معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني

معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني

معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني

المبحث الأول : معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني

إن حصر الأعمال التجارية بنص تشريعي هو من أصعب الأمور إن لم يكن من الأمور المستحيلة، ذلك بسبب تطوره وتجدد الحياة التجارية، فلو كان من الممكن حصر الأعمال التجارية كان من السهل علينا أن نقول بالنسبة لعمل معين إن كان هذا العمل عمل تجاريا أم مدنيا على ضوء إعداد الأعمال التجارية القانونية، نلاحظ أيضا أن إعداد الأعمال التجارية الواردة في مادة القانون التجاري الجزائري إنما هو بمثابة خليط غير متناسق لا تربطه فكرة شاملة يمكن الاستعانة بها لإيجاد معيار جامع مانع ينطبق على جميع الأعمال التجارية التي وردت في نص القانون، ويستطيع بها التعرف على الأعمال التجارية التي قد تستنجد في الحياة العملية، لذلك اتجه الفقه إلى وضع معيار للتفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني حتى يمكن لنا على ضوء هذا المعيار الحكم على عمل معين بأنه من الأعمال التجارية أو من الأعمال المدنية، فيتحدد تبعا لذلك القانون الذي يخضع لع العمل والقضاء الذي يختص في المنازعات المتعلقة به، ووضع الفقهاء في هذا الشأن نظريات مختلفة متعددة نذكر منها ثلاث نظريات هامة وهي :
1- نظرية المضاربة.
2- نظرية التداول.
3- نظرية المقاولة.

المطلب الأول : نظرية المضاربة

المقصود بالمضاربة هو السعي وراء تحقيق الربح النقدي عن طريق العمل التجاري الذي يحترفه التاجر، وذلك من خلال فروق الأسعار التي تتجلى خصوصا في عملية الشراء لأجل البيع، واعتبر بعض الفقهاء أن العنصر الجوهري في العمل التجاري هو المضاربة، وبالتالي فهو المعيار الفاصل بين العمل التجاري والعمل المدني، فمتى وجد قصد لتحقيق الربح كان عملا تجاريا ومتى انتفى هذا القصد كان العمل مدنيا، وقد اعتمد هذا المعيار المشرع الجزائري في نص المادة 2 الفقرة الأولى من القانون التجاري الخاص بعقد الشراء لأجل البيع وهو من أبرز صور الأعمال التجارية حيث يظهر في العمل معيار المضاربة واضحا، ذلك لأن الشراء من أجل البيع يعتبر عملا تجاريا لأن من يشتري سلعة معين يقصد بيعها بثمن أعلى من ثمن الشراء، إنما يضارب على فروق الأسعار سعيا وراء الربح، وبالرغم من أن نظرية المضاربة تتضمن جانبا من الحقيقة، إلا أنها ليست صحيحة على إطلاقها، ذلك أن هنالك أعمالا تهدف إلى الربح ومع ذلك تبقى أعمالها مدنية، كالطبيب والمحامي والمزارع، إلا أن عنصر المضاربة يلعب دورا كبيرا في التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني، إذ أنه من غير الممكن تصور عمل تجاري لا يهدف إلى تحقيق الربح النقدي، وبالتالي يخرج من نطاق القانون التجاري كل العمليات التي لا تستهدف إلى تحقيق الربح كما هو الحال في الجمعيات التعاونية والتي تشتري السلع لبيعها لأعضائها بسعر التكلفة، كما لا يعد تجاريا إصدار الصحف والمجلات لأغراض علمية وأدبية دون أن يكون الهدف من ورائها تحقيق الربح، إن نية تحقيق الربح أمر ذاتي نفسي يتغير من شخص لآخر ويصعب بالتالي على القاضي أن يطلع عليه، إلا أنه بالرغم من ذلك ينبغي التسليم بأن المضاربة تعد عنصرا جوهريا من عناصر الأعمال التجارية.

