أسباب انقضاء الدعوى العمومية في القانون الجزائري

أسباب انقضاء الدعوى العمومية

أسباب انقضاء الدعوى العمومية

أسباب انقضاء الدعوى العمومية

قسم الفقه الجنائي أسباب انقضاء الدعوى العمومية إلى عامة وخاصة، وبالرجوع إلى المادة 6 من الأمر 15-02 المؤرخ في 23 يوليو 2015، المعدل والمتم لقانون الإجراءات الجزائية، يتضح أن الفقرة الأولى من المادة المذكورة تتعلق بالأسباب العامة لانقضاء الدعوى العمومية، في حين ان الفقرتين الثالثة والرابعة من نفس المادة تتعلقان بالأسباب الخاصة لإنقضاء الدعوى العمومية.

الفرع الأول: الأسباب العامة لإنقضاء الدعوى العمومية

نصت الفقرة الأولى من المادة 6 من الأمر رقم 15-02 المذكورة أعلاه، بأن الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة تنقضي بوفاة المتهم، وبالتقادم، والعفو الشامل، وبإلغاء قانون العقوبات، وبصدور حكم حائز لقوة الشئ المقضي ونتناول هذه الحالات حسب الترتيب الذي جاء به المشرع.

أولا: إنقضاء الدعوى العمومية بوفاة المتهم

تنقضي الدعوى العمومية بوفاة المتهم في جميع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى.ويجب أن نميز في هذه الحالة بين وفاة المتهم قبل صدور الحكم في الدعوى وبعد صدور حكم فيها.

أ- وفاة المتهم قبل صدور الحكم 

1 - إذا حصلت الوفاة بعد وقوع الجريمة وقبل تحريك الدعوى العمومية، فإنه يتعين على النيابة العامة أن تصدر قرار بحفظ الملف لوفاة المشتبه فيه ذلك أن وفاة المشتبه فيه تعني فقدان الدعوى العمومية لأحد طرفيها لاأصليين الذي لا يعقل إتخاذ أي إجراء في مواجهته في الوقت الذي يستحال فيه مناقشته والدفاع عن نفسه، فشخصية العقوبة تفترض شخصية المسؤولية، والإثنان معا تفترضان شخصية الدعوى العمومية ويتحمل كل ذلك المشتبه فيه ولا يحل محله بعد وفاته أحدا.
2 - وإذا كانت الدعوى العمومية قد تحركت ثم توفي المتهم وكانت الدعوى مطروحة على جهة التحقيق الإبتدائي وجب على هذه الأخيرة إصدار أمر بإنقضاء الدعوى  العمومية بوفاة المتهم، أما إذا كانت الدعوى مطروحة على المحكمة للفصل فيها، وجب على المحكمة أن تحكم بإنقضاء الدعوى العمومية لوفاة المتهم والاستمرار في نظر الدعوى المدنية إذا كانت قد رفعت إليها قبل وفاة المتهم، وإذا لم يكن المضرور من الجريمة قد رفع دعواه أمام المحكمة الجنائية فيجوز له رفع هذه الدعوى ضد الورثة بعد وفاة المتهم ولكن أمام المحكمة المدنية مع مراعاة مدة تقادم الدعوى المدنية دون الدعوى العمومية.

ب- وفاة المتهم بعد صدور الحكم 

- إذا كان الحكم غير نهائي أي لم تمض مواعيد الطعن فيه، وكان بالبراءة إمتنع على النيابة العامة الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، ذلك أن الطعن يعتبر إجراء من إجراءات مباشرة الدعوى العمومية التي نقضت بوفاة المتهم، وإذا فصل في الطعن بأي شكل من الأشكال فإنه يعتبر كأن لم يكن.
- إذا مات المتهم بعد الحكم عليه بالإدانة وكان الحكم غير نهائي، فإنه مات بريئا لأن القاعدة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي، وطالما أن المتهم توفي قبل الطعن في الحكم أو قبل الفصل في الطعن، فإن الحكم لم يصبح بعد نهائيا.
- إذا حدثت الوفاة بعد إدانة المتهم وكان الحكم نهائيا، فإن الدعوى العمومية تكون قد انقضت بصدور حكم نهائي فيها، وبالتالي نكون في هذه الحالة أمام انقضاء العقوبة بوفاة المحكوم عليه لأن صفة المتهم قد زالت على المحكوم عليه بمجرد أن أصبح الحكم نهائيا.
ويلاحظ أن سقوط الدعوى العمومية بوفاة المتهم لا يمنع المحكمة إذا عرضت عليها الدعوى وكانت هناك أشياء محجوزة بأن تحكم بالمصادرة إذا كانت الأشياء المضبوطة عند المتهم تعد صناعتها أو استعمالها أو حيازتها أو عرضها للبيع جريمة في حد ذاتها، ولو لم تكن الأشياء المحجوزة ملكا للمتهم المتوفي.
ولا تعتبر المصادرة في هذه الحالة  عقوبة موجهة ضد المتهم المتوفي، ذلك أن الدعوى العمومية قد إنقضت بالنسبة إليه، نظرا لأن المبدأ هو شخصية العقوبة، المصادرة في هذه الحالة أمر أوجبه القانون بالنسبة للشئ ذاته باعتباره تدبير عيني أو إجراء من إجراءات الوقاية العينية أو المادية.

