أوصاف الإلتزام (الشرط والأجل وتعدد أطراف الالتزام)

أوصاف الإلتزام (الشرط والأجل وتعدد أطراف الالتزام)

أوصاف الإلتزام (الشرط والأجل وتعدد أطراف الالتزام)

تمهيد:

أوصاف الالتزام عبارة عن أمور عارضة تلحق الالتزام، ولذلك يمكن تصور وجود الالتزام بدونها، ولما كان الالتزام عبارة عن رابطة قانونية بين شخصين، فإن هذه الأوصاف قد تلحق أحد عناصر تلك الرابطة، فقد تلحق بالرابطة في ذاتها، أي المديونية ذاتها، بحيث يكون وجود المديونية مرتبط بأمر معين فنكون أمام شرط، أو يكون استحقاق الدين مرتبط بأمر ما فنكون أمام أجل، وقد تلحق الأوصاف أطراف الرابطة القانونية، بحيث نجد تعدد إما في الدائنين أو في المدينين، وقد تلحق الأوصاف محل الرابطة القانونية ، فنكون أمام تعدد في المحل بحيث تجب كلها أو يجب  أحدها على سبيل التخيير أو على اعتبار أنه بدل فقط عن المحل الأصلي.

المبحث الأول: الشرط (م : 203 إلى 208 مدني)

المطلب الأول: مفهوم الشرط وشروطه

يقصد بالشرط أن يعلق وجود أو زوال الالتزام على أمر مستقبل ممكن الوقوع، وعلى هذا الأساس إن تعلق وجود الالتزام بالشرط، كان الشرط واقفا (كأن تتعهد شركة التأمين بدفع مبلغ التعويض في حالة ما إذا تحقق الخطر المؤمن ضده كالحريق) أما أن تعلق زوال الالتزام بتحقق الشرط، كان الشرط فاسخا (كأن يتنازل الدائن لمدينه عن جزء من الدين متى وفى المدين بالأقساط الباقية للدائن في ميعادها).
مما سبق، نتبين أنه يشترط في الشرط أن يكون أمرا مستقبلا، لا أن يكون قد تحقق وقت التعهد، لأن الالتزام في هذه الحالة يكون منجزا لا معلقا على شرط (كمن يعد بجائزة لمن يعثر له على حقيبة، في حين يتبين أنه عثر عليها قبل التعهد ذاته) كما يجب أن لا يكون الشرط مستحيلا، وإلا بطل الالتزام والشرط معا متى كان هذا الأخير واقف، أو بطل الشرط وحده متى كان فاسخا (كمن يعد بجائزة لمن يكتشف دواءا يحي الموتى، أو أن يقطع عن الدائن الإيراد إن لمس هذا الأخير السماء بيديه)، وقد يحصل البطلان لا لكون الشرط مستحيلا، بل لكونه مخالفا للنظام العام أو للآداب العامة، وفي مثل هذه الحالة يسري نفس الحكم السابق (الخاص بالاستحالة)، غير أنه بالنسبة للشرط الفاسخ يبطل الالتزام والشرط أيضا (على خلاف الحالة السابقة) إن كان الشرط هو الدافع إلى الالتزام (كأن يعلق دفع مبالغ مالية بصفة دورية لامرأة على شرط استمرار المعاشرة غير الشرعية)، ويبطل الشرط والالتزام المعلق عليه متى كان الشرط واقفا لكن تعلق بإرادة المدين وحده، إن شاء أنشأ الالتزام وإن شاء أبقاه غير ناشئ (كمن يعلق نشأة الالتزام (بالبيع مثلا) بإرادته المحضة ويطلق على هذا الشرط بالشرط الإرادي المحض وهو يدل على غياب الإرادة الحقيقية في الالتزام لذلك أبطلا معا (أي الشرط والالتزام).

المطلب الثاني: أحكام الشرط

تختلف أحكام الشرط بحسب ما إذا كان واقفا أو فاسخا، وبحسب الفترة التي تسبق أو تلي تحقق الشرط.

