محاضرات في قانون المنافسة للأستاذ د. ساسان (الجزء الثاني)

محاضرات في قانون المنافسة للأستاذ د. ساسان (الجزء الثاني)

محاضرات في قانون المنافسة

المطلب الثالث : التطفل التجاري:Parasitisme commercial  

الفرع الأول : التعريف بالتطفل التجاري

يمكن أن يعرف التطفل التجاري بأنه مجموع الممارسات التي يتدخل من خلالها عون اقتصادي في نظام عون آخر، بغرض الحصول على المنافع الاقتصادية التي تحققها المهارات و المعارف المهنية التي استثمر و اجتهد العون الاقتصادي المتطفل عليه لأجل بلورتها و الانتفاع بها، من دون أن يسهم العون الاقتصادي المتطفل في هذا الاستثمار أو المجهود، بشرط ألا تكون هذه المهارات من بين الحقوق المحمية بنصوص قانونية خاصة، مثل براءات الاختراع، و حقوق الملكية الصناعية المسجلة، و من دون أن يكون العون الاقتصادي المتطفل منافسا للعون الاقتصادي المتطفل عليه، و إلى ألحق ذلك بنظام المنافسة غير المشروعة.
حظر المشرع الجزائري التطفل التجاري بمقتضى المقطع 3 من المادة 27 من قانون القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، و التي جاء فيها من بين الممارسات التجارية غير النزيهة: "استغلال مهارة تقنية أو تجارية مميزة دون ترخيص أو موافقة من صاحبها."
يأخذ في هذا الشأن التطفل التجاري عدة أشكال، من بينها استعمال علامة تجارية ذات سمعة داخل السوق، ثم اعتمادها بالنسبة لمنتج أو خدمة بالنسبة لسوق آخر، من ذلك ما تم إقراره بالنسبة من قبل قضاء النقض الفرنسي في ما أصبح يعرف بقضية Pontiac، حيث صنعت شركة مختصة في الأدوات الكهرومنزلية ثلاجات أطلقت عليها تسمية Pontiac و التي هي ذاتها التسمية التجارية لنوع من السيارات، و كان الحكم بعدم توافر شروط دعوى المنافسة غير المشروعة، على اعتبار عدم انتماء النشاطين الإنتاجيين للسوق ذاته، و لكن اعتبرت أن شركة المنتجات الكهرومنزلية قد مارست شكلا من التطفل التجاري، مكنها من الحصول على ميزات اقتصادية و تنافسية غير مبررة، لكن من دون إمكانية القول بتحويل عنصر الزبائن، على اعتبار عدم انتماء كلا العونين للسوق ذاته.
كما يدخل ضمن التطفل التجاري استغلال حملة الإشهار أو حتى الصيغ الإشهارية من طرف أحد الأعوان الاقتصاديين، و اعتمادها في الترويج لمنتجات أو خدمات العون المتطفل، بدون ترخيص أو موافقة من العون الاقتصادي المتضرر.

الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للمسؤولية عن التطفل التجاري