ثانيا: إنقضاء الدعوى العمومية بالتقادم

نتعرض لتعريف التقادم وعلته ( أولا ) ثم نتعرض لمدة التقادم وسريانه ( ثانيا ) ووقف التقادم و انقطاعه ( ثالثا).

أولا : تعريف التقادم وعلته

أ تعريف التقادم : هو مرور الزمن أو المدة التي يحددها المشرع ابتداء من تاريخ وقوع الجريمة أو تاريخ آخر إجراء من إجراءاات التحري أو التحقيق دون إتمام باقي إجراءات الدعوى ودون أن يصدر فيها حكم، مما يؤدي إلى إنقضاء حق المجتمع في إقامة هذه الدعوى.

ب- العلة من التقادم 

يمكن إرجاع العلة من التقادم إلى الأسباب التالية :
1-  إن مرور فترة من الزمن على وقوع الجريمة دون متابعة مرتكبها ومعاقبته، يؤدي إلى زوال الجريمة وآثارها من ذاكرة كل من شاهدها أو علم بها، مما يؤدي بالرأي العام إلى نسيانها ولم يعد بعد ذلك مهتما بمعاقبة مرتكب الجريمة وبالتالي لن تحقق فكرة الردع العام التي يتوخاه المشرع من وراء العقوبة المسلطة على الجاني.
2-  إن مضي سنوات عديدة على وقوع الجريمة يؤدي إلى ضعف الأدلة أو إتلافها، سواء كانت أدلة كالمضاهاة و التحاليل الكيمياوية التي تتلاشى وتندثر مع الزمن، أو أدلة معنوية كشهادة الشهود الذين تخونهم الذاكرة عما شاهدوه لطول المدة.
3-  إختفاء الجاني عن الأنظار وعزل نفسه عن المجتمع يؤدي إلى حرمانه من حقوق و مزايا الحياة التي يتمتع بها الإنسان العادي مما يجعله يعاني من الخوف و الفزع و الاضطراب، ويكون ذلك بمثابة نوع من الجزاء أو العقاب تلقاه الجاني من خلال الآلام والمعاناة التي نتجت عن ابتعاده عن مجتمعه ومحيط أهله. كما أن التزام الجاني طوال هذه الفترة وعدم عودته إلى ارتكاب جريمة أخرى يؤكد ندمه والتزامه بالسلوك الحسن.
4-  تحمل المجتمع وزر الإهمال أو التقصير في القبض على الجاني وفي تمكينه من الهروب.

ج- مدة التقادم و سريانه 

لقد نص المشرع على التقادم وأعتبره من النظام العام، وحدد مدته وفقا لجسامة الجريمة المرتكبة، إذ نص على تقادم الدعوى العمومية بعشر سنوات في الجنايات وثلاث سنوات في الجنح وسنتين في المخالفات، فكلما كانت الجريمة أبسط كنت مدة التقاد أقصر (المواد 7 و 8 و 9 ق إ ج).
ويسري التقادم إبتداء من تاريخ إقتراف الجريمة، وإذا اتخذ أي إجراء من إجراءات المتابعة أو التحقيق فيها فإنه يسري من تاريخ آخر إجراء.
وقد نص المشرع في المادة 8 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية على عدم انقضاء الدعوى العمومية في الجنايات والجنح الموصوفة بأفعال إرهابية أو تلك المتعلقة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الرشوة أو اختلاس أموال عمومية.
و إذا كان التقادم في الجرائم الوقتية أو الفورية 19 يبدأ بتاريخ اقتراف الجريمة، فإن الأمر يختلف بالنسبة للجرائم المستمرة إذ أن مدة التقادم فيها يبتدئ من تاريخ انتهاء حالة الإستمرار كسرقة التيار الكهربائي أو حمل السلاح بدون رخصة أو استعمال المزور، حيث تبدأ الجريمة بمجرد سرقة التيار أو حمل السلاح أو استعمال المزور ولا تنتهي إلا بالتخلي عن سرقة التيار أو التخلي عن حمل السلاح أو العدول عن استعمال المزور.

