الأعمال الإجرائية للخصومة

الأعمال الإجرائية للخصومة

الأعمال الإجرائية للخصومة
لا تختلف الأعمال  الإجرائية للخصومة، عن الأعمال المكونة لها، من حيث خضوعها لمبدأ قانونية الشكل، لذلك يجب أن تتم وفقا للوسيلة الإجرائية التي حددها  المشرع، لاتبعا للوسيلة التي قد يلجأ  الخصوم إلى اختيارها.
لذلك نجد القانون الإجرائي، قد حدد شكل الأعمال الإجرائية للخصومة، فاشترط بأن تكون كتابية لا شفوية، وأن تأتي صياغتها على نحو معين، وأن يتم تبليغها وخلال مواعيد معينة، فان لم تتم مراعاة هذه الشروط، فالجزاء المترتب عن ذلك هو البطلان.

المطلب الأول : مبدأ كتابية أعمال الخصومة

يقود الحديث في مبدأ كتابية أعمال الخصومة، إلى تحديد مفهوم هذا المبدأ من جهة، وتحديد الطبيعة القانونية للمحررات الكتابية التي تحرر بمقتضاه.

الفرع الأول : مفهوم مبدأ كتابية أعمال الخصومة

إذا كان قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد أوجب بأن الطلب القضائي، والذي يعد من أهم الأعمال المكونة للخصومة القضائية، يجب عرضه على المحكمة بموجب محرر مكتوب يدعى العريضة الافتتاحية للدعوى، فان مختلف الأعمال  الإجرائية اللاحقة لذلك الطلب ، يجب أن تتم كذلك أيضا بموجب محررات كتابية، بما يعني وأن محضر التكليف بالحضور للجلسة، والذي لا يتحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم إلا به ، يجب أن يكون كتابيا، كما تخضع له المذكرات التي يرفع بها الخصوم ادعاءاتهم ودفوعهم إلى المحكمة أثناء سريان الخصومة ، وهو ذات المبدأ الذي تخضع له حتى مرافعات المحامين الشفوية في الجلسة، حيث يتولى كاتب الضبط تدوينها كتابة في محضر الجلسة، كما أن جميع الأوامر  التي يصدرها القاضي أثناء سير الخصومة، أكانت متعلقة بإعادة التكليف بالحضور للجلسة أو التأجيل، أو حضور أحد الأطراف شخصيا، أو إجراء تحقيق، أو تقديم وثيقة، أو إجراء خبرة، أو التحقيق في الكتابة أو إجراء من إجراءات التحقيق ، أو الانتقال للمعاينة ، أو الأمر بوقف الخصومة، أو انقطاعها ، أو بإعادة السير فيها لأي سبب من الأسباب، حتى ولو صدر بعضها شفاهة، فان كاتب الضبط كذلك أيضا ، يتولى تدوينها بمحضر الجلسة ، وهي بذلك تعد كتابية .
والحال فان جميع الأعمال المكونة للخصومة، وكذلك الأعمال الإجرائية لها تثبت في أوراق، ومن تم فان كنا قد أطلقنا على الورقة، التي يتم بموجبها عرض الطلب القضائي على المحكمة، اسم العريضة الافتتاحية للدعوى، فان الورقة التي يتم بواسطتها تبليغ هذا الطلب القضائي، إلى المدعى عليه في الدعوى ، تدعى التكليف بالحضور للجلسة، وأن مختلف الأوراق التي يقوم الأطراف من خلالها ، بعرض دفوعهم وطلباتهم  على المحكمة تدعى المذكرات، وأن الأوراق التي تتضمن الأوامر الكتابية التي تصدرها المحكمة، عادة ما تأتي  في شكل حكم قضائي، وأن الأوراق التي تتضمن الأوامر الشفوية للمحكمة، وكذلك مرافعات المحامين الشفوية تدعى محاضر الجلسة وهكذا.

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للأعمال الإجرائية للخصومة

يلاحظ بأن هذه الأوراق، إما أن تحرر من قبل الخصوم ووكلائهم، و إما من طرف المحضرين القضائيين والخبراء، و إما من طرف كاتب الضبط  أو القاضي، وبذلك فإذا ما عرفنا بأن هذين الأخيرين موظفين عموميين، وأن كلا من المحضر القضائي والخبير يعتبران قائمين بوظيفة عمومية، فان جميع  الأوراق التي يتولون تحريرها هي أوراق رسمية، وينطبق ذلك على محضر التكليف بالحضور للجلسة ، ومحضر  الخبرة القضائية ، والحكم،  ومحضر الجلسة، وبالتالي فما ورد في مضمونها يعد حجة ما لم يثبت تزويره.
أما الأوراق التي يتولى الخصوم ووكلاؤهم تحريريها، وهي العرائض الافتتاحية للدعوى، ومختلف  المذكرات  الإضافية و الجوابية، فهي لا تعد رسمية ، ويجوز بالتالي إقامة الدليل على عكسها، إلا في حدود البيانات  التي يكون كاتب الضبط، قد دونها فوقها عند تقديمها لكتابة ضبط الجهة القضائية المعنية.
وشكلية تلك الأعمال الإجرائية، لا تقتصر على ثبوتها وصحتها بالكتابة فقط ، بل تتعداها الى ضرورة خضوع جميع أوراق الخصومة القضائية، إلى بيانات معينة، تختلف باختلاف الورقة نفسها، فالبيانات التي اشترطها القانون في العريضة الافتتاحية للدعوى ،ومختلف المذكرات الإضافية والجوابية، ليست هي البيانات المشترطة في محضر التكليف بالحضور للجلسة ، أو في الحكم  القضائي  على سبيل المثال.

المطلب الثاني : ورقة التكليف بالحضور

تحتاج معالجة هذه الورقة ، إلى تعريف  التكليف بالحضور للجلسة وأهميته، وبيان أقسامه ، وتحديد الطرف الملزم بإجرائه ، و إبراز بياناته  الجوهرية ، وكيفية إعلانه.

الفرع الأول : تعريف التكليف بالحضور وأهميته وأقسامه

يتعين بداية تعريف التكليف بالحضور، ثم إبراز أهميته، وبيان أقسامه.

البند الأول : تعريف التكليف بالحضور

لم يضع قانون الإجراءات المدنية تعريفا محددا للتكليف بالحضور ، رغم إشارته في المواد 13 و22 وما يليهاو473 منه، إلى  بعض البيانات والشروط  الواجب توافرها لصحته، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الإجراءات المدنية والإدارية، رغم إشارته من خلال المادتين 18و19 منه إلى أن التكليف بالحضور للجلسة هو عبارة عن محضر يحرر بواسطة المحضر القضائي، يتضمن جملة من البيانات الإلزامية لايصح إلا بتوافرها.(انظر نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية).
أما الفقه فقد عرفه بأنه: (هو  العمل الذي يتم بمقتضاه إيصال واقعة معينة إلى علم المعلن إليه) ، لذلك وبالنظر إلى قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يمكن تعريفه بأنه: (هو الإجراء الذي يتم بموجبه إخطار المدعى عليه في الدعوى، بمضمون أوراق الخصومة وإجراءاتها بصورة رسمية).

البند الثاني : أهمية التكليف بالحضور

تبدو الأهمية  العملية والقانونية للتكليف بالحضور للجلسة، في كونه يعد إعمالا لمبدأ المواجهة بين الخصوم في الدعوى، وبالتالي فان كان القانون يتطلب إجراءه ، فذلك يعني بأنه يشكل الوسيلة الوحيدة لإخطار المدعى عليه بالدعوى المرفوعة ضده، بما يعني وأن العلم الفعلي بواقعة رفع الدعوى من قبل هذا الأخير، لا يشكل بديلا للتكليف بالحضور للجلسة، ولا يمكنه أن يترتب أية آثار قانونية، بالنسبة لتحقيق مبدأ المواجهة وانعقاد الخصومة.
لكنه وعلى العكس من ذلك، فان تم ذلك العلم وفقا للشكل الذي حدده القانون ، فانه لا يجوز للمدعى عليه التمسك بعدم العلم بالدعوى المرفوعة في مواجهته، ومناط ذلك أن انعدام العلم الفعلي، ليس منه شأنه نفي تحقق العلم القانوني، طالما أن هذا الأخير يتحقق بالتكليف بالحضور للجلسة، وهو وحـده الذي يحظى  بعين الاعتبار  في نظر القانون .