أولا – مرحلة ما قبل تحقيق أو تخلف الشرط

أ ) الشرط الواقف:
في هذه الحالة وجود الالتزام ذاته مرتبط بتحقق الشرط (كمن يعلق هبة مبلغ مالي لآخر على زواجه من امرأة معينة، وكتعهد شركة التأمين بدفع مبلغ التعويض إن حدث الخطر المؤمن ضده ..) والحق الذي علق على الشرط ليس موجودا تماما، كما أنه ليس منعدما، ويترتب على ما قيل أنه يجوز لصاحب الحق المعلق على شرط واقف أن يتصرف فيه بالبيع أو الهبة أو الوصية كما أنه يقبل لتوريث.
على أن هذه المزايا التي لصاحب الحق المعلق على شرط واقف لا تصل إلى حد إجبار المدين على الوفاء بذلك الحق ولا يجوز اتخاذ الإجراءات التنفيذية ضد المدين، على اعتبار أن الالتزام لم يتأكد ثبوته بعد في ذمة المدين، كون أن ذلك مرتبط بتحقق الشروط، وهو لم يحصل بعد.
ب) الشرط الفاسخ:
الحق المعلق على شرط فاسخ، يعد موجودا تمام الوجود ونافذا، إلا أنه مهدد فقط بالزوال بتحقق الشرط، ويترتب على هذا القول، أنه واجب الأداء على المدين في الحال إما اختيار أو جبرا عليه، فضلا عن حق الدائن في مطلق التصرف فيه.

ثانيا – مرحلة ما بعد تحقق أو تخلف الشرط

أ) الشرط الواقف:
 يترتب على تحقق الشرط هنا أن يصبح الحق مكتمل الوجود ونافذا، ولا من تاريخ تحقق الشرط فحسب بل منذ تاريخ نشأة الحق على اعتبار أن أثر تحقق لشرط يسري بأثر رجعي، ويصبح الحق هنا واجب الأداء في لحال إما اختيار أو جبرا على المدين وإذا تخلف الشرط الواقف، وبسبب الأثر الرجعي أيضا يعتبر أن التزام المدين (أي حق الدائن المعلق على شرط واقف) كأن لم يكن، وتنمحي جميع آثاره (كأن يقوم الدائن ببيع حقه المشروط أو رهنه أو هبته إلخ).
ب) الشرط الفاسخ:
 يترتب على تحقق الشرط الفاسخ أن يزول حق الدائن تماما وهذا منذ تاريخ نشوئه تطبيقا للأثر الرجعي للشرط ويعني ذلك وجوب إعادة المتعاقدان إلى حالة التي كانا عليها قبل إبرام التصرف، بحيث يرد كل واحد منهما إلى الآخر ما تسلمه منه (كالمبيع والثمن)، تطبيقا لقواعد رد غير المستحق، أما إن تخلف الشرط فقد تأكد الحق ولا محل لزواله، هذا مع الإشارة أن الأثر الرجعي للشرط ليس من النظام العام وبالتالي يجوز الاتفاق على خلافه يجعله يسري أثره منذ تحققه فقط لا منذ نشوء الحق كما أن طبيعة بعض العقود (كالعقود الزمنية : الإيجاز، العمل) تستعصي على الأثر الرجعي وبالتالي يسري أثر الشرط فيها من تاريخ تحققه (أي على المستقبل لا على الماضي).

المبحث الثاني: الأجل (م.209 إلى 212 مدني)

المطلب الأول: مفهوم الأجل وشروطه

الأجل عبارة عن أمر مستقبل محقق الوقوع، يترتب على حلوله إما استحقاق الالتزام أو زواله، وعلى هذا الأساس نفرق بين الأجل الواقف وهو الذي بحلوله يصبح الالتزام مستحق الأداء (كالالتزام برد مبلغ القرض بحلول تاريخ معين أو عند وفاة شخص معين) ويكون الأجل فاسخا، متى ترتب على حلوله زوال الالتزام (كانقضاء حق الانتفاع لوفاة المنتفع (م: 852 مدني)، وتعهد شركة معينة بصيانة آلات معينة لمدة سنة مثلا ...).
ويترتب على ما قيل، أن الأجل أمر مستقبل من جهة (كتاريخ معين أو واقعة محققة) ومحقق الوقوع من جهة ثانية، وعليه لو أن الأجل الذي ارتبط بالالتزام كان قد تحقق من قبل فلا نكون أمام التزام مؤجل بل حال الأداء.
والأجل قد يكون مصدره الاتفاق سواء نص عليه صراحة أو تم استخلاصه ضمنا من طبيعة الالتزام (كمن يتعهد بتوريد بضائع لمدرسة، فهم ضمنا أن ذلك يكون مع بداية العام الدراسي)، وقد يكون مصدره القضاء (وهو ما يعرف بنظره المسيرة وفق ما نصت عليه م: 281/2 مدني: أي منح المدين أجلا للوفاء بالتزامه) وقد يكون مصدره نص القانون (من ذلك الإيراد المرتب مدى الحياة (م: 613/1 مدني) وحق الانتفاع (م:852 مدني) والوصية (م: 184 أسرة).