د- وقف التقادم وانقطاعه 

يقصد بوقف التقادم ظهور سبب أو مانع مادي يؤدي بالضرورة إلى وقف التقادم كالحروب و الاحتلال والكوارث، فإذا زال هذا السبب أو المانع عاد سريان مدة التقادم من جديد مع احتساب المدة التي سرى التقادم فيها قبل الوقف، وقد نص المشرع المصري في المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على وقف سريان مدة التقادم إلى غاية زوال المانع الذي أدى إلى الوقف كالحرب والاحتلال.
في حين أن المشرع الجزائري لم يتناول وقف التقادم إلا في حالة واحدة نصت عليها المادة 6/2 من قانون الإجراءات الجزائية، بأنه إذا طرأت إجراءات
أدت إلى الإدانة وتبين أن الحكم الذي قضى بانقضاء الدعوى العمومية مبني على تزوير أو استعمال مزور، فإنه يجوز إعادة السير في الدعوى، وحينئذ يتعين اعتبار التقادم موقوفا منذ اليوم الذي صار فيه الحكم أو القرار نهائيا إلى يوم إدانة مقترف التزوير أو استعمال المزور، وهذه صور من صور وقف التقادم.
أما انقطاع التقادم يقصد به بدء سريان مدة التقادم من جديد اعتبارا من تاريخ آخر إجراء اتخذ في الدعوى دون احتساب المدة التي انقضت قبل الإجراء المتخذ في الدعوى بمعنى أنه إذا ارتكبت جنحة سرقة ولم يتخذ فيها أي إجراء بسبب عدم معرفة الفاعل أو عدم كفاية الأدلة وبعد مرور سنتين على الجريمة اتخذت فيها الجهات المختصة إجراء من إجراءات الاستدلال أو التحقيق، فإن التقادم ينقطع وتبدأ مدته في السريان من جديد دون الأخذ في الاعتبار السنتين السابقتين على الإجراء المتخذ في الدعوى، وهذا ما يميز انقطاع التقادم عن وقف التقادم الذي يأخذ في الحساب المدة التي انقضت من التقادم قبل وقفه.

ثالثا: انقضاء الدعوى العمومية بالعفو الشامل 

نتعرض لتعريف العفو الشامل (أ) ، وأثر العفو الشامل على الدعوى العمومية (ب) ثم أثر العفو الشامل عن الدعوى المدنية (ج).

أ- تعريف العفو الشامل 

العفو الشامل أو العفو العام هو سبب موضوعي يجرد الجريمة من الصفة الجنائية ويعطل أحكام قانون العقوبات ويوقف إجراءات المحاكمة ويلغي العقوبة إذا كانت قد صدرت. ولذلك فإن العفو الشامل لا يكون إلا بقانون يمحو الصفة الجنائية عن الأفعال ويؤدي إلى سقوط حق المجتمع في العقاب.
ويجب التمييز بين العفو الخاص والعفو العام آو الشامل، فالأول من اختصاص رئيس الجمهورية يصدره طبقا لأحكام المدة 77 من الدستور الجزائري الصادر سنة 1996 المعدل بالقانون رقم 08-19 المؤرخ في 15/11/2008.
والتي تخول رئيس الجمهورية في فقرتها السابعة حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها بعد أن تصبح الأحكام نهائية. أما العفو العام أو الشامل فهو من صلاحيات السلطة التشريعية وحدها طبقا للفقرة السابعة من المادة 122 من الدستور المذكور أعلاه.
ورغم ذلك فقد سبق لرئيس الجمهورية في الجزائر أن أصدر مرسوما رئاسيا رقم 200-03 المؤرخ في 10/01/2000 المتعلق باستعادة الوئام المدني تضمن عفوا عن فئات كثيرة من غير المحكوم عليهم نهائيا، مع أن رئيس الجمهورية خوله الدستور حق العفو الخاص للمحكوم عليهم نهائيا، كما أصدر رئيس الجمهورية عفوا بمقتضى الأمر رقم 06-01 المؤرخ في 27/02/2006 المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.