البند الثالث : أقسام التبليغ

يختلف التكليف بالحضور للجلسة، عن باقي الأوراق القضائية ، التي يلزم  القانون تبليغها للخصوم، ذلك أن تبليغ البعض من هذه الأوراق، قد يعد في حد ذاته عنصرا من العمل الإجرائي محل التبليغ ، بحيث لا يوجد هذا العمل بغيره، ومن أمثلة ذلك ، تبليغ ورقة الحجز إلى المحجوز عليه، فبغير ورقة الحجز المبلغة لا يوجد الحجز .
لذلك فالتكليف بالحضور للجلسة، ما هو إلا عبارة عن عمل إجرائي مستقل عن الورقة محل التبليغ، أي عن العريضة الافتتاحية للدعوى، كما أن محضر تبليغ الحكم القضائي، هو عبارة عن ورقة مستقلة عن الحكم القضائي، وبالتالي فان شاب ورقة التكليف  بالحضور للجلسة، أو ورقة تبليغ الحكم القضائي عيبا من العيوب، فان ذلك لا يؤثر لا في صحة العريضة الافتتاحية للدعوى ، ولا في صحة الحكم القضائي، إن كانا في حد ذاتهما صحيحين .
وبالمقارنة مابين المواد 15 و18 و19 و276 و407 و691 و715 و722 و724 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد بأن البيانات التي اشترطها القانون في كل من: العريضة الافتتاحية للدعوى، والتكليف بالحضور للجلسة، والحكم القضائي، ومحضر تبليغه، وطلب استصدار الحجز، والأمر بالحجز وتبليغه، ومحضر الحجز والجرد، ومحضر رسو المزاد وغيرها من الأوراق القضائية ليست واحدة، فان الجزاء المترتب على تخلفها أيضا في هذه الورقة أو تلك ليس واحدا.
فقد تكون القواعد الموجبة لهذا البيان أو ذاك من النظام العام، كالبيانات الواجب توافرها في العريضة الافتتاحية للدعوى المقررة بالمادة 15 أعلاه، وأن الإخلال بها نتيجة ذلك، يترتب عنه بطلانها، ما لم يتم تصحيحها، إن كانت تلك القواعد تجيز ذلك.
وقد تكون تلك القواعد ليست من النظام العام، كالبيانات الواجب توفرها في محضر تبليغ حكم قضائي المقررة بالمادة407 المشار إليها فيما تقدم، فان الإخلال بها ولو لم يتم تصحيحها، قد لا يؤدي إلى بطلانها، مالم يتمسك صاحب المصلحة بهذا البطلان قبل إثارته لأي دفع أو دفاع في الدعوى، وهي كلها مسائل تحتاج إلى توضيح ، ذلك ما نأتي على إيجازه بمناسبة الحديث عن بيانات  التكليف بالحضور.

الفرع الثاني : تحديد الجهة المعنية بإجراء التكليف بالحضور

إذا كان نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، قد أشار إلى أن التكليف بالحضور للجلسة، يسلم إما بواسطة كاتب الضبط، أو يرسل بطريق البريد ضمن ظرف موصى عليه أو بالطريق الإداري، فان ذلك يعني بأن الجهة التي تتولى– وفقا لهذا النص– إجراء التكليف بالحضور للجلسة،هي كتابة ضبط المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، بحيث تتولى هذه الجهة تحرير محضر التكليف بالحضور للجلسة، ثم تقوم بتبليغه، وذلك إما بتسليمه إلى المدعى عليه، وإما بإرساله إليه عن طريق البريد المضمن ضمن رسالة مسجلة ، وإما تقوم بتبليغه إليه عن طريق بعض الهيئات الإدارية، كالنيابة العامة مثلا.
لكنه ومع أن هذا النص لم يعدل والى غاية الآن ، فالجهة المعنية حاليا ، بل المحتكرة لإجراء التكليف بالحضور للجلسة، وكذلك الأمر بالنسبة  لتبليغ مختلف الأوراق القضائية ، ومنذ صدور القانون 91/03 المؤرخ في 8/1/1991 المتضمن تنظيم مهنة المحضر ، إنما هي المكاتب العمومية للمحضرين القضائيين، إذ يتولى هؤلاء وبموجب المادة الخامسة منه، تبليغ المحررات والإعلانات القضائية والإشعارات التي تنص عليها القوانين والتنظيمات، وهي نفس المكاتب المخولة بمقتضى قانون الإجراءات المدنية والإدارية بإجراء  تبليغ مختلف تلك الأوراق القضائية.
وإذا كانت المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية ، لازالت تجيز إجراء التكليف بالحضور عن طريق البريد، فهي مسألة قد تثير إشكالية ، بشأن المسؤولية عن الضياع أو  التأخير الذي قد يحصل ، نتيجة عدم قيام إدارة البريد بإيصال  الورقة إلى المبلغ له في الوقت المناسب، وقد كانت هذه الإشكالية هي التي أدت بالمشرع الفرنسي إلى العدول عن الفكرة ، التي عرضت بمناسبة  تعديل قانون المرافعات  الفرنسي عام 1935، والرامية إلى إحلال التبليغ عن طريق البريد، محل التبليغ عن  طريق المحضر القضائي ، لما في ذلك من اقتصاد في النفقات والرسوم ، بحيث أن لجنة التعديل لم تأخذ بهذه الفكرة ، وقد بررت رفضها لها ، بالقول وأن المحضر القضائي حال قيامه بتبليغ مختلف الأوراق القضائية إنما يعد في حكم الوكيل عن القائم بالإعلان ، وهو نتيجة ذلك يعد مسئولا مسؤولية تأديبية ومدنية عن خطئه و تقصيره و مخالفته للقانون، حال قيامه بتحرير التكليف بالحضور للجلسة، وتأخره في إيصاله إلى المعلن إليه، و ذلك في الوقت الدي لا يمكن فيه، مساءلة إدارة البريد عن ضياع الرسالة المحتوية لورقة التكليف بالحضور للجلسة، أو تأخرها في إيصالها إليه في الوقت المناسب.
ومع أن القانون 91/03 المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي المشار إليه فيما تقدم، قد أسند مهمة تبليغ الأوراق القضائية إلى المحضر القضائي، فانه لم يعد ثمة أي مبرر، لوجود نص يقضي بإجرائه عن طريق البريد، أو بالطريق الإداري من طرف كتابة ضبط المحكمة، أو من طرف النيابة، وهي مسألة من المفروض أن تؤدي إلى الاستغناء عن مضمون المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، الأمر الملاحظ غيابه من خلال نصوص قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلقة بتبليغ مختلف الأوراق القضائية، وبذلك فليس ثمة ما يحول دون إجراء تبليغ هذه الأوراق من طرف المحضر القضائي عن طريق البريد المضمن، حال امتناع المبلغ له عن استلامها، طالما أن ذلك يعد بمثابة وسيلة لإتمام عمله وتسهيله عليه.

الفرع الثالث : بيانات التكليف بالحضور

على الرغم من أن نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية القديم، قد حدد البيانات الواجب توافرها في التكليف بالحضور للجلسة، وهي المتعلقة باسم ولقب ومهنة وموطن كل من الأطراف، وتاريخ إجراء التكليف بالحضور للجلسة، ورقم الموظف القائم بالتبليغ وتوقيعه، والمحكمة المختصة بالطلب، واليوم والساعة المحددة للمثول أمامها، وملخص الموضوع ومستندات الطلب، وإذا كان الأمر متعلقا بشخص معنوي تعين ذكر عنوانه ونوعه ومركزه الرئيسي، فان هذا النص لم يحدد الطرف الذي يتولى تحرير هذا المحضر.لكنه وعلى العكس من ذلك، فالمادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نصت على أن الجهة المختصة بتحرير محضر التكليف بالحضور للجلسة، هي المحضر القضائي، لذلك فما هي البيانات التي أوجبها قانون الإجراءات المدنية والإدارية لصحة هذا المحضر.