المطلب الثاني: أحكام الأجل

تختلف أحكام الأجل بين أن يكون واقفا أو فاسخا، وبين أن يكون أثناء مرحلة التعليق أو بعدها.

أولا – مرحلة ما قبل حلول الأجل:

إذا ما كان الالتزام مقترنا بأجل واقف، فإن ميزة هذا الالتزام أنه موجود بل ومؤكد، مما يجيز بالتالي للدائن أن يتصرف فيه بالبيع والهبة، بل وله أن يطلب من المدين تقديم تأمين كاف متى خشي إعسار المدين أو إفلاسه، فإن لم يفعل المدين ذلك سقط أجل التزامه وصار حال الأداء، ويسقط الأجل أيضا في حالة إفلاس المدين، أو متى أنقض بفعله التأمين الخاص الذي أعطاه للدائن، أو حتى نقص ذلك بسبب أجنبي إلا أن يقدم تأمينا كافيا.
والميزة الثانية للالتزام في هذه المرحلة، أنه غير حال الأداء بعد، مما يمنع فيه على الدائن جبر المدين على الوفاء به في الحال، هذا مع ملاحظة أن وفاء المدين بدينه قبل حلول الأجل، لا يسمح باسترداد ما دفعه، بل له فحسب المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة هذا الوفاء المعجل بناءا على أحكام الإثراء بلا سبب (م: 145 مدني).
أما بالنسبة للأجل الفاسخ فالالتزام فيه نافذ غير أن زواله مؤكد بحلول الأجل وكل ما كان ممتنع مع الأجل الواقف فهو جائز في الأجل الفاسخ.

ثانيا – مرحلة ما بعد حلول الأجل

والأجل متى حل (سواء بصفة طبيعية ( كحلول تاريخ معين) أو بسقوطه (كما مر معنا بسبب إفلاس المدين أو إعساره أو إخلاله بتعهده بتقديم التأمينات أو إنقاصه التأمين الخاص بفعله أو بسبب أجنبي (م: 211 مدني) أو حتى بالنزول عنه من طرف من ضرب الأجل لمصلحته) فإنه يترتب عن ذلك أن يصبح الالتزام مستحق الأداء ونافذا وهذا متى كان الأجل واقفا، ويصبح بذلك الحق قابلا للتنفيذ الاختياري والجبري على السواء، أما إن كان الأجل فاسخا، فسيرتب على حلوله زوال الالتزام على أن ميزة الأجل، أنه لا يسري بأثر رجعي عند حلوله، مما يعني أن الدين لا يكون مستحقا إلا من تاريخ حلول الأجل، أو لا يزول إلا منذ ذلك التاريخ ففي إيجار مثلا ، متى حل الأجل الذي به ينتهي العقد، فإن زوال العقد لا يكون إلا منذ حلول الأجل، بحيث يبقى ما دفع من أجرة عن المدة السابقة صحيحا وكذلك الحكم مع الانتفاع بالعين المؤجرة.

المبحث الثالث: تعدد أطراف الالتزام ومحله

تمهيد:

قد نجد في الالتزام محلا واحد معينا، بالإضافة إلى دائن ومدين، على أن هذه الصورة البسيطة قد تتعقد حينما يصبح للالتزام الواحد عدة محال، قد تجب كلها أو أحدها فقط أو بدلها، كما أن ذات الالتزام قد يكون له عدة مدينين أو عدة دائنين قد يكون بينهم تضامن وقد لا يكون، فهذه الصور المعقدة هي التي سنتولى دراستها الآن.