المطلب الثاني : نظرية التداول

التداول هي الأعمال التي تتعلق بالوساطة في تداول الثروات من وقت خروجها من يد المنتج إلى وقت وصولها إلى يد المستهلك، ونظرية التداول نظرية موضوعية لا ذاتية، إذ يسهل على القاضي الاطلاع عليها، وتستبعد هذه النظرية من نطاقها عمليات الزراعة والصناعة الاستخراجية والعمليات الاستهلاكية لأن عنصر التداول لا يظهر فيها، وبالتالي تخضع هذه العمليات إلى قواعد القانون المدني، وعليه فإن إنتاج السلع لا يعد عملا تجاريا، لأن السلعة لم تدخل التداول بعد وكذلك الحال شراء المستهلك لها بحيث لا يعتبر العمل على أنه من الأعمال التجارية مادامت السلعة قد خرجت هكذا من دائرة التعامل، أما في الفترة أي ما بين فترة خروج السلعة من يد المنتج ووصولها إلى يد المستهلك فإنها تدخل في دائرة التداول وتخضع بالتالي لأحكام القانون التجاري، وبعبارة أخرى إن التداول معناه النقل والحركة، فكل عمل ينصب على نقل سلعة وتحريكها من بعد خروجها من يد المنتج وحتى وصولها إلى يد المستهلك يعتبر عملا تجاريا، أما السلعة قبل خروجها من يد المنتج وبعد وصولها إلى يد المستهلك فهي في حالة ركود وبالتالي فهي تعتبر عملا مدنيا، إلا أن الوساطة في تداول الثروات لا تكفي وحدها لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني، فعمل الوساطة في تداول الثروات الذي لا يستهدف تحقيق الربح لا يعتبر من قبيل الأعمال التجارية، كما هو الحال بالنسبة لعمل الجمعية التعاونية والتي تشتري السلع لإعادة بيعها لأعضائها بسعر التكلفة، أضف إلى ذلك أن نظرية التداول تتعارض مع نص المادة 2 من القانون التجاري الجزائري، إذ أن هذا القانون يعتبر استغلال المناجم ومقالع الحجارة ومنتجات الأرض الأخرى من الأعمال التجارية متى صدرت في شكل مقاولة، وبالرغم من أن نظرية تداول الثروات غير كافية لوحدها لتحديد العمل التجاري إلا أنها تعد عنصرا جوهريا في التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني.

