الحمایة القانونیة للحق وكیفیة إثباته

الحمایة القانونیة للحق وكیفیة إثباته

إن القانون یقر الحقوق ویوفر لها في المقابل حمایة قانونیة وتعتبر هذه الأخیرة عنصرا من عناصر تكوین الحق، وبدونها لا یكون للحق أي قیمة.

في حالة حصول تجاوز على الحق یضمن القانون لصاحبه الوسائل القانونیة من اجل حمایته كالدفع أمام القضاء، ویكون عن طریق رفع دعوى قضائیة محاولا إثباته. أما إذا كان هناك تجاوز من قبل صاحب الحق في استخدام حقه أي تعسف في استعمال الحق هنا تسقط الحمایة القانونیة عنه.

من خلال هذا الفصل سوف نتعرض إلى وسائل حمایة الحق في مبحث أول، وإلى كیفیة إثبات الحق في مبحث ثان.

المبحث الأول: وسائل حمایة الحق

قرر المشرع عدة وسائل قانونیة یحمي بها  الشخص حقوقه, لكن أهمها وأكثرها فعالیة هي الدعوى القضائیة. ویقصد بالدعوى لجوء الشخص صاحب الحق إلى القضاء لحمایة مصلحة مشروعة، وتتخذ هذه الحمایة صورتین هما: الحمایة المدنیة للحق (المطلب الأول) والحمایة الجزائیة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الحمایة المدنیة للحق

تعتبر الدعوى المدنیة من أهم الوسائل القانونیة لحمایة الحق, والتي یرجع إلیها المدعي لتحریك القضاء للحصول على تقریر حقه أو حمایته. ویشترط لقبول هذه الدعوى شروط أساسیة، متى توفرت یباشر المدعي دعواه، وهذه الأخیرة تختلف باختلاف محلها، وبالتالي سنتناول تعریف الدعوى المدنیة ثم شروطها وبعد ذلك أنواعها.

الفرع الأول: تعریف الدعوى المدنیة

الدعوى المدنیة هي الدعوى التي ترفع أمام القضاء المدني إذا حدث اعتداء على أي حق من الحقوق الخاصة أو المالیة للشخص، بهدف حمایة ذلك الحق، وأساسها هو المسؤولیة المدنیة، وهي جزاء الإضرار بالمصالح الخاصة من خلال إلزام المسؤول بتعویض الأضرار التي ترتبت لصاحب الحق من جراء الاعتداء على حقه، وذلك بناء على طلب المضرور، ویترتب على ذلك:

- أن الدعوى المدنیة هي وسیلة لحمایة الحقوق الخاصة والمالیة.

- رفع الدعوى المدنیة هو حق لصاحب الحق حسب رغبته، فله الحق في التنازل عن حقه، أو التصالح بشأنه.

یتم تحریك الدعوى المدنیة بإتباع الإجراءات الواردة في قانون الإجراءات المدنیة والإداریة.

الفرع الثاني: شروط الدعوى المدنیة

یشترط لقبول الدعوى المدنیة ما یلي: 

أولا: المصلحة

وهي الفائدة المشروعة التي یرمي المدعي إلى تحقیقها باللجوء إلى القضاء. ویشترط في المصلحة أن تستند إلى حق أو مركز قانوني موضوعي أو إجرائي، بحیث یكون الغرض حمایة هذا الحق أو المركز القانوني، ودفع العدوان عنه أو تعویض الضرر الذي لحق منها سواء كان الضرر مادي أو معنوي. والأصل أن تكون المصلحة قائمة وحالة حتى تقبل الدعوى، والاستثناء هو قبول المصلحة الاحتمالیة في أحوال معینة فقط، ولا دعوى حیث لا مصلحة.

وطبقا لنص المادة 145 ق م ج یجب أن یكون الحق مستحق الأداء، حتى یتحقق شرط المصلحة القائمة، كما یجب على الدائن أن یوجه اعذار قبل رفع الدعوى استنادا إلى المادتین 179 و180 ق م ج.

