عوارض الخصومة

عوارض الخصومة

عوارض الخصومة
ليست عوارض الخصومة، سوى عوامل أو أحداث قد تعوق الخصومة عن السير الطبيعي لها، فتؤدي الى وقفها أو انقطاعها بغير حكم في موضوعها، مع أن الأصل هو تتابع إجراءاتها وسيرها من جلسة لأخرى إلى غاية الفصل فيها ، لذلك فان تلك العوامل أو الأحداث المؤدية إلى وقف سير الخصومة أو انقضائها من دون الحكم في موضوعها، هي التي يسميها القانون (عوارض الخصومة)، وهي  بحكم ذلك إما أن تؤدي فقط إلى منع سيرها، وتسمى في هذه الحالة العوارض المانعة من سير الخصومة، و إما أن تؤدي إلى انقضائها وهي التي تسمى بالعوارض المنهية للخصومة

المطلب الأول : العوارض المانعة للخصومة

ثمة عارضان يمنعان سير الخصومة، و إصدار حكم في موضوعها هما: وقف سير الخصومة وانقطاعها

الفرع الأول : وقف سير الخصومة

يقتضي الإلمام  بهذا العارض من عوارض الخصومة التعرض إلى تعريفه وتمييزه عن الأسباب الأخرى المشابهة له وبيان أنواعه.

البند الأول : تعريف وقف سير الخصومة وتميزه عن الأسباب المشابهة له

أولا: تعريف وقف سير الخصومة

عرفت المادة 213 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وقف الخصومة بالقول: (توقف الخصومة بإرجاء الفصل فيها أو شطبها من الجدول)، وبحسبه فوقف الخصومة  يقصد به إرجاء الفصل فيها أو شطبها  من الجدول.
أما المقصود بوقف سير الخصومة في الفقه فهو:( عدم السير فيها خلال فترة زمنية غير محددة لسبب أجنبي  عن المركز القانوني لأطرافها يستوجب أو يجيز الوقف ).

ثانيا : تمييز وقف سير الخصومة عن الأسباب المشابهة له

ثمة سببان مشابهان لوقف سير الخصومة، هما: التاجيل والانقطاع:
أ) تمييز وقف سير الخصومة عن التاجيل
لا يتميز وقف سير الخصومة عن تأجيلها، لأن كلا منهما  مبني على أسباب مؤدية  إلى تعطيل الفصل في موضوع الدعوى، ومع ذلك فوقف سير الخصومة  يختلف عن تأجيلها من عدة أوجه :
الأول : يتعلق بتحديد تاريخ الجلسة
يقتضي قرار المحكمة بتأجيل النظر في الدعوى، تحديد التاريخ الذي أجلت إليه القضية، وذلك خلافا لوقف سير الخصومة، فلا يتم تحديد أي تاريخ للوقف، مما يتعذر معه تحديد أو معرفة تاريخ الجلسة، الذي يستأنف فيه السير في القضية.
الثاني : يتعلق بأسباب التأجيل أو الوقف
يحتاج تأجيل القضية إلى وجود أسباب تقتضيها ظروف القضية في حد ذاتها، وهي بذلك تتعدد بتعدد القضايا، وذلك خلافا لوقف الخصومة، فانه لا يتم إلا لأسباب معينة واردة حصرا في القانون.
ب) تمييز وقف سير الخصومة عن انقطاعها
يتميز وقف سير الخصومة عن انقطاعها من زاويتين :
الأولى : تتعلق بسبب الوقف أو الإنقطاع
يرجع وقف سير الخصومة إلى سبب أجنبي عن المركز القانوني لأطرافها، كاتفاقهم أو تخلف أحدهم عن القيام بإجراء معين، فيما أن سبب انقطاع الخصومة، يرجع إلى المركز القانوني لأحد الأطراف، كالوفاة أو فقد الأهلية لأي عارض من عوارضها.
الثانية : تتعلق بركود الخصومة
يتميز كلا من وقف الخصومة أو انقطاعها بدخولها في حالة ركود ، يستبعد معه  القيام بأي نشاط خلال  فترة الوقف أو الإنقطاع، ومع أنها تظل قائمة ومرتبة لآثارها القانونية، فإنها تختلف عن باقي العوارض الأخرى  المؤدية  إلى زوال الخصومة، كما هو عليه الحال بالنسبة للتنازل أي الترك أو السقوط .

البند الثاني : أنواع الوقف

على الرغم من أن القانون هو المصدر الوحيد، الذي يحدد الحالات التي تؤدي إلى وقف الخصومة، غير أن من هذه الحالات ما يرجع لطلب الخصوم، ومنها ما تم النص عليه في القانون، وهي في الحالتين تؤدي إلى الوقف بمجرد  توافرها، ومنها  ما تأمر به المحكمة، وبذلك فوقف الخصومة إما أن يكون قانونيا أو قضائيا أو اتفاقيا.

أولا : الوقف القانوني

على الرغم من أن المادة 214 من قانون الإجراءات المدنية، نصj على أن: ( يؤمر بارجاء الفصل في الخصومة بناء على طلب  الخصوم، ماعدا الحالات المنصوص عليها في القانون)، فانه لم يقدم لنا أي تعريف للوقف القانوني ، وذلك رغم اشارته  الى أن مصدر الوقف هنا يكون قانونيا ، وهو الأمر الذي يفهم من عبارة (ماعدا الحالات المنصوص عليها في القانون).
أما الفقه فيرى بأن المقصود من الوقف القانوني، ما هو إلا عبارة عن: (حالات تقف فيها الخصومة بمجرد توافر أسباب معينة، ودون حاجة إلى صدور قرار من المحكمة بالوقف).
وترتيبا  على ذلك فلو دعت  الحاجة العملية إلى صدور قرار من المحكمة بالوقف، فانه يكون في مثل هذه الحالة تقريرا للوقف  وليس منشئا له، الأمر الذي يترتب عنه وقف الخصومة مند قيام سبب الوقف القانوني، لا من وقت صدور الحكم المقرر له .
ومن أهم الأمثلة  التي يمكن الرجوع إليها بخصوص الوقف القانوني، ما نصت عليه المادة 245 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: (يجب على القاضي المطلوب رده أن يمتنع عن الفصل في القضية  إلى حين الفصل في طلب الرد)، وكذلك  الحال بالنسبة للحالة المنصوص عليها بالمادة 52 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي نصت على أن: (يفصل القاضي بحكم في الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي) بما يفيد إرجاء الفصل في موضوع الدعوى لحين  الفصل في مسألة الإختصاص، ما لم تقرر المحكمة الفصل في الدفع بعدم الإختصاص مع موضوع النزاع استنادا لنفس النص.
يضاف إلى ذلك الحالة المنصوص عليها بالمادة 165 من نفس القانون،  بخصوص دعوى مضاهاة الخطوط أمام القاضي الجزائي، يتم إرجاء الفصل في دعوى مضاهاة الخطوط إلى حين الفصل في الدعوى الجزائية ).
ويلاحظ من خلال هذه النصوص، وأنها في مجملها قد نصت على حالات يتم بمجرد توافرها وقف الخصومة وبذلك فالوقف المقرر بموجبها هو وقف قانوني.