البند الأول : طالب التكليف بالحضور

لقد أوجب المشرع بمقتضى نص الفقرات 01 و3 و5 من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة للفقرات 2و3و4 من المادة 18والفقرتان 2 و3 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بأن يتضمن التكليف بالحضور اسم ولقب وموطن مقدم الطلب القضائي، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي يتعين الإشارة إلى تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي.
ويلاحظ بأن المشرع من خلال نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد استغنى عن بعض البيانات التي أوجب توافرها بالمادتين 13 و15 من قانون الإجراءات المدنية، وهي المتعلقة بمهنة طالب التكليف بالحضور للجلسة، وباسم ولقب وموطن وكيل مقدم الطلب القضائي، إن كان هذا الممثل هو الذي قام برفع الدعوى عوضا عن الموكل، وذلك على الرغم من دور هذا البيان في تحديد شخصية مقدم الطلب القضائي، لدى الشخص المراد تبليغه، ويتمكن نتيجة ذلك من التعرف على اسم ولقب ومهنة وموطن مقدمه، وما إذا كان قد قام برفع الدعوى باسمه ولفائدته، أم أنه قد أقامها باسم ولفائدة غيره، وعلى ضوء ذلك يتولى إعداد أوجه دفاعه في الدعوى.
أما فيما يتعلق بالجزاء المترتب عن خلو التكليف بالحضور للجلسة من هذا البيان، سواء في ظل نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، أو في ظل نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فهو البطلان، بما يفيد وأنه متعلق بالنظام العام، يجوز للقاضي إثارته ولو من تلقاء نفسه.

البند الثاني : وقت إجراء التكليف بالحضور

وفقا للفقرة الثانية من نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية أعلاه ، المقابلة للفقرة الأولى المشتركة بين المادتين 18 و19 والفقرة الثانية من المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه يتعين أن يذكر في محضر التبليغ ، تاريخ وساعة إجراء التبليغ الرسمي للعريضة الافتتاحية للدعوى بالحروف لا بالأرقام، بما يفيد ذكر اليوم والشهر والسنة والساعة الذي حصل فيه التبليغ، وكذلك ذكر تاريخ أول جلسة وساعة انعقادها.
مع الملاحظة بأن البيان المتعلق بتاريخ التبليغ، ينطوي على أهمية كبيرة، لاسيما فيما يتعلق بتحديد التاريخ الذي يبدأ منه احتساب المهلة القانونية الواردة بالمادة 26 من قانون الإجراءات المدنية المقابلة للمادة 16 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهي المحددة بالمادة 26 بمهلة 10 أيام وبالمادة 16 بمهلة 20 يوما على الأقل، تسري ابتداء من تاريخ تسليم التكليف بالحضور للجلسة إلى اليوم المحدد للحضور أمام المحكمة، و بدون احترامها فلا يعد محضر التكليف بالحضور للجلسة صحيحا، لما في ذلك من مساس بحقوق المدعى عليه في الدفاع.
يضاف إلى ذلك أن هذا التاريخ، قد يعتد به كذلك أيضا لبدء سريان مواعيد الطعن، عادية كانت أو غير عادية، إن كانت الورقة المبلغة حكما قضائيا لا محضر تكليف بالحضور للجلسة.
هذا وما دام محرر محضر التكليف بالحضور للجلسة هو المحضر القضائي، وهو قائم بوظيفة عمومية، فان ذلك يعني بأن هذا المحضر هو ورقة رسمية، و بدون احتوائها على التاريخ الذي حررت فيه، فإنها تفقد قيمتها القانونية كورقة رسمية.

البند الثالث : اسم المحضر القضائي والمحكمة التي يعمل بها

لقد اشترطت الفقرتان الثانية و الرابعة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية المقابلة للفقرة الأولى المشتركة بين المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ذكر المحضر القضائي الذي قام بإجراء التكليف بالحضور للجلسة، وعنوانه المهني وختمه وتوقيعه على أصل الورقة وعلى مختلف صورها ونسخها ، وهو التوقيع الذي يعطي لمحضر التكليف بالحضور للجلسة الصفة الرسمية.
ومع أن نص المادتين 18 و19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد أغفلا النص صراحة على ذكر المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، خلافا للفقرة الرابعة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي كانت توجب ذكر المحكمة المختصة بالطلب،فان هذه محددة بالعريضة الافتتاحية المبلغة، كما أن العنوان المهني للمحضر القضائي، من شأنه الكشف عما إذا كان هذا المحضر قد احترم قواعد الاختصاص الإقليمي ، أم تجاوزه للعمل لدى الأقاليم الجغرافية التابعة لجهات قضائية أخرى ، غير تلك التي يعمل بدائرة اختصاصها ، على اعتبار وأن نص المادة الثانية من القانون 91/03 المؤرخ في: 08/01/1991 ، المتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي، قد حدد اختصاصه الإقليمي بدائرة الاختصاص الإقليمي للجهة القضائية التابع لها، و إن تجاوز ذلك فالجزاء المترتب عنه هو بطلان ورقة التكليف بالحضور للجلسة.
هذا و يستثنى من تطبيق هذه القاعدة، حالات انتدابه لتقديم خدمات لدى المجالس القضائية الأخرى، في ضوء مقتضيات نص المادة 06 و ما يليها من نفس القانون، وهي الخدمات التي قد تنحصر في القيام بإجراء التكليف بالحضور للجلسة للأطراف عند انعقاد محكمة الجنايات، وذلك على مستوى الدائرة الجغرافية للمجلس القضائي الذي انتدب للعمل فيه، وكذلك الحال على مستوى الدائرة الجغرافية لمحاكم أخرى غير الدائرة الجغرافية للجهة القضائية التابع لها، إن لم يكن ثمة محضرون قضائيون يعملون بها ، مثلما هو عليه الحال لدى بعض محاكم الجنوب، وذلك إلى جانب أن المحضر القضائي، قد تلجأ المحكمة إلى انتدابه بموجب أمر على ذيل عريضة ، لإجراء التكليف بالحضور ضمن الدائرة الجغرافية التابعة لمحاكم أخرى ، عند قيام حالات التنافي المنصوص عليها بالمادة 16 من القانون 91/03 أعلاه ، لدى المحضرين القضائيين العاملين على مستوى الدائرة الجغرافية لهذه المحاكم.    

