مداخلة بعنوان: المشاكل القانونیة والشرعیة لعقد إجارة الأرحام بقلم د. بخیت عیسى

الصفحة الرئيسية

المشاكل القانونية والشرعية لعقد إجارة الأرحام

المشاكل القانونية والشرعية لعقد إجارة الأرحام
من إعداد: د. بخیت عیسى (أستاذ مساعد قسم أ كلیة الحقوق والعلوم السیاسیة ـ شـلف ـ)

مقدمة

أثار إعلان سیدة رغبتها في استخدام رحمها والحمل بدل الغیر (الزوجة) لمن یرغب في الإنجاب مقابل مبلغ نقدي شهري ونفقة خاصة أثناء فترة الحمل، جدلا فقهیا وقانونیا حول مدى مشروعیة استخدام الرحم الظئر ( الأم البدیلة)، ففي الوهلة الأولى قد لا یشكل هذا التصرف مشكلة كبیر إذا ما علمنا بوجود الاتفاق ما بین الزوجین أصحاب البویضة المخصبة والمرأة صاحبة الرحم البدیل والذي یؤسس لأحكامها ویرتب لها.
لكن هل لهذا الاستخدام مشروعیة قانونیة كاملة؟ بحیث یمكن تنظیمها بقالب قانوني خاص، إذ أن للعلاقات القانونیة أركان یجب أن تتوافر لكي یكتمل التصرف ویصبح صحیحا، فبالإضافة إلى الرضاء هناك أركان أخرى یجب أن تتوافر، فیجب أن یكون المحل مشروعا وكذلك السبب الدافع للتعاقد، وبالتالي بطلان العلاقة التعاقدیة أو صیرورتها كاملة صحیحة من وجهة النظر القانونیة وخاصة بعد التطور العلمي في هكذا مجالات طبیة تهدف إلى الإنجاب باستخدام التقنیات الحدیثة ومنها الرحم البدیل (الأم البدیلة) وما ثار من جدل فقهي حول مدى مشروعیة التصرف من وجهة الفقه الإسلامي، ولبیان ما تقدم سنحاول قدر المستطاع من الإجابة عن هذه التساؤلات وصولا إلى مدى مشروعیة هذا الاستخدام من الناحیة القانونیة والشرعیة، من خلال هذه الورقة البحثیة، سنتناول بیان موقف كل من القانون الوضعي والفقه الإسلامي من هذه التقنیة.

المبحث الأول: الموقف القانوني من عقد إجارة الرحم

أثارت عقود إجارة الأرحام جدلا واسعا حتى بالنسبة للدول التي تجیزه وتعترف بمشروعیته، ذلك أن أصل الفكرة حدیثة على المجتمع أولا وغیر مقبولة اجتماعیا ثانیا، وبهدف التعرف على الموقف من عقود إجارة الأرحام فإنه لابد من بحث ذلك في الدول الغربیة أولا والتي نشأ وانتشر فیها هذا العقد، ثم ننتقل لبحث ذلك في دولنا الإسلامیة التي بدأ یزحف علیها هذا العقد.