ثانيا : الوقف الإتفاقي

يحتاج  الإلمام بالوقف الإتفاقي إلى تحديد حالاته وبيان شروطه:
أ)حالات الوقف الإتفاقي :
نصت المادة 214 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، على أنه: (يؤمر بإرجاء الفصل في الخصومة  بناء على طلب الخصوم)  كما نصت المادة 216 من نفس القانون على أنه: (... كما يمكن له (القاضي) الأمر بشطب القضية بناء على طلب مشترك من الخصوم) .
ويستخلص من هذين النصين، أن وقف الخصومة سواء تعلق الأمر بإرجاء الفصل فيها، أو بشطبها من الجدول إنما قد يتم باتفاق الأطراف.
ذلك أنه قد نعرض لهم أسبابا قد تدفعهم إلى إرجاء الفصل في الدعوى ، لاسيما ما تعلق منها بتوفير الوقت الكافي لإيجاد حل ودي للنزاع، لأن طلب التأجيل قد لا يكون مجديا لهم لبلوغ تلك الغاية، كون المحكمة قد لا تستجيب له، لذلك أتاح لهم  المشرع هذه الوسيلة المتمثلة في وقف الخصومة ، سواء عن طريق إرجاء الفصل فيها أو عن طريق شطبها.
وعلى الرغم من أن نص المواد من 213 إلى 215 من قانون الإجراءات  المدنية  والإدارية، لم تحدد أية مهلة لإعادة  السير في الدعوى، بعد إرجاء الفصل فيها لأي سبب من الأسباب، فالمادة 218 من هذا القانون  نصت على أنه:( تطبق القواعد المتعلقة بسقوط الخصومة على الأمر القاضي بالشطب)، بما يفيد وأن عدم إعادة السير في الدعوى بعد شطبها لمدة سنتين، تسري ابتداء من تاريخ قرار الشطب يترتب عنه سقوطها.
ب)شروط الوقف الإتفاقي
يستفاد من نص المواد 213 إلى 219 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وأن وقف الخصومة بناء على طلب الخصوم لا يتقرر إلا بتوافر شروط:
1- اتفاق الأطراف على الوقف
يمكن استخلاص هذا الشرط من عبارة: (بناء على طلب الخصوم) الواردة بالمادة 214، وعبارة (بناء على طلب مشترك من الخصوم ) الواردة بالمادة 216 من هذا القانون.
ذلك أنه وان كان المشرع قد أجاز لأطراف الخصومة بموجب هذه النصوص وقفها، فإنه يكون قد ابتغى تحقيق  غرض مشترك لهم ، لذلك فلا تكفي رغبة أحدهم لوقف الخصومة، ومن دون موافقة باقي الخصوم الآخرين بما يعني وأن وقف الخصومة بناء على طلب الأطراف لا يتقرر إلا بوجود اتفاق بينهم، أو تقديم طلب بشأنه، وموافقة  باقي الأطراف الأخرى، وذلك بصرف النظر عما إذا كانوا أطرافا أصلين أو متدخلين في الخصام مهما كان نوع تدخلهم.
2) ألا تزيد مدة الوقف عن سنتين :
تكمن الحكمة من هذا الشرط في منع الخصوم من استعمال رخصة وقف الخصومة إلى إطالة أمد  النزاع ، بما يؤدي إلى تراكم القضايا أمام المحاكم، لذلك فإذا انعقد اتفاقهم على مدة أطول كان على المحكمة انتقاص تلك المدة إلى القدر المحدد قانونا، هذا وليس ثمة ما يمنع الخصوم بعد إعادة السير فيها، خلال تلك المدة من عقد اتفاق جديد على وقفها لمدة ثانية وفي حدود نفس المادة ، وفي الحالتين فمدة الوقف تحسب ابتداء من تاريخ صدور الحكم لا من تاريخ اتفاق الخصوم .
غير أن اعمال هذه القاعدة يبقى نسبيا، لا سيما عندما يتعلق سبب الوقف بعرض دعوى مضاهاة الخطوط على القاضي الجزائي، والتي قد لا تكفي مدة السنتين للفصل في موضوعها، وهي إحدى الحالات التي قد يسفر معها  تطبيق هذه القواعد، إلى سريان تلك المدة من تاريخ الفصل النهائي في دعوى مضاهاة الخطوط ، أو من تاريخ اتخاذ آخر إجراء فيها، لا من تاريخ  صدور قرار الوقف، وقد يسفر ذلك التطبيق الإلتزام بهذه المادة تحت طائلة سقوط الخصومة .
3) اقرار المحكمة للإتفاق
لا يؤدي اتفاق الخصوم في حد ذاته إلى وقف الخصومة بقوة القانون، بل أن الذي يؤدي إلى وقفها هو اقرار المحكمة لإتفاقهم، حتى يمكن ترتيب آثاره القانونية، مع أن الراجح في جميع الحالات، أن المحكمة لا تملك سلطة رفض إقرار الإتفاق على الوقف، متى تحققت من صحته ومدته.
ومع أن الحكم الصادر بإقرار اتفاق الخصوم على وقف الخصومة، لا يحوز قوة الشيء المقضي به لأنه غير قطعي، فالمشرع وفي مجال ممارسة طرق الطعن فيه قد فرق بين حالتين :
الحالة الأولى: تتعلق بإرجاء الفصل في الدعوى لأي سبب من الأسباب، وهي حالة أجازت المادة 215 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، الطعن بالإستئناف في قرار المحكمة القاضي بإرجاء الفصل في الدعوى، في مهلة 20 يوما، تسري ابتداء من تاريخ صدور الحكم ، وتكون جهة الإستئناف في هذه الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى وفقا لقواعد القضاء المستعجل.
الحالة الثانية : تتعلق بشطب القضية لأي سبب من الأسباب، وهي حالة لم يجز نص المادة 219 من نفس القانون الطعن بأي طريق من الطرق في قرار المحكمة القاضي بشطب القضية، وتفسير ذلك يكمن في كون المشرع قد ادرج هذا القرار ضمن الأوامر الولائية، التي لا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المقررة للأحكام القضائية، وهي بذلك لا تقبل سوى التظلم فيها، إلى الجهة القضائية التي أصدرتها وبناء على نص صريح في القانون.
لكنه وكيفما كان الحال فلأي خصم من الخصوم الحق في إعادة السير في الدعوى بعد الوقف، قبل انتهاء مهلة السنتين، وذلك من دون أن يكون  لبقية الخصوم الآخرين أو للمحكمة أي اعتراض .