ثانیا: الصفة

هي أن تنسب الدعوى ایجابا لصاحب الحق في الدعوى، وسلبا لمن یوجد الحق في الدعوى لمواجهته، وقد یمنح القانون شخصا آخر غیر صاحب الحق أو نائبه الحق بمطالب المدین بالدین، كما لو كان للمدعي مصلحة شخصیة في رفع الدعوى. ومثال ذلك، الدائن الذي یستعمل حقوق مدینه عن طریق الدعوى غیر المباشرة.

ثالثا: أهلیة التقاضي

وهي أن یكون المتقاضي مخولا لرفع الدعاوى أمام القضاء بان یكون راشدا وعاقلا، وغیر ممنوع من التقاضي بسبب عقوبة جنائیة ارتكبها.

وسن الرشد القانوني المحدد لمباشرة الدعوى هي تسعة عشر سنة كاملة، طبقا لنص المادة 40 ق م ج.

الفرع الثالث: أنواع الدعوى المدنیة

تنقسم الدعاوى الفقهیة بحسب موضوعها واستنادا لذلك نجد الدعوى الشخصیة، الدعوى العینیة، دعوى المنقول، دعاوى الحیازة، والدعوى العقاریة.

أولا: الدعوى العینیة والشخصیة والمختلطة

تكون الدعوى عینیة إذا كان محلها حقا عینیا، وتكون الدعوى شخصیة إذا كان محلها حقا شخصیا، وتكون الدعوى مختلطة إذا كان محلها مركب من حق عیني وآخر شخصي.

أ/ الدعوى العینیة: موضوع الدعوى العینیة هو حق من الحقوق العینیة، سواء كان حقا عینیا أصلیا كحق الملكیة والحقوق المتفرعة عنه، أو حقا عینیا تبعیا كحق الرهن الرسمي أو الحیازي، حق التخصیص أو حق الامتیاز.

ب/ الدعوى الشخصیة: ترد هذه الدعوى على جمیع الحقوق الشخصیة أیا كان مصدر الالتزام، سواء كان تصرفا قانونیا أو واقعة قانونیة، طبیعیة أو مادیة، وتشمل الدعاوي الشخصیة: دعوى الدائنیة، دعوى الفسخ، دعوى البطلان.

ج/ الدعوى المختلطة: هي الدعوى التي تستند إلى حقین أحدهما شخصي الآخر عیني، ناشئین عن رابطة قانونیة واحدة  بحیث أن الحكم الذي یصدر في النزاع المتعلق بأحد الحقین یحسم أیضا النزاع حول الحق الآخر.

ومن أمثلة الدعاوي المختلطة نذكر: دعوى تنفیذ تصرف قانوني ناقل أو منشيء لحق عیني عقاري كدعوى المشتري ضد البائع لمطالبته بتسلیم المبیع، دعوى أبطال أو فسخ تصرف قانوني ناقل أو منشيء لحق عیني عقاري  كدعوى البائع فسخ العقد واسترداد المبیع من المشتري.

ثانیا: الدعوى العقاریة والدعوى المنقولة

یكون محل الدعوى إما عقارا أو منقولا، وهذه الأخیرة ترد علیها حقوق عینیة، ومنه تقسم الدعاوى العینیة إلى:

- دعاوى عینیة عقاریة كدعوى استحقاق العقار ودعوى تقریر أو إنكار حق الانتفاع بالعقار.

- دعاوى عینیة منقولة.

كما تقسم الدعاوي إلى:

- دعاوي شخصیة منقولة كدعوى المستأجر مطالبة المؤجر بتسلیم العین المؤجرة للانتفاع بها، ودعوى إلزام المقاول باحترام تعهداته المترتبة عن عقد أو ترمیمه.

- دعاوي شخصیة عقاریة كدعوى صحة ونفاذ عقد البیع كدعوى إتمام إجراءات نقل ملكیة عقار.