المطلب الأول: عقد إجارة الرحم في قوانین الدول الغربیة

لو استعرضنا موقف الدول الغربیة بشكل عام من عقد إجارة الرحم أو كما یسمى عقد الأم البدیل (Surrogate Mother Contract) فإن الأمر یتباین من دولة لأخرى[1]، فنجد أن مثل هذا العقد ممنوع قانونا ولا یعتد بمشروعیته في كل من (النمسا، ألمانیا، النرویج ،السوید، فرنسا وبعض الولایات في أمریكا) في حین أنه غیر محكوم من قبل القانون وغیر منظم قانونیا على الرغم من وجوده في (بلغاریا، الیونان، إیرلندا وفنلندا).
ونجد بأن بعض الدول سمحت به لكن لیس بصورة تجاریة بحیث لا تحصل فیه الأم البدیلة على أجر لقاء الحمل والإعلان والبحث عن العقد بصورة تجاریة ممنوع قانونا وذلك في كل من (أسترالیا، المملكة المتحدة، الدانمرك، اسبانیا، كندا وبعض الولایات في أمریكا) وأخیرا فإن بعض الدول الغربیة سمحت بعقد إجارة الرحم بصورة تجاریة لذا نجد في تلك الدول وكالات الأم البدیلة (Surrogate Mother)  والتي تتولى مهمة التوسط بین الزوجین ومؤجرة الرحم وتتكفل بتوفیر الحیامن والبویضات إن لزم وذلك في (بعض الولایات الأمریكیة وروسیا الإتحادیة وجورجیا و أوكرانيا).
ولصعوبة بحث كل تلك القوانین من ناحیة ولتشابهها من ناحیة أخرى آثرنا بحث الوضع القانوني في ثلاثة دول وهي فرنسا وأسترالیا والولایات المتحدة الأمریكیة.

أولا ـ عقد إجارة الرحم في فرنسا

لم یجز القانون الفرنسي في 29 تموز سنة 1994، والخاص باحترام الجسم البشري، فكرة تأجیر الأرحام حیث جرمت أعمال الوساطة في تأجیر الأرحام إلا أن القانون لم یتطرق لتجریم طرفي العلاقة أي أن العمل غیر مجرم إن وقع بدون وساطة على أن العقد الذي یتم باطل ولا یعتد به القانون[2].
وعلى الرغم من ذلك فقد تضاربت الأحكام القضائیة الفرنسیة بشأن نسب الطفل المولود فذهبت محكمة Aixen في 15/12/1985 حیث طلبت الأم البیولوجیة تبني المولود من رحم الأم المستأجرة فقضت المحكمة بالتبني البسیط حرصا على مصلحة الولد ولكي یفهم حقیقة العلاقة مع خالته (الأم المستأجرة) وقد یساعد ذلك على الاستقرار النفسي للولد دون أن تعترف بفكرة الأم البدیلة أو تجوز العقد، فالحكم لم یقرر مشروعیة عقد إجارة الرحم وٕإنما قرر البنوة حمایة لمصلحة الصغیر أي استنادا إلى أحكام التبني ولیس إجارة الرحم.
وفي حكم آخر صدر عام 1989 قضت محكمة النقض الفرنسیة ببطلان الاتفاقیة المتعلقة بالأم الحامل صاحبة الرحم المستأجر وٕإلغاء كل آثارها وحل الجمعیات العاملة في هذا النشاط، وفي حكم آخر وبسبب الطعن بحكم محكمة استئناف باریس في 31/05/1991 والتي اعترفت بفكرة الأم البدیلة فقررت محكمة النقض الفرنسیة أن ذلك یخالف نص المادة 1168 مدني فرنسي والمواد 6 و8 و11 763 منه فهو تخلي للأم عن سلطاتها على الطفل وهو یؤدي كذلك إلى الالتفاف على أحكام البنوة الطبیعیة والتبني، وأكدت محكمة النقض توجهها هذا في حكم لها عام 1994 حیث نقضت حكم محكمة بواتییه بالتبني البسیط لزوجة الأم من طفلته الناتجة عن الحمل بالإنابة وأكدت محكمة النقض عدم مشروعیة الحمل بالإنابة[3].
إلا أن الجدل القانوني حول عقد إجارة الرحم برز في فرنسا مؤخرا عندما قدم مشروع قانون أخلاقیات علم الأحیاء والذي یفترض أن یطبق عام 2009 والذي سیعترف بفكرة تأجیر الأرحام ولكن ضمن شروط وحدود مقترحة أهمها[4]:
1- اشتراط إعطاء الأم البدیلة (المؤجرة) حق العدول عن تسلیم المولود لمدة تصل إلى ثلاثة أیام بعد الولادة.
2- حرمان الأب بالتبني من الامتناع عن تسلیم المولود بسبب العاهة أو الإعاقة.