المطلب الثالث : نظرية المقاولة

ترتكز نظرية المقاولة على عنصر التكرار والتنظيم، بمعنى أن المقاول يعمل إلى جمع الوسائل المادية والبشرية وتكريسها للعمل التجاري بصفة مستمرة وفي إطار منظم ومهني مضاربا بذلك على عمل الإنسان وعمل الآلات مستهدفا من وراء ذلك تحقيق الربح، فمتى توافرت هذه الشروط اعتبر العمل تجاريا واكتسب المقاول صفة التاجر، وأخذ بهذه النظرية الفقيه الفرنسي "اسكارا" "ESCARRA3 ، ‘ذ اعتبر أن فكرة المقاولة أو المشروع لا فكرة العمل التجاري المنفرد هي معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني، وتبدو أهمية هذه النظرية في كون القانون التجاري يتطلب السرعة والائتمان، وهذه المطالب ليس بحاجة إليها الشخص الذي يمارس العمل التجاري بصفة عرضية منفردة، إلا أنه من غير الممكن أن يستغني عنها الشخص الذي يمارس الأعمال التجارية بصفة متكررة ومنتظمة أي عن طريق المقاولة، وهذا راجع بالطبع لرؤوس الأموال الضخمة التي يستثمرها المقاول، زيادة على العمال ضد المخاطر التي يمكن أن تنجر عن حوادث غير متوقعة، هذا وتعتبر نظرية المقاولة على أنها نظرية موضوعية مثلها مثل نظرية التداول، بحيث يمكن للقاضي التعرف عليها وهذا لما لها من مظاهر خارجية تدل على وجودها، كتكرار الأعمال التجارية بصورة منتظمة وعلى وجه الاحتراف، إضافة على الوسائل المادية والبشرية التي يستعملها المقاول، كما أنه يمكن الاطلاع بسهولة على غرض المقاولة من خلال طبيعة النشاط الذي تقوم به، وإن كانت هذه النظرية لا تعترف بالأعمال التجارية المنفردة، خلافا للقانون التجاري الجزائري إلا أن المادة 2 من القانون تعترف بالأعمال التجارية التي تصدر في شكل مقاولة ونصت على 11 مقاولة، ثم إن حماية الائتمان له علاقة وثيقة بالمهنة التجارية وبصفة القائم بالعمل، فنظام الإفلاس مثلا وضعه المشرع أصلا لتدعيم ائتمان التجار وأن من يقول بوجود المهنة إنما  يشير إلى وجود المقاولة، وهذه النظرية، وإن كان لها سند قانوني إلا أنها لا تعتبر ضابطا شاملا للأعمال التجارية، إذ أنها لا تشمل كل التعداد القانوني للأعمال التجارية، كما أنها تستبعد العمل التجارية المنفرد مثل الشراء لأجل البيع، أضف إلى ذلك أن إلى جانب المقاولات التجارية توجد مقاولات مدنية تخضع لقواعد القانون المدني، وهذا يؤدي بنا إلى القول أن نظرية المقاولة تتضمن جانب من الصحة إلا أنها ليست صحيحة على إطلاقها.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري أخذ بالمعايير الثلاث المضاربة والتداول والمقاولة في التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني، وهذا ما نلاحظه في نص المادة 2 من القانون التجاري الجزائري، ومما لاشك فيه أنه من الصعب التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني لما تحتويه هذه النظريات من اختلاف فيما بينها، ولو أنها في الواقع تعتبر كلها عناصر جوهرية في العمل التجاري وهذا ما ينبغي أن يأخذ به القضاء.

المبحث الثاني : أهمية التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية

يتبين لنا من خلال ما درسنا أن فوائد التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني تتجلى من خلال طبيعة العمل الذي يقوم به الشخص، فإن كان هذا الشخص يمارس الأعمال التجارية المنصوص عليها في القانون التجاري على وجه الاحتراف وبصورة معتادة اكتسب صفة التاجر، وبالتالي تخضع أعماله لأحكام القانون التجاري، أما إذا كان الشخص يباشر أعمال غير واردة في القانون التجاري فتعتبر أعماله مدنية وتفصل فيها قواعد القانون المدني، ونفس القواعد تنطبق على الشركة فإن كان الغرض من إنشائها امتهان الأعمال التجارية اكتسب صفة التاجر، إلا أن معيار التفرقة بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية لا يكمن فقط في توعية العمل الذي يقوم به الشخص بل هناك أحكام تطبق على العمل التجاري وعلى التجار غير ذلك التي تطبق على العمل المدني وعلى غير التجار منها ما يتعلق بالاختصاص القضائي، ومنها ما يتصل بالإثبات، ومنها قواعد خاصة بالالتزامات التجارية.

