محاضرة في الجزاء الجنائي وصوره

محاضرة في الجزاء الجنائي وصوره

الجزاء الجنائي وصوره

تقديــــم :

يعد الجزاء الجنائي ذلك الأثر الذي يترتب قانونا على سلوك يعد جريمة في قانون العقوبات، فالقاعدة الجنائية تتضمن عنصرين وهما التكليف والجزاء، فأما التكليف فهو الخطاب الموجه إلى كافة الناس ويأمرهم بضرورة الابتعاد عن العمل الإجرامي، أما الجزاء فيتضمن إنزال العقاب بكل من يتجرأ على مخالفة هذه الأوامر، والقاعدة التي لا تتضمن النص على الجزاء هي مجرد قاعدة أخلاقية.
ونتناول في هذا الموضوع تعريف الجزاء الجنائي وتحديد خصائصه في نقطة أولى، وفي النقطة الثانية نتناول صور الجزاء.

أولا: الجزاء الجنائي وخصائصه

1/ تعريف الجزاء الجنائي:

يعرف الفقه الجزاء الجنائي بأنه " عبارة عن إجراء يقرره القانون ويوقعه القاضي على شخص ثبتت مسؤوليته عن جريمة " ومن هذا التعريف تتضح الخصائص الأساسية للجزاء.

2/ خصائص الجزاء الجنائي:

يتميز الجزاء الجنائي بعدة خصائص نوردها على النحو التالي:

أ/ الجزاء الجنائي نتيجة لوقوع الجريمة:

بمفهوم المخالفة لا يمكن توقيع الجزاء إذا لم ترتكب جريمة، وهي بذلك تختلف عن الجزاءات الأخرى.

ب/ الجزاء الجنائي ذو طبيعة إجتماعية:

إذ هو مقرر لصالح المجتمع وليس مقررا لمصلحة المجني عليه أو المضرور من الجريمة، ويترتب على ذلك أن المجتمع هو صاحب الحق في العقاب يطالب به بواسطة الأجهزة التي تمثله.

ج/ الجزاء الجنائي قانوني:

بمعنى أنه محكوم بمبدأ الشرعية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون) ومقتضى هذا المبدأ أن الجزاء الجنائي لا يتقرر إلا بناء على قانون يحدده نوعا ومقدارا، ولا يوقع إلا بحكم قضائي وعلى أفعال لاحقة لتاريخ نفاذ القانون.

د/ الجزاء الجنائي شخصي:

أي يحكمه مبدأ شخصية العقوبة، وطبقا لهذا المبدأ لا يجوز أن يصيب الجزاء الجنائي إلا الشخص مرتكب الجريمة لا شخصا سواه، ويشترط أن يكون مسئولا أهلا لتحمل الجزاء.

ه/ الجزاء الجنائي واحد بالنسبة للجميع:

أي يحكمه مبدأ المساواة أمام القانون، والمساواة تعني أن يكون واحدا من حيث الإسناد دون أن يكون كذلك من حيث النوع والمقدار لأن القاضي الجزائي وطبقا لمبدأ – تفريد العقوبة له أن يزن ويقدر عقوبة كل شخص بحسب ظروفه وأحواله.

ثانيا : صور الجزاء الجنائي:

يأخذ الجزاء الجنائي إحدى صورتين، إما العقوبة وإما تدابير الأمن بالإضافة أن المشرع الجزائري يضع العقوبات البديلة أمام القاضي الجزائي لتوقيعها بدلا من العقوبات الأصلية، وهو ما سوف نوضحه على النحو التالي:

1/ العقوبة وتصنيفاتها:

العقوبة في اللغة هي الجزاء، فعاقبة كل شئ آخره، والعقوبة في أصل وضعها اللغوي تعني مطلق الجزاء سيئا كان أو غير سيء، غير أن الاصطلاح اللغوي خصص ذلك فاقتصرت العقوبة على الجزاء السيئ.
ويعرف فقهاء الشريعة الإسلامية العقوبة بأنها "عبارة عن جزاء عمل يرتكبه الإنسان يخالف به الشرع "أما رجال القانون فيعرفون العقوبة الجنائية بأنها "عبارة عن جزاء جنائي يقرره القانون ويوقعه لقضاء على المجرم"
وللعقوبة عدة تصنيفات تختلف بحسب الوجهة التي ينظر إليها، ولكن سوف نختار تصنيف واحد معمول به فقها وقانونا، وهو التصنيف القائم على جسامة الجريمة، ونحاول أن نوضح هذا التصنيف بالنسبة للشخص الطبيعي و الشخص المعنوي.