البند الرابع : المبلغ إليه

لقد أوجب نص الفقرة الثالثة من المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية ، ، اشتمال محضر التكليف بالحضور على اسم الشخص المطلوب تبليغه و لقبه و مهنته ومحل إقامته، مع ذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور، وان كانت الدعوى مرفوعة على شركة، تعين ذكر الاسم الكامل لها ونوعها ومقرها وذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور للجلسة.
أما لفقرات 2و3و4 من 18 والفقرات 3و3 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فإنها قد اقتصرت على ذكر البيانات المتعلقة باسم ولقب وموطن المدعى عليه، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي، يشار إلى تسميته وطبيعته ومقره الاجتماعي واسم ولقب وصفة الشخص المبلغ له.
وبغرض سد النقص الذي اعترى تطبيق نص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية، بخصوص الشخص المبلغ والاستلام والتوقيع، فان الفقرات 4 إلى 8 من المادة 19 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد ألزمت ذكر البيانات المتعلقة بتوقيع المبلغ له على محضر التكليف بالحضور للجلسة، وذكر الوثيقة التي تثبت هويته وبيان رقمها وتاريخ صدورها، إلى جانب ذكر تسليمه محضر التكليف بالحضور للجلسة مرفقا بنسخة من العريضة الافتتاحية للدعوى المؤشر عليها من أمين الضبط، مع الإشارة إلى رفضه استلام التكليف بالحضور للجلسة، أو رفضه التوقيع عليه، أو وضع بصته لاستحالة توقيعه عليه، أو استحالة تسليمه إياه والإشارة أيضا إلى تنبيهه بأنه وفي حالة عدم امتثاله للحضور، فان الحكم سيصدر ضده بناء على ما قدمه المدعي من عناصر في عريضة افتتاح دعواه.
 وتأسيسا على ذلك فان كانت الدعوى مرفوعة ضد شركة أو جمعية أو مؤسسة نقابية، أو هيئة عمومية، وبصرف النظر عما إذا كانت ذات طبيعة إدارية، أو ذات طبيعة صناعية وتجارية، فالأمر يتوقف عما إذا كانت تتمتع بشخصية اعتبارية أم لا ، فان كانت لها هذه الشخصية يمكن الاكتفاء بذكر اسمها وطبيعتها ومقرها الاجتماعي، إلى جانب ذكر اسم ولقب وصفة الشخص المبلغ له، وهي الصفة التي تمكن من التعرف عما إذا كان التبليغ قد حصل للنائب أو المفوض عنه، أي عن الوزير أو الوالي أو المدير أو المسير أو الرئيس أو غيرهم من الممثلين القانونيين لهذه الأشخاص الاعتبارية، مع ذكر مقرها الاجتماعي، متى كان هذا المقر ثابتا، وخلافا لذلك فان لم تكن تتمتع بتلك الشخصية الاعتبارية، تعين اشتمال الورقة على البيانات الخاصة بالهيئة التابعة لها، وعلى أقل تقدير ذكر البيانات المتعلقة بكل شريك أو عضو حسب الأحوال .  

البند الخامس : موضوع التبليغ

وفقا لنص المادة 13/05 من قانون الإجراءات المدنية، المقابلة للمادة 19/05 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه يتعين الإشارة إلى موضوع التبليغ في محضر التكليف بالحضور، أي فيما إذا كان متعلقا بعريضة افتتاح دعوى مدنية أو تجارية أو غيرها، أو أنه متعلقا بعريضة استئناف، أو عريضة إدخال في الخصام، أو تدخل فيه أو إعادة السير في الدعوى بعد الخبرة، أو بعد النقض أو الوفاة أو التحقيق أو الفصل في دعوى أخرى.

الفرع الرابع : كيفية التبليغ

إذا كنا قد أشرنا فيما تقدم، إلى أن الخصومة القضائية، لا تنعقد الا بإعلانها إلى الشخص المطلوب إعلانا صحيحا، فان هذا الإعلان يفترض فيه، أن يتم إلى هذا الأخير شخصيا في أي مكان يكون موجودا فيه، بشرط ألا يرتكب المحضر القضائي حال قيامه بذلك جريمة في سبيل الوصول إليه، كالدخول إلى منزله عنوة ، ومع كل ذلك فقد لا يتمكن من إيجاده، إما لكونه غير معروف بالمنطقة التي يتوطن بها، وإما لتشابه اسمه مع أسماء أخرى، وقد يكون السبب لعمله في مكان بعيد عن موطنه، أو لكثرة تنقلاته، أو لاختفائه عمدا وبسوء نية منه لمنع حصول التبليغ وانعقاد الخصومة، مما يؤدي إلى عدم قبول الدعوى المرفوعة في مواجهته، وهو بذلك يتمكن من ربح الوقت، مع تفويت الفرصة على صاحب الإعلان في الحصول على حكم بمطلوبه، وقد لا يكون شيئا من ذلك، بل أن موطنه قد أصبح غير معروف أصلا، ومن ثمة فهل يبقى البحث متواصلا عنه إلى غاية وجوده و تبليغه تبليغا شخصيا؟.
إن هذا الواقع من شأنه أن يعطل سير الخصومة، ويجعل انعقادها متوقفا على إرادة المطلوب إعلانه، كما أنه يعرقل السير الحسن للعدالة، لذلك نجد المشرع قد جاء بحلول قانونية للكيفية التي يتم بها التبليغ في جميع هذه الافتراضات.   

البند الأول : التبليغ لشخص المطلوب تبليغه

بالرجوع إلى نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية  المقابلة للمادة 408 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجد المشرع قد تضمن النص على حصول التبليغ للشخص المطلوب تبليغه شخصيا ، وهي الطريقة المثلى لحصول العلم القانوني لديه بالطلب القضائي المقدم في مواجهته، وهو تبليغ يعتد بصحته متى قبل الشخص المطلوب تسلم صورة التكليف بالحضور للجلسة ، المرفق بالعريضة الافتتاحية للدعوى ووقع على الأصل، بما يفيد استلامه لها، وذلك بصرف النظر عن المكان الذي حصل فيه التبليغ ، فيما إذا كان موطنه أو محل عمله، أو حتى في الطريق العام.
لكنه وعلى الرغم من أن إنتاج التبليغ لآثاره القانونية، يفرض على المحضر القضائي واجب التحقق من هوية الشخص المبلغ له، فيما إذا كان هو الشخص بالذات المطلوب تبليغه ام لا، فانه وفي ظل إغفال المشرع للنص على ذلك صراحة ، كما يظهر من خلال نص المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية، فان صحة التكليف بالحضور كان يتوقف على التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى: وهي التي يحصل فيها التبليغ للمطلوب إعلانه في موطنه، إذ أن المحضر القضائي قد يكتفي بالتصريح الصادر عن المبلغ له، بأنه هو المعني بالتكليف بالحضور شخصيا، فيتولى تسليمه الورقة المبلغة، والإشارة إلى تبليغه شخصيا، حتى لو كان المحضر القضائي لا يعرفه معرفة شخصية، فانه لم يكن يرى نفسه ملزما بالتثبت من هويته الكاملة، ومع ذلك فهي مسألة قليلا ما أدت إلى التأثير في صحة هذا النوع من التبليغات.
وتفسير ذلك يكمن في أن احتمال وجود شخص آخر غير الشخص المطلوب تبليغه هو احتمال ضعيف، وهو أمر لم يكن معه الشخص المبلغ معفيا من التوقيع على أصل الورقة المبلغة، وان امتنع عن الاستلام أو عن التوقيع أو صرح بأنه لا يحسن التوقيع، كان المحضر القضائي يكتفي بالتأشير بذلك على ذيل محضر التكليف بالحضور للجلسة، ثم يقوم بإرساله إليه عن طريق البريد المضمن، وفقا لمقتضيات المادة 24/02 من قانون الإجراءات المدنية.
الحالة الثانية: وهي التي يحصل فيها التبليغ خارج مقر إقامة الشخص المطلوب تبليغه، وهي التي لا يمكن للمحضر القضائي، أن يكتفي فيها بتصريح المبلغ له، بأنه هو المطلوب تبليغه شخصيا، بل أن التحقق من هويته الكاملة، هي مسألة تقع على مسؤولية المحضر القضائي، لأن الاحتمال في كون الشخص المصرح، ليس هو الشخص المطلوب تبليغه هو الراجح في مثل هذه الحالة.
ويبدو من خلال الرجوع لنص الفقرتين 3 و4 من المادة 19 و الفقرتين 5 و6 من المادة 407 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأن مثل هذا الالتباس لم يعد قائما، من حيث كونها قد جعلت صحة التبليغ في مثل هذه الحالة، يتوقف على ذكر اسم ولقب وموطن الشخص المبلغ له وتوقيعه أو وضعه بصمته على التبليغ، مع الإشارة إلى وثيقة إثبات هويته ورقمها وتاريخ صدورها، سواء تم التبليغ له في موطنه، أو أي مكان آخر غيره.