ب- أثر العفو الشامل على الدعوى العمومية 

يمكن أن يصدر العفو العام أو الشامل في أي مرحلة تكون عليها الدعوى العمومية، فإذا صدر قبل رفع الدعوى فإنه يمحو عن الفعل صفة الجريمة، ويترتب على ذلك عدم تحريك الدعوى العمومية، وإذا صدر العفو العام أو الشامل بعد تحريك الدعوى العمومية وقبل صدور الحكم فيها، تقضي المحكمة بسقوط الدعوى العمومية ولا يمكن لها أن تتعرض لموضوعها.
فقانون العفو العام أو الشامل يوجب إسقاط الدعوى العمومية ما دام أنه لم يقض فيها بحكم نهائي بات، فإذا أصبح الحكم نهائيا فنكون بصدد إعفاء المحكوم عليه من العقوبة وليس سقوط الدعوى العمومية عن المتهم بالعفو العام أو الشامل، ذلك أن الدعوى العمومية تبدأ من لحظة تحريكها وتنتهي بصدور حكم نهائي فيها.
فالعفو الشامل أو العام غالبا ما يأتي نتيجة أزمات سياسية أو أعمال شغب أو اضطرابات من أجل استتباب الأمن الاجتماعي و الاستقرار السياسي،وقد سبق للمشرع الجزائري أن أصدر القانون رقم 90-09 قرر فيه عفوا عاما عندما نص في المادة 2 منه على أن تطبق إجراءات العفو العام آو الشامل على الجنايات والجنح التي كانت موضوع متابعة أو محاكمة من قبل مجلس أمن الدولة في المدة ما بين أول يناير 1980 و 23/02/1989. وبموجب القانون المذكور تم إلغاء مجلس أمن الدولة واستفاد من إجراءات العفو الشامل كل الأشخاص محل محاكمة أو متابعة بسبب ارتكابهم أو مشاركتهم في عمليات أو حركة تخريبية أو معرضة نظام الدولة قبل تاريخ 23/02/1989 .. وقد نصت المادة 5 من القانون 90-0- على أنه : " يترتب على العفو التام العفو عن كل العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية ... ".

ج- أثر العفو الشامل على الدعوى المدنية 

الأصل أن العفو العام أو الشامل الذي يؤدي إلى سقوط الدعوى العمومية لا يؤثر على الدعوى المدنية، المرفوعة أمام المحكمة الجزائية بالتبعية، ذلك أن الدعوى المدنية ملك للمضرور من الجريمة وليس للمجتمع الحق في التنازل عنها طالما أن صاحبها أراد الاستمرار فيها، وهذا يعني أن قانون العفو الشامل لا يؤثر في الدعوى المدنية ولا في الحكم الصادر فيها حيث يلتزم المستفيد من العفو الشامل تعويض الأضرار التي ألحقها بالغير.
غير أن قانون العفو العام أو الشامل يمكن أن ينص في بنوده بإعفاء مرتكب الجريمة من المتابعة بنوعيها – الجزائية والمدنية – وفي  هذه الحالة تتحمل الدولة عبء التعويض المدني للمتضرر من الجريمة، وإذا لم ينص قانون العفو العام أو الشامل على إعفاء المستفيد منه من المسؤولية المدنية ففي هذه الحالة تطبق القاعدة العامة وهي عدم تأثر الدعوى المدنية بانقضاء الدعوى العمومية بالعفو العام أو الشامل، وقد انتهج المشرع الجزائري هذه القاعدة العامة في المادة 8/1  من قانون 90/09 المؤرخ في 25/08/1990 لذلك فإنه في حالة حصول ضرر نتيجة جريمة صدر بشأنها عفو عام أو شامل تسري القواعد العامة التي تسمح بالمطالبة بالحق المدني أمام القضاء.