يمكن التمييز بصدد الطبيعة القانونية بين موقفين، يستند أولهما إلى فكرة الإثراء بلا سبب، أما الثاني فيعتقد بأن التطفل التجاري شكل من أشكال المسؤولية التقصيرية.
1- التطفل التجاري إثراء بلا سبب : يذهب هذا الموقف من الفقه إلى الادعاء بأن التطفل التجاري هو إثراء بلا سبب، على أساس اغتناء الذمة المالية للمتطفل على حساب المتطفل عليه، غير أن هذا الموقف لا يمكن القول بصحته، على أساس عدم تحقق شروطه في حالة التطفل التجاري، إذ أن الإثراء بلا سبب لا يتحقق إلا بالنسبة للشخص حسن النية، و هو الأمر المستبعد بالنسبة للمتطفل، كما أن من شروط الإثراء بلا سبب وفقا للنظرية العامة، و مثلما هو وارد بالنسبة للقانون المدني الجزائري بمقتضى المادة 141 إغتناء للذمة المالية لأحد الطرفين، و إفقارا لذمة الطرف الآخر، و هو ما ليس ثابتا لزوما بالنسبة للتطفل التجاري، حيث لا يشترط تأثيره على الذمة المالية لأي من الطرفين حتى يثبت باعتباره ممارسة تجارية غير نزيهة، بغض النظر عن آثاره المالية، أو على الأقل آثاره المالية بالنسبة للمتطفل عليه.
2- التطفل التجاري شكل من المسؤولية التقصيرية : يعتقد هذا الرأي بأن التطفل التجاري ما هو إلا تطبيق لأحكام المسؤولية التقصيرية، لاسيما و أنه لا يتحقق إلا باستيفاء جميع شروطها، و الظاهر أن هذا التبرير للمسؤولية عن التطفل التجاري هو الأقرب للصحة، حتى و إن كان من اللازم تكييفه مع الطبيعة الخاصة للممارسات التجارية عموما، و العلاقات التنافسية بين الأعوان الاقتصاديين على الأخص.

الفرع الثالث : شروط تحقق المسؤولية عن التطفل التجاري

يشترط لتحقق المسؤولية عن التطفل التجاري ما يشترط بالنسبة لتحقق المسؤولية التقصيرية عموما، و على هذا الأساس يمكن التمييز في هذا الصدد بين ثلاث شروط:
1- الخطأ : يتمثل الخطأ المستخلص من التطفل التجاري في التحويل غير المبرر لاستثمارات العون الاقتصادي المتضرر دون أن يكون هذا التحويل مبررا، لاسيما بالاتفاق أو القانون، و ذلك بغض النظر عن النية في الإضرار من جانب العون الاقتصادي المتطفل، على اعتبار أن التمتع بمجهودات الغير يشكل في حد ذاته خطا، و أن مقتضيات الأعراف و الممارسات التجارية النزيهة تقتضي أن تكون السمعة التجارية محصلة الاستثمارات المبذولة في سبيل ذلك، و ليس بالاستفادة غير المبررة من استثمارات و مجهودات الغير.
2- الضرر: لا يمكننا الحديث بالنسبة للتطفل التجاري عن تحويل الزبائن باعتباره ضرر محتمل بالنسبة لهذا النوع من الممارسات، على اعتبار أن العونين الاقتصاديين المعنيين ليسا متنافسين، و إلا كنا أمام وضعية منافسة غير مشروعة و ليس تطفلا تجاريا، إلا أنه يمكن أن يكون الضرر الحاصل بالنسبة للعون الاقتصادي المتطفل عليه هو المساس بالمكانة التجارية للعلامة محل التطفل، مثلما أشارت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرار يتعلق باستعمال أوشحة من علامة ذات سمعة تجارية معتبرة كجوائز يانصيب، مما عد تطفلا تجاريا مسيئا للعلامة محل التطفل، كما أن هذا الموقف من المحكمة الفرنسية لا يلغي احتمال أن يكون الضرر ماديا صرفا، لاسيما و أن الغالب في استعمال العلامة التجارية من قبل الغير أن يكون بمقابل.
3- علاقة السببية : إن العلاقة السببية بين الخطأ من جانب المتطفل و الضرر الحاصل للعون المتطفل عليه يخضع عموما إلى الأحكام العامة، لاسيما بالنسبة لافتراضها عند تزامن الخطأ والضرر، و نفيها بالكيفيات ذاتها المقررة بالنسبة للنظرية العامة، حتى و إن أمكن إبراز خصوصية التطفل التجاري بالنسبة للأحكام العامة بالنظر لطبيعة عالم الأعمال، لاسيما فيما يتعلق بالأضرار غير المادية، مثل المساس بمكانة العلامة التجارية داخل السوق، حيث ينبغي في هذا الشأن التثبت من أن هذا المساس مرده الأعمال التطفلية، وليس اعتبارات أخرى مثل اهتزاز مكانة العلامة التجارية لاعتبارات مرتبطة بانتقاص في درجة جودة الخدمة أو المنتج، أو التقليل من العمليات الترويجية، أو حتى عدم مجاراة نسق التطور داخل السوق بالمقارنة مع الأعوان المنافسين الآخرين.