ثالثا: الوقف القضائي

يتحقق الوقف هنا باتفاق الخصوم أو بقوة القانون، بل أنه يتم بحكم قضائي، إعمالا للحالات التي حددها القانون، وعلى هذا  الأساس فالحكم القضائي في هذه الحالة، يكون منشئا لوقف الخصومة لا مقررا له ، وبحسبه فالخصومة القضائية لا تعد موقوفة الا من تاريخ صدور الحكم وبذلك  فهذا النوع  من الوقف، انما يظهر في حقيقة الأمر بطبيعة الدور الذي تقوم به المحكمة، في مجال الخصومة القضائية عموما ووقفها خصوصا، بما يتماشى  وفكرة احتكار الدولة لسلطة القضاء.
وترتيبا على ذلك فبالإضافة إلى أن قرار المحكمة من الناحية العلمية، يكون ملزما لتقرير وقف الخصومة في بعض الحالات المنصوص عليها في القانون، بالإضافة إلى أن قرارها يكون لازما، لاقرار اتفاق الخصوم على الوقف، فان المشرع قد منح للمحكمة سلطة الحكم بوقف الخصومة في بعض الحالات، تتعلق أساسا بالوقف الجزائي  والوقف التعليقي.

أ) الوقف الجزائي

يجب التنويه بداية إلى أن عبارة: (الوقف الجزائي)، لا يقصد منها الوقف بسب عرض دعوى فرعية على  القاضي الجزائي، بل تعبر عن الوقف الذي يعد بمثابة جزاء، نتيجة تأخر الخصم عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات، في الميعاد المحدد من طرف المحكمة ، والتي تكون لهذه الأخيرة سلطة توقيع الجزاء المقرر قانونا، كالغرامة التهديدية مثلا أو وقف الخصومة .
ذلك أنه وبالرجوع إلى المادة 71 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نجدها قد أجازت للمحكمة الفصل في الإشكالات التي تثار بشأن إبلاغ  الوثائق  المحتج بها من الخصوم ، ولها أن تحدد شفاهة أجلا لتبليغها تحت طائلة غرامة تهديدية، وكذلك الأمر فيما يتعلق بإرجاع تلك الوثائق ، حيث  المادة 30 من نفس القانون، قد أجازت للقاضي أن يأمر بإرجاع الوثائق المبلغة للخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية عند الإقتضاء .
يضاف  إلى ذلك أن المشرع، قد أجاز للمحكمة بمقتضى المادة 73 من نفس القانون، أن تأمر باستخراج نسخة رسمية، أو إحضار عقد رسمي أو عرفي ،أو إحضار أية وثيقة محجوزة لدى الغير، بناء على طلب أحد الخصوم ولولم يكن طرفا في العقد ، ومن تم فالتخلف عن تنفيذ هذا الأمر، قد يؤدي إلى استصدار حكم بتنفيذه تحت طائلة غرامة تهديدية .
كما أن المشرع مثلا وبمقتضى نص المادة 416 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم يجز القيام بأي تبليغ رسمي قبل الساعة الثامنة صباحا، ولا بعد الثامنة مساء ، ولا أيام العطل إلا في حالة الضرورة ، وبعد إذن من القاضي بما يعني وأن التبليغ الذي لا يحترم مقتضيات هذا النص، قد يترتب عنه توقيع جزاء البطلان وهكذا .
ومع أن المشرع من خلال تلك النصوص المشار إليها كأمثلة، قد أجازت للقاضي سلطة توقيع الجزاء عن التخلف في القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات ، فان تلك النصوص لم تمنحه في المقابل أية سلطة لوقف الخصومة وذلك خلافا  لما هو عليه الحال في بعض التشريعات المقارنة، كالمادة 99/2 من قانون المرافعات المصري، التي أجازت للمحكمة في الحالات المماثلة، الحكم بوقف الدعوى لمدة لاتجاوز شهرين بعد سماع اقوال المدعى عليه، بدلا من الحكم على الخصم بالغرامة، نتيجة امتناعه عن ايداع المستندات او عن القيام باي اجراء من اجراءات المرافعات في الميعاد المحدد من المحكمة، بما يعني وأن المشرع في الجزائر لم يأخذ بالوقف القضائي، والتالي فلا سلطة للقاضي في أن يحكم به  في مثل هذه الحالة.