المطلب الأول: تعدد أطراف الالتزام

يتخذ هذا التعدد صورا ثلاثة: (الأولى): أن يتعدد الأطراف (أي الدائن والمدين) دون أن تكون بينهم رابطة معينة ويسمى الالتزام هنا بالمتعدد الأطراف: (الثانية): أن يتعدد الدائنون أو المدينون (أي أطراف الالتزام) مع وجود ما يسمى بالتضامن بينهم، فنكون حينئد أمام التزام تضامني (إيجابي إن تعلق بالدائنين، وسلبي إن تعلق بالمدينين) (الثالثة): أن يتعدد أطراف الالتزام مع كون الالتزام ذاته غير قابل للانقسام أو التجزئة.

الفرع الأول: الالتزام المتعدد الأطراف

أولا – مفهومه :

يقصد بالالتزام المتعدد الأطراف أن يتعدد الدائنون أو المدينون بحيث أن الدين أو الالتزام ينقسم على عدد رؤوس الدائنين أو المدينين، أي ليس لكل دائن أن يطالب إلا بنصيبه في الدين كما أن كل مدين لا يلتزم إلا بأداء نصيبه فحسب، وهذه الصورة من الالتزام هي الأصل وهذا في غياب نص القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة التي قد تحتم أحيانا عدم إمكانية العمل بهذا المبدأ، والأصل أيضا أن تكون أنصبة الدائنين أو المدينين متساوية إلا أن يقضي نص القانون بغير ذلك، أما عن مصدر هذا التعدد في الدائنين أو المدينين فقد يكون الاتفاق (كأن يشتري عدة أشخاص أرضا، أو يبيع شركاء على الشيوع أرضا لهم، فنكون أمام عدة مدينين أو دائنين بالثمن) وقد يكون نص القانون (كحالة الورثة متى كان المورث دائنا للغير).

ثانيا – أحكامه:

يترتب على التعدد أن ينقسم الدين على عدد مدينيه أو دائنيه، بحيث ليس على كل مدين وليس لكل دائن إلا أداء والمطالبة بنصيبه في الدين فقط، والأصل في الأنصبة التساوي إلا أن يقضي بخلاف ذلك، هذا ومتى بطل التزام مدين معين اقتصر ذلك على نصيبه فقط ولا يتأثر البقية بذلك إلا أن يكون سبب البطلان يشملهم جميعا، ونفس الحكم ينطبق على الدائن، كما إن إعذار مدين معين أو قطع تقادم دينه، لا يتعدى أثر ذلك إلى بقية المدينين بل ينحصر فيه فقط، ولو أعسر أحد المدينين تحمل الدائن وحده إعسار ذلك المدين.

الفرع الثاني – الالتزام التضامني

أولا – التضامن الإيجابي: (م: 217 إلى 221 مدني)

أ ) مفهومه:

يقصد به أن يتعدد الدائنون في دين واحد سواء في ذلك تعدد المدينون أو لم يتعددوا و ميزته أن يؤدي إلى عدم تجزئة الدين على عدد الدائنين، بل يحق لكل دائن أن يطالب المدين بكل الدين،غير أن هذا التضامن الإيجابي نادر الوقوع في الواقع العملي ثم إنه يمثل خطرا على بقية الدائنين، فالدائنون يستطيعون الوصول إلى نفس نتيجة التضامن الإيجابي عن طريق اللجوء إلى عقد الوكالة، ثم إن هذا التضامن يمثل خطرا عليهم فيما لو كان الدائن الذي استوفى الدين كله سيئ النية أو أعسر فيما بعد، لهذا نجد أيضا أن التضامن الإيجابي لا يفترض بل لا بد من النص عليه صراحة أو استخلاصه ضمنا.