المبحث الثاني: الأحكام الخاصة بحماية السوق

تعد حماية الاقتصاد بشكل عام من أهم أهداف اعتماد قانون المنافسة، من حيث التمكين لضمان ظروف تنافسية حقيقية بين الأعوان الاقتصاديين، و هو الهدف الذي يتحقق من خلال الأحكام التي تبناها المشرع الجزائري على غرار ما هو موجود في التشريعات ا لمقارنة، و التي تقوم على حظر الممارسات المقيدة للمنافسة، على خلاف ما ترمي إليه أحكام حماية المؤسسة، من حيث كونها وسائل حماية المتنافس داخل سوق الخدمة أو السلعة، و لا تتحقق حماية السوق إلا باعتماد جملة من الإجراءات يمكن تحديدها كما يلي:
-مراقبة التجميعات الاقتصادية،
-حظر الاتفاقات فيما بين المؤسسات المتنافسة،
-حظر وضعيات الهيمنة الاقتصادية،
-حظر خفض الأسعار لأقل من سعر التكلفة.
المطلب الأول: حظر التجميعات الاقتصادية : 
يقتضي بيان التجميعات الاقتصادية باعتبارها شكلا من المساس بحرية المنافسة توضيح مفهومها، ثم آليات الرقابة عليها وفق ما هو وارد في القانون الجزائري.

الفرع الأول: مفهوم التجميعات الاقتصادية

نتناول في هذا الخصوص التعريف بالتجميعات الاقتصادية ثم بيان أشكالها.
1-  التعريف بالتجميعات الاقتصادية : تعرف التجميعات الاقتصادية بأنها كل إجراء يؤدي إلى تحويل حق ملكية أو التمتع بكيان اقتصادي لمصلحة كيان اقتصادي آخر بشكل كلي أو جزئي، أو تشكيل كيان اقتصادي جديد، بما من شأنه المساس بهيكلة السوق، من خلال التقليل من عدد الأعوان الاقتصاديين المتواجدين داخل سوق الخدمة أو السلعة محل التنافس.
2-  أشكال التجميعات الاقتصادية: يمكن أن تأخذ التجميعات الاقتصادية أشكالا ثلاث أوردتها المادة 15 من الأمر 03/03:
أ‌ - الاندماج: Fusion-absorption و تتحقق هذه الحالة بالنسبة لتشكيل مؤسستين مستقلتين أو أكثر شخصا قانونيا واحدا، بما يلغي الشخص القانوني المنحل داخل الشخص القانوني الآخر، و يقلل بذلك من عدد الأعوان الاقتصاديين داخل السوق.
ب‌-  السيطرة : Prise de contrôle: تتحقق هذه الحالة في الوضع الذي يتمكن فيها عون اقتصادي من الحصول على غالبية الأسهم أو الحصص داخل الشركة، بما يمكنه مقابل ذلك من السيطرة على أجهزة العون الاقتصادي المنافس من الآخر، الذي يصبح في هذه الحالة مجرد فرع من فروعه.
ت‌-  تشكيل كيان اقتصادي جديد: يتحقق في الوضع الذي يجتمع فيه عونين اقتصاديين أو أكثر لأجل تشكيل شخص قانوني جديد مع انحلال الأعوان الاقتصاديين المشكلين له.