رابعا: انقضاء الدعوى العمومية بإلغاء قانون العقوبات

إن إلغاء قانون العقوبات أو القانون الجنائي من الأسباب المؤدية إلى انقضاء الدعوى العمومية في أية مرحلة كانت عليها هذه الدعوى، غير أن الإختلاف يقع في حالة صدور حكم نهائي، عقبه إلغاء قانون العقوبات، فهناك من يرى بأنه بأنه يجب وقف أثر ذلك الحكم نتيجة إلغاء قواعد التجريم، أما الرأي الثاني يتمسك بتطبيق الحكم لأنه حائز لقوة الشئ المقضي به، غير أن المشرع عند إلغائه قانون العقوبات يعطي مهلة يحدد خلالها كيفية تطبيق قواعد الإلغاء في مثل هذه الحالات.
ويلاحظ أن التشريعات المقارنة ومنها التشريع الفرنسي والمصري لم تجعل إلغاء قانون العقوبات سببا من أسباب إنقضاء الدعوى العمومية ما دام أن القاضي يطبق النص الجنائي من حيث الزمان والمكان وبالتالي يصبح لغوا النص على هذا المبدأ بانقضاء الدعوى العمومية لإلغاء النص القانوني، وحسب علمنا يعتبر المشرع الجزائري الوحيد الذي نص على هذا المبدأ في المادة 6 من قانون الإجراءات الجزائية وقد يكون ذلك من باب التزيد لا يحتاج التطرق إليه ضمن أسباب إنقضاء الدعوى العمومية، وقد نصت عليه المادة 47 من الدستور و رددته المادة الأولى من قانون العقوبات " لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بغير قانون "

خامسا: انقضاء الدعوى العمومية بصدور حكم نهائي 

يعتبر الحكم النهائي ألبات هو ذلك الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية أي أنه عنوان عن الحقيقة القانونية والواقعية التي توصلت إليها المحكمة عند نظرها الدعوى العمومية.والحكم الجزائي بهذا المعنى هو حكم تنقضي به الدعوى العمومية بالنسبة للمتهم الذي صدر هذا الحكم في مواجهته.
كما أن الأمر بألاوجه للمتابعة الصادر عن قاضي التحقيق ( المادة 163 ق إ ج ) أو عن غرفة الإتهام ( المادة 195 ق إ ج ) تعتبر أحكاما قضائية، وإن كان المشرع قد أجاز إعادة فتح تحقيق فيها في حالة ظهور أدلة جديدة ما لم تتقادم الواقعة الإجرامية موضوع الأمر ففي هذه الحالة تكون مثل هذه الأوامر نهائية وتنقضي بها الدعوى العمومية.
ورغم انقضاء الدعوى العمومية بالحكم الحائز بقوة الشئ المقضي فيه، فإن المشرع الجزائري أجاز إعادة النظر بالنسبة للقرارات الصادرة عن المجالس القضائية أو الأحكام الصادرة عن المحاكم رغم حيازتها لقوة الشئ المقضي فيه إذا تعلقت بالإدانة في جناية أو جنحة متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 531 من قانون الإجراءات الجزائية.

الفرع الثاني: الأسباب الخاصة لإنقضاء الدعوى العمومية

لقد نصت الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة 6 من الأمر رقم 15-02 الصادر في 23 يوليو 2015، المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية على الأسباب الخاصة لإنقضاء الدعوى العمومية، ويتعلق السبب الأول بسحب الشكوى، في حين يتعلق السبب الثاني بالمصالحة، والسبب الثالث بتنفيذ إتفاق الوساطة، وسنتناول كل سبب من هذه الأسباب على حده.

أولا: إنقضاء الدعوى العمومية بسحب الشكوى 

جاء  في الفقرة الثالثة من المادة 6 من قانون الإجراءات الجزائية : " تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت هذه شرطا لازما للمتابعة ".
ويبدو أن إستعمال المشرع الجزائري مصطلح "سحب الشكوى" في الفقرة المذكورة هو إستعمال غير سليم، فالمقصود بها هو "التنازل عن الشكوى" وهو المصطلح المعتمد في التشريعات المقارنة، فكلما جعل المشرع شكوى المضرور من الجريمة شرطا لتحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة، كان التنازل عن هذه الشكوى سببا لإنقضاء هذه الدعوى.
ملاحظة : لقد استعمل المشرع الجزائري مصطلح "سحب الشكوى" في المادة 6/3 إ ج كسبب من أسباب انقضاء الدعوى العمومية، كما إستعمل مصطلح " الصفح " لوضع حد للمتابعة في جريمة الزنا المنصوص عليها في المادة 339 ق ع ، وجريمة ترك الأسرة المنصوص عليها في المادة 330 ق ع ، كما إستعمل كذلك –المشرع – مصطلح "التنازل عن الشكوى" لوضع حد للمتابعة في السرقات التي تقع بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة المنصوص عليها في المادة 369 من الأمر رقم 15-02 ، ورغم تعدد المصطلحات التي جاء بها المشرع الجزائري (سحب ، صفح ، تنازل) تعني في مضمونها شيئا واحدا هو إنقضاء الدعوى العمومية التي تم تحريكها من طرف النيابة العامة بناء على شكوى المضرور.