ثالثا: دعاوى الحیازة

ترفع دعاوى الحیازة لحمایة واقعة مادیة تتمثل في الحیازة. ویشترط لقبول دعاوي شرط الحیازة، شرط المصلحة القانونیة القائمة وأن تتوفر فیها شروط الحیازة القانونیة، بالإضافة إلى شرط الصفة ومضمونه تمتع المدعي بصفة الحائز، وشرط میعاد رفع الدعوى التي یجب أن ترفع خلال سنة من وقوع الاعتداء طبقا لنص المادة 524/2 ق إ م إ.

ومن أهم دعاوي الحیازة نذكر دعوى منع التعرض، ودعوى استرداد الحیازة ودعوى وقف الأعمال الجدیدة.

المطلب الثاني: الحمایة الجزائیة للحق

قد لا یقتصر اعتداء الغیر على صاحب الحق وحده، بل یتعداه لیمس أمن المجتمع واستقراره، مثل الاعتداء على حق الشخص في السلامة الجسدیة، والاعتداء على الأموال واغتصابها، ففي هذه الحالة تتولى النیابة العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع، تحریك الدعوى العمومیة (الجزائیة) حمایة للمصلحة العامة للمجتمع.

الفرع الأول: تعریف الدعوى الجزائیة

هي الدعوى المرفوعة أمام القضاء الجنائي، وأساسها هي المسؤولیة الجنائیة، والتي تقوم جراء الإضرار بمصالح المجتمع باعتبار أن آثار الاعتداء تتجاوز الضحیة إلى المجتمع، كالاعتداء على حق من الحقوق اللصیقة بالإنسان، كحقه في سلامة جسده بالتعدي علیه بالضرب أو الجرح أو القتل، أو یكون هذا الاعتداء ماسا بشرفه، كالجرائم المتعلقة بهتك العرض والقذف.

الفرع الثاني: شروط تحریك الدعوى الجزائیة

في الدعوى الجزائیة یتم توقیع عقوبة على المسؤول عقابا له وردعا لغیره. وتتحرك الدعوى الجنائیة بناء على شكوى من طرف الضحیة أو من طرف النیابة العامة مباشرة، ولا یجوز التنازل عنها ولا التصالح فیها.

ومما ینبغي التنبیه إلیه أن للضحیة بسبب الجریمة التقدم بدعواه المدنیة إلى المحاكم الجزائیة، تبعا للدعوى الجنائیة، مطالبا إیاها  بالحكم له بالتعویض، وهنا یتعین وقف سیر الدعوى المدنیة لحین الفصل في الدعوى الجنائیة عملا بقاعدة أن "الجنائي یوقف المدني". ولكي تقبل الدعوى الجزائیة أمام القضاء الجزائي یجب أن تتوفر الشروط التالیة:

أولا: أن تكون هناك جریمة قد وقعت فعلا وأن یكون الضرر الذي لحق الشخص ناشئا عن هذه الجریمة.

ثانیا: أن یتم نسبة الجریمة للمتهم الذي أصاب المدعي بضرر مباشر بسبب الفعل الإجرامي الذي ارتكبه المتهم.

ثالثا: تحریك الدعوى العمومیة من قبل المجني علیه، عن طریق تقدیم شكوى مصحوبة بادعاء مدني أمام قاضي التحقیق.

رابعا: أن یكون التعویض المطلوب مبنیا على ذات الفعل المرفوعة به الدعوى، فإذا صدر الحكم ببراءة المتهم من الجریمة المنسوبة إلیه، حكمت المحكمة الجزائیة بعدم اختصاصها في الفصل في الدعوى المدنیة، ذلك أن سبب حصول الضرر هو الجریمة المرتكبة من طرف الجاني.

المبحث الثاني: إثبات الحق

لكي یستطیع صاحب الحق ممارسة السلطات التي یخولها له هذا الحق، یفترض أن أحدا لا ینازعه في هذه السلطات، فإذا حدث أن كان هذا الحق محل منازعة فعلى صاحب الحق أن یثبته، أي علیه أن یقیم الدلیل على وجوده وغالبا ما یكون ذلك بمناسبة منازعة أمام القضاء.