الفرع الثاني : آليات الرقابة على التجميعات الاقتصادية

تتحقق الرقابة على عمليات التجميع الاقتصادي من خلال مجلس المنافسة حسب نص المادة 17 من الأمر 03/03، الذي يملك سلطة البت في مدى مساس التجميع بحرية المنافسة لاسيما في الوضع الذي يتجاوز فيه الحجم المفترض لعملية التجميع 40 من المائة من الحجم الإجمالي للمبيعات و المشتريات المنجزة في سوق معينة حسبما ورد في المادة 18 من الأمر سالف الذكر، إذ تتحقق رقابة هذا الجهاز لعمليات التجميع من خلال الرقابة السابقة على عمليات التجميع حسب الشروط الواردة في المرسوم التنفيذي 05/219 المتعلق بالترخيص لعمليات التجميع، لاسيما تقديم طلب الترخيص مكتوبا من قبل المؤسسات أو الأشخاص المعنيين بالتجميع الاقتصادي .
المطلب الثاني: حظر الاتفاقات فيما بين الأعوان الاقتصاديين: Interdiction des ententes entre entreprises
يجدر بنا بصدد بيان مسألة حظر الاتفاقات فيما بين الأعوان الاقتصاديين توضيح مدلولها، ثم بيان أشكالها.

الفرع الأول: التعريف بالاتفاقات بين الأعوان الاقتصاديين

 ينحصر القصد من الاتفاقات المحظورة االناشئة عن متعاملين اقتصاديين، و التي تأخذ شكل ممارسات و أعمال و اتفاقات و اتفاقيات سواء صريحة أو ضمنية، تكون غايتها أو نتيجتها التقييد من حرية الدخول إلى السوق المعني بالمنافسة، بما يعني الإبقاء على وضعية معينة لهيكلة السوق، من خلال اقتسامه كليا أو الاستئثار بجزء مهم منه فيما بين أعوان محددين، بما يشكل إحدى صور التقييد من المنافسة الحرة.
ما يميز الاتفاقات بالنسبة لقانــون المنافســة عن الوضع بالنسبة للعقـد في القانــون المدني هو الاعتداد باتجـاه الإرادة لإحداث أثــر قانوني في القانـون المدني، على خلاف الأمـر بالنسبة لقانـون المنافســة، حيث يعتد في هذه الحالة -إضافة إلى اتجاه الاتفاق نحو عرقلة السوق- بأثر الاتفاق على السوق حتى و إن لم تتجه إرادة الاتفاق الأعوان الاقتصاديين إلى عرقلته، إذ أن العبرة هو أثر الاتفاق على السوق بغض النظر عن نية الأطراف المتوافقة، و هذا ما يفهم من نص المادة 6 من الأمر 03/03 في فقرتها الأولى، و التي جاء فيها: "تحظر الممارسات و الأعمال المدبرة و الاتفاقيات و الاتفاقات الصريحة أو الضمنية، عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق، أو في جزء مهم منه..."