ب) أحكامه:

يترتب على التضامن الإيجابي أن لكل دائن أن يطالب المدين بأن يفي له بكل الدين (إلا أن يعترض على هذا الوفاء بقية الدائنين مما يستوجب معه على المدين الوفاء بنصيب ذلك الدائن فحسب)، وليس للمدين أن يدفع تلك المطالبة بأوجه دفع (كبطلان التزامه أو فسخه، أو انقضائه بالمقاصة أو الإبراء ...) غير متعلقة بذلك الدائن، أما أوجه الدفع المشتركة بين كل الدائنين (كبطلان الالتزام لعدم المشروعية، أو لسبق الوفاء) فله أن يدفع بها، هذا ويطلق على هذه النتيجة الأولى للتضامن الإيجابي بوحدة الدين.
والنتيجة الثانية للتضامن الإيجابي، ويطلق عليها تعدد الروابط، تتمثل في أن أسباب انقضاء الالتزام، غير الوفاء، كالمقاصة والإبراء واتحاد الذمة إلخ ، لا تؤثر في بقية الدائنين إلا بقدر نصيب الدائن الذي قام في حقه سبب ذلك الانقضاء، فذلك السبب خاص بذلك الدائن فقط فلا يضار منه بقية الدائنين.
والنتيجة الثالثة تتمثل في أن الدائنين يعتبرون نائبين عن بعضهم البعض فيما ينفع فقط لا فيما يضر، أي أن هناك نيابة تبادلية فيما بينهم، لكن فيما ينفع لا فيما يضر، ويترتب عن ذلك أن الإعذار الذي يوجهه أحد الدائنين إلى المدين للوفاء مثلا يستفيد منه بقية الدائنين، فيعد الإعذار وكأنه صدر منهم جميعا، وهذا على عكس الإعذار الذي يوجهه المدين لأحد الدائنين فإنه لا يسري على بقية الدائنين فلا يضارون منه،ونفس الحكم يصدق على الإقرار بالدين والمصلحة فيه وقطع التقادم ... ، وإن كانت الأحكام التي ذكرناها تخص علاقة الدائنين المتضامنين بالمدين، فإن علاقة الدائنين المتضامنين ببعضهم البعض يحكمها أن الدين الذي استوفاه أحد الدائنين، يفتح لبقية الدائنين حق الرجوع عليه لكن كل بحسب حصته في الدين، مما يعني انقسام الدين عليهم، والأصل في حصص الدائنين التساوي إلا أن يقضي الاتفاق أو القانون بغير ذلك.

ثانيا – التضامن السلبي: (م: 222 إلى 235 مدني)

أ ) مفهومه:

التضامن السلبي يخص حالة تعدد المدينين، والتضامن الموجود بينهم لا يفترض، ولكن يجب النص عليه صراحة أو استخلاصه ضمنا، أما مصدر هذا التضامن، فقد يكون نص الاتفاق أو نص القانون (كما في المقاولة (م: 554 / 1 مدني) والوكالة (م: 579/1 مدني) والعمل غير مشروع (م: 126 مدني) ..) ويمثل التضامن السلبي وسيلة فعالة بيد الدائن لذي يخشى إعسار أحد مدينيه لأنه يستطيع مطالبة أيا منهم بكل الدين.

ب) أحكامه:

التضامن السلبي كالإيجابي تحكمه المبادئ الثلاثة التي ذكرناها، أي وحدة الدين وتعدد الروابط والنيابة التبادلية فيما ينفع، وهذا كله في علاقة المدينين المتضامنين بالدائن.
فبالنظر إلى وحدة الدين لا يختلف ما قلناه في التضامن الإيجابي عن التضامن السلبي : فيحق لأي مدين الوفاء بكل الدين بل ويلتزم بذلك متى رجع عليه الدائن، وليس لهذا المدين أن يحتج على الدائن بدفوع تخص غيره من المدينين، في حين يستطيع الاحتجاج بالدفوع الخاصة به هو (ككونه قاصرا، أو شاب رضاه عيبا، أو تم إبراؤه من الدين، أو تمت مقاصة بين دينه ودين الدائن)، وبتلك التي يشترك فيها كل المدينين (كبطلان الالتزام بسبب عدم مشروعية أو غياب المحل أو السبب، وغياب شكل انعقاد التصرف وتقادم الدين، وإبراء الدين عن كل المدينين).أما بالنظر إلى تعدد الروابط، فإن أسباب انقضاء الالتزام غير الوفاء (كالمقاصة واتحاد الذمة، والإبراء من الدين، والتقادم) كلها يترتب عليها أن يسقط عن بقية المدينين قدر حصة المدين الذي قام في حقه سبب ذلك الانقضاء، أما بالنسبة لتجديد الدين (ويترتب عليه انقضاء الدين القديم بكل مقوماته بما فيها التضامن وحلول دين جديد محله) فإنه يجب على الدائن لئلا ينقضي دينه كلية مع بقية المدينين الذين لم يحصل معهم تجديد للدين أن يحتفظ بحقه قبلهم، وبذلك يسقط عن بقية المدينين حصة المدين الذي حصل معه التجديد للدين.
وأما النيابة التبادلية، فهي فيما ينفع بقية المدينين (كإعذار الدائن، وصدور حكم قضائي لصالح أحد المدينين) لا فيما يضرهم (كاعذار مدين  معين وإقراره بالدين، والنكول عن حلف اليمين ..)، إذ في هذه الحالة الأخيرة يقتصر أثر ذلك العمل على المدين المعني فقط دون غيره.أما عن علاقة المدينين المتضامنين ببعضهم البعض، فإن المدين الذي وفى بالدين له الرجوع على بقية المدينين كل بحسب نصيبه في الدين، على اعتبار أن الدين ينقسم عليهم هذه المرة، وإن حدث أن اعسر أحد المدينين حين رجوعه عليه، فإن هذا الإعسار يتحمله بقية المدينين الموسرين، أما الرجوع فيتم بموجب دعوى شخصية (مبنية على الوكالة أو الفضالة) أو بموجب دعوى الحلول، هذا والأصل في حصص المدينين أنها متساوية إلا أن يقضي الاتفاق أو نص القانون بغير ذلك.

الفرع الثالث – عدم قابلية الالتزام للانقسام (م: 236 إلى 238 مدني)

أولا – مفهومها:

يقصد بعدم قابلية الالتزام للانقسام أو التجزئة أن يتم الوفاء به كملا وغير مجزء، ولا تظهر أهمية عدم قابلية الدين للانقسام إلا حين تعدد الدائنين أو المدينين ذلك أنه في حالة هذا التعدد سينقسم عليهم الدين بحسب الأصل إلا أن يكون الدين ذاته غير قابل للانقسام، إذ في هذه الحالة يجب الوفاء أو استيفاؤه كاملا ولو لم يكن هناك تضامن بين الدائنين أو المدينين أما في الحالة التي لا نكون فيها أمام تعدد الدائنين أو المدينين فلا تظهر أهمية قابلية أو عدم قابلية الالتزام للانقسام لأن المدين لا يقبل منه الوفاء الجزئي بدينه (م: 277/1 مدني).
أما عن سبب عدم قابلية الدين للانقسام فقد يكون طبيعة الالتزام ذاته أو اتفاق الأطراف فبحسب طبيعة الالتزام نجد أنه في الالتزام بعمل لا يمكن تجزئة تسليم مبيع واحد معين بذاته من طرف البائع، كما لا يمكن تجزئة التزام البائع بالضمان في حالة تعدد البائعين كما أن الالتزام بالامتناع عن عمل يكون دائما غير قابل للانقسام فهو إما أن يكون أولا يكون، أما في الالتزام بإعطاء شيء (أي نقل ملكية شىء أو نقل حق عيني آخر) فإن نقل الملكية إن أمكن تصور قابلية التجزئة، بحيث أن كل بائع ينقل ملكية نصيبه في المبيع، إلا أن حقوقا عينية أخرى كالارتفاق (م: 877 مدني) أو الرهن الرسمي (م: 892 مدني) غير قابل للانقسام.
وقد يكون عدم قابلية الالتزام للانقسام نتيجة اتفاق صريح أو ضمني لأطراف الالتزام وخاصة الدائن حيث يكون من مصلحته النص عليه (كجعل بدفع مبلغ نقدي غير قابل للانقسام، مع أنه بطبيعته يقبل التجزئة).