ثانیا ـ عقد إجارة الرحم في استرالیا

هناك خمس ولایات في استرالیا تقبل ترتیب الآثار على عقد إجارة الرحم لكن بصورة غیر تجاریة وهي (فكتوریا، جنوب استرالیا، كوینزلاند، تسمایا وٕإقلیم العاصمة الاسترالیة)[5].
حیث بدأت أول عملیة باستخدام تقنیة الرحم البدیل في استرالیا عام 1988، إلا أن كل القوانین في تلك الولایات تمیز بین تأجیر الأرحام التجاري والذي تجرمه وغیر التجاري الذي تعترف به وهذا ما أكده مثلا قانون الإجراءات الطبیة لسنة 1984 المعدل في فكتوریا وقانون اتفاقات الأم البدیلة لسنة 1994 في إقلیم العاصمة الاسترالیة، إلا أن الأم البدیلة تعطى الحق بالاحتفاظ بالمولود أو تسلیمه خلال فترة ثلاثة أیام من تاریخ الولادة[6].

ثالثا ـ  عقد إجارة الرحم في الولایات المتحدة الأمریكیة

یختلف الحكم في الولایات المتحدة الأمریكیة من ولایة إلى أخرى فهناك ولایات تسمح بفكرة الأم البدیلة (إیجار الرحم) وترى أنها مشروعة وٕإن من حق الزوجین استخدام هذه الوسیلة إن استقر رأيهما علیها كآخر حل مناسب للمشكلة وهي ولایات (كنتاكي، نیویورك، نیفادا ،آركونسیس وكاليفورنيا)[7].
ففي كالیفورنیا مثلا یعتبر عقد الأم البدیلة عقد صحیح وقابل للتنفیذ، وهذا ما أكدته المحكمة العلیا في كاليفورنيا في قضیة Johnson V.Calvert 1993)i). فیمكن للزوجین أن یأخذا حیوان وبویضة من بنوك النطف والأجنة وٕإن لم تكن عائدة لهما أي مجهولة النسب ورغم ذلك ینسب الولود لهما وهذا ما أكدته محكمة كالیفورنیا في حكم لها صادر في 10 آذار 1998.[8]
في حین أن هناك ولایات تحظر هذا العقد مطلقا وهي (إندیا، نیوجرسي، لویزیانا، فلوریدا) حیث یتم حظر أي نشاط لمكاتب تأجیر الأرحام وترى بأنه یجب احترام شخصیة المرأة ومعاملتها كإنسان لا كوعاء للإنجاب، في حین أن بقیة الولایات تبیح الوسیلة مع عدم قابلیة العقد للتنفیذ[9] أي أن الأم المؤجرة لرحمها تستطیع أن تحتفظ بالمولود دون وجود أي قانون یجبرها على تسلیمه إلى أبویه البیولوجیین. 