الفرع الثاني: أشكال الاتفاقات بين الأعوان الاقتصاديين

تتحقق الاتفاقات بالمفهوم المحدد أعلاه من خلال جملة من الممارسات يمكن لنا حصرها فيما يلي:
1-  الاتفاقات التعاقدية: Ententes contractuellesتأخذ الاتفاقات في هذا الوضع شكل العقود بالمفهوم المدني، و يمكن في هذا الصدد التمييز بين الأشكال التالية للاتفاقات:
أ-  الاتفاقات الأفقية : يقصد بها الاتفاقات المنعقدة بين المؤسسات المتنافسة الموجودة في المستوى ذاته داخل السوق، و تكون الغاية منها التأثير على حرية المنافسة، و يدخل في هذا الإطار الاتفاقات المبرمة بصدد تحديد سعر السلع أو الخدمات مثلما هو وارد في نص المادة 6 من قانون 03/03 من ضمن حالات الممارسات المقيدة للمنافسة، و لا يهم أن يتم هذا التحديد بشكل صريح أو بشكل ضمني، كأن يتم من خلال طلب أحد الأعوان الاقتصاديين من عون اقتصادي تمكينه من سلم التسعير، أو سلم التخفيضات الممنوحة للعملاء، حتى و إن لم يشر في طلبه إلى نيته فين تسوية أسعاره بأسعار المؤسسة المنافسة
ب‌ - الاتفاقات العمودية : يقصد بها الاتفاقات المنعقدة بين أعوان اقتصاديين لا يوجدون في المستوى ذاته من السوق، مثلما هو الوضع بالنسبة للمنتج و الموزع، و المقاول من الباطن و المقاول الرئيسي، و من أمثلة الاتفاقات العمودية المتعارضة مع مقتضيات حرية المنافسة التزام الموزع بالسعر المحدد من قبل المنتج و لو تم ذلك من خلال تعليمات و توصيات، أو حتى خصومات في حال احترام الموزع الثمن المحدد من قبل المنتج.  
2- الاتفاقات العضوية : تأخذ الاتفاقات في هذا الوضع شكلا أكثر تنظيما و تعقيدا، بحيث تشكل المؤسسات المتنافسة كيانا مستقلا ذا شخصية معنوية، مثل تأسيس المؤسسات المتنافسة شركة غرضها الاجتماعي تركيز الطلبيات  لدى جهة واحدة، و بما يتيح لها ممارسة سياسات تسعير متطابقة تفقد السوق تنافسيته، وفق ما هو معروف بمركزيات البيع، و هو الأمر الذي ينطبق حتى على الأشخاص القانونية غير المكتسبة لصفة التاجر مثل النقابات و المؤسسات الحرفية إذا ما قامت بأعمال من شأنها التأثير على السوق.
3- الأعمال المدبرة : Activités concertées يقصد بالأعمال المدبرة الوضعيات التي يمتنع بمقتضاها الأعوان الاقتصاديون الموجودون في سوق واحدة عن التنافس، دون أن يتقرر ذلك بمقتضى اتفاقيات و عقود ملزمة، و إنما تظهر الأعمال المدبرة من خلال وقائع مثل اعتماد أسعار متطابقة، أو اعتماد ترفيعات متوازية في التسعير، كما قد تتحقق الأعمال المدبرة من خلال امتناع كل عون اقتصادي عن الاستثمار في منطقة معينة من السوق و امتناع عون آخر عن الاستثمار في منطقة أخرى بما يوحي بعملية اقتسام للسوق تتعارض مع ما اقتضاه المشرع الجزائري من حظر في هذا الشأن، حسب ما هو وارد في نص المادة 6 المقطع الثالث، و كل هذه الأوضاع من شأنها عرقلة حرية المنافسة.
من جانب آخر تطرح مسألة الأعمال المدبرة إشكالية إثبات، لاسيما و أنها لا تتحقق بمقتضى اتفاقيات بين الأعوان الاقتصاديين المتنافسين، و إنما مجرد وقائع قد تؤدي معاينتها إلى استخلاص وجود عمل مدبر، لاسيما و إن ترتبت عليها آثار على السوق المعني، و في هذا الشأن ذهبمجلس المنافسة الفرنسي إلى أن توازي سلوك الأعوان الاقتصاديين المتنافسين في رفع الأسعار بنسب متساوية على مدار سنوات، ثم الإعلان عن هذه الزيادات قبل سريانها من شأنه أن يثبت عملا مدبرا من جانب هؤلاء الأعوان، حيث أن هذا التصرف يوحي بأن المؤسسة لا تخشى فقدان عملاءها جراء الإعلان المبكر عن رفع الأسعار، و اطمئنانها إلى أن الأعوان آخرين سيقومون بالأمر ذاته.