البند الثاني : التبليغ للموجود في موطن المطلوب تبليغه

إذا لم يتمكن المحضر القضائي من العثور على الشخص المطلوب تبليغه بالذات، فان تسليم التكليف بالحضور للجلسة، يصح إذا تم في شخص أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو إلى أي شخص آخر يقيم مع الشخص المطلوب تبليغه في نفس المنزل، وذلك إعمالا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، القريب من المادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي اعتدت بصحة التبليغ المجرى في الموطن الأصلي للمطلوب تبليغه، وهو تبليغ يعتد بصحته متى استوفى الشروط التالية:

أولا: إثبات غياب الشخص المطلوب تبليغه

أنه و تطبيقا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، والمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان التبليغ في الموطن الأصلي للمطلوب تبليغه، لا يكون صحيحا الا إذا أشار المحضر القضائي في محضر التكليف بالحضور للجلسة ، إلى غياب المطلوب تبليغه ومن تم استحالة التبليغ الرسمي شخصيا له، بما يعني و أن حصول التبليغ لأحد أفرد عائلته في ظل وجوده لا يعتد به، حتى عند رفضه الاستلام أو التوقيع.

ثانيا: تحديد العلاقة بين المبلغ والمطلوب تبليغه

يتعين على المحضر القضائي، أن يشير في محضر التكليف بالحضور للجلسة، إلى طبيعة العلاقة التي تربط الشخص الذي ترك له الورقة المبلغة بالشخص المراد تبليغه، فيما إذا كان خادما لديه كالطباخ والسائق والبستاني والكاتب والعامل وغيرهم ممن ذكروا حصرا سواء بالمادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، أو بالمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أو أنه مقيم معه بنفس المسكن، أو أنه بواب للعمارة التي يقيم بها المطلوب، أو أنه قريب له :كالأم والأخ والزوجة والابن والحفيد وغيرهم . 

ثالثا : حصول تسليم التكليف بالحضور في موطن المطلوب

تطبيقا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية، المقابل للمادة 410 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه لا يجوز تسليم التكليف بالحضور للجلسة للتابع وللمقيم بنفس المسكن، ولبواب العمارة، وللقريب في أي مكان، قياسا على المطلوب تبليغه شخصيا بل لا بد من تسليمهم التكليف بالحضور للجلسة، بالموطن الأصلي أو بالوطن المختار للشخص المطلوب تبليغه، لذلك فلا يصح تسليم التكليف بالحضور للجلسة، إلى الشخص المصرح على أنه مجرد صديق للمطلوب تبليغه،  أو أنه جار له أو انه قريب له وغير المقيم معه.

رابعا: حصول التبليغ لمن يتمتع بالأهلية

على الرغم من أن نص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية ، لم يتضمن النص على أي شرط، بخصوص سن الأشخاص المخول لهم قانونا استلام محضر التكليف بالحضور للجلسة، بدلا من الشخص المطلوب تبليغه شخصيا، فان هذا الإغفال كثيرا ما استغله المحضرون القضائيون، في إجراء التبليغ لمن لا يتمتع حتى بسن التمييز في بعض الأحيان، على الرغم من أن القواعد العامة لاسيما تلك المنصوص عليها بالمادتين 42 و 43 من القانون المدنية، تفرض في أن يكون الشخص المؤهل لاستلام ورقة التكليف بالحضور للجلسة مميزا على الأقل، أي أنه قد بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة.
ومع ذلك فان مثل هذا الإشكال لم يعد قائما، في ظل سريان نص المادة 410/02 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي نصت صراحة على أن الشخص الذي يتلقى التبليغ ، يجب أن يكون متمتعا بالأهلية تحت طائلة بطلان التكليف بالحضور للجلسة.

خامسا : انعدام التعارض بين مصلحة المطلوب تبليغه ومصلحة المخاطب

قد يحصل أن تكون مصلحة طالب التبليغ، متعارضة مع مصلحة الشخص المطلوب تبليغه، وهي مسألة وعلى الرغم من إغفال المشرع لها في قانون الإجراءات المدنية، وكذلك الحال في قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فانه لا يجوز مع وجودها إجراء عملية التبليغ لهذا الشخص، ومن ذلك أن الدعوى التي يرفعها الزوج على زوجته، أو الدعوى التي ترفعها هذه على زوجها، أو تلك المرفوعة من الأب أو الأم ضد الابن أو البنت، أو التي ترفع من الأبناء ضد الأصول، وكذلك الحال بالنسبة لجميع الدعاوى المرفوعة بين الأقارب والأصهار المقيمين معا، لا يجوز تسليم ورقة التكليف المراد تبليغها للمدعى عليه إلى المدعي نفسه، لمجرد أنه من الأقارب الساكنين مع المدعى عليه، بل يتعين تسليمها إما إلى المدعى عليه نفسه، وإما إلى احد الأشخاص الآخرين، الذين أجاز القانون تبليغهم عدا المدعي، وذلك لوجود مصلحة متعارضة بين المدعي والمدعى عليه، فلا يطمئن معها على قيام الخصم بتسليم الورقة المبلغة لخصمه.

سادسا : قبول المخاطب استلام الورقة المبلغة

يشترط في صحة التبليغ لغير الشخص المطلوب تبليغه، أن يقبل الشخص المبلغ استلام نسخة الورقة المبلغة، وأن يوقع أو يضع بصمته على الأصل عند استحالة توقيعه بما يفيد ذلك الاستلام، فان امتنع المبلغ عن استلام الورقة المبلغة، أو رفض التوقيع أو وضع بصمته على الأصل، أن التبليغ لا يتم صحيحا، إلا باستيفاء إجراءات التعليق على النحو الوارد أدناه.

البند الثالث : التبليغ للنيابة أو للبلدية

وفقا لأحكام  المادتين 412 و414 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، يصح  إجراء التبليغ عن طريق النيابة العامة والبلدية في حالات:

أولا: التبليغ لمن لا موطن له

نصت المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،  على أنه (إذ كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا  لا يملك موطنا معروفا يحرر المحضر القضائي محضرا يضمنه الإجراءات التي قام بها ويتم التبليغ الرسمي بتعليق نسخة منه بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة ومقر البلدية التي كان له بها آخر موطن )، ولصحة  التبليغ بهذا الطريق يجب أن تتوفر ثلاثة شروط:
أ) أن يكون موطن المطلوب غير معروف
إذا كان موطن الشخص المراد تبليغه غير معروف، يجب أن يثبت طالب التبليغ أنه قام بالتحريات الكافية، التي تلزم كل متقصي حسن النية بالبحث عن موطن المطلوب تبليغه ورغم ذلك التقصي فانه لم يتمكن من معرفة موطنه، لذلك فلا يكفي أن يتوجه المحضر القضائي إلى الموطن  المذكور في الورقة المراد تبليغها، وحينما يجده الشخص المطلوب قد ترك  موطنه ولا يعرف من جيرانه موطنه الجديد يتوقف عن البحث ، بل  يتعين  التأكد أيضا  عما إذا كان موطن عمله  معروفا ، أو أن له أصدقاء يعرفون موطنه، أو أنهم  مشتركين  معه في أي نشاط، أو أنه عضو في جمعية أو نقابة  معينة، ومن شأنها أن توصل المحضر القضائي إليه لتبليغه، فان قام بذلك ولم يتوصل إلى التعرف على موطن  المطلوب تبليغه، حرر محضرا بذلك فان التبليغ في هذه  الحالة يتم إلى النيابة العامة لإجراء التبليغ بلوحة الإعلانات بمقر المحكمة وبمقر البلدية التي كان له آخر  موطن بها .
وتأسيسا  على ذلك فان كان للشخص المطلوب تبليغه موطنا خاصا أو مختارا معلوما  يصح التبليغ الرسمي إليه، ولا يعد في حكم من لا موطن له ، ولا يصح تبليغه وفقا لمقتضيات المادة 412/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
ب) أن تشتمل الورقة على آخر موطن معلوم
يشترط  لصحة التبليغ عن طريق النيابة العامة ، أن تشتمل الورقة محل التبليغ على أخر موطن معلوم للشخص المراد تبليغه ، وتكمن العلة من هذا الشرط في مساعدة النيابة العامة، والبلدية على إمكانية الوصول إلى  المبلغ  إليه ، إلى جانب أن اشتمال الورقة على هذا الموطن، يشكل في حد ذاته  دليلا على أن طالب التبليغ، قد سعى جديا إلى التعرف على موطن الشخص المراد تبليغه وذلك من خلال آخر خبر عنه .
ج ) تسليم نسخة الورقة للنيابة أو للبلدية
لا يصح التبليغ إعمالا لهذا النص، بإثبات المحضر القضائي في الورقة المراد تبليغها،  أنه لم يستدل على الشخص المطلوب تبليغه ، بل يتعين تسليم نسخة من الورقة المراد تبليغها إلى النيابة العامة والى البلدية، حتى يعتبر التبليغ قد تم صحيحا، على اعتبار وأن مهمة النيابة العامة أو البلدية، لا تقتصر على مجرد تلقي الورقة ، بل عليها أن تسعى لتعليقها، لأن ذلك يؤدي إلى إحاطة علم الشخص المراد تبليغه بها.
ومن البديهي فان التسليم يصح للنيابة وللبلدية التي يقع بدائرة اختصاصهما آخر موطن معلوم للشخص المراد تبليغه ، وباستيفاء  التبليغ الرسمي لتلك الإجراءات كان صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية منذ تاريخ تسليم نسخة منه إلى النيابة العامة وللبلدية، وبذلك فلا تتوقف صحته  على وصول الورقة المراد تبليغها إلى الشخص المطلوب، ولا يتوقف ترتيبه لآثاره القانونية من يوم علمه بها.
ولعل الحكمة من ذلك، تكمن في عدم الإضرار بطالب التبليغ، من جهله لموطن خصمه،لأن مثل هذا الخصم غالبا ما يعتمد وبسوء نية منه على إخفاء موطنه الحقيقي، رغبة منه في الكيد بطالب التبليغ.