ب)الوقف التعليقي

يقصد بالوقف التعليقي، وقف الخصومة إلى حين الفصل في مسالة أولية ، كأن تكون المحكمة المعروضة عليها الدعوى، غير مختصة وظيفيا أو نوعيا بالفصل فيها ، لذلك  فلا مانع من أن تأمر المحكمة بوقف الفصل في الدعوى الأصلية لحين الفصل في المسألة الأولية ، وبذلك فهذا الوقف يعد وقفا قضائيا، من حيث كون تحققه يتم بموجب حكم قضائي، ومن تم فان آثاره لا تكون منتجة، إلا من تاريخ الحكم الصادر به، وقد سمى بالوقف التعليقي لأن الفصل في موضوع النزاع، يبقى معلقا إلى حين الفصل في المسألة الأولية .
ومن أهم الأمثلة التي يمكن إعطاءها بخصوص هذا الوقف، إثارة مسألة  أولية أثناء نظر دعوى مدنية، تتعلق بمشروعية قرار إداري، أو إثارة  مسألة مماثلة أثناء نظر دعوى أمام قسم شؤون الأسرة، تتعلق بسحب الجنسية،  والفصل بطبيعة الحال في مشروعية القرارات الإدارية وسحب الجنسية، يندرج ضمن الإختصاص الوظيفي للقضاء الإداري، وعلى هذا الأساس توقف  المحكمة المدنية، أو محكمة شؤون  الأسرة الفصل في الدعوى وقفا قضائيا، لحين الفصل في المسالة الأولية من القضاء الإداري .
يمكن أن يضاف إلى ذلك  بعض الحالات، التي يرتب القانون فيها على الفعل الواحد المسؤولية المدنية والجزائية معا، فإذا رفعت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية، وكانت النيابة العامة قد حركت الدعوى الجزائية ، فالمحكمة المدنية توقف الفصل في الدعوى المرفوعة أمامها، لحين الفصل في الدعوى الجزائية .
والظاهر من خلال هذه الأحوال، أن للمحكمة سلطة تقديرية، فمتى تبين لها بأن الفصل في المسألة الأولية يخرج بالفعل عن اختصاصها، فإنها تحكم بوقف الخصومة، وان تبين لها عدم جدية المنازعة في المسألة الأولية، فإنها تملك السلطة لصرف النظر عن المسالة الأولية، والإستمرار في نظر الدعوى.
وعلى هذا الأساس فمتى كانت شروط وقف الفصل في الدعوى، للفصل في هذه المسألة الأولية قائمة أصدرت حكمها بالوقف، وهو حكم قطعي  ليس لها أن تعدل عنه، لذلك أجاز نص المادة 215 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الطعن فيه بطريق الإستئناف، خلال مهلة 20 يوما ابتداء من تاريخ صدوره ، وذلك على غرار ما هو مقرر بالمادة 212 من قانون المرافعات المصري.

البند الثالث : آثار الوقف

ثمة ثلاثة آثار هامة تترتب عن وقف الخصومة، يتعلق الأول منها باعتبار الخصومة قائمة أمام القضاء، فيما يتعلق الثاني منها باعتبار الخصومة راكدة، أما الثالث فيتعلق بوقف سريان المواعيد .
أولا : اعتبار الخصومة قائمة أمام القضاء
تظل الخصومة القضائية – رغم صدور حكم بوقفها- قائمة أمام القضاء ، بما يفيد وأن آثار المطالبة القضائية بدورها تظل قائمة، سواء بالنسبة للآثار الإجرائية أو الآثار الموضوعية، وبحسبها يظل كل طرف مكتسبا للمركز القانوني للخصم، كما تظل المحكمة ملزمة بالفصل في كل طلب  وفي حدوده، ويظل الإختصاص منزوعا عن سائر المحاكم الأخرى، والتقادم يبقى منقطعا، وثبوت الحق في الأرباح والتعويض يظل كلك أيضا قائما، إلى جانب عدم نفاذ أي تصرف في مواجهة المدعي، ويظل الحق المطالب به متنازعا فيه، كما يعتبر  الطلب القضائي قد حل  محل الإنذار، لذلك فلا ضرورة لإعذار المدين مرة أخرى  للوفاء بالتزاماته.
وترتيبا على ذلك فلو رفعت نفس الدعوى، سواء أمام نفس المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى الموقوفة الفصل فيها، أو أمام أية محكمة أخرى، فانه يمكن  التمسك في هذه  الخصومة الجديدة، بالدفع بإحالتها على المحكمة الأولى للإرتباط القائم بين الخصومتين، إعمالا لنص المادة 53 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثانيا : اعتبار الخصومة راكدة
أنه وعلى الرغم من أن الخصومة القضائية تعد قائمة ، فإنها تظل في واقع الأمر راكدة ، بما يفيد  منع أي نشاط فيها، إذا لا يجوز لأي خصم من الخصوم، أن يقوم بأي  عمل أو أي إجراء تحت طائلة بطلانه، وهو الجزاء الذي يتقرر بالنسبة لتقديم أي طلب قضائي، أو إجراء أي تكليف بالحضور، أو أي تبليغ آخر، أو طلب إجراء أي تحقيق خلال مدة وقف الخصومة.
ولا يستثنى من هذا المنع ، سوى القيام باتخاذ بعض الإجراءات الوقتية ذات الطبيعة الإستعجالية، متى كان الوقف اتفاقيا أو قضائيا، بغرض المحافظة على حقوق الأطراف على حد ما ذهب إليه الدكتور وجدي راغب.
ثالثا: وقف سريان المواعيد
اذا كانت الخصومة القضائية متوقفة ، فهو أمر يترتب عنه توقف المواعيد الإجرائية، فاذا كان هناك ميعاد لم يبدأ بعد، فانه لا يبدأ ولو حل تاريخه الا بعد انتهاء وقف الخصومة ، واذا كان ذلك الميعاد قد بدأ سريانه قبل وقفها ، فانه يتوقف ولا يستأنف سريانه الا بعد تاريخ انتهاء وقف الخصومة، أي بعد انقضاء أجل السنتين من تاريخ صدور الحكم بوقفها، إعمالا لنص المادتين 218 و223 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ويلاحظ  بأن المشرع من خلال هذين النصين، وأنه لمن يستثن أية حالة من قاعدة وقف سريان المواعيد ، وذلك خلافا للمشرع المصري الذي نصت المادة 128/01 منه صراحة على أن وقف الدعوى، بناء على اتفاق الخصوم لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر من تاريخ قرار المحكمة لإتفاقهم لا يكون له أثر في أي ميعاد حتم يكون القانون قد حدده  للقيام بأي إجراء من الإجراءات.