المطلب الثالث : حظر التعسف في الهيمنة الاقتصادية

يجدر بنا قبل التطرق للتعسف في استعمال الهيمنة الاقتصادية توضيح فكرة الهيمنة الاقتصادية

الفرع الأول : الهيمنة الاقتصادية

أ‌ - التعريف بالهيمنة الاقتصادية

يقصد بالهيمنة الاقتصادية الوضعية التي يهيمن فيها عون اقتصادي على غيره من الأعوان الاقتصاديين داخل السوق بشكل مطلق أو شبه مطلق، و هي الوضعية التي قد تؤدي إلى عرقلة لعبة المنافسة داخل السوق حسب ما يؤكده المشرع الجزائري من خلال المادة الثالثة/ج من قانون 03/03، و عليه فإن الهيمنة الاقتصادية تختلف عن التبعية الاقتصادية من حيث مجال الهيمنة، حيث أن التبعية الاقتصادية تتحقق بالنظر لارتباط عون اقتصادي في أعماله و نتائجه بعون اقتصادي آخر حسبما يفهم من نص المادة الثالثة من قانون 03/03، بحيث لا يكون للعون الاقتصادي التابع حل بديل إذا ما رفض العون الاقتصادي المتبوع التعاقد معه، أما الهيمنة الاقتصادية فهي ارتباط كل أو معظم الأعوان الاقتصاديين داخل السوق بالعضو المهيمن.
كما تختلف وضعية الهيمنة الاقتصادية عن وضعية الاحتكار أو شبه الاحتكار، من حيث توافر قدر من المنافسة بالنسبة لحالة الهيمنة الاقتصادية، غير أن القدرة الاقتصادية للعون الاقتصادي المهيمن تمكنه من تجاوز آثارها، و بالتالي لا يكون العضو المهيمن اقتصاديا معنيا لعبة المنافسة، و هو الوضع الذي عبرت عنه محكمة العدل الأوروبية في قضية  united brands لسنة 1978: "وضعية الهيمنة الاقتصادية هي وضعية القوة الاقتصادية التي تمنح العون الاقتصادي القدرة على عرقلة الإبقاء على المنافسة الحقيقية داخل السوق المعني، بما يعطيه استقلالية التصرف قبل منافسيه، ممونيه، و قبل المستهلكين."
ب‌-  إثبات وضعية الهيمنة الاقتصادية : يعتمد على الأغلب في إثبات وضعية الهيمنة الاقتصادية على معيارين: أحدهما يمكن اعتباره رئيسيا يتمثل في نسبة الهيمنة على السوق، و الثاني ثانويا يتحدد نسبيا بالنظر لتفوق العون الاقتصادي على غيره من الأعوان من حيث نصيبه في  السوق، حتى و إن كان الفصل في ثبوت الهيمنة الاقتصادية لا يمكن أن يتحقق باعتماد معايير جامدة، بالنظر إلى التغيرات التي تشهدها الأسواق،و مرونة عالم الأعمال.
1- المعيار الرئيسي : نسبة الهيمنة على السوق : تتحقق الهيمنة الاقتصادية أساسا في الوضع الذي يتحكم فيه عون اقتصادي واحد على نسبة مهمة من السوق المرجعي للسلعة أو الخدمة، حتى و إن كان من غير المتيسر دائما  تحديد مجال السوق المرجعي، بالنظر لعدم إمكانية الاستقرار على مفهوم واضح له، لكن يمكن استخلاص أهم عناصره، المتمثلة على الأخص في المجال الجغرافي، السلعة أو الخدمة المتميزة بقابلية الحلول، أو كما وصفها المشرع الجزائري بالأصناف المتجانسة، و عنصر الزبائن و العملاء المحدد لنوعية الطلب.
2-  المعيار الثانوي: الانفراد بالهيمنة على السوق المرجعي:  مفاد هذا المعيار انفراد العون الاقتصادي بالهيمنة الاقتصادية، بحيث لا يزاحم داخل السوق بعون مكافئ له في القدرة الاقتصادية، بحيث تتحقق المنافسة فيما بين هذين العونين، إلا أنه لا ينبغي الخلط في هذه الحالة بين وجود أكثر من عون اقتصادي يمتلك نسبة كبيرة من السوق، حيث لا تتأثر المنافسة في هذا الفرض لتكافؤ العونين في القوة الاقتصادية، و الوضع الذي تتحقق فيه الهيمن الجماعية Domination collective حيث يعقد عونان اقتصاديان أو أكثر عقودا أو اتفاقات مدبرة بهدف الهيمنة على السوق.

