الأعمال التجارية بالتبعية

الأعمال التجارية بالتبعية

الأعمال التجارية بالتبعية
نصت المادة 4 من القانون التجاري الجزائري على أنه يعد عملا تجاريا بالتبعية:
- الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجره،
- الالتزامات بين التجار،
والأعمال التجارية بالتبعية هي أعمال مدنية بطبيعتها، إلا أنها تعتبر تجارية متى قام بها تاجر وتعلقت بشؤون تجارته وتبعيتها لمهنته التجارية، فمصدر الصفة التجارية لهذه الأعمال ليس في طبيعتها وإنما بمهنة القائم بها، فمهنة القائم بالعمل هي التي تؤثر في الأعمال التابعة لها فتكسبها صفتها، فالتاجر الذي يشتري الأثاث والورق لمكاتبه أو يشتري سيارة لنقل بضائعه أو يتعاقد مع شركة توريد الكهرباء والغاز لمحله التجاري، إنما يقوم بهذه العمليات للاستهلاك لا للبيع، ومع ذلك تعد هذه العمليات تجارية لأنها تابعة لتجارته، أما إذا قام بهذه الأعمال شخص غير تاجر فلا تكتسب الصفة التجارية، وتبقى خاضعة لأحكام القانون المدني، وعلى هذا الأساس يعتبر عملا مدنيا بالتبعية شراء الرسام الأوراق التي يرسم عليها لوحاته لبيعها، وكذلك شراء صاحب المدرسة الأغذية لبيعها لتلاميذه، لأن أعمال الشراء لأجل البيع تابعة لمهنة مدنية أصلية هي الرسم والتعليم، ولذلك تعد أعمالا مدنية، كما يطلق على الأعمال التجارية بالتبعية تسمية الأعمال التجارية الذاتية أو الشخصية، لأن الذاتية هي جوهر الأعمال التجارية بالتبعية، وليس من الممكن حصر الأعمال التجارية بالتبعية فهي كثيرة وتختلف باختلاف نوع التجارة فمن أمثلتها:
- شراء التاجر لأثاث وأوراق لمكاتبه، وشراء السيارات لنقل البضائع إلى العملاء أو شراء وقود وآلات لمصانعه.
- التعاقد مع الشركات على توريد الكهرباء والغاز والماء لمحله التجاري.
- التأمين على المحل التجاري ضد مخاطر الحريق والسرقة.
- العقود التي يبرمها التاجر مع شركة الإعلان للإعلان عن بضائعة في الصحف والمجالات وترغيب المستهلكين بها.
- الاقتراض لشؤون تجارته وفتح الحسابات والاعتمادات لدى البنوك لمباشرة مهنته التجارية.         
هذا ولما كان مصدر تجارية هذه الأعمال مهنة القائم بها كما قدمنا فالتبعية ذاتية لا موضوعية، وهكذا لو قام غير التاجر بشراء سلعة لإعادة بيعها بقصد تحقيق الربح ثم أبرم عقدا لنقل هذه السلعة، فعقد النقل لا يصبح عملا تجاريا بالتبعية ذلك لأن التبعية ذاتية شخصية دون التبعية الموضوعية هي التي تطرح على العمل صفة العمل التجاري بالتبعية إلا أنه خروجا عن هذه القاعدة يعتبر:
1- عقد رهن تجاريا متى كان القرض الذي يضمنه تجاريا، ومدنيا متى كان القرض الذي يضمنه مدنيا حتى ولو كان المدين الراهن في الحالة الأولى غير تاجر وفي الحالة الثانية تاجر، مادام الرهن بطبيعته لعقد القرض، ولا يتصور وجوده بدون عقد القرض، ولذلك يكتسب الصفة التجارية متى كان الغرض منه تجاريا والصفة المدنية متى كان الغرض منه مدنيا بصرف النظر عن صفة المقترض تاجرا كان أو غير تاجر.
2- لا يكتسب السند الاذني متى كان مصدره غير تاجر الصفة التجارية إلا إذا كان تحريره مترتبا على عمل تجاري.