البند الرابع : انتهاء وقف الخصومة

تظل الخصومة موقوفة متى ظل سبب الوقف قائما، أو متى ظلت مدة وقفها سارية، لكنه وبانقضاء هذه المدة أو بزوال سبب وقفها أصبح من اللازم إعادة السير فيها.
وإعمالا لهذه القاعدة فان كان السبب المؤدي إلى وقف الخصومة، يتعلق مثلا بطلب رد القاضي، فان الخصومة تستأنف بعد الفصل في طلب الرد من قبل الجهة القضائية المعنية، وإذا كان وقف الخصومة يرجع إلى اتفاق الخصوم، فان إعادة السير في القضية، يتم بعد انتهاء المدة المتفق عليها، وذلك من حدود السنتين المنصوص عليها قانونا
ومع ذلك فقد بقي السؤال قائما، حول الكيفية التي تتحقق بها إعادة السير في الدعوى بعد زوال سبب الوقف أو انتهاء مدته، لاسيما في ظل عدم إمكانية تحديد التاريخ الذي يزول فيه هذا السبب، أو تنتهي فيه مدة الوقف ؟.
لذلك فالإجابة على هذا التساؤل، تقتضي الرجوع لنص المادة 217 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  التي نصت على أن: (يتم إعادة السير في الخصومة بموجب عريضة افتتاح دعوى تودع بأمانة الضبط ، بعد إثبات القيام بالإجراء الشكلي الذي كان سببا في شطبها).
وترتيبا على ذلك فان إعادة السير في الدعوى بعد وقفها، يتم وفقا للأوضاع المقررة لعرائض افتتاح الدعوى وعلى هذا الأساس فمتى تأخر الخصم في القيام باجراء اعادة السير في الدعوى بعد انقضاء مدة الوقف، اعتبر  المدعي متنازلا عن دعواه، والمستأنف تاركا لإستئنافه بحكم المواد 218 و223 و227 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بما يعني وأن الخصومة القضائية تنتهي بقوة القانون وتعتبر كأن لم تكن، وهو ما يترتب عنه زوال كافة الآثار القانونية التي ترتبت عن قيامها: الإجرائية  منها أو الموضوعية، بما يؤدي إلى جانب ذلك زوال جميع الأعمال المكونة لها التي تمت قبل وقفها.
غير أنه ومع ذلك ، فان تمت إعادة السير في الدعوى بعد انتهاء ذلك الميعاد، فلا سلطة للمحكمة في إثارة مسألة سقوطها من تلقاء نفسها ، لأن هذا الجزاء غير متعلق بالنظام العام ، حيث  المادة 225 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  المحال إليها بالمادة 218 من نفس القانون، نصت على أنه: (لا يجوز للقاضي اثارة سقوط الخصومة تلقائيا)، لذلك فحتى يمكن للمحكمة اعمال هذا الجزاء، لابد من اثارة الدفع بانتهاء الميعاد من الخصم الآخر ، متى كانت له مصلحة فيه ، وذلك قبل اثارته لأي دفاع في موضوع الدعوى تحت طئالة عدم قبول دفعه .
وعلى هذا الأساس فمتى قام  المدعي مثلا باعادة السير في الدعوى، ولو بعد انتهاء ذلك الميعاد، ولم يتقدم المدعى عليه فيها بأي اعتراض، دل ذلك على رغبته هو في حد ذاته على إعادة السير فيها، وهو نفس الحكم الذي يسري على قيامه هو في حد ذاته بإعادة السير فيها، ولو بعد انتهاء الميعاد المقرر لذلك ، ويكون السير فيها قد تم على نحو صحيح .

الفرع الثاني : انقطاع الخصومة

ثمة مجموعة من المسائل يوجب انقطاع الخصومة التعرض لها ، تتعلق بتحديد ماهية الإنقطاع وأسبابه ومجاله وكيفية حصوله وآثاره وزواله و إعادة السير في الخصومة بعد الإنقطاع.

البند الأول: ماهية انقطاع الخصومة

ينظر الى انقطاع الخصومة، على أنه عبارة عن صورة خاصة من صور وقفها، ومع ذلك فهي صورة  تتميز في أن الإنقطاع يرجع إلى سبب من الأسباب المؤدية إلى تعطيل أعمال مبدأ المواجهة بين الخصوم، وهي أسباب تكمن  إما في وفاة أحد الخصوم، وإما في فقدانه للأهلية الإجرائية، أو لزوال  التمثيل القانوني.
ذلك أنه قد يطرأ أثناء سير الخصومة، حدوث واقعة خارجة عن إرادة الخصم المعني، من شأنها أن تمنعه من الاستمرار في الخصومة، والدفاع عن مصالحه  في الدعوى ، كواقعة الوفاة بالنسبة للأشخاص الطبيعية ، وهي واقعة  لا مجال مع حدوثها سوى قطع الخصومة، أي وقفها لحين اتخاذ ما يلزم من الإجراءات، لإعادة الوضع إلى حاله ، ومن تم تفعيل مبدأ المواجهة ، وهو أمر  في الحالة المماثلة، لا يمكن تحقيقه إلا بعد إخطار الورثة بوجود تلك الخصومة بين مورثهم وخصمه، حتى يتمكنوا من متابعتها باعتبارهم الخلف العام للطرف المتوفى.
وتكمن الحكمة من انقطاع الخصومة في احترام المبدأ الأساسي في التقاضي، بشأن عدم اتخاذ  أي إجراء من الإجراءات في غفلة من الخصم، يضاف إلى ذلك أنه ومن أهم تلك المبادئ ، أنه لا يجوز اهدار أية مهلة تكون من حق الخصم، الذي لا يستطيع اتخاذ الإجراءات القانونية للمحافظة على حقوقه  في الخصومة ، لذلك أوجب المشرع وقف الخصومة، بمجرد توافر أي سبب من أسباب الإنقطاع، المنصوص عليها بالمادة 210 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهو توقف من شأنه أن يسمح للخصوم بتصحيح ما يطرأ على مراكزهم القانونية من عوارض .

البند الثاني : أسباب انقطاع الخصومة

نصت المادة 210 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: (تنقطع الخصومة في القضايا التي تكون  غير مهيأة للفصل فيها للأسباب التالية:1- تغير في أهلية التقاضي لأحد الخصوم.2- وفاة أحد الخصوم  إذا كانت الخصومة قابلة للإنتقال.3- وفاة أو استقالة  أو توقيف أو شطب أو تنحي المحامي إلا اذا كان التمثيل جوازيا).
والظاهر من خلال هذا النص، أن ثمة ثلاثة أسباب لإنقطاع الخصومة، تتمثل في تغير أهلية أحد الخصوم، أو وفاته، أو زوال التمثيل القانوني لأحد الخصوم:

أولا : فقدان أحد الخصوم للأهلية

متى أوجب نص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، المقابل للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بأنه لا يجوز لأي شخص التقاضي، ما لم تكن له أهلية التقاضي، فان العوارض التي تطرأ على تلك الأهلية أثناء سير الخصومة، سوف تؤدي ولا شك إلى انتفاء هذا الشرط في الدعوى.
ذلك أنه وبالرجوع إلى المادة 101 من قانون الأسرة ، نجدها قد نصت على أن: (من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه، أو طرأ عليه إحدى الحالات المذكورة بعد رشد يحجر عليه).
وبحسبه فان هذه العوارض المتمثلة في الجنون والعته والسفه والغفلة، هي كلها تؤدي إلى فقدان الأهلية، ومن تم انقطاع الخصومة القضائية، إلى حين تبليغ المقدم على فاقد  الأهلية  للقيام بشؤونه.
وبحكم المادة 102 من قانون الأسرة، فالحجر على فاقد الأهلية، لا يكون إلا بحكم بناء على طلب أحد الأقارب، أو ممن له مصلحة، أو من النيابة العامة، وإذا لم يكن لفاقد الأهلية ولي أوصى، تعين على المحكمة أن تأمر في نفس الحكم القاضي بالحجر عليه، بتعيين مقدم لرعاية المحجور عليه، والقيام بشؤونه إعمالا لنص المادتين 103 و104 من قانون الأسرة، بما يعني وأن حدوث تغير في أهلية أحد الخصوم أثناء سريان الخصومة ، وحتى تأمر  المحكمة بانقطاعها، يحتاج على الأقل إلى رفع دعوى الحجر، استنادا  لتقرير خبرة يفيد قيام عارض الأهلية  المتذرع به لدى الخصم المعني، فمتى تم ذلك كان للمحكمة  أن تأمر بانقطاع الخصومة، وتبليغ المقدم لإعادة السير فيها، ومن تم رعاية مصالح الخصم فاقد الأهلية.

ثانيا : وفاة أحد الخصوم

على الرغم من أن القاعدة العامة، هي أن واقعة الوفاة لا تضع حدا للخصومة ، بل يجوز متابعتها من ورثته أو في مواجهتهم، وتبرير ذلك  يكمن في كونهم وبحكم القانون يتلقوا جميع الحقوق و الإلتزامات المترتبة على التركة .
غير أنه ومع ذلك فالمشرع يفترض عدم علمهم بالخصومة  القضائية القائمة بين مورثهم وخصومه فيها، لذلك أوجب انقطاع إجراءاتها إلى حين علمهم بوجودها، وفي ذلك نصت المادة 211 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: ( يدعو القاضي شفاهة فور علمه بسب انقطاع الخصومة ، كل من له صفة ليقوم باستئناف السير فيها أو يختار محام جديد ..).
ويستوي وفقا لهذا النص في وفاة الخصم كسبب للإنقطاع، في أن يكون المتوفى هو المدعي أو أحدهم في حالة تعددهم، أو المدعى عليهم أو أحدهم عند تعددهم كذلك أيضا، كما يستوي في أن يكون الخصم المتوفى طرفا أصليا أو متدخلا في الخصام ولو كان تدخله انضماما.
ويبقى أن نشير هنا إلى أن المقصود بالوفاة هو الشخص الطبيعي، ذلك أنه ومع أن شخصية الشخص المعنوي قد تزول لأي سبب كحل الشركة مثلا، فان ذلك لا يمكنه أن يأخذ حكم واقعة الوفاة بالنسبة للشخص الطبيعي ، التي لم يعد معها أي وجود قانوني لشخصيته فور وقوع الوفاة ، فيما أن زوال شخصية  الشخص المعنوي لا يكون فوريا، بل تبقى له تلك الشخصية خلال مرحلة التصفية والى غاية إقفالها، لذلك فالخصومة القضائية بالنسبة  للشخص المعنوي الذي تم حله، تبقى جارية وذلك إلى غاية انتهاء عملية التصفية.
هذا وعلى الرغم من أن المشرع، بمقتضى المواد 210 الى 212 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لم يشترط لإنقطاع الخصومة بسبب الوفاة، قابلية انتقال  الحقوق  المتنازع عليها الى الورثة ، فالبعض من التشريعات المقارنة قد أوجبت توفر ذلك الشرط ، على اعتبار  وأن الحقوق الشخصية في معظمها، هي حقوق غير قابلة للإنتقال إلى الورثة، الأمر الذي يتعين مراعاته في مثل هده الحال لإنقطاع الخصومة بعد وفاة أحد الخصوم .

ثالثا : زوال التمثيل القانوني لأحد الخصوم

قد يكون أحد الخصوم في الدعوى قاصرا، وهو يباشرها بواسطة وليه أو وصيه ، وأثناء سير  الخصومة يبلغ سن الرشد، وهي حالة يزول معها تمثيل الولي أو الوصي به ، بحيث لم تعد لهذا  الأخير أية صلاحية للقيام بأي عمل من أعمال الخصومة  نيابة عن أحد الخصوم فيها ، لذلك أوجب المشرع انقطاع الخصومة في هذه الحالة لحين إبلاغ الخصم الذي بلغ سن الرشد، ليتولى هو مباشرتها بنفسه، أو يتولى تعيين وكيل أو محام لمتابعة إجراءاتها باسمه ولفائدته.
ونفس الحكم يطبق على الولي الشرعي، الذي تزول عنه صفة الولي ، إما بسبب نزع الولاية عنه، وإما بسبب وفاته، وكذلك الحال بالنسبة لصفة الوكيل عن الغائب، الذي تزول عنه إما بحضور الغائب، وإما لثبوت وفاة الغائب  أو وفاة الوكيل في حد ذاته، وقد لا يتغير  الوضع بالنسبة لصفة القيم عن المحجور عليه، الذي تزول عنه برفع الحجر بوفاة القيم نفسه ، وهي في مجملها  أحوال يترتب عنها زوال صفة الممثل القانوني  للخصم في الدعوى ، بما يؤدي إلى انقطاع الخصومة، لحين قيام الخصم بمتابعة إجراءات الخصومة  بنفسه، بعد علمه بها أو عن طريق وكيله  الإتفاقي .
ويطبق نفس الحكم على تغير ممثل  الشخص الإعتباري إما نتيجة لوفاته، أو عزله أو استقالته، وهي في مجملها حالة تنقطع فيها الخصومة لزوال صفة الممثل القانوني للخصم في هذه الحالة.
وعلى الرغم من أن المحامي لا يعد ممثلا قانونيا  للخصم بهذا المفهوم ، لأنه وكيل بالخصومة يفترض ألا يؤدي زوال صفته كوكيل بالخصومة الى انقطاعها، فالمشرع بمقتضى المادة 210/03 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد نص صراحة على انقطاعها، متى زالت صفة الوكيل بالخصومة، بسبب الوفاة أو الإستقالة أو التوقيف أو الشطب  والتنحي، وذلك خلافا  لبعض التشريعات المقارنة، ومنها نص المادة 130/2 من قانون المرافعات المصري، التي نصت على أنه: (ولا تنقطع الخصومة بوفاة وكيل الدعوى، ولا بزوال وكالته بالتنحي أو بالعزل ...) .
وبمقتضى هذا فكل ما يترتب عن زوال صفة الوكيل بالخصومة، هو تمكين الخصم المعني من أجل مناسب لمباشرة إجراءات الخصومة بنفسه أو عن طريق وكيل آخر للخصومة.