أ/ العقوبات المقررة للشخص الطبيعي:

وبحسب نص المادة 05 من قانون العقوبات تقسم الجرائم تبعا لخطورتها إلى جنايات وجنح ومخالفات.

أ1/ العقوبات الجنائية:

وهي الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت والغرامة عند الحكم بعقوبة السجن المؤقت.
فأما ال‘دام فيقصد به إزهاق روح المحكوم عليه، وقد قررها المشرع لجملة من الجرائم مثل ؛
- الجرائم ضد أمن الدولة ؛ وهي جناية الخيانة المنصوص عليها بالمادة 61 من قانون العقوبات، وجناية التجسس المنصوص عليه بالمادة 64 من قانون العقوبات.
- الجرائم ضد الأفراد ؛ وهي جناية القتل مع سبق الإصرار أو الترصد أو جناية القتل بالسم المنصوص عليه بالمادة 261 من قانون العقوبات.
- الجرائم ضد الأموال ؛ وهي جناية أعمال التخريب والهدم بواسطة مواد متفجرة المنصوص عليها بالمادة 401 من قانون العقوبات، وجناية تحويل الطائرات والتحكم فيها والسيطرة عليها المنصوص عليها بالمادة 417 من قانون العقوبات.
و بالرجوع إلى التعديلات الأخيرة الواردة على قانون العقوبات إن المشرع الجزائري بدأ يتخلى تدريجيا عن عقوبة الإعدام، فبعدما كان يقرر لجناية تزوير النقود أو السندات التي تصدرها الخزينة العامة عقوبة الإعدام تراجع عن ذلك في التعديل الواقع سنة 2006 وأصبحت العقوبة هي السجن المؤبد المنصوص عليه بالمادة 197 من قانون العقوبات، وكذلك الأمر بالنسبة لجناية السرقة مع حمل السلاح المنصوص عليها بالمادة 351 من قانون العقوبات.
ويرجع السبب في تخلي المشرع الجزائري تدريجيا عن عقوبة الإعدام إلى ضرورة التماشي مع المستجدات الواقعة مع التوجه الدولي للسياسات الجنائية المعاصرة مدفوعة بضغط المنظمات الحقوقية الإنسانية، بحيث نجد أن دول أوروبا تكاد تجمع على إلغاء عقوبة الإعدام.
غير أن تنفيذ عقوبة الإعدام في الجزائر من الناحية العملية معطل منذ تاريخ 1994 حتى و"إن كانت المحاكم الجنائية على المستوى الوطني لازالت تصدر أحكاما بالإعدام طالما أن المشرع لم يحذفها من قانون العقوبات.
أما السجن المؤبد ؛ فهو أخطر العقوبات بعد عقوبة الإعدام وتقوم على أساس سلب حرية المحكوم عليه طيلة حياته، وتتصف بأنها عقوبة قاسية ذات حد واحد، ومن بين الجرائم التي عقوبتها السجن المؤبد جناية تقليد أختام الدولة واستعمالها المنصوص عليها بالمادة 65 من قانون العقوبات، وجناية القتل العمد المنصوص عليه بالمادة 263 من قانون العقوبات، وجناية التزوير في المحررات الرسمية إذا كان الجاني موظفا المنصوص عليها بالمادة 205 من قانون العقوبات.
أما السجن المؤقت ؛ فهو كذلك سلب لحرية المحكوم عليه لمدة مؤقتة؛ ولكنها تبقى عقوبة قاسية، وتتميز بأن لها حدين وقد تكون المدة من 05 إلى10 سنوات وقد تكون من 05 على 20 سنة كما قد تكون من 10 إلى 20 سنة.
فأما العقوبة المقدرة ما بين 05 و 10 سنوات سجن فهي كثيرة، وعلى سبيل المثال جناية الإشادة بالأعمال الإرهابية المنصوص عليها بالمادة 87 مكرر من قانون العقوبات وجناية بيع أسلحة بيضاء وشراءها و استيرادها وصنعها لأغراض مخالفة للقانون المنصوص عليها بالمادة 87 من قانون العقوبات.
وبخصوص العقوبة المقدرة ما بين 05 و 20 سنة سجن مثل جناية تقليد أو تزوير طابع وطني المنصوص عليها بالمادة 206 من قانون العقوبات.
وأخيرا العقوبة المقدرة ما بين 10 و 20 سنة سجن، فنجدها مثلا في جناية الانخراط في الخارج في جمعية أو جماعة أو منظمة إرهابية المنصوص عليها بالمادة 87 مكرر 6 من قانون العقوبات.
وتجدر الإشارة وأن عقوبة السجن المؤقت تسمح للقاضي أن يضيف لها عقوبة الغرامة.