المطلب الأول: أساس نظرية التبعية

 إن نظرية التبعية مستمدة من النصوص القانونية الموجودة في القانون التجاري الفرنسي والتي توصل إليها القضاء والفقه الفرنسي، حيث طرحت هذه النظرية الصفة التجارية على جميع الأعمال التي تتبع التاجر حتى يخضع العمل الأصلي والعمل التابع لقواعد واحدة تطبيقا للمبدأ القائل "بأن الفرع يتبع الأصل في الحكم"، والهدف من وراء ذلك الحفاظ على الوحدة التجارية وعدم تجزئتها، وقد عمم القضاء الفرنسي نظرية التبعية على جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر على شرط أن تكون متعلقة بتجارته وتابعة لمهنته التجارية، ولقد قنن المشرع الجزائري نظرية التبعية في المادة 4 حيث اعتبر تجاريا "جميع الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجره، وكذلك الالتزامات بين التاجر" فهذه المادة تعتبر عملا تجاريا بالتبعية الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بتجارته، وكذلك الالتزامات بين التجار ولو لم تدرج في عداد الأعمال التجارية المذكورة في المواد 1و2و3 من القانون التجاري الجزائري، كما أن المادة 4 من القانون التجاري الجزائري لا تشترط أن يحصل العمل بين تاجرين حتى يعتبر العمل تجاريا، بل يكفي أن يكون أحد طرفي العمل تاجرا حتى يعد تجاريا بالنسبة إليه، فإذا اشترى تاجرا لوحات رسم لاستعمالها في مكاتبه، فهذا الشراء يعتبر تجاريا بالنسبة إلى التاجر ولو أن البيع صادر من غير تاجر وهو الرسام، ويفترض عادة أن الأعمال التي يقوم بها التاجر متعلقة بتجارته، بحيث يكون من السهل الاطلاع عليها، فإذا تبين أن هذه الأعمال قام بها لحاجات تجارته أصبحت تجارية بالتبعية، وإذا قام بها لغير تجارته احتفظت بالصفة المدنية، وعلى من يدعي الصفة المدنية لأعمال التاجر أن يقيم الدليل على ذلك، ولا فرق فيما إذا كان المدعي بالصفة المدنية تاجر أو غير تاجر، فالتاجر الذي اشترى سيارة مثلا أن يقيم الدليل بأنه لم يشتريها لأغراض تجارية وإنما لمجرد استعمالها الشخصي، فالقرينة التجارية إنما هي قرينة بسيطة لا قاطعة فيمكن إثبات عكس مدلولها، أي إثبات عدم ارتباط العمل المدني بمباشرة المهنة التجارية بكافة وسائل الإثبات بما فيها البينة والقرائن، ولنظرية التبعية حدود من حيث أنها لا تنطبق على كل أعمال التاجر بل هنالك أعمالا يقوم بها التاجر لا صلة لها بالأعمال التجارية، وتندرج ضمن الأعمال المدنية، ومن بينها زواج التاجر وطلاقه والنفقة والهبة التي يتبرع بها، أو الأعمال المتعلقة بحياته المدنية كشراء الأغذية واللباس لعائلته، أو شراء سيارة لاستعماله الشخصي.

المطلب الثاني: تطبيقات نظرية التبعية

يتسع نطاق تطبيق نظرية الأعمال التجارية بالتبعية على جميع الأعمال الذي يقوم بها التاجر لحاجات تجارته، وبهذا تكون أكثر اتساعا من الأعمال التجارية المذكورة في القانون التجاري، ولا تقتصر نظرية التبعية على العقود فحسب بل تشمل أيضا التزامات التاجر سواء أكان مصدرها عقديا أم غير عقدي.

أولا: تطبيق نظرية التبعية على الالتزامات التعاقدية

وفقا لنص المادة الرابعة من القانون التجاري الجزائري تعتبر جميع العقود التي يبرمها التاجر لممارسة تجارته أو بمناسبتها  أعمالا تجارية تطبيقا لنظرية التبعية رغم كونها بحسب الأصل مدنية، مثال ذلك شراء التاجر لوقود وآلات لمصانعه والاقتراض لشؤون تجارته والتأمين على المحل التجاري وعقود العمل التي يبرمها التاجر مع عماله وعقود النقل لأغراض تجارته وعقود الإعلان والنشر في الصحف للترويج وعقد فتح حساب جاري مع مصرفه والتعاقد على توريد الكهرباء والماء والغاز إلى محله التجاري وغيرها من العقود المتعلقة بتحقيق نشاطه التجاري، غير أن هنالك بعض العقود التي يبرمها التاجر وتتعلق بتجارته تثير صعوبات نذكر منها ما يلي:

1- عقد الكفالة

في الأصل الكفالة عقد مدني لأنها من عقود التبرع وتنتفي عليها الصفة التجارية لأنها لا تهدف إلى المضاربة وتحقيق الربح، وبالتالي فإن الكفالة لا تعد عملا تجاريا ولو كان الدين المكفول تجاريا ولو كان الكفيل تاجرا، ونصت عليها المادة 644 من القانون المدني الجزائري بقولها: "الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه"، وعلى الرغم من أن الكفالة في الأصل عملا مدنيا، إلا أنها تكتسب الصفة التجارية في الحالات، منها كفالة أحد الموقعين على الورقة التجارية وتسمى بالضمان الاحتياطي تعتبر عملا تجاريا، كما تعتبر الكفالة تجارية إذا صدرت من البنوك لكفالة أحد عملائه لأنها تدخل ضمن إطار عمليات البنوك، وأخيرا فإن الكفالة تعد تجاريا بالتبعية إذا قام بها الكفيل لمصلحة تجارته، كأن يكفل التاجر أحد عملائه التجار ليدرءا عنه خطر الإفلاس ويحتفظ به كعميل.

2- شراء وبيع المحل التجاري

إن شراء المحل التجاري قصد بيعه أو تأجيره هو عمل تجاري بطبيعته، غير أن شراء التاجر لمحل تجاري قصد استثماره هو عمل تجاري بالتبعية، إلا أن الفقهاء من رجال القانون اختلفوا حول شراء المحل التجاري من قبل غير تاجر، فذهب فريق منهم إلى اعتبار أن هذا العمل لا يعد عملا تجاريا بالتبعية، لأن المشتري لم يكتسب بعد صفة التاجر وقت الشراء، إلا أن الرأي الراجح اعتبر هذا العمل تجاريا بالتبعية، لأن عملية الشراء هي الخطوة الأولى قصد احتراف التجارة، وبالتالي يكتسب الشخص صفة التاجر ولو كان وقت الشراء لا يكسب هذه الصفة، أما بيع التاجر لمحله التجاري فيعد عملا تجاريا بالتبعية، لأنه أخر عمل تجاري يقوم به التاج في حياته التجارية، أما إذا اكتسب الشخص المحل التجاري عن طريق هبة أو الميراث أو الوصية، وباعه دون أن يزاول فيه التجارة فإن عملية البيع تكون مدنية لعدم ارتباطه بمزاولة التجارة، أما المشرع الجزائري فقد اعتبر جميع العمليات المتعلقة بالمحل التجاري من بيع وشراء ورهن وتأجير من العمليات التجارية بحسب الشكل.

3- العقود المتعلقة بالعقارات

أما العقود المتعلقة بالعقارات فكانت تبعا لقاعدة تقليدية قديمة تعتبر على أنها مدنية بطبيعتها، وذلك لثبات العقار وخضوع تداوله القانوني لإجراءات عديدة ومعقدة لا تتفق وروح التجارة التي تقوم أساسا على الحركة والسرعة، إلا أن القضاء الحديث يتجه الآن ومنذ أن اعتبر المشرع شراء العقار لإعادة بيعه على أنه من الأعمال التجارية بحسب الموضوع، وكذلك هو الحال بالنسبة لتعاقد التاجر مع مقاول على ترميم وتوسيع العقار الذي يزاول فيه نشاطه التجاري أو التأمين الذي يعقده التاجر ضد المخاطر التي قد يتعرض لها العقار الذي يزاول فيه نشاطه التجاري، وأما العقود التي تتعلق بشراء العقار من أجل الاستعمال الشخصي فهو عمل مدني، وكذلك الحال بالنسبة للعقود الواردة على ملكية العقار فلا تنطبق على هذه العقود نظرية التبعية.