البند الثالث : مجال الإنقطاع

إذا كان المشرع بمقتضى نص المادة 210 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، قد نص على أن انقطاع الخصومة يقتصر على القضايا غير المهيأة للفصل فيها، فهو نص من شأنه إثارة بعض التساؤل، حوا ما إذا كانت عبارة (غير المهيأة للفصل فيها) تشمل جميع القضايا المقيدة لدى كتابة ضبط المحكمة، بما فيها تلك التي لم تبلغ عريضتها الإفتتاحية بعد.
قد تكون الإجابة عن ذلك بالإيجاب ، وعلة ذلك تكمن في كون الإنقطاع، وبتوافر أي سبب  من أسبابه يصير قائما، بعد إيداع العريضة الإفتتاحية للدعوى لدى كتابة ضبط المحكمة، حتى ولو لم تكن قد بلغت بعد للمدعى عليه، لذلك فمتى حدث سبب الإنتقطاع، بعدما  تكون القضية قد صارت  مهيأة للفصل فيها، فان الخصومة لا تنقطع، والسبب في ذلك يرجع إلى أن العبرة من انقطاع الخصومة، تتمثل في اعمال مبدأ المواجهة، وهو المبدأ الذي يكون قد تحقق خلال وصول الخصومة الى مرحلة تهيئتها للفصل فيها ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للقضايا المقيدة، ولو
لم تكن قد بلغت فمبدأ المواجهة جراء عدم تبليغها لم يتم اعماله بعد.
وبحكم المادة 267 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فالقضية تكون مهيأة للفصل فيها ، بعد قيام الخصوم  بالإدلاء بملاحظاتهم، وتقديم طلباتهم الختامية خلال جلسة المرافعات، أي قبل إعلان المحكمة إقفال باب تلك المرافعات، وبالتالي فحدوث واقعة الوفاة،  أو فقدان الأهلية لأي عارض، أو زوال التمثيل  القانوني بعد ذلك، لا يخل بمبدأ المواجهة، وبذلك يصبح مجال انقطاع الخصومة مغلقا.
لذلك فمتى تم تقديم  مذكرات، وأمرت المحكمة بتحديد جلسة للمداولة في القضية، وتبين للخصوم الآخرين أن تلك المذكرات، قد اشتملت على دفوع أو طلبات تستحق المناقشة والرد ، كان للمحكمة وبمقتضى  المادة 268 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، أن تعيد القضية إلى الجدول، وبالتالي فان حدث أي سبب من أسباب الإنقطاع خلال تلك الفترة ، فالخصومة القضائية تنقطع في هذه الحالة ، لأن القضية لا تعد مهيأة للفصل فيها .
ويبقى أن نشير إلى أن مجال الإنقطاع، يمتد ليشمل كافة أنواع الخصومات الجارية أمام مختلف الجهات القضائية عادية كانت أو إدارية، وقد يرد حتى على الخصومة التحكيمية.

البند الرابع : كيفية حصول الإتقطاع

تكون العبرة عادة  لإنقطاع  الخصومة بمجرد توافر أي سبب من أسباب انقطاع  قبل أن تهيأ  الدعوى للحكم في موضوعها وذلك من دون حاجة إلى إصدار حكم بالإنقطاع، الأمر الذي يستفاد  من  عبارة( يدعو القاضي شفاهة )  الواردة بنص المادة 211 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، ومن تم فلو حدث وأصدرت المحكمة حكما بالإنقطاع ، فان هذا الحكم يعد مقررا لحالة قانونية  ليس إلا .
وتأسيسا على ذلك فلا تملك المحكمة أية سلطة تقديرية في الحكم بالإنقطاع متى قام أي سبب من أسبابه ، كما لا تملك  هذه السلطة  للقضاء بالإنقطاع  متى تمسك الخصم الآخر بأجل لتبليغ من يقوم مقام الخصم الذي تحق في شانه سبب الإنقطاع، بل يكون للمحكمة في هذه الحالة أن  تكلفه بتبليغه خلال الأجل الذي تحدده له للقيام بهذا الإجراء .
لذلك فإذا قام الخصم بإجراء التبليغ خلال ذلك الميعاد زال الإنقطاع وتواصل سير الخصومة سواء حضر أو لم يحضر من يقوم مقام الخصم  المتحقق  في  شأنه سبب الإنقطاع  وذلك إعمالا لنص المادة 212 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية  التي نصت على أنه : (إذا لم يحضر الخصم المكلف بالحضور في إعادة السير في الخصومة، يفصل في النزاع غيابيا اتجاهه).
أما إذا لم يقم الخصم بتبليغ من يقوم مقام الخصم المتحقق في شأنه سبب الإنقطاع خلال الأجل المحدد له من طرف المحكمة في هذه الحالة أن تقضي بانقطاع الخصومة من تلقاء نفسها وذلك منذ قيام سبب الإنقطاع ( وهذا خلافا  لما ذهب إليه الدكتور أحمد هندي، من أن المحكمة لا تقضي بالإنقطاع من تلقاء نفسها، بل يجب أن يتمسك به صاحب الشأن أي من تقرر الإنقطاع لحمايته.
ولعل المشرع قد أصاب حينما نص على حصول الإنقطاع بقوة القانون وبمجرد تحقيق سبب الإنقطاع، وذلك من دون حاجة إلى تبليغ الخصم به ، على اعتبار وأن الغاية من انقطاع الخصومة تكمن بالدرجة الأولى في حماية صاحب الشأن ، أو ورثته لتفادي اتخاذ أي إجراء في الخصومة، دون علمهم ، وبذلك فالإنقطاع لا يرمي إلى معاقبة خصوم هؤلاء نتيجة استمرارهم في سير إجراءات الخصومة رغم علمهم بسبب الإنقطاع، أو لإهمالهم في مراقبة تغير صفات الخصوم في الدعوى.