أ2/ العقوبات الجنحية:

وهي الحبس لمدة تتجاوز الشهرين إلى غاية 05 سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى، والغرامة التي تتجاوز 20.000.00 دج.
وعقوبة الحبس مقررة للجنح وهي بدورها سلب لحرية المحكوم لمدة محددة تختلف من جريمة على أخرى.
أما الغرامة فيقصد بها إلزام المحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الدولة مبلغا مقدرا في الحكم.
ومن بين الجرائم الجنحية نجد جنحة السرقة البسيطة المنصوص عليها بالمادة 350 من قانون العقوبات، وجنحتي الضرب والجرح المنصوص عليهما بالمادة 264 من قانون العقوبات، وجنحتي السب والشتم المنصوص عليهما بالمواد 297 و 298 مكرر و 299 من قانون العقوبات.
وتجدر الإشارة وأنه توجد بعض الجنح وعلى سبيل الاستثناء عقوبتها تتجاوز مدة 05 سنوات ورغم ذلك لا يتغير وصفها، مثل جنحة المؤامرة ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن بحيث حدد المشرع عقوبتها من سنة إلى10 سنوات المنصوص عليها بالمادة 79 من قانون العقوبات، وقد تكون العقوبة من 2 إلى 10 سنوات مثل جنحة الضرب والجرح العمدي مع سبق الإصرار و الترصد أو مع حمل السلاح المنصوص عليها بالمادة 266 من قانون العقوبات.
كما توجد بعض الجنح تكون الغرامة في حدها الأدنى أقل من الحد المقرر للجنح مثل جنحة السب الموجه على الأفراد والذي تكون الغرامة من 10.000.00 دج إلى 25.000.00 دج المنصوص عليها بالمادة 299 من قانون العقوبات.
كما توجد بعض الجنح وهي كثيرة يمكن الجمع فيها بين الحبس والغرامة، بحيث تارة يكون فيها الخيار للقاضي أن يحكم بإحداها أو بكليهما، وتارة أخرى يلزمه المشرع بالحكم بهما معا، كما توجد بعض الجنح تكون العقوبة فيها مجرد الغرامة مثل جنحة إنكار العدالة المنصوص عليها بالمادة 136 من قانون العقوبات.

أ3/ عقوبات المخالفات:

وتكون العقوبة المقررة فيها هي الحبس الذي يتراوح من يوم واحد إلى شهرين والغرامة التي تتراوح ما بين 2.000.00 دج و 20.000.00 دج، وعلى سبيل المثال مخالفة إقلاق راحة السكان بالضجيج أو المشاجرة المنصوص عليهما بالمادة 442 مكرر من قانون العقوبات.

ب/ العقوبات المقررة للشخص المعنوي:

مثلما حدد المشرع عقوبات للشخص الطبيعي قد استحدث بموجب التعديلين الأخيرين لقانون العقوبات، كذلك عقوبات تتعلق بالشخص المعنوي،وهي واردة بموجب المواد 18 مكرر و 18 مكرر 1 من قانون العقوبات.

ب1/ العقوبات المقررة في الجنايات والجنح:

فهي لا تخرج عن الغرامة ولكن على التوضيح التالي؛
فقد حددت المادة 18 مكرر 1 مبلغ الغرامة مما يساوي مرة إلى 5 مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي.
فإذا كانت الجريمة جناية تبييض الأموال فيرجع في ذلك إلى الأحوال الواردة في نص المادة 389 مكرر 7 ق ع فتكون عقوبة الشخص المعنوي غرامة لا تقل عن 4 مرات الحد الأقصى، وباعتبار أن الشخص الطبيعي تكون عقوبته الغرامة من 1.000.000 إلى 3.000.000 دج فإن جزاء الشخص المعنوي يكون غرامة تساوي 12.000.000 دج.
أما إذا لم يحدد المشرع غرامة معينة للشخص الطبيعي فإن حساب الغرامة للشخص المعنوي يكون على النحو التالي ؛
- إذا كانت عقوبة الشخص الطبيعي هي الإعدام و المؤبد تكون الغرامة بالنسبة للشخص المعنوي 2.000.000دج
- و إذا كانت عقوبة الشخص الطبيعي هي السجن المؤقت فإن عقوبة الشخص المعنوي هي 1.000.000 دج
- أما إذا كانت الجريمة جنحة فإن عقوبة الشخص المعنوي هي 500.000 دج.