ثانيا: التبليغ لرافض الاستلام أو التوقيع

نصت المادة 412/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه:(إذا  رفض الأشخاص الذين لهم صفة تلقي التبليغ الرسمي استلام محضر البليغ تطبيق أحكام الفقرة الأولى أعلاه ، وعلاوة على  ذلك يرسل التبليغ الرسمي برسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام إلى لآخر موطن له ..) .
وبمقتضى هذا النص فان إجراء التبليغ، لمن له الصفة في استلام التبليغ، لا يعد صحيحا إذا رفض الاستلام، بل أن صحة التبليغ تتوقف على إجرائه  للنيابة العامة وللبلدية، بغرض التعليق بلوحة  الإعلانات بمقر المحكمة وبمقر البلدية، التي بها  موطن الشخص الذي رفض الاستلام، وذلك إلى جانب إرسال التبليغ عن طريق رسالة مضمنة الوصول  مع الإشعار بالاستلام  لموطن المطلوب تبليغه
ووفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالإرسال المضمون والتعليق،  يثبت بختم إدارة البريد، أو تأشيرة رئيس المجلس الشعبي البلدي  أو تأشيرة أي موظف مؤهل لذلك، أو تأشيرة رئيس أمناء الضبط حسب الحالة.

ثالثا: التبليغ عن طريق النشر في جريدة يومية وطنية

نصت المادة 412/4 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه (وإذا كانت قيمة الالتزام تتجاوز 500.000دج، يجب أن ينشر مضمون عقد التبليغ الرسمي في جريدة يومية وطنية بإذن من رئيس المحكمة ، التي يقع فيها مكان التبليغ وعلى نفقة طالبه).
وتأسيسا على ذلك فالتبليغ لمن لا موطن له، أو لمن له الصفة في تلقي التبليغ ورفض استلامه، فلا يكفي لصحته إجراء التعليق، أو إجراء التعليق والإرسال بالبريد المضمن، متى كانت قيمة الالتزام تتجاوز 500.00دج ، بل يحتاج إلى النشر في جريدة يومية وطنية ، والعلة في ذلك تكمن في الحرص على زيادة فرصة العلم لدى المطلوب بالورقة المبلغة.
وبحكم الفقرة الخامسة من المادة 412 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان آجال  التبليغ  في جميع هذه الأحوال، تسرى من تاريخ آخر إجراء حصل وفقا لطريقة  من تلك الطرق، وباستيفاء التبليغ  لتلك الإجراءات، يأخذ حكم التبليغ الشخصي، وينتج بذلك كافة آثاره القانونية .

رابعا : التبليغ لمن لهم موطن في الخارج

نصت  المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه: (يتم تبليغ  الشخص الذي له موطن  في الخارج وفقا للإجراءات  المنصوص عليها في الاتفاقيات القضائية ) ، فيما نصت المادة 415 من نفس القانون على أنه: (في حالة عدم وجود اتفاقية قضائية يتم إرسال التبليغ بالطرق الدبلوماسية).
وباستقراء نص المادتين 414 و415 من هذا القانون، نجد وأن المشرع قد ميز بين حالتين:
أ) حالة وجود اتفاقية قضائية :
إذا كان البلد الذي يتوطن به الشخص المراد تبليغه، مرتبط مع الجزائر باتفاقية قضائية،فان التبليغ له يتم وفقا للإجراءات التي حددتها هذه الاتفاقية.
وعمالا لنص المادة 09 من اتفاقية التعاون القضائي المتبادل في الشؤون المدنية والتجارية الموقعة بين الجزائر وبلجيكا بتاريخ 12/06/1970 المصادق عليها من الجزائر بموجب الأمر رقم 70/60 المؤرخ في 08/10/1970، فان تبليغ العقود القضائية وغير القضائية المتعلقة بالمسائل المدنية والتجارية المحررة في إحدى الدولتين والمخصصة لأشخاص مقيمين في تراب الدولة الأخرى، توجه مباشرة من وزارة العدل إلى وزارة العدل، وهو طريق غير دبلوماسي.
ب) حالة عدم وجود اتفاقية قضائية
إذا كان البلد الذي يتوطن به الشخص المراد تبليغه، غير مرتبط مع الجزائر باتفاقية قضائية ، تعين إرسال التبليغ في مثل هذه  الحال بالطرق الدبلوماسية ، وهو أمر يحتاج  إلى ترجمة الورقة المراد تبليغها، إلى لغة البلد الذي  يتوطن به الشخص المراد تبليغه بواسطة  مترجم معتمد، ثم القيام بإجراءات التبليغ  عن طريق النيابة العامة، التي تتولى توجيهه إلى وزارة العدل، التي تتولى بدورها  توجيهه  إلى وزارة الخارجية ، لتعمل هذه على تبليغه  لوزارة الخارجية لبلد إقامة الشخص المطلوب، فوزارة العدل لدى هذا البلد، لتعمل بدورها على إرساله للنيابة حيث مقر الإقامة لإجراء التبليغ وإعادته  بنفس الطريق.
لكنه ومع ذلك فالتساؤل يبقى قائما، حول الوقت الذي يعتبر فيه التبليغ منتجا لآثاره القانونية، فيما إذا كان هو وقت تسليم التبليغ  للنيابة العامة، أو وقت تسليم  نسخة منه إلى الشخص المراد تبليغه ، أو الوقت  الذي  امتنع  فيه عن الإستيلام .
للإجابة على هذا التساؤل، كان القضاء المقارن في مصر، يذهب إلى اعتبار التبليغ تاما ومنتجا لآثاره القانونية، منذ تسليم نسخة  عن التبليغ إلى النيابة العامة ، على أساس أن المحضر القضائي لا ولاية له خارج البلاد ، وأن الإجراءات التي يتم بها تسليم  نسخة  التبليغ  في الخارج، لا سبيل  للطعن فيها ، ولا لمساءلة  القائمين بها أمام القضاء المصري، لذلك فلا يصح تحميل طالب  التبليغ، مخاطر عدم القيام بالتبليغ أو التأخير فيه.
و إذا كان هذا الحل قد يحقق مصلحة طالب التبليغ، فانه لا يؤخذ  بعين الاعتبار إذا كان التبليغ يجرى به  ميعاد معين في حق المبلغ له ، مما يفوت عنه فرصة ممارسة طرق الطعن في مواعيدها ودون أن يصدر عنه أي خطأ.
لذلك وبغرض التوفيق بين المصالح المتعارضة للطرفين، كان على المشرع أن يتدخل لاعتبار التبليغ منتجا لآثاره القانونية، منذ تسليم  نسخة منه إلى  النيابة العامة، ما لم يكن مما يبدأ منه ميعاد في حق الشخص المطلوب تبليغه ، ولا يبدأ الميعاد حينها إلا من تاريخ تسليم نسخة منه إلى المبلغ إليه في الخارج ، أو من تاريخ  توقيعه على إيصال  علم الوصول أو من تاريخ امتناعه عن استلام  النسخة أو التوقيع  على أصلها بالاستلام ، على غرار ما ذهبت إليه بعض التشريعات المقارنة ، لاسيما نص القانون المصري رقم 23 لسنة 1992 المتضمن تعديل المادة 13 من قانون المرافعات المصري) .
ويعني هذا التدخل أن المشرع يأخذ  بالعلم الحكمي للشخص المطلوب تبليغه، جراء ترتيبه لسريان آثار التبليغ من وقت تسليم  نسخة  التبليغ إلى النيابة العامة، فيما يتعلق بتبليغ الأوراق التي لا يسري بها ميعاد، أما فيما  يتعلق بتبليغ الأوراق التي  تسري بها المواعيد، كميعاد معارضة أو استئناف أو طعن بالنقض ، فلا يعتد فيها بالعلم الحكمي، بل يشترط العلم الحقيقي بالورقة المبلغة، لذلك لا يعد التبليغ مرتبا لآثاره القانونية، إلا من تاريخ استلام الشخص المطلوب تبليغه للورقة أو من تاريخ امتناعه عن استلامها .