الفرع الثاني : التعسف في استعمال الهيمنة الاقتصادية

لم يورد المشرع بيان تعريف التعسف في استعمال الهيمنة الاقتصادية، إلا أنه أورد في بعضا من تطبيقاتها بمقتضى المادة 07 من الأمر 03/03، و يمكن إجمالا التمييز في هذا الصدد بين فئتين من الأعمال يمكن أن تكيف على أنها تشكل هيمنة اقتصادية :
1 - على مستوى العلاقة المباشرة مع الأعوان المتنافسين : حيث يتصرف العون الاقتصادي المهيمن على السوق على خلاف مقتضيات الحرية التنافسية، و من بين هذه التصرفات تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين، و إخضاع إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود، سواء بحسب طبيعتها، أو حسب الأعراف التجارية، و رفض البيع بدون عذر قانوني.
2 - على مستوى هيكلة السوق: يتحقق الاستعمال التعسفي للهيمنة الاقتصادية في الوضع الذي تتأثر سلبا هيكلة السوق جراء الأعمال و التصرفات التي يقوم بها العون الاقتصادي المهيمن، مثل إبرام عقود التموين الحصري مع العملاء بما يؤدي إلى الحد من الدخول في السوق أو في ممارسة النشاطات التجارية، أو اقتسام الأسواق و مصادر التموين، و كذلك ممارسة سياسة تخفيض الأسعار لا تعكس حقيقتهم السوق، لأجل الدفع باللأعوان الاقتصاديين إلى الانسحاب من السوق لعدم قدرتهم  المالية على مجاراة نسق التخفيض.
المطلب الرابع: التعسف في استعمال التبعية الاقتصادية: (م 11 ق 03/03، م18 ق 04/02)
عرف المشرع الجزائري التبعية الاقتصادية من خلال نص المادة 3 المقطع د من الأمر 03/03 على أنها: "العلاقة التجارية التي لا يكون فيها لمؤسسة ما حل بديل مقارن إذا أرادت رفض التعاقد بالشروط التي تفرضها عليها مؤسسة أخرى سواء كانت زبونا أو ممونا." و مرد التبعية الاقتصادية هو القوة الاقتصادية للعون الاقتصادي المتبوع بالمقارنة مع العون الاقتصادي التابع، هذه القوة التي تمكنه من امتلاك قوة تفاوضية تمكنه في نهاية الأمر من فرض اشتراطاته التعاقدية على الطرف الآخر، لكن ينبغي التنويه إلى أن ما يقع محل الحظر ليس التبعية الاقتصادية في حد ذاتها، و إنما استغلالها في تحصيل مزايا تعاقدية -و من ثم تنافسية- غير مبررة، و عليه فإن الحظر لا يقع إلى بتحقق وضعية التبعية الاقتصادية، ثم التعسف في استغلالها.

الفرع الأول : وضعية التبعية الاقتصادية: تتحقق وضعية التبعية الاقتصادية عموما في احتمالين 

1 - التبعية للعلامة التجارية : يقصد بها الوضعية التي يرتبط فيها نشاط العون الاقتصادي بشكل كامل أو شبه كامل بعلامة تجارية واحدة، و تتحقق هذه الحالة عموما في التعاقدات المتضمنة شرط الحصرية contrats avec clauses d’exclusivité، مثلما هو شائع بالنسبة لعقد الامتياز  التجاري Contrat de concession commerciale، و عقد التوزيع بترخيص باستعمال العلامة التجارية Contrat de  franchise و عقود التمثيل التجاري عموما Contart de représentation commerciale. حيث لا يمكن حيث يكون الممثل التجاري في وضع تعاقدي أضعف واقعيا قبل الطرف الآخر مصدره عدم القدرة على الاستمرار في النشاط التجاري دون الارتباط بالعلامة التجارية محل العقد.
2 - التبعية في التوزيع: يأخذ هذا الوضع صورة عكسية، حيث يكون المنتج الممون في وضع اقتصادي ضعيف بالنظر إلى ارتباطه بالموزع، و حاجته إلى قنوات تصريف فعالة لمنتجاته، و تتحقق هذه الحالة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة في علاقاتها التعاقدية مع الفضاءات التجارية الكبرى التي تضمن بالنسبة للمنتج تصريف نسبة كبيرة من منتجاته، بما يعني أن استمراره في نشاطه الاقتصادي مرهون باستمرار تعاقداته مع هذه الشركات.