والإثبات مهم بالنسبة للحق ویرتبط به ارتباطا وثیقا بحیث أن الحق یفقد قیمته ویكون في حكم العدم إذا انتفى الدلیل المثبت لوجوده.

سنتناول فیما یلي وسائل إثبات الحق في مطلب أول ثم تحدید على من یقع عبء الإثبات في مطلب ثاني.

المطلب الأول: وسائل الإثبات

وضع المشرع الجزائري في القانون المدني بالمواد من 323 إلى 350، مجموعة من وسائل الإثبات التي بإمكان المدعي اللجوء إلیها لإثبات ادعائه، وتتمثل في الكتابة، البینة، القرائن، الإقرار، الیمین.

الفرع الأول: الكتابة L’écrit

تعتبر الكتابة من أهم أدلة الإثبات، وأقدمها وأكثرها إقناعا، وتمتاز عن بقیة الوسائل الأخرى بإعداده مقدما، أي وقت حصول الواقعة أو التصرف القانوني مصدر الحق، وقبل حدوث أي نزاع.

وقد نص المشرع الجزائري صراحة على الكتابة كوسیلة لإثبات التصرف القانوني، والكتابة التي یتم بها الإثبات إما أن تكون في ورقة رسمیة أو في ورقة عرفیة.

أولا: الورقة الرسمیة Acte authentique

فالورقة الرسمیة هي التي یثبت فیها موظف أو ضابط عمومي أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على یدیه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك في حدود سلطته واختصاصه طبقا لنص المادة 324 ق م ج.

ومثال هذه الورقة العقود الرسمیة التي تتم أمام الموثق، وتمتاز هذه الورقة بكونها مدعمة بقرینة الرسمیة مما یخولها حجیة خاصة في الإثبات فتعتبر حجة ما لم یطعن فیها بالتزویر، حیث نصت المادة 324 مكرر 5 ق م ج على أنه:" یعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة حتى یثبت تزویره ویعتبر نافذا في كامل التراب الوطني".

ثانیا: الورقة العرفیة Acte sous-seing privé

یقصد بالورقة العرفیة المحرر المكتوب الصادر عن الأفراد ولیس عن موظف عام أو أطراف رسمیة، موقعة ممن صدرت منه بإمضائه أو ختمه أو بصمته.

وتفتقد الورقة العرفیة للخاصیة الأساسیة التي تتمیز بها الورقة الرسمیة، إذ تنعدم الرسمیة في إنشائها، ولكن یلجأ الناس للإثبات بها لسهولتها على خلاف الورقة الرسمیة من الناحیة العملیة. واذا كان لا یشترط في هذه الورقة أي شكل خاص، إلا أن التوقیع هو الشكلیة الأساسیة اللازمة لصحتها. وتعتبر الورقة العرفیة صادرة ممن وقعها ما لم ینكر صراحة ما هو منسوب إلیه من خط أو إمضاء.

إن توفر شرط الكتابة وشرط التوقیع یجعل الورقة العرفیة دلیل إثبات أیا كانت طبیعتها.

وتبرز حجیة الورقة العرفیة من حیث كونها تحقق ثلاث نتائج أساسیة وهي: نسبة التوقیع أو الكتابة إلى من وقع الورقة، القوة الثبوتیة للبیانات المدونة في الورقة، وحجیة تاریخ الورقة بالنسبة للغیر.

فإذا قام الخصم بإقرار بصدور الورقة العرفیة عنه أو إثبات خصمه أنه صدر منه بعد إنكاره تمتعت هذه الورقة بقوة ثبوتیة تعادل القوة الثبوتیة للورقة الرسمیة فیما یتعلق بمضمونه، فإذا ادعى من یتمسك ضده بحصول تغییر مادي في مضمونه فعلیه أن یسلك طریق الطعن بالتزویر، واذا تعلق النزاع بالبیانات المدونة في الورقة یمكن للمدعي الطعن بصوریتها أو قابلیة التصرف للإبطال لوجود عیب من عیوب الإرادة.