البند الخامس : التبليغ للمسئولين عن بعض الأشخاص

ثمة أشخاص لهم ظروف خاصة، عادة ما تحول دون المحضر القضائي في الوصول إليهم، والقيام بتبليغهم وتسليمهم نسخة من الورقة  المراد تبليغها ، وفضلا عن ذلك فتواجدهم في موطنهم الأصلي لا يكون إلا نادرا ، وهي أحوال تنطبق على عناصر  الجيش  أو بعض عناصر الأمن ، والمساجين والعاملين بالسفن  التجارية ، لذلك  نجد المشرع قد تدخل بمقتضى نص  المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لتحديد الطريقة التي يتم بواسطتها تبليغ البعض من هؤلاء ، فيما أهمل النص على الكيفية التي يتم بواسطتها تبليغ البعض الأخر منهم .

أولا: تبليغ المساجين

نصت المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه (إذا كان الشخص المطلوب تبليغه رسميا محبوسا يكون هذا التبليغ صحيحا إذا تم بمكان حبسه) .
ولم ينفرد التشريع الجزائري بالنص على هذه الطريقة وحده، بل أن المشرع المصري بدوره نص عليها بالمادة 13/7 من قانون المرافعات.
ولعل العلة في تبليغ السجين بمكان حبسه، ترجع لاعتبارات عدة تتمثل في كون دواعي  النظام والأمن في السجون، تفرض عدم  الاتصال به شخصيا، لذلك يتعذر على المحضر القضائي تسليمه نسخة من  الورقة  المبلغة بصفة شخصية ، فضلا عن كون السجين لا يتواجد وأمام هذه الوضعية في موطنه الأصلي أو المختار، لذلك لا يكون مقبولا تبليغه فيه ونتيجة ذلك نص المشرع على أن تبليغ السجين، يتحقق بتسليم الورقة المراد تبليغها إلى مأمور السجن، والذي يتعين عليه تسليمها للسجين والحصول على توقيعه باستلامه لها .
أما بالنسبة للوقت الذي ينتج فيه هذا التبليغ آثاره القانونية، فهو الوقت الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة لمأمور السجن، بصرف النظر عن القيام بتسليمها للسجين من عدمه وبصرف النظر أيضا عن الوقت الذي تم فيه ذلك التسليم ، بما يفيد وأن المشرع  يكون قد اكتفى هنا بالعلم الحكمي لا بالعلم اليقيني، ومع ذلك فهي مسألة تبقى مبررة بالنظر إلى صعوبة التحكم في عملية توصيل الورقة المبلغة داخل السجن، بحيث لا يملك المبلغ مكنه التأثير فيها ، وفضلا عن ذلك فمأمور السجن مسئول بحكم القانون عن تسليم الورقة  المبلغة إلى  السجين في أقرب وقت ممكن.

ثانيا : تبليغ  العسكريين وشبه العسكريين

لم ينظم  المشرع الكيفية التي يتم بها إجراء التبليغ الرسمي للعسكريين، خلافا لما هو عليه الحال في التشريعات المقارنة، التي اعتنت بوضع نصوص  لتنظيم هذه المسألة ، كالمادة 13/6 من قانون المرافعات المصري ، التي نصت  على أن تبليغ أفراد  القوات المسلحة ومن في حكمهم، يتم عن طريق تسليم صورة للورقة المبلغة من طرف النيابة العامة إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، وتكمن العلة في تبليغ أفراد الجيش بهذه الطريقة في مقتضيات الوظيفة، التي  تفرض عليهم الارتباط بأماكن العمل، والتواجد فيها بحكم الانضباط  العسكري، وهي في معظمها أماكن نائية،  قد لا يكون من المتيسر على المحضر القضائي الوصول إليها.
 فضلا عن حالة السرية التي يتطلبها العمل العسكري ، والتي لا تسمح  للمحضر القضائي الاتصال بالشخص  المراد تبليغه شخصيا ، لذلك قرر المشرع تسليم الورقة المبلغة من طرف المحضر القضائي إلى النيابة العامة، لتتولى هذه بدورها تسليمها إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة التي تفرض قيامها بتسليمها للشخص المراد تبليغه .
ويخضع لهذه الأحكام أفراد القوات المسلحة، ومن في حكمهم من ضباط وجنود بصرف النظر عما إذا كانوا  في خدمة دائمة أو مؤقتة ، أكانوا مجندين أو مستدعيين للاحتياط ، كما يخضع لها الموظفون التابعون للمصالح  العسكرية  ولو كانوا مدنيين ، وهي أحكام لا تخضع لها عناصر الشرطة ، لذلك فالتبليغ للعسكريين وشبه العسكريين،  لا يصح أن يتم  لشخصهم أو في موطنهم أو لجهة  الإدارة  تحت طائلة بطلانه ، بل يجب أن يتم بالطريقة التي حددها القانون .
أما بالنسبة للتاريخ الذي ينتج فيه هذا التبليغ آثاره القانونية ، فليس هو التاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة من المحضر القضائي إلى النيابة العامة ،بل التاريخ الذي تم فيه قيام النيابة العامة بتسليم تلك الورقة  إلى الإدارة  القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، وذلك بصرف النظر عما إذا قامت هذه  بتسليمها للمبلغ له أم لا ( وذلك خلافا لما ذهب إليه الدكتور أحمد أو الوفاء ، حيث رأى أن  الإعلان لا يسري في حق المعلن إليه إلا بتسليمه صورة  الإعلان ، أو امتناعه عن استلامها لأن الإدارة القضائية  المختصة بالقوات المسلحة، إنما هي سلطة تتولى إتمام عمل المحضر القضائي، ولا تعد نائبة عن الشخص المراد تبليغه.
وثمة من ذهب إلى تأييد  هذا الرأي، بدعوى وأن الاعتداد بالتاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة إلى الإدارة القضائية المختصة بالقوات المسلحة ، قد يترتب عنه عدم وصول الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه ، وحتى في الحالة العكسية فقد تصل  إليه متأخرة  مما يضر بمصالحه ، لذلك  نادى هذا الاتجاه  الفقهي بضرورة الرجوع إلى تطبيق  القواعد العامة في التبليغ الرسمي ، التي تلزم بتسليم الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه شخصيا، أو تسليمها  بموطنه ، وقد اعتمد هذا الاتجاه في تأييد رأيه بالعمل القضائي الذي شهد بأن اللجوء إلى هذا الطريق المخصوص، قد اتخذ في بعض الأحيان للعبث بالإجراءات وترتب عليه الفصل في الدعوى.
وفي ظل غياب أي نص صريح لتنظيم طريقة تبليغ العسكريين ، ومن في حكمهم سواء في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم، أو في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، فقد درج العمل على تبليغهم في شخص  قادة وحداتهم ، أو إلى موطنهم في شخص الساكنين معهم من الأقارب أو البوابين أو التابعين ، وفي جميع  الأحوال فهو تبليغ يبقى حكميا وليس يقينا ، وكثيرا ما لا تعتد به الجهات القضائية، بما يعني عدم إنتاجه لآثاره القانونية، مما يعرض الدعاوى لعدم القبول ، وهو وضع يستدعي استدراكه بموجب نص تعديلي لا حق ، يحدد الطريقة التي يتم بها تبليغ العسكريين وسبه العسكريين