الفرع الثاني: الاستعمال التعسفي للتبعية الاقتصادية م 11 ق 03/03 م 18 ق04/02

أوردت المادة 11 ق 03/03 الحالات التي تقع فيها الممارسة تحت طائلة الحظر المبرر بالتعسف في استغلال التبعية الاقتصادية، و تتمثل هذه الحالات على الخصوص في:
-رفض البيع بدون مبرر شرعي
-البيع المتلازم او التمييزي
-البيع المشروط باقتناء كمية دنيا
-الإلزام بإعادة البيع بسعر أدنى
-قطع العلاقة التجارية لمجرد رفض المتعامل الخضوع لشروط تجارية غير مبررة
-كل عمل آخر من شأنه أن يقلل أو يلغي منافع المنافسة داخل السوق.
و أضافت المادة 18 من ق 04/02 إلى هذه الحالات ممارسة عون الاقتصادي نفوذا على عون اقتصادي آخر أو الحصول منه على أ أو آجال دفع أو شروط بيع أو على شراء تمييزي لا يبرره مقابل حقيقي يتلا ءم مع ما تقتضيه المعاملات التجارية النزيهة و الشريفة.
الواضح أن المشرع الجزائري قد أورد الحالات السابقة على وجه الاستئناس، بمعنى إمكان استخلاص حالات أخرى يمكن اعتبارها من قبيل الاستعمال التعسفي لوضعية التبعية الاقتصادية، كما أن هذا الاستعمال يخضع لرقابة القضاء باعتباره واقعة قانونية.

المطلب الخامس: حظر الأسعار المخفضة بشكل تعسفي (م 12 ق 03/03 و م 19 ق 04/02)

أقر المشرع الجزائري من خلال نص المادة 12 من قانون 03/03 ممارسة العون الاقتصادي أسعارا مخفضة بشكل تعسفي، و قد وضع لأجل اعتبار السعر مخفضا بشكل تعسفي معيارا موضوعيا متمثلا في سعر التكلفة بما يتضمن الإنتاج و التحويل و التسويق، و يضيف المشرع ضمن سعر التكلفة بمقتضى المادة 19 من قانون 04/02 : "...الحقوق و الرسوم و أعباء النقل..." لكن مع ذلك ينبغي التنبيه إلى أن المقصود بالحظر هو تعميم استعمال الأسعار المخفضة باعتبارها سياسة تجارية ينتهجها العون الاقتصادي، و ليس مجرد الممارسات المنفردة المفتقدة للتعميم، إذ أن ثبوت هذه الممارسة لمدة محدودة أو فيما يتعلق بسلعة أو خدمة واحدة لا يقع بالضرورة تحت الحظر، على اعتبار أن مثل هذه الممارسات المنعزلة ليس من شأنها التأثيرعلى السوق، حتى و إن عدت الأسعار المخفضة بالنسبة لسلعة واحدة بمثابة سعر إغرائي، أو ما يعبر عنه في الأنظمة المقارنة Prix d’appel  و الذي يمكن اعتباره شكلا من المنافسة غير المشروعة، لكن ليس من الثابت القول بأنه خرق لحرية المنافسة، على اعتبار محدودية أثره في السوق.
للأسف غير مكتمل
google-playkhamsatmostaqltradent