ثانيا – أحكامها:

يترتب على عدم قابلية الدين للتجزئة في علاقة المدينين بالدائن، أن يستطيع الدائن أن يطالب أي مدين بالوفاء بكل الدين، ويكون بذلك قد برئت ذمة بقية المدينين، على أن لهذا المدين أن يحتج على الدائن بالدفوع الخاصة به (كعيب شاب رضاه مما يجعل التزامه قابلا للإبطال) وبتلك المشتركة (كبطلان التزام كل المدينين لعدم مشروعية المحل مثلا أو لغياب السبب ...) لا بتلك الخاصة بمدين آخر.
على أن أسباب انقضاء الالتزام الأخرى غير الوفاء (كالمقاصة والإبراء واتحاد الذمة والتجديد) تؤدي كلها إلى انقضاء الدين بالنظر إلى المدينين وهذا بسبب طبيعة لالتزام الذي لا يقبل الانقسام.
على أنه طالما لا توجد بين المدينين نيابة تبادلية كما في التضامن فالأعمال القانونية الصادرة من أحد المدينين أو الدائن، تسري على بقية المدينين بسبب وحدة الدين (وهذا كوقف التقادم أو انقطاعه، وصدور حكم قضائي ضد مدين معين متى تعلق الحكم بالدين ذاته، أما إعذار أحد المدينين أو إقرار أحدهم أو تصالحه مع الدائن فلا يسري على بقية المدينين لعدم تعلق ذلك بالدين في ذاته).
أما في علاقة المدينين ببعضهم فلا يختلف الحكم عما سبق أن قررناه بصدد التضامن، فالمدين الذي وفى بالدين كاملا له الرجوع – بدعوى شخصية أو بدعوى الحلول – على بقية المدينين، لكن كل بحسب نصيبه في الدين، لأن الدين ينقسم عليهم هذه المرة، والأصل في الحصص التساوي إلا إن يقضي الاتفاق أو نص القانون بخلاف ذلك، هذا وعسر أحد المدينين يتحمله البقية متى كانوا موسرين.
هذا وما سبق أن ذكرناه من أحكام عند تعدد المدينين، يصدق أيضا في حالة تعدد الدائنين والدين غير قابل للتجزئة مع مراعاة الفرق في أن أي دائن يستطيع مطالبة المدين بكل الدين، وأن ما استوفاه دائن معين، يمكن بقية الدائنين الآخرين من الرجوع عليه ليستوفوا منه حصصهم التي تنقسم عليهم في هذه المرة في علاقتهم ببعضهم البعض.

المطلب الثاني: تعدد محل الالتزام

لتعدد المحل ثلاث صور: فإما أن يكون المدين ملتزما بأداء عدة محال في أن واحد (كأن يتقايض اثنان فيلتزم أحدهما بإعطاء سيارة ومبلغ نقدي)، وإما إن يلتزم المدين بأداء محل واحد من عدة محال، وإما أن يلتزم بمحل واحد لكن يمكنه أن يبرئ ذمته من الدين إن هو أدى بدلا من الالتزام الأصلي، ويطلق على الصورة الأولى الالتزام المتعدد المحل، وعلى الثانية الالتزام التخييري، أما الثالثة فيطلق عليها الالتزام البدلي.

الفرع الأول – الالتزام التخييري (م : 213 إلى 215 مدني)

أولا – مفهومه:

يقصد بالالتزام التخييري أن يكون محل التزام المدين عدة محال، على أن تبرأ ذمته إن هو أدى واحدا فقط من تلك المحال (من ذلك أن يلتزم الشريك في شركة بتقديم حصة من مال أو أرض أو عمل، أو أن يشترط الواهب على الموهوب له إسكانه أو إطعامه أو ترتيب إيراد له ..) والذي يظهر من هذا النوع من الالتزامات أن الدائن يريد أن يضمن لنفسه التنفيذ العيني للالتزام بحيث أنه حتى ولو تلف أحد المحال بقيت الأخرى قابلة للوفاء بها.
هذا ولا نكون أمام التزام تخييري إلا أن تكون هناك عدة محال، منذ نشأة الالتزام مستوفية لشروط المحل العامة، وأن يكون الوفاء بواحد منها فحسب.