ثالثا : تبليغ العاملين بالسفن التجارية

لم  يلتفت المشرع في الجزائر كذلك أيضا، إلى تنظيم هذه المسألة، لا في قانون الإجراءات المدنية، ولا في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في بعض التشريعات المقارنة ، حيث المادة 13/8 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، نصت على أن تسليم صورة الورقة المبلغة بالنسبة لبحارة السفن التجارية أو العاملين بها يجب أن يتم للربان.
ولعل الحكمة من وضع هذا النص، تكمن في عدم جدوى التبليغ بالنسبة لهؤلاء في موطنهم في غالب الأحيان كما أن طبيعة الوظيفة التي يمارسونها  تقتضي عدم الإخلال بنظام العمل التناوبي لديهم ، الأمر الذي يؤثر في عمل المحضر القضائي بتسليم نسخة من الورقة المبلغة شخصيا إلى الشخص المراد تبليغه  أثناء عمله بالسفينة ، إلى جانب أن التبليغ عن طريق الربان، قد يضمن وصول الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه، ولو كان قد غادر السفينة بالميناء ولا يطبق هذا النص في التشريع المصري، إلا على البحارة والعاملين  بالسفن التجارية الراسية بالموانئ المصرية.
 أما إذا كانت السفن راسية في موانئ أجنبية، فان التبليغ في هذه الحالة يخضع للطريقة التي يتم بها تبليغ الأشخاص الذين لهم موطن معلوم في الخارج، أي تسليم الورقة إلى النيابة العامة للعمل على تبليغها بالطريق الدبلوماسي.
وتطبيقا لهذا النص فالتبليغ يسلم للربان، الذي يفترض فيه توصيل الورقة المبلغة إلى المبلغ إليه، وينتج التبليغ أثاره القانونية في  هذه الحالة من تاريخ تسليم الورقة  المبلغة إلى الربان بصرف النظر عما إذا قام بتسليمها إلى المبلغ إليه، وبصرف النظر عن التاريخ الذي قام فيه بذلك التسليم .
لذلك  فان لم يجد المحضر القضائي الربان ، أو من ينوب عنه بالسفينة أو أنه قد امتنع عن استلام الورقة المبلغة  أو رفض التوقيع  على الأصل، قام المحضر  القضائي بإثبات ذلك في حينه على الأصل والنسخة ، وتسليم هذه الأخيرة إلى النيابة العامة وعند ئد يعتبر  التبليغ قد تم صحيحا.
وفي ظل غياب نص  مماثل في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالنسبة  لهؤلاء ، يتعين إعمال القواعد العامة المنصوص عليها في المواد 408 و410 و411 و412/2 من هذا القانون، المتعلقة بإجراء التبليغ لهم في موطنهم الأصلي، في شخص أحد أفراد العائلة المقيمين معهم أو في موطنهم المختار ، و إذا تم رفض الاستلام أو التوقيع ، تم تدوين ذلك  بالمحضر، فالقيام بإجراءات التعليق عن طريق النيابة والبلدية، ثم ترسل نسخة منه عن طريق البريد المضمن مع الإشعار بالإستيلام ، ويعتبر هذا التبليغ بمثابة التبليغ الشخصي، ويرتب آثاره القانونية ابتداء من تاريخ  ختم البريد

البند السادس : تبليغ الأشخاص الاعتبارية

نصت المادة 408 /01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه : ( يعتبر التبليغ الرسمي إلى الشخص المعنوي شخصيا ، إذا سلم محضر التبليغ إلى ممثله القانوني أو الإتفاقي أو لأي شخص تم تعيينه لهذا الغرض )، فيما نصت المادة 408/2 من نفس القانون على أنه : ( يتم التبليغ الرسمي ، الموجه إلى الإدارات والجماعات الإقليمية  والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية إلى الممثل المعين لهذا الغرض وبمقرها )، ونصت المادة 408 /3 من نفس القانون على أن:( يتم التبليغ الرسمي، الموجه إلى شخص معنوي في حالة تصفية إلى المصفي ).
وباستقراء هذه النصوص، يتضح وأن المشرع على وجه الإجمال يكون قد فرق بين حالتين الأولى تتعلق بالأشخاص الاعتبارية الخاصة، والثانية تتعلق بالأشخاص الاعتبارية العامة.

أولا: التبليغ الرسمي للأشخاص الاعتبارية الخاصة

يقصد بالأِشخاص الاعتبارية الخاصة الشركات المدنية والتجارية،  بما فيها المؤسسات العمومية ذات الصبغة التجارية أو الصناعية ، إلى جانب الجمعيات والمؤسسات الخاصة.
و إعمالا لنص المادة 408/1 من هذا القانون ، فالتبليغ الرسمي يتم صحيحا إذا تم للممثل القانوني أو الإتفاقي، أو إلى المصفي للشخص الاعتباري ، إن كان في حالة تصفية ، وقد يتم بالإضافة إلى ذلك، إلى أي شخص يكون  الشخص الاعتباري قد عينه لهذا الغرض ، لاسيما إذا كان هذا الشخص وكيلا ، فان التبليغ الذي يجرى يكون  صحيحا وينتج آثاره القانونية من يوم استلامه الورقة المبلغة بمقر الشخص الاعتباري أو مقر المصفي أو الوكيل حسب الحالة .
ويلاحظ بأن نص المادة 408 من هذا القانون، لم يفرق بين الشخص الاعتباري الوطني  والأجنبي، لذلك وفي ضوء وجود المقر الرئيسي لهذا الأخير بالخارج، فالتبليغ يعد صحيحا إذا تم لفرع من فروعه بالجزائر.

ثانيا : التبليغ الرسمي للأشخاص الاعتبارية العامة 

يقصد بالأشخاص الاعتبارية العامة الدولة أي الوزارات، ومختلف الهيئات الإدارية المركزية والولايات والبلديات ومختلف المؤسسات العمومية، ذات الصبغة الإدارية.
وبمقتضى نص المادة 408/2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فان التبليغ الرسمي لهذه الأشخاص الاعتبارية، يكون صحيحا  إذا سلمت نسخة منه إلى الممثل المعين لهذ الغرض بمقرها، بما يفيد وأنه قد لا يكون هو الممثل القانوني لها، بل أي موظف قد تم تعيينه لهذا الغرض.
وفي ضوء عدم إشارة هذا النص إلى الكيفية التي يتم بها إتمام التبليغ الرسمي ، في حالة رفض ممثل الشخص الاعتباري استلام التبليغ أو التأشير على الأصل ، فانه يكون قد افترض حصول التبليغ بالتاريخ الذي تم فيه تسليم الورقة المبلغة، إلى ممثل الشخص الاعتباري بصرف النظر عن استلامه أو عدم استلامه  للورقة  المبلغة، أو رفضه التوقيع أو التأشير على الأصل.
google-playkhamsatmostaqltradent