المطلب الثاني: عقد إجارة الرحم في قوانین الدول الإسلامیة

لم تنظم القوانین في الدول العربیة والإسلامیة، ما عدا إیران، عقد إجارة الرحم فهو فكرة جدیدة على مجتمعاتنا، إلا أن الموضوع أصبح مثارا للجدل بعد امتداد تلك الفكرة من الغرب إلى دولنا الإسلامیة، فأخذنا نسمع دعوات في لبنان وفي مصر وحتى العراق تدعو إلى إجازة هذا العقد خدمة لمصلحة الأسرة أو لعدم ثبوت حرمة العملیة.
فقد بدأ النقاش یحتدم حول هذه الفكرة في مصر عندما ذهب زوجان (یسري وسماح) إلى الدكتور عبد المعطي بیومي وهو عمید كلیة الفقه في جامعة الأزهر سابقا وعضو اللجنة الدینیة في مجلس الشعب المصري لمعرفة رأي الشرع في إمكانیة استئجار رحم بدیل بسبب عم قدرة رحم الزوجة الحمل لتسعة أشهر وكان رأي الدكتور بیومي هو جواز ذلك وأن الإسلام یلبي حاجات البشر في حین خالفه بقیة علماء الأزهر ووجهوا له هجوما وانتقادا لاذعا[10] ومع عدم وجود التنظیم القانوني لمثل هذا العقد فإنه لابد من الرجوع إلى الشریعة الإسلامیة ولكن ما هو الحل مع وجود مثل هذا الخلاف الفقهي إذن فلابد من العمل على تنظیم هذا العقد من الناحیة القانونیة سواء بالحظر أو بالإباحة.
والحكم ذاته ینطبق في العراق فرجال الدین منقسمون بشأن جواز هذا العقد من عدمه ومع عدم وجود التنظیم القانوني فإننا ملزمون بموجب أحكام القانون المدني (المادة 1 /2) بشأن المسائل التي لا یوجد لها تنظیم قانوني باللجوء إلى مبادئ الشریعة الإسلامیة الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقید بمذهب معین، ومع اختلاف الآراء الفقهیة التي سنراها لاحقا تتعقد المشكلة من الناحیة القانونیة لذا فإننا ندعو إلى ضرورة حسم المسألة من الناحیة القانونیة وأن لا یترك الأمر على ما هو علیه الآن فلو أراد أشخاص إبرام عقد إجارة الرحم الآن فما هو الجواب الذي یمكن أن یعطي لهم من الناحیة القانونیة، وهذا الأمر وٕإن لم یحسم لحد الآن في العراق إلا أنه غیر مستبعد خاصة مع وجود الإجازة لهذا العقد من بعض المراجع الفقهیة وتطبیقه في دولة مجاورة وهي إيران.
إن إيران هي الدولة الإسلامیة الوحیدة التي تجیز عقد إجارة الرحم وكانت هذه الإجازة الشرعیة قد صدرت من السید الخمیني قبل 30 عاما والحق ذلك بالحصول على إذن قانوني وكذا أجاز العقد عدد من المراجع في إيران وأهمهم المرشد الأعلى للثورة الإسلامیة في إيران السید علي خامنئي[11].
ویرى البعض بأن ظاهرة تأجیر الأرحام غیر منتشرة في إيران على الرغم من أنها مباحة من الناحیة الشرعیة من قبل العدید من المراجع الفقهیة هناك ویعزى السبب إلى عدم قبولها اجتماعیا إلا أن الواقع یظهر عكس ذلك حیث أجریت في مدینة أصفهان وحدها 100 عملیة تنفیذا لعقود إيجارة الرحم وهذا ما أكده مركز الإنجاب في أصفهان وتتراوح مقدار الأجرة لمؤجرة الرحم بـ 5 إلى 15 ألف دولار أمریكي[12].
وقد أقر مجلس الشورى الإيراني قانونا في العام 2007 قنن فیه الجواز الشرعي لذلك العقد من الناحیة القانونیة والذي طالب فیه بعض النواب باستبدال مصطلح (استئجار الرحم) بوصفه تعبیرا غیر مناسب بمصطلح (الرحم البدیل)،[13] ویرى رجال القانون بأن هناك الكثیر من الفجوات القانونیة في التشریع التي تقتضي عملا قضائیا لسد النقص الموجود في ذلك التشریع، خاصة فیما یتعلق بالحضانة وغیر من المسائل مما یتطلب تعدیل القانون الحالي بقانون أشمل یأخذ بنظر الاعتبار أبعاد القضیة كافة[14].