الفرع الثاني: الشهادة (البینة) Le témoignage

الشهادة هي الإدلاء بأقوال وافادات أمام القضاء لإثبات حق على الغیر, وللقاضي سلطة تقدیر الشهادة فله أن یأخذ بها إذا اقتنع, أو أن یرفضها مهما كان الشهود.

وشهادة الشهود هي التصریح الذي یدلي به الشخص أمام القضاء بواقعة صدرت من غیره وترتب علیها حق لهذا الغیر، ویجب أن تكون هذه الواقعة المصرح بها وصلت إلى علم الشاهد بسمعه أو بصره.

یشترط القانون في الشهادة من حیث شكلها أن تصدر أمام القاضي طبقا للأوضاع المقررة قانونا، وفي مقدمتها صدور الحكم بالإحالة إلى التحقیق متضمنا بیان الوقائع المراد إثباتها بشهادة الشهود وتحلیف الشاهد قبل إدلائه بشهادته.

وقد حصر المشرع مجال جواز شهادة الشهود فیما لم یتطلب فیه شرط الكتابة طبقا لنص المادة 533 ق م ج، ویجوز الإثبات بالشهود أیضا فیما یجب أثباته بالكتابة في حالتین هما:

- إذا وجد مانع مادي أو أدبي یحول دون الحصول على دلیل كتابي.

- إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي خارج عن إرادته.

وقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة 532 منه على المعاقبة بالحبس والغرامة على شهادة الزور.

الفرع الثالث: الإقرار La reconnaissance

عرف المشرع الجزائري الإقرار في نص المادة 143 ق م ج، أنه اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونیة معینة، مدعى بها علیه، وذلك أثناء السیر في الدعوى المتعلقة بها الواقعة.

 والإقرار حجة قاطعة على المقر، ولا یتجزأ على صاحبه فإما یؤخذ به كله أو یترك كله، نصت علیه المادة 243 ق م ج.

الفرع الرابع: الیمین Le serment

یقصد بالیمین طبقا لنص المادة 343 ق م ج، قیام الخصم بالحلف لإشهاد اﷲ سبحانه وتعالى على صدق واقعة سابقة یدعي وقوعها، أو عدم وقوعها، وقد تكون الیمین حاسمة أو متممة.

فالیمین الحاسمة Le serment décisoire تكون عندما یكون عبء الإثبات على الخصم ویعوزه الدلیل, فانه یوجه "الیمین الحاسمة" إلى خصمه احتكاما إلى ضمیره لحسم النزاع. وهي تتمیز بكونها ذات حجة قاطعة بین الطرفین.

أما الیمین المتممة Le serment supplétoire فیوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمین لكي یستكمل بها الأدلة الأخرى.

الفرع الخامس: القرائن Les preuves

القرائن سواء كانت قانونیة أو قضائیة هي تتمثل في استنباط القانون أو القاضي أمر مجهول من واقعة معلومة. والقرینة هي ما یستخلصه القاضي أو المشرع من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول وبذلك تعتبر القرائن أدلة إثبات غیر مباشرة حیث لا ینصب الإثبات فیه مباشرة على الواقعة محل التداعي، وانما على واقعة أخرى بدیلة.

وبالتالي فأنواع القرائن هي القرائن القانونیة والقرائن القضائیة.

أولا: القرائن القانونیة Présomptions de droit

القرینة القانونیة هي افتراض قانوني یجعل الشيء المحتمل أو الممكن صحیحا، وفقا لما هو مألوف في الحیاة، أو وفقا لما یرجحه العقل ینص علیها القانون صراحة، فهي من استنباط المشرع وتدخل ضمن الطرق المعفیة من الإثبات. مثال: المادة 994 ق م ج التي تنص على:" الوفاء بقسط من بدل الإیجار یعتبر قرینة على الوفاء بالأقساط السابقة حتى یقول الدلیل على عكس ذلك".

وقد تناول القانون المدني القرائن في المواد من 733 إلى 043 ق م ج.