المطلب الأول : قواعد الاختصاص

الاختصاص القضائي
يعني بالاختصاص القضائي السلطة المخولة لمحكمة ما للنظر والفصل في المنازعات المرفوعة أمامها بإتباع إجراءات خاصة، ويقسم الاختصاص القضائي إلى نوعين: اختصاص نوعي واختصاص محلي.
1- الاختصاص النوعي: توجد بفرنسا نوعين من المحاكم، محاكم خاصة بالمنازعات المتعلقة بالأعمال التجارية ومحاكم خاصة بالمنازعات المدنية، فالمحاكم التجارية هي صاحبة الاختصاص للنظر والفصل في المنازعات التجارية وتلافع الدعاوى أمامها، بينما تختص المحاكم المدنية في الدعاوى المتعلقة بالأعمال المدنية، أما الجزائر فلم يؤخذ فيها بنظام المحاكم التجارية، إنما جعل اختصاص المحاكم شاملا للمنازعات التجارية والمدنية على أن يطبق القانون التجاري على المنازعات التجارية والقانون المدني على المنازعات المدنية، كما شكلت دائرة تجارية لدى كل محكمة بالفطر الجزائري مختصة بالنظر والفصل في المنازعات التجارية حيث تطبق بشأنها المحكمة قواعد الاقنون التجاري متبعة في ذلك الإجراءات السريعة الخاصة بالمواد التجارية، وتجعل بنفس المحكمة دائرة مختصة بالمسائل المدنية متبعة في ذلك الإجراءات الخاصة في المواد المدنية، إلا أن إنشاء هذه الدوائر لا علاقة له بالاختصاص النوعي وما هو إلا عملية توزيع على القضاة داخل نفس المحكمة، ويترتب عن ذلك أنه لا يجوز الدفع بعدم الاختصاص النوعي في حالة ما إذا رفعت دعوى تجارية أمام الدائرة المدنية.
2- الاختصاص المحلي: تنص المادة 37 من القانون المدني الجزائري على أنه ترفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعي عليه، وذلك طبقا للقواعد العامة في الاختصاص المحلي، ويعتبر المكان الذي يمارس فيه الشخص تجارية موطنا تجاريا بالنسبة للأعمال المتعلقة بهذه التجارة بجانب موطنه الأصلي، إلا أن هنالك استثناءات على المادة المذكورة أعلاه أوردها المشرع الجزائري في نص المادة 8 من قانون الإجراءات المدنية تنص على أنه ترفع الدعاوى خصيصا أمام الجهات القضائية المحددة على الوجه التالي :
- في الدعاوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار، أو دعاوى الإيجارات المتعلقة بالعقارات، وإن تكن تجارية، أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها.
- في مواد الإفلاس أو التسوية القضائية، أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح الإفلاس أو التسوية القضائية.
- وفي الدعاوى المتعلقة بالشركات، بالنسبة لمنازعات الشركاء أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز الرئيسي للشركة.
- ونصت المادة 9 من قانون الإجراءات المدنية، أن في دعاوى المنازعات المتعلقة بالتوريدات والأشغال وأجور العمال أو الصناع يكون الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها مكان إبرام الاتفاق أو تنفيذه، وذلك متى كان أحد الأطراف مقيما في ذلك المكان.
- كما نصت المادة 9 من نفس القانون على أنه ترفع الدعاوى في غير الإفلاس والتسوية القضائية، أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة اختصاصها الوعد وتسليم البضاعة، أو أمام الجهة القضائية التي يجب أن يتم الوفاء في دائرة اختصاصها.

المطلب الثاني: قواعد الإثبات

القاعدة العامة للإثبات في المواد التجارية حر طليق من كل قيد، ومن ثم يجوز إثبات التصرفات القانونية التجارية مهما بلغت قيمتها بكافة وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية والمرسلات وجميع طرق الإثبات، والعلة في ذلك أن الحياة التجارية تتطلب السرعة في التعامل ونبسيط الإجراءات فضلا عن الثقة المتبادلة بين التجار، وقد نصت على مبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية المادة 30 من القانون التجاري بقولها : " يثبت كل عقد تجاري :
1- بسندات رسمية،
2- بسندات عرفية،
3- بفاتورة مقبولة،
4- بالرسائل،
5- بدفاتر الطرفين،
6- بالإثبات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها"،
أما الأعمال القانونية المدنية فتخضع لمبدأ الإثبات بالكتابة في التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على ألف دينار جزائري (المادة 333 من القانون المدني الجزائري).