المبحث الثاني: مدى مشروعیة عقد إجارة الرحم في الفقه الإسلامي

لم یتفق الفقه الإسلامي المعاصر على رأي واحد بشأن مشروعیة عقد إجارة الرحم فذهب رأي وهو الغالب إلى تحریمه مطلقا وذهب آخر إلى إجازته واتجه ثالث إلى إجازته فیما إذا كانت مؤجرة الرحم هي زوجة ثانیة للزوج صاحب النطفة وسنستعرض ونناقش هذه الآراء الثلاثة فیما یلي:

المطلب الأول: تحریم عقد إجارة الرحم

ذهب مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة وعلماء الأزهر[15] وعلماء وكتاب آخرون[16] إلى حرمة عقد إجارة الرحم فلا یجوز شرعا زرع بویضة مخصبة من زوجین في رحم امرأة أجنبیة وقد استدلوا على رأیهم بالآتي:
1- قوله تعالى (والذین هم لفروجهم حافظون)[17] ویرون بأنه لیس من حفظ الفروج إدخال بویضة مخصبة من رجل أجنبي إلى رحم المرأة[18].
2- وجود شبهة اختلاط الأنساب، لاحتمال فشل زرع البویضة المخصبة وتحمل الزوجة من مواقعة زوجها ثم یظن أن المولود من البیضة المخصبة[19].
3- إن التلقیح بهذه الطریقة مستلزم لانكشاف عورة المرأة والنظر إلیها ولمسها والأصل في ذلك أنه محرما شرعا إلا لضرورة وٕإن بررت الضرورة لصاحبة البویضة لم تجز لصاحبة الرحم المؤجر[20].
4- إن الحمل بهذه الطریقة یعد تحدیا لمشیئة اﷲ سبحانه وتعالى وهو الذي قال (یهب لمن یشاء إناثا ویهب لمن یشاء الذكور أو یزوجهم ذكرانا وٕإناثا ویجعل من یشاء عقیما إنه علیم قدیر)[21] فاﷲ جعل بعض الناس عقیمین لحكمة اقتضاها سبحانه.
5-إن عملیة إدخال نطفة الرجل إلى رحم امرأة أجنبیة عنه صورة من صور الزنا[22].
مناقشة الأدلة:
1- لم تمس المرأة بحصانة فرجها فهي لم تدخل ماء (نطف) رجل أجنبي في رحمها وٕإنما بیضة مخصبة، بل حتى المجیزین لاستئجار الرحم لا یجزون إدخال ماء رجل أجنبي في رحمها فهو حرام شرعا أما البیضة المخصبة فحكمها یختلف فلا إشكال في العمل بحد ذاته[23].
2- لا وجود لشبهة اختلاط الأنساب حیث أن الطب یؤكد بعدم إمكانیة إجراء أي تغییر أو إضافة على الجنین بعد تكونه من التقاء بویضة الزوجة ونطفة الزوج[24].
3- إن الضرورات تبیح المحظورات وهي قاعدة إسلامیة مجمع علیها ومن ثم یكون انكشاف العورة بالقدر الضروري لإتمام العملیة فالضرورة متحققة للزوجة صاحبة البویضة وكذا بالنسبة لصاحبة الرحم كونها ترید مساعدة الزوجة المضطرة وهي قد تكون بحاجة إلى المال فیمكن أن تقوم بذلك من باب الاضطرار.
4- لا یوجد في ذلك تحدیا لمشیئة ﷲ سبحانه لأن ذلك نوع من العلاج الذي دعا إلیه الإسلام ولا محظور فیه.
5- الزنا لا یثبت إلا بالطرق الشرعیة المعروفة ولا یعد إدخال بیضة مخصبة في رحم امرأة صورة من صور الزنا[25].