وتنقسم القرائن القانونیة إلى قرائن بسیطة وقرائن قاطعة.

أ/ قرینة قانونیة بسیطة Présomption simple

وهي التي تقبل إثبات العكس، وهي الأصل في القرائن، وإثبات عكس القرینة یتم بكافة طرق الإثبات.

ومن أمثلة القرینة القانونیة البسیطة ما ینص علیه القانون  المدني في المادة 777 منه،من أنه یعتبر التصرف وصیة وتجري علیه أحكامها إذا تصرف شخص لأحد ورثته واستثنى لنفسه بطریقة ما حیازة الشيء المتصرف فیه والانتفاع به مدة حیاته ما لم یكن هناك دلیل یخالف ذلك. ومن أمثلتها أیضا قرینة اعتبار المفقود میتا، إذ یمكن نقضها بإثبات عودة المفقود استمرار حیاته.

ب/ قرینة قانونیة قاطعة Présomption Irréfragable

وهي التي لا تقبل إثبات عكس ما تقرره، ومثال ذلك ما نصت علیه المادة 338 ق م ج التي تجعل الأحكام التي حازت حجیة الأمر المقضي حجة فیما فصلت فیه من الخصومة ولا یجوز قبول دلیل ینقض هذه القرینة.

ومن أمثل القرینة القانونیة القاطعة ما یقرره المشرع الجزائري من مسؤولیة حارس الحیوان عن الحیوان ومسؤولیة حارس البناء عن تهدم البناء ومسؤولیة حارس الآلات المیكانیكیة أو الأشیاء التي تتطلب حراستها عنایة خاصة. وتقوم مسؤولیة كل هؤلاء على أساس الخطأ المفترض في الحراسة.

ثانیا: القرائن القضائیة Présomptions de justice ( preuves judiciaires)

وهي تلك القرائن التي یستنبطها القاضي من الدعوى، ویقوم القاضي بالاستنباط حسب ظروف كل دعوى ولا یجوز له ذلك إلا حیث یجوز الإثبات بالبینة.

المطلب الثاني: على من یقع عبء الإثبات

مبدئیا یقع عبء الإثبات على من یدعي وجود حق له، وهكذا یقال أن عبء الإثبات یقع على المدعي. فالقاعدة العامة المقررة في الإثبات في مجال الحقوق الشخصیة والمطبقة كمبدأ  عام لتعیین الخصم الذي یجب علیه أن یقوم بالإثبات، أن "البینة على من ادعى", لذلك نص القانون المدني في المادة 323 منه "على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدین إثبات التخلص منه".

ومقتضى هذه القاعدة أن عبء الإثبات یكون دائما على الخصم الذي یدعي خلاف الظاهر، فینتقل من خصم إلى آخر في الدعوى. ونظرا لما تتمیز به القاعدة في توزیع عبء الإثبات من تعقید، فإن المشرع قد خرج علیها في بعض الحالات وهكذا یعفي القانون مثلا المكلف بالإثبات من عبء الإثبات وذلك بإنشاء قرینة قانونیة لصالحه تغنیه عن إقامة الدلیل، إذ تؤدي إلى قلب عبء الإثبات وهذا ما جاء بنص المادة 733 ق م ج:" القرینة القانونیة تغني من تقررت لمصلحته عن أیة طریقة أخرى من طرق الإثبات".

ومن أمثلة ذلك قرینة الوفاء بأقساط الأجرة (في حالة الإیجار) المنصوص علیها في المادة 994 ق م ج، فإذا ادعى المؤجر أن المستأجر لم یف بقسط سابق من الأجرة فلیس على هذا الأخیر إقامة الدلیل على الوفاء وانما عبء الإثبات یعود بمقتضى القرینة السابقة إلى المؤجر الذي یكون علیه إثبات عدم الوفاء.

المرجع

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في نظرية الحق، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة العقيد آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، السنة الجامعية 2021/2022، الجزائر، من ص81 إلى ص94. 

google-playkhamsatmostaqltradent