ب2/ العقوبات المقررة في مواد المخالفات

وهذا ما هو وارد في نص المادة 18 مكرر 1 وهي الغرامة التي تساوي مرة إلى 5 مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجريمة عندما يرتكبها الشخص الطبيعي.

2/ تدابير الأمن وصوره

أ/ تعريف تدابير الأمن:

يعرف الفقه تدابير الأمن بأنها "إجراءات يفرضها القاضي على المحكوم عليه في بعض الحالات الخاصة حماية للمجتمع من فريق من المجرمين الخطرين ولاسيما أولئك الذين تنعدم مسؤوليتهم الجزائية مثل المجانين أو المصابين بعاهات عقلية أو مدمني المخدرات أو الكحول، وكان خطرا على السلامة، فيوضع وأمثاله في مكان علاجي للعناية بهم ومعالجتهم والعمل على مداواتهم وشفائهم".
وهناك من الفقه من يمنحها اسم التدابير الإحترازية، وتعد فكرة تدابير الأمن حديثة بعض الشئ مقارنة بالعقوبة، فقد دعا إليها أصحاب المدرسة الوضعية الذين ينكرون فائدة العقوبة و ينادون بوجوب معاملة المجرمين بوسائل إصلاحية تحقق إصلاح نفوسهم وتحسن سلوكهم بعيدا عن فكرة الإيلام.
ولهذا فإن التشريعات الحديثة قد أخذت في مجموعها تفرد لتدابير الأمن أحكام مستقلة إلى جانب العقوبات المقررة في القانون بالنظر إلى أهميتها في مكافحة ظاهرة الإجرام ومنها المشرع الجزائري الذي نص في المادة 4/1 من قانون العقوبات "يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات وتكون الوقاية منها باتخاذ تدابير الأمن".

ب/ صور تدابير الأمن:

لقد وردت تدابير الأمن في قانون العقوبات الجزائري في نص المادة 19 قانون عقوبات وهي:
- الحجز القضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية.
- الوضع القضائي في مؤسسة علاجية.
وكلاهما كان موجودا في نص المادة 19 قبل تعديلها بموجب القانون الصادر في 2006 ضمن تدابير الأمن الشخصية التي كانت تشمل أيضا.
- المنع من ممارسة مهنة أو نشاط أو فن.
- سقوط حقوق السلطة الأبوية كلها أو بعضها.
إلا أن المشرع قد حذف هذين التدبيرين الأخيرين و أدمجهما مع العقوبات التكميلية.
ونحاول أن نوضح التدبيرين الواردين في نص المادة 19 قانون عقوبات على النحو التالي:

ب1/ الحجز القضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية:

تنص المادة 21 من قانون العقوبات على هذا الإجراء وتعرفه بأنه "هو وضع الشخص بناء على أمر أو حكم أو قرار قضائي في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض بسبب خلل في قواه العقلية قائم وقت إرتكابه الجريمة أو إعتراه بعد إرتكابها".
ومن خلال هذا التعريف القانوني نستنتج وأن الحجز القضائي في مؤسسة إستشفائية للأمراض العقلية لا يكون إلا بعد ارتكاب الجريمة ثم إتصال المحكمة بالملف، وسواء كان الملف أمام قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو أمام جهات الحكم بالمحكمة أو بالمجلس القضائي، فيمكن لمن يفصل في الملف بأمر أو بحكم أو بقرار أن يضع المتهم المريض في مؤسسة إستشفائية.
إلا أن المشرع يستدرك في الفقرة الثانية من المادة بالقول بأنه يمكن أن يصدر الحكم أو الأمر بالإدانة أو العفو أو بالبراءة أو بانتفاء وجه الدعوى ورغم ذلك يوجه المتهم إلى المؤسسة الاستشفائية ولكن لا يكون ذلك إلا بعد الفحص الطبي من خبير مختص.

ب2/ الوضع القضائي في مؤسسة علاجية:

عرف المادة 22 من قانون العقوبات الوضع القضائي في مؤسسة علاجية بأنه "وضع شخص مصاب بإدمان اعتيادي ناتج عن تعاطي مواد كحولية أو مخدرات أو مؤثرات عقلية تحت الملاحظة في مؤسسة مهيأة لهذا الغرض"
ويكون هذا الوضع في المؤسسة العلاجية خاص بالأشخاص المدمنين على الكحول أو المخدرات أو المؤثرات العقلية، ويتم وضعهم بناء على أمر من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو حكم أو قرار قضائي صادر من الجهة المحال إليها الشخص.
كما أنه يمكن أن يصدر هذا الأمر أو الحكم أو القرار سواء تحصل المتهم على الإدانة أو البراءة أو على انتفاء وجه الدعوى أو على العفو.
ويمكن مراجعة هذا التدبير بالنظر إلى الخطورة الإجرامية للمعني.