1- تطبيقات المبدأ

يجوز في المواد التجارية إثبات ما يخالف أو ما يجاوز المكتوب بكافة طرق الإثبات، وذلك خلافا لقواعد الإثبات في المواد المدنية، إذ لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة، كما أنه لا يحتج في المواد المدنية بالمحررات العرفية على المتعاقدين إلا إذا كانت ثابتة التاريخ ثبوت رسمي وذلك بخلاف ما هو الحال عليه في المواد التجارية، بحيث أنه يجوز الاحتجاج بالمحررات العرفية على غير المتعاقدين ولو أنه لم تكن ثابتة التاريخ بثبوت رسمي، ويبرر مبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية دون المواد المدنية بضرورة إبرام العقود على وجه السرعة، غير أنه في المواد المدنية يشترط إعداد الدليل الكتابي قبل تمام العقد لحماية طرفيه كما أن مبدأ الإثبات في المواد التجارية يفسر بأن المتعاقدين التجار ليسوا بحاجة إلى الحماية القانونية كما هو الحال بالنسبة لغير التجار، بالإضافة إلى أن التجار يقيدون الأعمال الذي يقومون بها في دفاتر تجارية مما يخفف من مبدأ عيوب الإثبات ويسهل إقامة الدليل على التعاقد فيما بين التجار بمقارنة دفاترهم التجارية.

2- الاستثناءات من مبدأ حرية الإثبات

وإن كانت معظم المعاملات التجارية تخضع لمبدأ حرية الإثبات وهذا لما تتطلبه الحياة التجارية من سرعة في إبرام وتنفيذ الالتزامات التجارية، إلا أن المشرع وضع استثناءات على هذا المبدأ، بحيث التصرفات القانونية التجارية تتطلب الكتابة وهذا لأهميتها مثل عقد الشركة وعقد العمل البحري وعقد النقل البحري وعقد التأمين البحري، وكما هو الشأن في الأوراق التجارية كالسفتجة والسند الاذني والشيك، لأن طبيعة هذه المعاملات لا تكون إلا كتابة لما تتضمنه من بيانات معينة، وقد ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حيث اشترط الكتابة الرسمية في بيع السفينة ورهنها وكذلك في بيع المحل التجاري ورهنه، هذا وخلافا لقاعدة حرية الإثبات في المسائل التجارية، يجوز الاتفاق على أن يكون الإثبات في المواد التجارية بالكتابة لعدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام وفي هذه الحالة لا يقبل الإثبات بغير الكتابة.

المطلب الثالث : جزاء الالتزام

أولا : افتراض التضامن

الأصل في المعاملات التجارية أن التضامن مفترض فيما بين المدينين عند تعددهم دون حاجة إلى اتفاق أو نص في القانون، وهذا ما جرى عليه العرف التجاري، والهدف من وراء ذلك توثيق الائتمان وضمان الوفاء بالديون التجارية وتشجيع القروض بين التجار لما في ذلك من فائدة في ازدهار الحياة التجارية، وذلك بخلاف ما هو الحال عليه في المعاملات المدنية بحيث لا يفترض التضامن وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون، وإذا كان القانون التجاري الجزائري ينص على التضامن في بعض الحالات، كما هو الحال بالنسبة للمادة 551 التي تنص على "أن الشركاء في شركات التضامن يكونون مسئولون من غير تحديد وبالتضامن عن ديون الشركة"، والتضامن بين جميع الموقعين على الورقة التجارية في الوفاء بقيمتها لحاملها، فقد كان ذلك لإبراز أهمية التضامن في هذه الحالات، ما عدا هذه الحالات لم ينص القانون التجاري الجزائري على التضامن في المعاملات التجارية.