ثانيا – أحكامه:

الأصل في الاختيار بين المحال المتعددة أن يكون للمدين إلا أن يقضي نص القانون أو الاتفاق بخلاف ذلك، ومتى كان الاختيار للمدين ولم يفعل، أو تعدد المدينون إلا أنهم لم يتفقوا، فإن للدائن في هذه الحالة رفع الأمر إلى القاضي الذي يحدد أجلا للمدين لمباشرة اختياره، فإن لم يفعل بعدها تولى القاضي بنفسه الاختيار، هذا ويكيف الاختيار على أنه تصرف بإرادة منفردة، مما يجب معه توافر شروط ذلك التصرف القانوني المعهود، ويترتب على حصول الاختيار، أن ينقلب الالتزام التخييري إلى التزام بسيط وهذا منذ نشأة الالتزام لا من تاريخ وقوعه.
وفي الحالة التي يكون الاختيار بين المحال المتعدد للدائن ولم يفعل، أو تعدد الدائنون، ولم يتفقوا فيما بينهم، كان للمدين أن يطلب من القضاء تعيين أجل للدائن لمباشرة الاختيار، فإن لم يحصل شيء من ذلك، آل أمر الاختيار إلى المدين باعتباره صاحب الحق الأصلي.
ومما يتصل بالاختيار أن نواجه هلاك إحدى المحال أو هلاكها جميعا إما بسبب أجنبي أو بخطأ أحد الطرفين ، وتناولت (م: 215 مدني) حالة هلاك جميع المحال بسبب المدين أو أنه السبب في هلاك إحداها، وفي مثل هذه الحالة يجب على المدين أن يفي بقيمة آخر شيء هلك، أما لو كان هلاك جميع المحال بسبب أجنبي فقد برئت ذمة المدين تماما، أما إن هلك أحد المحال بسبب أجنبي أو بسبب المدين، وجب على الأخير الوفاء بالمحل الباقي.

الفرع الثاني – الالتزام البدلي (م: 216 مدني)

أولا – مفهومه:

وهو أن يقتصر محل التزام المدين في شيء واحد، إلا أنه يخول مع ذلك للمدين تبرئة لذمته، أن يؤدي بديلا عن المحل الأصلي (وهذا كأن يلتزم المقترض برد مبلغ القرض ولكن يتم الاتفاق أيضا أنه يستطيع الوفاء بشيء بديل وهذا كسيارة أو قطعة أرض ...) وميزة الالتزام البدلي، أن التزام المدين يتحدد بالشيء الأصلي فقط ككونه عقارا أو منقولا من ذلك في الاختصاص المحلي للقضاء ، ثم إنه حتى ولو اختار المدين الوفاء بالبديل فإن التزامه لا ينقلب إلى التزام بسيط، بل يبقى على طبيعته الأصلية.

ثانيا – أحكامه:

يترتب على القول أن التزام المدين يتحدد بالشيء الأصلي (لا البديل) أنه متى هلك المحل الأصلي بسبب أجنبي برئت ذمة المدين، أما إن كان سبب الهلاك الدائن، فيعد كمن استوفى حقه، أما في حالة هلاك البدل فحسب، وكان ذلك راجع إلى سبب أجنبي، فيجب على المدين الوفاء بالمحل الأصلي، أما إن كان بسبب الدائن فللمدين أن يرجع على الدائن بقيمة ذلك البدل، ولو أن المحل الأصلي هلك بسبب المدين فيكون في هذه الحالة مسؤولا عن التعويض إلا أنه يملك – كما هو الاتفاق – على بذل البدل وبذلك تبرأ ذمته، ونجد في القانون المدني أمثلة عن الالتزامات البدلية (كتوقي دعوى الإبطال بسبب الاستغلال بعرض الثمن الذي يراه القاضي كافيا لرفع الغبن (م: 90/3 مدني)،وتوقي البائع دعوى ضمان الاستحقاق برد ما دفعه المشتري للغير من نقود أو أداء آخر (م: 374 مدني) ودفع المتنازل ضده للثمن الذي تلقاه المتنازل له من المتنازل عن الحقوق المتنازع فيها (م : 400/1 مدني).

المرجع:


  1. أ. دربال عبد الرزاق، الوجيز في أحكام الالتزام في القانون المدني الجزائري، دار العلوم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2004، من ص 41 إلى ص 62.
google-playkhamsatmostaqltradent