البند الخامس : أثار الإنقطاع

إذا كان انقطاع الخصومة ما هو إلا وقف لها بقوة القانون فان الآثار القانونية المترتبة عن وقف الخصومة هي نفسها التي تترتب عن انقطاعها ، لذلك فالمطالبة القضائية تبقى قائمة  وتظل الخصومة راكدة ، وتنقطع المهل الجارية في حق الخصم المتعلق به سبب الإنقطاع .

البند السادس : زوال الإنقطاع واستئناف الخصومة

نصت المادة 211 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن : ( يدعو القاضي شفاهة ، فور علمه بسبب انقطاع الخصومة ، كل من له صفة ليقوم باستئناف السير فيها أو يختار محامي جديد ، كما يمكن للقاضي دعوى الخصم الذي يعينه لاستئناف سير الخصوم عن طريق التكليف بالحضور ).
وبمقتضى هذا النص فالمشرع يكون قد حدد طريقتين لزوال انقطاع الخصومة :
الأولى : تتعلق بقيام الوارد أو من يقوم مقام من فقد الأهلية أو مقام من زالت عنه الصفة بالحضور          وإعادة السير في الخصومة ، الأمر الذي يترتب عنه حدوث المواجهة فيزول الإنقطاع.
الثانية تتعلق بقيام الخصم المعين من المحكمة لإعادة السير في الخصومة وفقا للأوضاع المقررة بعرائض          افتتاح الدعوى ، لذلك فعريضة إعادة السير في الخصوم في هذه الحالة بعهد الإنقطاع يجب تبليغها لم يقوم مقام المتوفى أو فاقد الأهلية أو زوال الصفة لديه ، أو من هؤلاء إلى الخصم الآخر .
وعلة ذلك تكمن في كون إعادة السير في الخصومة  قد يتم من طرف الخصم ، الذي قام به سبب الإنقطاع أو من الخصم الآخر ، واستئناف الخصومة يعني سيرها من النقطة التي كانت عليها قبل الإنقطاع، ومن تم اعتبار الإجراءات الجديدة التي تحدث بعد إعادة السير في الخصومة كتكملة للإجراءات التي حدثت قبل الإنقطاع، وبذلك يصدر الحكم في الدعوى على أساس جميع هذه الإجراءات، فلو حدث مثلا وأن سبب الإنقطاع حدث لخصم حضر إحدى الجلسات، وتم تبليغ من يقوم مقامه بالخصومة ، وبالتاريخ الذي أجلت إليه القضية وخلاله تخلف عن الحضور ، فالحكم الصادر في الدعوى يعتبر حضوريا في حقه إعمالا لنص المادة 293 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .

المطلب الثاني : العوارض المنهية للخصومة

نصت المادة 221 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن انقضاء الخصومة أصلا يكون إما بسبب سقوطها و إما بسبب التنازل عنها.

الفرع الأول : سقوط  الخصومة

يمكن مناقشة موضوع سقوط الخصومة من حيث التعريف به، وتحدد نطاقه، وشروطه، مع ما قد يترتب من آثار عن سقوط الخصومة.

البند الأول : تعريف السقوط ومبرراته

قبل التعرض إلى مبررات سقوط الخصومة، يتعين تحديد المقصود به.

أولا: تعريف السقوط

يقصد بسقوط الخصومة زوالها واعتبارها كأن لم تكن، وذلك بسبب تخلف الخصوم عن القيام بالمساعي اللازمة لسيرها خلال مدة معينة، وهو التعريف الذي أورده المشرع بالمادة 222/01 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، التي  نصت على أنه:(تسقط الخصومة  نتيجة تخلف الخصوم عن القيام  بالمساعي اللازمة)، كما نصت المادة 223/1 من نفس القانون على أنه:( تسقط الخصومة  بمرور سنتين ).
وتأسيسا على  ذلك فسقوط الخصومة، يختلف عن الوقف والانقطاع من وجهين:
الأول: يتمثل في أن سقوط الخصومة يؤدي إلى إنهائها، فيما أن الوقف أو الانقطاع لا يترتب عنهما سوى ركودها فقط، لأن الخصومة فيهما تظل قائمة.
الثاني: يتمثل في أن سقوط الخصومة، يرجع إلى إرادة الخصوم لامتناعهم عن إعادة السير فيها، وهو بهذا يتميز عن أسباب الانقطاع والوقف، التي لا تعود  لإرادة الخصوم، عند استثناء الوقف الإتفاقي.

ثانيا: مبررات السقوط

ثمة مبررات ثلاث يقوم عليها سقوط الخصومة، اختلفت التشريعات في الاعتداد بها.
أ) الاعتداد بالسقوط كجزاء:
 ذهبت بعض التشريعات إلى جعل السقوط كجزاء للمدعي، جراء تعمده أو إهماله إعادة السير في الدعوى خلال مدة معينة، كالمادة 220 من قانون الإجراءات المدنية القديم، التي نصت على سقوط الخصومة، لتأخر المدعي في إعادة السير فيها خلال مهلة سنتين، اعتبار من تاريخ صدور الحكم.
ب) الاعتداد بقرينة التوصل إلى صلح أو تنازل
 توجهت بعض التشريعات إلى اعتبار السقوط، بمثابة قرينة تفيد بأن عدم  قيام الخصوم بإعادة السير في الدعوى خلال مدة معينة، يعني توصلهم إلى صلح، أو تنازل عن الخصومة، وهذا حال المادة 222 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ج) الاعتداد بالمصلحة العامة أو الخاصة
ثمة تشريعات أخرى، ذهبت إلى تبرير السقوط بالمصلحة العامة، التي توجب عدم بقاء المحاكم مزدحمة، بالقضايا المتراكمة مدة طويلة، ومن دون فصل في موضوعها، ومن التشريعات ما يقرر السقوط لرعاية مصالح المدعى عليه، حتى لا يبقى مهددا بدعوى خصمه، التي تنشئ له القلق وعدم الاستقرار.
google-playkhamsatmostaqltradent