ثانيا: تطبيق نظرية التبعية على التزامات التاجر غير التعاقدية

لا يقتصر نطاق تطبيق نظرية الأعمال التجارية بالتبعية على التزامات التاجر التعاقدية فحسب، بل يشمل أيضا التزامات التاجر غير التعاقدية التي يتحملها التاجر بمناسبة نشاطه التجاري وبسبب هذا النشاط، إذ أن نص المادة 4 من القانون التجاري جاء شاملا ومطلقا ومن ثم تعتبر جميع الأعمال والالتزامات المتعلقة بممارسة المهنة التجاري بين التجار أعملا تجارية بالتبعية بصرف النظر عن مصدرها، وهكذا يعتبر عملا تجاريا بالتبعية الالتزام الذي يكون مصدره الإثراء بلا سبب بشرط أن يكون هناك علاقة بين هذا الإثراء وبين النشاط التجاري للتاجر، ويلتزم التاجر في هذه الحالة برد ما أثرى به على حساب الغير، كالتزام شركة النقل الجوية برد ما قبضته زيادة على تعريفة النقل المقررة، كذلك يعتبر تجاريا بالتبعية التزام التاجر الناشئ عن المسؤولية التقصيرية، أكانت هذه المسؤولية مسؤولية شخصية أو مسؤولية تقصيرية عن الغير أو مسؤولية ناشئة عن الحيوان أو الأشياء الغير حية تحت حراسة التاجر، فإذا ما ارتكب التاجر عمل غير مشروع أثناء مزاولته لتجارته، فإن التزامه بتعويض الضرر الناشئ عن ذلك يعتبر عملا تجاريا بالتبعية، فيكون إذن تجاريا التزام التاجر بالتعويض عن أعمال المنافسة الغير مشروعية التي تصدر منه، مثل تقليد موضوع اختراع منحت عنه براءة لشخص آخر وتقليد علامة تجارية مملوكة للغير، كما تعتبر تجارية مسؤولية التاجر عن الحوادث التي تقع من مستخدميه أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها أو الأضرار التي تحصل من الأشياء التي يستخدمها التاجر في شؤون تجارته أكان الشئ من الأشياء الحية أم من الأشياء الغير حية، فإذا ما أضر التاجر بالغير وهو يقود سيارته لتسليم السلع إلى العملاء، فإن الضرر الناشئ عن تدخل السيارة يلتزم التاجر بالتعويض عنه التزاما تجاريا بالتبعية، ولقد أسند المشرع الجزائري مهمة النظر في جميع الدعاوى المتعلقة بحوادث السيارات إلى الدائرة المدنية لدى المحكمة، وأما فيما يتعلق بدعاوى العمال فتختص بها الدائرة  العمالية لدى المحكمة، هذا وعلينا أن نعلم بأن نطاق نظرية التبعية يمتد إلى ميدان الالتزامات القانونية، فتنفيذ التاجر لالتزامه القانوني بدفع مبالغ اشتراكات الضمان الاجتماعي هو عمل تجاري بالتبعية لأنها ترتبط بنشاط التاجر كرب عمل، أما دفع الضرائب لمصلحة خزينة الدولة نتيجة لممارسة التاجر لنشاطه التجاري فلا تعتبر من الأعمال التجارية بالتبعية بالرغم من أنها تنفيذ لالتزام قانوني، لأن الالتزام بدفع الضرائب مكلف به جميع المواطنين ولا علاقة له بمهنهم، وبهذا تنطبق الضريبة على جميع المواطنين على قد المساواة لا فرق في ذلك بين التاجر وغير التاجر، وبالتالي فلا يصح إشهار إفلاس التاجر بسبب عدم تسديده الضرائب لخزينة الدولة.

المطلب الثالث: الأعمال المدنية بالتبعية

إن نظرية التبعية لا توجد فقط في القانون التجاري، بل توجد كذلك في القانون المدني وبالتالي تعد الأعمال التي يقوم بها الشخص المدني أعمالا مدنية بالتبعية لأنها تابعة لنشاط مدني أصلي، وهذا بالرغم من طبيعتها التجارية، والأمثلة على ذلك كثيرة، فشراء النحات للأحجار التي يصنع منها التماثيل تعتبر عملا مدنيا بالتبعية رغم أن هذا العمل يقصد منه النحات البيع، وكذلك شراء الطبيب لأدوية مفقودة في الصيدلية لبيعها لزبائنه يعتبر عملا مدنيا بالتبعية، كما يعتبر عملا مدنيا بالتبعية شراء المزارع للأكياس التي يضع فيها محصوله الزراعي لبيعه، وشراء الرسام الأوراق والألوحة التي يرسم عليها لبيعها، وشراء صاحب المدرسة الخاصة الأغذية والأدوات لبيعها لتلاميذه، فهذه الأعمال كلها تجارية بطبيعتها لأنها عمليات شراء لأجل البيع سعيا وراء تحقيق الربح، غير أنها تابعة لمهنة مدنية أصلية هي النحت أو الطب أو الزراعة أو الرسم أو التعليم، ولذلك تعد أعمالا مدنية بالتبعية.

المرجع :


  1. أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 77 إلى ص 82.
google-playkhamsatmostaqltradent