المطلب الثاني: إجازة العقد إن كانت مؤجرة الرحم زوجة ثانیة لصاحب النطفة

ذهب اتجاه آخر إلى أن عقد إجارة الرحم جائز ولكن فقط إذا كانت صاحبة الرحم المستأجر زوجة ثانیة لزوج صاحب النطفة، فتقوم إحدى زوجاته بإعطاء البویضة وتتبرع الأخرى بالحمل بعد تخصیبها من الزوج، وهذا ما أجازه مجمع الفقه الإسلامي في المملكة العربیة السعودیة وحرم العقد إن كانت مؤجرة الرحم أجنبیة ثم عدل عن أریه وحرم الاثنین وذلك لعلة اختلاط الأنساب وذلك في دورته المنعقدة في 11 و16 ربیع الأول 1404هـ، على فرض موت الجنین أو سقوط الحمل ثم حمل مؤجرة الرحم من مقاربة زوجها لها فیظن بأن المولود هو من بیضة الأولى والحقیقة خلاف ذلك، أو تمسكوا بفرض آخر وهو أن تحمل مؤجرة الرحم بحمل آخر بعد زرع البویضة المخصبة، نتیجة مقاربة زوجها لها، ومن ثم لا یعرف عند ولادة التوأم من أمهما[26].
ویرى أصحاب هذا الرأي ضرورة المحافظة على الزوجة التي لا تنجب وعدم اللجوء إلى تطلیقها وٕإنما استعانة الزوج بزوجته لكي ترزق زوجته الأولى بالولد وتحل المشكلة مع عدم وجود محظور شرعي بحسب رأیهم[27].
مناقشة الدلیل:
هذا الرأي أباح تأجیر الرحم في هذه الصورة لأن اختلاط النسب غیر موجود من ناحیة الأب مع عدم وجود الحرمة من إدخال ماء الزوج في رحم مؤجرة فهي زوجة ثانیة له، ثم عاد المجمع وحرم الصورتین للفكرة ذاتها وهي اختلاط الأنساب.
إن فكرة اختلاط الأنساب التي تم التذرع بها لیست عصیة على الحل مع التقدم العلمي الهائل فیمكن من خلال فحص الـ (DNA) التعرف على والد ووالدة المولود، هذا إن حصل فرض سقوط البیضة المخصبة وحمل الزوجة من مقاربة زوجها لها أو حمل الزوجة مؤجرة الرحم بمولود آخر من زوجها ومن ثم لا یعرف أي المولودین یتبع أي من الزوجین، وهو فرض نادر ولكن العلم الحدیث وفر لنا وسائل التحقق من نسب المولود.[28]

المطلب الثالث: عدم تحریم عقد إجارة الرحم

في مصر أجاز العقد الشیخ عبد المعطي بیومي عمید كلیة أصول الفقه في جامعة الأزهر سابقا وعضو اللجنة الدینیة في مجلس الشعب المصري كما أجاز العقد علماء وكتاب آخرون[29].
وقد برز بعض المجیزین ذلك بالآتي:
1- لا وجود لفكرة اختلاط الأنساب لأن (التشكیل الوارثي للجنین سیكون حتما للزوج صاحب المني وزوجته صاحبة البویضة وأن البویضة المستحیل إعادة تلقیحها في رحم المرأة بعد الإخصاب)[30].
2- إن الأصل في الأشیاء الإباحة إلا إذا ثبت حرمتها ولم یثبت حرمة وضع بویضة مخصبة في رحم المرأة الأجنبیة[31].
3-قاس البعض تغذیة الجنین من الرحم بالرضاع وأن الأم تبقى هي صاحبة البویضة المخصبة وأن حلیب المرضعة أو رحم المرأة یعمل فقط على تغذیة الطفل أو الجنین ولا یؤثر في صفاته الوراثية أو تكوینه.
4- إن الأشخاص لا یلجئون إلى هذه الوسیلة إلا مضطرین وما دامت هناك وسیلة مأمونة لا تؤدي إلى اختلاط الأنساب وتخدم مصلحة العائلة في الحصول على المولود فما المانع من اللجوء إلیها[32].
مناقشة الأدلة:
1- إن اختلاط الأنساب متحقق خاصة مع عدم حسم من هي أم المولود هل هي الأم البیولوجیة أو الأم الحامل ثم من هو الأب فیما لو كانت مؤجرة الرحم متزوجة ألا تنص القاعدة الشرعیة بأن الولد للفراش وللعاهر الحجر.
2- إن الأصل في الإرضاع التحریم لما فیه من الاحتیاط وهي قاعدة متفق علیها وهي حجة على القائلین بالجواز بسبب الإباحة وعدم الحرمة إلا بدلیل وأن الأصل هو الحل في المنافع والتحریم في المضار لا الإباحة المطلقة.
3- إن القیاس على الرضاع قیاس مع الفارق، لأن الرضاع إنما شرع للضرورة وهي المحافظة على حیاة الطفل المولود لیس لولادة طفل جدید.
4- الاضطرار إن قیل بجوازه للمرأة صاحبة البویضة التي ترغب بالحصول على المولود تلبیة لغریزة الأمومة وللمحافظة على كیان العائلة، من غیر الممكن قبوله بالنسبة لصاحبة الرحم المؤجر بل هي تمارس عملا تجاریا في الغالب لأنها تأخذ مقابلا لقیامها بالحمل لمصلحة الغیر.
نرى من خلال استعراض ومناقشة حجج الفریقین والوضع التشریعي مدى المشاكل الجمة التي یثیرها عقد إجارة الأرحام ومنها نسب المولود من جانب الأب في حالة زواج مؤجرة الرحم أو النسب من جهة الأم والآراء المتعددة بشأنها بل أنه محل احتیاط حتى بالنسبة لمن أجازه لذا ندعو غلى ضرورة إصدار تشریع في مختلف الدول، فلابد من حسم المسألة إما بالإجازة للعقد على أن یكون ذلك بأضیق الحدود مع إیجاد الحلول المقنعة للمشاكل المختلفة للعقد، أو الاتجاه إلى تحریمه أو الأخذ بالرأي الثالث وٕإجازته إن كانت مؤجرة الرحم زوجة ثانیة للزوج صاحب النطفة فقط.

