة- بما فيها القواعد الآمرة لهذا القانون لأنه يحمل قواعد خاصة بالمسائل
التجارية وهذا لا ينطبق عند وجود نص آمر من القانون التجاري يتعارض مع العرف
التجاري هنا الأولوية للنص التجاري.
ثالثا: مكانة
الشريعة الإسلامية: لتحديد موضع الشريعة الإسلامية كمصدر
بالنسبة للقانون التجاري الجزائري يجب التمييز بين مرحلتين:
1- قبل تعديل
سنة 1996: حيث لم يرد في التقنين التجاري أي نص يشير إلى مصادر
القانون التجاري، فطبقت المادة الأولى من القانون المدني والتي نصت على الآتي: "يسري
القانون على جميع المسائل التي تناولت نصوصه في لفظها أو في فحواها.
وإذا لم يوجد
نص تشريعي، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم يوجد فبمقتضى
العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة".
مراعاة
للقاعدة الواردة في النص أعلاه فكانت الشريعة الإسلامية المصدر الاحتياطي الأول في
غياب نص تشريعي تجاري وقبل العرف التجاري.
2- بعد تعديل
سنة 1996: قلب المشرع الجزائري ترتيب مصادر القانون التجاري
باستحداث المادة الأولى مكرر بموجب الأمر رقم 96-27 مستبعدا الشريعة الإسلامية
كمصدر للتشريع التجاري وهو الأمر الذي أثار جدلا فقهيا حيث اعتبر البعض أنه لا حرج
في اللجوء إلى أحكام الشريعة في غياب نص أو عرف تجاري ينظم المسألة ما دام قد
احترم القانون، وبعضهم يرى وجود نشاطات جديدة كالبورصة يصعب إيجاد حل لها في
الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: المصادر التفسيرية
تهدف المصادر
التفسيرية للقانون إلى توضيح مضمون الأحكام القانونية وإلى البحث عن إرادة المشرع
ولا يتسنى ذلك إلا من خلال العودة إلى اجتهاد الفقهاء والقضاة فيندرج تحت هذا
العنوان نوعين من المصادر وهما الاجتهاد القضائي (الفرع الأول)، والاجتهاد الفقهي (الفرع
الثاني).
الفرع الأول: الاجتهاد القضائي
هو مجموع
المبادئ القانونية المستخلصة من استقراء أحكام المحاكم الصادرة التي تطبق وتساعد في تفسير النصوص القانونية أو ما يسمى
أيضا بـ"السابقة القضائية"، والمستقر عليه أنّ القاضي حرّ في قضائه وليس
له إنشاء قواعد قانونية وإنما يطبقها وان استدعت الضرورة تفسيرها وله في سبيل ذلك
أن يستدل بالأحكام القضائية السابقة أي يأخذ بها على سبيل الاستئناس دون أن يكون
ملزما بالأخذ بها وهو الوضع في القانون الجزائري (المقصود بالأحكام تلك التي
تصدرها الجهات العليا للقضاء وفي الجزائر المحكمة العليا)، عكس الأنظمة
الأنجلوسكسونية التي تعتبر الاجتهاد القضائي مصدرا رسميا وتلزم القضاة بالفصل في
النزاعات المماثلة بنفس الأحكام التي صدرت مسبقا.
ساهم الاجتهاد
القضائي بشكل ملحوظ في تطوير القانون التجاري على وجه الخصوص وكان له الفضل في
إيجاد أنظمة منها دعوى المنافسة غير المشروعة والشركات الفعلية والإفلاس الفعلي.
الفرع الثاني: الاجتهاد الفقهي
هو مجموع أراء
فقهاء القانون من مختلف الفئات ممن يجتهدون في مؤلفاتهم وتعدّ إسهاماتهم فعّالة في
التأثير على التوجه العام للقضاء والتشريع بتناولهم لمختلف الموضوعات على نحو
التحليل والنقد لمختلف الأحكام القضائية والنصوص القانونية وحتى المشاريع التي
تعدّل تلك النصوص من أجل تقديم حلول للمنازعات أو النقائض أو الغموض في النصوص
التشريعية بما فيها المجال التجاري باعتباره ميدانا سريع التطور.
المطلب الثالث: المصادر الدولية (الاتفاقيات)
لم تعدّ
المبادلات التجارية تعرف حدودا فالعالم أصبح قرية صغيرة وبغية إيجاد إطار موحد
للمعاملات التجارية لتفادي التباين في القواعد القانونية المطبقة والقضاء على
تنازع القوانين كان لابدّ من إيجاد قواعد دولية مشتركة وهذا ما توصلت إليه الهيئات
والمؤسسات الدولية المهتمة بالمجال التجاري بآليات مختلفة منها:
1- العقود
النموذجية: من بين أهم الوسائل المعتمدة هي العودة إلى بنود العقود
النموذجية المقدمة من طرف كبريات الشركات التجارية غالبا إذ يعتمد التجار عليها
بدرجة كبيرة خصوصا في مجال التجارة الدولية وتتضمن أحكاما مستمدة من الأعراف
التجارية الدولية.
2- الاتفاقيات
الدولية: الوسيلة المثلى سواء كانت اتفاقية ثنائية أو جماعية
تشتمل احكام معينة لمعاملات تجارية محددة بعدها يتم إدراج تلك الأحكام ضمن نصوص
القانون الوطني لكل دولة منضمة للاتفاقية، نذكر منها على سبيل المثال:
- الإتفاقية
الخاصة بتوحيد القواعد المطبقة على السفتجة.
- اتفاقيات
تخص بعض أنواع العقود الدولية (كالنقل الدولي أو البيوع الدولية).
- اتفاقيات
تحدد القانون الواجب التطبيق لحل أي نزاع أو الجهة القضائية المختصة بالنظر فيه.
تعتبر
الاتفاقيـات الدوليـة التـي تـنظم التجـارة الدوليـة والتـي صـادقت عليهـا الجزائـر
مـن المصادر الرسمية للقانون التجاري كاتفاقية بروكسل لسنة 1924 المتعلقـة بالنقـل
البحـري الـدولي وكـذلك اتفاقيـة فارسـوفيا المتعلقـة بالنقـل الجـوي لسـنة
1929...إلخ.
3- الانضمام
إلى هيئات ومنظمات: تنشط على المستوى الدولي عدة هيئات ومنظمات
حكومية وغير حكومية تسعى إلى توحيد القواعد الخاصة بالمعاملات التجارية قدر
المستطاع وبالتالي مجرد الانضمام إليها يعدّ بمثابة قبول لتطبيق قواعدها
أهمها:
- منظمة
التجارة الدولية،
- لجنة الأمم
المتحدة القانون التجاري الدولي (الأونسيترال)، و
- المنظمة
العالمية للتجارة وأيضا دور أهم اتفاقية وهي اتفاقية القات (GATT).
المرجع:
- د. شتوان حياة، محاضرات في مقياس القانون التجاري، موجهة لطلبة السنة الثانية نظام ل م د جذع مشترك – السداسي الثالث، جامعة آكلي محند أولحاج، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من الصفحة 6 إلى ص25.