3/ العقوبات البديلة وتطبيقاتها في التشريع العقابي الجزائري:

حاولت التشريعات المقارنة التخلص من العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وذلك بإيجاد بدائل لما تنطوي عليه الأولى من آثار سلبية أظهرها التطبيق العملي، وتختلف هذه البدائل من تشريع إلى آخر.
وبالرجوع إلى المشرع الجزائري فقد عرف نظام العقوبات البديلة من خلال إقرار نظام الغرامة و نظام لتنفيذ الكلي و الجزئي، أما نظام العمل للمنفعة العامة فلم يستحدثها المشرع إلا عبر آخر تعديل لقانون العقوبات تحت رقم 09/01 المؤرخ في 25 فيفري 2009، وجعل هذا النظام كبديل لعقوبة الحبس قصيرة المدة.

أ/ أسباب إدراج العمل للنفع العام كعقوبة بديلة للحبس:

وقد جاء في أسباب هذا التعديل ما يلي:
"لقد أثبتت الدراسات العلمية المتعلقة بتنفيذ عقوبات الحبس قصيرة المدة عدم فعاليتها في ردع المحكوم عليهم وحماية المجتمع، وذلك لضعف أثر الردع بالنسبة للمحكوم عليه، وتسببها في تماديه في الإجرام جراء احتكاكه بالجناة الخطرين، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الدول إلى استبدالها بعقوبة العمل للنفع العام.
وفي هذا السياق يخول هذا المشروع الجهة القضائية الفاصلة في مواد الجنح والمخالفات أن تستبدل العقوبة المنطوق بها بقيام المحكوم عليه بعمل للنفع العام دون أجر في أجل أقصاه ثمانية عشر شهرا لدى شخص معنوي من القانون العام مع تأكيد قبول المتهم بالعقوبة المستبدلة وتنبيهه بأنه في حالة إخلاله بالالتزامات المترتبة على تنفيذ عقوبة العمل للنفع العام تنفيذ عليه العقوبة الأصلية المحكوم بها عليه.
وتماشيا مع قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين فقد أسند هذا المشروع مهام متابعة تطبيق عقوبة العمل للنفع العام والفصل في الإشكالات الناتجة عن ذلك لقاضي تنفيذ العقوبات".
وتعد عقوبة العمل للنفع العام إحدى الخيارات المضافة للقاضي الجزائي من أجل تعزيز سياسة التفريد العقابي أثناء المحاكمة إلى جانب نظام وقف التنفيذ والغرامة، ويعتبر العمل للنفع العام بديل للعقوبة في مواجهة الأزمة التي تعاني منها السياسات الجزائية في سعيها في مكافحة الجريمة، رغم أنها بحسب الأصل تتضمن كل مميزات العقوبة التقليدية في سعيها لتحقيق الأغراض الحديثة للعقوبة مما يسهل التأقلم السريع للمجتمعات مع هذا النظام.
فالأخذ بالعمل للنفع العام كبديل هي محاولة – بحسب بعض الفقه – لإعادة التوازن بين حق المجتمع في ردع المتهمين وحماية حق المتهمين المحكوم عليهم بالمحافظة على استمرار العلاقة الأسرية والاجتماعية بالإضافة إلى الإصلاح.

ب/ شروط استفادة المتهم بعقوبة العمل للنفع العام:

طبقا لنص المادة 5 مكرر 1 من قانون العقوبات فإنه حتى يستفيد المتهم من استبدال عقوبة الحبس قصيرة المدة إلى عقوبة العمل للنفع العام يجب أن تتحقق أربعة شروط وهي:
- أن يكون المتهم غير مسبوق قضائيا.
- أن يبلغ المتهم على الأقل وقت ارتكاب الوقائع 16 سنة.
- ألا تتجاوز عقوبة الجريمة المرتكبة ثلاث سنوات حبس.
- ألا تتجاوز العقوبة المنطوق بها سنة حبسا.

المرجع:


  1. عبد الرحمان خلفي، محاضرات في القانون الجنائي العام، دراسة مقارنة، دار الهدى، الجزائر، سنة 2013، ص 190 إلى ص 203.
google-playkhamsatmostaqltradent