الخاتمة

مع كل تلك المشاكل الجمة التي یثیرها عقد إجارة الرحم إقترحنا ضرورة صدور تشریع في الدول الإسلامیة ینظم ذلك خاصة مع بدأ انتشار هذا العقد في الشرق و الاعتراف به من قبل دولة إسلامیة هي إيران فضلا عن أن بعض المراجع الدینیة تجیزه، لذا فلابد أن یحسم القانون ذلك إما بإجازته على أن یكون ذلك بأضیق الحدود وبتنظیمه لكل المشاكل المتعددة التي یثیرها العقد وأن تنشأ لذلك مراكز خاصة تحت الرقابة الصارمة للدولة، أو أن یقرر القانون حظر إبرام ذلك العقد بسبب ما ترتبط به من مشاكل تستعصي على الحل وخاصة مسائل النسب التي یحتاط بشأنها حتى مجیزیه وهو ما نؤیده بغض النظر عن مشروعیة هذا العقد من عدمه واﷲ العالم.


[1] انظر في عرض مواقف الدول الغربیة من عقد إجارة الأرحام، الموقع الالكتروني (http://www.mother-surrogate.com)
[2] د.حسني محمود عبد الدایم، عقد إجارة الأرحام، ص173 و174.
[3] د.شوقي زكریا الصالحي، التلقیح الصناعي بین الشریعة الإسلامیة والقوانین الوضعیة، د ارسة مقارنة، دار النهضة العربیة، القاهرة ،2001، ص116 و.117.
[4] (Journal droit international clunet-1990, p282) نقلا د.شوقي زكریا الصالحي، الرحم المستأجر وبنوك النطف والأجنة والحكم الفقهي والقانوني لهما، العلم والإیمان للنشر ،2006، ص41.
[5] د.حسني محمود عبد الدایم، عقد إجارة الأرحام، ص190.
[6] Theresa M.Erickson, surrogate paves way for surrogate law –France, article, http://www. Surrogacyissuesblog.com
[7] Anita shmcke, surrogate motherhood law and legislation astralia, Murdoch university electronic journal of law, http://www.murdoch.edu.au/elaw/issues
[8] المصدر السابق نفسه.
[9] د. شوقي زكريا الصالحي، الرحم المستأجر،ص34.
[10] ومما جاء في الحكم (surrogate contract was legal and enforceable) انظر (Thomas Pinkerton, surrogacy and egg donation law in California, http://www. California surrogacy  law.com)
[11] المصدر السابق نفسه.
[12] د.شوقي زكریا الصالحي، الرحم المستأجر، ص35.
[13] د.أحمد محمد لطفي، التلقیح الاصطناعي، ص231.
[14] فاطمة الصمادي،ظاهرة تأجیر الأرحام في إیران ،(جدل اجتماعي رغم الإباحة الفقهیة)، تحقیق منشور على الموقع الالكتروني (http://www.ensan.net)
[15] الإحصائیة منشورة في الموقع الالكتروني الإیراني (http://www.Nessai.groub.com) 