ثانيا: إنقضاء الدعوى العمومية بالصلح 

نصت التشريعات المقارنة على انقضاء الدعوى العمومية في بعض الجرائم بالصلح عن طريق الاتفاق مقابل الوفاء ببعض الإلتزامات من أحد الفريقين للفريق الآخر.
ويعتبر الصلح سببا خاصا لإنقضاء الدعوى العمومية في بعض الجرائم البسيطة أو في جرائم منصوص عليها في قوانين خاصة تتعلق بالمصالح المالية للدولة فقد نصت معظم التشريعيات على تصالح النيابة العامة مع المتهم، وقد يكون الصلح قبل تحريك الدعوى العمومية في نوع معين من الجرائم معظمها قليل الأهمية نص عليه مباشرة في القوانين العقابية، وقد أخذ به المشرع الجزائري، في قانون الإجراءات الجزائية حين رأى أنه يمكن الوصول إلى الغاية المقصودة من تحريك الدعوى العمومية – دون تحريكها – نظرا لعدم أهمية تلك الجرائم من جهة وتفاديا لما يتكبده المتهم والضحية والشهود من أتعاب ومصاريف من جهة أخرى.
كما قد يكون الصلح بعد تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها والسير فيها،حيث أجازه المشرع في قوانين خاصة مثل الجرائم الضريبية والجرائم الجمركية، لعلة معينة وهي ما تنطوي عليه هذه الجرائم من إعتداء على المصالح المالية للدولة،حيث يكون مبلغ الصلح ذي طبيعة مزدوجة أي يجمع بين صفتي التعويض والعقاب .
ويعتبر الصلح بمثابة نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في تحريك الدعوى العمومية أو عدم مباشرتها بعد تحريكها، مقابل المبلغ الذي قام عليه الصلح، ويترتب على ذلك انقضاء الدعوى العمومية، وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في الفقرة الرابعة من المادة 6 من قانون الإجراءات الجزائية، التي تقضي بأنه : "... يجوز أن تنقضي الدعوى العمومية بالمصالحة إذا كان القانون يجيزها صراحة".
وقد جعل المشرع الفرنسي في المادة 6 من ق إ ج الصلح سببا لإنقضاء الدعوى العمومية في بعض الجرائم البسيطة، كما جعله سببا لإنقضاء الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية والتعامل النقدي ونظام الضرائب غير المباشرة.
أما المشرع المصري فقد جعل الصلح سببا لإنقضاء الدعوى العمومية في المادة 18 مكرر ق إ ج في المخالفات والجنح التي يعاقب عليها بالغرامة فقط كما جعله سببا لإنقضاء بعض الدعوى العمومية في الجرائم الجمركية والضريبية

ثالثا: انقضاء الدعوى العمومية بتنفيذ اتفاق الوساطة 

بالرجوع إلى نص الفقرة الثانية من المادة 6 من الأمر رقم 15-02 المؤرخ في 23 يوليو سنة 2015، المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية، يتبين أن الدعوى العمومية تنتهي بتنفيذ إتفاق الوساطة.
فقد أجازت المادة 37 مكرر من ق إ ج لوكيل الجمهورية قبل إجراء المتابعة الجزائية، ان يبادر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الضحية أو المشتكى منه، باللجوء إلى الوساطة إذا كان من شانها تغطية أو جبر الضرر المترتب عل الجريمة.
وعليه فإنه متى تم إبرام اتفاق الوساطة، فان ذلك يؤذي إلى وقف سريان مدة تقادم حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية (المادة 37 مكرر 7) وعند تنفيذ إتفاق الوساطة حسب الشروط المتفق عليها بين الأطراف، كما هي واردة بمحضر الوساطة، فإن ذلك يؤدي لا محالة إلى إنقضاء الدعوى العمومية وتخلي النيابة العامة عن إجراءات المتابعة.
المرجع

  1. د. علي شملال، المستحدث في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، الكتاب الأول الإستدلال والإتهام، دار هومة، الجزائر 2016، من ص154 إلى ص165.
google-playkhamsatmostaqltradent