ثانيا : نظام الإفلاس

إن قواعد الإفلاس لا تنطبق إلا على التجار من الأفراد متى توقفوا عن دفع ديونهم التجارية، وقد رعى القانون التجاري في هذه الأحكام التضييق على المدين التاجر حماية لدائنيه وتوثيقا للائتمان، حينئد يحق لكل الدائنين الرجوع على المفلس ليستطع كل منهم أن يقبض دينه، وقواعد الإفلاس لا تطبق إلا على التجار دون غيرهم لأن الأشخاص المدنية يطبق عليهم نظام الإعسار، ويطبق نظام الإفلاس على التجار بسبب توقفهم عن دفع ديونهم التجارية والمدنية على حد السواء، وإذا صدر حكم بشهر الإفلاس رفعت يد المدين عن إدارة أمواله والتصرف بها وحق لجميع الدائنين أن يتدخلوا في إجراءات التفليسة، ويعينون وكيل عنهم للقيام بتصفية أموال المفلس وتوزيع الصافي بين جميع الدائنين باعتبار قيمة دين كل واحد منهما وذلك تحقيقا لمبدأ المساواة فيما بينهم.

ثالثا : الأعذار

جرى العرف التجاري على أن أعذار المدين بالتزام تجاري يتحقق بمجرد خطاب عادي نظرا لما تتطلبه التجارة من سرعة في الإجراء، وذلك بخلاف ما هو الحال عليه في المواد المدنية إذ أن في حالة تأخر المدين عن تنفيذ التزامه يوجه له اعذار بإنذاره أي بمطالبته بالوفاء.

رابعا : المهلة القضائية

يجوز للقاضي في المواد المدنية أن يمنح المدين مهلة لتنفيذ التزامه إذا استدعت حالته ذلك وعلى شرط أن يكون المدين حسن النية ولا يترتب على هذا التأجيل ضرر جسيم بالدائن، ولا يجوز منح هذه المهلة في المواد التجارية والسبب في ذلك أن التجارة قوامها السرعة والائتمان مما يتطلب تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقود في أسرع وقت.

خامسا : النفاذ المعجل

لا تكوم الأحكام الصادرة في المواد المدنية قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تحوز على قوة الشئ المحكوم به، أما الأحكام الصادرة في المعاملات التجارية فهي واجبة النفاذ المعجل سواء أكان الحكم قابل للاعتراض أم للاستئناف بشرط تقديم كفالة من قبل التاجر الصادر الحكم لمصلحته، والسبب من تنفيذ الأحكام التجارية تنفيذا معجلا راجع للمتطلبات التي تقتضيها المعاملات التجارية من سرعة في اقتضاء الحقوق.

سادسا صفة التاجر

يشترط القانون التجاري لاكتساب الشخص صفة التاجر ممارسة الأعمال التجارية على وجه الاحتراف، ومن ثم يخضع للالتزامات التي يخضع لها التجار كالقيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر التجارية.

سابعا : الرهن الحيازي

يخضع الرهن المعقود لضمان تجاري لأحكام القانون التجاري، وهي تختلف عن أحكام القانون المدني، وتتسم إجراءاته بالبساطة عند التنفيذ على الشيء المرهون، وهذا ما نصت عليه المادة 33 من القانون التجاري بقولها : " إذا لم يتم الدفع في الاستحقاق، جاز للدائن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغ عاد حاصل للمدين أو الكفيل العيني من الغير إذا كان له محل، أن يشرع في البيع العلني للأشياء المرهونة، ويجوز لرئيس المحكمة بناء على طلب الأطراف أن يعين عونا للدولة مختصا للقيام بهذا العمل، ويعتبر لاغيا كل شرط يرخص فيه للدائن بأن يستملك المرهون أو يتصرف فيه من غير مراعاة للإجراءات المقررة أنفا". وسبب ذلك أن الرهن التجاري يرد على سلع تخضع لتقلبات الأسعار أو تكون قابلة للتلف مما يستلزم تنفيذ الرهن التجاري في أسرع وقت، وهذا بخلاف الرهن المعقود لضمان مدني، إذ يستوجب للتنفيذ على المال المرهون في حالة عدم وفاء المدين بالتزاماته حصول الدائن على حكم من القضاء وهذا يتطلب لإجراءات طويلة ومعقدة.

المرجع :


  1. أ.عمورة عمار، شرح القانون التجاري الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2016، من ص 37 إلى ص 46.
google-playkhamsatmostaqltradent