[16] فاطمة الصمادي، ظاهرة تأجیر الأرحام في إیران ،(جدل اجتماعي رغم الإباحة الفقهیة)، مصدر سابق.
[17] د.أحمد محمد لطفي، التلقیح الاصطناعي، ود.أمیرة عدلي عیسى خالد، الحمایة الجنائیة للجنین في ظل التقنیات المستحدثة، دار الفكر الجامعي،الإسكندریة،2005، ص201، وقسم الأبحاث الشرعیة بدار الإفتاء المصریة، تأجیر الأرحام، بحث منشور في الموقع الالكتروني لدار الإفتاء المصریة (http://www.dar-alefta.com).
[18] حسام تمام، تأجیر الأرحام، بین الطب والسیاسة، بحث منشور على الموقع الالكتروني (http://www.dr-madi.com)
[19] مثل المرجع الشیخ إسحاق فیاض الذي لا یجوز تخصیب البیضة في رحم امرأة أجنبیة ولا زرع البیضة المخصبة في رحمها، انظر فتاوى في الشیخ في موقعه الالكتروني (http://www.fayadh.com.)
[20] د.حسني محمود عبد الدایم، عقد إجارة الأرحام، ص221، و د.شوقي زكریا الصالحي، الرحم المستأجر وبنوك النطف والأجنة ،ص49. الشیخ یوسف القرضاوي، مقابلة في برنامج موقف الشریعة من التطوارت العلمیة في قناة الجزیرة الفضائیة في 01/04/2001، النص الكامل للحلقة منشور في أرشیف قناة الجزیرة وعلى موقعها الالكتروني (http://www.aljazeera.net) .
[21] الآیة 29 من سورة المعارج.
[22] د.أحمد محمد لطفي، التلقیح الاصطناعي، ود.سعاد صالح (أستاذ الفقه المقارن ورئیس قسم الفقه في جامعة الأزهر)، تكریم إنسان وتأجیر الأرحام،مقالة في جریدة الأهرام، السنة 135، العدد 13، 41573، مارس 2006، منشور في الموقع الالكتروني لجریدة الأهرام (http://www.ahram.org.eg).
[23] د.سعاد صالح، تكریم الإنسان وتأجیر الأرحام، المقالة السابقة وقسم الأبحاث الشرعیة بدار الإفتاء المصریة، تأجیر الأرحام، مصدر سابق.
[24] المصدر السابق.
[25] الآیتین 49 و50 من الشورى.
[26] د.أحمد محمد لطفي أحمد، التلقیح الاصطناعي، ص236.
[27] لمصدر السابق.
[28] انظر في هذا الشأن  فتاوى السید علي السیستاني على موقعه الالكتروني (http://www.sistani.orgو (http://www.sistani.com)
[29] رأي الدكتور عبد المعطي بیومي منشور في الموقع الالكتروني (http://www.islamonline.net).
[30] د.أحمد محمد لطفي، التلقیح الاصطناعي، ص247.
[31] د. حسني محمود لطفي، عقد إجارة الأرحام، ص228 إلى 203.
[32] فاطمة الصمادي، ظاهرة تأجیر الأرحام في إيران ،(جدل اجتماعي رغم الإباحة الفقهیة)، مصدر سابق.
google-playkhamsatmostaqltradent